تعدد المهام.. • المرأة – عمليات متعددة فقد صُمم مخ المرأة لتركيز في اكثر من شيء في وقت واحد فيمكنها متابعة التليفزيون و التكلم في التيليفون او ممارسة اعمال المنزل في نفس الوقت..
• الرجل – أُحادي العملية صُمم عقل الرجل للتركيز في عمل واحد فقط فلايستطيع الرجل مثلا التحدث في الهاتف اثناء مشاهدة التيلفزيون
اللغة.. من السهل على المرأة تعلم لغات جديدة و لكن من الصعب عليها ايجاد حلول للمشاكل, بعكس الرجل فمن الصعب عليه تعلم اللغات الجديدة و لكن يمكنه ايجاد حل لمشكلة ما بسهولة.. و لذلك تكون الطفلة الانثى اذكى من الطفل الذكر..
المهارات التحليلية.. يحتوي عقل الرجل على مساحة كافية للمهارات التحليلية, فاذا عرضت عليه خريطة يمكنه تحليل الخريطة و فهم المشكلة وايجاد حل او خطة بديلة لاعادة البناء.. بعكس المرأة فمن الصعب عليها ادراك التفاصيل الموجودة في الخريطة و هي بالنسبة لها مجرد خطوط
قيادة السيارات.. تُستخدم المساحة التحليلية في عقل الرجل اثناء القيادة فيمكنه القيادة مسرعا و التحكم في السيارة و الاتجاهات و اذا قابله اي عائق يمكنه التفكير بسرعة و تفاديه اما المرأة فيلزمها الوقت لادراك وجود عائق على الطريق و التفكير فيه و لكن بسبب عدم قدرة تركيز الرجل على اكثر من شيئ في نفس الوقت فنجد انه يقوم بخفض صوت الراديو او اغلاقه للتركيز فيما امامه
5.الكذب.. يفشل الرجل في الكذب على المرأة اذا كانت امامه لان عقل المرأة يمكنه ملاحظه 70% من تعابير الوجه , 20% من لغة الجسد , 10 % من حركة الشفاه.. بعكس الرجل فهو لا يمتلك تلك الهبة و يمكن للمرأة ان تكذب عليه بسهولة وهي امامه..
حل المشاكل.. عند مواجهة الرجل للعديد من المشاكل يقوم عقله تلقائيا بتصنيف المشاكل و فصل كل مشكلة ثم يبدء في التفكير في حلول لكل مشكلة على حدة.. بعكس المرأة فلا يستطيع عقلها تصنيف المشكلة و غالبا ماتلجأ لمساعدة الآخرين و تحتاج دائما الى من يسمعها و بمجرد البوح عن مكنونتها يخف عنها حمل المشاكل بغض النظر عن اذا وجدت حل لها او لا..
مالذي يريده الرجل والمرأة غالبا مايريد الرجل المال والمنصب والنجاح وايجاد حلول للمشاكل بينما تريد المرأة الحب والعلاقات الاجتماعية والاسرية الناجحة..
الاستياء.. اذا لم تشعر المرأه بالسعادة في علاقاتها فلا تستطيع التركيز في عملها.. واذا لم يكن الرجل سعيد في عمله فلا يسطيع التركيز في العلاقات الخارجية..
الحديث.. تستخدم المرأة طريقة غير مباشرة في الحديث .. بينما يستخدم الرجل طريقة مباشرة في الحديث
السيطرة على المشاعر تتحدث المرأه كثيرا و دون تفكير.. بينما يحرص الرجل على التفكير في كل حرف قبل نطقه..
هو أبو نصر، محمد بن محمد بن طرخان بن أوزلغ ولد سنة (257/870ـ339/950). موسيقار متميز، اخترع آلة القانون ويعد أعظم من كتب في نظرية الموسيقى في العالم الإسلامي؛ وفيلسوف متميز عُدَّ المعلّم الثاني بعد أرسطو.
قال ظهير الدين البيهقي في كتابه “تاريخ حكماء الإسلام”: الحكماء أربعة: اثنان قبل الإسلام، هما أرسطو وأبقراط؛ واثنان في الإسلام هما أبو نصر، وأبو علي، يعني ابن سينا. وعندما ينسب أي من رجالات العصور الوسطى إلى الفلسفة، كأن يُعدّ فيلسوفاً، فذلك يعني أنه، أيضاً، عالم متضلّع بالعلوم الكونية، ومتضلع فوق ذلك بكتب أفلاطون وأرسطو وأتباعهما.
لقد كانت الفلسفة يومئذ، كالرياضيات في أيامنا هذه، أم العلوم وصفوتها، منها تستمد العلوم الكونية قوتها ومنطقها، وعليها تستند.
ولد الفارابي حوالي سنة 257 هـ في وسيج، وهي بلدة من فاراب، من بلاد ما وراء النهر؛ وتوفي في دمشق في رجب سنة 339. وكانت فاراب حديثة عهد بالإسلام، فقد احتلت وأسلمت على يد السامانيين سنة 225.
وكان السامانيون يدّعون أنهم من سلالة الساسانيين ملوك فارس القدماء. وكان أبو الفارابي ضابطاً في الجيش الساماني يدّعي أنه من أصل فارسي، إلاّ أن أسرته كانت تركية اللغة والزي والعادات.
بدأ الفارابي تعلّمه في نجارى، فدرس علوم الدين والموسيقى. ثم رحل إلى مرو حيث تعرّف على قِسِّ سرياني هو يوحنا ابن حيلان؛ فدرس عليه المنطق، وكان عنده تلميذاً مبرزاً. ثم ارتحلا معاً إلى بغداد، فانصرف ابن حيلان إلى واجباته الكنسية، ولازمه الفارابي فدرس عليه الفلسفة. ولم يشارك ابن حيلان في الحياة الثقافية في بغداد، وهو العالم بالمنطق والفلسفة، وبغداد عندئذ أم الدنيا وحاضرة الثقافة والحضارة والعلم. لذا يظن أنه لم يكن يتقن العربية، وأنه كان يعلّم تلميذه الفارابي باليونانية أو السريانية أو بلغة أخرى. أما الفارابي فتعلّم العربية في بغداد على ابن السراج. كان الفارابي يعلّمه المنطق والموسيقى ويتعلم عليه اللغة والأدب. ولقد أتقن العربية حتى صار أسلوبه نموذجاً يحتذى في الكتابة الفلسفية، ويوصف بالسهل الممتنع. وله نثر فني بديع، وشعر رقيق محبّب
فلسفته
♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧
يعد الفارابي أحد أركان الفلسفة الإسلامية، ومن أعلام الفكر الإنساني ورجالات الإصلاح الاجتماعي. شرح كتب أرسطو وإقليدس وبطليموس والإسكندر الأفروديسي، وردّ على جالينوس فيما تأوّله من كلام أرسطو، وعلى الرازي في “العلم الإلهي”، وعلى ابن الراوندي في “أدب الجدل”. وقد حاول أن يوفق بين رايي أرسطو وأفلاطون، وأبقراط وأفلاطون، وأرسطو وجالينوس.
وكتابه “إحصاء العلوم” أول موسوعة علمية، وكتابه “آراء أهل المدينة الفاضلة” من أوائل كتب الإصلاح الإداري والاجتماعي.
عمد الفارابي إلى شرح أهداف الفلسفة، وإلى الدفاع عن سلوك الفلاسفة؛ وقد تجنّب الصِدام مع الأفكار الدينية، أو لعلّه، وهو المؤمن العميق الإيمان، لم يقم في ذهنه تعارض بين الفلسفة والدين. وقد تجنّب، أيضاً، الجدل السياسي والعقائدي، وكان هذا محتدماً في عصره؛ وهو لم ينتسب إلى أي من الملل والنحل التي كثرت في أيامه، سوى الإسلام بنقائه وبساطته.
وكان له معارف بين ضباط الجيش وحرس الخلافة، من بني جلدته، وعن طريقهم اتصل ببعض الكتّاب والوزراء ممن كانوا يتنافسون في تشجيع العلم والعلماء؛ فأكسبه ذلك حماية وأمناً.
العقل والمنطق عند الفارابي
♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧
يفصل بين الكندي والفارابي نحو ثمانين سنة عرفت حدثين مهمين: الأول ما يعرف بـ”الانقلاب السني” على المعتزلة زمن المتوكل (232 ـ 247)، وقد كان من آثاره تعرض الكندي لمضايقات، ومغادرة أبي الحسن الأشعري صفوف المعتزلة ليؤسس فرقة عرفت باسمه ”الأشعرية”.
أما الحدث الثاني فهو نجاح الدعاة الإسماعيليين في تأسيس دولة لهم في ”إفريقية” (تونس) تحت رئاسة عبيد الله المهدي … هذا من جهة، ومن جهة أخرى لم يظهر في هذه الأعوام الثمانين أي فيلسوف بالمعنى الاصطلاحي للكلمة، ولكن، في المقابل، نشطت الترجمة والاشتغال بعلوم الأوائل في الاتجاهين: – الاتجاه الهرمسي الباطني لدى الدعاة الإسماعيليين الذين ارتفعوا بأيديولوجيا حركتهم من مستوى ”رسائل إخوان الصفا” الموجهة إلى الجمهور إلى مستوى التنظير ”الفلسفي”، مع أبي يعقوب السجستاني أولا، ثم أحمد حميد الدين الكرماني.
– والاتجاه الأرسطي العقلاني الذي بلغ أوجه في هذه المرحلة مع الفارابي وذلك لضلوعه في المنطق الأرسطي الذي اكتمل نقله إلى العربية بترجمة القسم الأساسي منه المسمى ”كتاب البرهان” أو ”التحليلات الثانية” على يد معاصر الفارابي أبي بشر متى بن يونس المتوفى سنة 328 هـ. ولد أبو نصر محمد بن محمد بن أوزلغ بن طرخان الفارابي، نسبة إلى ناحية فاراب في تخوم تركستان، حوالي 260هـ. استوطن بغداد وتعلم فيها العربية والمنطق، وسافر إلى حران حيث درس الفلسفة، لينتقل بعد ذلك إلى الشام حيث أقام في كنف سيف الدولة الحمداني (333 ـ 356هـ). زار مصر، ثم عاد واستقر في دمشق نهائيا إلى أن توفي سنة 339 هـ. عرف الفارابي بالزهد والتقشف والانقطاع إلى التفكير والتأمل والتأليف:”لا يحتفل بأمر مكسب ولا مسكن”، مرابطا عند ”مجتمع ماء أو مشتبك رياض”، وكأنه يحمل وحده مشاكل مجتمعه وهموم معاصريه، بل كأنه حمل نفسه مسؤولية المشكل الحضاري المتفاقم الذي أخذت الحضارة العربية الإسلامية تعاني منه وتئن تحت وطأته قبله بنحو قرن من الزمان.
لم يكن يعيش في ظل دولة مركزية قوية كدولة المأمون والمعتصم، ”دولة العقل” في الإسلام فيعمل على نصرتها والرد على خصومها كما فعل الكندي، بل عاش في ظروف سياسية واجتماعية وفكرية تختلف تماما. لقد تحولت الدول المركزية العظمى، دولة الخلافة العباسية إلى مجرد اسم، إلى دول وإمارات مستقلة متنافسة:
السامانيون في خراسان والبويهيون في فارس والعراق والحمدانيون في حلب والأخشيديون في مصر، والأدارسة في المغرب والأمويون في الأندلس والعبيديون في ”إفريقية” من حدود المغرب إلى حدود مصر.
لقد تفككت الإمبراطورية العربية الإسلامية إلى دول متنافسة متناحرة: كثيرة القبائل والطوائف، متعددة الفرق المذاهب، الشيء الذي نال، في آن واحد، من وحدة السلطة واستمرارية الدولة، وبالتالي من وحدة الفكر ودوام المجتمع. جاء الفارابي إذن في هذه الظروف ليجعل قضيته الأساسية إعادة الوحدة إلى الفكر وإلى المجتمع معا :
– إعادة الوحدة إلى الفكر بالدعوة إلى تجاوز كل من الخطاب ”الكلامي” السجالي، والخطاب الباطني الهرمسي، والأخذ بخطاب ”العقل الكوني”، العقل الذي يشترك فيه البشر جميعا.
– وإعادة الوحدة إلى المجتمع ببناء العلاقات داخله على نظام جديد يحاكي النظام الذي يسود الكون ويحكم أجزاءه ومراتبه. ومن هنا انصرف الفارابي باهتمامه إلى المنطق من جهة، وإلى الفلسفة السياسية من جهة أخرى.
والحق أن الثقافة العربية الإسلامية مدينة للفارابي في مجال المنطق أكثر مما هي مدينة لغيره ممن جاءوا قبله وبعده. ” فَبَذَّ جميع أهل الإسلام فيها –كما يقول صاعد الأندلسي- وأتى عليهم في التحقق بها فشرح غامضها وكشف سرها وقرب تناولها وجميع ما يحتاج إليه منها، في كتب صحيحة العبارة لطيفة الإشارة منبهة على ما أغفله الكندي وغيره من صناعة التحليل وأنحاء التعليم …، فكان بذلك ”فيلسوف المسلمين على الحقيقة” واستحق لقب ”المعلم الثاني” بعد أرسطو (المعلم الأول).
بالفعل لقد اهتم الفارابي بالمنطق اهتماما بالغا، واستوعبه تمام الاستيعاب، واعيا بعمق مركزَ الثقل فيه. لقد رأى فيه الوسيلة التي يمكن بواسطتها جعل حد للفوضى الفكرية السائدة في عصره. ومن هنا حرص على توضيح وظيفة المنطق الاجتماعية، أعني وظيفته على صعيد التعامل الفكري في المجتمع. وهكذا فإذا كانت ”صناعة المنطق تعطي بالجملة القوانين التي شأنها أن تُقوِّم العقل وتسدّد الإنسان نحو طريق الصواب”، فإن مجال فعالية هذه القوانين يتعدى حدود ”ما نلتمس تصحيحه عند أنفسنا” إلى ”ما نلتمس تصحيحه عند غيرنا” أو ”ما يلتمس غيرنا تصحيحه عندنا”.
ذلك أنه ”إن كانت عندنا تلك القوانين والتمسنا استنباط مطلوبٍ وتصحيحَه عند أنفسنا لم نُطلق أذهانَنا في طلب ما نصححه مهمَلةً، تسبح في أشياء غير محدودة وتروم المصير إليه من حيث اتفق…، بل ينبغي أن نكون قد علمنا أي طريق ينبغي أن نسلك إليه (مطلوبنا)، وعلى أي الأشياء نسلك، ومن أين نبتدئ في السلوك، وكيف نقف من حيث تتيقن أذهانُنا، وكيف نسعى بأذهاننا على شيء منها إلى أن نُفضي لا محالة إلى ملتمسنا”. ويضيف الفارابي قائلا : ”وتلك تكون حالنا فيما نلتمس تصحيحه عند غيرنا، فإنا إنما نصحح الرأي عند غيرنا بمثل الأشياء والطرق التي نصححه عند أنفسنا، فإن نازعنا في الحجج والأقاويل التي خاطبناه بها في تصحيح ذلك الرأي عنده، وطالَبَنا بوجه تصحيحها له …، قدرنا أن نبين له جميع ذلك. وكذلك إذا أراد غيرنا أن يصحح عندنا رأيا ما، كان عندنا ما نمتحن به أقاويله وحججه التي رام أن يصحح بها ذلك الرأي…،
فنقبل ما نقبله من ذلك عن علم وبصيرة، وإن كان غالط أو غلط تبين من أي وجه غالط أو غلط، فنزيِّفُ ما نزيفه من ذلك عن علم وبصيرة” .
ويؤكد الفارابي اهتمامه بهذا الدور الذي يقوم به المنطق، أو عليه أن يقوم به، لإزالة الاختلاف وتحقيق وحدة الفكر في المجتمع وذلك من خلال إبرازه للفوضى التي تصيب الحياة الفكرية في المجتمع بسبب الجهل بالمنطق، فيقول: ”فإذا جهلنا المنطق كانت حالنا في جميع هذه الأشياء بالعكس وعلى الضد. وأعظم من جميع ذلك وأقبحه وأشنعه، وأحراه أن يُحذر ويُتقى، هو ما يلحقنا إذا أردنا أن ننظر في الآراء المتضادة أو نحكم بين المتنازعين فيها، وفي الأقاويل والحجج التي يأتي بها كل واحد ليصحح رأيه ويزيف رأي خصمه: فإنا إن جهلنا المنطق لم نقف من حيث نتيقن على صواب من أصاب منهم كيف أصاب، ومن أي جهة أصاب، وكيف صارت حجته توجب صحة رأيه؛ ولا على غلط من غلط منهم أو غالط، كيف ومن أي جهة غالط أو غلط، وكيف صارت حجته لا توجب صحة رأيه، فيعرض لنا عند ذلك إما أن نتحير في الآراء كلها حتى لا ندري أيها صحيح وأيها فاسد، وإما أن نظن أن جميعها على تضادها حق، أو نظن أنه ليس ولا في شيء منها حق، وإما أن نشرع في تصحيح بعضها وتزييف بعض، ونروم تصحيح ما نصحح وتزييف ما نزيف من حيث لا ندري من أي وَجْهٍ هو كذلك”… الفارابي يدعو إلى التفكير بمنهجية وإلى بناء الحوار على الحجج العقلية التي لا يمكن أن تكون موضوعا لتأويل مغرض أو تحريف متعمد.
إنه يريد أن يتجاوز في آن واحد الخطاب الكلامي الجدلي، والخطاب الباطني العرفاني. وهما اللذان كانا ـ في نظره ـ وراء تمزق الفكر والمجتمع. يريد أن يتجاوزهما معا إلى خطاب ”العقل الكوني”، خطاب: ”الأقاويل التي شأنها أن تفيد العلم في المطلوب الذي نلتمس معرفته، سواء استعملها الإنسان فيما بينه وبين نفسه في استنباط ذلك المطلوب، أو خاطب بها غيره في تصحيح ذلك المطلوب: فإنها في أحوالها كلها شأنها أن تفيد العلم اليقين: وهو العلم الذي لا يمكن أصلا أن يكون (يوجد) خلافُه، ولا يمكن أن يرجع الإنسان عنه، ولا أن يعتقد فيه أنه يمكن أن يرجع عنه، ولا تقع عليه شبهة تغلطه ولا مغالطة تزيله، ولا ارتياب ولا تهمة له بوجه ولا سبب”.
كتاب الفيلسوف الالماني فرديريك نيتشة يقع في مجلدين ترجمة محمد الناجي الجزء الاول يقع في ٢٥٦ صفحة الجزء الثاني يقع في٢٣٣ صفحة
هناك طبعة اخري طبعة مترجمه محمد المصباحي الجزء الاول يقع في ٤٢٠ صفحة
الجزء الثاني يقع في صفحة
الفه نيتشة سنة ١٨٧٨ م بمانسبة الذكرى المئوية لوفاة فولتير سنة ١٧٧٨ قال عن الكتاب نيتشة : لم يكن هذا الكتاب هذا الحوار الداخلي الذي رأى النور أثناء اقامتي الشتوية في ((١٨٧٦ – ١٨٧٧٧ )) في سورينت Sorrente لينشر الان لولا ان اقتراب ٣٠ مايو ١٧٧٨ أثار لدي رغبة قوية في أن اقدم تحية شخصية في الوقت المناسب لواحد من اكبر محرري العقل هو فولتير ▪︎
♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧
الفهرس العام للجزء الول
توطئة الفصل الاول : عن الاشياء الاولى والاخيرة الفصل الثاني في تاريخ الاحاسيس الاخلاقية الفصل الثالث الحياة الدينية الفصل الرابع من روح الفنان والكاتب الفصل الخامس سمات الحضارة الراقية والحضارة الدنيا الفصل السادس الانسان داخل المجتمع الفصل السابع عن المرأة والولد الفصل الثامن نظرة على الدولة الفصل التاسع الانسان وحيدا مع نفسه فيما الاصدقاء : نشيد الملحق الهوامش
♤♤♤♤♤♤♤♤♤♤♤♤♤♤♤♤
الفهرس العام للكتاب الثاني من كتاب نيتشة مقدمة الكتاب الول أراء وحكم مختلطة الكتاب الثاني المسافر وظله ثبت الاعلام والشذرات التي وردت فيها الهوامش
♤♤♤♤♤♤♤♤♤♤♤♤♤♤♤♤♤♤♤
عيب كل الفلاسفة المشترك هو كونهم ينطلقون من الإنسان الحالى ويتخيلون أنهم قد بلغوا الهدف من خلال تحليلهم له. بشكل غامض يتخيلون الإنسان – دون أن يقصدوا – وكأنه حقيقة خالدة، يتخيلونه واقعا ثابتا وسط دوامة الكل، ومقياسا ثابتا للأشياء.”
” الحلم وقد أسىء فهمه: إن أصل كل ميتا فيزيقا هو كون الإنسان، فى الأزمنة الأولى لحضارة لما تزل بدائية، قد اعتقد أنه اكتشف فى الحلم عالما حقيقيا ثانيا. لولا الحلم لما وجد الناس أدنى سبب لتقسيم العالم إلى قسمين. إن انفصال الروح والجسد يرتبط هو كذلك بأقدم تصور للحلم تماما مثل فرضية صورة جسدية للروح، كما يرتبط به إجمالا أصل كل اعتقاد فى الأرواح، وربما أصل الإيمان بالآلهة. “إن الميت يظل حيا، لأنه يظهر للأحياء فى الحلم.”: هذا هو الاستدلال الذى ساد فيما مضى طيلة ألفيات.”
“ضرورة اللا منطقى: من ضمن الأشياء التى قد تؤدى بمفكر ما إلى اليأس، معرفته أن اللا منطقى ضرورى للإنسان، وأنه ينجم عنه خير عميم. يرتبط اللا منطقى ارتباطا وثيقا بعمق الانفعالات؛ بعمق اللغة والفن والدين، وبشكل عام بكل ما يضفى قيمة على الحياة، بحيث لا نستطيع أن نفصله عن هذه الأشياء الجميلة دون أن نفسدها بشكل لا يمكن إصلاحه. وحدهم الناس المفرطو السذاجة هم من يمكن أن يعتقدوا فى إمكانية تحويل الطبع الإنسانى إلى طبع منطقى صرف؛ ولو أن الاقتراب من هذا الهدف كان على درجات فكم من أشياء سنتخلى عنها ونحن فى الطريق إليه! حتى الشخص الأكثر تعقلا يحتاج من حين لآخر للعودة إلى الطبيعة، أى إلى العمق اللا منطقى لعلاقته مع الأشياء.”
“لدى هوميروس نجد أن الطروادى والإغريقى خيران كلاهما. لا يعتبر شريرا ذلك الذى يصيبنا ببعض الأذى بل ذلك الذى هو موضع احتقار.”
“الكذب: لماذا يقول الناس الحقيقة فى أغلب أوقات الحياة اليومية؟- ليس لأن إلها ما قد حرم الكذب، بكل تأكيد. بل أولا لأن ذلك شىء مريح، لأن الكذب يتطلب ابتكارا وإخفاء وذاكرة، (وهو ما جعل سويفت يقول: نادرا ما ينتبه الذى يكذب إلى العبء الثقيل الذى يلقيه على كاهله، سيلزمه، كى يدعم كذبته، أن يبتكر عشرين كذبة أخرى)، ثم، لأنه من المفيد التكلم بصراحة حين يبدو كل شىء بسيطا: أريد هذا، فعلت ذلك، وهلم جرا، أى لأن طرق الإكراه والسلطة آمن من طرق الحيلة. لكن لو حدث أن طفلا نشأ فى جو من التعقيدات العائلية فإنه سيمارس الكذب بشكل طبيعى وسيقول بشكل تلقائى ما يتوافق ومصلحته؛ إنه يجهل تماما معنى الحقيقة، يجهل النفور من الكذب بما هو كذب، وهكذا فهو يكذب بكل براءة.”
“لا تستطيع أية قوة أن تفرض نفسها إن لم يكن ممثلوها سوى منافقين. مهما يكن عدد العناصر العلمانية التى تضمها الكنيسة الكاثوليكية فإن قوتها ترتكز على الرهبان، الكثيرين فى أيامنا هذه، الذين يجعلون الحياة شاقة بالنسبة لهم حتى يعمقوا معناها، والتى تنبئ نظرتهم وجسدهم النحيل عن قيام الليل، عن الصوم، عن الصلوات الحارة، وربما عن التسوط، إنهم هم الذين يزعزعون الناس، يخيفونهم: ماذا لو كان لازما أن نحيا بهذا الشكل؟ هذا هو السؤال المرعب الذى يتبادر إلى الذهن فى رأيهم. إنهم فى كل مرة يشيعون فيها هذا الشك يؤمنون دعامة من دعامات قوتهم.”
“الأخلاق، تجزئ تلقائى للإنسان: الكاتب الذى ينكب بحماس على موضوعه يتمنى مجئ من يقوّض كل ما فعله بمعالجته لنفس الموضوع بوضوح أكثر وبإعطاء إجابة نهائية على الأسئلة التى يتضمنها. العاشقة الشابة تتمنى أن يخونها عشيقها كى تضع على المحك إخلاصها وتفانيها فى حبها له. الجندى يتمنى أن يسقط فى ميدان القتال من أجل وطنه الظافر؛ لأن فى انتصار وطنه انتصار لطموحه الأسمى. الأم تمنح طفلها ما تحرم هى نفسها منه، النوم، الغذاء الأفضل، صحتها إن اقتضى الحال ذلك، ثروتها. لكن هل كل هذه السمات هى سمات غيرية؟ هل هذه التصرفات الأخلاقية معجزات حتى تكون، حسب قول شوبنهاور، “مستحيلة ولكن واقعية”؟ أليس جليا فى كل هذه الحالات أن الإنسان يحب جزءا من ذاته، فكرة، رغبة ، إبداعا، أكثر من جزء آخر من ذاته، إنه يجزئ كيانه ويضحى بجزء من أجل جزء آخر؟ هل يعتبر شيئا مختلفا اختلافا جوهريا إعلان شخص سيء الطبع: “أفضّل أن أدحَر على أن أتنحى لأفسح الطريق لهذا الشخص”؟ النزوع إلى شىء ما (أمنية، نزوة، رغبة) حاضر فى كل الحالات السابقة الذكر؛ والاستسلام لها، مع تحمل كل التبعات، ليس “غيرية” على أية حال. – فى الأخلاق لا يعامَل الإنسان على أنه كائن لا يتجزأ، بل على أنه يتجزأ.”
“ما يمكننا الوعد به: يمكننا أن نعد بأفعال وليس بعواطف؛ لأن هذه لا شعورية. الذى يعد شخصا آخر بأن يحبه أو بأن يكرهه أو بأن يخلص له على الدوام إنما يعده بشىء لا سلطان له عليه؛ ما يمكنه أن يعد به هى أفعال عادة ما تكون، ولا شك، تبعات الحب أو الحقد أو الإخلاص، لكنها قد تنجم عن أسباب أخرى كذلك: لأن الأسباب والطرق التى تؤدى إلى نفس الفعل متعددة. الوعد بحب شخص ما دائما يعنى: ما دام حبى لك قائما فسأعبر لك عنه بأفعال تدل على الحب؛ وإذا كففت عن حبك فستظل موضوع نفس الأفعال من طرفى، وإن كان ذلك يتم لأسباب أخرى: بحيث سيستمر الناس فى توهم كون الحب يظل ثابتا ولا يتغير. – إننا حين نُقسِم لشخص ما، دون أن نخدع أنفسنا، بأننا سنحبه إلى الأبد، فإن ما نعده به هو استمرار مظاهر الحب.”
“حيث نخطئ فاعلين ومتلقين: حين يأخذ الغنى من الفقير أحد ممتلكاته (كأن يختطف أحد الأمراء من أحد العاميين عشيقته)، فإن خطأ يولد لدى الفقير؛ يعتقد أن الآخر ليس سوى حقير ما دام قد أخذ منه القليل الذى يمتلكه. لكن الآخر بعيد عن الإحساس القوى بقيمة متاع يتم النظر إليه على حدة، لأنه قد اعتاد أن يملك منه الكثير: إنه لا يستطيع إذن أن يدرك ما بنفس الفقير، وهو لا يرتكب ظلما كبيرا مثلما يعتقد هذا الفقير، فالأمر يتطلب منه الكثير كى يدرك ذلك. كل واحد منهما يكوّن فكرة خاطئة عن الآخر. إن ظلم القوى الذى يثير سخطا عبر التاريخ، ليس خطيرا جدا مثلما يبدو لنا. فالإحساس الوراثى لدى الأعلى مقاما بأن له حقوقا أسمى يجعله لا مباليا ومرتاح الضمير؛ بل إننا جميعا، حيث يكون الفرق شاسعا بيننا وبين كائن آخر، نفقد أدنى إحساس بالظلم ونقتل ذبابة مثلا دون أى تبكيت للضمير… إن الفظ ليس فظا بالقدر الذى يتصوره ذلك الذى يسئ معاملته؛ فالفكرة التى يكونها عن الألم ليست مطابقة لمعاناة الآخر. نفس الشىء ينطبق على القاضى الجائر، وعلى الصحفى الذى يُضِل الرأى العام بلؤمه التافه. فى كل الحالات تنتمى العلة والمعلول إلى مجموعات شديدة الاختلاف من الأحاسيس والأفكار؛ ومع ذلك فإننا نفترض تلقائيا أن صاحب صنيع ما وضحيته يفكران ويحسان بنفس الطريقة، ونقيس خطأ الواحد منهما بألم الآخر طبقا لهذا الافتراض.”
“جلد الروح: مثل العظام، العضلات، الأمعاء والعروق يغطيها جلد يجعل منظر الإنسان مقبولا، فإن عواطف الروح وأهواءها هى كذلك يلفها الغرور: الغرور جِلْد الروح.”
“حدود حب الناس: الذى يدعى أن فلانا غبى ودنئ يغضب حين يُظهر ذلك الشخص أنه ليس كذلك.”
“الإنسان دائما يحسن التصرف: إننا لا نتهم الطبيعة باللا أخلاقية حين تأتى عاصفة وتبللنا: لماذا إذن نقول عن الإنسان الذى يفعل شرا ما أنه لا أخلاقى؟ لأننا نفترض هنا إرادة غير خاضعة لأوامر تعسفية، وهناك جبر. لكن هذا التمييز خطأ. إننا، فضلا عن ذلك، لا نصف فعلا يسبب الضرر عن عمد بأنه لا أخلاقى؛ نقتل ذبابة مثلا عن عمد، لكن دون أدنى تردد، لمجرد أن طنينها يزعجنا، نعاقب مجرما ونعذبه عن عمد، كى نحمى نفسنا والمجتمع. فى الحالة الأولى، الفرد هو الذى يسبب ضررا وذلك من أجل بقائه أو لكى يتجنب إزعاجا؛ أما فى الحالة الثانية فالدولة هى التى تفعل. كل الأخلاق تقبل التصرفات التى تسبب الضرر عن عمد فى حالة الدفاع عن النفس، أى حين يتعلق الأمر بالبقاء! لكن وجهتى النظر هاتين تكفيان لتفسير كل القبائح التى يرتكبها الناس فى حق الناس: المرء دائما ما يريد متعته، يريد تجنب الإنزعاج، أيا كان ذلك فإن الأمر يتعلق دائما ببقائه. لقد كان سقراط وأفلاطون على حق: مهما يفعل الإنسان فإنه خيرا يفعل دائما، أى أنه يفعل ما يبدو له خيرا (نافعا) حسب درجة ذكائه وحسب مستواه العقلى فى ذلك الحين.”
“المسيحية، هذا القدم: حين نسمع دقات الأجراس القديمة، صباح الأحد، نتساءل: أيعقل كل هذا! من أجل يهودى تم صلبه منذ ألفى عام وكان يدعى أنه ابن الله. إن الإثبات الذى يحظى به هذا الإدعاء ينقصه البرهان، – مؤكد أن الديانة المسيحية قِدَم ينحدر من ليل العصور حتى قلب عصرنا، والإيمان الذى يحظى به هذا الإثبات المزعوم – والحال أننا عادة ما نكون صارمين فى اختبار الإدعاءات – هو لا شك أقدم جزء من هذا الإرث. إله تلد منه امرأة فانية؛ حكيم ينصح بعدم العمل، بعدم العدل وبمراقبة علامات الساعة الوشيكة؛ عدالة تقبل اعتبار البرئ ضحية بالنيابة؛ واحد يأمر أتباعه بشرب دمه؛ صلوات من أجل حدوث المعجزة؛ خطايا ترتكب فى حق إله ويكفر عنها إله؛ الخوف من ما وراء الموت، اتخاذ الصليب كرمز، فى عصر لا يعرف غاية الصليب ولا خزيه، أية قشعريرة رعب يبعثها فينا كل هذا، كنفثة تنبعث من قبر ماض سحيق! من يصدق أننا لا زلنا نؤمن بمثل هذه الأشياء؟”
“مزية التدين: هناك أناس متزنون وبارعون فى التجارة يحملون دينهم مطرزا كشريطة حاشية الإنسانية المتفوقة: حسنا يفعل هؤلاء بحفاظهم على دينهم وذلك لأنه يجمّلهم. – كل الناس الذين لا يتقنون عملا من أعمال الحرب (بما فى ذلك حرب الكلمة والقلم) ينتهون بأن يصيروا عبيدا: وهؤلاء تكون الديانة المسيحية مفيدة لهم كثيرا، لأن العبودية تأخذ فيها مظهر فضيلة مسيحية، الشىء الذى يكسبها جمالا رائعا. الناس الذين تبدو لهم حياتهم اليومية فارغة ورتيبة يتحولوا إلى الدين بسهولة: إنه شىء يمكن تفهمه والصفح عنه، إلا أنهم لا يملكون الحق فى أن يتطلبوا التدين من أولئك الذين ليس فى حياتهم اليومية لا فراغ ولا رتابة.”
“سخاء محرّم: ليس هناك فى العالم ما يكفى من الحب والطيبة كى يُسمح لنا ببذل القليل منهما لكائنات خيالية.”
“يسعى الزاهد، تحت اعتبارات عدة، إلى جعل حياته سهلة، وذلك بخضوعه الكامل لإرادة أجنبية أو لقانون، لطقس تشمله دائرته كلية؛ نوعا ما على طريقة البراهمانى الذى لا يقرر شيئا هو بنفسه، وفى كل مرة يتخذ قرارا بمقتضى وصية مقدسة يعتبر هذا الخضوع وسيلة ناجعة للإمساك بزمام التحكم فى النفس؛ يُشغل المرء فلا يعرف الضجر ولا تطاله إثارة الإرادة الأنانية والانفعال، فلا يشعر، وقد قام بفعل ما، بأى إحساس بالمسئولية، ومن ثم لا يعذبه الندم. لقد تخلى بالمرة عن إرادته الشخصية، وذلك أسهل من التخلى عنها من حين لآخر فقط؛ تماما كما يكون التخلى بالكامل عن رغبة ما أسهل من التزام الحذر. لو تفكرنا فى العلاقات الحالية بين المواطن والدولة فسنجد هنا أيضا أن الطاعة المطلقة مريحة أكثر مما هى متلائمة مع الظروف. فالقديس يجعل حياته سهلة إذن بهذا التخلى الكامل عن شخصيته، ويخدع نفسه من يُعجب فى هذه الظاهرة بأثرة أخلاقية منقطعة النظير. على كل حال، إن إثبات الشخصية بلا اضطراب ولا تردد أصعب من التخلص منها بالطريقة السالفة الذكر، زد على ذلك أن هذا يتطلب الكثير من النباهة ومن التفكير.”
” وعى حِرَفى: لا تحدثونى عن المواهب الطبيعية ، عن المواهب الفطرية ، إذ يمكننا أن نذكر ، فى كل المجالات ، عظماء كانت موهبتهم ضعيفة ، لكن العظمة أتت إليهم ، جعلوا من أنفسهم عباقرة ، بفضل بعض الخاصيات التى لا يود أحد كشف نقصها حين يكون واعيا بذلك. كان لديهم كلهم ذلك الوعى الحرفى الذى يبدأ بتعلم اتقان الأجزاء قبل المجازفة بالقيام بعمل شمولى كبير ؛ كانوا يتأنون لأنهم كانوا يجدون متعة فى إتقان صنع الجزء المتمم ، أكثر مما يجدونها فى الأثر الذى يحدثه كل برّاق. من السهل مثلا أن نصف لشخص ما كيف يصير كاتب قصة ، لكن تنفيذ ذلك يتطلب مهارات نتغاضى عنها حين نقول “ليست لدىّ موهبة كافية.” لنكتب مائة مشروع قصة أو أكثر ، دون أن يتعدى أى منها صفحتين إثنتين ، لكنه يكون من الدقة بحيث لا يمكن الاستغناء عن أى كلمة من كلماته. لنسجل كل يوم بعض النوادر إلى أن نجد لها الشكل الأخاذ والفعّال ، لا نكلّن من جمع ورسم طباع ونماذج إنسانية ، لا نضيعن بالخصوص أية فرصة لنحكى ونسمع الآخرين يحكون ، والعين والآذان منتبهتان لأثر ذلك على الآخرين. لنسافر كما رسام الطبيعة، كما مصمم الأزياء. لنفكر فى نهاية المطاف فى بواعث فعال الإنسانية ، ولا نحقرن منها أية إشارة قد تفيدنا ، ولنجمع الأشياء من هذا النوع ليل نهار. سندع عقداً من الزمن ينصرم ونحن نكرر هذه العمليات ، وسيمكن لما سنبدعه آنذاك فى المحتَرَف أن يظهر فى الشارع فى واضحة النهار. لكن كيف تفعل الأغلبية ذلك؟ عوض أن يبدأوا بالجزء يباشرون الكل. قد يتفق أن يحالفهم الحظ مرة، أن يثيروا الاهتمام، وبعد ذلك سيصير عملهم من سىء إلى أسوأ لأسباب معقولة وطبيعية. – أحيانا، حين لا يكون هناك ذكاء ولا طبع لرسم خطة حياة فنية من هذا الطراز، فإن القدر واللزوم يتكلفان عوضا عنهما بقيادة البارع المستقبلى، خطوة خطوة، عبر كل المراحل التى تتطلبها مهنته.”
“الجمهور: كل ما يطلبه الجمهور من المأساة هو أن تؤثر فيه إلى حد جعله يذرف نهائيا كل ما لديه من دموع. على العكس من ذلك، فالفنان الذى يذهب لمشاهدة المأساة الجديدة يجد متعة فى الابتكارات التقنية والأساليب الماهرة، فى تناول المادة وتوزيعها، فى الطريقة الجديدة التى وظفت بها بواعث وأفكار قديمة. إنه ينظر إلى العمل الفنى من زاوية جمالية، زاوية المبدع. النظرة التى أشرنا إليها فى البداية، الباحثة عن منفعتها الشخصية فى المأساة، هى نظرة عامة الناس. أما الإنسان الذى فى موقع بين الإثنين، فلا شىء يقال عنه، إنه ليس عامة الناس وليس فنانا، ولا يعرف ما يريد: كما أن متعته غامضة وبين بين.”
“نوعان من الإنكار: إن سوء حظ الكتاب الثاقبين والواضحين هو كون القارئ يجدهم مسطحين، ومن ثمة لا يتكلف أى عناء لفهمهم؛ وحظ الكتاب الغامضين هو كون القارئ يجهد نفسه قدر الإمكان ليفهمهم ويعزو إليهم المتعة التى مصدرها مجهوده هو.”
“قانون جائر ضد الكتب: ينبغى أن نعامل الكاتب وكأنه مجرم لا يستحق إخلاء سبيله أو العفو عنه إلا فى حالات نادرة جدا: سيكون ذلك علاجا ناجعا لتكاثر الكتب.”
“ضرورة الكتاب الرديئين: من الضرورى دائما أن يكون هناك كتاب رديئون، لأنهم يرضون ذوق الأجيال الناشئة التى لم تنضج بعد، هؤلاء أيضا لهم حاجياتهم تماما مثل الآخرين الناضجين. لو أن حياة الإنسان كانت أطول لكان عدد الأفراد الناضجين يفوق، أو على الأقل يساوى، عدد الأفراد غير الناضجين، وبما هى عليه الآن فإن الناس يموتون شبابا فى أغلب الأحيان، أى أن أغلبية الناس هم دائما ناقصو الذكاء ذوو الذوق الردئ. وهم يطالبون زيادة على ذلك، بكل ما أوتو من قوة الشباب، بإرضاء حاجياتهم ويُوجدون بالقوة كتابا رديئين يخدمونهم.”
“الوفاء، دليل الرسوخ: إنه لمن الأدلة القاطعة على جودة نظرية ما أن يكون صاحبها قد ظل وفيا لها أربعين سنة دون أن تخامره أدنى ريبة بخصوصها. لكننى أزعم أنه ليس هناك فيلسوف واحد لم تفلت منه، فى الأخير، نظرة ازدراء – أو على الأقل نظرة ريبة – تجاه الفلسفة التى أتى بها أيام شبابه. – لكنه ربما لم يقل شيئا عن ذلك التغير بدافع من الكبرياء أو – وهذا شىء محتمل لدى ذوى الطباع النبيلة – بدافع رفقه بمريديه.”
“مواهب طبيعية: فى خضم إنسانيتنا المتطورة بشكل سام جدا تمنح الطبيعة كل واحد منا إمكانية الحصول على مواهب متعددة. لكل واحد موهبة فطرية، لكنه نادر من تنعم عليه الطبيعة والتربية بهذه الدرجة من الصلابة، من التحمل، ومن الطاقة التى ستمكنه من أن يصبح موهوبا فعلا، إذن أن يصير ما هو، أى أن يحيل موهبته آثارا وأعمالا.”
“عيب الرجال النشيطين الكبير: إن ما ينقص الرجال النشيطين عادة هو النشاط الراقى، أعنى النشاط الفردى، إنهم يتصرفون بوصفهم موظفين، تجارا، علماء، أى بصفتهم ممثلين لصنف وليس كأفراد لهم فردانية محددة المعالم جيدا، إنهم، بهذا الاعتبار، كسالى. – إنها لتعاسة الرجال النشيطين أن نشاطهم يكاد دائما يكون غير معقول شيئا ما. لن نستطيع – مثلا – أن نسأل الموظف البنكى الذى يدخر المال عن الهدف من نشاطه المحموم: فنشاطه ليس وراءه أى سبب. الرجال النشيطون يتدحرجون مثلم تتدحرج الصخرة، طبقا لعبثية الإوالة. – كل الناس ينقسمون إلى عبيد وأحرار، يصبح هذا فى أيامنا هذه مثلما صح فى كل العصور، لأن الذى لا يملك الثلثين من يومه فهو عبد، وليكن ما يشاء: رجل دولة، بائعا، موظفا، أو عالما.”
“يخجل العلماء من البطالة. ومع ذلك فإن الفراغ والاستهتار شىء نبيل. – إن صح أن البطالة أم الرذائل فإنها على الأقل تجد نفسها، بكونها كذلك، أقرب ما تكون إلى الفضائل. العاطل دائما ينتصر، باعتباره إنسانا، على المتشاغل. – لكن بذكر الفراغ والبطالة لا تحسبوا أنكم أنتم المقصودون، بعد كل حساب، أيها الكسالى؟…”
“لنسر إذن إلى الأمام فى طريق الحكمة، بخطوة حازمة، وبكامل الثقة فى النفس! أيا تكن، استغل منبع التجارب الذى تشكله أنت ذاتك! ألق عنك عدم الرضى الذى يأتيك من كينونتك، اغفر لنفسك أناك، لأن فيك، فى كل الحالات، سلما من مائة درجة يمكنك أن ترتقيه إلى المعرفة. القرن الذى تغتم فيه بشعورك أنك مرفوض يعلنك سعيدا بأن يكون لك هذا الحظ، إنه يؤنبك بقوله إنه منحك نصيبا من التجارب التى قد يستغنى عنها دون شك رجال عصور أخرى. لا تحتقر تدينك فيما مضى، اكتشف معنى أن تكون قد وجدت رسميا، فيما مضى منفذا إلى الفن…. إنك تملك سلطة أن تجعل كل لحظات حياتك: من محاولات، أخطاء، زلات، أوهام، أهواء، حبك وأملك، أن تجعلها تنسجم تماما مع الهدف الذى رسمته لحياتك، هذا الهدف هو أن تصير أنت نفسك.”
“كتمان عطوف: غالبا ما نحتاج، فى معاشرتنا للناس، إلى كتمان إرعائى نتظاهر من خلاله بأننا لم نكتشف دواعى تصرفاتهم.”
“صور: إننا عادة ما نصادف صورا من الناس المتفوقين، وكما اللوحات فإن هذه الصور تعجب أغلب الناس أكثر من الأصل.”
“المريض وناصحوه: إن الذى يسدى النصائح للمريض يشعر بالتفوق عليه، سواء قُبلت نصيحته أو رُفضت. لذلك يكره المرضى الأباء والحساسون ناصحيهم أكثر مما يكرهون مرضهم.”
“لماذا المعارضة: غالبا ما نعارض رأيا بينما نحن لا نشعر بالنفور إلا من الطريقة التى بها تم التعبير عنه.”
“وسيلة إقناع الشجعان: وسيلة جعل الشجعان يدعمون عملا ما هى أن نصوره لهم أخطر مما هو فعلا.”
“اللطافة: اللطافة التى يبديها لنا الذين لا نحبهم نعتبرها جريمة”
“عائلة المنتحر: يحفظ والدا المنتحر له الضغينة لكونه لم يبق على حياته مراعاة لسمعتهما.”
“توقع نكران الجميل: الذى يمنح عطاء كبيرا لن يقابل بالشكران، لأن قبول عطائه يشكل بالنسبة للمستفيد عبء ثقيلا.”
“فى حضرة الشهود: بسرور مضاعف نرتمى فى الماء لننقذ شخصا وقع فيه إن كان ذلك فى حضرة أناس لا يجرؤون على نجدته.”
**
“ندم بعد مغادرة عالم الناس: لماذا نشعر بالندم حين نغادر جماعة تافهة؟ لأننا تناولنا فيها أشياء مهمة بلا ترو، لأننا لم نتكلم بحسن نية حين تعلق الأمر بالأشخاص، أو لأننا التزمنا الصمت حين لزم الأمر التحدث، لأننا لم نقفز وننصرف حين واتت الفرصة، باختصار، لإننا تصرفنا فى عالم الناس كما لو كنا من عالم الناس.”
“وسط الطبيعة: إن ما يجعلنا نحب كثيرا أن نكون وسط الطبيعة هو كون الطبيعة ليس لها رأى فينا.”
“الحقيقة: لا أحد يموت اليوم من الحقائق القاتلة: إذ هناك كم هائل من الترياق.”
“لو دققنا النظر للاحظنا أن الأغلبية الساحقة من الناس المثقفين لا تزال تطلب من المفكر قناعات ولا شىء غير القناعات، وأن أقلية صغيرة فقط هى التى تريد يقينا.”
الحياة نفسها تكافئنا على تشبث إرادتنا الصلبة بالحياة، على مثل تلك الحرب الطويلة التى خضتها فى نفسى ضد التشاؤم الذى مرده الضجر من الحياة، تجازينا عن كل نظرة متأنية وعرفانية نلقيها على كل هداياها مهما تكن صغيرة أو رقيقة أو عابرة. فى مقابل ذلك، نحصل فى نهاية المطاف على هداياها الكبيرة، وربما على أكبر هدية يمكن أن تمنحها لنا، إنها مهمتنا التى أعيد تكليفنا بها.”
“هرجة farce أغلب العاملين: إنهم ينتهون، بواسطة الإفراط فى العمل الشاق، إلى أن يكون لهم وقت فراغ لا يعرفون ما يصنعون به سوى عد ساعاته فى انتظار مرورها.”
“إلى الممدوح: ما داموا يمدحونك فاعلم جيدا أنك تتبع طريق غيرك ولما تجد طريقك بعد.”
“هيئة المنتصر: إتقان البقاء على صهوة الفرس يفتن شجاعة الخصم وقلب المتفرج، – فما الجدوى من الهجوم؟ اجعل هيئتك هيئة المنتصر.”
“سبب المزاج العكر: الذى يفضل الجميل عن النافع فى الحياة، سيفضى به الأمر ولا شك، مثل الطفل الذى يفضل الحلويات عن الخبز، إلى إفساد معدته، والتبرم من العالم.”
“دون المستوى: نكره الشىء الجيد حين لا نكون فى مستواه.”
“الندم: الندم حماقة مثل حماقة عض الكلب للحجر.”
“أصل القوانين: تعود القوانين إلى تقليد، والتقليد إلى ميثاق قديم، لقد شعر الناس بالرضى لبعض الوقت من نتائج ذلك الميثاق وظلوا بقية الوقت خاملين فلم يجددوا شكله. وهكذا عاشوا وكأن الميثاق يتغير باستمرار، وكلما نشر النسيان ضبابه حول أصله صار الناس إلى الاعتقاد بأنه شىء مقدس وثابت يجب على كل جيل أن يستمر فى التأسيس عليه. ومنذ ذلك الحين صار التقليد إكراها حتى بعد أن لم تعد فيه تلك الفوائد التى من أجلها تم وضع الميثاق من البداية. – وقد وجد فيه الضعفاء، عل مرة العصور، حصنهم المنيع: إنهم يميلون إلى تأبيد الميثاق الذى لا يصلح إلا مرة واحدة، وقد نالوا تلك النعمة.”
“نوع من الهدوء والتأمل: احذر أن يشبه هدوؤك وتأملك هدوء الكلب أمام وضم الجزار، يمنعه الخوف من التقدم والرغبة فى التراجع، ويفتح عينين واسعتين كما لو كانتا فمين.”
“تصنع فى الوداع: يتصور الذى يريد الانفصال عن حزب أو ديانة ما أنه يتحتم عليه دحضهما. وهذه فكرة تنم عن الغطرسة. الشىء الوحيد الذى يتحتم عليه هو أن يرى بوضوح الروابط التى كانت تشده إلى ذلك الحزب أو الدين حتى ذلك الحين ثم انفصمت الآن، أن يرى النوايا التى دفعته إليهما والتى تدفعه الآن فى اتجاه آخر. إن انضمامنا لهذا الحزب وهذه الديانة لم يتم لأسباب معرفية محضة: ولا يجب، حين ننفصل عنهما، أن نتصنع هذا.”
“أمكر من الثعلب: الثعلب الحقيقى لا يقول فقط عن العنب الذى لا يستطيع بلوغه أنه حصرم، بل كذلك عن العنب الذى بلغه وأخذه أمام أنظار الآخرين.”
“إياك والمرض الطويل: احذر أن تمرض وقتا طويلا جدا، لأن الذين يعودونك سوف يتبرمون من واجب إظهار الشفقة المعتاد، لأن دوامهم على تلك الحال مدة طويلة يسبب لهم عناء كبيرا – ثم أنهم سيفكرون مباشرة فى الاشتباه فى طبعك، وستكون خلاصتهم: “إنك تستحق أن تكون مريضا، ونحن لم نعد فى حاجة إلى الاجتهاد فى إظهار الشفقة.””
“الذى تعود أن ينظر إلى نفسه فى المرآة ينسى قبحه دائما، والرسام، حين يرسمه، هو الذى يترك لديه الانطباع بقبحه، ولكنه يتعود على صورته فينسى قبحه مرة ثانية. – وذلك طبقا للقانون العام القائل بأن الإنسان لا يطيق القبح الثابت، وإن فعل فللحظة فقط، إنه ينساه أو ينكره فى كل الحالات.”
“إننا لن نحترق من أجل آرائنا: لأننا غير واثقين جدا منها.”
“المفكر المنزعج: على المفكر أن يلقى نظرة هادئة على كل ما يقطع عليه تفكيره (يعرقله، كما يقال) كما لو على موديل جديد يجتاز عتبة الباب ليضع نفسه بين يدى الفنان، هذه المقاطعات هى الغربان التى تأتى المتوحد بغذائه.”
ا بن الطفيل : فيلسوف وعالم وطبيب عربي مسلم ورجل دولة وهو من أشهر المفكرين العرب الذين خلفوا آثاراً خالدة في عدة ميادين منها: الفلسفة والأدب والرياضيات والفلك والطب وقد عرف عند الغرب باسم (باللاتينية: Abubacer) وكان من وزراء دولة الموحدين في وقت عظمتهم.
اسمه ونسبه
أبو بكر محمد بن عبد الملك بن محمد بن محمد بن طفيل القيسي الأندلسي (1100م -1185م ),عربي من بني قيس عيلان بن مضر[2][3][4]، وينسب أيضاً فيقال: الأندلسي والقرطبي والإشبيلي ويكنّى بأبي جعفر.[5] هو فيلسوف وفيزيائي وقاض أندلسي [5]، ولد في وادي آش، في الشمال الشرقي من غرناطة، [5]، ثم تعلم الطب في غرناطة وخدم حاكمها. توفي في عام 581 هـ الموافق 1185م في مدينة مراكش، ودفن هناك، واشترك السلطان أبو يوسف في تشييع جنازته.[5] كان ابن طفيل فيلسوفاً ومفكراً وقاضياً وطبيباً وفلكياً.
حياته
ولد بمدينة وادي آش قرب غرناطة، وتلقّى تعليمه من قبل ابن باجة[6]. شغل منصب معاون حاكم غرناطة، وبعد ذلك عمل كوزير وطبيب لأبي يعقوب، الخليفة الموحد[6]، الذي أوصى به ابن رشد كخلفاً له في المستقبل في عام 1169. قام ابن رشد في وقت لاحق بالإبلاغ عن هذا الحدث ووصف كيف قام ابن طفيل بإلهامه، ومن ثم كتب تعليقاته الأرسطية الشهيرة: استدعاني أبو بكر بن طفيل يوماً وأخبرني أنه سمع قائد المؤمنين يشكو من خلل وضع في التعبير –أو ما يبدر عن المترجمين- وما ينتج عنه من غموض في النوايا/الأهداف. قال أنه إذا أخذ شخص ما هذه الكتب فسيمكنه تلخيصها وتوضيح أهدافها بعد أن يفهمها جيداً أولاً، مما سيسهل عمليه فهمها من قبل الناس. قال لي ابن طفيل: “إذا كان لديك الطاقة، فافعل ذلك بنفسك. أنا واثق من قدرتك على ذلك لأنني أعرف التفكير الجيد الذي تملكه وإخلاصك وتفانيك في هذا المجال. أنت تدرك أن عمري الكبير -ومهاراتي المكتبية والتزامي بمهمة أخرى أعتقد أنها أكثر حيوية- يمنعونني من القيام بذلك بنفسي.” [7] درس الفلسفة والطب في غرناطة. أعظم فلاسفة الأندلس ورياضيها وأطبائها. تولى منصب الوزارة ومنصب الطبيب الخاص للسلطان أبي يعقوب يوسف أمير الموحدين، وكانت له حظوة عظيمة عنده. كان معاصرا لابن رشد وصديقا له. لم يصل إلينا من كتبه سوى قصة حي بن يقظان أو (أسرار الحكمة الإشراقية) وقد ترجم إلى عدة لغات أجنبية وهي قصة تشتمل على فلسفة ابن طفيل وقد ضمنها آراءه ونظرياته، وتدور القصة حول “حي بن يقظان” الذي نشأ في جزيرة من جزر الهند تحت خط الاستواء، منعزلا عن الناس، في حضن ظبية قامت على تربيته وتأمين الغذاء له من لبنها وما زال معها، وقد تدرج في المشي وأخذ يحكي أصوات الظباء ويقلد أصوات الطيور ويهتدي إلى مثل أفعال الحيوانات بتقليد غرائزها، ويقايس بينها وبينه حتى كبر وترعرع واستطاع بالملاحظة والفكر والتأمل أن يحصل على غرائزه الإنسانية وأن يكشف مذهبا فلسفيا يوضح به سائر حقائق الطبيعة. الأساس الفلسفي لهذه القصة هو الطريق الذي كان عليه فلاسفة المسلمين الذين نهجوا على مذهب الأفلاطونية الحديثة وقد صور ابن طفيل الإنسان، الذي هو رمز العقل، في صورة حي بن يقظان وقد رمى ابن طفيل من ورائها إلى بيان الاتفاق بين الدين والفلسفة وهو موضوع شغل أذهان فلاسفة الإسلام. لقد كانت لابن طفيل آراء مبتكرة في علم الفلك. وقد ذكر البطروجي (ت: 581هـ) أنه أخذ عن ابن طفيل قوله في الدوائر الداخلية في حركات الأفلاك. توفي ابن طفيل في مراكش عن 87 عاما.
قصة حي ابن يقظان لابن الطفيل
◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇
تعدّ قصة «حي بن يقظان» قصة رمزية فلسفية تفترض نمو العقل الموحّد منذ بداية خلقه حتى وصولة إلى معرفة الله معرفة أتم، حيث تَعْرَّضَ ابن طفيل لمشكلة التوفيق بين الفلسفة والدين، وبيَّن لنا أن ما وصل إليه «حي بن يقظان» بالنظر العقلي والتأمّل، لا يخالف الدين الموحى به. ويعدّ ابن طفيل أول فيلسوف إسلامي صبَّ خلاصة فلسفته كلها في قالب قصصي، وجعل بطل قصته شخصًا متوحّدًا يكوّن نفسه وأفكاره بالاحتكاك بالطبيعة وبالكائنات التي هي أقل منه درجات من جماد ونبات وحيوان، إلى أن يصل لنقطة الإدراك والاتصال، فهذه القصة الرمزية تعدّ بحق نوعًا من الفانتازيا العقلية التي قَلَّدَها ونسج على منوالها كثيرون من كتاب الإفرنج ومفكريهم. فهي باختصار شديد تقدّم حالة جديدة منفردة، تتحدّث عن طوباوية فردية، ولا تتحدّث عن نظام اجتماعي، وهي تعرض حياة طفل إنساني عاش منفردًا واستطاع بعد جهد وتأمّل أن يصل إلى حياة مثالية تعتمد على الذكاء والعقل، كما تعتمد على الاكتفاء الذاتي. ولذلك تعدّ هذه القصة الفلسفية الرمزية بمثابة ظاهرة فريدة في الفكر العربي، حيث عرض صاحبها مذهبه الفلسفي في قصة شائقة يمكن اعتبارها نسقًا فلسفيًّا متكاملًا، ومذهبًا فكريًّا تامًّا، وهو ما أراد هذا البحث أن يُثبته معتمدًا على مناهج التحليل والمقارنة والنقد، كما يعدّ بناؤها الروائي محكمًا يبدو فيه ابن طفيل متمكّنًا من فن السرد والوصف والتشويق، حتى يمكننا اعتباره سابقًا لعصره بل سابقًا للعالم كلّه إلى فن الرواية الحديثة. ﷺ حياة ابن طفيل هو أبوبكر محمد بن عبد الملك بن محمد بن محمد بن طفيل القيسي، المشهور بابن طفيل، وينسب أيضًا فيقال: الأندلسي، والقرطبي، والإشبيلي، ويكنَّى أحيانًا –وهو الأقل- أبا جعفر. ولد في وادي آش على مسافة 53 كيلو مترًا من قرطبة، ولا نعرف تاريخ ميلاده على وجه التحديد، فبينما يرى البعض أنه ولد نحو عام 500 هجرية[1]، يرجّح البعض الآخر أنه ولد في عام 506هـ[2]. ولذلك يمكننا القول: إنه ولد في السنوات العشر الأولى من القرن السادس الهجري. ولا نعرف أيضًا شيوخه ولا أين تلقّى العلم، غير أن مراكز العلم في ذلك الوقت كانت على الأخص قرطبة وإشبيلية، وإن كان البعض قد أشار إلى أنه تتلمذ على يد ابن باجة، غير أن ابن طفيل نفسه يُنكر ذلك؛ إذ ذكر صراحة في «حي بن يقظان» وهو يُشير إلى ابن باجة: «فهذا حال ما وصل إلينا من علم هذا الرجل -ابن باجة- ونحن لم نلقَ شخصه»[3]. وهذا دليل قاطع على أنه لم يتلقَّ العلم على يدي ابن باجة، إلَّا أنه بغير شك قد تأثّر به من الناحية الفلسفية تأثُّرًا بارزًا، وفي الحقيقة لم يكن حي بن يقظان سوى الامتداد المتطوّر لمتوحّد ابن باجة. فقد ذهب ابن باجة في كتابه «تدبير المتوحّد» إلى أن الإنسان مدني بطبعه، ولا حياة له بغير المجتمع، إلَّا أن المجتمع مليء بالشرور، فلا سبيل للفيلسوف الذي يريد أن يصل إلى الحقيقة غير الابتعاد عن الناس، ولكنها ليست دعوة إلى عزلة مطلقة بل عزلة اختيارية، ومن هنا ذهب ابن باجة إلى أن الإنسان مدني بالطبع، ولكنه متوحّد بالعرض، فيقول: «على المتوحّد… أن يعتزل الناس جملة ما أمكنه فلا يلابسهم إلَّا في الأمور الضرورية»[4]. وجاء ابن طفيل ليعبّر عن هذه العزلة الاختيارية في اختيار «حي بن يقظان» أن يعتزل الناس في جزيرة منفردة، يعبد الله مع صديقه «أبسال» حتى يصلا إلى حالة السعادة المنشودة. ولا بد أن ابن طفيل قد درس العلوم الدينية، والفقه بخاصة؛ لأن تلميذه البطروجي يذكر أن ابن طفيل كان قاضيًا، وكذلك درس العلوم العقلية والطب، وقد مارس مهنة الطب في غرناطة زمنًا، واشتغل كاتبًا لعامل غرناطة وحاكم ولاية طنجة، كما كان طبيبًا لأحد خلفاء دولة الموحّدين وهو أبو يعقوب يوسف. وقد نال ابن طفيل عند هذا الخليفة مكانة كبيرة، فلقد كان من أكثر العلماء حظوةً لديه، حيث كان يقيم بقصر الخليفة أيامًا ليلًا ونهارًا حتى أصبح صديقه المقرّب وكاتم أسراره وطبيبه الخاص ووزيره. ولعل ممّا ساعد ابن طفيل على أن تكون له تلك المكانة الخاصة أن كلاهما ينتسب إلى قبيلة قيس، وصلة الدم لها مكانتها عند العرب، كذلك كان هذا الخليفة يمثّل نمطًا من الحكام الذين يميلون للعلم والدين، إذ تُخبرنا كُتب التراجم بأنه كان يجمع بين أمرين: الفقه في الدين والورع من ناحية، والطموح إلى تعلّم الحكمة والفلسفة من ناحية أخرى. أي إنه كان هناك تقارب بينهما في المزاج الفكري، فلقد كان كل منهما أديبًا محبًّا للعلم وأهله، محبًّا للفلسفة والمشتغلين بها، فقد اشتهر عن هذا الخليفة أنه كان حريصًا على أن يجمع الكتب من أقطار الأندلس والمغرب، ويبحث أيضًا عن العلماء، حتى كان لديه بالبلاط مجموعة كبيرة من العلماء، لم تجتمع لمن قبله ممّن ملك المغرب. وكان من مهام ابن طفيل أيضًا جلب العلماء إلى قصر الخليفة، فهو الذي نبَّه الخليفة إلى ابن رشد أعظم فلاسفة العرب. وظل ابن طفيل في بلاط السلطان أبي يعقوب يوسف متمتعًا بمكانته الخاصة إلى أن كبر سنّه فتخلّى عن وظيفة الطب لخلفه ابن رشد، وتوفّي ابن طفيل في سنة (581هـ – 1185م) في مدينة مراكش، ودفن هناك، واشترك السلطان أبو يوسف في تشييع جنازته[5]. مؤلفاته ينسب المؤرخون لابن طفيل مؤلفات في مختلّف الموضوعات والمجالات العلمية، كما يشار إلى أهميتها العلمية، ومن تلك الكتب التي تنسب إلى ابن طفيل، كتاب «أسرار الحكمة المشرقية» و رسائل «في النفس» وفي بعض النواحي الفلسفية الأخرى، وله كتابان في الطب، والرسائل الهامة المتبادلة بينه وبين ابن رشد التي تناولت كثيرًا من المشاكل الفلسفية والعلمية؛ حيث ذكر المراكشي أنه قد رأى عدة رسائل في الفلسفة، وعلى وجه الخصوص يذكر «رسالة في النفس» مكتوبة بخط ابن طفيل نفسه، وذكر ابن رشد أن ابن طفيل له في الفلك نظريات فاخرة، كما ذكر أبو إسحق البطروجي في إحدى رسائله في الفلك أنه رأى لأستاذه ابن طفيل نظريات فلكية يصح أن تحل محل نظريات بطليموس[6]. وليس هذا بالأمر المستبعد فإلمام ابن طفيل بعلوم الفلك أمر بيِّن لمن يقرأ قصة «حي بن يقظان»، كذلك إلمامه بالطب والجغرافيا وعلم النفس، إلَّا أنه لم يصلنا من علم الرجل غير قصته «حي بن يقظان» فهي الأثر الوحيد الذى كتب لصاحبه الخلود في تاريخ الثقافة العربية والعالمية. ﷺ أولًا: ملخص القصة تجري أحداث القصة على جزيرتين، الأولى يسكنها مجتمع إنساني تقليدي تسود فيه الشهوات والنزعات الدُّنيا، وأهله يحاكون الحقائق بأمثلة الخيال، واعتقادهم الديني سطحي ساذج، فهم يقبلون ظاهر النصوص بمدلولاتها الحسية. وقد جاء القرآن الكريم على هذه الصورة لكي يخاطب هؤلاء العامة الذين يرفضون جميع صور التأمّل العقلي، ويعزفون عن التعمّق واستبطان النصوص وتأويلها. وإن كان يوجد بهذه الجزيرة طبقة معرفية أعلى من طبقة العامة وهم أصحاب «أبسال» الذي قال عنهم لـ«حي بن يقظان»: إن تلك الطائفة هم أقرب إلى الفهم والذكاء من جميع الناس، وإنه إن عجز عن تعليمهم فهو عن تعليم الجمهور أعجز. وقد ظهر في هذه الجزيرة فتيان أحدهما سلامان والآخر أبسال، تميّزا عن أهل الجزيرة بالفضل وسمو النظر العقلي وبتغلّبهما على الشهوات، وكان الأول ذا نزعة علمية فنجده يساير العامة ويقبل دينهم في الظاهر ولا يلبث أن يسيطر عليهم. أما الثاني فإنه ينزع نزعة عقلية تأمّلية فيعتزل مجتمع الجزيرة، ويولّي وجهه نحو جزيرة مجاورة يظن أنها فقر من السكان. وهذه هي الجزيرة الثانية التي تجري عليها أحداث القصة، في هذه الجزيرة يسكن «حي بن يقظان»، وهو قد نشأ في هذه الجزيرة وترعرع على الفطرة، وقد يكون قد أُلقي به في اليم طفلًا فاستقر على الجزيرة، أو قد يكون قد تولّد طبيعيًّا من العناصر الطبيعية، وقد تكفّلت به ظبية فأرضعته، وهذه إشارة إلى التكافل الموجود بين الكائنات من نبات وحيوان وإنسان. ثم أخذ يتدرّج في مدارج المعرفة، فتعلّم بنفسه كيف يكفي حاجاته المادية، وكيف يستطيع أن يقوم بتوفير حاجاته الضرورية التي بها قوام حياته، من غذاء وملبس ومسكن. وقد كافح «حي» حتى خرج من الطور الحيواني الأول، ثم انبعث لديه شعور ديني مصدره التعجّب من اكتشافه للنار. وهو يمضي في حياته البريئة من المادة فيرعى النبات والحيوان ويُعنى بنظافة جسمه وملبسه ويحاول تصحيح حركاته، ويقتصر في أكله على ما يقيم الأود فلا يسرف في الغذاء أو في أكل اللحوم، وعن طريق التأمّل والملاحظة يعرف حقائق الحياة، ويعرف أهمية النار ويستخدم يديه في صنع ما يحتاج إليه. ينطلق إذن من ذكائه الفطري في التأمّل والملاحظة والتفكير إلى أن استطاع أن يدرك بعقله أرفع حقائق الطبيعة ويكتشف أخص قوانينها، ثم ينتقل إلى البحث عن الأسباب البعيدة فأخذ يفكّر في أسرار السماء ويتشوّق لمعرفة مكنونات ما وراء الطبيعة. فيعتزل الحياة في مغارة يعيش فيها أربعين يومًا زاهدًا في الطعام فترتقي نفسه، ويهتدي إلى ما اهتدى إليه الفلاسفة الإشراقيون. فيحاول «حي» أن يصل إلى الاتحاد الوثيق بالله، هذا الاتحاد هو السعادة القصوى والغبطة العظمى، ولقد سلك «حي» في سبيل الاتصال بالله طريق التأمّل والنظر العقلي، فانقطع عن عالم الجزيرة، ودخل مغارة وصام أربعين يومًا متتالية، وانقطع عن عالم المحسوسات، وما يصله به، واجتهد في فصل عقله عن العالم الخارجي المحسوس، وحتى عن جسده، وتفرّغ للتأمّل العقلي المطلق في الله، لكي يصل إلى الاتصال به. مر «حي» خلال هذه الرحلة نحو الاتصال بالله بسبعة مراحل كل منها سبع سنين يصل في نهايتها إلى حالة الفناء فيصير عقلًا خالصًا فتصبح روحه مرتبطة بالعالم العلوي، وتكون غايته أن يلتمس الواحد في كل شيء، وأن يشهد الحضرة الإلهية، فيرى الطبيعة كلها تنزع إليه ويرى التجلّي الإلهي شاملًا، ويكون عمره قد أشرف على الخمسين. وحينذاك يحدث اللقاء بينه وبين «أبسال» الذي هجر الجزيرة الأولى ليعتكف في الثانية زاهدًا في الدنيا وفي مجتمع الناس، وقد كان تفاهمهما صعبًا في بداية الأمر، حيث فرّ «أبسال»[7] من «حي» مذعورًا، ولحق به «حي» تحت دوافعه الفطرية للاستطلاع ومعرفة كنه هذا المخلوق الغريب الذي ظهر فجأة على جزيرته، كما كانت دوافع «حي» أقوى لمعرفة تلك اللغة التي يتكلّمها ومعرفة سرّ بكائه وتضرّعه في صلاته. ومع إدراك «أبسال» أن «حيًّا» ليس حيوانًا متوحشًا ولا ينوي إيقاع الضرر به اطمأن إليه، وعلّمه الكلام وحقيقة الشريعة التي أوحى بها الله سبحانه وتعالى إلى البشر عن طريق الأنبياء، ولقد اكتشفا أن العقيدة الدينية السائدة في مجتمع الجزيرة الأولى قد انتهى إليها «حي» وعرفها بدقة أكثر كمالًا بهداية العقل الفعّال. وعرف أبسال أن العقيدة الدينية ما هي إلَّا رمز للحقيقة الروحية المحجوبة عن البشر بسبب تعلّقهم بالعالم المادي المحسوس وعاداتهم الاجتماعية، وإنه لكي تنكشف جوانب الحقيقة يجب استخدام منهج التأويل الرمزي، فالعقيدة ظاهر وباطن ولكنها في حقيقة أمرها شيء واحد يفهمه العامة على مستوى حياتهم المادية وإدراكاتهم المشوبة بالخيال، ويفهمه الخاصة أو المتوحدون على مستوى الكمال العقلي بحسب إدراكاتهم. وتمضي القصة فنجد «حي» يصحب أبسال في رحلة إلى الجزيرة المجاورة لكي يُخرج أهلها من حالة الجهل ويعلّمهم أسرار الحقيقة. ولكن «حي» لاحظ أنه كلما أمعن في شرحه الفلسفي ازداد نفور الناس منه فجعلوا ينقبضون منه وتشمئز نفوسهم ممّا يأتي به، ويتسخّطونه في قلوبهم، وإن أظهروا له الرضا في وجهه إكرامًا لغربته فيهم، ومراعاة لحق صاحبهم «أبسال». فاضطر إلى الرحيل هو و«أبسال» عن الجزيرة عائدين إلى جزيرتهما الخالية، لكي يعتكفا لعبادة الله عبادة روحية خالصة حتى يدركهما الموت. وقد أدركا بالتجربة أن مجتمع البشر لا أمل في شفائه من الجهل والسطحية، وأن الحقيقة لا يقوى على طلبها وإدراكها سوى قلّة من المتوحدين ممّن له قوة الإرادة والقدرة على التخلّي عن مطالب البدن وحاجات الدنيا. لقد اتّضح لهما إذن أن العامة لا قدرة لها على إدراك الحقيقة الخالصة، وإنها لم تخلق للعوام؛ إذ إنهم مكبّلون بأغلال الحواس، وعرفا أن الإنسان إذا أراد أن يصل إلى التأثير في تلك الأفهام الغليظة التي أثقلها الحس، وأن يؤثّر في تلك الإرادة المستعصية، فلا مفرّ من أن يصوغ آراءه في قوالب الأديان المنزلة. كما انتهى إلى أن الأنبياء A كانوا على حق حينما عرضوا على العوام الحقائق الدينية في صورة أمثال حسية ولم يجهروا لهم بالمكاشفات النورانية الكاملة، تلك التي لا يدركها سوى قلّة من المتوحدين، أي الفلاسفة[8]. ويطرح ابن طفيل في هذه القصة تساؤلات حول الحق الذي لا جمجمة فيه، وعن الحقيقة الخالصة وما هي الطريق الأنسب لبلوغها؟ وهل هي طريق أهل النظر أي الفلاسفة أم طريق أهل الولاية أي المتصوفة؟ وما هي حقيقة مصير الإنسان، من هو؟ ومن أين أتى؟ وما شأنه في الحياة؟ وما الغاية من وجوده؟ وما مصيره؟ وكيفية الوصول إلى السعادة؟ وكيفية التعرّف إلى الخالق ذاته وصفاته؟ وهي قصة في مجملها حاملة لأفكار ابن طفيل الفلسفية. ويمكن تقسيم هذه القصة إلى ثماني مراحل: المرحلة الأولى تشمل ولادة حي، والمرحلة الثانية يكتشف حقيقة الروح بموت الظبية، ويعرف أن القلب هو مصدر الروح، والعضو الأساسي للحياة، وتجيء المرحلة الثالثة باكتشاف النار فيعرف الحرارة وفائدتها، وفي المرحلة الرابعة يعرف قانون السببية ويتأكّد أن كل ما في الكون يخضع لهذا القانون، ويرتفع في المرحلة الخامسة إلى اكتشاف وحدة الكون؛ إذ تشترك الكائنات في وحدة واحدة، ثم تتميّز فيما بينها بمميّزات إضافية تبعًا لمرتبتها. وفي المرحلة السادسة يصل إلى معرفة صانع الكون، ويفكّر في المرحلة السابعة في ذات الله وصفاته ويسعى إلى التشبّه به عن طريق التسامي والاتصال. وفي المرحلة الثامنة والأخيرة يلتقي بـ«أبسال» ويعلّمه الكلام، ويتّفقان على أن الحياة الحقة في العزلة للتفكر والعبادة حتى يلحق بدرب السعداء[9]. ﷺ ثانيًا: الدلالات الفلسفية لقصة «حي بن يقظان» قبل عرض تلك الدلالات الفلسفية التي بسطها ابن طفيل في رسالته «حي بن يقظان» نرى أنه من الضروري الإجابة عن سؤال مُلِحّ تضاربت فيه أقوال وآراء الباحثين، فأردنا أن نقف عليه وقفة جادّة لعلها تحسم ذلك الجدال حول مقصود ابن طفيل من تدوين هذه القصة بهذا الشكل. مقصود ابن طفيل وغايته من قصته رأي الدكتور محمد غلاب أن غاية ابن طفيل من هذه القصة لم تكن –كما فهم عبدالواحد المراكشي- محاولة عرض كيفية بدء الخلق أو بيان أصل النوع الإنساني فيما يرى الفلاسفة، وإنما غايته الأساسية هي إيضاح رأيه في كيفية المعرفة، وهو يتلخّص في أن الإنسان يستطيع أن يصل إلى إدراك الحقائق ولو كان قد نشأ في عزلة تامّة، ولم يتلقَّ أية ثقافة خارجية، ولم يحتمل أقل أثر من غيره إلَّا أثر العقل الفعّال الذي ينير عقله، وكذلك يستطيع أن يدرك هذه الحقائق ويتذوّقها إذا لقّنه غيره إياها، ولكن على شرط أن يكون هذا الإنسان من الخاصة الذين منحتهم السماء موهبة فلسفية كحي بن يقظان بطل رواية فيلسوفنا الذي أدركها وحده، وكصديقه «أبسال» الذي أدركها أولًا بوساطة الدين، ثم بوساطة «حي»؛ وذلك لأن العامة ليس لديهم الاستعداد لإدراك هذه الحقائق، ولأن المجهود الذي يبذل في تهذيبهم يذهب عبثًا كما ذهب مجهود «حي» وصاحبه في تهذيب أهل الجزيرة الأخرى[10]. في حين قرّر أحد الباحثين أن ابن طفيل أراد أن يستكمل ما بدأه سلفه الفيلسوف الأندلسي أبو بكر بن الصائغ المشهور بـ«ابن باجة» عن المتوحد وتدبيره، فيقول: «وفي تقديري أن حي بن يقظان لابن طفيل هو التجسيد المتطوّر لمتوحد ابن باجة في مرحلة جديدة هي مرحلة دولة الموحدين حيث الازدهار والاستقرار والنضج العقلي»[11]، ويشاركه هذا الرأي محمد لطفي جمعه الذي ذهب إلى القول بأن غرض ابن طفيل من كتابه حي بن يقظان هو أنه أراد أن يحلّ معضلة كبرى شغلت حكماء وقته وهي علاقة النفس البشرية بالعقل الأول[12] أو ما يعرف في تاريخ الفلسفة الإسلامية بمشكلة الاتصال. بينما نزع البعض إلى القول بأن قصد ابن طفيل من قصته هو استعراض أحوال الإنسان لو لم ينزل عليه الوحي، وكيف أنه يستطيع وحده بدون مساعدة من أحد باستثناء العقل السليم أن يصل إلى حقائق الوحي وأصول العقيدة[13]. كما آثر أحد الباحثين القول: إن ابن طفيل «كتب هذه القصة من أجل تحقيق هذه الغاية، ألا وهي عرض أسرار الحكمة المشرقية»[14]، بينما يرى الغالبية العظمى من الباحثين[15] أنه يقصد بهذه القصة بيان التطابق بين العقل والنقل، أي بين الحكمة والشريعة، ويحاول أن يبيّن للجميع درء تعارض العقل والنقل، وأن صريح المعقول لا يعارض أبدًا صحيح المنقول، ومن ثم فلا تعارض بين الدين والفلسفة؛ حيث إنهما يعبّران عن حقيقة واحدة، الدين يصورها بصورة حسية، والعقل يكتشفها ويصوغها في قالب عقلي. في حين تؤكّد هذه الدراسة أن مقصود ابن طفيل من هذه القصة هو تضمينها خلاصة آرائه الفلسفية، فهو لم يقدّم حلًّا لمشكلة واحدة ولا ابتغى معالجة إشكالية فلسفية بعينها «وإنما يقدّم نسقًا فلسفيًّا كاملًا يكاد يعالج فيه أهم القضايا الفلسفية في الفكر العربي الإسلامي»[16]. وأنه لما كان أسلافه من علماء الأندلس لم يعنوا بالآراء الفلسفية في الطبيعيات والإلهيات؛ حيث اشتغل فريق منهم بالعلوم المحفوظة من شرعية ولغوية، ويئس فريق آخر من النظر في الفلسفة ومعارفها يأسًا تامًّا؛ لأنها لا ترمي -في نظرهم- إلَّا إلى أحد شيئين: حقيقة متعذّرة التحصيل، وباطل غير مفيد. أما معاصرو ابن طفيل فرأى أنهم ناشئون في الفلسفة ولم يقطعوا فيها بعدُ شوطًا يستحق الذكر، فصمّم أن يتكفّل هو بسد هذه الثغرة فألّف هذه الرسالة وبسط فيها كل آرائه الفلسفية. وهو الأمر الذي يستشعره القارئ لأول وهلة من التفاصيل العميقة حول كل قضية يتمّ عرضها، ولم يكن العرض القصصي بحاجة إليها من حيث الحبكة أو التشويق، مثل نزعته النقدية البارزة للسابقين من أمثال الفارابي وابن سينا والغزالي وابن باجة. أو في بيان كيفية علم حي بن يقظان أن كل حادث له محدث وقيام الأدلة على وجود الله، وفي نظر حي بن يقظان في الشمس والقمر والكواكب وبقية الأجرام، وفي أن كمال الذات ولذتها إنما هو بمشاهدة واجب الوجود، وفي النزعة الإنسانية البارزة التي ترى أن الإنسان نوع كسائر أنواع الحيوان ولكنه إنما خلق لغاية أخرى، كذلك تفصيلاته في القول في أن السعادة والفوز من الشقاء إنما هي في دوام المشاهدة لهذا الموجود دائم الوجود، أو ما بسطه في الجزء الأخير من رسالته حول الفناء والوصول، وغيرها من الدلالات الفلسفية التي جاءت بصورة كاملة وموجزة في الآن نفسه. أما لماذا اختار ابن طفيل هذا الشكل القصصي لتقديم فلسفته؟ فالسبب ظاهر للعيان وهو الهروب من تلك المواجهة السافرة مع فقهاء عصره، وأن يتفادى مصير من اشتغلوا بالفلسفة بعد تلك الحملة الشعواء التي قام بها الغزالي في المشرق العربي ولم يسلم منها المشتغلون بالفلسفة في المغرب العربي، وما مصير ابن باجة الذي مات مسمومًا من ابن طفيل ببعيد، أو نكبة ابن رشد الذي جاء بعد ابن طفيل مباشرة بخافية على أحد. ولذلك عمل ابن طفيل على أن يُضَمِّنَ روايته كل آرائه الفلسفية من خلال تقنية روائية تتّسم بالبساطة والجرأة من خلال فضاء روائي واسع يعطي الحرية في سرد التفاصيل الخاصة بمذهبه الفلسفي، وهذه الدلالات الفلسفية هي ما نعرض له فيما يلي: 1- النزعة النقدية فطن ابن طفيل منذ البداية إلى أنه لا يمكن أن يكون هناك مفكّر أصيل بدون موقف نقدي، فالموقف النقدي هو بمثابة نقطة الانطلاق، بل ويمكن وصفه بأنه ذلك الموقف الذي يرى ضرورة مناقشة المعلومات كلها، ويرى أنه ليست ثمة معرفة مقبولة إلَّا بعد فحص وتمحيص، فالنظرة النقدية تكون دائمًا الحافز والدافع للباحث لسبر غور موضوعه، ولولا النظرة النقدية للظواهر الكونية ولفكر السابقين لما وجد لدى الباحثين والعلماء والمفكّرين موضوعات للبحث والدراسة ولأصبح الإنسان تابعًا لا مبدعًا، مقلّدًا لا مجدّدًا، وبدون هذه النظرة أيضًا تموت روح الابتكار والإبداع. ولذلك نجد أن أول ما يمكننا ملاحظته عند قراءة قصته هي تلك النزعة النقدية التي تميّز بها ابن طفيل؛ حيث إنه قام بنقد كل من الفارابي وابن سينا والغزالي وابن باجة، وكان نقده لهم منطلقًا من التزام ابن طفيل في تفلسفه بخصائص وشروط الموقف الفلسفي. ومن أبرز ما تميّز بها النقد عند ابن طفيل هو إظهاره للغثّ والسمين معًا في المذهب الذي يتناوله، فلا يكتفي بذكر العيوب أو المزايا وإنما عُني بذكر العيوب والمزايا معًا. فأما الفارابي فقد رأى ابن طفيل أن أكثر ما وصل بلاد الأندلس من كتب الفارابي في المنطق، أما ما ورد منها في الفلسفة فهي كثيرة الشكوك، بها العديد من أوجه التناقض والتي من أبرزها موقفه من المعاد وخلود النفس، حيث إنه أثبت في كتاب «الملة الفاضلة» بقاء النفوس الشريرة بعد الموت في آلام لا نهاية لها بقاءً لا نهاية له، ثم صرَّح في كتاب «السياسة المدنية» بأنها منحلة وصائرة إلى العدم وأنه لا بقاء إلَّا للنفوس الفاضلة الكاملة. ثم وصف في شرح «كتاب الأخلاق» شيئًا من أمر السعادة الإنسانية، وأنها إنما تكون في هذه الحياة وفي هذه الدار؛ ثم قال عقب ذلك كلامًا هذا معناه: «وكل ما يذكر غير هذا فهو هذيان وخرافات عجائز». وهكذا يكون الفارابي في نظر ابن طفيل قد أيأس الناس جميعًا من رحمة الله تعالى، وصيّر الفاضل والشرير في رتبة واحدة؛ إذ جعل مصير الكل إلى العدم؛ وهذه زلّة لا تُقال، وعثرة ليس بعدها جبر. وهذا ما صرّح به من سوء معتقده في النبوة، وأنه بزعمه للقوة الخيالية، وتفضيله الفلسفة عليها إلى أشياء ليس بنا حاجة إلى إيرادها[17]. ولكنه بالرغم من ذلك ينزله منزلة عظمى ويرى أنه من أنبغ فلاسفة الإسلام في المشرق؛ ولذلك يستشهد بالعديد من كتبه. أما الشيخ الرئيس ابن سينا فيرى ابن طفيل أن كتابه المسمى «الشفاء» قد سار فيه على درب أرسطو وعلى مذهب المشائين، ولكن من أراد الحق الذي لا جمجمة فيه فعليه بكتاب «الفلسفة المشرقية». أي إن ابن سينا قد اتّفق ظاهريًّا مع أرسطو واختلف باطنيًّا، فيقول ابن طفيل: «ومن عُني بقراءة كتاب الشفاء وبقراءة كتب أرسطوطاليس، ظهر له أكثر الأمور أنها تتّفق، وإن كان في كتاب الشفاء أشياء لم تبلغ إلينا عن أرسطو. وإذا أخذ جميع ما تعطيه كتب أرسطو وكتاب الشفاء على ظاهره دون أن يتفطن لسره وباطنه، لم يوصل به إلى الكمال حسبما نبَّه عليه الشيخ أبو علي في كتاب الشفاء»[18]. أما ما يتعلّق بأبي حامد الغزالي فقد رماه ابن طفيل بالتلوّن والذبذبة بين الخاصة والعامة يظهر لأولئك ما يخفيه أمام هؤلاء؛ فهو عند ابن طفيل بحسب مخاطبته للجمهور، يربط في موضع، ويحل في موضع، ويكفر بأشياء ثم ينتحلها، ثم إنه من جملة ما كفّر به الفلاسفة في كتاب (التهافت) إنكارهم لحشر الأجساد، وإثباتهم الثواب والعقاب للنفوس خاصة. ثم قال في أول كتاب «الميزان»: إن هذا الاعتقاد هو اعتقاد شيوخ الصوفية على القطع، وغير ذلك من العثرات التي لا تقال من اتّصاف الموجود العظيم بصفة تنافي الوحدانية المحضة… تعالى الله عمّا يقول الظالمون علوًّا كبيرًا. وقد حاول الغزالي أن يخرج من هذا المآزق بزعمه أن هذه الآراء قد تمّ فهمها بطريقة خاطئة حيث إنها لم تكتب للعامة وإنما هي كتابات مضنون بها على العامة، ولكن ابن طفيل يقرّر أن كتبه المضنون بها هذه لم تصل إليه… ولكنه مع ذلك يجلّ الشيخ الغزالي ويرى أنه ممّن سعد السعادة القصوى، ووصل تلك المواصل الشريفة المقدّسة، لكن كتبه المضنون بها المشتملة على علم المكاشفة لم تصل إلينا[19]. وعندما يتحدّث عن ابن باجة، فيرى أنه لم يكن في أهل الأندلس من هو أثقب منه ذهنًا، ولا أصحّ نظرًا، ولا أصدق رؤية غير أنه شغلته الدنيا، حتى اخترمته المنية قبل ظهور خزائن علمه، وبثّ خفايا حكمته، وأكثر ما يوجد له من التآليف فإنما هي غير كاملة ومجزومة من أواخرها، ويذكر من مؤلفاته «كتاب النفس» و«تدبير المتوحد» و«رسالة الاتصال»، ويرى أن المعنى المقصود برهانه في رسالة الاتصال ليس يعطيه ذلك القول عطاءً بيّنًا إلَّا بعد عسر واستكراه شديد، وإن ترتيب عباراته في بعض المواضع على غير الطريق الأكمل، ولو اتّسع له الوقت لمال إلى تبديلها[20]. ولذلك يرى ابن طفيل أن ابن باجة كان من الممكن أن يقوم بسدّ الثغرة في الاهتمام بالعلوم الفلسفية نظرًا لنبوغه العقلي لو لم تعترضه العقبات القاسية التي إحداها أنه اتّقي شر الجمهور، فلم يخض في الفلسفة صراحة، وثانيتها أنه اشتغل بالماديات فألهته عن التفرّغ للعلم، وحالت أطماعه في الثروة بينه وبين الإتقان، وثالثتها أن المنية قد عاجلته قبل ظهور خزائن علمه. 2- أنطولوجيا العالم الفيزيقي عالج ابن طفيل العالم من الناحية الفيزيقية والناحية الميتافيزيقية؛ فإذا نظرنا إلى العالم عند ابن طفيل سنجده مقسّمًا من الناحية الفيزيقية إلى قسمين: عالم ما تحت فلك القمر وعالم ما فوق فلك القمر، متبعًا في ذلك القسمة الأرسطية للعالم. ولقد بدأ ابن طفيل بحثه للعالم الفيزيقي على أساس المنهج العلمي مبتدئًا بالإدراك الحسي المباشر للظواهر الطبيعية ومحاولة تفسيرها، وفرض الفروض وإجراء التجارب للتحقّق من صحة تلك الفروض، ومحاولة الوصول إلى القوانين العامة المفسّرة للظاهرة. حيث قام ابن طفيل بتقسيم عالم ما تحت فلك القمر «العالم السفلي» إلى قسمين من الموجودات؛ موجودات حية وموجودات غير حية. وأن الموجودات الحية تشمل النبات والحيوان والإنسان. وتأمّل كل أنواع النبات فرأى أنه على الرغم من اختلاف أنواعها إلَّا أن كل نوع منها تشبه أشخاصه بعضها بعضًا في الأغصان والزهر والثمر، فرأى أن لها شيئًا واحدًا مشتركًا، الأمر نفسه لجميع أنواع الحيوان، وكذلك الإنسان. والفرق بين الأصناف الثلاثة هو في قوى النفس التي هي في الإنسان أتمّ من النبات والحيوان، وأن الإنسان يتميّز بقوى النفس الناطقة التي تميّزه على النبات الذي له من القوى المغذية والمنمية، ويزداد الحيوان بالحس والحركة والتنقل من حيّز إلى آخر، أما النفس الناطقة فتتميّز عمّا سواها بإدراك الأمور المعقولة والجوانب الروحانية[21]. أما الموجودات غير الحية وهي التي لا نفس لها وهي مختلفة من جبال وأنهار ومعادن وغيرها فهي متكثّرة من جهة ومتّحدة من جهة أخرى، وهي من الجهة التي تتّفق فيها واحدة، ومن الجهة التي تختلف فيها كثيرة متغيّرة[22]. وهكذا ينتهي ابن طفيل إلى شيء واحد يجمع الموجودات الحية وإن تعدّدت مظاهره في الأنواع المختلفة، كذلك الأمر في الموجودات غير الحية. وأهم ما يميّز عالم ما تحت فلك القمر أنه قابل للكون والفساد ولا يخلد فيه سوى النفس الناطقة. أما عالم ما فوق فلك القمر أو عالم الأجرام السماوية، من الشمس والقمر وسائر الكواكب وغيرها فقد رأى ابن طفيل إن أجرامه تتّصف بالجسمية، أي إنها تمتدّ في الأقطار الثلاثة الطول والعرض والعمق، ولا ينفك شيء منها عن هذه الصفة، وكل ما لا ينفك فهو جسم، فهي إذن كلها أجسام، وبما أنها أجسام فهي متناهية ومحدودة، حيث إن القول بأنها لا نهاية لها أمر باطل وشيء يعدّ محالًا[23]. وأن شكل الفلك هو شكل الكرة، وأن لها حركة منتظمة جارية على نسق واحد، وأنها لا تقبل الكون والفساد مثل أجسام العالم السفلي؛ حيث إن أجسام عالم ما فوق فلك القمر لها ذوات غير أجسامها تعرف الموجود الواجب الوجود، وأن تلك الذوات العارفة ليست بأجسام ولا منطبعة في أجسام، مثل القوة العاقلة التي للإنسان. ويستخدم ابن طفيل قياس الأولى، فإذا كانت هذه القوة موجود مثيل لها في الإنسان الذي يجمع بين الحس والعقل، فمن الأولى أن توجد للأجرام السماوية التي هي بريئة من الحس[24]. ثم تناول ابن طفيل الكشف عن الأبعاد الميتافيزيقية للطبيعة فتناول آراء تتعلّق بعالم الكون والفساد، وأخرى تتعلّق بعالم الأجرام السماوية مفرقًا بين الكائن والفاسد من ناحية والأزلي والخالد من ناحية أخرى. فقد حاول من خلال دراسته لعالم الطبيعة الصعود إلى أعم المبادئ الموجودة في الوجود، إذ كان يصعد دومًا من المادي إلى الروحي، كما يصعد من الكثرة والتنوّع إلى الوحدة والثبات… وهكذا يُشير ابن طفيل إلى القول بوحدة الحقيقة واختلاف المنهج، أي وحدة الحقيقة بين الحكمة والشريعة (العقل والنقل)، واختلاف طرق الوصول إليها. ولكل منهما منهج خاص به، منهج الإيمان الخالص يختلف عن منهج العقل الاستدلالي. وصل «حي بن يقظان» إلى الحق بعقله الخالص دون رسالة من نبي أو تعلّم من فقيه، وصل بالعقل من خلال الانتقال من الإدراك الحسي إلى التصوّر العقلي، فالمشاهدة الذوقية الوجدانية. أما «أبسال» فقد وصل إلى الحق عن طريق الإيمان بالدين. وهذه التفرقة في المنهج هو ما سنجده بعد ذلك عند ابن رشد. 3- وحدة الوجود يعبر مذهب وحدة الوجود في صورته الكلية عن أن الله وحده هو الوجود الحق، والعالم هو مجموع المظاهر التي تعلن عن ذات الله دون أن يكون لها وجود قائم بذاته[25]. وقد وجدت صور متعدّدة ومختلفة إلى حدٍّ كبير منه عند الهنود وفي الفلسفة اليونانية وعند صوفية العرب كالحلاج وابن عربي وفلاسفتهم كابن رشد، كما وجد في الفلسفة الحديثة عند ديدرو وسبينوزا[26]. وقد ظهر عند ابن طفيل حيث إنه نظر إلى الوجود بكامله على أن بينه ترابط في قوانين، وترتيب في درجات مرتبة يعلو بعضها بعضًا حتى نصل إلى العلة الأولى، والوحدة عنده دليل على وجود الخالق، ومن ثَمَّ فوحدة الوجود عند ابن طفيل تختلف عن تصوّر الصوفية، فهو تصوّر يعني الترابط العضوي بين كل عناصر الطبيعة وما فوق الطبيعة[27]. 4- مشكلة حدوث العالم وقدمه إن مشكلة حدوث العالم أو قدمه أو أنطولوجيا العالم الميتافيزيقي أخذت مكانًا كبيرًا في الفكر الفلسفي الإسلامي، فقال جميع فلاسفة العرب بالقدم عدا الكندي الذي قال بالحدوث، وقد بدأ ابن طفيل بحثه في مسألة الحدوث أو القدم، بالقول بضرورة حاجة العالم إلى موجد أو خالق، ولهذه البداية، إذ تعني أهمية إثبات أن العالم مخلوق لله تعالى، سواء كان حادثًا أو قديمًا[28]. وقد ذهب ابن طفيل إلى أن القول بالقدم يُثير إشكالات وشكوك، كما أن القول بالحدوث يؤدّي إلى ذلك أيضًا، والمقصود بقدم العالم أي إنه الموجود الذي ليس وجوده مسبوقًا بالعدم، وهو القديم بالزمان[29]. ولكي يتلاشى الفلاسفة بهذا القول بأن العالم ليس من خلق الله ذهبوا إلى القول بأن الله قد خلق هذا العالم ولكن من مادة قديمة، تصوّرها أفلاطون Platon في حالة من الفوضى وعدم التعيّن أو التحديد أو ما يُعرف بالعماء Choas، وتصوّرها أرسطو على أنها مادة دائمة الحركة، ولكنهما اتفقا على أنها موجودة مع الإله منذ القدم أو لم تزل موجودة معه. أما الحدوث فيعني خلق الله للعالم من العدم، وقد عرض ابن طفيل في قصته لحجج أهل القدم ولحجج أهل الحدوث، كما عرض للشكوك التي تلزم عن القول بالقدم مثل استحالة وجود ما لا نهاية له، كما أن هذا الوجود لا يخلو من الحوادث ولا يتقدّمها، وما لا يتقدّم الحوادث ولا يخلو منها فهو محدث. كما رأى أن القول بالحدوث يلزم عنه اعتراضات كثيرة، منها أن معنى الحدوث لا يفهم إلَّا على معنى أن الزمان تقدّم العالم، والزمان من جملة العالم ولا ينفك عنه؛ لذا فلا يفهم تأخّر العالم عن الزمان. كما أنه لو كان العالم حادثًا وله محدث، فَلِمَ أحدثه الآن ولم يُحدثه قبل ذلك، ألطارئٍ طرأ عليه ولا شيء هناك غيره، أم لتغيّر حدث في ذاته، فإن كان فما الذي أحدث ذلك التغيير؟[30] وما زال ابن طفيل حائرًا بين القدم والحدوث عدة سنين إلى أن ارتضى القول بالقدم على اعتبار أن العالم كله معلول ومخلوق لله تعالى بغير زمان؛ مخالفًا بذلك جمهور المتكلّمين والكندي أيضًا، ومتّفقًا مع الفلاسفة الذين آثروا القول بالقدم من قبله مثل الفارابي وابن سينا أو من بعده كابن رشد. ومع ذلك لا يفوتنا القول بأن ابن طفيل من القائلين بنظرية الخلق المستمر، التي تعني إثبات حفظ الله للعالم وعنايته المستمرة به، وأن القدرة الإلهية تتدخّل في كل لحظة من لحظات الزمان ليحفظ للأجسام والأفعال تماسكها ويُبقي على وحدتها[31]. وهو ما نلحظه في تأكيد ابن طفيل الدائم على افتقار الموجودات في دوامها إلى دوام الفاعل، فهي تفتقر إليه في وجودها وفي دوام ذلك الوجود. فهي متعلّقة الوجود به، ولولا دوامه لم تدم، ولولا وجوده لم توجد، ولولا قدمه لم تكن قديمة، وهو في ذاته غني عنها، وبريء منها[32]. 5- أدلة ابن طفيل على وجود الله على الرغم من ترجيح ابن طفيل للقول بقدم العالم إلَّا أن ذلك لم يمنعه من تقديم أدلة على وجود الله تعالى، بل إنه ربط بين القول بقدم العالم وبين تقديم أدلة على وجود الله تعالى برباط وثيق، ويعدّ هذا من جانبه ردَّ فعل على محاولة الغزالي الذي رأى أن الفلاسفة حين قالوا بقدم العالم، فاعتبر قولهم هذا يؤدّي إلى مذهب الدهرية، ومعنى هذا أن الفيلسوف الذي يقول بقدم العالم يكون متناقضًا مع نفسه إذا بحث عن أدلة وجود الله تعالى، فيما يرى الغزالي. والجدير بالذكر أن ابن طفيل لم يحدّد أسماء معينة للأدلة التي قال بها، ولكننا يمكن لنا تسميتها في ضوء الفلسفة الإسلامية التي حدّدت أسماء لهذه الأدلة، فكان دليل الحركة هو دليل ابن طفيل الأول على وجود الله تعالى، ذلك الدليل الذي نجده عند أفلاطون وأرسطو أيضًا، وفحواه أن كل متحرّك له محرِّك يحرّكه وهذا المحرِّك له محرّك وهكذا إلى أن نصل إلى محرّك أول يحرِّك ولا يتحرَّك وهو الله تعالى. فإخراج العالم من مرحلة اللاوجود إلى الوجود، يعدّ دليلًا على حركة العالم، وهذه الحركة بدورها يلزمها محرِّك أي إله[33]. وهذا المحرِّك الأول يختلف عن المحرِّك الأول الأرسطي، الذي نفض يده من الكون بعد خلقه، ولا يتّصل به وبين الذي يرجع في أصله للعقيدة الإسلامية، التي تقرّ العناية الإلهية المستمرة للكون وما فيه من موجودات[34]. وهذا الدليل هو الذي نقده الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط؛ إذ إن العِلّيّة في نظر كانط لا تنطبق إلَّا على عالم الظواهر «عالم الشهادة» أي عالم الأشياء الواقعة في نطاق تجاربنا، بيد أنها لا تصدق على العلّة التي تعدّ خارجة عن العالم والتي تعدّ في الوقت نفسه سبب وجود العالم. أما الدليل الثاني عند ابن طفيل فيمكن أن نطلق عليه دليل «حدوث الصورة عن محدث»، ويمكن الوصول إلى الفكرة العامة لهذا الدليل من ثنايا دراسته للعلاقة بين المادة والصورة، فإذا كانت جميع الموجودات تتركّب من مادة وصورة، وكانت المادة تفتقر إلى الصورة التي لا يصح وجودها إلَّا عن فاعل، فإن جميع الموجودات تفتقر إذن في وجودها إلى الفاعل المختار جلّ جلاله[35]. أما الدليل الثالث والأخير، فهو دليل يعتمد على فكرة الغائية والعناية الإلهية، وهو ما يُعرف في الفلسفة الإلهية بالدليل الغائي، الذي يعني أن هذا النظام وهذا التدبير الموجود في العالم لا بد له من فاعل منظّم ومدبّر؛ لأنه لا يمكن أن يكون على سبيل المصادفة أو الاتّفاق، أي إنه لا بد من وجود كائن يعتني بهذا العالم المحكم والمنظّم ويحفظه دومًا من الفساد، فتصفّح ابن طفيل الأشياء جميعًا «فتبيّن له في أقل الأشياء الموجودة، فضلًا عن أكثرها من آثار الحكمة، وبدائع الصنعة، ما قضى منه كل العجب، وتحقّق عنده أن ذلك لا يصدر إلَّا عن فاعل مختار في غاية الكمال وفوق الكمال»[36]. كما تناول ابن طفيل مشكلة الصفات الإلهية سواء كانت صفات ثبوت أو صفات سلب، ودرسها صفةً صفة فنفى منها الصفات الجسمية وأثبت العلم والقدرة، كما أثبت لله تعالى كل صفات الكمال والتنزيه، ونفى صفات النقص كلها عن الله تعالى، كما نفى العدم عنه، وأثبت له الأزلية والأبدية ودوام الوجود أو السرمدية، فيقول: «إن الموجود الواجب الوجود، متّصف بأوصاف الكمال كلها، ومنزَّه عن صفات النقص وبريء منها»[37]. وإن أكثر ما يمكن ملاحظته هنا هو أن ابن طفيل إذا كان أرسطيًّا قحًّا في دليل المحرِّك الأول في مسألة الصفات، فإنه انقلب اعتزاليًّا صرفًا حين رأى أن صفات الله هي عين ذاته وليست شيئًا زائدًا عليه. 6- خلود النفس وعلاقته بنظرية المعرفة ارتبطت مشكلة خلود النفس بنظرية المعرفة عند ابن طفيل ارتباطًا بيّنًا؛ فإذا ما نظرنا إلى معالجته لمشكلة خلود النفس نجده يقارن بين تلك المعرفة التي تأتي عن طريق الحواس والمعرفة التي تأتي عن طريق العقل، فالحواس لا تدرك إلَّا ما هو جسمًا؛ ولذلك لا يمكنها أن تدرك واجب الوجود الذي هو بريء من صفات الأجسام، ولا يدرك بشيء ليس بجسم وليس له من صفة الجسمية أي صفة؛ ولذلك كانت النفس الناطقة هي التي تدرك واجب الوجود، ومن ثَمَّ كانت النفس خالدة لأنها تدرك الخالد، أما الجسم فهو فانٍ شأن جميع الأجسام، ومن ثَمَّ يُصبح مصير الجسد هو الفناء ومصير النفس هو الخلود. فيحلّل ابن طفيل حالات النفس في حياتها الأرضية من خلال علاقتها بواجب الوجود (الله)؛ نظرًا لأن السعادة والشقاء في العالم الآخر لا بد أن ترتبط كل حالة منها بأفعال البشر في هذه الحياة الدنيا، فيميّز بين ثلاث حالات للنفس من خلال علاقتها بواجب الوجود؛ حالة أولى تمثّل النفس أو الإنسان الذي أدرك واجب الوجود ثمّ فقد إدراكه بالمعصية، ومصير الإنسان في تلك الحالة إنما يتمثّل في الآلام التي لا نهاية لها وسواء تخلّص من الآلام بعد جهاد طويل، أم بقي في الآلام بقاءً نهائيًّا. وحالة ثانية تمثّل الإنسان الذي أدرك وجود الله وأقبل تمامًا عليه والتزم بالتفكير فيه حتى موت الجسد، ومصير النفس بعد الموت إنما يتمثّل في لذَّتها وغبطتها وسعادتها سعادة لا نهاية لها. وحالة ثالثة تمثِّل الإنسان الذي لم يدرك وجود الله، ومصير النفس في هذه الحالة كمصير الحيوانات[38]. ومن خلال هذه الحالات الثلاثة للنفس تظهر أهمية المعرفة بالنسبة للإنسان من جهة، والربط بين المعرفة والعمل من جهة أخرى، والدليل على ذلك، أن الحالة الثانية بالنسبة لمصير النفس بعد الموت (حالة المعرفة مع العمل) تعدّ أفضل من الحالة الأولى (حالة المعرفة مع المعصية) والحالة الثالثة (عدم المعرفة) وكيف ساوى صاحب هذه الحالة بالحيوان الأعجم. 7- التوفيق بين الفلسفة والدين لقد أراد ابن طفيل أن يعرض لمشكلة التوفيق بين الفلسفة والدين، تلك المشكلة التي شغلت جلّ فلاسفة الإسلام، فعمل على أن يبيّن لنا من خلال هذه القصة أن ما وصل إليه «حي بن يقظان» بالنظر العقلي والتأمّل، لا يخالف الدين الموحى به. ولما كان في الشريعة أقوال تدعو إلى العزلة والانفراد، وأخرى تدعو إلى المعاشرة وملازمة الجماعة، فقد تعلّق «أبسال» بطلب العزلة، وخاصة في أنه كان يتعمّق في البحث فيما وراء ظاهر الدين، وكانت عزلته تساعده على ذلك، أما «سلامان» فقد تعلّق بملازمة الجماعة، وكان هذا الاختلاف بين طبيعة كل منهما باعثًا على افتراقهما[39]. لكن يبدو أن ما أورده ابن طفيل من تقابل بين العقيدة والفلسفة قد يُوحي بأن ثمة تعارضًا بين الدين والفلسفة، وأنه لا التقاء بينهما بدلالة نفور العامة من شرح الفيلسوف للعقيدة، ولكن الواقع أنه لا يوجد أي تعارض بين الدين والفلسفة مطلقًا، وإنما التعارض الظاهر يرجع إلى اختلاف مستوى الإدراك عند كل من العامة والفلاسفة. وعلى أية حال فإن هذا الموقف يرجع إلى ما سبق أن أشار إليه الغزالي من ضرورة حماية عقيدة العوام من مغبّة النظر العقلي ومخاطره، ولهذا فقد ميّز بين مفهوم العامة للدين ومفهوم الخاصة له، وهذا لا يقدح في الدين نفسه. فالعامة أو الجمهور لا يعي إلَّا الظاهر والحرفي ولا يدرك من المعاني الخفية شيئًا، والأمر الأوضح من هذا وذاك أن ابن طفيل يرتّب الناس في مراتب أربع: أعلاها مرتبة الفيلسوف، ويتلوها مرتبة عالم الدين البصير بالمعاني الروحانية وهو الصوفي، ويتلوها مرتبة رجل الدين المتعلّق بالظاهر وهو الفقيه، وأدناها مرتبة الجمهور من الناس أو العامة. غير أننا نلاحظ أن هذه القصة إنما تصل بنا إلى نتيجة مؤدّاها، أنه في الوقت الذي يمكن فيه تبرير إرسال الرسل إلى عامة الناس الذين يعجزون عن الوصول إلى أصول العقائد بدون معلم أو مرشد خارج أنفسهم، نجد أن المتوحدين ليسوا بحاجة إلى الرسل لأنهم يستطيعون الوصول إلى حقائق الوحي بعقولهم وبهداية العقل الفعّال. كما لفت ابن طفيل الأنظار في تناوله للقضايا الدينية بين تناول أهل الظاهر، وهم الذين يأخذون النصوص الدينية على ظواهرها، وأهل التأويل وهم الذين يستخدمون العقل في فهم النص الديني، وفي حالة ظهور تعارض بينهما يؤوّلون النص ليوافق العقل، وانحاز ابن طفيل لأهل التأويل. كما رأى أن الشريعة قد أصابت في استخدام الطريقة الملائمة لمخاطبة الناس على قدر عقولهم، دون مكاشفتهم بحقائق الحكمة وأسرارها، ورأت أن الخير في التزام الناس بحدود الشرع، وترك التعمُّق لمن هو أهلًا له. ولذلك ترك «حي» «سلامان» وقومه على مذهبهم في الاكتفاء بظاهر الشرع. فأثّر تأثيرًا كبيرًا في اللاحقين الأمر الذي سنجده بصورة بارزة جدًّا عند خلفه ابن رشد[40]. ولذلك فإننا نرى كيف أن ابن طفيل قد نجح في التعبير في هذه القصة عن التقاء الحكمة المشرقية بالفلسفة اليونانية، وأن محاولته هذه تعدّ استمرارًا للمحاولات السابقة التي قام بها فلاسفة الإسلام في المشرق العربي، حيث إن محاولة الربط بين العقيدة والفلسفة باعتبارهما وجهين مختلفين لحقيقة واحدة، واستخدامه التأويل بهذا الصدد، هذه المحاولة سيتردّد صداها عند ابن رشد وقد كان معاصرًا له، وكان ابن رشد معجبًا بابن طفيل، وبقدرته على التفلسف، وبإلمامه أيضًا بجلّ العلوم العقلية والفلسفية التي كانت سائدة في عصره. 8- مشكلة الاتصال أما الاتصال فيكون عن طريق الاجتهاد والترقّي المعرفي والعقلي من خلال إعمال النظر والتأمّل، فالإنسان عند ابن طفيل من خلال تنمية قواه الإدراكية والامتلاء المعرفي الاتصال بالعقل الفعّال المنبثق عن الله تعالى، فطريق الاتصال عنده طريق عقلي تأمّلي بعيد تمام البعد عن طريق التصوف الذي هو تجربة وذوق، فالاتصال هو سمو إلى العالم العلوي وارتباط بين الإنسان والعقل الفعّال ارتباطًا دون امتزاج، أما عند المتصوفة فالاتصال امتزاج واتحاد وحلول، حلول اللاهوت في الناسوت، وتلاشي الأنا في الأنت، وعدم تميّز الخلق عن الخالق. كما سعت هذه القصة إلى تفصيل درجات الخطاب؛ حيث يرى ابن طفيل أن الحكمة لا يقدر عليها إلَّا القلّة النادرة من البشر، ممّن مُنحوا عقلية فذّة تدرك المعقولات المجرّدة. أما الجمهور فلا يعي إلَّا الظاهر فقط. ولذا يرتّب ابن طفيل المُخَاطَبين على مراتب أربعة هي: مرتبة الفيلسوف ويمثّلها «حي»، يتلوها مرتبة عالم الدين البصير، ويمثّلها «أبسال»، يليها مرتبة رجل الدين المتعلّق بالظاهر وهو «الفقيه» ويمثّلها في القصة «سلامان»، وأدناها مرتبة الجمهور ويمثّلها «أهل جزيرة سلامان»[41]. كما عكست القصة فكرة أن الشريعة عند ابن طفيل ظاهر وباطن، وأن الشريعة قد أصابت في استخدام المنهج الملائم لمخاطبة الناس على قدر عقولهم، دون مكاشفتهم بحقائق الحكمة وأسرارها، ورأت أن الخير في التزام الناس بحدود الشرع، وترك التعمُّق لمن هو أهلًا له. ولذا ترك «حي» «سلامان» وقومه على مذهبهم في الاكتفاء بظاهر الشرع. وأبدى لهم تأييده لكيلا يفسد عليهم إيمانهم، ومضى مع «أبسال» إلى الجزيرة المنعزلة ليعيشا منعزلين يعبدان الله بالطريقة التي تناسب عقليهما[42]. ولكل جماعة من الناس إيمانهم الخاص الذي يتناسب وقدراتهم وفطرتهم التي فطرها الله عليهم، أو كما يقول «حي»: «إن الحكمة كلها والهداية والتوفيق فيما نطقت به الرسل الكرام، فلكل عمل رجال، وكل ميسَّر لما خُلق له»[43]. كما يمكننا أن نرى في بحث مشكلة الاتصال عند ابن طفيل نسقًا كاملًا لنظرية المعرفة، يتحقّق عبر مراحل زمنية وعبر درجات متتالية من المعرفة، تبدأ بالخبرة الحسية لترتفع إلى التجربة والممارسة العملية، ثم الاستدلال العقلي النظري، لتنتهي إلى أعلى درجة وهي المعرفة الوجدانية القائمة على الذوق والحدس، وصولًا إلى حال الاتصال بالعقل الفعّال، دون أن يعني هذا التخلّي عن مراتب الوصول السابقة، أو إلغاء الحس والعقل، وهذا ما يفرق ابن طفيل عن الصوفية، التي تفنى عن ذاتها عند الوصول. كما وجّه ابن طفيل –من خلال قصته- الأنظار إلى الاهتمام بالملاحظة والاستقراء، وبيَّن دور التجربة في الوصول إلى المعرفة. كما أشاد بدور البراهين العلمية، ولا سيما ما يُبنى على الطبيعيات والرياضيات. وأخذ بالمذهب التجريبي الذي بدأه من الملاحظة والاستقراء لكل مظاهر الطبيعة من حوله، في عوالم النبات والحيوان وفي مسائل الحياة العادية، ولم يقف عند حدود الملاحظة واختبار قيمتها، بل ألحقها بإجراء التجارب. كل ذلك في سبيل الوصول إلى الحقيقة والمعرفة الصحيحة. ويرفض ابن طفيل أن يعتمد الإنسان على أفكار موروثة، واعتقادات لم تثبت صحّتها لأن ذلك يؤدّي بالطبع إلى الوقوع في خطأ التفكير. وهكذا يُعطي ابن طفيل للعقل مكانة كبيرة في المعرفة، وربما تكون عنده أعلى من المعرفة الدينية، فالإنسان الكامل عنده –والممثّل بشخصية حي- وصل إلى كل الحقائق بصورتها التامّة الخالصة عن طريق العقل وحده، وكان في معارفه أكثر وصولًا ممّا وصل إليه أهل جزيرة سلامان. وهذا تكريم لدور العقل وبيان أهميته في مجال المعرفة. ويعدّ هذا في الحقيقة إعلاء لمكانة الفيلسوف في المجتمع الأندلسي. 9- فلسفة الأخلاق رغم أن الكثيرين ممّن تصدّوا لبحث فلسفة الأخلاق عند فلاسفة الإسلام قد أغفلوا دراستها عند ابن طفيل، رغم أنه قد وضع –في ثنايا قصّته- مفهومًا جديدًا للأخلاق، فقد جعل الأخلاق من حيّز العقل والطبيعة لا من حيز الدين والاجتماع؛ إذ إن السلوكيات الفاضلة هي التي تقوم على التوافق والتكيّف مع الطبيعة، فلا تعترض سيرها، ولا تحول دون تحقيق الغاية الخاصة بالموجودات. فمن طبيعة الفاكهة مثلًا أن تخرج من زهرتها البذور التي تُعيد دورة الفاكهة مرة أخرى، فإذا قطف الإنسان هذه الثمرة قبل أن يتمّ نضجها، لم يأكلها ولا أتاح للبذرة أن تسقط مرة أخرى على الأرض ليتسنى لها الإنبات عُدّ ذلك فعلًا بعيدًا عن الأخلاق. بل إن ابن طفيل ذهب إلى أبعد من هذا معتبرًا أن الأخلاق الكريمة تقضي على الإنسان أن يزيل العوائق التي تعترض الحيوان أو النبات في سبيل تطوره[44]. ويدعو الفرد إلى أن يسير في سلوكه على أساس دفع المجتمع في الطريق المؤدّية إلى التطوّر والتقدّم. كما تتجلّى نزعة ابن طفيل الأخلاقية من خلال طريق الاتّصال الذي يتدرّج من الأدنى المحسوس إلى الأعلى، بحيث إن كل مرحلة من مراحله تُفضي إلى الأخرى، ولا يمكن بلوغ مرحلة أعلى إلَّا بعد اجتياز المرحلة السابقة عليها. ويشترط ابن طفيل الترقّي الأخلاقي لتجاوز تلك المراحل، وهذا ما نجده في المرحلة الأولى التي يُشارك فيها الإنسان الحيوان غير الناطق حيث يُشير إلى ما يبغي أن يكون عليه سلوك الإنسان حيال هذا الجانب، الذي يجب أن يبعد فيه عن الانغماس في الشهوات والانقياد لمتطلّبات الجسد والإسراف في المشهّيات، بل يقتصر على الضروري الذي به قوام حياته، لأن الترقّي لا يتيسّر لمن يسرف في الملذات[45]. كما نجد النزعة الأخلاقية بارزة في التشبُّه الثاني، وهو التشبُّه بالأجرام السماوية وأفعالها، وأن يقدّم الخير إلى كل من يحتاجه، وأن يكون رحيمًا بالحيوان والنبات، وأن يُجري الطبيعة في كل شيء على مجراها، ومجرى الطبيعة يوجب الاهتمام بالجماعة لبقائها، ويوجب العناية بالناس وتحسين أحوال معيشتهم من أجل تحقيق الوحدة والانسجام في العالم الطبيعي والميتافيزيقي، لذلك كانت الأخلاق الحميدة عنده بمثابة الإطار الرائع الذي يتعامل به مع كل كائنات الطبيعة[46]. ولا ينبغي أن نفهم دعوته إلى الانعزال بأنها مجافية للأخلاقية، حيث إن الأخلاق لا تظهر إلَّا مع الجماعة كما هو معلوم، فطريق الاتّصال لا يعني السلبية والانعزال عن الناس وهجر الحياة كلية، بل إن فيه جانبًا إيجابيًّا يعني فاعلية الإنسان في الكون وعمارته وتقديم الخير والمعونة إلى الآخرين، أما درجة الانعزال والانفراد والتأمّل ومداومة الفكر فهي مرحلة تكاد تقترب من نهاية الطريق وتحقيق الاتصال بالفعل. وهكذا نكون قد عرضنا إلى الدلالات الفلسفية التي تضمّنتها قصة «حي بن يقظان». والتي ربما يقرؤها آخر فيخرج منها أفكارًا أخرى، وربما يرى فيها الباحث في مجال الأدب أفكارًا ودلالات أخرى تختلف عن تلك التي يراها المتخصّص في الأنثروبولوجيا أو علم النفس أو التاريخ، فقد عمل أسلوبها الرمزي على ثراء محتواها الذي لا ينضب. ﷺ ثالثًا: أثر قصة حي بن يقظان في الفكر الإنساني في البداية يجب أن ننوّه على تهافت الرأي الذي يرى بأن مصدر القصة غربي يوناني، ونحن من جانبنا نعدّ هذا القول هو محض افتراء تعسفي مجحف من جهة بعض الباحثين الغربيين غير المنصفين، والحقيقة أن مصدر هذه القصة هو مصدر عربي صرف، فقد ظهر هذا الموضوع في اللغة العربية في عدّة قصص أولها عند ابن سينا باسم «حي بن يقظان» ثانيها عند ابن طفيل بالعنوان نفسه، ثالثها عند الصوفي السهروردي باسم «الغربة الغريبة»، وأخيرًا عند العالم العربي الكبير ابن النفيس باسم «مطلق ابن ناطق». لكن اقترن اسمها بابن طفيل دون غيره لأنه كان أبرع من وضع مادة الموضوع في قالبها الفني الجميل الجذاب. كما أن الأثر الإسلامي المتمثّل في التعبيرات القرآنية والروح الإسلامية الصوفية التي تملأ القصة من بدايتها إلى نهايتها ينوء بتفصيلها إطار هذه الدراسة، فهي تحتاج إلى دراسة مخصّصة. أما عن تأثير قصة حي بن يقظان عربيًّا فواضح في تلميذه ابن رشد الذي يخصّص كتابًا مستقلًا للتوفيق بين الفلسفة والدين في كتابه القيِّم «فصل المقال في تقرير ما بين الحكمة والشريعة من الاتصال»، وعن ابن رشد تأثّر الرشديين اللاتينيين بهذه القصة من أمثال ألبرت الكبير وتوما الإكويني وسيحر دي برابانت[47]، وعند الصوفية اللاحقين من أمثال الحلاج وابن عربي أصحاب مذهب «وحدة الوجود». وقد تُرجمت هذه القصة إلى العبرية واللاتينية، وعنهما ترجمت إلى اللغات الأوروبية الحديثة، فقد ترجمها موسى النربوني سنة 1349م إلى العبرية، وما زالت هذه الترجمة مخطوطة حتى اليوم، ثم ترجمها إلى اللاتينية إدوار بوكوك «E.Pococke» بعنوان «الفيلسوف الذي علّم نفسه بنفسه» ثم أرفق معها النص العربي ونشرت في أكسفورد 1661م، وهي الترجمة التي أثارت اهتمام الجمهور الأوروبي. وبعد هذه الترجمة اللاتينية ترجمت إلى الهولندية على يد إسبينوزا Spinoza 1672م، ثم ترجمت أيضًا عن اللاتينية إلى الإنجليزية بواسطة أشويل Ashwell، وأخرى بواسطة جورج كيث G.Keith وثالثة على يد سيمون أوكلي S.Ockly، ورابعة بواسطة بروميل P.Brommle. ثم تُرجمت إلى الألمانية ثلاث مرات الأولى عن اللاتينية بواسطة ج.ج. بريتفز J.G. Pritivs، ونشرها في فرانكفورت عام 1763، والثانية عن النص العربي قام بها إيكون J.G.Eichhon عام 1782 ونشرت في برلين، أما الثالثة فكانت عن طبعة برونل Bronnl ونشرت في روستوك عام 1907. كما ترجمت إلى الأسبانية مرتين عن النص العربي، الأولى بيد بونس بويجيس P.Boigues، والثانية بواسطة إنجل جوناليث بلنسيه عام 1936 وأعاد ترجمتها مرة ثانية عام 1948م، بينما تأخرت الترجمة الفرنسية إلى عام 1900م والتي قام بها ليون جوتيه Leon Gauthier ونشرها في الجزائر، وهي في الحقيقة أفضل وأدق الترجمات الأوروبية على الإطلاق. أما عن تأثير «قصة حي بن يقظان» في أوروبا فهناك مسألتان تثيران الحيرة: أولاهما أن الأب اليسوعي جرثيان نشر في سنة 1650م كتابًا بعنوان الكريتيكون Elcriticon النصف الأول منه يشبه تمامًا «حي بن يقظان»، فهل كان ذلك عرضًا واتفاقًا؟ هذا يُستبعد لشدة الشبه بينهما في كل شيء الأمر الذي يمنع القول باحتمال توارد الخواطر! لكن الأمر المحيّر بالفعل هو كيف عرف الأب جرثيان بقصة حي بن يقظان؟ وخاصة أن ترجمة بوكوك لم تظهر إلَّا سنة1671م، وكذلك لم ينشر النص العربي إلَّا بعد ذلك بكثير، فكيف عرف جرثيان وهو لم يكن يعرف العربية بقصة حي بن يقظان؟ الاحتمال الوحيد لدينا أن يكون قد اطَّلع على الترجمة العبرية التي قدّمها النربوني، أو تكون قد تُرجمت ترجمة مجهولة ووقع عليها جرثيان ولم نتوصّل إليها حتى الآن، ربما فقدت وربما هي قابعة في خزائن الكتب. ومشكلة ثانية هي أن هناك مشابهة بين قصة «حي بن يقظان» وقصة «روبنسون كروز» التي ألَّفها دانيال دي فو، وتحكي قصة روبنسون كروز، عن رجل وحيد استطاع أن يعيش مدة ثمانية وعشرين عامًا في جزيرة خالية، وتوصّل بعقله إلى الكشف عن كثير من الأمور، فأتقن مختلف الصناعات، وسيطر على الطبيعة، وأدرك قدرة الإله في آثاره. ورغم ذلك فهي من حيث التشابه أقل كثيرًا من التشابه الموجود عند الأب جرثيان في قصته «الكريتيكون»، وقصة «روبنسون كروز» نُشرت سنة 1719م أي بعد ظهور ترجمة بوكوك، فاحتمال التأثّر بعد الاطّلاع عليها أمر وارد، ولكنه يبقى تأثّرًا بالروح العامة فقط؛ لأن اتجاه ابن طفيل مختلف تمام الاختلاف عن اتجاه دانييل دي فو. ومن الذين أعجبوا بقصة «حي بن يقظان» الفيلسوف الفرنسي المشهور ليبنتز، حيث أطرى عليها إطراءً بالغًا، وكان قد قرأها في ترجمة بوكوك اللاتينية. كما أشاد بها الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو؛ لأنها تتّفق مع فكرته عن ضرورة عودة الإنسان إلى حالة الطبيعة. كما أن اورتيجا أي جاسيه فيلسوف أسبانيا الأشهر قال بعد أن قرأ قصة حي بن يقظان: إن الفكر الإسلامي ارتفع في نظره درجات[48]. ولذلك يمكننا القول بأن قصة حي بن يقظان قد أثّرت روح المغامرة والإبداع في الأدب الأوروبي، فأبدعوا قصصًا خيالية استمدوا فيها سمات البطل من «حي بن يقظان» مثل قصة «جولفر» و«الأدغال» لرديارد كبلنج، كذلك شخصية طرزان في الأدب الشعبي الأوروبي. ومنذ منتصف القرن التاسع عشر والدراسات في أوروبا تتوالى في غير انقطاع وبمختلف اللغات حتى الآن، حتى ليمكن أن نقرّر في اطمئنان أن قصة «حي بن يقظان» كانت أوفر الكتب العربية حظًّا من التقدير والعناية والتأثير في أوروبا في العصر الحديث. ممّا يجعلنا نتحدّث عن أثر هذه القصة على الفكر الإنساني العالمي لا العربي أو الإسلامي فقط. ﷺ نتائج الدراسة تأتي خاتمة هذه الدراسة لترصد أهم النتائج التي توصّل إليها، وتتلخّص أهم هذه فيما يلي: أولًا: إن الغاية الرئيسية التي كتب ابن طفيل قصة «حي بن يقظان» من أجلها هي أن يُودعها خلاصة آرائه الفلسفية، فهو لم يقدّم حلًّا لمشكلة واحدة ولا ابتغى معالجة إشكالية فلسفية بعينها، وإنما قصد تقديم نسق فلسفي كامل يكاد يعالج فيه أهم القضايا الفلسفية في الفكر العربي الإسلامي معالجة تامّة. فالوصول إلى الحقيقة الكاملة أمر لم يتسنَ للسابقين عليه أو المعاصرين له على طريقة أهل النظر، وإنما اهتموا بالعلوم الشرعية واللغوية، فعمل هو على سدّ تلك الثغرة فاهتم بعلوم الحكمة وأودع خلاصة ما توصّل إليه في هذه القصة الرمزية. ثانيًا: اختار ابن طفيل الشكل الروائي لبسط تلك الآراء الفلسفية كي يتفادى مواجهة الفقهاء والعوام المتشبعين بالتعصُّب الديني ضد الفلسفة على أثر هجوم الغزالي على الفلسفة في المشرق العربي وتكفيره للفلاسفة. ثالثًا: إن «حي بن يقظان» هو التجسيد المتطوّر لمتوحد ابن باجة في مرحلة جديدة هي مرحلة دولة الموحدين حيث الازدهار والاستقرار والنضج العقلي، وتعبير فلسفي عن دولة الموحدين بشكل عام وعن رؤية خليفتها المتفلسف أبي يعقوب يوسف الذي قرّب إليه الفلاسفة ورفع من شأن العقل واتّخذ منه مرتكزًا لدولته، ليضعف من نفوذ الفقهاء ورجال الدين برغم سقوط دولة المرابطين ذات التوجّه الديني المتعصّب. رابعًا: كما عكست هذه الدراسة نزعة ابن طفيل النقدية؛ حيث إنه قام بنقد كلٍّ من الفارابي وابن سينا والغزالي وابن باجة، وكان نقده لهم منطلقًا من التزام ابن طفيل في تفلسفه بخصائص وشروط الموقف الفلسفي. خامسًا: اهتم ابن طفيل في دراسته للعالم الطبيعي بالملاحظة والاستقراء، وبيَّن دور التجربة في الوصول إلى المعرفة، فبدا ممارسًا للمنهج العلمي التجريبي في دراسة الوقائع المادية، مبتدئًا بالإدراك الحسي المباشر للظواهر الطبيعية ومحاولة تفسيرها، وفرض الفروض وإجراء التجارب للتحقُّق من صحّة تلك الفروض، ومحاولة الوصول إلى القوانين العامة المفسّرة للظاهرة. سادسًا: ذهب ابن طفيل إلى القول بوحدة الوجود، والتي تعني الترابط العضوي بين كل عناصر الطبيعة وما بعد الطبيعة، والوحدة عنده دليل على وجود الله، وتختلف بالطبع عن وحدة الوجود عند الصوفية. سابعًا: أشار ابن طفيل في قصته إلى العلاقة بين التفكير ودوافعه، وأن الحاجة هي أم الاختراع، وأحيانًا قد تكون العاطفة باعثًا قويًّا على التفكير وإجراء التجارب. ثامنًا: إن ابن طفيل شأنه كشأن كل فلاسفة العرب عدا الكندي في القول بقدم العالم، ولكن ذلك لم يمنعه من تقديم أدلة على وجود الله تعالى. تاسعًا: مال ابن طفيل إلى القول بالخلود الروحاني للأنفس السعيدة في النعيم، وبأن بعض الأنفس التي عرفت الخالق ثم أعرضت عنه بالمعصية، فإما أن تخلّد في النعيم أو في الجحيم، أما النفوس الجاهلة فمصيرها كمصير الحيوان الأعجم! وإن كانت هذه الرؤية تجافي إلى حدٍّ كبير الرؤية الإسلامية حسب القرآن والسنة وخاصة فيما يتعلّق بما حدَّده بمصير النفوس الجاهلة. عاشرًا: ظهرت نوايا ابن طفيل على طول قصته من بدايتها إلى نهايتها في التوفيق بين الفلسفة والدين، فعمل على أن يبيِّن لنا من خلال هذه القصة أن ما وصل إليه «حي بن يقظان» بالنظر العقلي والتأمّل، لا يخالف الدين الموحى به. حادي عشر: جعل ابن طفيل الأخلاق من حيّز العقل والطبيعة، لا من حيّز الدين والاجتماع. ووضع مفهومًا جديدًا للأخلاق، وهي العيش وفقًا للطبيعة وعدم اعتراض سيرها، فكان إرهاصًا حقيقيًّا لما ذهب إليه جان جاك روسو في القرن السابع عشر الميلادي. ثاني عشر: أثّرت قصة حي بن يقظان في الفكر العربي في اللاحقين على ابن طفيل سواء من الفلاسفة مثل ابن رشد أو من المتصوّفة المسلمين أمثال ابن عربي والحلّاج، كما تُرجمت إلى العديد من اللغات المختلفة كالعبرية واللاتينية والإنجليزية والألمانية والأسبانية والفرنسية، فأثّرت أيَّما تأثير في الآداب العالمية والفلسفات الأوربية، وإن شئت قل: الفكر الإنساني العالمي بصفة عامة.
المراجع
♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡
انظر تصدير: حي بن يقظان لابن طفيل، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، مكتبة الأسرة، 1999، ص 7.
[2] على عبدالفتاح المغربي، فلاسفة المغرب، القاهرة: مكتبة الحرية الحديثة، 1990، ص 193.
ابن باجة، تدبير المتوحد، تحقيق: ماجد فخري، ضمن رسائل ابن باجة الإلهية، بيروت: دار النهار، 1968، ص 90.
عاطف العراقي، الفلسفة العربية مدخل نقدي، القاهرة: الشركة المصرية العالمية للنشر، ط2، 2003، ص 206.
تورده بعض الطبعات باسم «أسال» وبعض الطبعات باسم «أبسال» وقد رجّحنا هنا أبسال، حيث إن «سلامان وأبسال» كانا أبطال قصة ترجمها حنين بن إسحاق عن اليونانية، كما أن «سلامان وأبسال» كان عنوان قصة كتبها ابن سينا من قبل، هذا فضلًا عن أنهما أبطال قصة ابن سينا المعنونة بالاسم نفسه «حي بن يقظان»؛ ولذلك رجّحنا أن تكون «الباء» لم تظهر جيدًا في المخطوطات التي نقلت منها القصة فاختلط الأمر على المحقّق وخاصة أن الحرف الذي يليها هو «السين»، كما أن اسم «أبسال» أسهل في نطقه في العربية من «أسال».
منى أحمد أبو زيد، ابن طفيل وقصة حي بن يقظان، القاهرة: مجلة أوراق فلسفية، العدد (29)، 2010، ص 371.
محمود أمين العالم، مدخل إلى قراءة حي بن يقظان لابن طفيل،القاهرة: مجلة أدب ونقد، العدد (106) يونيه، 1994، ص 106.
محمد لطفي جمعة، تاريخ فلاسفة الإسلام في المشرق والمغرب، القاهرة: مطبعة المعارف ومكتبتها، 1927، ص 98.
محمد علي أبو ريان، تاريخ الفكر الفلسفي في الإسلام، الإسكندرية: دار المعرفة الجامعية، الطبعة الرابعة، 1980، ص 562.
ا تخفى مكانة أبي يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي (حوالي 018-325 ه/080/087م) في تاريخ الفلسفة والعلوم بشكل عامّ، وفي الفلسفة الإسلاميّة بشكل خاصّ. اشتهر بوصفه أوّل فلاسفة الإسلام وأحد كبار المفكّرين في العصر الوسيط؛ استفاد منه الناطقون بالعربيّة من المعاصرين واللاحقين كما استفاد منه الغربيّون من خلال أعماله التي ترجمت إلى اللاتينيّة. غير أنّ البحث في إنتاجه، كما في اللحظة التاريخيّة التي عاش فيها، ما زال في بدايته على ما يبدو؛ فعلاوة على ضياع جلّ إنتاجه العلميّ والفلسفيّ، فإنّ النزر القليل من رسائله التي احتفظ بها، لم تحظ بما تستحقّه من الدرس والتحليل. ولم يكن نصيب فيلسوف العرب من البحث أبدا مثل نصيب فلاسفة مسلمين آخرين جاءوا بعده، بل إنّه لم يحظ باعتراف هؤلاء الفلاسفة أنفسهم وهو أمر ربّما ساهم بدوره في حجب لحظة الكندي وتوجيه الأنظار عنه.
صحيح أنّه منذ القرن الماضي، وبالضبط منذ أن نشر عبد الهادي أبوريدة رسائل الكندي الفلسفيّة عام 1950، أنجزت دراسات مهمّة، ومنها أعمال رتشارد فالزر، جيرهارد أندرس، جون جوليفيه، بيتر أدمسن وغيرها، ساهمت في رفع الحجاب عن كثير من القضايا التي كانت غامضة حول حياة الكندي ومؤلّفاته ومحيطه وتلامذته، إذ صرنا نعرف أكثر حول ما صار يسمّى بحلقة الكندي، وصرنا نعرف أكثر عن المترجمين والعناوين التي ترجمت في عصره. مع ذلك، فإنّ كثيرا من جوانب حياته ومتنه ومحيطه وأساتذته وتلامذته وحول قيمة مساهمته العلميّة والفلسفيّة ولحظته التاريخيّة لا زالت تحتاج إلى تسليط مزيد من الضوء.
والأخلاق اصطلاحًا:
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤《
(حالة نفسية تترجم بالأفعال)، أي أن الأخلاق، لها جانبان؛ (جانب نفسي باطني، وجانب سلوكي ظاهري)[2] فالسجايا هي الطباع. والسلوك هو الفعل المترجم لهذه الطباع.
ولموضوع الأخلاق ثلاثة اتجاهات: ♦ الأخلاق في نظر فلاسفة اليونان. ♦ الأخلاق في نظر فلاسفة الغرب. ♦ الأخلاق في نظر الفلاسفة المسلمين
أولاً: الأخلاق في نظر الفلاسفة اليونان.
مذهب المنفعة الفردية:
لقد أكثر الفلاسفة اليونان من محاوراتهم الفلسفية في موضوع الأخلاق، ومن أشهر فلاسفتهم سقراط، عاش بين القرن الخامس والرابع ق. م. (نحو 470 – 399) وهو فيلسوف يوناني ولد في أثينا، وعلَّم فيها فأحدث ثورة في الفلسفة بأسلوبه وفكره، أسس علم الأخلاق، كان تعليمه شفهياً عن طريق السؤال والجواب)[3].
ومفهوم المنفعة الفردية أن هذا المذهب (دعا إلى اللذة الحسية الفردية العاجلة، وقال: إن على المرء أن يستعجلها لأن تأخيرها يثير في النفس البؤس والشقاء والحرمان، وإن السلوك الذي يحقق هذه السعادة القائمة على تلك اللذات هو سلوك أخلاقي، والمبادئ السلوكية التي تحققها هي مبادئ أخلاقية)[4].
ثانياً: الأخلاق في نظر فلاسفة الغرب:
ويسمى: مذهب المنفعة العامة:
في العصر الحديث، ظهر في أوربا مذهب يدعو إلى المنفعة العامة، من هؤلاء الفلاسفة، بنتام وجون ستيوارت مل وغيرهما قالوا: إن على الإنسان أن ينشد منفعة البشر عامة، حتى الحيوانات، وتقاس أخلاقية الفعل بنتائجها، لا ببواعثها، والجزاء، هو العامل الوحيد لفعل الخير، وتجنب الشر.
وفي أوربا فلاسفة رأوا في الإنسان عاطفة إنسانية نبيلة من هؤلاء، جان جاك روسو، الذي كان يرى، أن الطبيعة الإنسانية خيِّرة، ولكن المدنية هي التي تفسد هذه الطبيعة، ويقول أيضاً: يخرج كل شيء من يد الخالق صالحًا، وكل شيء في يد البشر يلحقه الاضمحلال. ويقول فولتير، وما هذا القانون الطبيعي، إلا القانون الأخلاقي الذي أودع الله في غريزة جبلتنا محبته والتقيد به والحفاظ عليه)[5].
ثالثاُ: الأخلاق في نظر الفلاسفة المسلمين: وهي اتجاهات ثلاثة: 1- الاتجاه العقلي. 2- الاتجاه الروحي. 3- الجمع بين الاتجاهين السابقين.
الاتجاه العقلي:
ويمثله الفلاسفة المسلمون كالفارابي وهو (من أعظم فلاسفة العرب ت 950، ولد في فاراب (تركستان) وتوفي في دمشق، أقام في حلب في بلاط سيف الدولة الحمداني لقب (بالمعلم الثاني) بعد أرسطو.
وأحمد بن مسكويه، توفي (1030) مفكر وأديب، انصرف إلى الفلسفة والطب والكيمياء، كان نفوذه عظيمًا في البلاط البويهي، له كتاب (تهذيب الأخلاق) يقول فيه: الفضيلة وسط بين رذيلتين؛ الشجاعة وسط بين الجبن والتهور، والكرم وسط بين البخل والتبذير..
وابن سينا (أبو علي 980 – 1037) عُرف بالشيخ الرئيس ابن سينا، ولد في أفشنة قرب بخارى، وتوفي في همذان، فيلسوف من كبار فلاسفة العرب وأطبائهم، تعمق في درس فلسفة أرسطو.
وابن رشد وهو (أبو الوليد محمد بن أحمد، 1126 – 1198 فيلسوف عربي، ولد في مراكش، درس الكلام والفقه والشعر والطب والرياضيات والفلك والفلسفة، سماه الغرب (الشارح) نظراً إلى شروحه الكثيرة والممتازة لأرسطو، حاول التوفيق بين الشريعة والفلسفة، كما دافع عن الفلسفة ضد الغزالي في كتاب (تهافت التهافت)[6].
والفيلسوف ابويوسف يعقوب الكندي وهو موضوع البحث
والطابع العام في الاتجاه العقلي في الفلسفة الإسلامية، هو: تفسير المبادئ الأخلاقية بالعقل، وأن تُجعل غايتها غاية عقلية ثابتة، ومقياسها الأسمى، العقل، ثم حصر الفضائل الأخلاقية وأساس الفضيلة، هو التصرف بمقتضى العقل.
لقد قدم هؤلاء الفلاسفة، العقل على النقل.
☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆
الاتجاه الثاني:
يمثله المتصوفون، وتتبلور الأخلاق في الاتجاه الصوفي فيما يلي:
1- الاهتمام الزائد بإصلاح الباطن ويقوم على: أ- معرفة النفس ونوازعها ورغباتها، ووصف خلجاتها وخطرات القلب، والصراع النفسي وأهوال هذا الصراع. ب- تطهير القلب، وتصفية الروح من الرذائل، عن طريق المجاهدات والزهد. جـ- التحلي بالفضائل والمكارم الأخلاقية.
2- التفاني بالإخلاص لله في جميع الأعمال.
3- إيثار الزهد في الدنيا، والتقشف في الحياة. ومن أئمة التصوف،(الجنيد بن محمد ت 297 هـ / 910 م صوفي وزاهد بغدادي ولد وتوفي ببغداد، تلقى العلوم الفقهية على سفيان الثوري، والعلوم الصوفية على خاله السري سقطي، سيد الطريقة الصوفية، حج ثلاثين حجة ماشياً)[7].
◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇
أما الاتجاه الثالث، وهو:
الجمع بين الاتجاهين السابقين؛ العقلي والروحي، فيمثله الإمام الغزالي (أبو حامد محمد ت 505 هـ،1111م متكلم، لقب بحجة الإسلام، ولد بالقرب من طوس بخراسان، نشأ أولاً نشأة صوفية، ثم انصرف إلى دراسة الفقه والكلام والفلسفة وكتب (تهافت الفلاسفة) ويعني العنوان: خطأ الفلاسفة الفادح. وفي هذا الكتاب كفر الفلاسفة، أو بدَّعهم. وسبب نقد الغزالي للفلاسفة؛ أنهم قدموا العقل على النقل. وهو التشريع.
مفهوم علم الأخلاق:
◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇
علم الأخلاق الإسلامية: هو علم الخير والشر، والحسن والقبيح.
ويطلق هذا التعريف، على مجموعة الأفكار والأحكام والعواطف والعادات، كما يطلق على العلم الذي يدرس هذه الظواهر وعلى تطبيقات هذا العلم.
فالأخلاق جوهر الإسلام وروحه السارية في جميع جوانبه وقد قصر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أهداف رسالته عليه في قوله (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) وقد قال ابن خلدون في مقدمته (الظلم مؤذن بخراب العمران)، فبقاء الأمم ببقاء أخلاقها.
ولهذا قال شاعر النيل حافظ إبراهيم يرحمه الله تعالى:
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإنْ همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا
إذًا، فهدف الإسلام، هدف أخلاقي وقد قال الله تعالى في حقه – صلى الله عليه وسلم – ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4
الأخلاق في جانب العقيدة: دليلها: قوله – صلى الله عليه وسلم -: (أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم أخلاقًا)[.
والأخلاق في تربية الضمير: دليلها: قول الله تعالى: ﴿ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [العنكبوت: 45].
والأخلاق في الجانب الاجتماعي دليلها: الحديث الشريف: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).
وقد ذكر للرسول – صلى الله عليه وسلم – أن فلانة تكثر من صلاتها وصدقتها وصيامها غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها فقال (هي في النار).
وقد بيَّن الإسلام،أن الأخلاق تشمل غير الإنسان؛ فقد بين رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن امرأة دخلت النار في هرة حبستها، لا هي أطعمتها وسقتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض.فجوهر الإسلام، تحقيق الخير وتجنب الشر.
ب – التفريق بين علم الأخلاق وبين غيره من العلوم المشابهة له كالآداب والحقوق الخاصة..
ومعرفة أسبابه تكفل لنا في نظر الكندي بلوغ الطرق التي تمكّننا من الشفاء منه ودفعه، هذا إضافة إلى أنّ هذه التحديدات ترسم الخطوط الفاصلة بين الحالات التي يُعذر فيها الحزن والحالات التي يكون فيها الحزن دلالة جهل بطبيعة الأشياء الحقيقيّة. ذلك أنّ فقدان النفس لما اقتنته من خيرات نفسانيّة هو ما يكون لنا العذر في الحزن عليه، أمّا المقتنيات التي يشارك فيها الإنسان غيره من الناس فلا عذر له في الحزن على فقدانها، لأنّ الإنسان ليس أحقّ ببقائها عنده من غيره بفقدانها. إنّ المتأمّل في هذه الرسالة يتبيّن على سبيل الذكر لا الحصر أنّ الموت الذي يُظنّ أردأ الأشياء وأكثرها حزنا، فإنّه في حقيقة الأمر ليس كذلك، إذ بؤكّد الكندي أنّ الموت ليس رديء بذاته بما هو تمام الطباع. لن نقتصر في هذه المداخلة على تبيّن أهمّ دلالات الأحزان عند الكندي وكيفيّة دفعها وبالتالي تحصيل السعادة، بل سنحاول البحث في تطورات نظريّة الكندي لدى بعض اللاّحقين لاسيما في رسالة في دفع الغمّ عن الموت المنسوبة إلى ابن سينا، عاملين في الوقت نفسه على تبيّن أثر الكندي في الفلسفة اللاّحقة، إذ يعدّ الموت عند ابن سينا دلالة عناية ربّانيّة، لولاه لساءت أحوال الناس. ولمّا كان الموت بهذا المعنى خير، فإنّ الأسباب المؤديّة إليه تعدّ كذلك خير.
الاخلاق عند الفيلسوف الكندي رحمه الله . . .
◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇
نظريّة الكندي في دفع الأحزان وتطوّراتها اللاّحقين لا يخلو الجانب الأخلاقي في فلسفة الكندي من أهميّة بالغة تمكّن الإنسان من بلوغ اللذّة الحقيقيّة وتحصيل السعادة، المتمثّلة أساسا في بلوغ النفس لكمالها. وفي هذا السياق سنركّز أساسا على تحديد معاني الحزن بما هو ألم نفسي يعرض « لفقد محبوب أو لفوت مطلوب » كما يقول الكندي في رسالة في الحيلة لدفع الأحزان. إنّ تحديد الحزن ومعرفة أسبابه تكفل لنا في نظر الكندي بلوغ الطرق التي تمكّننا من الشفاء منه ودفعه، هذا إضافة إلى أنّ هذه التحديدات ترسم الخطوط الفاصلة بين الحالات التي يُعذر فيها الحزن والحالات التي يكون فيها الحزن دلالة جهل بطبيعة الأشياء الحقيقيّة. ذلك أنّ فقدان النفس لما اقتنته من خيرات نفسانيّة هو ما يكون لنا العذر في الحزن عليه، أمّا المقتنيات التي يشارك فيها الإنسان غيره من الناس فلا عذر له في الحزن على فقدانها، لأنّ الإنسان ليس أحقّ ببقائها عنده من غيره بفقدانها. إنّ المتأمّل في هذه الرسالة يتبيّن على سبيل الذكر لا الحصر أنّ الموت الذي يُظنّ أردأ الأشياء وأكثرها حزنا، فإنّه في حقيقة الأمر ليس كذلك، إذ بؤكّد الكندي أنّ الموت ليس رديء بذاته بما هو تمام الطباع. لن نقتصر في هذه المداخلة على تبيّن أهمّ دلالات الأحزان عند الكندي وكيفيّة دفعها وبالتالي تحصيل السعادة، بل سنحاول البحث في تطورات نظريّة الكندي لدى بعض اللاّحقين لاسيما في رسالة في دفع الغمّ عن الموت المنسوبة إلى ابن سينا، عاملين في الوقت نفسه على تبيّن أثر الكندي في الفلسفة اللاّحقة، إذ يعدّ الموت عند ابن سينا دلالة عناية ربّانيّة، لولاه لساءت أحوال الناس. ولمّا كان الموت بهذا المعنى خير، فإنّ الأسباب المؤديّة إليه تعدّ كذلك خير
الحديث عن مصطلح الميتافيزيقا، يستوجب الأخذ بعين الاعتبار أمرين:
أولهما: أن الميتافيزيقا مصطلح نحته اليوناني أندرونيكوس الرودسي، ووضعه عنوانا لمقالات أرسطو المصنفة، بعد كتاباته المسماة فيزيقا (الكتب الطبيعية: السماع الطبيعي، الكون والفساد…) وذلك في القرن الأول قبل الميلاد، وهي مصنفات تركها أرسطو من دون عناوين، لذلك يحمل كل مقال من هذه المقالات حرفا من الحروف.
ثانيهما: أن الميتافيزيقا كمصطلح وكمفهوم، اتخذ دلالات متعددة خارج مجال الترتيب والتصنيف، وأصبحت علمًا من العلوم الفلسفيّة التي وُضع لها موضوع خاص بها للدلالة على علم «الوجود بما هو موجود». وهكذا اتخذت تسميات عدة: علم ما بعد الطبيعة، العلم الإلهي، الفلسفة الأولى وغير ذلك.
يستعمل ابن رشد مفهوم «علم ما بعد الطبيعة»،
بمعان متعددة ومتنوعة، تحمل كلها مضمونًا واحدًا، وهي:
الحكمة، الفلسفة الأولى ، العلم الإلهي ، العلم الكلي، العلم الأتم، الحكمة المطلقة ، علم الوجود بالموجود، علم الموجود بما هو موجود، علم الأوائل ، علم أشرف العلل، العلم العام، علم الواحد بما هو واحد ، علم الجواهر المفارقة أو الأوائل الوجودية، علم الأعراض الذاتية للموجود بما هو موجود ، علم الأوائل الذهنية المطلقة، الخ.
وإذا كانت الفلسفة الأولى هي علم الوجود، كما جاء في مقال الجيم،
فإن هذا لا يعني أن الوجود هو الموضوع الأول والأخير لهذا العلم. بل عمل أرسطو، ومن بعده ابن رشد، على الاهتمام في هذا العلم بأقسام الوجود الكبرى: القوة والفعل، الجوهر والعرض، الكثرة والوحدة. ولكن غاية هذا العلم كما يظهر هنا بالدرجة الأولى، هو الوصول إلى المبدأ الأول والمحرك الذي لا يتحرك. أي البحث في الله كعلة أولى، وهذا هو حال القسم الثاني من ميتافيزيقا أرسطو وابن رشد. ولما كان هناك قاسم مشترك بين هذا العلم، الذي يعالج الوجود بإطلاق، وبين العلوم الجزئية، التي تهتم بأنواع الموجود، فقد خصص للنظر في مبادئ العلوم قسمًا كاملاً لهذه المسألة.
يكمن غرض علم ما بعد الطبيعة، كما جاء في «رسالة ما بعد الطبيعة»، في النظر في الموجود بما هو موجود، وفي جميع أنواعه إلى أن ينتهي إلى موضوعات الصنائع الجزئيّة، وفي اللواحق الذاتيّة له، وإعادة ذلك إلى أسبابه الأولى، وهي الأمور المفارقة. وفي هذا المستوى، يكون التداخل ممكنًا بين هذا العلم والعلوم الجزئية الأخرى. لذلك لا يعطي هذا العلم من الأسباب إلا السبب الصوري والغائي والفاعل. هكذا إذن، فالميتافيزيقا في نظر أرسطو، هي العلم الذي يدرس الموجود من حيث هو موجود. إنها دراسة للمبادئ التكوينيّة الكليّة، التي من دونها لا يمكن قيام نظام مرتب لموضوعات المعرفة، أي إنها دراسة لمختلف أنحاء الوجود (الطبيعة العامة لكل الأشياء). ويسمى بالإلهيات كعلم يبحث في «الوجود بما هو وجود»، أي بحث في الموجودات غير الخاضعة للكون والفساد، يخص طبيعة المحرك الأول الذي هو فعل محض وعقل محض، كما يخص عقول الأفلاك وهي أيضا عارية عن المادة وغير خاضعة للكون والفساد.
يتضح من هذا، أن ما بعد الطبيعة علم نظري كلي، ينظر في الموجود بما هو موجود، أي في الوجود المطلق، ويحدد الأسباب الأولى لهذا الوجود وهي: السبب الفاعل والسبب الغائي والسبب الصوري، تمييزا له عن العلم الطبيعي الذي يهتم بالسبب المادي أي الهيولى والمحرك.
وعن أقسام هذا العلم، يرى ابن رشد، أن الميتافيزيقا (ما بعد الطبيعة) تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
قسم أول، يهتم بالأمور المحسوسة بما هي موجودة، وفي جميع أجناسها، وفي جميع اللواحق التي يلحقها، وينسب ذلك إلى الأوائل فيها بقدر ما يمكنه في هذا الجزء. ويعتبر هذا القسم الأهم الذي يربط فيه ابن رشد مبدأ الجوهر المحسوس بنوعيه، كما وضعه في العلم الطبيعي، مع الجوهر المفارق الذي يبرهن على وجوده أولاً في الفيزيقا، كما فعل في المقالة الثامنة من السماع الطبيعي.
قسم ثانٍ، ينظر فيه في مبادئ الجوهر وهي الأمور المفارقة، ويعرف أي وجود وجودها، وينسبها إلى مبدئها الأول الذي هو الله. ويعرف الصفات والأفعال التي تخصه، كما بين أيضا، نسبة سائر الموجودات إليه، وأنه الكمال الأقصى والصورة الأولى والفاعل الأول.. وفي هذا القسم يبحث في الوجود بإطلاق، أي في الجوهر بما هو جوهر مفارق، وهذا هو الموضوع الأصلي للميتافيزيقا.
قسم ثالث، ينظر فيه في موضوعات العلوم الجزئية، ويزيل الأغاليط الواقعة فيها لمن سلف من القدماء (وتحديدا ابن سينا)، وذلك في صناعة المنطق وفي الصناعتين الجزئيتين، أي في العلم الطبيعي والتعليمي. ويصحّ أن نسمي هذا القسم من ما بعد الطبيعة، بالقسم النقدي الذي يحاول ابن رشد أن يبني، من خلاله نظرية، نقدية تتسم بالوقوف أمام الأغاليط التي وقع فيها من سلف، وذلك بغية وضع النص الأرسطي في مقامه وبيان ما للحكيم وما للقدماء. وهنا يكون التقاط الأقاويل العلمية مفيدًا. وإذا صح القول، فهذا الجزء من المشروع الرشدي، يعتبر بحق أهم جزء أسس عليه رؤيته واستراتيجية اشتغاله طوال أربعة عقود من الوفاء للأرسطية، فما برح يوما القراءة والتلخيص والشرح والتفسير، ومنه يستفاد عمق الطريقة البيداغوجية الرشدية.
وتكمن قيمة علم ما بعد الطبيعة ومنفعته، في كونه علمًا نظريًّا جاء ليستكمل العلوم الجزئيّة. ففي «كتاب النفس»، يحدد أرسطو الغرض منه باستكمال «النفس الناطقة حتى يحصل الإنسان على كمالها الأخير». فمن دون هذا العلم لا تحصل العلوم النظريّة الأخرى على غايتها وتمامها، لأن بمعرفة هذا العلم تحصل معرفة الموجودات بأقصى أسبابِها الذي هو المقصود من المعرفة الإنسانيّة.
وإذا كان موضوع الفلسفة الأولى هو «الوجود بما هو موجود»، فإن أشرف الموجودات عنده هي الجوهر المطلق البيّن بذاته، الذي لا يحتاج في بيانه لنفسه إلى أي سبب خارجي. إنه «الجوهر بما هو جوهر»، يختلف عن الجواهر الطبيعية التي تتجسد في الأجسام الطبيعيّة، التي تخضع للحركة والتغير وللكون والفساد.
يعتبر كتاب «تفسير ما بعد الطبيعة» من الشروح الكبرى التي وضعها ابن رشد. وهو أعظم كتاب على الإطلاق، كما وصفه جل المهتمين بالدراسات الرشدية. ففي هذا الشرح، لا نجد فقط أراء أرسطو، وإنما أيضا، آراء الشراح من قبيل: نيقولاس الدمشقي، الإسكندر الأفروديسي، ثامسطيوس، ابن سينا.. ولعل ما يميز هذا العمل هو:
حفاظه أولا، على الترتيب والنظام الذي وضعه اليوناني أندرونيكوس الرودسي لكتاب ما بعد الطبيعة، وهو الأمر الذي خالف فيه كل من الفارابي وابن سينا.
وثانيا: يعتبر ابن رشد أول فيلسوف عربي مسلم اهتم بهذا الكتاب، في حدود ما توفر لديه من مقالات، حيث غطى أحد عشر مقالا من أصل أربعة عشر، أي إنه لم يتحدث عن المقال الحادي عشر والموسوم بمقال الطاء، والمقالين الأخيرين (13 و14): الميم والنون، لأنهما لم يقعا بين يديه، كما يشير إلى ذلك في ديباجة آخر مقال فسّره وهو مقال اللام.
وثالثا: يتميز كما هو معلوم، بالطريقة النموذجيّة التي اعتمدها ابن رشد في التفسير، وهي طريقة تتبع المقالات، فقرة فقرة، بالشرح الوافي، الذي يتجاوز أطوله في المقال الواحد 300 صفحة. وهو الشرح الذي قال عنه معظم الرشديين، بأنه يشبه، إلى حد كبير، طريقة الشراح المسلمين المختصين في تفسير القرآن، والسيرة النبوية.
ورابعا: ينفتح ابن رشد في تفسيره لمقالات ما بعد الطبيعة، على جل مؤلفات المعلم الأول، ويربط بينها برباط عجيب ومتناسق ومتكامل، يدل على إلمامه ومعرفته بخبايا المتن الأرسطي. هذا ما يكشف عنه حجم النشرات التي اعتمدها فيلسوف قرطبة وعدد الترجمات التي وقعت بين يديه، حيث لا يدع مجالا للشك، في أن استحضاره لكل أصناف الشروح التي عرفها العرب إلى حدود القرن الثاني عشر. وبهذا نال لقبه الذي اشتهر به في العالم العربي واللاتيني: الشارح الأكبر.
وخامسا: يكشف هذا الكتاب عن النزعة العقلانيّة التي ترجمها المنهج البرهاني في التفكير والتأليف، كما ترجمها الربط المنهجي والموضوعي بين القضايا التي طرحتها الفلسفة اليونانية مع أرسطو، وبين القضايا المطروحة في الساحة الفكرية العربية – الإسلامية. ولعل خير نموذج لهذا السجال، ما أثاره مقال اللام من نقاش عميق، نال اهتمام العرب على وجه أخص. وتشكل هذه المسألة الدليل على أصالة الفكر الرشدي، ذلك أنه لم يكتف بالإدلاء بدلوه في القضايا التي تقض مضجع المسلمين، كمسألة المحرك الذي لا يتحرك، وصلة الله بالعالم أو ما شابه، بل وضع تلك القضايا في سياقها التاريخي، مدشنًا بذلك تحليلاً نوعيًا بالمقارنة مع السابقين. فإذا كان السابقون قد اكتفوا بشرح مقال اللام والتركيز على القضايا الأساسيّة فيه، فإن ابن رشد قد عمل على إعادة شرح كتاب الميتافيزيقا كاملاً. وقد بين في ذلك، عن صلة مقال اللام ليس بموضوعات كتاب الميتافيزيقا فقط، بل بالمنظومة الأرسطيّة بأكملها. فالمحرك الأول الذي لا يتحرك، يستوجب النظر في مسألة الحركة وما استلزمه من عودة إلى المقال السابع والثامن من السماع. ومن المهم جدًا التأكيد على أن عمل ابن رشد، يتوجه صوب الفصل بين ما لأرسطو وما لابن سينا وما للفارابي. وذلك لعزل الافتراءات التي تعرض لها القول الفلسفي على يد العقل الأصولي، وللتأكيد على أن الموضوعات الفلسفيّة الأرسطيّة بيّنة بذاتها فلتعملوا على دحضها. وهذا هو الأمر الذي دشنه «فصل المقال»، الذي يعتبر بحق بيانًا تأسيسيًا لحداثة رشديّة تعبر عن نزوع نحو رؤية نقديّة عقلانيّة غير مسبوقة في التاريخ العربي – الإسلامي.
كتاب تفسير مابعد الطبيعة لارسطو
طبع في ثلاث مجلدات بتحقيق الاب موريس بويج اليسوعي عند دار المشرق ببيروت
الجزء الاول من تفسير مابعد الطبية
ويشمل تفسير المقالة الاولى الفا الكبرى والمقالة الثانية الفا الصغرى والمقالة الثالثة بيتا المقالة الرابعة الجيم المقامة الخامسة الدلتا
الجزء الثاني . في هذا الجزء سنحتاج إلى الملاحظات الأوّليّة التّوضيحيّة الّتي وردت في الجزء الأول من هذا الكتاب، والّتي تسبق مباشرة النّص العربي، والّتي يمكن الرّ. . . جوع إليها عند الحاجة، كما أنّ المقدّمة تساعدنا بشكل أفضل على فهم فحوى الملاحظات العمليّة الّتي سنستخلصها في هذا المجال؛ في مقدّمة الجزء الثّاني عمد الكاتب إلى تقديم نظرة عامّة على محتوياته ، ثمّ انتقل مباشرة إلى متابعة تقديم نص “تفسير ما بعد الطّبيعة”. ثمّ عرض لائحة كتب الجزء الأوّل لأرسطو. وأخيرا قدّم جدولا بأقسام ما بعد الطّبيعة لأرسطو، والّتي ناقشها إبن رشد في هذا الجزء والّتي تحدّث فيها عن المواضيع التّالية:
1- تفسير “المقالة المرسوم عليها حرف الدّال ممّا بعد الطّبيعة”.
2- تفسير “المقالة السّابعة ممّا بعد الطّبيعة”.
3- تفسير “مقالة حرف الحاء مما بعد الطّبيعة وهي الثّامنة”.
4- تفسير “المقالة التّاسعة ممّا بعد الطّبيعة”.
الجزء الثّالث من كتاب “تفسير ما بعد الطّبيعة لأبي الوليد محمّد بن أحمد بن محمّد إبن رشد، وقد قسّم إلى جزئين هما: نهاية النّص وفهرس ألفبائي … لمجمل الكتاب. أمّا النّص فقد تناول فيه الكاتب تفسير
“المقالة العاشرة ممّا بعد الطبّيعة”
و”المقالة المرسوم عليها حرف اللام من مقالات ما بعد الطّبيعة”. ثمّ عمد إبن رشد إلى مناقشة “تفسير ما بعد الطّبيعة”.
التحفيز Motivation هو أن تجعل شخصا مُتحفزا أي مُتَحمسا لأداء شيء ما. كل منا له ما يحفزه لفعل أشياء ما. ما الذي يجعلك تتحفز لمشاهدة مباراة لكرة القدم مع أنك لن تحصل على أي مقابل مادي؟ ما الذي يحفز النساء على زيارة السوق؟ ما الذي يحفز الإنسان على قصّ نجاحاته في العمل؟ ما الذي يجعل العاملين في مؤسسة ما متحفزين لأداء أفضل ما عندهم وما الذي يجعل نفس العاملين في ظروف أخرى مُثَبطين؟
هناك ما يدفع كلٌ منا لفعل شيء ما فالجوع يدفعك أن تأكل والعطش يدفعك أن تشرب. هناك ما يحفزنا إلى العمل ويجعلنا نحاول أن نأتي بأفضل أداء وهناك أشياء قد تُثبطنا وتجعل الموظف يكاد لا يجد طاقة ليتحرك من مكتبه. هذه المحفزات والمثبطات هي من الأمور التي ينبغي أن يعيها أي مدير لأن التحفيز يجعلك تحصل على طاقات هائلة من العاملين والتثبيط يجعلك تخسر هذه الطاقات. التحفيز يجعل الموظف يفكر في حلول والتثبيط يجعله يؤدي ما عليه ولا يحاول أن يبذل أي جهد زائد. التحفيز يجعل الموظف يؤدي وهو مستمتع بالأداء والتثبيط يجعله يؤدي ما لابد من أن يؤديه وهو كاره. فالأداء يتناسب مع قدرة الموظف على أداء العمل وعلى حافزه لأداء العمل فكلما زاد الحافز لنفس الموظف يتحسن الأداء.
بعض المديرين يقول :على الموظف أن يؤدي عمله ولا داعي لتحفيزه لذلك؟ نعم يجب على كل شخص أن يؤدي عمله الذي هو مكلف به والذي يتقاضى عليه أجره ولكن المدير عليه أن يقوم كذلك بدوره الذي يتقاضى عليه أجره ومن ذلك أن يحمل الموظف على بذل كل ما عنده وعلى أن يحفزه على بذل جهده وفكره في أداء العمل. قد يظن البعض أن العقاب هو التحفيز بعينه ولكن يمكن للموظف تجنب العقاب بدون أن يبذل كل فكره وجهده فعندما تقابله أي عقبة فلن يحاول تفاديها ولن يحاول مساعدة مديره بفكره ولكنه سيعمل كالآلة…
الحياء زينة المرأة التي يجب أن تتزين به ؛ فمن فقدت حياءها فقد فقدت كل شيء وأصبحت فريسة لأهل الإغواء وأصحاب الهوى يفترسونها متى يشاءون ويبثون لها السموم متى أرادوا ولهذا رأينا في بادىء الأمر أن حياء المرأة وتمسكها كان حائلا كبيرا أمام دعوات التحرر و السفور الآتية من الخارج والتي وجدت صعوبة بالغة في إغواء النساء المسلمات وتغلغل الأفكار الهدّامة بينهم فما كان إلا أن استقطبوا بعض النساء التافهات راغبي التحرر عديمى الحياء فربوهم وعلموهم تلك الأفكار الخبيثة ثم أطلقوهم بين المسلمات ويسروا لهم كل العقبات وأمدوهم بما يحتاجون من الأموال والحاجات فخرجوا في الندوات والمؤتمرات وعلى الشاشات وكتبوا في الصحف والمجلات وبدأوا يقودوا حملة واسعة لتحرير المسلمات ووضعوا لها عنوانا جذّابا فسموها ” حقوق المرأة وحريتها ” وهو عنوان حق أريد به باطل ولكن للأسف أن هذه الدعوات وما استتبعها من برامج وأفكار بدأت تتغلغل بين النساء المسلمات حتى أصبحنا نرى جزء ليس بالقليل وقد اختلطت أفكارهم وساءت أخلاقهم وفقدوا حيائهم فأصبحوا جزءا من تلك الحملة التي تستهدف ضرب الإسلام من خلال تحرير المرأة من تعاليم دينها ألم تعرفي أختاه أنهم قالوا : ” لن تستقيم حالة الشرق ما لم يرفع الحجاب عن وجه المرأة ويغطى به القرآن ” وقالوا ” ليس هناك طريق لهدم الإسلام أقصر مسافة من خروج المرأة سافرة متبرجة ” وقالوا
مزقي يا ابنة العراق الحجابا *** وأسفري فالحياة تبغي انقلابا مزقيه وأحرقيه بلا ريث *** فقـد كان حارسـا كـذابـا
وهذا هو مكمن الخطر الذي يجب أن نحذره ونُحذر منه المسلمات . إن الحياء يا أختاه هو تاج فوق رأسك يجب ألا تتخلي عنه ولا تقبلي في يوم من الأيام أن تخلعيه مهما كانت الأغراءات ومهما كانت الظروف والأحداث فكما علمت أن أعداء الأمة لا يريدون خلع الحجاب أو النقاب وإنما يريدون أيضا وفي المقام الأول نزع الحياء من القلوب ولذا فإنه من الواجب علينا أن نستمسك بالحياء ونحافظ عليه حتى نكيد أعداء الله فالحياء لا يأتي إلا بخير كما قال صلى الله عليه وسلم ” الحياء لا يأتي إلا بخير ” ” الحياء خير كله ”
ومن خيره أنه يحافظ على الأمة ويحميها من كيد أعداءها الذين يبغون الفساد وانتشار الشهوات وتسهيل قضاء النزوات ولهذا فإن المسلمة التي تريد الخير لها ولأمتها عليها أن تعيش بالحياء وتحافظ عليه وتسعى إلى نشره بين المسلمين وتضرب المثل والقدوة الحسنة في ذلك حتى يعم الخير ويزداد .
إن ما نراه اليوم من سوء أدب وقلة حياء إنما ينم عن ضعف في الأيمان فالنبي صلى الله عليه وسلم قال ” الحياء والأيمان قرناء فإن ذهب أحدهما ذهب الآخر ” ،
كما أن الحياء شعبة من شعب الأيمان كما قال صلى الله عليه وسلم ” الأيمان بضع وسبعون _ أو بضع وستون شعبة – أفضلها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الأيمان ” ، ولقد مر النبي صلى الله عليه وسلم على رجل وهو يعظ أخاه في الحياء فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ” دعه فإن الحياء من الأيمان ” ، فالأيمان يدعوا إلى الحياء ويرغب فيه كما أن الحياء طريق للأيمان وشعبة من شعبه ولهذا لما ضعف الأيمان في نفوس بعض المسلمات رأينا قلة الحياء تطفح على كلماتهم وسلوكياتهم وأخلاقهم فانظر إلى حالهم في الطرقات والمواصلات وفي المدارس والمعاهد والجامعات وفي الأندية والمنتزهات وداخل المنازل وعلى الشاشات وفي الصحف والمجلات والأعلانات ستجد أننا أمام ظاهرة تستدعى الوقوف معها ودراسة أسبابها فتلك المرأة التي تصاحب أجنبي عنها وتجلس معه في الجامعة أو المنتزه أو تسير معه في الطرقات أو تسافر معه هنا وهناك.. إنها ” عديمة الحياء ” … أو تلك المرأة التي تسمع منها تلك الضحكات الرنانة والكلمات البذيئة في المواصلات والطرق والمنتزهات.. إنها ” عديمة الحياء ” … أو تلك المرأة التي تجلس مع قريناتها يتسامرون ويتحدثون في أشياء تخدش حياء الرجل فضلا عن حياء المرأة .. إنها ” عديمة الحياء ” … أو تلك المرأة التي تختلط بالرجال اختلاطا محرما بل وتسعى إلى ذلك الأختلاط ولا تحاول تجنبه .. إنها ” عديمة الحياء ” … أو تلك المرأة التي تتزين وتلبس ثيابا غير شرعي فيه من السفور والتبرج ما فيه .. إنها ” عديمة الحياء ” … أو تلك المرأة التي تفرح بمعاكسة الآخرين لها لتشعر بإنوثتها أو التي تظهر خصيلات من شعرها لتبرز جمالها وليعلم الناس جمال شعرها ونعومته ونضارته .. إنها ” عديمة الحياء ” … أو تلك المرأة التي تشاهد الصور العارية والأفلام الخليعة وتقلب صفحات المجلات الماجنة والجرائد ومواقع الأنترنت بحثا عن أخبار التافهين والتافهات ورغبة في التحدث إلى أصحاب القلوب المريضة والنفوس الأمارة بالسوء .. إنها ” عديمة الحياء ” … أو تلك المرأة التي تخرج إلى الشواطىء وتنزع عنها الكثير من لباسها بدعوى التنزه والترفيه .. إنها ” عديمة الحياء ” … أو تلك المرأة التي تلتقط خيوط الكلام لتتحدث مع الرجال وتضحك معهم .. إنها ” عديمة الحياء ” … إنها صور كثيرة تعبر عن قلة الحياء وكلنا عنده من الأمثلة والمواقف والحكايات ما يدمي القلب ويعبر عما ذكرناه بل ويزيد عنه . إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا عن حال هؤلاء وعن سبب تلك الأفعال فيقول صلى الله عليه وسلم في الحديث ” إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى : إذا لم تستحي فافعل ما تشاء “
ففقد الحياء يستدعي أن يصنع المرء ما يشاء كما أن الفعل الذي لا يستحي المرء من فعله يصنعه ويُقدم عليه وكلاهما معنيان ذكرهما أهل العلم لهذا الحديث وعليه فإن المرأة التي ضاع حياؤها وصار مفقودا وغائبا عن حياتها ستجدها تفعل ماتشاء كما رأينا في بعض الصور التي ذكرناها ، وقديما قال الشاعر :
إذا لم تخشى عاقبة الليـالي *** ولم تستحي فاصنع ما تشـاء فلا والله مافي العيش خـير *** ولا الدنيا إذا ذهب الحيــاء يعيش المرء ما استحيا بخير *** ويبقى العود ما بقي اللحــاء
إن ما قيل هنا ما هو إلا دعو صادقة للمرأة المسلمة الطاهرة النقية التي تحب دينها وترغب في عزته وتخشى من عذاب ربها وترجوا الثواب والنعيم فإننا ندعوها وغيرها إلى أن ترجع إلى الحياء ولتتعلم من ابنة شعيب التي ضربت المثل والقدوة في الحياء حتى استحقت أن يحكى عنها القرآن ويخلد قصتها إلى يوم القيامة وكل امرأة حالها كحال ابنة شعيب فكأنما هي التي حكى عنها القرآن فالله يقول :
( فجاءته أحداهما تمشي على استحياء قالت …… ) ” سورة القصص ” ، والقصة ببساطة أن نبي الله موسى عليه السلام رأى فتاتين يريدان السقيا ولكنهما يتأخران حتى لا يختلطا بالرجال فما كان منه إلا أن تقدم وسقى لهما وهذه من مرؤة الرجال التي قلما أن تجدها في زمان المادية والشهوات وبعد ذلك تولى إلى الظل فما كان من أبيهما بعد أن عرف قصته وما فعله من الخير لأبنتيه إلا أن أرسل إليه ليشكره فجاءت الفتاة الطاهرة الفاضلة العفيفة تمشي في غير تبذل ولا إغواء وإنما تمشي على استحياء فالمشية كانت على استحياء والقول والحديث على استحياء فبعض أهل العلم يقرؤن (فجاءته أحداهما تمشي على استحياء …. )
والبعض يبدأ مرة أخرى فيقرأ ( على استحياء قالت … ) فسبحان من زين تلك الفتاة بالحياء وخلد ذكرها إلى يوم القيامة .
وفي النهاية فإن الحياء أختاه يجب أن يشمل كل سلوكياتكِ وأن يغمر حياتكِ كلها حتى تسعدي وتُسعدي من حولك فالمرأة ضعيفة الحياء هي تعيسة في واقع الأمر وتتعس من حولها بشقاءها وضلالها بل وتضر الأمة بأسرها فكم تعين على معصية وكم تمنع من طاعة وكم تضيع من أوقات الآخرين وكم تضعف من همم المؤمنين الذين يعز عليهم ما يرونه وما يسمعونه فكوني أختاه بحياءكِ معول بناء لا معول هدم.. هدانا الله وإياك إلى طريق الهدى والرشاد .
١-فكرة الطعن في البخاري وليدة وحديثة ولم يعرفها المسلمون الأوائل، بل منذ جمع البخاري صحيحة وحتى اليوم فلم يظهر عالم أو محدث واحد يقول إن في البخاري أحاديث مكذوبة!
٢-هذه التيارات الحديثة تستهدف البخاري بصفته على قمة الثبوت في الكتب النبوية، فإن سقط البخاري فبالتالي ما دونه يمكن إسقاطه بكل سهولة.
٣-المشايخ اليوم يدافعون عما استقرت الأمة عليه بالتواتر العملي، وهو وجود السنة ووجود مصنفات لها كالبخاري ومسلم والموطأ وغيرها..يدافعون عن أكثر من نصف تفاصيل الدين التي لن تستطيع معرفتها إذا أهملت ما قاله رسول الله بشأنها.
٤-التيارات التنويرية والعلمانية تحاول بشدة إقناع الناس بأن المرجع الرئيسي لداعش هو الحديث النبوي وعلى رأسه صحيح البخاري، فإنك كمسلم إذا أردت محاربة داعش فعليك بإنكار البخاري ثم إنكار السنة.
٥-الهدف في النهاية هو الطعن في القران، لأنه بنفس منطقهم فمخطوطة أبي بكر الصديق من القران غير موجودة، لكن القران الذي فيها تواتر نقله وتوفرت في كل جيل قضية الاتصال التي تنتفي معها فكرة التحريف والتبديل، وهذا ما تفتقده الأمم والمعتقدات الأخرى..
٦-مخطوطات صحيح البخاري التي نسخها المحدثون موجودة، وقد محص المسلمون كل ذلك منذ مئات السنين، وثبت بالتواتر أن هناك شيئا اسمه صحيح البخاري، فقد روى عن البخاري صحيحه وسمعه منه نحو تسعين ألفاً، ونسخوه وبقيت نسخه لليوم موجودة! فكيف يدعى العلمانيون اليوم أن البخاري سنده منقطع بعدما سمعه الالاف ونسخوه وحفظوه؟
٧-الاعتبار أصلا في الحفظ هو بنقل البشر الثقات الأثبات سواء تمت الكتابة أم لا..فالكتابة ليست دليل صحة وثبوت إلا إذا انضم إليها السند المتصل الصحيح..أما مجرد الكتابة في حد ذاتها فليست شيئاً أصلاً لأنه يمكن أن آتيك بأي مخطوط تم اكتشافه اليوم وأقول لك: هذا مثلاً نسخة من القرآن، وعليك أن تقبله.
لكنك لن تقبله، لماذا؟ لأنه ليس هناك سند متصل يشهد لصحة نسبة هذا المخطوط لرسول الله وأصحابه!
٨-الأمم السابقة ليس لديها سند فلذلك دوماً عندما تظهر مخطوطةٌ لهم نطالبهم بالدليل على صحة سندها لأصحابها..وطبعاً غالبا ما يكون هذا الدليل مفقوداً..بينما نحن المسلمين فخورون بوجود الاتصال في السند جيلاً بعد جيل الذي به تثبت صحة نسبة المخطوطات لأصحابها.
٩-اختلاف الأئمة في بعض الأحاديث لا ينفي اتفاقهم على أن الحديث الصحيح دليل سواء كان آحاداً أم تواتراً..لذا تجد المحدثين من المذاهب الأربعة مقرون بصحة البخاري في الجملة..سواء كانوا مالكية أم حنابلة أم غير ذلك.
١٠-أخيراً لإخواني أبناء ملة الإسلام: لا تجعلوا الغضب السياسي يقودكم لإنكار بعض الحقائق الإسلامية..يمكنك أن تتبنى ما يعجبك من الآراء السياسية لكن لا تسمح لها أن تبدأ بالتشكيك في ثوابت دينك التي لا توجد أمة واحدة على وجه الأرض تمتلك نفس المقومات التي تمتلكها الأمة الإسلامية للتثبت من الأخبار والرواة.
١-مجمل ما انتُقد على البخاري تقريباً ١٪ من الكتاب.
٢-وهذا الذي انتُقِدَ فإن الجماهير رجحوا فيه قول البخاري على غيره وقالوا إن الانتقاد ليس صحيحاً والحق مع البخاري.
٣-وهذا الذي انتُقِدَ ليس فيه شيء من الأحاديث التي لا تعجب التنويريين ويريدون تغييرها.
٤-وهذا الذي انتُقِدَ لا يجعل البخاري مجالاً لعبث العابثين، ف ١٪ لن يعطيك تبريراً للعبث في ال ٩٩٪..
٥-يريد التنويريون أن ينطلقوا من هذا المدخل إلى فكرة العبث في السنة طولاً وعرضاً، بحسب اهوائهم ونزواتهم..
احذروهم..حاربوا فكرَهم وارفضوه بالحجة والدليل والبرهان..فلا شيء أغلى من دينكم وثوابتكم.
والله من وراء القصد، وهو مولانا وحسبنا ونعم الوكيل…
الزواج افشل مشروع قد يتخذه المرء في حياته فهو يقتل الحب رويدا رويدا .. و الأسوء يقذف بأرواح بريئة الى هذا الوجود لا إنساني .
الزواج بالمعنى الحربي هو الحرب الوحيدة التي ننام فيها مع العدو..
الزواج فكرة غبية ، إثنان مجبران يعيشان من بين اربع جدران ، لخمسين سنة او اكثر ، في سبيل عقد ورقة ، واتباع سجن التقاليد والأديان ، و من أجل المعاناة مع الفراخ الناشئة ، لتعيد تلك الفراخ نفس الكرة..
مايسمى بورديو بإعادة الإنتاج.
ان تتزوج فهذا يعني ان تتخلى بفرح غامر عن اعظم شيء تقاتل الامم من اجله الا وهو حريتك.
الزواج هو زنزانة يغلق فيها سكران و سكرانة بالحب على أنفسهما و يكسر و مفتاحها. لما يفيقو بعد موت الحب المسجون معاهم، يحاولو يخرجو من الباب و العودة إلي العيش في الحرية؛ يوجدو انفسهم أمام خيارين لا ثالث لهما: إما يتعاونو على فتح الباب بالتعواج أو بالتكسير أو يكسرو بعضاهم. 🍷🍺
يقول إميل سيوران أولائك الأبناء الذين لم أرد مجيئهم ليتهم يدركون حجم السعادة التي يدينون لي بها.
وتستمر الحياة رغم انف الفكر النشاز وتسيرها ارادة الله الذي اراد لها الاستمرار ورسم لها الحب فالجنس ليس وحده الجامع للزواج انما المؤانسه والتالف والنسل للديمومه …فلا يمكنها ان تتوقف بفكر شاذ يريد ان لايكون واحلام يقظته اضغاث احلام فهؤلاء هم تلك العقول اللتي نراها الان تعيث بالارض خرابا بالقتل وعقلية التدمير