إن الذي ألجأ وزارة التربية الوطنية إلى تلك القرارات الغريبة أنها لا تفكر في الحلول التربوية الجذرية، بل بمنطق التسيير الإداري الآني، مع الارتهان إلى الضوابط التنظيمية والقوانين المدرسية على حساب مفهوم التربية ومقاصدها. المشكلة التربوية ليست ظرفية ولا جزئية، بل هي مشكلة بنيوية منهاجية أساسا، في حين أنك تجد الوزارة تعالج بعض تفاصيلها فقط، وكل الهاجس الذي يحكمها هو إنقاذ السنة الدراسية وتأمين ظروف الامتحانات والتقويم، ثم يستتبع ذلك تحصيل قدر لا بأس به من المقررات والبرامج… مثل هذا التفكير هو ما يعبر عنه بجعل العربة أمام الحصان.
ولنا أن نتساءل لماذا الامتحان مقدم في الاعتبار على مضمون التدريس؟ ولماذا المضمون مقدم على الغاية من التربية؟ وهل التربية معطى محدد سلفا أم هي تدبير سياقي بغرض العيش بأفضل حال ومآل؟
لو أن الوزارة فكرت بما يمليه النظر المنهاجي لأمكنها على أقل تقدير أن تعدل في البرامج وتخفف من المقررات بما يحفظ الكفايات الأساسية فقط، وتدخل مضامين تناسب ما تمليه الجائحة من ثقافة صحية وعلمية وقيمية ببعد عالمي، ثم يتبع ذلك تخفيف الزمن الدراسي، واعتماد أساليب تقويمية سلسة، وحينذاك يكون الحديث عن التعليم الحضوري أو عن بعد ضمن نطاقه التربوي المحدود، وليس بحسبانه الحل الأمثل لإنجاز البرنامج وإنقاذ السنة الدراسية وتأمين إجراء الامتحانات الإشهادية والتقويمات الملزمة.
إن المنطق الذي تفكر به وزارة التربية الوطنية (منطق المسجون باختياره ضمن الحدود التنظيمية) هو نفسه ما ألفينا المدارس الخاصة تنفذه بحذافيره،
فلسان حال هؤلاء يخاطب أولياء الأمور قائلا: لقد أنجزنا البرنامج من ألفه إلى يائه (ولا يهم كيف؟ ولماذا؟ وما الحصيلة؟) فليس لكم إلا أن تؤدوا الأجر كاملا. ومن غرائب ذلك أني كنت أنظر إلى ابنتي خلال أيام الحجر الصحي بعين الشفقة الممزوجة بالدهشة،
وهي تحاول تتبع الدروس عبر الواتساب في ارتباك وانزعاج، والأستاذة تصرخ أسرعوا لقد أنهينا درس الاجتماعيات أخرجوا كتاب التربية التشكيلية وأنجزوا الصفحة كذا…. وكذا الوزارة تخاطب التلاميذ لقد ضمننا لكم المقرر فأنجزوا الامتحان. ألا لقد حجرتم واسعا، وألجأتم أنفسكم إلى أضيق المسالك، وأرهقتم الناشئة. والتربية أرحم من أن تصير عقابا، فلا تظلموها.
من أجل دخول مدرسي آمن:حزمة اقتراحات تربوية
لأهمية الموضوع وحيويته الراهنة، وقياما بجزء من الواجب التربوي المنوط بنا نحو منظومتنا التربوية.. ( ولأن اللي فينا ماهنانا😂)
أعود من جديد لاقتراح جملة من الاقتراحات العملية تربويا وبيداغوجيا والمناسبة لدخول مدرسي أكثر أمنا للمتعلمين ولكافة الأطر و المتدخلين..
طبعا هذه الاقتراحات تنسجم والوضعية التربوية الطارئة بسبب جائحة كورونا.. وليست سوى صيغة للتعامل الاستثنائي معها:
✍اولا:
- انطلاق الدخول المدرسي غير الحضوري بعمليات التقويم التشخيصي وحزمة الدعم والمعالجة لكافة المستويات.. مع التركيز على تلامذة الأولى باك المقبلين على الامتحان الجهوي
وتمتد هذه العملية عن بعد طيلة شهر شتنبر..
✍ثانيا:
انطلاق الدراسة الحضورية بداية أكتوبر( إن يسمح الوضع الوبائي في البلاد)، وتقتصر على المستويات الاشهادية فقط: السادس ابتدائي والثالثة إعدادي والأولى والثانية باكلوريا..
هذا التأخير يسمح للجان العمل والإدارات أن تهيئ حزمة الاجراءات المزمع اتخاذها.. والمبينة أسفله..
✍ثالثا:
الاقتصار في الدراسة الحضورية على المواد المقررة في الامتحانات الاشهادية.. تفاديا للحضور المكثف للمتعلمين إلى المدرسة.. واستفادة من بقية الحصص للتفويج..
✍رابعا:
تفويج المتعلمين إلى أفواج من 10 متعلمين ضمانا للحد الأقصى من الاحترازات الصحية..
✍خامسا:
انكباب لجنة خاصة على تعديل المقررات الدراسية من خلال عمليات مختلفة( الحذف.. الدمج.. التقديم والتأخير.. الاختصار..) لتحقيق الملاءمة مع صيغ الاشتغال..
✍سادسا:
خلال فترة شتنبر يتم إعداد جداول الحصص المناسبة للصيغة الحضورية المقترحة بنفس تشاركي وتضامني يراعي المصلحة الفضلى للمتعلمين.
✍سابعا:
يتم الاشتغال مع بقية المستويات غير الاشهادية بصيغة “التعليم عن بعد”.. وفق برنامج واضح وملزم ومقوم..
✍ثامنا:
مع عودة منحنى الوباء إلى الانخفاض، يتم الإدماج التدريجي للمستويات غير الاشهادية في الدراسة الحضورية..
✍تاسعا:
لا ضير في استثمار كل أيام الأسبوع، والعطل المقررة.. بل وتحريك مواعيد الامتحانات ونهاية السنة بما يضمن سيرا آمنا وكافيا لكل عمليات الموسم..
✍ عاشرا( ملاحظة مرنة):
يمكن إطلاق الدراسة الحضورية في المناطق القروية
في شتنبر وبكل المستويات( خاصة الابتدائي) مادام عدد المتعلمين يسمح بتدبير العمل وفق البروتوكول الصحي الآمن..
ولصعوبة تدبير التعلم عن بعد فيها..
هذه المقترحات، وغيرها مما سبق أن بينته في مقال سابق، تجعل القرار بيد أهل التربية أولا.. في استشارة وانسجام مع بقية المتدخلين في تدبير الشأن الصحي العام..
وإني على يقين كامل أن الأطر الإدارية والتربوية لن تتوان في الانخراط التام والعمل الدؤوب لربح هذا التحدي الوطني الكبير..