عندما اتخذ مؤسس الفلسفة الحديثة رينيه ديكارت مبدأ الشك لليقين، كان الإمام الفيلسوف أبو حامد الغزالي قد سبقه فى ذلك بعدة قرون، وكذلك كانت أسبقية ابن خلدون على كارل ماركس فى علم الاجتماع. وإذا كان دانتي قد اقتبس فكرة “الكوميديا الإلهية” من كتاب المعري “رسالة الغفران” بعد ترجمتها إلى اللغة اللاتينية، فإن الأخير كان أيضاً سباقاً بطرح “العدمية” قبل شوبنهاور والفلسفة الوجودية عموماً وبزمن بعيد.
ولقد فضلنا المقارنة هنا بين أبي العلاء المعري “973-1057” والفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور “1788-1860”، دون سارتر وغيره، لأن القاسم المشترك فيما بينهما هو التشاؤم من جهة. وتقارب نوع ما للوضع الفردي حياتياً من جهة أخرى. وسوف نعتمد بشكل عام على ديوان “اللزوميات”، وعلى كتاب “العالم كإرادة وفكرة” الترجمة الإنكليزية. وقبل أن نحلل العدمية بين هذين الكبيرين، علينا أن نعلم بأن تشاؤمية المعري كانت أسبابها: أنه فقد بصره بعدما أُصابه الجدري وهو في سن الرابعة من عمره.
وقطع دراسته فى كبرى مكتبات طرابلس الشام بعد وفاة أبيه المفاجئ ، وكذلك ترك دراسته فى بغداد عندما سمع بمرض أمه، ثم خبر وفاتها وهو في طريق العودة إليها. علاوة على الاضطراب السياسي والحزبي بين الحمدانيين والفاطميين، والنزاعات الحربية مع الروم البيزنطيين. أما بالنسبة إلى شوبنهاور فإن أباه قد مات منتحراً عام 1805، وسلوكية أمه معه لم تكن بالموقع الحسن، حيث كانت من أروع من نبغ فى عصرها بكتابة القصة، وترفض أن يعلو شأنها الأدبي أى شخص حتى لو كان وحيدها آرثر.
فكانت تقسو عليه وتجافيه، خصوصاً بعدما أخبرها الشاعر الكبير غوته بعظمة عقلية ابنها في المستقبل. فضلاً على ذلك سلسلة الحروب النابليونية والاضطرابات السياسية التى كانت تسود أوربا على مدى عقدين من الزمن.
وهكذا طغت الصفة التشاؤمية على عقلية وتفكير المعري وشوبنهاور، إذ جمعتهما حالة متقاربة الشبه رغم الفارق بين ظرفي الزمان والمكان والوضع العائلي والتناحر السياسي ورحى الحروب الطاحنة.
لذا أمسيا ينظران إلى العالم والطبيعة والمجتمع والفرد من زاوية كالحة لا تطاق. ما الخير والسعادة عندهما إلا أمور سلبية سرعان ما تأتي سرعان ما تزول، لأن الحياة ملؤها التعب ليس فيها سكينة طوال الامتداد الزمني، والوجود كله شر. وفي هذا يقول المعري:
ألا إنما الدنيا نحوسٍ لأهلها
فما من زمانٍ أنتَ فيه سعيد
أو
نزول كما زال آباؤنا
ويبقى الزمان على ما ترى …
ويرى شوبنهاور بأن في “كل فرد حوض من الألم لا محيص عنه”، وحتى إذا فرضنا جدلاً بأن هذا الألم له نهاية، فإنه سوف “يحل مكانه على الفور عناء آخراً” وليس لدينا من ذلك لا مفر ولا محيص.
إذن فإن القاعدة الحقيقية للبشرية جمعاء داخل هذا العالم هو الألم المستديم، وإذا تساءلنا علام كل هذا التشاؤم الدامس؟ يأتينا الجواب من المعري:
فى العدمِ كنا وَحُكمُ الله أوجدنا
ثم اتفقنا على ثانٍ من العدمِ
أو
-نمرُ سراعاً بين عدمينِ مالنا
لباثُ كإنا عابرون على جسرِ
وينص شوبنهاور أيضاً على أن “الحياة تتأرجح كالبندول إلى الأمام والخلف بين الألم والسأم”، وفى كلتا الحالتين لا خير فى هذا العالم سوى حياة بائسة عافرة.
العقل
◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇
رغم أن المعري وشبونهور يعتبران فيلسوفين مثاليين، إلا أن المعري كونه شاعر أولاَ، لذا فإنه يمتلك ذبذبة غير مستقرة تجاه العقل، عكس شوبنهاور الذى يمتلك فكراً فلسفياً مستقراً، فإذا كان الأخير قد وضع العقل بعد الإرادة منزلة، فإن المعري نراه تارة ينظر إلى العقل على أنه المرشد الصحيح لأصول المعرفة حيث يقول:
إذا تفكرتَ فكراً لا يمازجهُ
فساد عقلٍ صحيحٍ هانَ ما صعبا
أو
ولو صفا العقل ألقى الثقلَ حاملُه
عنه ولم ترَ في الهيجاء معترِكا
وتارة أخرى يمجده أيما تمجيد ويعلو من شأن قدرته حتى يصل به إلى درجة النبوة فى عالم الغيب، وعلينا أن نشاوره وحده:
أيها الغر إن خُصصتَ بعقلٍ
فاسألنهُ فكل عقلٍ نبي
أو
فشاور العقل واترك غيره هدراً
فالعقل خير مشير ضمه النادي …
ولكن فجأةً يعود ويحط من شأنه وقدرته ويساوي بين منزلة العالِم والجاهل:
وما العلماء والجهال إلا
قريب حين تنظر من قريبِ …
هي ذي تذبذبات المعري، ولا غرابة فى ذلك لكونه شاعراً وتغلبه روح التوصية. علاوة على أنه صاحب عاهة مستديمة:
فاحذر ولا تدع الأمور مضاعة
وانظر بقلبِ مفكرٍ متبصرِ
أما شوبنهاور فالعقل عنده الأساس في البحث عن الحقيقة ويهاجم الفلسفة المادية متسائلاً: كيف نفسر العقل بأنه مادة ما دمنا لا نعلم المادة إلا بواسطة العقل؟ ..ثم لا يمكن أن نستدل عن كنه الحقيقة بالبحث عن المادة ذاتها وثم ننتقل إلى التفكير والعكس هو الصحيح عنده، حيث “أننا لن نصل إلى طبيعة الأشياء الحقيقية إذا بدأنا السير من الخارج”. لذلك أوجب معرفة طبيعة عقولنا أولاً، ثم ننظر إلى العالم الخارجي ثانياً.
وهنا يفسر لنا شوبنهاور لماذا يعتبر العقل أقل أهمية من الإرادة. وحسب تصوره، أن “أغبى إنسان ينقلب إلى مرهف الذكاء إذا ما كانت المسألة المطروحة عليه للبحث تمس رغباته مساً قريباً.
وإذا حاولنا أن نجعل العقل محل “الإرادة” فهذا خطأ يجب علينا تجنبه. لأن العقل “قد أنتجته الطبيعة ليخدم إرادة الفرد”. كما وأن شخصية الفرد تشكلها إرادته لا عقله، كون أن الإرادة “هي العنصر الوحيد الدائم الثابت”. فالعالم والطبيعة والإنسان عنصرهم الحقيقي هي الإرادة.
إذا أردنا أن نشير إلى الفارق هنا بين المعري وشوبنهاور، فإن الأول لم يتأثر بفكر فلسفي معين، ولم يبن فلسفته على أنقاض من سبقه أو يضعها مقابل من عاصره. أعني أن مبدأه في العقل نابع من إحساسه الفكري الممزوج بالروح الشعرية، بينما الثاني فقد شيد مبدأه فى العقل مقابل فكرة مواطنه عمانوئيل كانت “الشيء فى ذاته”. ومعاصره جورج هيجل في “الفكر وحدة عضوية”.
حكمة الموت
♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧
إن المعري وشوبنهاور ينظران إلى الموت بأنه نعيم، حيث يقطع عنا عناء الألم، بل إنه راحة أبدية ورقاد يستريح فيه الإنسان حسب قول المعري:
ضجعة الموت رقدة يستريح –
الجسم فيها والعيش مثل السهادِ
أو
موتٌ يسير معه راحةٌ
خيرٌ من اليسرِ وطول البقاء
ويذهب بعدميته بُعداً تشاؤمياً حاداً عندما يتمنى أن ينقطع النسل ويموت حتى الطفل الرضيع، ويرى العدم نعمة:
فليت وليداً ماتَ ساعة وضعهِ
ولم يرتضع من أمهِ النفساء
أو
وأرحتُ أولادي فهم في نعمة
العدمِ التي فضلت نعيمَ العاجلِ
ورغم أن شوبنهاور يعتبر الموت مروعاً مفزعاً لكنه أعظم النِعم البشرية، حيث أن حب الحياة مسألة باطلة كاذبة ويجب مقاومة إرادة النسل، إذ “أن إشباع الغريزة الجنسية هو الذي يستوجب المنع لأنه أقوى ما يثبت شهوة الحياة”.
إن هذه السوداوية المضنية إنما تعكس الوضع السلبي الذى عاناه المتشائمان المعري وشوبنهاور حياتياً واجتماعياً. فقد بقيا وحيدين دون أهل ولا أصدقاء، أو لنقل رفضا الزواج والخلان وفضلا الانطواء عن المحيط الذى لم يعزلهم.
الخلود
♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧
يذهب الفيلسوفان في هذا المجال بالامتداد التشاؤمي عن أمور الدنيا وما يتعلق بأمر الخلود، فالمعري، وكما معروف لنا، يخضع إلى الشحنات النفسية التي تجتاح جوانحه. فإن كانت سلبية كفر الدين والآخرين، وإن كانت إيجابية تعيده إلى ركن الإيمان. ومع ذلك نجده فى كلتا الحالتين ينفي وجود حياة بعد الموت:
حياةٌ ثم موتٌ ثم بعثٌ
حديثُ خرافةٍ يا أم عمرو
أو
-أرى هذيانا طال من كل أمة
يضمنه ايجازها وشروحها
وأوصال جسم للتراب ما لها
ولم يدر دار أين تذهب روحها ؟
ثم يخبرنا بأنه سيرحل عن هذا العالم المادي، ولكن إلى أين؟ لا يعلم! ولذلك يطالبنا بأن لا نرجو منه عودة:
سأرحل عن وشيك ولست بعالم ٍ
على أي أمرٍ لا ابالك أقدم
أو
أترجون أن أعود إليكم
لا ترجوا فإنني لا أعودُ
ولجسمي إلى التراب هبوطُ
ولروحي إلى الهواء صعودُ
إنها فعلاً حيرة مستعصية عند شاعرنا المعري، وليس له منها من محيص حيث لا يوجد من يسأله فيخبره عما سمع ورأى فى مماته:
فهل قامَ من جدثً ٍميتٍ
فيخبر عن مسمعٍ أو رأى؟
ثم:
هل فازَ بالجنةِ عمالها؟
وهل ثوى في النارِ نوبخت؟
أما شوبنهاور فيشير إلى أن “الإنسان بعد أن كون من آلامه وعذابه فكرة الجحيم رأى أن لم يبق لديه شيء يكون منه الجنة إلا الملل”. وحسب تصوره فإن الإنسان منذ نعومة أظافره يحس ويلتمس بمرارة هذا العالم الكريه المملوء شراً.
وبما أن شوبنهاور قد آمن بفكرة “النيرفانا” أو تناسخ الأرواح وفق العقيدة البوذية، والمعري يرفض هذه الفكرة.
لذا فإنه أكثر وضحاً من شوبنهاور في هذا الشأن، حيث يؤمن بقدرة الله المطلقة بإحياء الموتى وحشر الخلق:
وقدرة الله حق ليس يعجزها
حشرٌ خلقٍ ولا بعث لأجسادِ
أو
-ومتى شاء الذى صورنا
أشعر الميت نشوراً فنشرنا
كان وما يزال التشاؤم صفة شائعة بين الشعراء والأدباء على مختلف العصور؛ لم يسلم منه ابن الرومي ولا الخيام ولا نازك الملائكة حتى.. والمعري – نسبة إلى بلده معرة النعمان- أحد هؤلاء الذين اصطبغ شعرهم بهذه الصبغة حتى سمي بها حين لقبوه برهين المحبسين، محبس التشاؤم ومحبس العمى وإن كان هو نفسه في أحد أشعاره يُعدد محابسه بالثلاثة، داء العمى، واعتزال الناس، وحبس نفسه في جسد خبيث:
أَراني في الثَلاثَةِ مِن سُجوني
فَلا تَسأَل عَنِ الخَبَرِ النَبيثِ
لِفَقدِيَ ناظِري وَلُزومِ بَيتي
وَكَونِ النَفسِ في الجَسَدِ الخَبيثِ
ويعدد عبد الزراق أيوب في كتابه “انعکاس الفكر السياسي على الأدب العربي في العصر العباسی” أسباب ودواعي التشاؤم عند المعري فيقول إنّه کان يعاني من فقد بصره؛ فقده بالجُدری بعد أربعة أعوام من مولده فذهب بصره، ولم يعرف من الألوان إلّا اللون الأحمر، وهو لون الثوب الذي لبسه يوم أصابه الداء، يضاف إلى ذلك موت والديه وفقره الشديد. وقد ملأ كتابه اللزوميات بهذا التشاؤم من الدنيا ووصف الحياة بأنّها دار الآلام والعذاب، ويضاف إلى ذلك أيضًا أنّه عاش في زمن مليء بالفساد بکل أشکاله وهو العصر العباسي الذي قسمه طه حسين إلى قسمين: عصر القوّة وعصر الضعف، وکان أبو العلاء يعيش في عصر الضعف والفساد.
ويضيف حنا الفاخوري إلى العمى دواع تشاؤمية أخرى بقوله إنّ المعري كان ذا خلق ذميم، قصير القامة، نحيف الجسم، واسع الجبهة مشوه الوجه بآثار الجدري؛ ويصفه مُعجبًا: “غير أنّ ذلك الثوب الرث كان يحوي نفسا كبيرة”. ويورد ابن العديم في “الإنصاف والتحري في دفع الظلم والتجري عن أبي العلاء المعري” أنّه “کان منذ حداثته يسيئ الظن بالناس، ولا ينظر إليهم نظرة الرضی والطمأنينة، ويميل إلى الانقباض عنهم؛ وحُبّبت إليه العزلة”..
وبالنظر إلى ذلك يمكن تصنيف تشاؤم المعري في اتجاهين؛ أولهما الاتجاه النفسي المتمثل في المرض بالعمى واليتم والفاقة، وثانيهما الاتجاه الاجتماعي بعيشه في عصر کانت الحياة الاجتماعية والسياسية فيه مضطربة، وقد انعکس ذلك في كثير من شعره.
بل بلغ حد التشاؤم بالمعري أن يذم اسمه فهو أحمد بن عبد الله بن سليمان أبو العلاء التنوخي، ففي أشعاره يعكس وجهة النظر هذه بأنّ اسمه يجب أن يشتق من الذم لا الحمد وذلك لكثرة أفعاله المذمومة:
رويدك لو كشفت ما أنا مضمر
من الأمر ما سميتني أبدًا باسمي
أطهر جسمي شاتيًا ومقيظًا
وقلبي أولى بالطهارة من جسمي
ولم يقف الأمر على كره اسمه بل لحق حتى بكنيته فهو يرى أنَّ كنية أبي العلاء تتعلق بالعلو والرفعة، والأولى أن تكون بدنو المنزلة وأسفلها حيث يقول:
دُعيت أبا العلاء وذاك مَيْنٌ
ولكن الصحيح أبو النزول
لم يولد أبو العلاء كفيفا بل ولد مبصرا إلا أن الجدري الذي داهمه في سن الرابعة تسبب في فقدانه البصر، وقد حاول التعايش والتصالح مع عماه والاستفادة منه في حياته بل عدَّه نعمة تستوجب الحمد بقوله “أنا أحمد الله على العمى كما يحمده غيري على البصر، وقد صنع لي وأحسن بي إذ كفاني رؤية الثقلاء والبغضاء”:
قالوا العمى منظر قبيح
قلت بفقدي لكم يهون
والله ما في الوجود شيء
تأسى على فقده العيون
مرد اعتزال المعري للنَّاس اعتقاده بفساد المُجتمع لغياب قيمتي العدل والمساواة، وتفشي الخيانة والبغض والظلم، ويرى أنه في مجتمع طالح كهذا يعد الإنجاب جريمة وتجنياً على القادمين الجدد، ويعزو الكاتب عمر فروخ هذه النظرة التشاؤمية إلى تأثر المعري بمذهب مزدك الفارسي ومذاهب الزهاد الهنود التي ترى أن الكون مليء بالشرور وعدم السعادة:
دُنياكَ دارُ شرورٍ لا سرورَ بها
وليسَ يَدري أخوها كيفَ يحترسُ
ويكتب إسلام محمد أنّ العقاد أوجد كثيرا من التشابه بين نزعة المعري التشاؤمية، ونزعة الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور؛ لاسيما في فلسفتهما حول النوم؛ فشوبنهاور يرى أنّ النوم سلفة مستعارة من الموت، وهذا ذات ما كتبه أبو العلاء في شعره:
ونومي موت قريب النشور
وموتي نوم طويل الكرى
وقريبا من هذا يقول في موضع آخر:
وموت المرء نوم طال جدًا
عليه، وكل عيشته سهاد
ويرى عماد الجبوري في معرض مقاربته بين المعري وشوبنهاور أن كلاهما ينظر إلى العالم والطبيعة والمجتمع من زاوية كالحة لا تطاق؛ فالخير والسعادة عندهما أمور سلبية زائلة؛ لأنّ الحياة كلها كد وتعب وليس فيها سكينة طوال الامتداد الزمني، فالوجود كله شر. وفي هذا يقول المعري:
ألا إنما الدنيا نحوسٍ لأهلها
فما من زمانٍ أنتَ فيه سعيد
ويتفق ذلك مع فلسفة شوبنهاور بأنّ “في كلّ فرد حوض من الألم لا محيص عنه”، وحتى إذا فرضنا جدلاً بأنّ هذا الألم له نهاية، فإنه سوف “يحل مكانه على الفور عناء آخراً” وليس لدينا من ذلك لا مفر ولا محيص.
ويتساءل الجبوري حول أسباب هذا التشاؤم الدامس وهذه العدمية المطلقة ليأتيه الجواب من المعري:
في العدمِ كنا وَحُكمُ الله أوجدنا
ثم اتفقنا على ثانٍ من العدمِ
ويتناص ذلك مع مقولة شوبنهاور: “الحياة تتأرجح كالبندول إلى الأمام والخلف بين الألم والسأم” وفي كلتا الحالتين لا خير في هذا العالم سوى حياة بائسة عافرة.
الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور-
ومن مواطن التشابه بينه وبين شوبنهاور أن هذا الأخير يرى أن النوم جيد باعتباره سلفة مستعارة من الموت، وأبو العلاء يقول عن هذا الاعتقاد في شعره:
ونومي موت قريب النشور … وموتي نوم طويل الكرى
وهو يقول أيضًا:
وموت المرء نوم طال جدًا … عليه، وكل عيشته سهاد