قراءة في كتاب روي جاكسون نيتشة والاسلام
صدر عن دار “جداول للنشر والترجمة”، في بيروت، وضمن مشروع النشر المشترك مع منظمة “مؤمنون بلا حدود” كتاب “نيتشه والإسلام” للمؤرخ الشهير روي جاكسون، وقد قام بترجمة الكتاب حمود حمود.
جاء على ظهر الغلاف: “تكتسي قضية الهوية الإسلامية أهمية حاسمة في ضوء الأحداث الجارية، وتحديدا: «ما بعد “جدالات” 11/ 9» المصحوبة بتركيز كبير على معالم أطروحة «صراع الحضارات».
وفي حين كان فريدريك نيتشه يتوجه إلى جمهور من ثقافة وعصر مختلفين، فإنّ رؤاه الأصيلة والإبداعية والنفسية والفلسفية والتاريخية تسمح بفهم جديد ومستنير للإسلام في سياق عصرنا الحديث.
يشرع روي جاكسون في كتابه الجديد، نيتشه والإسلام، ليحدّد قضايا: لماذا شعر نيتشه بميله لأن يكون سمحا تجاه التراث الإسلامي، رغم أنه كان نقديّا تجاه المسيحية الغربية؟
وكيف كان الدين مهمّا لرؤى نيتشه حول قضايا مثل الفلسفة الأخلاقية والسياسية، وكيف يمكن لهذا الأمر أن يساعدنا على فهم الردّ الإسلامي على الحداثة؟ وكيف يمكن لرؤية نيتشه المميزة ومنهجيته أنْ تساعدانا على فهم البارادايمات الإسلامية مثل: القرآن والنبي والخلفاء “الراشدين”؟
يقدّم كتاب “نيتشه والإسلام” نظرة أصيلة وجديدة في توجهات نيتشه الفكرية حول الدين، ويدلل على أنّ فلسفته يمكن أن تُقدّم مساهمةً مهمة لما اعتبر بارادايمات الإسلام الجوهرية. وعلى هذا النحو، فإنّ الكتاب سيكون ذا أهمية للقراءات المتنوعة وسيُقدّم مادة مفيدة للباحثين المهتمين بالتفكير في الدين والإسلام والمستقبل.
روي جاكسون، هو محاضر وكاتب وباحث مستقل في الفلسفة والدين. وهو مؤلف عدد من الكتب حول موضوعات مثل أفلاطون ونيتشه وفلسفة الدين، وهو مؤلف كتاب “خمسون شخصية مهمة في الإسلام”. من الشخصيات التي تناولها الباحث، الرسول عليه الصلاة والسلام وأبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالي ومعاوية بن أبي سفيان.
هذا، بالإضافة إلى أئمة المذاهب الإسلامية الأربعة، والإمام الأشعري والماوردي والغزالي والسيوطي وابن تيمية والفيلسوف الكندي والفارابي وابن سينا وابن رشد، وتحدث عن الطبري وابن خلدون، ومن أئمة التصوف تناول الباحث رابعة العدوية والسهروردي وابن عربي وجلال الدين الرومي وصدرالدين الشيرازي.
كما تحدّث عن الإسلاميين الإصلاحيين كمحمد عبده وجمال الدين الأفغاني ومحمد رشيد رضا ومحمد إقبال، كما تطرق إلى أبي الأعلى المودودي ومحمود أحمد طه، ومن المعاصرين تناول بالبحث حسن الترابي وحسن حنفي والمفكر الإيراني عبدالكريم سوروش
يشرع روي جاكسون في كتابه الجديد، نيتشه والإسلام، ليحدّد قضايا:
- لماذا شعر نيتشه بميله لأنْ يكون سمحاً تجاه التراث الإسلامي، رغم أنه كان نقديّاً تجاه المسيحية الغربية؟
- كيف كان الدين مهمًّا لرؤى نيتشه حول قضايا مثل الفلسفة الأخلاقية والسياسية، وكيف يمكن لهذا الأمر أن يساعدنا على فهم الرد الإسلامي على الحداثة ؟
- كيف يمكن لرؤية نيتشه المميزة وميثودولوجيته أن تساعدنا على فهم البارادايمات الإسلامية مثل:القرآن والنبي والخلفاء “الراشدين ” ؟
يقدم كتاب نيتشه والإسلام نظرة أصيلة وجديدة في توجهات نيتشه الفكرية حول الدين، ويدلل على أن فلسفته يمكن أن تقدم مساهمة مهمة لما اعتبر بارادايمات الإسلام الجوهرية .
وعلى هذا النحو، فإن الكتاب سيكون ذا أهمية للقراءات المتنوعة وسيقدّم مادة مفيدة للباحثين المهتمين بالتفكير في الدين والإسلام والمستقبل .
روي جاكسون، هو محاضر وكاتب وباحث مستقل في الفلسفة والدين. وهو مؤلف عدد من الكتب حول موضوعات مثل أفلاطون ونيتشه وفلسفة الدين، وهو مؤلف كتاب “خمسون شخصية مهمة في الإسلام” .
ما الذي يجمع بين رجل متمرد مثل فريدريك نيتشه ودين سماوي عنوانه يدل على السلام والسكينة والهدوء؟! بل ما الذي يجمع بين رجل «قتل الإله»، وما بين دين موحى به من الإله؟!
الذي دفعني إلى طرح مثل هذه التساؤلات ليس هو كتاب «روي جاكسون» المعنون بنفس عنوان مقالتي هذه «نيتشه والإسلام»؛ فقد كفاني أستاذ الفلسفة الدكتور عادل حدجامي مؤونة السؤال، حينما أجاب عن عنوان الكتاب بقوله: لقاء لم يحصل؛ وهو بذلك يبعد أية علاقة لـ«نيتشه» بالإسلام، بكل بساطة لأن فيلسوف القوة والتمرد لا يمكن أن يحتويه أي إطار، بل هو مفجر الأطر، والثائر على كل القوالب والتصنيفات.
الحقيقة أن ما دفعني إلى طرح هذه التساؤلات هو محمد إقبال (1938) في كتابه تجديد التفكير الديني في الإسلام! لقد صدمني صاحب تجديد التفكير الديني وهو يُحلِّي «قاتل الإله» ببُرْدة الأنبياء!
كيف جاز لفيلسوف الإيمان، وشاعر الحضارة الإسلامية، ومؤسس باكستان الإسلامية أن يهدي هذا المديح لفيلسوف وشاعر آخر من حضارة مخالفة هو الألماني فريدريك نيتشه (1900)؟ وكيف يُمجد هذا الرجل الذي لا يمكن لأحد أن يستسيغ فلسفته لأسباب عديدة ربما كان أكثرها استفزازًا و«كفرًا» إعلانه موت الإله، وهو ما جعل الكنيسة -بكل طوائفها- تحاربه باعتباره عدوًا للرب والإله؟! ما الذي جذب رجلًا قضى حياته وهو يملأ هضاب نجد وصحراء الحجاز بدموعه اللاهبة، شوقًا إلى ضريح محمد وكعبة الله، إلى «عدو المسيح» و«قاتل الإله»؟!
لا شك أن صاحب «جناح جبريل» و«أسرار الذات» وجد عند صاحب «الإرادة الحرة والقدر» و«إرادة القوة» ما كان يبحث عنه؛ وأن ذلك الذي وجده عنده هو سبب احتفائه الكبير به في كتابه الأخير «تجديد التفكير الديني في الإسلام»، واصفًا إياه بالعبقرية، ومضفيًا عليه صفات الأنبياء.
لقد كان إقبال يتقاسم مع نيتشه غضبَه على الكهنوت، وكراهيته لأخلاق الخنوع والضعف التي يغرسها الكهنوت في صفوف المجتمع؛ وأكثر شيء وحَّد فيلسوف الشرق بفيلسوف الغرب هو غضبهما الشديد من فكرة «القدَر»؛ ففي حين يصيح الأول في وجه المسلم الذي كبَّلته عقيدة القضاء والقدر المحرفة: «ويلك!! أنت هو القضاء.. أنت هو القدر.. لا يستطيع القضاء ولا القدر أن يركب ظهرك، إلا إذا وجدك منحنيًا»، يعلن الثاني على لسان «زارا» العائد من الجبل: «الكون يتجدد كل يوم، والحقائق تعيد إنتاج ذاتها، إنه العود الأبدي.. الشعرى والعنكبوت وأفكارك التي تكررها بلا سأم، والسوبرمان نفسه.. حياتك كالساعة الرملية تمتلئ وتغور، ولن تنتهي إلى الأبد.. أنت حبة ستتلألأ إلى الأبد».
الواقع أن ما وحَّد الفيلسوفين الشاعرين هو المعاناة التي تعيشها الإنسانية عموما من مآسي مآلات الأديان، والتي انتهت إلى احتقار الإنسان وإذله، في الوقت الذي كان عليها أن تكرمه وترفع شأنه.
لقد عانى الشرق كما عانى الغرب من أخلاق الذلة والهوان التي تكرّسها المدارس الدينية المختلفة في كل شيء إلا في تركيع الناس للمترفين وأعوانهم من رجال الدين.
لذلك كان إقبال يرى في فيلسوف «السوبرمان» والإنسان الأعلى، مشروع ثورة حقيقية جارفة، تجتث في طريقها كل مظاهر الوهنٍ والضعفٍ؛ فتحرر النفوس من الأغلال التي كبَّلها بها الكهنوت، كي يتمكن الإنسان من السعي في الأرض والمشي في مناكبها إعمارًا و إصلاحًا كما أمره الله.
والحق أن نيتشه لم يقتل الإله؛ نيتشه بكى عليه فحسب، كما يقول الجبران؛ والذي «قتل الإله» هو الكنيسة كما يصرح بذلك الدكتور الطيب بوعزة؛ وبالتالي فنيتشه لم يقل شيئًا جديدًا بالمرة، وإنما الجديد هو أنه رفض ذلك الإله المصلوب العاجز عن حماية نفسه، قائلا: إن أمة هذه آلهتها لن تنهض أبدًا.
فالإله الحق هو من يحمي عِياله، لا من يستسلم أمام أعدائه؛ فإذا أصبح هو نفسه عاجزًا عن حماية نفسه، فعلى الأبناء أن يتحملوا مسؤولية أنفسهم، وأن ينسوا أمر أبيهم الذي صُلب، وأن يتخلَّوا فورًا عن وصايا الأب بالتواضع والسكينة والتسامح؛ فماذا عساها أن تفعل الحملان الصغيرة أمام الذئب الشديد، وهل يُطلب منها أن تكون متسامحة أو مسالمة تجاه عدوها!؟
والمخجل في القضية هو أن كل الحيوانات طورت أنفسها، وأنتجت شكلًا جديدًا من الحياة أكثر قوة وتلاؤمًا: الزرافة والحصان والأفعى والأسد، كلها تجاوزت مكانها الذي كانت فيه، حين حافظت على الأقوى من عناصرها وجيناتها، وداست بأرجلها على الواهن العاجز الضعيف، في حين بقي الإنسان أسير وهنه وعجزه، ولم ينجح قطّ في خلق نفسه من جديد.
متى يستفيق الإنسان من وهمه، ويركل في ربه كل تلك الأوهام السخيفة، ويستأنف انطلاقته العُلوية ومعراجه؛ فيسمو فوق سجَّانيه، ويعلو على مُكَبِّليه؟!
إنه لأمر مخجل حقًا، ألا تتمكن البشرية من الوثوب على تاريخها السيء، وتجاوز واقعها الأليم. والحق أنه ليس نحن من علينا أن نخجل من ماضينا كقرود، بل على القرود أن تخجل من مستقبلها كإنسان عاجز وضعيف، كما هو حالنا اليوم! ليس غريبًا أن يتأثر فيلسوف وشاعر شرقي مسلم بفيلسوف وشاعر غربي يوصم بكونه زنديقًا وكافرًا. وليس غريبًا أن يقتبس رجل مسلم فلسفة تبدو مناهضة لكل الأديان، وثائرة على كل المعتقدات.
ولكن العجيب في قصة الفيلسوفين الشاعرين، أن إقبال لم يكن راضيًا كفاية على تمرد نيتشه، ولم يقنع منه بأن يدمر كل الأطر والمرجعيات، ويمحو مِن على الأرض كل القوالب والتصنيفات، ثم «يقتل الإله» أخيرًا، ويدخل مستشفى المجانين.
ذلك أن إقبال -في كتاب تجديد الفكر الديني- لم يكن يرى غضبة نيتشه كافية لرسم ملامح الثورة الهادرة التي يريد، والتغيير الشامل الذي يطمح إليه! لقد كان يريد مزيدًا من غضبه، ولكن في الوقت نفسه لم يكن يريد جنونه وانتحاره!
وحسب إقبال فـ«نيتشه» عبقري عظيم لم يتمكن من إخراج كل طاقاته، ونبي من أنبياء العصر خانه حواريوه، ولم يكن له من سند يقوي ظهره، فكانت نهاية فيلسوف القوة في غاية الضعف ومنتهى الهوان. رحل وحيدًا غريبًا؛ كالتائه في غابة لم تطأها قدم حسب تعبيره؛ من دون أتباع ولا مريدين طائعين، ولا حتى أسياد وأئمة آمرين! حرموه ليس من نعمة الرفقة والصحبة في العلم، ونعمة الأتباع والمريدين، بل حرموه أيضًا حتى من أن يكون تابعًا مطيعًا! تركوه يصرخ سدى: أنا وحدي.. أنا في الحاجة إلى العون.. أنا في حاجة إلى أتباع ومريدين.. أنا في حاجة إلى سيد.. ما أحلى أن نطيع!