لا توجد معلومات مؤكدة عن تاريخ ميلادها لكن دراسات أجريت مؤخراً تشير إلى أنها قد ولدت عام 370م بالإسكندرية. أي أنها كانت تبلغ 45 عامًا عند وفاتها. يبدو أن هيياتيا كان تعرف باسمين مختلفين أو كان هناك طريقتان لكتابة نفس الاسم، الأولى هيباتيا والثانية هيباشيا. وقد كان هناك آنذاك امرأتان تحملان ذلك الاسم، هيباتيا ابنة ثيون السكندري، وهيباتيا ابنة اريتريوس. كان والد الأولى هو عالم الرياضيات والفلك الشهير ثيوس الذي عاصر ببس الرومي الذي عاش بالإسكندرية خلال فترة حكم الإمبراطور ثيوذوسيوس الأول. وقد اعتبر كُتّاب السيرة الذاتية لثيون، رئيس جامعة الإسكندرية، أنه كان فيلسوفًا.
كانت هيباتيا تتبع المدرسة الأفلاطونية المحدثة الفلسفية القديمة، لذا فكانت تتبع النهج الرياضي لأكاديمية أفلاطون في أثينا، التي مثّلها إيودوكيوس الكنيدوسي،تأثرت هيباتيا بفكر أفلوطين الذي عاش في القرن الثالث الميلادي، الذي كان يفضّل الدراسة المنطقية والرياضياتية بدلاً من المعرفة التجريبية، ويرى أن للقانون أفضلية على الطبيعة.حياة العقل لأتباع أفلوطين كان الهدف منها الاتحاد مع الصوفية الإلهية.
عاشت هيباتيا في مصر الرومانية، وماتت على يد حشد من المسيحيين بعد اتهامها بممارسة السحر والإلحاد والتسبب في اضطرابات دينية. ترى كاثلين وايلدر أن مقتل هيباتيا يُعدّ نهاية للعصر الكلاسيكي القديم،كما لاحظ ستيفن غرينبلات إن مقتلها “أثَّر بشدة في انحدار الحياة الفكرية السكندريَّة”، وعلى النقيض فيرى كريستيان فيلدبرغ وماريا زيليسكا أن الفلسفة الهلنستية ظلت في حالة متألقة خلال القرنين الخامس والسادس، وربما حتى إبَّان عهد الإمبراطور جستينيان الأول.
مركز الأخبار ـ أول شهيدة علم رجمها التطرف الديني بالحجارة، وعملوا على تقطيع جسدها وحرقها بتهمة التمسك بالوثنية، وممارسة السحر والإلحاد، والخروج عن مفاهيم الكنيسة بابتكار نظريات علمية تضلل البشر، سقطت هيباتيا ضحية للفكر المتعصب الذي لا يؤمن بحق الاختلاف ولا يعرف إلا خطاب العنف والكراهية.
ولدت هيباتيا في الإسكندرية عام 355م، والدها الفيلسوف وعالم الرياضيات الفيثاغوري ثيون ألكنسدروس الذي يعد من أفضل الفلاسفة الذين عاشوا في منتصف القرن الرابع وعاصر الرياضي اليوناني ببس الرومي، كان الأبناء يتلقون تعليمهم من الأسرة التي تؤهلهم للعمل العلمي الثقافي، ولقنها ثيون تربية علمية وجعلها تترعرع بين المخطوطات، وعمل على أن تكون فيلسوفة ورياضية مثقفة.
وكانت تعرف باسم “هيباشيا”، كان للاسم طريقتين مختلفتين في الكتابة، الأولى “هيباتيا” والثانية “هيباشيا”، سافرت إلى أثينا وإيطاليا للدراسة قبل أن تكون عميدة المدرسة الأفلاطونية عام 400 م، وقد عُرفت بدفاعها عن الفلسفة والتساؤل، وعارضت الإيمان المجرد.
حازت هيباتيا على شهرة علمية في مجال الرياضيات والفلسفة والفلك، بدرجة عالية من الذكاء والعلم الواسع، وبحسب الموسوعة البيزنطية “سودا” التي صدرت في القرن العاشر الميلادي، فإن هيباتيا عملت أستاذة للفلسفة، وكان من بين طلابها عدد من المسيحين وأجانب يهود ووثنيين، ورغم أنها لم تكن تؤمن بأي إله إلا أنها كانت رمزاً للفضيلة لأغلب المؤلفين المسيحين.
نشأتها
لم ينقل لنا كتاب السيرة الذاتية لهيباتيا سوى القليل عن حياتها الخاصة المبكرة. ونعلم أنها نشأتها على صلة وثيقة مع جامعة الإسكندرية وقد تلقت الجزء الأكبر من تعلمها على يد والدها.
إذا كنا سوف نحكم بناءًا على السجلات التي تركها المؤرخون يمكننا أن نستخلص أن حياتها المبكرة لم تكن مليئة بالأحداث وإنها قد قضت الجزء الأكبر من وقتها في الدراسة والقراءة مع والدها في الجامعة. وقد دفعنا سويداس وسقراط وآخرون إلى الاعتقاد بأن هيباتيا كانت رائعة الجمال ليس فقط من حيث الشكل بل أيضاً من حيث الشخصية.
ولدت هيباتيا في الإسكندرية حوالي عام 355م. والدها هو الفيلسوف وعالم الرياضيات ثيون. ومع أنه من أفضل الفلاسفة الذين عاشوا في منتصف القرن الرابع، إلا أن المصادر لم تذكر أي شيء بشأن زوجته والدة هيباتيا. لكنها ربما كانت تنتمي إلى أسرة من المفكرين حيث كانت تتم العديد من الزيجات التي جمعت بلاغيين وفلاسفة ببنات زملائهم خلال الفترة التي تزوج فيها والدي هيباتيا. على سبيل المثال تزوج الفيلسوف ثامسطيوس من ابنة فيلسوف آخر خلال أربعينات القرن الثاني (340م)، كما تزوج البلاغي هوميروس من فتاة تنتمي إلى أسرة عريقة من المفكرين بأثينا في نفس الفترة تقريبًا.
في العادة كان الأبناء الذين يولدون لمثل تلك الزيجات يتلقون تعليمًا يؤهلهم للعمل الثقافي الذي تمتهنه الأسرة. هذا الأمر ليس مفاجئًا، لكن الأبناء الإناث أيضًا كن بحاجة إلى التعليم. وقد كانت بعضهن تتدربن كذلك على التدريس، لكن حتى اللاتي لم ترغبن في التدريس كن بحاجة إلى تدريب كافٍ كي تتمكن من تعليم أبنائها. كانت الزوجات الرومانيات أصغر سنًا بكثير من أزواجهن وأدى الواقع الديموغرافي آنذاك إلى أن تتولى النساء تعليم الأبناء بعد وفاة الأزواج. إذا كان الأبناء سوف يرثون مهنة العائلة فلا بد أن يكون باستطاعة الأمهات تحديد ما إذا كان المعلم قادراً أم لا.
ليس بإمكاننا أن نحدد قدر التعليم التي تلقته والدة هيباتيا لكن من الواضح أن ثيون وزوجته أنشآها على أن تكون شابة فيلسوفة ورياضية مثقفة، وهو ما يعني أن التعليم الذي حظيت به هيباتيا اختلف تمامًا عن التدريب العملي الذي كانت تتلقاه المصريات. وعلى الرغم من تعلم نساء الطبقتين الفقيرة والمتوسطة اللاتي تعيشن في المناطق الريفية مبادئ الآداب إلا أنهن لم يحتجن إلى مستوى أكثر تقدمًا. قد يكون الحال أفضل قليلاً بالنسبة للفقيرات من سكان الحضر، فقد كانت لديهن فرصة أكبر في التعلم لكن ذلك لم يكن يتعدى مجرد التعرف على الحروف وكتابتها. أما نساء الطبقة العليا فقد كن يحظين بفرص أكثر، على الأقل نظريًا.
وقد كان التعليم لدى الصفوة في القرن الرابع عبارة عن عملية متعددة المراحل، تبدأ في المنزل بإعطاء مقدمة عن سبل الخطابة الملائمة ثم تحليل القصص التي تستخلص منها دروساً حول السلوك اللائق. وقد كان معظم هذا التدريب المبدأي يتم بواسطة مرضعات تعينهن الأسر للاعتناء بالطفل حتى سن السادسة أو السابعة. وفي سن السابعة تبدأ الفتاة في تعلم اللغة وقواعد السلوك الأساسية التي ستجعل منها أحد أفراد الصفوة.
بلغت هيباتيا مرحلة التدريب النحوي في بداية مراهقتها وهو يرتكز على تمارين تساعدها على تعلم كيفية تصحيح القواعد النحوية، وتطوير مهارات التعبير البلاغي، وإجادة المحتوى الرئيسي لبعض الأعمال الأدبية الشهيرة التي تنتمي للعصور الوسطى. كان هذا التدريب ذا إهمية مضاعفة نظرًا لاختلاف اللغة اليونانية التي يستخدمها صفوة المصريين في الكتابة، عن اللغة اليونانية المستخدمة التي يتحدث بها معظم الناس. فبعد مرور 700 عام على الفترة التي عاش فيها أفلاطون، وبينما ظلت اللغة اليونانية الأدبية إلى حد ما كما هي طوال تلك القرون، تطورت اللغة الشفهية بشكل ملحوظ. فقد كانت اللغة اليونانية في الفترة الكلاسيكية تنطق بلهجة مختلفة عما أصبحت عليه في القرن الرابع، مما جعل من الصعب على متحدثي اللغة اليونانية الرومانية الأواخر أن يستوعبوا الأوزان الشعرية اليونانية (وحتى بعض الكلمات المنفردة). لذلك فقد كان لا بد من تعلم اللغة اليونانية الأدبية لمن كانت اليونانية لغتهم الأم مثل هيباتيا.
كان التدريب النحوي بمثابة تمهيد لكيفية القراءة والكتابة وفهم اللغة، ولكن كان له أيضًا غرض خفي. فقد كان المعلمون يصممون دروسهم بحيث يتم قراءة مجموعة من النصوص والتوقف عند كل مرة يتم فيها الإشارة إلى حدث أو شخصية مهمة لشرحها للطلاب. ومع تقدم الفتاة في التدريب، بدأت تعمل على تمرينات تعرف باسم “بروجيمناسماتا”.
وقد دفعتها تلك التمارين إلى تناول تفاصيل بعض القصص شهيرة، والمقولات المؤثرة المنسوبة لشخصيات تاريخية مثل ديوجانس الكلبي وإيسقراط، بالإضافة إلى تحديد الموضوعات بإستخدام المهارات اللغوية التي كانت قد اكتسبتها مسبقًا. وقد ساعدها ذلك على تطوير مهاراتها في الكتابة والقراءة كما كان هذا التدريب أيضا بمثابة تربية أخلاقية فقد تم اختيار النصوص التي قرأت والقصص التي حللت والشخصيات التاريخية التي نوقشت لأنها تساعد أفراد الصفوة الصغار على فهم السلوكيات اللائقة
شخصية هيباتيا جزء من التسامح الإغريقي
كانت هيباتيا ذات مظهر جذاب وأمضت حياتها عذراء، وعند سؤالها عن سبب حبها لعلوم الرياضيات ورفضها للزواج كانت تجيبهم بأنها متزوجة بالحقيقة، ويحكى أنها رفضت إعجاب أحد طلابها عن طريق إعطائه منديل أبيض ملطخة ببقع من دمها موضحة له أنه لا يوجد شيء جميل في الرغبات الجنسية.
الشيء الذي يوحي رفضها لإعجاب طالبها، كان محكوم بالسياق التاريخي الذي عاشت فيه، إنه سياق ارتبط بنشأة المسيحية التي كانت تنبذ الجنس والجسد وتنظر إلى المرأة كعورة، ففي شخصية هيباتيا جزء من التسامح الإغريقي بدعوتها إلى التعايش بين المؤمنين والملحدين، لكن المسيح حاصروا مكتبة الإسكندرية لأنها في نظرهم تدرس علوماً شيطانية.
تبادلت هيباتيا المراسلات مع تلميذها سينوسيوس القورينائي، الذي أصبح عام 410م، أسقف بتلومياس في ليبيا، وتعتبر هذه الرسائل مع كتابات دامسكيوس عنها المصادر الوحيدة المتبقية عن هيباتيا.
يتحدث المؤرخ الكنسي سقراط عن هيباتيا في كتابه “تاريخ الكنيسة”، قائلاً “كانت هناك امرأة في الإسكندرية تدعى هيباتيا، وهي ابنه الفيلسوف ثيون، كانت بارعة في تحصيل كل العلوم المعاصرة، مما جعلها تتفوق على كل الفلاسفة المعاصرين لها، حيث كانت تقدم تفسيراتها وشروحها الفلسفية، خاصة فلسفة أفلاطون لمريديها الذين قدموا من كل المناطق، بالإضافة إلى تواضعها الشديد لم تكن تهوى الظهور أمام العامة، رغم ذلك كانت تقف أمام قضاة المدينة وحكامها دون أن تفقد مسلكها المتواضع المهيب، الذي كان يميزها عن سواها، والذي اكسبها احترامهم وتقدير الجميع لها، كان والي المدينة ارستوس في مقدمة الذين كانوا يكنون لها عظيم الاحترام”.
ارتباط هيباتيا بمدرسة الإسكندرية
استقطب بطليموس الأول إلى مدينة الإسكندرية المصرية عدداً من المفكرين، وطلب من رجل البلاغة والسياسة “ديمتريوس فاليرويوس” تأسيس مكتبة، التي أصبحت فخر الإسكندرية، ومركز نادراً للعلوم الإنسانية مع تأسيس الموزيوم “بور سعيد” حالياً.
وأصبحت هذه المكتبة مركزاً يجتمع فيه كبار رجال الفكر والفلسفة والعلم، وتحول إلى ملتقى لكل الشباب الراغبين بالتحصيل الثقافي والفني، وارتبط اسم هيباتيا باسم مكتبة الإسكندرية.
وبلغ هذا المركز إلى أوج ازدهاره خلال فترة 100 سنة من تأسيسه، وبعد أن احتل الرومان مدينة الإسكندرية سنة 31 قبل الميلاد، وعزلوا البطالمة عن الحكم، خاب ذكر هذه المدرسة وقلت شهرتها.
ومع العهد الروماني أصبحت مهمة التعليم محصورة بالسكان الأصليين، أي مواطني الإسكندرية، الأمر الذي خفف أكثر فأكثر من شهرتها.
وفي سنة 273 ميلادية أمر الإمبراطور الروماني أورليانوس بهدم الجزء الذي كان للحكام، وتم هدم الموزيوم أيضاً، ولم يبق من هذا الصرح سوى المكتبة، وانسحب رجال العلم وأخذوا معهم كنوزهم الفكرية، من كتب ومراجع ونقلوها إلى صرح المكتبة.
ومع دخول المسيحية إلى العالم الروماني زاد حجم التغيير الثقافي، وتشعب ليطال أنماط جديدة من الطروحات الفلسفية والفكرية. وبقيت الإسكندرية مركزاً طبياً كبيراً ومرموقاً، وعوضاً عن الفلسفة توجهت الأبحاث العلمية نحو الرياضيات والطب.
التخصص
تخصصت هيباتيا في مجال الفلسفة الأفلاطونية المحدثة وعلم الفلك، حيث كانت تتبع المنهج الرياضي لأكاديمية أفلاطون في أثينا، وترتكز الأفلاطونية المحدثة على “الجوانب الروحية والكونية في الفكر الأفلاطوني مع مزجها بالديانتين المصرية واليهودية”، والذي مثلها الفلكي اليوناني إيودوكيوس الكنيدوسي، كما تأثرت بفكر أفلوطين الملقب بـ “الشيخ اليوناني”، الذي عاش في القرن الثالث الميلادي، وكان يفضل الدراسة المنطقية والرياضياتية بدلاً من المعرفة التجريبية، ويرى أن للقانون أفضلية على الطبيعة، وحياة العقل لأتباع أفلوطين كان الهدف منها الاتحاد مع الصوفية الإلهية.
ويعود الفضل لهيباتيا في ابتكار طريقة جديدة في الرياضيات لحساب المدة الزمنية المعروفة بـ “القسمة الستينية” التي تعد هذه القسمة أقرب إلى طريقة البابليين من طريقة أبيها، كما نقحت شروح أبيها في علم الفلك كتاب “المجسطي”، لبطليموس الأشهر في الفلك.
ويرى المؤرخ اليوناني سويداس أنها كتبت شروحاً عن أعمال أبوللونيوس وقوانين بطليموس الفلكية، لكنها فقدت وحرقت بموتها.
التدريب النحوي والتمرينات
بلغت هيباتيا مرحلة التدريب النحوي في بداية مراهقتها، الذي يرتكز على تمارين تساعدها في كيفية تصحيح القواعد النحوية، وتطوير مهارات التعبير البلاغي، وإجادة المحتوى الرئيسي لبعض الأعمال الأدبية الشهيرة التي تنتمي للعصور الوسطى.
كان لهذا التدريب أهمية مضاعفة نظراً لاختلاف اللغة اليونانية التي يستخدمها صفوة المصريين في الكتابة، فضلاً عن اللغة اليونانية المستخدمة التي يتحدث بها معظم الناس، فبعد مرور 700 عام على الفترة التي عاش فيها أفلاطون، وبينما ظلت اللغة اليونانية الأدبية إلى حد ما كما هي طوال تلك القرون، تطورت اللغة الشفهية بشكل ملحوظ، وكانت اللغة اليونانية تنطلق بلهجة مختلفة عما أصبحت عليه في القرن الرابع، مما جعل من الصعب على متحدثي اللغة اليونانية الرومانية الأواخر أن يستوعبوا الأوزان الشعرية اليونانية، لذلك فقد كان لابد من تعلم اللغة اليونانية الأدبية لمن كانت اليونانية لغتهم الأم مثل هيباتيا.
وكان التدريب النحوي بمثابة تمهيد لكيفية القراءة والكتابة، بالإضافة لغرضه الخفي، فقد كان المعلمون يصممون دروسهم بحيث يتم قراءة مجموعة من النصوص والتوقف عند كل مرة يتم فيها الإشارة إلى حدث أو شخصية مهمة لشرحها للطلاب، ومع تقدم هيباتيا في التدريب بدأت تعمل في التمرينات التي عرفت باسم “بروجيمناسماتا”.
ودفعتها تلك التمارين إلى تناول تفاصيل بعض القصص الشهيرة، والمقولات المؤثرة المنسوبة لشخصيات تاريخية مثل الفيلسوف اليوناني “ديوجانس الكلبي”، الذي يعتبر من أبرز ممثلي المدرسة الكلبية الأوائل، والكاتب والمعلم اليوناني “إبسقراط”، بالإضافة إلى تحديد الموضوعات باستخدام المهارات اللغوية التي كانت قد اكتسبتها مسبقاً، وقد ساعدتها هذه التمارين على تطوير مهاراتها في القراءة والكتابة.
تعليمها
تعلمت هيباتيا العلوم الرياضية على يد والدها، ونتيجة الاطلاع والخبرات توسعت لدى فكرها صوراً أخرى من الفلسفة بالمعنى الواسع والشامل، كما برعت في مجال اللغة والقواعد النحوية، مما برز تفوقها على والدها في هذه المجالات.
ولم يذكر اسم أي معلم تلقت التعاليم على يده سوى والدها، وهذا ما يثير الغموض حول طرق تلقيها العلوم التي ترجح في الأغلب أنها تلقتها المنزل، ففي القرن الرابع، كانت الحواجز بين فروع النحو والبلاغة والفلسفة، قد بدأت تتلاشى مقارنة بالفلسفة والرياضيات التي نالت بشكل خاص اهتمام كبير.
قضت هيباتيا فترة قصيرة في دراسة البلاغة، وانتقلت بعدها إلى علوم الرياضيات بعد دراسة اتجاهات كتاب “بروجيمناسماتا” “Prgymnasmata”، واستعراض باقي المسائل العلمية الأساسية مثل الكتابة الفعالة للخطابات.
كانت مدرسة ثيون تركز على الرياضيات عندما كانت هيباتيا تتلقى التعاليم فيها، وكان الفلاسفة يقومون بتدريس الرياضيات كمنهج تمهيدي بحيث يتم تهيئة التلاميذ لدراسة فلسفة أرسطو وأفلاطون، وتضمن تدريبها قراءة منهجية لمجموعة من النصوص الرياضية التي تم إعدادها صورة خاصة بحيث تسمح لها باكتساب وتطوير المهارات الرياضية الأكثر تعقيداً.
وانتقلت هيباتيا من كونها طالبة تدرس العلوم الرياضية في مدرسة والدها، إلى أن أصبحت أحد زملائه.
أعمالها
كانت معظم أعمال هيباتيا مشتركة مع والدها الفيلسوف ثيون ألكنسدروس نتيجة ندرة وجود أعمال أنثوية منفردة للنساء في العصور القديمة، ومن مساهماتها في مجال العلوم أنها رسمت مواقع للأجرام السماوية، واخترعت مقياس ثقل السائل النوعي المستخدم في قياس كثافة ولزوجة السوائل، وقد قال تلميذها سنيوسيوس أنها صنعت أيضاً نوع من آلات الاسطرلاب.
وتضمنت أعمال هيباتيا تعليقات على كتاب “أريثميتيكا” من تأليف ديوفانتوس، وفي إحدى المسائل الرياضية التي طرحتها على طلابها طلبت منهم إيجاد حل وهو رقم صحيح للزوج التالي من المعادلات: س ـ ص = أ، س2 ـ ص2 =(س ـ ص) + ب، إذا كان أ و ب معروفين، أوجد قيمة س، و ص، و أ، و ب لجعل كلتي المعادلتين صحيحتان.
سبب تهديدها
كانت هيباتيا تمتاز بميزات تجعلها متفوقة وبارعة في مجالاتها، مما زاد محبتها بين الناس، وإقبال الطلبة عليها، هذه المحبة ونجاح منهجها سبباً لتحقير رئيس أساقفة الإسكندرية، مما اطلق عليها لقب “ساحرة”.
ولأن الكنيسة مرجع الدولة الرومانية التي تدين بالنصرانية، وتعمل على قطع كل مظاهر العلم والثقافة ومطاردة العلماء، حاولوا توقيف هيباتيا بعد نجاحها، كما بدأ التخطيط لإسكاتها.
رجمها حتى الموت
كانت هيباتيا تعتبر نفسها محدثة أفلاطونية، ووثنية من أتباع فيثاغورس، وكان التفاف المثقفين حولها يسبب حرجاً حول الكنيسة المسيحية وراعيها الأسقف كيرلس الأول الملقب بـ “عمود الدين”.
ويقول عالم المنطق والمؤرخ البريطاني برتراند رسل أن القديس كيرلس كان غيوراً على الدين غيرة فيها هوس التعصب، فاستخدم منصبه في إثارة المذابح ضد الجالية اليهودية في الإسكندرية، وأشهر ما كتب عنه هو محاكمته ومعاقبته لـ “هيباتيا” غير مستند إلى قانون.
واعتبر المسيحيون المنافسون لفلسفة هيباتيا أقوالها الأفلاطونية حول طبيعة الإله والحياة الأخرى كفراً، بالإضافة إلى عدم التزامها بمبادئ الدين المسيحي، وصداقتها المتينة للوالي أوريستوس الذي كان على خلاف سياسي مع أسقف الإسكندرية كيرلس الأول، حيث بدأت أعداد متلقي تعاليمها تزداد بصورة لافتة للأنظار، مما زاد من مخاوف كيرلس.
ودخل الأسقف في صراع مع اليهود الموجودين بمدينة الإسكندرية لإخراجهم منها، وشكلوا ما يمكن تسميته بـ “جيش الكنيسة”، ولم يكن باستطاعة الوالي التصدي لهذا الصراع، بل وتعرض للإهانة والقذف بالحجارة، تأزمت العلاقات بين المسيحين والوالي أوريستوس المسيحي بسبب علاقته وصداقته مع هيباتيا التي أثرت عليه، ولا سبيل للخلاص من هذه الصراعات إلا بالخلاص منها.
وفي شهر مارس/آذار عام 415، بعد خطبة نارية ألقاها كيرلس على جمع غفير من الناس في الكنيسة المرقسية، كان يحرضهم فيها على الفلاسفة ويصفهم بالكفار والمهرطقين، فشكلت جماعة متشددة قذفت الوالي الروماني ارستوس بالحجارة، وخرجت جموع الناس المسيحية بالركض نحو قاعة الدرس التي كانت هيباتيا تلقي فيها محاضراتها في الفلسفة، وعند خروجها من القاعة لبيتها بعد إحدى الندوات، قامت هذه الجموع بنزع هيباتيا لملابسها وجرها من شعرها عارية مكبلة اليدين بحبل، ليتسنى لهم سلخ جلدها والقيام بتعذيبها، كما قاموا برمي أصداف الحجارة عليها إلى أن غدت جثة دامية، وهم يرددون “باسم الرب سنسحق الكافرين، باسم الرب سنقتل المهرطقين أعداء الله والمسيح”.
وأشعلوا بها النار ملقين عليها تهمة الزندقة والكفر، وأحرقوها لإخفاء معالمها وجثمانها، وطمس مؤلفاتها ومخطوطاتها التي طالما سعت لتحقيق النظريات وبيان صحتها.
نهاية تاريخها
بعد أن قام المتطرفون بقتل هيباتيا وتقطيعها، جمعوا أعمالها ومخطوطاتها العلمية الخاصة بها، وقاموا بحرقها، كما حاولوا محو اسمها من التاريخ بالكامل دون ذكرها، كما كانت تُفرض عقوبة الموت بتهمة “الوثنية والإلحاد” على كل من يلفظ اسم هيباتيا.
وكان موت هيباتيا نهاية لقرون من التقدم اليوناني في مجال الرياضيات، والمعروف بعصر التنور الفكري والتقدم المعرفي الذي شهدته مدينة الإسكندرية لمدة 750 عاماً، حيث قام العديد من العلماء بترك المدينة والانتقال إلى أثينا.
ترى العالمة كاثلين وايلدر أن مقتل هيباتيا يُعدُّ نهاية للعصر الكلاسيكي القديم، كما لاحظ الناقد الإنكليزي ستيفن غرينبلات أن مقتلها أثر بشدة في انحدار الحياة الفكرية السكندرية، وعلى النقيض يرى المؤرخان الفرنسيان كريستيان فيلدبرغ وماريا زيليسكا أن الفلسفة الهلنستية ظلت في حالة متألقة خلال القرنين الخامس والسادس حتى عهد الإمبراطور الروماني البيزنطي جستينيان الأول.
أشهر أقوالها
وبحسب الدراسة التي أعدها الكاتب والباحث “مكاريوس جبور” من مكتبة الكتب المسيحية، حول التعاليم التي درستها هيباتيا، كان أشهر ما قالته هيباتيا عن الحقيقة أن “الحياة عبارة عن حالة من التكشف، وكلما سافرنا ازدادت الحقيقة التي يمكننا فهمها، من أجل فهم الأشياء الموجودة أمامنا، الأفضل أن نفهم تلك التي تكمن ورائها”.
وقد تحدثت عن الأساطير والخرافات والمعجزات بقولها “يجب أن تدرس الخرافات كخرافات والأساطير كأساطير والمعجزات كأوهام شعرية، أن تعلم الخرافات على أنها حقائق هو أمر فظيع، إن عقل الطفل سيقبل بها ويصدقها، ومن خلال الألم الشديد فقط وربما المأساة، سيتمكن بعد سنين من أن يعفي منها”.
ورفضت قبول الأديان للإنسان العاقل الذي يحترم نفسه بقولها “إن جميع الأديان العقائدية والرسمية خادعة ويجب عدم قبولها نهائياً من قبل الأشخاص الذين يحترمون أنفسهم”.
وفرقت هيباتيا بين الحقيقة والوهم “الخرافة” بقولها “في الواقع، سيقاتل الرجال من أجل الخرافات بنفس السرعة التي يقومون بها في القتال من أجل الحقائق الحية، وأحياناً أكثر لأن الخرافات غير ملموسة، ولا يمكنك الوصول إليها لدحضها أما الحقيقة فهي وجهة ويمكن تغييرها”.
دعت هيباتيا الإنسان بالتفكير دوماً بقولها “احفظ حقك في التفكير، حتى ولو كان التفكير بشكل خاطئ، فهو أفضل من عدم التفكير على الإطلاق”.
النسخ الخاصة بهيباتيا والأثر الذي خلفته
قام المسيحون المتمردون بمهاجمة مباني الجامعة العظيمة، وتخريب المكتبة، وحرق عدد كبير من الكتب التي كانت أغلب تلك النسخ خاصة بهيباتيا وثيون منها كتاب “الأصول” لإقليدس، وتعليقات هيباتيا على كل من كتاب “أريثميتيكا” لديوفانتوس، وكتاب “الجداول” “Handy Tables” لبطليموس، وكتاب بليناس “القطع المخروطي” “Conics”، لم يتم الحفاظ عليها إلا من خلال النسخ التي جلبها العلماء إلى مدن الشرق الأدنى حيث تمت ترجمتها إلى العربية، أما الكتابات الفلسفية فقد فقدت إلى الأبد.
ونتيجة فكر الفيلسوفة هيباتيا الأفلاطوني، ومصرعها بطريقة خارجة عن الأخلاق، نقل المؤرخون والكتاب قصتها على مدار القرون، حيث ذكرت النصوص التاريخية من القرن الخامس والسابع والعاشر قصة حياتها ومساهمتها في علوم الرياضيات والفلسفة، وطريقة موتها البشعة على يد المتطرفين في الديانة المسيحية.
وفي عام 1851م، قام الروائي الإنجليزي تشارلز كينجسلي بتحويل قصة حياة ومقتل هيباتيا إلى عمل درامي في كتابه “هيباتيا”، كما وصف ألبرت هابرت” في كتابه “رحلات إلى بيوت معلمين عظام” السيرة الذاتية لهيباتيا، الذي تم نشره عام 1908م.
وأسس علماء العصر الحديث مجلة “هيباتيا” للنشر، تم نشر الأوراق العلمية الخاصة بالنساء، كما تناولت الدراسات الفلسفية ودراسات المرأة.