📌الجذاذة: قول ثان:
⚘لنتفق قبل البدء:⚘
———————
هذا المقال ليس حديثا في الحلال والحرام.. ولا في الجائز والممنوع.. بل هو خطأ أو شيء قريب من الصواب..!
دأب كثير من المشتغلين في مجال التربية والتكوين على تشبيه الوثائق التربوية للأستاذ بوثائق السيارة التي لا يمكن تصور القيادة بدونها.. هذا التشبيه يستضمر – عند كثيرين للأسف الشديد جِدا أو مزاحا- نظرة منزعجة من هذه الوثائق، ومتوجسة ممن يطلبها للمراقبة..
نحن ننسحب بهذا التشبيه خارج الممارسة التربوية، لنلج عالم الرقابة الزجرية المترصدة للمخالفة وما تقتضيه من عقوبة.
ولا يخفى أن نصيب الجذاذة من هذا الموقف المتوجس/ المنزعج من الوثائق التربوية كبير وافر.. لأنها الوثيقة التي تستهلك معظم الجهد والوقت في الإعداد، وتستنفر أكثر الأسئلة حول العائد والجدوى في التوظيف.
✍** 1** إلماعات نظرية:
📌1- المفهوم:
الجذاذة: هي وثيقة / دليل مادي ملموس يعكس اشتغال المدرس بعمليات تخطيطية منظمة بهدف إعداد أنشطة الدرس المزمع إنجازه، وفق مكونات وعناصر محددة تغطي تدخلات الفاعليْن الأساسييْن (المدرس والمتعلم) وأعمالَ كل منهما لبلوغ غاية تعليمية/ تعلمية محددة.
📌2- الضوابط:
هذا الإعداد / التخطيط – ليحقق غايته المفترضة- ينبغي أن يكون منسجا وجملة شروط وضوابط، منها:
⚘· التوجيهات والبرامج: المؤطرة لعملية تدريس مادة معينة ضمن سلك / شعبة/ مسلك.. محدد.
⚘· الوضعية البيداغوجية التي يستهدفها هذا التخطيط حماية لعمل المدرس من الانحراف الواعي أو العفوي.. ( وضعية بناء – وضعية تقويم- وضعية دعم…)
⚘· مراعاة الإيقاعات المتفاوتة لجماعة الفصل، أملا في تفريد المسارات التعلمية ليحظى كل متعلم بفرصته كاملة في بناء تعلماته.. تفاديا للخسائر التي تتراكم على جنبات الدرس لتتحول إلى إعاقة مزمنة.
📌3- الأبعاد:
وكل جذاذة يعدها المدرس فهي تكشف قدراته على تمثل وتفعيل الأبعاد الآتية:
⚘· بعد معرفي يشي بمدى تمكنه من المادة المعرفية (التكوين الأساس) التي يسعى إلى إقدار متعلميه على إدراكها.
⚘· بعد منهجي: يُرى في الخطاطة الديداكتيكية التي يهتدي المدرس بخطواتها في الإنجاز.
⚘· بعد تربوي أخلاقي: يؤكد الأستاذ من خلاله على يقظة ضميره المهني الذي يدفعه إلى التحضير الواعي، والتخطيط القاصد عوض الانسياق وراء العشوائية والعبث.
⚘· بعد تعاقدي بين المدرس والمتعلم: يتبادل فيه الطرفان احترام بنوده بالإعداد الجيد للحصة المشتركة بينهما.. كل من موقعه، وبحسب دوره..
⚘· بعد قانوني: إذ يعتبر التخطيط والتوثيق التربويين من واجبات المدرس المؤطرة بعدد من الموجهات والنصوص القانونية، منها:
- المذكرة 255 بتاري 23/12/81
- المذكرة 85 بتاريخ 9 مارس 1981
- المذكرة 86 بتاريخ 29 ماي 1986
- المذكرة 14 بسنة 1993
📌4- المواصفات:
الوعي بالقضايا السابقة يوجه المدرس حتما إلى الاشتغال على جذاذة تستجيب لجملة من المواصفات والخصائص:
⚘· مواصفات بيداغوجية: تعكس الاختيار البيداغوجي المعول عليه في بناء التعلمات.. ومما يلاحظ في السياق التخطيطي الحاضر: ارتهان الجذاذات للمداخل البيداغوجية السابقة (المحتويات – الأهداف)، مع ضعف واضح في تجسيد مدخل الكفايات على مفاصلها ومحتوياتها..
⚘· مواصفات منهجية: تجعل العمل التخطيطي مستجيبا لخصوصية اللحظة التدريسية، متفاعلا مع فسيفساء الجماعة المتعلمة.. فالجذاذة ينبغي أن تظهر عليها معالم منهجية كالوظيفية والتدرج والمرونة والتكامل.. عوض الاحتفاء المتورم بالمضامين والمحتويات..
⚘· مواصفات شكلية: لا تعني تنميط الأشكال، ونسخ النماذج والعكوف المستمر على الهياكل القديمة.. بقدر ما تصبو بالاجتهادات الشخصية للمدرسين إلى إخراج الجذاذة وفق معايير فنية وجمالية تنسجم والغايات التربوية في هذا السياق.
✍** 2** أسئلة الواقع:
مع هذه الإلماعات النظرية الموجزة أسناد فلسفية وتربوية يستند إليها المدرس هو بصدد بناء جذاذته لتحصينها من مزالق الخل.. غير أن مشاكل الجذاذة لم تكن في معظمها مرتبطة بهذا البسط النظري، بقدر ما يقع الاشتباك المتجدد بينها وبين الممارسة الصفية داخل فصول الدراسة.. مما يجعل الاجتهاد في ردم الهوة وتجسير المسافة بين المرجعيات النظرية والواقع العملي أمرا مطلوبا بحيوية وراهنية.
📌1- سؤال التمثلات:
تحاصر الجذاذةَ وفعاليتَها مجموعةٌ من التمثلات السلبية التي يتقاسمها التربويون بصور متقاربة..
⚘· عند فريق واسع: هي وثيقة يمكن تصنيفها ضمن الفائض عن الحاجة، أو هي الترف الذي لا عمل تحته.. فيكفي أن يجمع المدرس شتاتَ درسه في خريطة ذهنية واضحة تترسخ مع التكرار والإعادة، ليشعر باستغنائه الكلي عن الجذاذة.. ويصبح الحديثُ عن دورها ووظيفيتها لغوا لا يُلتفت إليه.
⚘· عند فريق أوسع: لا تعدو أن تكون وثيقة رسمية للمراقبة فقط.. إنها وثيقة معدة للمراقب التربوي، وليس للمتعلم ابتداء ولا انتهاء.. ووفق هذا التمثل يمكن ذر الرماد في عين هذا المراقب ” بما تيسر”..
⚘· عند فئة محدودة: هي وثيقة مهمة ومفيدة، ويمكن تجشم عناء إعدادها.. خاصة في السنوات الأولى من الالتحاق بالمهنة.. لكن هذا الفريق يعاني الأمرين في ما يخص الاستمرار على هذه القناعة، وتجديد العدة الوثيقية في كل موسم دراسي.. لذلك يخبو صوت هذا الفريق مع توالي سنوات العمل.. ويركن إلى ملف جاهز متكامل تواجه به السنوات الموالية.
في الضفة الأخرى، فإن عددا من أطر الإدارة والتأطير قد يغالون في تقدير هذه الوثيقة، ويعتبرونها الفيصل بين الجد والتهاون.. ولربما غفلوا عن مظاهر خلل أكبر تعصف بعناصر جوهرية في الإنجاز الصفي.. ليتضخم في تقويمهم جانب الوثائق على حساب مجموعة من عناصر الإنجاز الأخرى..
📌2- سؤال الممارسة:
من صلب هذه التمثلات تتولد مجموعة من ردود أفعال نحو هذه الوثيقة:
⚘· بشكل واسع تمت الاستعاضة عنها عند عدد كبير من التربويين بملخصات الدروس التي تقتصر على المحتويات دون بقية المفاصل الحيوية الأخرى للجذاذة.
⚘· تدوير عدد هائل من الجذاذات المتدفقة على شبكة الأنترنيت.. حيث ينتفي الحرج من تبنيها وملء ملف الجذاذات بها ترقبا لأي طارئ مراقب.. ولا بأس في بعض الأحيان من إدخال تعديلات التبني على رأسية الوثيقة.
وقد أُحدثت لهذه الغاية مجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي بأسماء المقررات والكتب المدرسية، والمستويات المختلفة.. فيجد فيها كل باحث ضالته وبغيته..
⚘· والحل الثالث عند فئة أخرى هو تجاهل هذه الوثيقة كليا، ومواجهة من يطالب بها من هيئة الإدارة أو التأطير والمراقبة بالاعتذار عن إعدادها، أو بسرديات طويلة عن عدم جدواها..
أمام هذه التمثلات الذهنية والممارسات العملية التي أضحت معها الجذاذة بلا معنى ولا فائدة، يتحتم التفكير والعمل لإبداع صيغ جديدة لهذا الإعداد المادي، ليستعيد التخطيط وظيفته البيداغوجية، ومفعوله التربوي.
✍3- ورشة عمل: حلول أولية:
في انتظار عمل تجديدي مؤسسي يروم إعادة النظر في هذه الوثيقة البيداغوجية، ويجند الباحثين والممارسين التربويين لبناء صيغ تخطيطية ذات عائد مرتفع.. فإننا في المنطقة التربوية “القلعة” بمديرية قلعة السراغنة عزمنا على الاشتغال على مفصلين حيويين من هذا الورش، أملا في لفت الانتباه إلى راهنية وأهمية هذا الجانب من الممارسة الصفية للمدرسين.
📌1- المفصل الكمي: حيث نروم توفير حزمة كبيرة من هذه الجذاذات، تعين المدرس على الاشتغال بطمأنينة نفسية تدفع عنه الحرج عند انعدامها، واستعداد ديداكتيكي مناسب يسترشد بها.
📌2- المفصل النوعي: ببث روح التجديد في بناء الجذاذة.. ولو بملامح بسيطة تفتح المجال أمام الراغبين في اقتحام هذا التحدي..
بهذين المحورين، سعينا إلى بناء بنك من الجذاذات التربوية لفائدة أساتذة اللغة العربية بالسلكين الإعدادي والتأهيلي، من خلال الخطوات الآتية:
📌1- التأسيس لهذا الجهد التوثيقي بأسناد نظرية تم فيها التأكيد على حيوية الكفايات التخطيطية والتوثيقية في عمل المدرسين.. وتعبئة مواردهم العلمية والعملية لإرساء خلفيات نظرية وتربوية وقانونية محكمة تستهدف تحصين الجذاذة من مظاهر الانحراف المذكورة سابقا.
📌2- الاهتداء بجملة من المواصفات البيداغوجية للجذاذات المزمع بناؤها، مع التركيز على جدتها وأصالتها ووظيفيتها واستجابتها قدر الإمكان لمدخل الكفايات.. مع الانتباه إلى المقومات المنهجية التي تضمن استعمالها وتقوم مردوديتها.
📌3- تكوين فرق عمل على شكل ورشات، اشتغلت على توزيع الجذاذات، وفق توافق يراعي جملة من العناصر التقنية منها: إنجاز جذاذات المستوى المدرَس، التنوع بين الشعب والأسلاك، المحدودية في العدد المسند، زمن الإنجاز، تغطية كافة المستويات والمكونات..
📌4- تجميع الجذاذات المنجزة وتنسيقها في ملفات جامعة يتم تقاسمها بين جميع المدرسين في المنطقة..
إن هذه الجهد التربوي – إلى جانب الهدفين الكبيرين أعلاه- يستهدف أيضا:
⚘· تقريب وجهات الاشتغال بين المدرسين بالمنطقة، بما يحمي عملنا من الشرود والتناقض على مستوى إعداد هذه الوثيقة.. خاصة ما يرتبط بمعالمها الحيوية الكبرى.
⚘· ترسيخ ثقافة العمل الجماعي التعاوني عوض الاكتفاء بمحاورة الذات في أحقاق مغلقة..
⚘· ترسيخ فكر التشارك والتقاسم بين السادة الأساتذة، بما يحفزنا على مواجهة إشكالات أخرى..
وفي الوقت نفسه فإن عملا بهذا الشكل لا يعني تنميط الأداءات الصفية التي يُفترض فيها حتما التنوع والغنى، والاستجابة لخصوصيات السياق المختلفة.. ولا يغلق الباب أمام اجتهادات السادة الأساتذة لمزيد تطوير هذه الوثيقة.. استعدادا ليوم قريب ينفتح فيه هذا الورش البيداغوجي وطنيا لنرتقي به إلى رف قضايا الإصلاح في منجزنا التعليمي داخل المدرسة المغربية.
محمد شهبون
مفتش تربوي بمديرية قلعة السراغنة⚘⚘⚘