ا تخفى مكانة أبي يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي (حوالي 018-325 ه/080/087م) في تاريخ الفلسفة والعلوم بشكل عامّ، وفي الفلسفة الإسلاميّة بشكل خاصّ. اشتهر بوصفه أوّل فلاسفة الإسلام وأحد كبار المفكّرين في العصر الوسيط؛ استفاد منه الناطقون بالعربيّة من المعاصرين واللاحقين كما استفاد منه الغربيّون من خلال أعماله التي ترجمت إلى اللاتينيّة. غير أنّ البحث في إنتاجه، كما في اللحظة التاريخيّة التي عاش فيها، ما زال في بدايته على ما يبدو؛ فعلاوة على ضياع جلّ إنتاجه العلميّ والفلسفيّ، فإنّ النزر القليل من رسائله التي احتفظ بها، لم تحظ بما تستحقّه من الدرس والتحليل. ولم يكن نصيب فيلسوف العرب من البحث أبدا مثل نصيب فلاسفة مسلمين آخرين جاءوا بعده، بل إنّه لم يحظ باعتراف هؤلاء الفلاسفة أنفسهم وهو أمر ربّما ساهم بدوره في حجب لحظة الكندي وتوجيه الأنظار عنه.
صحيح أنّه منذ القرن الماضي، وبالضبط منذ أن نشر عبد الهادي أبوريدة رسائل الكندي الفلسفيّة عام 1950، أنجزت دراسات مهمّة، ومنها أعمال رتشارد فالزر، جيرهارد أندرس، جون جوليفيه، بيتر أدمسن وغيرها، ساهمت في رفع الحجاب عن كثير من القضايا التي كانت غامضة حول حياة الكندي ومؤلّفاته ومحيطه وتلامذته، إذ صرنا نعرف أكثر حول ما صار يسمّى بحلقة الكندي، وصرنا نعرف أكثر عن المترجمين والعناوين التي ترجمت في عصره. مع ذلك، فإنّ كثيرا من جوانب حياته ومتنه ومحيطه وأساتذته وتلامذته وحول قيمة مساهمته العلميّة والفلسفيّة ولحظته التاريخيّة لا زالت تحتاج إلى تسليط مزيد من الضوء.
والأخلاق اصطلاحًا:
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤《
(حالة نفسية تترجم بالأفعال)، أي أن الأخلاق، لها جانبان؛ (جانب نفسي باطني، وجانب سلوكي ظاهري)[2] فالسجايا هي الطباع. والسلوك هو الفعل المترجم لهذه الطباع.
ولموضوع الأخلاق ثلاثة اتجاهات:
♦ الأخلاق في نظر فلاسفة اليونان.
♦ الأخلاق في نظر فلاسفة الغرب.
♦ الأخلاق في نظر الفلاسفة المسلمين
أولاً: الأخلاق في نظر الفلاسفة اليونان.
مذهب المنفعة الفردية:
لقد أكثر الفلاسفة اليونان من محاوراتهم الفلسفية في موضوع الأخلاق، ومن أشهر فلاسفتهم سقراط، عاش بين القرن الخامس والرابع ق. م. (نحو 470 – 399) وهو فيلسوف يوناني ولد في أثينا، وعلَّم فيها فأحدث ثورة في الفلسفة بأسلوبه وفكره، أسس علم الأخلاق، كان تعليمه شفهياً عن طريق السؤال والجواب)[3].
ومفهوم المنفعة الفردية أن هذا المذهب (دعا إلى اللذة الحسية الفردية العاجلة، وقال: إن على المرء أن يستعجلها لأن تأخيرها يثير في النفس البؤس والشقاء والحرمان، وإن السلوك الذي يحقق هذه السعادة القائمة على تلك اللذات هو سلوك أخلاقي، والمبادئ السلوكية التي تحققها هي مبادئ أخلاقية)[4].
ثانياً: الأخلاق في نظر فلاسفة الغرب:
ويسمى: مذهب المنفعة العامة:
في العصر الحديث، ظهر في أوربا مذهب يدعو إلى المنفعة العامة، من هؤلاء الفلاسفة، بنتام وجون ستيوارت مل وغيرهما قالوا: إن على الإنسان أن ينشد منفعة البشر عامة، حتى الحيوانات، وتقاس أخلاقية الفعل بنتائجها، لا ببواعثها، والجزاء، هو العامل الوحيد لفعل الخير، وتجنب الشر.
وفي أوربا فلاسفة رأوا في الإنسان عاطفة إنسانية نبيلة من هؤلاء، جان جاك روسو، الذي كان يرى، أن الطبيعة الإنسانية خيِّرة، ولكن المدنية هي التي تفسد هذه الطبيعة، ويقول أيضاً: يخرج كل شيء من يد الخالق صالحًا، وكل شيء في يد البشر يلحقه الاضمحلال. ويقول فولتير، وما هذا القانون الطبيعي، إلا القانون الأخلاقي الذي أودع الله في غريزة جبلتنا محبته والتقيد به والحفاظ عليه)[5].
ثالثاُ: الأخلاق في نظر الفلاسفة المسلمين:
وهي اتجاهات ثلاثة:
1- الاتجاه العقلي.
2- الاتجاه الروحي.
3- الجمع بين الاتجاهين السابقين.
الاتجاه العقلي:
ويمثله الفلاسفة المسلمون كالفارابي وهو (من أعظم فلاسفة العرب ت 950، ولد في فاراب (تركستان) وتوفي في دمشق، أقام في حلب في بلاط سيف الدولة الحمداني لقب (بالمعلم الثاني) بعد أرسطو.
وأحمد بن مسكويه، توفي (1030) مفكر وأديب، انصرف إلى الفلسفة والطب والكيمياء، كان نفوذه عظيمًا في البلاط البويهي، له كتاب (تهذيب الأخلاق) يقول فيه: الفضيلة وسط بين رذيلتين؛ الشجاعة وسط بين الجبن والتهور، والكرم وسط بين البخل والتبذير..
وابن سينا (أبو علي 980 – 1037) عُرف بالشيخ الرئيس ابن سينا، ولد في أفشنة قرب بخارى، وتوفي في همذان، فيلسوف من كبار فلاسفة العرب وأطبائهم، تعمق في درس فلسفة أرسطو.
وابن رشد وهو (أبو الوليد محمد بن أحمد، 1126 – 1198 فيلسوف عربي، ولد في مراكش، درس الكلام والفقه والشعر والطب والرياضيات والفلك والفلسفة، سماه الغرب (الشارح) نظراً إلى شروحه الكثيرة والممتازة لأرسطو، حاول التوفيق بين الشريعة والفلسفة، كما دافع عن الفلسفة ضد الغزالي في كتاب (تهافت التهافت)[6].
والفيلسوف ابويوسف يعقوب الكندي وهو موضوع البحث
والطابع العام في الاتجاه العقلي في الفلسفة الإسلامية، هو: تفسير المبادئ الأخلاقية بالعقل، وأن تُجعل غايتها غاية عقلية ثابتة، ومقياسها الأسمى، العقل، ثم حصر الفضائل الأخلاقية وأساس الفضيلة، هو التصرف بمقتضى العقل.
لقد قدم هؤلاء الفلاسفة، العقل على النقل.
☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆
الاتجاه الثاني:
يمثله المتصوفون، وتتبلور الأخلاق في الاتجاه الصوفي فيما يلي:
1- الاهتمام الزائد بإصلاح الباطن ويقوم على:
أ- معرفة النفس ونوازعها ورغباتها، ووصف خلجاتها وخطرات القلب، والصراع النفسي وأهوال هذا الصراع.
ب- تطهير القلب، وتصفية الروح من الرذائل، عن طريق المجاهدات والزهد.
جـ- التحلي بالفضائل والمكارم الأخلاقية.
2- التفاني بالإخلاص لله في جميع الأعمال.
3- إيثار الزهد في الدنيا، والتقشف في الحياة.
ومن أئمة التصوف،(الجنيد بن محمد ت 297 هـ / 910 م صوفي وزاهد بغدادي ولد وتوفي ببغداد، تلقى العلوم الفقهية على سفيان الثوري، والعلوم الصوفية على خاله السري سقطي، سيد الطريقة الصوفية، حج ثلاثين حجة ماشياً)[7].
◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇
أما الاتجاه الثالث، وهو:
الجمع بين الاتجاهين السابقين؛ العقلي والروحي، فيمثله الإمام الغزالي (أبو حامد محمد ت 505 هـ،1111م متكلم، لقب بحجة الإسلام، ولد بالقرب من طوس بخراسان، نشأ أولاً نشأة صوفية، ثم انصرف إلى دراسة الفقه والكلام والفلسفة وكتب (تهافت الفلاسفة) ويعني العنوان: خطأ الفلاسفة الفادح. وفي هذا الكتاب كفر الفلاسفة، أو بدَّعهم. وسبب نقد الغزالي للفلاسفة؛ أنهم قدموا العقل على النقل. وهو التشريع.
مفهوم علم الأخلاق:
◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇
علم الأخلاق الإسلامية: هو علم الخير والشر، والحسن والقبيح.
ويطلق هذا التعريف، على مجموعة الأفكار والأحكام والعواطف والعادات، كما يطلق على العلم الذي يدرس هذه الظواهر وعلى تطبيقات هذا العلم.
فالأخلاق جوهر الإسلام وروحه السارية في جميع جوانبه وقد قصر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أهداف رسالته عليه في قوله (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) وقد قال ابن خلدون في مقدمته (الظلم مؤذن بخراب العمران)، فبقاء الأمم ببقاء أخلاقها.
ولهذا قال شاعر النيل حافظ إبراهيم يرحمه الله تعالى:
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإنْ همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا
إذًا، فهدف الإسلام، هدف أخلاقي وقد قال الله تعالى في حقه – صلى الله عليه وسلم – ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4
الأخلاق في جانب العقيدة: دليلها: قوله – صلى الله عليه وسلم -: (أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم أخلاقًا)[.
والأخلاق في تربية الضمير: دليلها: قول الله تعالى: ﴿ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [العنكبوت: 45].
والأخلاق في الجانب الاجتماعي دليلها: الحديث الشريف: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).
وقد ذكر للرسول – صلى الله عليه وسلم – أن فلانة تكثر من صلاتها وصدقتها وصيامها غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها فقال (هي في النار).
وقد بيَّن الإسلام،أن الأخلاق تشمل غير الإنسان؛ فقد بين رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن امرأة دخلت النار في هرة حبستها، لا هي أطعمتها وسقتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض.فجوهر الإسلام، تحقيق الخير وتجنب الشر.
ب – التفريق بين علم الأخلاق وبين غيره من العلوم المشابهة له كالآداب والحقوق الخاصة..
ومعرفة أسبابه تكفل لنا في نظر الكندي بلوغ الطرق التي تمكّننا من الشفاء منه ودفعه، هذا إضافة إلى أنّ هذه التحديدات ترسم الخطوط الفاصلة بين الحالات التي يُعذر فيها الحزن والحالات التي يكون فيها الحزن دلالة جهل بطبيعة الأشياء الحقيقيّة. ذلك أنّ فقدان النفس لما اقتنته من خيرات نفسانيّة هو ما يكون لنا العذر في الحزن عليه، أمّا المقتنيات التي يشارك فيها الإنسان غيره من الناس فلا عذر له في الحزن على فقدانها، لأنّ الإنسان ليس أحقّ ببقائها عنده من غيره بفقدانها. إنّ المتأمّل في هذه الرسالة يتبيّن على سبيل الذكر لا الحصر أنّ الموت الذي يُظنّ أردأ الأشياء وأكثرها حزنا، فإنّه في حقيقة الأمر ليس كذلك، إذ بؤكّد الكندي أنّ الموت ليس رديء بذاته بما هو تمام الطباع. لن نقتصر في هذه المداخلة على تبيّن أهمّ دلالات الأحزان عند الكندي وكيفيّة دفعها وبالتالي تحصيل السعادة، بل سنحاول البحث في تطورات نظريّة الكندي لدى بعض اللاّحقين لاسيما في رسالة في دفع الغمّ عن الموت المنسوبة إلى ابن سينا، عاملين في الوقت نفسه على تبيّن أثر الكندي في الفلسفة اللاّحقة، إذ يعدّ الموت عند ابن سينا دلالة عناية ربّانيّة، لولاه لساءت أحوال الناس. ولمّا كان الموت بهذا المعنى خير، فإنّ الأسباب المؤديّة إليه تعدّ كذلك خير.
الاخلاق عند الفيلسوف الكندي رحمه الله
.
.
.
◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇
نظريّة الكندي في دفع الأحزان وتطوّراتها اللاّحقين
لا يخلو الجانب الأخلاقي في فلسفة الكندي من أهميّة بالغة تمكّن الإنسان من بلوغ اللذّة الحقيقيّة وتحصيل السعادة، المتمثّلة أساسا في بلوغ النفس لكمالها. وفي هذا السياق سنركّز أساسا على تحديد معاني الحزن بما هو ألم نفسي يعرض « لفقد محبوب أو لفوت مطلوب » كما يقول الكندي في رسالة في الحيلة لدفع الأحزان. إنّ تحديد الحزن ومعرفة أسبابه تكفل لنا في نظر الكندي بلوغ الطرق التي تمكّننا من الشفاء منه ودفعه، هذا إضافة إلى أنّ هذه التحديدات ترسم الخطوط الفاصلة بين الحالات التي يُعذر فيها الحزن والحالات التي يكون فيها الحزن دلالة جهل بطبيعة الأشياء الحقيقيّة. ذلك أنّ فقدان النفس لما اقتنته من خيرات نفسانيّة هو ما يكون لنا العذر في الحزن عليه، أمّا المقتنيات التي يشارك فيها الإنسان غيره من الناس فلا عذر له في الحزن على فقدانها، لأنّ الإنسان ليس أحقّ ببقائها عنده من غيره بفقدانها. إنّ المتأمّل في هذه الرسالة يتبيّن على سبيل الذكر لا الحصر أنّ الموت الذي يُظنّ أردأ الأشياء وأكثرها حزنا، فإنّه في حقيقة الأمر ليس كذلك، إذ بؤكّد الكندي أنّ الموت ليس رديء بذاته بما هو تمام الطباع. لن نقتصر في هذه المداخلة على تبيّن أهمّ دلالات الأحزان عند الكندي وكيفيّة دفعها وبالتالي تحصيل السعادة، بل سنحاول البحث في تطورات نظريّة الكندي لدى بعض اللاّحقين لاسيما في رسالة في دفع الغمّ عن الموت المنسوبة إلى ابن سينا، عاملين في الوقت نفسه على تبيّن أثر الكندي في الفلسفة اللاّحقة، إذ يعدّ الموت عند ابن سينا دلالة عناية ربّانيّة، لولاه لساءت أحوال الناس. ولمّا كان الموت بهذا المعنى خير، فإنّ الأسباب المؤديّة إليه تعدّ كذلك خير