مارتن هايدغر (بالألمانية: Martin Heidegger) (20 سبتمبر – 26 مايو 1976) فيلسُوف أَلَمَّانِي. ولد جنوب ألمانيا، درس في جامعة فرايبورغ تحت إشراف إدموند هوسرل مؤسس الظاهريات، ثم أصبح أستاذاً فيها عام 1928.وجه اهتمامه الفلسفي إلى مشكلات الوجود والتقنية والحرية والحقيقة وغيرها من المسائل. ومن أبرز مؤلفاته: الوجود والزمان (1927) ؛ دروب مُوصَدة (1950) ؛ ما الذي يُسَمَّى فكراً (1954) ؛ المفاهيم الأساسية في الميتافيزيقا (1961)؛ نداء الحقيقة؛ في ماهية الحرية الإنسانية (1982) ؛ نيتشه (1983)
هايدغر بتأثيره الكبير على المدارس الفلسفية في القرن العشرين ومن أهمها الوجودية، التأويليات، فلسفة النقض أو التفكيكية، ما بعد الحداثة. ومن أهم إنجازاته أنه أعاد توجيه الفلسفة الغربية بعيداً عن الأسئلة الميتافيزيقية واللاهوتية والأسئلة الإبستمولوجية، ليطرح عوضاً عنها أسئلة نظرية الوجود (الأنطولوجيا)، وهي أسئلة تتركز أساساً على معنى الكينونة (Dasein). ويتهمه كثير من الفلاسفة والمفكرين والمؤرخين بمعاداة السامية أو على الأقل يلومونه على انتمائه خلال فترة معينة للحزب النازي الألماني.
في مؤلفه – الوجود والزمن – يسعى مارتن هيدجر، المؤسس الحقيقي للوجودية بعد هسرل، إلى البحث عن مفهوم الوجود من خلال إعادة تأسيس الميتافيزيقيا، لكشف فلسفة الوجود وليس لأنشاء فلسفة للوجود، لذلك بحث عن الأنطولوجيا الكامنة المستترة أو التي كما هي أو التي من المفروض أن تكون على شاكلة معينة حسب التصور الهيدجري الفلسفي العام – الوجودية -، ولم يبحث عن إنشاء أنطولوجية تأليفية تركيبية.
في هذا الكتاب، أكترث هيدجر بمسألة غير واضحة لأول وهلة، وأرتبك في التمايز ما بين الوجود لذاته، والوجود في ذاته. لكن نحن نعتقد، لدى الدراسة المتمعنة في مجمل مؤلفاته، إنه أقرب فلسفياُ إلى الوجود لذاته الذي يتناسب أكثر أيضاُ مع الفلسفة المتعالية الترانسندنتالية. فدعونا نأخذ المعطيات بروية:
أولاُ :
هيدجر يدرك، تمام الأدراك، نقطة الأنطلاق لديه ويضعها ويرستقها بالضبط في الموقع الذي تستحقه. وحينما يتسائل ويصوغ الحيثيات على صيغة أسئلة محددة، فأنه على دراية أكيدة بالمسوغات الجوهرية المحركة لخلفيتها، ويسترسل في فرضياتها لتبدو في النهاية أكثر أنسجاماُ مع المشروع العام.
ثانياُ :
هيدجر يدرك إن معظم الفلاسفة الذين سبقوه – سيما أرسطو – قد عالجوا مفهوم الوجود من خلال محتوى الموجود، فحينما تحدثوا عن الميتافيزيقيا – الوجود – قصدوا الفيزيقيا – الموجود – فأختلف لديهم مستوى المحمول والموضوع، وأرتبكت، حسب هيدجر، مصادر ومخططات موضوعات الطبيعة. فالفيزيقيا التي هي الموجود الحاصل بالفعل – لأنه الموجود وليس لأنه موجود – لايمكن أن تكون موضوعة للميتافيزيقيا التي من المفروض أن تعالج مفهوم ماورائي لأساس المشكلة برمتها، أي تحديداُ مفهوم، محتوى، وطبيعة الوجود.
هنا، نحن ندرك إننا إزاء ورطة لغوية تعبيرية، لأن الموجود الهيدجري هو موجودي وليس وجودي، كما أن وجوده هو وجودي وليس موجودي، وهذه هي النقطة الأستراتيجية الرائعة التي تحتضن تصوره. ولتبيان ذلك نقول إن الميتافيزيقيا لدى أرسطو هي الفيزيقيا لدى هيدجر، والوجود لدى هيدجر هو – الميتاوجود – المفترض لدى أرسطو.
ثالثاُ : وعندما يتساءل هيدجر عن الشيء الذي يجعل الموجود موجوداُ، فيؤكد مضطراُ إنه الوجود الذي يمنح الموجود موجوديته دون أن يمنح نفسه – موجوديته – وكأن الميتافيزيقيا تخلق الفيزيقيا دون أن تسمح لنفسها بالقفز إلى الوجود الأرسطوي أو الميتاوجود الهيدجري، رغم أنه تارة يؤكد إن الفيزيقيا هي الموجود الذي مازال موجوداُ بما هو كذلك من ذاته ويجعل وجوده حاضراُ. وكأن اللاحضور – الغياب – يدفع بالحضور إلى الحضور دون أن يتمكن هو بالقفز إلى الحضور..
رابعاُ :
وحينما يقيم هيدجر هذه القطعية الأبدية، يحتسبها من جانب واحد منسجم مع نقطة الأنطلاق، ومتوازي مع جوهر تصوره العام، فالقطيعة التي لايمكن أن تكون من جانب – الموجود – الذي هو حضور عيني وليس حضوراُ فلسفياُ، كما توهم الكثيرون، هي من جانب – الوجود – الذي هو قبل كل شيء حضور فلسفي، لذلك يفارق هيدجر عن قصد وبدراية كاملة ما بين الأنطولوجيا والأونطيقي ( الفرق الأنطولوجي )، وكأنه يفارق ما بين رؤيا هيجل – تصور محض – ورؤيا توماس الأكويني – فعل صرف -، فالأنطولوجيا هي الوجود وما ورائيته ولاحضوره، والأونطيقي هو الموجود وأمتلاؤه وحضوره وهمومه وآلامه وكبده وربما أغترابه..
خامساٌ :
وإن ما يعزز مضمون الفقرة الرابعة، هو أن هيدجر يوضح حالة، في الحقيقة أفتراضية، ويزعم أن الوجود إذا ما أصبح – موجوداُ – لسبب ما، أصبح موجوداُ بالفعل، وأنتفى أن يكون – وجوداُ -، وهذه الحالة وأن كانت أفتراضية إلا أنها تدلل على ذهنية هيدجر، التي هي بالأساس متهمة بالغموض والأرتباك، وتشير إلى مرجعية تصوره الفلسفي، سيما وإن الحالة العكسية مرفوضة بالأساس، أي الأنتقال من الموجود إلى الوجود. وربما لهذا السبب تحديداُ، يستمر هيدجر في التأكيد ( لماذا كان ثمة موجود، ولم يكن بالأحرى لاشيء؟ وهذا ما يجبرنا على تصويغ السؤال الأول، ماذا عن الوجود؟ ).
سادساُ :
الوجود الهيدجري هو ما هو كائن وليس ما هو يكون، فالصيرورة كميكانيزم للتحول والتطور أو التفاعل أو الغثيان الرأسمالي تخص الموجود ولاتتعرف أبداُ إلى الوجود، بل هي لاتعرفه أصلاُ، وكأننا إزاء معادلة، الوجود هو الوجود، والموجود هو الموجود، مع مراعاة إن الثاني هو ما قبل الأول، والأول هو ماوراء ذاته. لذلك يحق لنا التأكيد إن الصيرورة ليست عملية أو رؤيا فلسفية في فلسفة هيدجر. وهذا ما يفضي بنا إلى النقطة السابعة والثامنة والتاسعة.
سابعاُ :
فيما يتعلق بالسلب والإيجاب، يغدوان مفهومان خاصان بالموجود والوجود والعلاقة فيما بينهما، فالموجود الذي يحجب الوجود يمثل عامل السلب في التصور الهيدجري، والوجود الذي بفضله ينكشف الموجود يمثل عامل الإيجاب فيه.
ثامناُ :
إن التقويض أو التحطيم الهيدجري، هو في الحقيقة بناء يجسد عاملاُ إيجابياُ هدفه إعادة الحياة إلى الميتافيزيقيا، أي مصالحة الوجود مع الوجود، وإعادة الأول إلى الثاني الذي ليس إلا الأول نفسه، وكأن الميتافيزيقيا ألغت الوجودية من الوجود ومنحتها للموجود، وحان آوان أن يسترد الوجود ميتافيزياقيته، ليترك الفيزيقيا للموجود..
السؤال عن الوجود
◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇
الوجود عند هايدغر لا ينفصل عن الحقيقة (أو الأليثين- ) التي بمفهومها اليوناني تعني اللاتحجب. لأن كل تعامل أو حكم على الموجود لا يتم الا إذا ظهر عن تحجبه. فهل قصد هايدجر باللاتحجب، الأنا المتعالي ؟. هايدجر يجد في تفسير الفلسفة اليونانية ان الإنسان ليس مركز التجربة ومحورها بل هو الموجود اللامتححب.
لقد صرح هيدجر ان السؤال عن الوجود هو الذي حرك فكره
السؤال عن الوجود في أفق الزمان
◇◇◇◇◇◇♧♧◇♧♧♧◇♧♧♧♧◇
في كتاب الوجود والزمان يتحدث هيدجر عن الوجود (أو الدازين- ) و يعني به الوجود الإنسي الذي يبقى دائما على علاقة بالموجودات ويتميز عن سائر المخلوقات بفهم هذا الوجود والسؤال عنه.
هيدجر سلط ضوء جديد على تاريخ الميتافيزيقا من افلاطون حتى مناقشي القرن العشرين لموضوع الوجود و أكسى الفينومنولوجيا ثوبا انثروبولوجيا جديد، تعذر على رائدها هوسرل التعرف عليها.
كتاب الوجود والزمان كان بداية انقلاب جديد في الفكر الفلسفي و من المهم في هذا الكتاب معرفة الهدف الأساسي و هو السؤال عن الوجود، و ارتباطه بمشكلة الزمان لأن الزمان هو الأفق الذي نطل منه على مسألة الوجود.
الكتاب مقسم إلى قسمين: الأول يتناول تفسير الآنية الوجودية من جهة زمانية بحتة و تفسير الزمان بوصفه الأفق الترانسندنتالي للوجود. أما القسم الثاني فيشرح المعالم الرئيسية “للتحطيم الفينومينولوجي” لتاريخ الانطولوجيا على المستوى الزماني.
بدأ هيدجر من محاورة السفسطاني للإجابة على سؤال قديم قدم الميتافيزيقا. وهو لا يعني أن يصلنا بالتاريخ، بل يريد تصفيته مما يشوبه من غموض و التباس.
هل يمكننا أن نسأل عن الوجود ومعناه، إن لم نسأل أولا عمن يطرح السؤال ونحلل مقومات وجوده ؟. السائل يتفرد عن غيره من الكائنات إلى أنه الموجود الذي يهتم بوجوده. وتحليل الآنية لا يتم من خلال تأملات انثروبولوجية أو نفسية أو اجتماعية، بل الهدف هو التعرف على ماهية السائل.
ويصف هيدجر هذا السؤال بالأنطولوجيا الأساسية التي تريد تحليل اسلوب وجود السائل وتبين مقومات موجوداته. من حيث هو الوحيد الذي له علاقة دائمة مع ذاته و كينونته، أي أن له خاصية التواجد. التي لم تفطن لها الانطولوجيا التقليدية.
المهمة الرئيسية للسؤال عن الوجود تقوم على تحليل الآنية من جهة وتحطيم تاريخ الأنطولوجيا من ناحية أخرى.
ومن الصعوبة أن نقول شيئا عن الآنية، لأن العالم يغرينا بما نعرفه ونكرره في حياتنا اليومية.
هايدجر يقترح طريق دائري يبدأ بالموجود وينتهي بالوجود، ومن ثم يبدأ مرة أخرى بتحليل الآنية بعد أن حدد الوجود.
ماذا يقصد هايدجر من تحطيم تاريخ الانطولوجيا ؟. يقصد ان الآنية محتضنة في التراث والعادات والتاريخ بشكل عام، ولهذا نراها تترك مام امرها للتاريخ لاجتياز قراراتها الحاسمة، دون أن تكلف نفسها مشقة استشراف هذا التراث لاستشفاف وجودها التاريخي الخاص. فلا بد ازالة الحجب التي تراكمت على التراث والرجوع إلى المنابع الاصلية للمفاهيم والمقولات التي شوهتها المذاهب المتوالية التي اهملت السؤال الرئيسي عن الوجود.
يؤكد هيدجر ان منهجه فينومنولوجي، ولكن ليس بالتصور الهوسرلي الذي يرد كل شيء إلى الأنا الخالص (الذي يبقى حتى لو فني العالم). ويقول انالنطولوجيا ممكنة إذا أصبحت فينومنولوجيا. لأن الفلسفة هي انطولوجيا فينومنولوجية تبدأ من تفسير الآنية بوصفها مسار كل سؤال فلسفي.
وقبل أن أبدي أعتراضاتنا على مجمل هكذا تصور، أحبذ أن أسجل طبيعة الأمور الآتية :
الأمر الأول :
إن الوجود الهيدجري لايراهن على خاصيته كوجود، إنما ثمت عامل يوشك ألا ينفصل عنه، وهو الزمن، أو ما سمي بالزمن الوجودي، وربما من الأنسب تسميته بالزمن الأنطولوجي. وهذا بدوره سيكون موضوع حلقة خاصة، لأن هيدجر أستخدم مفهوماُ له خصوصيته – الزمن الزماني – الذي ينم عن جملة معطيات في العلاقة ما بين الموجود والوجود، ولا يتوقف الأمر عند هذه النقطة لأننا سنرى إن ما يسمى بالزمن التزمني يناسب طبيعة الموجود دون الوجود..
الأمر الثاني :
لن نذكر كافة الأعتراضات، لأننا سنؤجل قسماُ منها لدى الحديث عن الوجود لدى الآخرين، سيما هيجل، وسندخر قسماُ آخراُ عند الحديث عن مفهوم الزمان لدى صدر الدين الشيرازي..
الأمر الثالث :
لقد تعرض الكثير من السادة للمدلولات المختلفة لدى هيدجر، دون أن ينتبهوا إلى أمر في غاية الخطورة والأهمية، وهو أن بعض آرائه لاتمثل حالة عامة، ولاتتعلق بكل تصوراته الفلسفية، إنما هي حالة خاصة بل جزئية تتعاشق فقط مع إحدى مكونات تصوره العام، الوجود، الموجود، وجود الموجود الأنساني، مثل الغياب، العدم..
والآن، أسمحوا أن أسجل الأعتراضات التالية:
الأعتراض الأول :
في المفاصلة ما بين الوجود الميتافيزيقي، والموجود الفيزيقي، عبر مفهوم الفرق الأنطولوجي، يدرك هيدجر جيداُ إن أحدهما بات غائباُ عن الآخر، فلا الوجود يستطيع أن يدنو من الموجود دون أن يحترق، ولا الموجود مؤهل أن يرتقي إلى مجال الوجود، لذا وجد نفسه مضطراُ اضطراراُ يدعو إلى الشفقة، أن يجد جسراُ ما بينهما لكي يتسنى له أن يمنح الوجود دفقه المفترض، وأن يوهب الموجود طاقة موجوديته. وما كان هذا الجسر إلا وجود الموجود الأنساني. وهذا ما سندحضه من زاويتين أثنتين، الزاوية الأولى : ياترى ما هي المفارقة مابين الأنسان والنمور والأسود والأشجار والزيزفون والنفل البري من الزاوية الأنطولوجية. أليس الأنسان في النهاية، زيد وعبيد وفاطمة وخديجة وجورج وميشيل تماماُ مثل النمور والأسود والنباتات لو سميناها بأسماء خاصة. الزاوية الثانية : ثم لو أستطاع الأنسان، عن طريق المنفتح الهيدجري، أن يتمتع بخصائص الموجود كموجود، وبعض خصائص الوجود كوجود، فما أدرانا ألا يتمتع بها بعض الاخرين من الموجودات، بل جميع الموجودات، عندئذ يهوى ويذوي الفارق الأنطولوجي ما بينهما.
الأعتراض الثاني :
بصدد المنفتح الهيدجري يرتكب هيدجر مغالطة لاتغتفر، فهو يعتقد إن وجود الوجود نفسه يرتهن بنا، وكأنه يفكر فينا وبنا، وكأننا نفكر فيه وبه. وإذا كان الأمر على هكذا صيغة، فالحري بنا أن نستنبط الأستنتاج المنطقي الموازي، وهو أن الوجود في النهاية ليس إلا وجود الموجود الأنساني، وهذا ما يرفضه هيدجر رفضاُ مطلقاُ لأنه يؤكد إن الفارق الأنطولوجي هو مابين الحضور وماهو حاضر، وما بين الوجود وما هو موجود.
الأعتراض الثالث :
في المفاضلة ما بين الوجود والموجود والمحتوى الأنساني، نستشف أمراُ غريباُ في جدلية التصور الهيدجري، فهو يخشى أن ينزلق الوجود إلى النسيان كميتافيزيقي، وهو في الحقيقة ينزلق بالضرورة إلى النسيان المطلق، ليس لنفس السبب وإنما لسبب آخر واضح هو أن هيدجر قد أستبدل الوجود المفترض بالموجود الأنساني الذي حل محل الأول في شروط وجوده، وليس في شروط كينونته التي لادور لها في هذا المقام..
الأعتراض الرابع:
في حيثية الأدراك الفلسفي، لدى هيدجر منطوق الموجود الذي كان من المفروض أن يكون صفة ل( الوجود ) تحول إلى موصوف بحاجة إلى صفة، ومنطوق الوجود الذي لايمكن، ومن شدة الحرص،أن نستخدم صفته، ومنطوق – الموجود الأنساني – الذي نحتار في توصيفه. لكن من المؤكد إن الموجود الأنساني لايمكن إلا أن ينتمي إما إلى الأول، وإما إلى الثاني، ولايجوز أن ينتمي إلى أي ثالث حسب محتوى الفارق الأنطولوجي الهيدجري. وطبقاٌ لهذه الرؤية لابد أن ينتمي إلى الأول – الموجود – لأنه لو أنتمى إلى الثاني لكنا إزاء كارثة حقيقية. وبما أنه ينتمي بالضرورة إلى الأول فإن الثاني يصبح غائباُ إلى الأبد.
الأعتراض الخامس :
يؤكد هيدجر إن الوجود هو الذي يجعل الموجود موجوداُ، ويرتكب مغالطتين، الأولى : إن – موجوداُ – هنا هو صفة للوجود وليس صفة للموجود، أي بمعنى أن الموجود موجود كوجود وليس كموجود، وبالتالي، لا الميتافيزيقيا تلبث كما هي هيدجرية، ولا الفارق الأنطولوجي يصمد كما هو هيدجري، لأن الموجود هو وجود حقيقي وفعلي طبقاُ لمنطوق هكذا تصور. الثانية : إذا كان الوجود هو الذي يجعل الموجود – موجوداُ – فلا مندوحة أن نعي كيف يتم ذلك، هيدجرياُ الوجود لايخلق الموجود، كما لايستطيع أن يكشف عنه لأن هيدجر نفسه من الموجودات، فلم يبق أمامنا إلا القول على مضض، وبالصيغة السلبية حصرياٌ، إن لولا الوجود ما كانت الموجودات، هذه هي الصيغة الوحيدة القابلة للنقاش، وهي صيغة مرفوضة، لأن الموجودات، أما أن تدل على ذواتها، أو على ذاتيتها، في الحالة الأولى، نصبح إزاء مستويين غير متوافقين فيما يخص منطوق الوجودية، وفي الحالة الثانية، نمسي في خصام قاتل مع هيدجر نفسه..
الأعتراض السادس :
لكي ندرك فلسفة هيدجر بصورة أجمل وأوضح، ينبغي أن نميز ما بين سؤالين مختلفين أساسيين. الأول : ماهي حقيقة الأنسان ووجوده، والثاني : ماهو الوجود وحقيقته. في أساس فلسفته، ينطلق هيدجر من تصور الوجود وحقيقته، لذلك قلنا إنه يدرك تماماُ نقطة الأنطلاق لديه، لكن تصور الوجود وحقيقته شيء، والإجابة الفعلية عن وقائعية هذا الوجود وحقيقته شيء مستقل آخر. وبما أنه لايدرك الوجود ولم يدركه حتى مماته، أنبرى في الشرح لمسألة حقيقة الأنسان ووجوده، وأنغرق في تداعياتها التي أستغرقته. لذلك عندما يتحدث عن الزمن، سيما عن الزمن التزمني، لايستطيع إلا أن يؤكد إن الأنسان لايعيش في الزمن، لأنه لو قالها لأكد أن الوجود الأنساني هو الوجود نفسه وهذا ما لا يرضاه، ومن هنا يزعم إن وجوده له زمنه وهذا أساس وجوهر ما عرف فيما بعد بمفهوم الدازاين الهيدجري. وأعتراضنا هنا إن الدازاين الهيدجري غير خليق أن يؤصل أساس الوجود الهيدجري، وإن كان من الممكن، وفي أحسن الأحوال، أن ينبهنا إلى موقعه المفترض..
الأعتراض السابع :
حينما نتحدث عن الموجود لدى هيدجر فأننا نتجاوز حدود المسموح به أنطولوجياُ، لأن أي من – الموجود – لايملك إلا أمتلائه وحضوره، أي جسم وشكل وهيئة وهيكل مثل الحيوانات، الطيور، الناس، الورود، الأشجار، وهذه الأشكال أو الأجسام ليست لها إلا الصفة الفردية، بمعنى تلك الشجرة، وهذه الزهرة، أو ذاك الذئب، تماماُ مثلما نقول هذا زيد وذاك عبيد. لذلك نؤكد إن فلسفة هيدجر، بعد أن راهنت على مفهوم الوجود الميتافيزيقي وأنغرقت في الموجود الأنساني، تعاملت مع تلك الهيئات الفيزيقية كالموجودات، وليس كالموجود. وأعتراضنا واضح وبديهي، من يسلب عن الموجودات قوة الوجود، يسلب عن الوجود قوة الموجودات، وبالتالي قوة الموجود، وبالتالي قوة صفة الموجود في الوجود، وبالتالي قوة الوجود في الوجود، وهذا أخطر ما يمكن أن تقترفه أي فلسفة كمغالطة..
الأعتراض الثامن :
نحن لو فارقنا ما بين فعل الكون وفعل الوجود لأدركنا، بطبيعة القضية، إن هيدجر الذي أنطلق بكل جدارة ومعرفة ووعي من فعل الكون، أنغمس كلياُ، وأختنق في غياهب فعل الوجود، وأستسلم للقلق والذعر والعوامل المرضية في المجتمعات الرأسمالية، دون أن ينتبه كمحصلة أن عليه الإجابة على السؤال التقليدي الهيدجري، ما هو الوجود، السؤال الوحيد الذي لم يجب عليه هيدجر، لأنه لو أجاب عليه لأنتفى الوجود، ولأنتهى إلى الأبد.
مصادر
♧♧♧♧♧◇◇◇♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧
^ هايدغر الفيلسوف الوجودي/ بقلم: بولس الخوري/ثلاثون عاماً على رحيل هايدغر..
الموسوعة الفلسفية /، عبدالرحمن بدوي
الفلسفة الوجودية / عبدالرحمن بدوي