تعريف علم الكلام
علم الكلام كما قال بعض الشّيوخ: علم يقتدر معه على إثبات العقائد الدينيّة على الغير، وإلزامها إياه؛ بإيراد الحجج وردّ الشّبه . قال الإمام العضد الدين الإيجي في المواقف:” الكلام علمٌ يقتدر معه على إثبات العقائد الدينية بإيراد الحجج ودفع الشبه والمراد بالعقائد ما يقصد به نفس الاعتقاد دون العمل، وبالدينية المنسوبة إلى دين محمد صلى اللـه عليه وسلم”
قال ابن خلدون في مقدمة هو “علم يتضمن الحجاج عن العقائد الإيمانية بالأدلة العقلية ، والرد على المبتدعة المنحرفين فى الاعتقادات عن مذهب السلف وأهل السنة. و سر هذه العقائد هو التوحيد.”
وعرّفه الجرجانيّ بأنّه: “علمٌ يُبحث فيه عن ذات الله تعالى، وصفاته، وأحوال الممكنات من المبدأ والمعاد على قانون الإسلام”
و نفهم من هذه التعريفات أن موضوع علم الكلام هو دراسة عقائد الإسلامية الحقة و الدفاع عنها ضد آراء البدع و الشبهات. و منهجه استند إلى المنهج الجدلي. يستخدم أسلوب المحاجة الكلاميّة، التي تعتمد على الأدلّة والبراهين العقليّة والنقليّة من أجل الكشف عن الواقع وإثباته.
:غاية و فوائد علم الكلام
غاية علم الكلام هو تثبيت و معرفة الإيمان و تحصينه من شبه المبطلين. يقال أن علم الكلام يوصّل إلى العلم اليقيني القطعي مقابل آراء البدع و الشبهات و أنهى أن يكون علمنا بالإسلام ضعيفا و متلجلجا. كثير من الناس منتسبون إلى الإسلام لمسايرة لأهلهم. و لا يهتمون بتقوية الإيمان و حينما يواجهون بأفكار بدعة لا يستطيعون حماية إيمانهم. علم الكلام اشترك و تدخّل هنا في الأمر و يقوّي الإيمان
بالنسبة لابن خلدون غاية من غيات هذا العلم هي “تفريغ القلب عن شواغل ما سوى المعبود.” إنّ الاطلاع على علم الكلام والتعرّف إلى أدلّته تعطي الإنسان – لا سيما- المسلم فهماً إيمانيّاً عميقاً
:زبدة الكلام فوائد علم الكلام في التالي
معرفة أصول الدين-
القدرة على إثبات قواعد العقائد بالدليل والحجة-
القدرة على ابطال الشبهات التي تثار حول قواعد العقائد-
:أسباب رفض علم الكلام
لما ظهرت المبتدعة في أواخر القرن الثاني، والقرن الثالث، نشأت فرق مختلفة من طوائف المبتدعة، وأظهروا أقوالاً شاذّة رديئة، وخصوصاً في العقائد _ كقول أبو داود الجواربي في دعواه: أن معبوده لحم ودم، على صورة الآدمي!! ودعوى الكرّاميّة: أن معبودهم ذو نهاية من الجهة التي يُلاقي منها العرشَ!! إلى غير ذلك من مقالاتٍ فاسدةٍ، وأقوالٍ باطلة، تجد نماذجَ منها في كتاب [ أصول الدين، للإمام الأستاذعبد القاهر البغدادي : ص 335 – 338 ] _، فسَمّى علماء الإسلام هؤلاء المبتدعة: أصحاب الكلام، أي: الذين تكلموا في أمور باطلة فاسدة، زعموا أنها هي علم التوحيد الحق، فقام الأئمة بالرّدّ عليهم: إما بالكلام الشفهي في المناظرات التي عقدوها بينهم وبين أولئك المبتدعة، أو بالتصنيف والتأليف
:يذكر البعض أسباب ذمهم لعلم الكلام كما تلي
– تحذير السلف من الكلام وأهله إنما كان خوف الفتنة، ولإيمام بأن الكتاب والسنة كافيان بما يحتاجـه الناس من العقائد الصحيحة، ودفع الشكوك والشبهات
-علم الكلام يفضي بأهله إلى الشك والحيرة والاضطراب. ولهذا قال أبو حامد الغزالي: (أكثر الناس شكًا
عند الموت أهل الكلام)
-المتكلمون في عرض مسائل العقيدة يخالف منهجهم منهج الكتاب والسنة، حيث عرضوا مسـائلهم في
قالب فلسفي جدلي يحوطه التعقيد والجفاف والتخليط.
– علم الكلام سبب الفرقة والاختلاف، فالمتكلمون أعظم الناس اختلافًا وافتراقًا
– المتكلمون ركزوا مباحثهم وكتبهم وأفنوا أعمارهم في البحث في توحيد الربوبية وإثبات دلالته، مع أنه
أمر فطري يقر به المشركون، وفي مقابل ذلك أغفل المتكلمون البحث في توحيد العبادة الذي هو أسـاس دعـوة
الرسل
تناقش العلماء في وجوب علم الكلام
موقف أبو حامد الغزالي من علم الكلام كما في النص “ثم إني ابتدأت بعلم الكلام فحصلته، وعقلته، وطالعت كتب المحققين منهم، وصنفت فيه ما أردت أن أصنف، فصادفته علما وافيا بمقصوده، غير واف بمقصودي، إنما المقصود منه حفظ عقيدة أهل السنة وحراستها عن تشويش أهل البدعة، فقد ألقى الله تعالى إلى عباده على لسان رسوله عقيدة أهل الحق، على ما فيه صلاح دينهم ودنياهم، كما نطق بمعرفته القرآن والأخبار، ثم ألقى الشيطان في وساوس المبتدعة أمورا مخالفة للسنة، فلهجوا بها، وكادوا يوشوشون عقيدة الحق على أهلها، فانشأ الله تعالى طائفة المتكلمين، وحرك دواعيهم لنصرة السنة بكلام مرتب يكشف عن تلبيسات أهل البدع المحدثة على خلاف السنة المأثورة، فمنه نشأ علم الكلام وأهله… فلم يكن الكلام في حقي كافيا ولا لدائي الذي كنت أشكوه شافيا. نعم لما نشأت صنعة الكلام، وكثر الخوض فيه، وطالت المدة”
و موقف ابن خلدون” هذا العلم الذي هو علم الكلام غير ضروري لهذا العهد على طالب العلم، إذ الملحدة والمبتدعة قد انقرضوا، والأئمة من أهل السنة كفونا شأنهم فيما كتبوا ودونوا، والأدلة العقلية إنما احتاجوا إليها حين دافعوا ونصروا. وأما الآن، فلم يبق منها إلا كلام تنزه البارىء عن الكثير من إيهاماته وإطلاقاته. ولقد سئل الجنيد رحمه الله، عن قوم مر بهم من المتكلمين يفيضون فيه، فقال: ما هؤلاء؟ فقيل: قوم ينزهون الله بالأدلة عن صفات الحدوث وسمات النقص؟ فقال: “نفي العيب حيث يستحيل العيب عيب”
مر الرازي يوما على إمرأة عجوز وهو في الشارع وكان تلاميذه يمشون وراءه بالعشرات ما يقول كلمة إلا ويكتبوها ، فتعجبت العجوز من هذا الذي وصل إلي هذا المستوي ، فنادت العجوز على واحد من التلاميذ وقالت ” يا بني من هذا؟ ” فغضب الطالب غضبا وقال: “أ ما عرفته هذا الإمام الرازي الذي عنده ألف وألف دليل على وجود الله تعالى” . هنا قالت العجوز قولتها العجيبة والشهيرة ” يا بني لو لم يكن عنده ألف شك وشك ما أحتاج لألف دليل ودليل ، “أفي الله شك ” ؟! ” فلما بلغ هذا الإمام الرازي فقال ” اللهم إيمانا كإيمان العجائز “
أما رأيي في علم الكلام فهو أن علم الكلام علم ضروري تارة و غير ضروري تارة يتغير حسب الناس و حسب العصر و حسب الظروف المتعددة. ينقسم علم الكلام إلى ثلاث فترات الفترة الأولى هي فترة كلام السلف و الثاني كلام القدماء و الثالث كلام المتأخرين. لما كلام السلف ركز على محافظة الإيمان و الرد البدع و الضلال , في العصر الثالث بعد الهجرة خرج ابن كلاب و فعل شيئا لم يفعله من قبله و بدأ يدافع عقيدة أهل السنة بطريقة أهل البدعة و التحق البقلاني و أبو المعالي بهذا المنهج الذي اشترك فيه إمام الأشعري. و مع ظهور إمام الغزالي انتهت فترة كلام القدماء و بدأ فترة كلام المتأخرين. و تم تضمين علم المنطق في علم الكلام و بدأ يثبت المتكلمون العقائد الإسلامية بدلائل فلسفية
في الواقع تغير علم الكلام في التاريخ كثيرا. و هذه التغيرات أفسد أهداف علم الكلام. بالنسبة لي إذا نريد أن نستفيد من علم الكلام أولا يجب تجديد أو تحويله إلى كلام السلف