1-مادة الفلسفة
2- المستوى جذع مشترك, جميع الشعب والمسالك
3-دروس الأسدس الأول
4- مجزوءة ما الفلسفة
5- الموضوع لماذا التفلسف ؟
6- الأستاذ محمد بضاض
تمهيد
بعد أن تم التوقف عند نشأة الفلسفة، ومحطات من تاريخها المجيد، لا بد إذن من الوقوف عند عوامل فعل التفلسف،
- فما الدافع إلى التفلسف؟
- هل ينبع فعل التفلسف من التساؤل أم الدهشة أم الشك أم هي مغامرة استكشافية هدفها البحث عن الحقيقة وامتلاكها؟
آليات التفلسف
يعتمد فعل التفلسف على مجموعة من الآليات هي الدافع الأول والأصل لذلك، وهي التي مكنت الفيلسوف من إنتاج معرفة فلسفية، وتتضمن هذه الآليات ثلاثة مستويات هي:
الدهشة
حسب شوبنهاور تفترض في الفرد درجة أعلى من العقل، أما أرسطو فيذكر أن “الدهشة هي التي دفعت الناس إلى التفلسف”، إنها ناتجة عن عدم اقتناع الإنسان بالأجوبة المألوفة والمتداولة، أو حين الشعور بالجهل والتعجب والاستغراب الذي يغري نفوس البشر بحب الاستطلاع والتساؤل الدائم.
السؤال
اشتهرت الفلسفة أول ما اشتهرت بممارسة السؤال، وأشهر من مارس السؤال في الفلسفة هو أبو الفلسفة “سقراط”، غير أن السؤال الفلسفي لم يتخذ له شكلا واحدا فقط، وإنما نميز فيه بين شكلين إثنين.
يميز طه عبد الرحمن بين نوعين من السؤال الفلسفي، فهناك السؤال الفلسفي اليوناني القديم، والسؤال الأوربي الحديث.
فأما الأول، فقد كان عبارة عن عملية فحص وتمحيص، تبدأ بسؤال عام عن مفهوم ما يليه جواب ينبع عنه سؤال آخر وهكذا… وخير شاهد على هذا النوع من السؤال الفيلسوف اليوناني سقراط، التي كانت تنتهي به أسئلته التي تطول وتتشعب إلى إبراز التناقض بين أجوبة المحَاور. إن السؤال بهذا المعنى يولد الأفكار كما كان يقول سقراط، إنه خطاب المستقبل الذي يسعى نحو الامتلاء والاكتمال.
أما السؤال الثاني وهو السؤال الفلسفي الأوربي الحديث، يؤكد طه عبد الرحمن أنه سؤال النقد لا الفحص، لكونه يميل نحو تقليب القضايا والتحقق من تمام صدقها اعتمادا على العقل، إنه سؤال يوجب النظر في المعرفة ويقصد الوقوف على حدود العقل، وخير مثال على هذا النقد فلسفة كانط حيث سمي قرنه بقرن النقد.
السؤال الفلسفي عموما يفترض مسبقا شكا في الجواب باعتباره معرفة، وهو لا يمكن أن يطرح إلا على الشخص الذي يمتلك المعرفة.
الشك
إن امتلاك الإنسان للمعرفة لم يكن امتلاكا يقينيا، بل سرعان ما نهض الإنسان إلى فحص هذه المعارف فحصا نقديا خاصة وان هناك أحكام كثيرة تمنعنه من الوصول إلى الحقيقة، ومن المحال التخلص منها ما لم يشرع هذا الإنسان في الشك في جميع الأشياء التي قد يجد فيها أدنى شبهة من قلة اليقين. وممارسة الشك هو مضي نحو اليقين لأنه في أساسه فحص نقدي صادق لكل معرفة، فليست ثمة فلسفة حقيقية دون أن يكون هنالك شك في الأصل. ونجد ديكارت من أكبر الفلاسفة وأشهرهم اعتمادا على الشك المنهجي الذي يستتبع فحصا نقديا لكل المعارف.
أدوات منهج الخطاب الفلسفي
إن الخطاب الفلسفي بوجه عام يتشكل من آليات فكرية محددة هي الأصل في فعل التفلسف، غير أن هذا الفعل وإن كان أساسه دهشة، سؤال، شك، فإن الخطاب الفلسفي في بنائه يعتمد على مجموعة من أدوات الاشتغال يمكن أن نطلق عليها إسم أدوات منهج الخطاب الفلسفي وهي: المفهوم والإشكال والحجاج، والتحليل والتركيب ثم النسقية.
المفهوم
يعتبر المفهوم نشاطا أساسيا في التفكير الفلسفي وهو مدخل أساسي لتأسيس خطاب معرفي، يهدف إلى استنطاق الكلمة وتحديدها بما يكفي من الدقة حتى تصبح مجالا للتفكير الفلسفي وأداة للتفلسف، ومن أبرز الفلاسفة الذين تأسست فلسفتهم على المفاهيم، نذكر سقراط الذي كان يسأل محاوريه عن مفاهيم لم يكن يرم من تحديدها جزئيتها وإنما الإحاطة والشمول. وليس غريبا أن نجد الدرس الفلسفي يعتمد على مفاهيم يتطلب تحديد دلالتها والإحاطة بها في كليتها وليس في جزئيتها كمفاهيم اللغة، العقل، الحقيقة، الحق، الشغل…
الإشكال
يعتبر ركن أساس في التفكير الفلسفي، وهو يتكون من طرفين من السؤال أو أكثر، يمتازان بعلاقة التقابل والتضاد ويشترط فيهما الانسجام، أي أن يكونا من نفس الطبيعة والجنس أو الموضوع. الإشكال إذن قضية تساؤلية تنطلق مما هو جوهري في الموضوع، هدفه إحداث التقابل والإحراج بين الطرفين “الموقفين” والهدف من هذا التقابل والتناقض هو معالجة مختلف الإجابات الممكنة. مثلا في مفهوم السعادة يمكن أن نحدث التقابل في طرح إشكالي كما هو واضح من خلال هذا الإشكال: هل السعادة إرضاء للبدن أم للعقل أم للقلب؟ الإشكال هنا ينصب داخل نفس الطبيعة، وهو البحث عن مصدر السعادة، ويمتاز بالتقابل بين أطراف أسئلته المكونة له، والتي تتفرع إلى ثلاثة أسئلة نفصل بينها ب “أَم”، وتروم إحداث التقابل والتناقض بين الأطراف التي يتشكل منها هذا الإشكال، وذلك بغية معالجة مختلف الإجابات الممكنة، وبهذا نخلص أن الإشكال يهدف هو الآخر الإحاطة بالكل وليس بالجزء.
الحجاج
كثيرا ما يقال أن حقل الفلسفة هو حقل توليد المشكلات وإثارة الأسئلة، وهو أيضا حقل تتواجد فيه الأجوبة بنفس قدر تواجد الأسئلة والإشكالات، غير أن طبيعة الجواب في الفلسفة مبرهن عليه، يقوم على الحجاج والمحاجة. وهو يتميز عن البرهان، لأن هذا الأخير يشكل خاصية للعلم، في حين يشترط الحجاج استهداف إقناع المتحاور أو المتلقي وإحداث أثر لديه، وبالرغم من هذا التمييز فإمكانية حضورهما معا في الخطاب الفلسفي واردة مع غلبة الجانب الحجاجي.
إن الحجاج تقنية يستعملها الفيلسوف من أجل حمل/ دفع أكبر عدد من ممكن من المتلقين على قبول خطابه والاقتناع بآرائه، إنه عملية إقناعية تأثيرية بطريقة عقلية من جهة، ومن جهة أخرى، الحجاج عملية تستعمل لدحض وتفنيد أطروحة الخصوم وذلك بإظهار ضعفها أو عدم صلاحيتها …ومن آليات الحجاج الأشكال التالية:
- حجاج برهانية: حجة البرهان المنطقي، حجة البرهان الاستدلالي، حجة البرهان بالخلف.
- حجاج بلاغية: توظيف التشبيه، المجاز، الاستعارة، المماثلة…
- حجة توظيف المثال والأساطير والقصص…، والحجاج باللجوء إلى السلطة الموثوقة إلخ…
التحليل والتركيب
عملية التحليل في الفلسفة غايتها، تفكيك الكل إلى عناصره المكونة الواحد تلو الآخر وفق نظام وتسلسل محكم، كما يؤكد ذلك الأستاذ “مصطفى بلحمر”، وتسعى عملية التحليل إلى شرح وتوضيح وإبراز محتوى كل عنصر من تلك العناصر.أما التركيب فهو إعادة تشكيل الكل انطلاقا من العناصر التي تم تحليلها بأسلوب خاص يسمح بتبيين أفضل للعناصر ومركزا على ما هو جوهري في الكل. أي تجميع جديد للعناصر التي تم تفكيكها وتحليلها. وقد ألح ديكارت على عمليتي التحليل والتركيب ضمن منهج التفلسف الذي اقترحه وبالتالي فهما خطوتان ضروريتان لأنهما أساس الشرح والتوضيح والفهم والبرهنة.
النسقية
يتألف النسق من عدد من النظريات الفلسفية، تحتوي كل نظرية منها على موقف معين من مشكلة معينة، بحيث تكون كل نظريات النسق مترابطة ومتماسكة البناء. النسق هو الإطار الفكري الكامل الذي يربط أفكار الفيلسوف بعضها ببعض في وحدة عضوية دون أن يحتويها تناقض أو تقاطع، بل شرط النسق الفلسفي تحقيق الوحدة والانسجام بين عناصره التي يتكون منها هذا النسق…