الأستاذ : محمد بضاض
الخميس 22 رمضان 1439ه// 7يونيو 2018م
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله ، ثم أما بعد :-
إن الكتابة في مجال التاريخ أمر مشوّق ومحبب للنفوس ، خاصة تاريخ الإسلام الذي يحكي أمجاد المسلمين الأوائل ، وما حققوه من انتصارات أبهرت العالم قديماً وحديثاً ..
ألا وإن قمة ذلك التاريخ وأعظم تلكم الانتصارات هو ما كان من مغازي النبي صلى الله عليه وسلم وبعوثه وسراياه التي كان السلف الصالح رحمهم الله تعالى يتواصون بتعلمها وتدراسها ودراستها ، فهذا الزهري رحمه الله يقول : في علم المغازي علم الآخرة والدنيا . الجامع لأخلاق الراوي للخطيب (2/195) .
وقد بلغ من حرصهم على تعليم أولادهم مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسراياه أنهم جعلوها قرينة القرآن الكريم من حيث الأولوية ، يقول زين العابدين علي بن الحسين رضي الله عنه : كنا نُعلَّم مغازي النبي صلى الله عليه وسلم وسراياه كما نعلم السورة من القرآن . المصدر السابق .
وعن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص رضي الله عن الجميع قال : كان أبي يعلمنا المغازي ويعدها علينا ، ويقول : يا بني هذه مآثر أبائكم فلا تضيعوا ذكرها . المصدر السابق .
ومن ذلك نعلم أن علم التاريخ العسكري من أجدر فروع التاريخ بالدراسة والتعمق والتحليل والعبرة .. فما أحوج المسلمين اليوم لمعرفة العبرة والعظة من غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم وسراياه ..
وقد اتبعنا في سرد هذه المغازي والسير و الفوائد ذكر أصل الحادثة دون تفصيل فيها ؛ لأن ذلك مكانه الكتب المتخصصة ، وليس هنا مجالها .. و بعداً عن التطويل الممل والاختصار المخل نسرد العبر والعظات المستنبطة من هذه الغزوات ، حتى نضع أمامكم إخواني اخواتي السادة والسيدات معشر الاساتذة والاستاذات كل بصفته و لقبه منهجاً تربوياً متكاملاً مستمداً في أصله من مدرسة النبي صلى الله عليه وسلم ..
بدأت الغزوات بعد أن شرّع الله تعالى الجهاد والقتال للمسلمين رداً للظلم الذي وقع عليهم وكذلك رداً للفتنة، وقد استمرّت لمدّة ثمانية أعوام، وذلك من سنة الثانية بعد الهجرة إلى السنة التاسعة بعد الهجرة وقد شارك الرسول عليه الصلاة والسلام في القتال بسبعٍ منها، ولكلّ غزوة من الغزوات أسبابها ونتائجها المختلفة ولكن جميعها كانت لحفظ مكانة الإسلام وحمايته ولم تكن أبداً طمعاً بسلطة أو مال. الغزوة: وهي مأخوذة من أصل الكلمة “غَزو” أي السير لقتال الأعداء في بلادهم، وتكون الغزوة بجيش كامل وعتاد وقوة كاملة، وقد بلغ عدد غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم 28 غزوة، وعند الجمهور يكون كلّ ما خرج فيه الرسول صلى الله عليه وسلم “غزوة” بغض النظر عن وقوع القتال أو عدم وقوعه.
السرية: فهي جزء من الجيش، ويمكن أن تتكوّن من خمسة أفراد إلى ثلاثمئة فرد، لذلك فهي أصغر من “الغزوة” وفي العادة ما تكون لها أهداف أبسط من “الغزوة”، وبلغ عدد السرايا 38 سرية، وعند الجمهور تكون كلّ ما لم يخرج فيع الرسول صلى الله عليه وسلم “سرية”وإذا كانت أصغر من ذلك فهي “بعث”. فالرسول عليه الصلاة والسلام قد يبعث رجلاً واحداً فقط في مهمّة معينة.
ترتيب تاريخ الغزوات اسم الغزوة تاريخ حدوثها مكانه حدوثها
* ودان صفر، 2 هـ ودان بواط العام الثاني بعد الهجرة، ربيع الأول، 2 هـ بواط العشيرة جماد الأول، 2 هـ العشيرة بدر الأولى جماد الآخر، 2 هـ وادي سفون بدر الكبرى رمضان، 2 هـ بدر بني سليم شوال، 2 هـ قرقرة الكدر بني قينقاع شوال، 2 هـ المدينة السويق ذو الحجة، 2 هـ قرقرة الكدر ذي أمر محرم، 3 هـ ذو أمر بحران ربيع الأول، 3 هـ بحران أحد شوال، 3 هـ جبل أحد حمراء الأسد شوال، 3 هـ حمراء الأسد بني النظير ربيع الأول، 4 هـ ضواحي المدينة ذات الرقاع شعبان، 4 هـ ذات الرقاع بدر الآخرة شعبان، 4 هـ بدر دومة الجندل ربيع الأول، 5 هـ دومة الجندل بني المصطلق شعبان، 5 هـ المريسيع بني قريظة ذو القعدة، 5 هـ ضواحي المدينة بني لحيان جماد الأول، 6 هـ غران ذي قرد جماد الأول، 6 هـ ذو قرد الحديبية ذو القعدة، 6 هـ الحديبية خيبر محرم، 7 هـ خيبر عمرة القضاء ذو الحجة، 7 هـ مكة المكرمة فتح مكة رمضان، 8 هـ مكة المكرمة حُنين شوال، 8 هـ وادي حنين الطائف شوال، 8 هـ الطائف تبوك رجب، 9 هـ تبوك ذكر الغزوات في القرآن ورد ذكر لبعض هذه الغزوات في القرآن الكريم بالإيجاز أحياناً، وبشيء من التفصيل في أحيان أخرى، حيث إنّه قد ذكرت غزوة بدر الكبرى في سورة الأنفال بالتفصيل وفي سورة آل عمران بالإيجاز، كما وردت غزوة أحد أيضاً في سورة آل عمران وكذلك غزوة بني قينقاع، وذكرت غزوة حنين وتبوك في سورة التوبة باقتضاب، وذكرت غزوة الخندق بالتفصيل في سورة الأحزاب، وغزوتي خيبر والطائف في سورة آل عمران وسورة الفتح. يعتقد المفسرون والفقهاء أنّ ورود بعض الغزوات بشيء من التفصيل دون غيرها يدلّ على أهمّيتها في مسيرة انتشار الإسلام في عهد النبوة، ولأنّ بها عبرة عظيمة يجب الوقوف عندها.
أسماء غزوات الرسول ونتائجها
1-غزوة الأبواء تمت هذه الغزوة في العام الثاني من الهجرة، في منطقة ودان، وكانت نتيجتها، عمل معاهدة تحالف بين المسلمين وعمرو بن مخشي الضمري، وهو السيد في قبيلته، وكان نص المعاهدة كالتالي : “هذا كتاب من محمد رسول الله لنبي ضمرة، فإنهم آمنون على أموالهم وأنفسهم، وإن لهم النصر على من رامهم إلا أن يحاربوا دين الله، ما بل بحر صوفة، وإن النبي إذا دعاهم لنصره أجابوه”.
2-غزوة بواط قامت هذه الغزوة في العام الثاني من الهجرة، في منطقة بواط، وكانت نتيجتها أنّ الرسول عليه الصلاة والسلام وصل إلى بواط من جهة جبل رضوى، ثم عاد للمدينة المنورة، وفي الطريق التقى مع قريش وبني أمية. غزوة العشيرة حدثت هذه الغزوة في العام الثاني من الهجرة في منطقة العشيرة، وكانت النتيجة أنّ الرسول عليه الصلاة والسلام أودع بني مدلج وجميع حلفائهم، وهم من بني ضمرة، في منطقة ذي العشية، وهي مكان بين مكة والمدينة المنورة.
غزوة بدر الأولى قامت هذه الغزوة في العام الثاني من الهجرة في منطقة هوادي سفوان، وقد كانت النتيجة أنّ الرسول عليه الصلاة والسلام خرج للقاء كرز بن جابر الفهري، بعد أن هجم على مواشٍ تعود لأهل المدينة المنورة، لكن الرسول لم يدركه، ولاذ كرز بالفرار. غزوة بدر الكبرى حدثت في العام الثاني من الهجرة في منطقة بئر بدر، وقد انتصر فيها المسلمون بعد أن استشهد اثنان وعشرون صحابياً، وقُتل من المشركين سبعون مشركاً، وجُرح سبعون، وتعتبر غزوة بدر الكبرى، تاريخاً فاصلاً في تاريخ المسلمين، حيث علت هيبتهم، وقويت شوكتهم.
غزوة بني السليم تمت هذه الغزوة في العام الثاني من الهجرة، وانتهت بلا قتال، حيث همّ بنو غطفان وبنو سليم بغزو المدينة، لكنهم بمجرد أن رأوا جموع المسلمين، عادوا من حيث أتوا.
غزوة بني قينقاع وكانت هذه الغزوة في العام الثاني من الهجرة، وقد تم فيها إبعاد بني قينقاع عن المدينة المنورة، لكثرة شرورهم. غزوة السويق قامت هذه الغزوة في العام الثاني من الهجرة، ولم تتم فيها مواجهة، وذلك لهروب رجال قريش المبعوثين من أبي سفيان لحرق النخيل في المدينة.
غزوة ذي أمر حدثت هذه الغزوة في العام الثالث من الهجرة، وانتهت بلا مواجهة، وتراجع بنو ثعلبة وبنو محارب عن غزو المدينة، وإسلام الشخص الذي أراد أن يقتل رسول الله عليه الصلاة والسلام.
غزوة أحد تمت هذه الغزوة في العام الثالث من الهجرة، وانتهت بخسائر فادحة للمسلمين، بعد أن خالف الرماة على الجبل، أوامر النبي عليه الصلاة والسلام، واستطاعت قريش بقيادة خالد بن الوليد، الانتصار.
غزوة حمراء الأسد هذه الغزوة قامت في العام الثالث من الهجرة في منطقة حمراء الأسد بعد يوم أحد بيوم، وخرج المسلمون للإغارة على معسكرات العدو، حتى لا يظنون أن المسلمين ضعفاء.
غزوة بني النضير في العام الرابع من الهجرة قامت هذه الغزوة، وتم فيها إبعاد يهود بني النضير عن المدينة المنورة، بعد أن أرادوا قتل الرسول عليه الصلاة والسلام، والغدر بالمسلمين والكيد لهم، فتم إجلاؤهم عن أرض خيبر.
غزوة ذات الرقاع في العام الرابع من الهجرة تمت هذه الغزوة وانتهت بلا قتال، فبعد أن قرر بنو غطفان وبنو ثعلبة الإغارة على المسلمين، تجهزت جموع المسلمين لقتالهم، فدبت في قلوب المشركين الرعب، وهربوا من المواجهة.
غزوة بدر الآخرة قامت هذه الغزوة في العام الرابع من الهجرة، بلا مواجهة، فعندما نزل أبوسفيان بناحية الظهران، خرج الرسول عليه الصلاة والسلام إليه، فلما علم أبو سفيان بقدوم الرسول وانتهت ، رجع، فرجع الرسول كذلك.
غزوة دومة الجندل حدثت هذه الغزوة في العام الخامس الهجري، بعد أن وصل لأسماع النبي عليه الصلاة والسلام أنّ المشركين حين كانوا مجتمعين في دومة الجندل، قرروا الإغارة على المسلمين، لكن تبين أنّها مجرد كذبة، ولم يحدث قتال بين المسلمين وغيرهم.
غزوة بني المصطلق قامت هذه الغزوة في العام الخامس الهجري، وذلك بعد أن علم الرسول عليه الصلاة والسلام، أنّ بني المصطلق يعدون العدة لمواجهة المسلمين، فذهب لملاقاتهم، وقد انتصر المسلمون على بني المصطلق، ووقع بعضهم في الأسر، وأطلق سراحهم جميعاً.
غزوة الخندق في العام الخامس الهجري تمت هذه الغزوة بعد أن علم المسلمون أن اليهود يحرضون قريش، والقبائل العربية ضدهم، فحفروا خندقاً حول المدينة المنورة، وفشل الأعداء في حصارهم، وعادوا خائبين إلى ديارهم، دون مواجهة المسلمين بالقتال.
غزوة بني قريظة قامت هذه الغزوة في العام الخامس الهجري فبعد أن همّ بنو قريظة بغدر معاهدة الصلح بينهم وبين المسلمين، فكلف الرسول عليه الصلاة والسلام رجلاً منهم ليحكم حسب التوراة التي يؤمنون بها، وكان حكمه قتل أربعمئة رجل.
غزوة بني لحيان في العام السادس الهجري قامت هذه الغزوة وانتهت بتفرق بني الرجيع، وهروبهم من المواجهة، خوفاً من المسلمين. غزوة ذي قرد في العام السادس الهجري حدثت هذه الغزوة وانتهت بلحاق الرسول عليه الصلاة والسلام خيل غطفان، وقائدها عيينة الفزاري، الذين أغاروا على متاع لرسول الله، وقتلوا رجلاً من المسلمين، فوقعت امرأته في الأسر، ولحقهم الرسول عليه الصلاة والسلام.
صلح الحديبية بدأ هذا الصلح في العام السادس الهجري في منطقة الحديبة، وتم فيه عقد معاهدة صلح بين المسلمين وقريش، وقد كان المسلمون تحت قيادة الرسول عليه الصلاة والسلام، وقريش بقيادة عمرو بن سهيل القرشي، وكانت مدة الصلح عشر سنوات.
غزوة خيبر وقعت في العام السابع من الهجرة، وقد أفشل المسلمون بقيادة الرسول عليه الصلاة والسلام، مخططات يهود خيبر، في الإغارة على المدينة المنورة، فانتصر المسلمون.
غزوة عمرة القضاء حدثت في العام السابع من الهجرة، وقتل فيها واحد وعشرون شخصاً من اليهود الذين يسكنون القرى.
فتح مكة قام المسلمون بفتح مكة المكرمة، وعفا الرسول صلى الله عليه وسلم عن جميع أهلها، دون أيّة شروط.
غزوة حنين وقعت أحداثها في العام الثامن من الهجرة، في وادي حنين، وانتهت بإطلاق سراح جميع الأسرى، دون أي فداء، ومنحهم الكسوة.
غزوة الطائف حدثت في الطائف، وانتهت بفك الحصار عن أهلها، بعد أن حاصرهم المسلمون شهراً كاملاً، وأشهروا إسلامهم.
غزوة تبوك وقعت هذه الغزوة في عام العسرة في شهر رمضان المبارك، وكان الجو شديد الحرارة، ولم تتم فيها المواجهة بين المسلمين والروم، وذلك بسبب الرعب الذي أصاب قلوبهم، فتراجعوا عن محاربة المسلمين.
الغزوات والسرايا دروس وعبر |
..وهذه بعض فوائد دراسة السيرة النبوية – المرحلة الجهادية – أقدمها بين يدي هذا الموضوع :- 1 – إن دراسة المرحلة الجهادية في السيرة النبوية زاد نافع للدعاة والمجاهدين يشحذ الهمم ويقوي العزائم .. خاصة إذا وقفوا على الجهود العظيمة والدماء التي بذلت لإعزاز الدين ورفع راية رب العالمين . 2 – إن دراسة المرحلة الجهادية للسيرة النبوية يعرّف الواحد منا قدر نعمة الهداية لهذا الدين ، ومدى الشرف بالانتساب إليه والدعوة له والجهاد لرفع رايته . 3 – معرفة الطريق إلى عز الإسلام والمسلمين ، فقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم في أسوأ حال بعث فيها نبي من الأنبياء .. فانتقل بهم من مرحلة إلى مرحلة حتى أكمل الله عز وجل له الدين وتمت النعمة على المسلمين ، وذلك كله بفضل الجهاد الذي بذل فيه الغالي والنفيس .. 4 – معرفة المؤهلات التي أهّلت الصحابة رضي الله عنهم لقيادة البشرية ، وكيف رباهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا مما يدعو إلى محبتهم والنسج على منوالهم واتباع سبيلهم . 5 – دراسة المرحلة الجهادية للسيرة النبوية تفيد المسلم الوقوف على كثير من الأحكام الفقهية والدروس التربوية والسياسة الشرعية ، فلا يستغني عنها القائد ليتعلم كيف تكون القيادة ، ولا يستغني عنها الجندي لتيعلم كيف تكون الجندية . 6 – معرفة شرف النبي صلى الله عليه وسلم ويكف عصمه الله عز وجل من الناس وكيف نزلت الملائكة تقاتل معه يوم بدر والأحزاب وحنين ، وكيف نزل جبريل وميكائيل يدافعان عن شخصه الكريم يوم أحد . 7 – معرفة أسباب النصر وأسباب الهزيمة ، فمن أسباب النصر الثقة بالله عزوجل والتوكل عليه والتضرع إليه والأخذ بالأسباب الموصلة إلى النصر .. ومن أسباب الهزيمة ما حدث يوم حنين ويوم أحد من التطلع إلى الدنيا و الاغترار بالكثرة . فهذه جملة من فوائد دراسة المرحلة الجهادية للسيرة النبوية على صاحبها أتم الصلاة وأزكى التسليم ليست على سبيل الحصر ، وقد بذلت جهداً أحتسبه عند الله عزوجل في جمع هذه الفوائد من بطون الكتب والمؤلفات ، كما وأني واستنبطت بعضها ، ولا أدعي أنني استوعبت الموضوع كله .. لكن لا ضير أن أصف النجم في سراه وإن لم استقر في ذراه و ما قلته سوى وميض حداءٍ على طريق الدعوة .. اكتفيت فيه من القلادة بما أحاط بالعنق عجزاً في ضيق وقت .. والله أعلم والحمد لله رب العالمين .. |
الأستاذ : محمد بضاض |