الطريقة المنهجية في تعلم العلوم الشرعية
بقلم فضيلة الأستاذ عبد السلام أجرير الغماري حفظه الله تعالى.
كثير من طلبة العلم الشرعي المبتدئين يسألون عن الطريقة المثلى في تحصيل العلوم الشرعية، ولا شك أن معرفة المنهج في التحصيل أمر بالغ الأهمية، بل العلوم الشرعية لا يحصلها الطالب إلا بمنهج علمي رصين يجمع بين الأصالة والعلمية والتدرج في الطلب.
وفي هذه الورقات سوف أذكر الطريقة المرضية في كيفية التدرج في العلوم الشرعية، وجل معالم هذه الطريقة مأخوذة مما كان عليه التعليم العتيق سابقا في المغرب، (قبل أن يُدمج في وزارة الأوقاف فتتغير برامجه)، وهي نفسها أفضل طريقة في التدرج في تعلم العلوم الشرعية، حسب ظني.
1- كيفية أخذ الفقه:
أول ما يُستحسن البدء به في الفقه المالكي هو حفظ “منظومة ابن عاشر” حفظا تاما، مع مطالعة شرحها المختصر المسمى “مختصر الدر الثمين” للعلامة محمد بن أحمد ميارة الفاسي، وهو شرح موجود ومتوفر في المكتبات. وأصل هذا المختصر أنه في ثلاثة أجزاء، ولكن اختصره صاحبه لتبسيط الفقه للطلبة المبتدئين.
ومن درس منظومة ابن عاشر بأي شرح آخر فهو حسن، وخاصة الشروح الجديدة المعاصرة، فهي أكثر تفهيما للمبتدئ.
وبعد ختم شرح متن ابن عاشر، يُستحسن التدرج في الفقه المالكي بدراسة كتاب “الرسالة” لحجة الدين أبي عبد الله بن أبي زيد القيرواني، وهي الملقبة ب”باكورة السعد”، فيدرسها الطالب بأحد شروحها، ويكفيه فيها كتاب “الثمر الداني” لصالح عبد السميع الآبي الأزهري، وهو مختصر.
أما من أراد التوسع قليلا فعليه ب”الفواكه الدواني في شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني” للعلامة النفراوي المالكي.
ثم بعد ذلك يستمر التدرج في الفقه المالكي لدراسة “مختصر” شيخ الشيوخ العلامة خليل بأحد شروحه، وأكثر الشروح قبولا واعتمادا هو المسمى ب”الشرح الكبير” للإمام الدردير، والأفضل أن يكون هذا الشرح بحاشية العلامة الدسوقي.
وبعد هذا يكون الطالب قد أصبح ملما بجميع فروع الفقه المالكي، فيكون من المنهج العلمي الرصين أن يدْلِف إلى الخلاف العالي في الفقه الإسلامي، وهو نوع من الفقه يذكر الخلاف بين المذاهب ويذكر أدلة كل مذهب، وفي الغالب يتم البدء في هذه المرحلة بكتاب “بداية المجتهد ونهاية المقتصد” للفقيه الفيلسوف ابن رشد الحفيد.
فمن قرأ هذه الكتب بهذا الترتيب، واعتنى بها جيدا، كان فقيها، ومن زاد بعد ذلك كتبا أخرى فله خير ما زاد، ومن أراد التبحر ليصل إلى درجة الفقيه الفهيم المتبحر، فعليه خاصة بالكتب الفقهية المالكية الذي عُنيت بالدليل والمناقشة والحجاج ،ككتب القاضي عبد الوهاب البغدادي، و”التوضيح” للشيخ خليل (صاحب “المختصر”)، و”التبصرة” للخمي، و”شرح التلقين” للمازري، و”البيان والتحصيل” لابن رشد الجد، و”المقدمات الممهدات” له أيضا، و”القبس” لابن العربي، و”مناهج التحصيل” للرجراجي، وغيرهم كثير جدا…
دون أن نغفل ضرورة الاطلاع على القضايا المعاصرة، والنوازل الحديثة، والبحوث التي تُنجز في هذا الوقت المرتبطة بالواقع، حتى لا ينفصل الفقيه عن واقعه.
2- كيفية أخذ علم أصول الفقه:
أما في علم أصول الفقه، فأول شيء يُستحسن البدء به هو الحفظ عن ظهر قلب لمتن يُسمى “الورقات” لإمام الحرمين الجويني، (والحفظ في هذه الفترة الأولى من الطلب مهم جدا لمن استطاعه، وقد عرفنا قيمته بعد ذلك). و”الورقات” كتاب صغير مختصر جدا. لذلك لا بد من شرح له، وقد شرح الكثير من العلماء كتاب “الورقات”، ومن أجود شروحه شرح الإمام الحطاب المالكي المسمى “قرة العين في شرح ورقات إمام الحرمين” وهو مقدم لأن صاحبه مالكي.
ومن أجود هذه الشروح أيضا شرح ابن الفركاح الشافعي.
وبعد الانتهاء من “شرح الورقات”، يُسحسن الانتقال إلى الكتب اللصيقة بالمذهب المالكي في علم الأصول، وأفضلها “نشر البنود بشرح مراقي السعود” لعبد الله بن إبراهيم الشنقيطي، وكذا “مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول” للشريف التلمساني المالكي.
وبعد هذا الحد، لا بأس أن يستزيد الإنسان من دخائر علم الأصول، فيرجع إلى كتاب “جمع الجوامع” للإمام السبكي مع شرح من شروحه، ك”البدور اللوامع في شرح جمع الجوامع” لليوسي.
ثم بعد ذلك يُستزاد من كتب الأصول الأولى، ككتاب “البرهان” لإمام الحرمين الجويني، و”المستصفى” لحجة الإسلام للغزالي… فهي أصل لكتب أصول الفقه.
3- كيفية أخذ علوم اللغة العربية:
أول شيء يُستحسن البدء به في علم النحو هو حفظ المتن المسمى “الآجرومية” لأبي عبد الله الصنهاجي المغربي المشهور ب”آجروم”. وهي كمتن غير كاف، لذلك لا بد من شرح لها، ولها شروح كثيرة، أهمها شرح الأزهري، ولكنه قديم وصعب العبارة، فيُستحسن البدء بكتاب حديث مبسط مثل كتاب “التحفة السنية” للشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد.
وبعد دراسة شرح الآجرومية، يأتي دور منظومة “ألفية ابن مالك” في النحو مع أحد شروحها الميسرة، ك”شرح ابن عقيل”، ومن ختم الألفية دراسة وفهما ألمّ بجل قواعد النحو والصرف.
وبعد “شرح ابن عقيل” يأتي في الرتبة الثانية “شرح المكودي” على ألفية ابن مالك بحاشية الحاج بن حمدون. ثم “شرح الأشموني” على ألفية ابن مالك… ثم بعد هذا يكون بداية التبحر والتوسع، فينظر الطالب في كُتب ابن هشام في النحو واللغة، ككتاب “مغني اللبيب” وكتاب “قطر الندى”… ثم تكون النهاية في الدراية في النحو واللغة بقراءة كتب الأقدمين ك”الخصائص” لابن جني، و”الكتاب” لسيبويه…
أما في علم البلاغة، فيكفي دراسة الكتاب المسمى “الجوهر المكنون في ثلاثه فنون” للأخضري، فهو جامع ومهم في بابه.
4- كيفية أخذ علم مصطلح الحديث:
أما مصطلح الحديث فيُستحسن في البداية البدء بكتاب “شرح نخبة الفكر” للحافظ ابن حجر. وأظن أنها تكفي المبتدئ.
وبعد ختام شرح النخبة، يُستحسن التدرج في العلم، فيُدرس مثلا أي شرح ل”ألفية العراقي” في الحديث”، كالشرح المسمى “فتح المغيث” للحافظ السخاوي.
5- كيفية أخذ علوم القرآن والتفسير:
قد يغني الطالبَ المبتدئ في علوم القرآن كتابٌ واحد فيه، وهو “مناهل العرفان في علوم القرآن” للإمام الزرقاني.
أما التفسير، فلا إشكال فيه بعد تحصيل هذه العلوم، فهو يتوقف على كل ما ذركنا؛ لذلك يكون تأخيره في التدريس من المنهج الرصين. وأجود التفاسير الآن وأفضلها هو التفسير المسمى ب”التحرير والتنوير” لشيخ الإسلام الطاهر بن عاشور؛ لأنه جامع لما قبله، ملم بما في عصره. ولكن نظرا لكبر حجمه، فيُستحسن البدء ببعض التفاسير الميسرة، مثل “صفوة التفاسير” للعلامة محمد علي الصابوني.
6- كيفية أخذ علم العقيدة:
في علم العقدية يكفي في الأصول الكبرى والعامة مطالعة وقراءة “العقدية الطحاوية” التي أجمعت عليها الأمة بالقبول.
ولمن أراد التمرن على علم العقيدة ومعرفة أهم قضايا علم الكلام، فعليه أولا مطالعة “مقدمة ابن عاشر” مع شرح معتمد لها.
وبعد العقيدة الطحاوية وشرح مقدمة ابن عاشر العقدية، يُستحسن قراءة كتاب “شرح جوهرة التوحيد” للإمام الباجوري.
ومن أجود ما كُتب في عصرنا في العقيدة وربْطها بالواقع كتاب “كبرى اليقينيات الكونية” لمحمد سعيد رمضان البوطي.
7- كيفية أخذ علم مقارنة الأديان:
في مقارنة الأديان بمفهومها العصري والحديث، يكفي للمبتدئ مطالعة كتاب “بحوث في مقارنة الأديان” لمحمد الشرقاي. (لم أعثر له على رابط).
أما في مقارنة الأديان بمعناها القديم والأصلي (على الطريقة الإسلامية التي تمتاز بالجدال والحجاج…)، فأحسن ما ألف في الباب كتاب “الفصل في الملل والنحل” لابن حزم الأندلسي. وهناك كتب أخرى أقل منه دقة وإلماما، مثل كتاب “الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح” للشيخ أحمد بن تيمية.
8_ كيفية أخذ علم المنطق:
جرت العادة في التعليم العتيق أن تكون البداءة في دراسة المنطق الصوري بنظم عبد الرحمن الأخضري المسمى “السلم المنورق في فن المنطق”، وهو في الحقيقة نظم يعتبر فيما ذكر غير واحد نظمًا لكتاب “إيساغوجي” أو المدخل لفورفوريوس الذي يعتبر أساس المنطق الصوري.
ولعل أجود شروح “السلم” شرح الشيخ القويسني.
فهذا أهم ما يُنصح به في طريقة تلقي العلوم الشرعية على سنن التدرج، وهناك علوم أخرى لم أدخلها في الكلام؛ لأن جلها غير أساسي، وإنما يأتي بالتبع، كالسيرة النبوية، والتاريخ، والآداب، والشعر،… فهذه كلها مكملة، ولا يحسن البدء بها وترك الأهم منها.
والله تعالى أعلم، وهو الموفق للخير والهادي إلى الصواب.