وزارة الداخلية الفرنسية : إذا شككت في أحد أنه راديكالي عنيف أو إسلامي.. إتصل بالرقم الأخصر..

وزارة الداخلية الفرنسية : إذا شككت في أحد أنه راديكالي عنيف أو إسلامي .. أو إسلامي .. أو إسلامي .. إتصل بالرقم الأخصر.. إسلامي كلمة فضفاضة ممكن تعني عند المتطرفين الفرنسيين لحية، ممكن تعني قميص، ممكن تعني حجاب، ممكن تعني الحديث بالعربية في مكان عمومي.. وممكن تعني فقط إسمك العربي.. أي فرنسي يريد أن يفسد يومك و يتسبب في اعتقالك لمدة يومين على الأقل، و تحقيقات معك فقط بكل سهولة يتصل برقم بالمجان.. ممكن للفرنسي أن يضربك ويشتمك وإذا فقط رفعت صوتك عليه فانت إسلامي، وستقضي أيام سوداء في التحقيقات ليتأكدو من درجة إسلامك هل هو إسلام فرنسي أم لا… مرحبا بمحاكم التفتيش الجديدة في فرنسا……

للأسف الوضع في بلاد الفرنسيين مقلق ومضطرب ولا يبشر بخير..

توضيح الدين وفلسفة الملة عند المعلم الثاني الفيلسوف الفارابي

ولد الفارابي في مدينة فاراب، ولهذا اشتهر باسمه. نسبة إلى المدينة التي عاش فيها. كان أبوه قائد جيش، وكان ببغداد مدة ثم انتقل إلى سوريا وتجوّل بين البلدان وعاد إلى مدينة دمشق واستقر بها إلى حين وفاته. يعود الفضل إليه في إدخال مفهوم الفراغ[؟] إلى علم الفيزياء. تأثر به كل من ابن سينا وابن رشد.

تنقّل في أنحاء البلاد وفي سوريا، قصد حلب وأقام في بلاط سيف الدولة الحمداني فترة ثم ذهب لدمشق وأقام فيها حتى وفاته عن عمر يناهز 80 عامًا ودفن في دمشق، ووضع عدة مصنفات وكان أشهرها كتاب حصر فيه أنواع وأصناف العلوم ويحمل هذا الكتاب اسم إحصاء العلوم.

سُمّي الفارابي “المعلم الثاني” نسبة للمعلم الأول أرسطو والإطلاق بسبب اهتمامه بالمنطق لأن الفارابي هو شارح مؤلفات أرسطو المنطقية

مصادر التأثير
وقد تأثّرت فلسفة الفارابي بصفة خاصة بالمذهب الأرسطي المحدث الغالب على الإسكندرية. ويتسم الفارابي بغزارة كتاباته، حيث نُسب إليه ما يزيد عن مائة كتابة. ومن بينها كتابات تمهيدية عن الفلسفة بصفة عامة، وتعليقاته على أعمال أرسطو (مثل «علم الأخلاق إلى نيقوماخس» نسبة إلى ابن أرسطو نيقوماخس) بالإضافة إلى أعماله الخاصة. وتتسم كتاباته بالإتساق والترابط المنطقي، رغم أنها مشتقة من عدة مدارس ومذاهب فلسفية. وكذلك تأثر الفارابي بنموذج الكواكب والشمس لبطليموس، وعناصر الأفلاطونية المحدثة، وبالتحديد موقفها من الميتافيزياء والفلسفة العملية أو السياسية (والتي هي أقرب إلى «الجمهورية» لأفلاطون منها إلى «السياسة» لأرسطو).

الفارابي وأرسطو وموسى بن ميمون
وقد لعب الفارابي دورًا حيويًا في انتقال أفكار أرسطو من اليونان القديمة إلى الغرب المسيحي في العصور الوسطى، وذلك ما نراه في ترجمة تعليق الفارابي على «العبارة» لأرسطو إلى اللغات اللاتينية. وقد تأثر موسى بن ميمون (وهو يعد أهم مفكري اليهود في العصور الوسطى) بالفارابي بدرجة عظيمة. فمن بين كتاباته الشهيرة «مقالة في فن المنطق»، وفيها أوجز موسى بأسلوب بارع أصول منطق أرسطو في ضوء تعليقات الفيلسوفين الفارسيين: ابن سينا، وبالطبع الفارابي. وأكّد الكاتب ريمي براغ حقيقة أن الفارابي هو المفكر الوحيد الذي تعني به تلك المقالة.

ويعد كلًا من الفارابي وابن سينا وابن رشد من أتباع المدرسة المشائية أو الاستدلالية. إلا أن الفارابي في كتابه «الجمع بين رأيي الحكيمين» حاول أن يجمع بين كل من المذهب الأرسطي والأفلاطوني.

وطبقًا لأدامسون، فإن الهدف الواحد الأوحد التي توجهت كتابات الفارابي نحوه هو إعادة إحياء واستحداث المدرسة الإسكندرية في الفلسفة آنيًا، والتي كان ينتمي إليها معلمه المسيحي يوحنا بن حيلان. ويشهد اللقب التشريفي الذي عرف به (المعلم الثاني) على نجاحه في ذلك. وذكر أدامسون أيضًا أن الفارابي لم يذكر مطلقًا أي شئ عن أفكار الكندي، أو أبو بكر الرازي الذي عاصره، مما قد يدل على أن الفارابي لم يعتقد بصحة مناهجهم.

فلسفة الملة عند الفارابي

♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧

لعله من نافلة القول، الحديث عن الوشائج الوثقى بين الفلسفة والدين عبر التاريخ والعصور؛ فذلك أصبح من البديهيات، التي يمكن القول معها: إنه لا وجود للفلسفة دون الدين، ولا وجود للدين دون الفلسفة.

وهذا القول لا ينطبق على الإسلام وحده؛ بل يسري على جميع الأديان، ولعل اهتمام الفارابي بالدين، من خلال أعماله الفلسفية المختلفة، خير دليل على اهتمام الفلاسفة المسلمين، وانشغالهم بالدين، ومعالجتهم لقضاياه المتنوعة[

فالفارابي، حسب محسن مهدي: هو أول فيلسوف طور فلسفة للملّة، تعتمد، في أساسها، على التراث الفلسفي الأفلاطوني والأرسطي، بشكل عام، وعلى الفلسفة الأفلاطونية، بصورة خاصة.

لقد سبق للفارابي أن تناول الدين في كتبه المتعددة، وخاصة في كتاب الحروف، لكنه أبى إلا أن يخصص كتابًا بعينه لفحص هذه المسألة، هو: كتاب “الملة”، وقد يكون، هذا الكتاب، لاحق التأليف لكتاب الحروف، بقرينة عدم ذكره في كتاب الحروف، وذكر غيره من كتب الفارابي في المنطق.

الملّة عند الفارابي:

1- الملة في كتاب الملة:

لقد خصص الفارابي كتابًا للبحث في الدين، هو “كتاب الملة”: الذي نرى أن غاية الفارابي الأولى، أو القريبة من تأليفه، هي؛ توضيح حقيقة الدين، وصفات رئيسه الأول، وخلفائه، وعلاقته بعلمي الفقه والكلام، وكذلك، علاقته بالفلسفة

ينطلق الفارابي في تفسيره لمحددات حدوث الملة من فرضية أساسية، مضمونها؛ أنه بعد اكتمال العلوم النظرية والعملية، تأتي مرحلة وضع النواميس، وهذا يحتاج إلى صناعة خاصة بذلك، وهي “صناعة وضع النواميس”، والحاجة إلى وضع هذه الأخيرة؛ هي التي أدت إلى حدوث الملة.

ويستعمل الفارابي كتاب “المتناول”، حاليًّا، بالدرس، لتعريف الملة، قائلًا: “الملة؛ هي آراء، وأفعال مقدرة ومقيدة بشرائط يرسمها للجمع رئيسهم الأول، ويلتمس أن ينال باستعمالهم لها غرضًا محدّدًا له، فيهم أو بهم، والجمع، ربما كان عشيرة، أو مدينة، أو صقعًا، أو أمة عظيمة، أو أممًا كثيرة. والرئيس الأول، إن كان فاضلًا، وكانت رئاسته فاضلة، في الحقيقة؛ فإنه يلتمس بما يرسم، أن ينال، هو وكل من تحت رئاسته، السعادة القصوى؛ التي هي، في الحقيقة، سعادة. وتكون تلك الملّة فاضلة”.

إن هذا التعريف الواسع والمحايد، حسب الباحث محسن مهدي، لا يبين أي رأي خاص في الله، والملائكة، والنبوة، والوحي، والثواب والعقاب في الآخرة، أو في مجال الأخلاق، ويتكون من أربعة عناصر، تجيب عن أربعة أسئلة:

1) ما هي الملة؟

♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧◇◇

إنها جملة آراء وأفعال مقيدة بشرائط؛ أي جانب نظري وجانب عملي. النظري: هو مجموعة الآراء المتعلقة بالله وبالملائكة؛ أي الإلهيات، وكذلك، الآراء الخاصة بتركيبة العالم، ومنشئه؛ أي الكوسمولوجيا، والآراء المتعلقة “بالإنسان وحصول النفس فيه”

إضافة إلى تضمن الملة آراء خاصة بالعقل، ومرتبته من العالم، ومنزلته من الله، وكيف يكون من الروحانيين، و”النبوة ما هي؟ والوحي كيف هو؟”

وإذا كان ما سبق من آراء نظرية متعلقة بأشياء نظرية؛ فإن الجانب الثاني من الآراء النظرية، يتعلق بأشياء إرادية؛ أي عملية تخص أفعال الأنبياء، والملوك، والمدن، والأمم إن كل هذه الآراء، وإن كانت نظرية؛ فإنها تهدف إلى العمل؛ لأنها مجموعة من المثالات، التي يجب أن تساعد الناس في مراسهم

“إن آراء الملة؛ هي صفات تحيل إلى المدنيين، جميع ما في المدينة من ملوك، ورؤساء، وخدم، ومراتبهم، وارتباط بعضهم ببعض، وجميع ما يرسم لهم، ليكون ما يوصف لهم من ذلك، أمثلة يقتفونها في مراتبهم وأفعالهم”.

إن الطبيعة العملية للملة، تتجلى بوضوح أكثر في الجانب العملي منها؛ أي الأفعال، وهي: مجموعة الأقاويل التي ترد إلى العبادات، تمجيدًا وتعظيمًا لله، والملائكة، والأنبياء، …إلخ[، وكذلك، معاملات أهل المدن

2) من هو الفاعل الذي يحقق له أن يكون الرئيس الأول، واضع الملة؟

فالملة تفترض رجلًا يأتي بشريعة وعقيدة، فيجتمع الناس حوله، لا للاعتقاد فقط؛ وإنما ليقودهم إلى غرض معين؛ فالرئيس الأول: هو الذي يؤسس المدينة الفاضلة، والملة، حسب النص، لا تكون فاضلة إلا إذا كان الرئيس فاضلًا، ولا يكون الرئيس فاضلًا، إلا إذا كان نبيًّا فاضلًا يوحى إليه بالحقائق.

3) لمن تقدر تلك الآراء والأفعال؟

♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧

إنها جماعة ما، أو جمهور من الناس؛ إذ لا يقدرها الرئيس الأول للملة لنفسه، أو لبعض الأتباع وحسب؛ وإنما يقدرها لجماعة ذات حجم معين.

4) ما هو الغرض؟

في الرئاسة الفاضلة، وهي؛ الرئاسة المؤيدة بالوحي، تقدر الآراء والأفعال في الدين، بحيث “إذا استعملت في المدن أو الأمم، عمرت بها مساكنهم، ونال بها أهلها الخيرات في هذه الدنيا، والسعادة القصوى في الحياة الآخرة[16]، ويوضح الفارابي في السعادة الحقيقية، وهي التي تطلب لذاتها، ولا تطلب في وقت من الأوقات لينال بها غيرها أشياء أخرى؛ إنما تطلب لتنال هذه، فإذا نيلت، كفّ الطلب” هذه السعادة لا تتحقق إلا بإقامة المدينة الفاضلة.

أما في الرئاسة الجاهلية، وهي رئاسة غير مؤدية بالوحي، يكون هدف الدين وغايته تحقيق الخيرات الجاهلية، والتي هي خيرات دنيوية محضة، إما للرئيس الأول، من خلال استعمال أتباعه، واستغلالهم لتحقيق هذه المصالح الدنيوية، وإما للأتباع والجمهور، وإما للرئيس والجمهور معًا؛ فالغاية من الدين، هنا، مقصورة على الدنيا، ولا تتجاوزها

2- الملة والدين والشريعة:

♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧

مثلث (الملة، والدين، والشريعة) تتساوى أضلاعه في الدلالة عند الفارابي تارة، وتتفاوت تارة أخرى، ويقول الفارابي في هذا الصدد: “والملة والدين، يكادا يكونان اسمين مترادفين، وكذلك، الشريعة والسنة؛ فإن هذين يدلان، ويقعان عند الأكثر من الأفعال المقدرة من جزأي الملة، ويمكن أن تسمى الآراء المقدرة شريعة، أيضًا؛ فتكون (الشريعة، والملة، والدين) أسماء مترادفة.

فإن الملة تلتئم من جزأين: تحديد آراء، وتقدير أفعال؛ فآراء الغرب المحددة للملة نوعان: إما رأي عبّر عنه باسمه الخاص به؛ الذي جرت العادة أن يكون دالًّا على ذاته، أو رأي عبر عنه باسم مثاله المحاكي له؛ فالآراء المقدرة التي في الملة الفاضلة؛ إما حق، أو مثال حق”.

ثم هناك مسألة أخرى، يجب الاهتمام بها، وهي: مسألة الترابط بين الملة والسنة؛ حيث إن الثنائي اللفظ الآخر، يطلق على أفعال مقدرة؛ أي على الجزء الثاني من الجزئين، اللذين منهما تلتئم الملة، وعلى الفرائض، والأقوال، والمعاملات، غير أن أحد اللفظين اللذين يلتئم منهما الثنائي؛ وهو الشريعة، يمكن أن يدل على الآراء المقدرة، أو على الجزء الأول من الملّة أيضًا. وبالتالي؛ فإن الشريعة، والملة، والدين، ألفاظ مترادفة حقًّا، وإن لم تكن كذلك؛ فإن الفروقات فيما بينها ليست ذات بال، وقد وضع لفظ سنّة جانبًا، لأنه، بلا ريب؛ لا يدل على آراء.

حسب حسن مهدي؛ فإن هذا الاستعمال العام، يبدو أنه يفترض، مسبقًا، التمييز بين آراء الملّة، وأفعالها، وبين الملل التي منحاها الرأي، وتلك التي منحاها الأفعال على حد سواء.

غير أن الأفعال وحدها، كما الآراء وحدها، لا تكفي لأن تلتئم الملة بها، وبصورة عامة؛ يتطابق عرض الفارابي مع الرؤية المشتركة للملة، غير أن هذه الأخيرة، تميل إلى اعتبار الملة، بالأحرى، شريعة؛ أي أفعال مقدرة، وآراء محددة، ينبغي قبولها، والتقييد بها.

الملة في كتاب “الحروف”:

♧♧♧♧♧♧♧♧◇♧♧♧♧♧♧♧♧♧

خصص أبو نصر الفارابي حيزًا مهمًّا للملة، في كتابه الحروف، خاصة في الباب الثاني (131-161)، ويدرسها في علاقتها بالفلسفة واللغة.

مما لا شك فيه أن كتاب الحروف؛ هو تفسير لكتاب أرسطو طاليس، فيما بعد الطبيعة، (الحروف- مهدي 35)، غير أننا نجد ضمن هذا التفسير؛ “غرض أرسطو طاليس في كتاب ما بعد الطبيعة”، ضمن لغة جديدة، وعصر جديد؛ بل وإضافة غرض جديد؛ هو الملة.

يقدم الفارابي في الباب الثاني، حسب الدكتور محمد عابد الجابري، نوعًا من فلسفة التاريخ، حاول الفارابي أن يشرح فيها تطور الثقافة في المجتمعات، من مرحلة التعبير المشخص بالإشارة والتصويت، إلى أعلى مراحل التعبير المجرد، وهي؛ مرحلة الدين والفلسفة.

وقد لجأ في محاولته هذه إلى المقايسة بين تطور الفكر اليوناني، وتطور الفكر الإسلامي، تارة يقرأ الأول بواسطة الثاني، وتارة أخرى، يقرأ الثاني بواسطة الأول، غير أنه يعرج تارة على الفكر الفارسي، وطورًا على الفكر الهندي، مبرزًا تداخل هذه الثقافات، وانتقال بعضها إلى ميدان الأخرى، محاولًا إثبات الأسبقية الزمنية للفلسفة على الدين، إلى جانب أسبقيتها المنطقية، التي شرحها في كتبه الأخرى، وخاصة في كتاب “الملة”، وكل ذلك بأسلوب تعميمي متقطع، وبطريقة تجريدية جدّ ملتوية، فيها تردد، وغموض، وتستّر، …إلخ.

فيستعرض الفارابي تطور التعبير، ابتداءً من حدوث حروف الأمة وألفاظها، مرورًا بأصل لغة الأمة، ووصولًا إلى حدوث الصنائع العامة؛ الخطابة، والشعر، ورواية الأخبار، وعلم اللسان، وصناعة الكتابة، ثم إلى حدوث الصنائع القياسية، والعلوم النظرية، ثم يتتبع تطور هذه من مرحلة الطرق الخطابية السفسطائية، إلى الطرق الجدلية، التي تأخذ بالاقتراب، شيئًا فشيئًا، من الطرق اليقينية إلى أن: “يصير الحال في الفلسفة، كما يقول، إلى ما كانت عليه في زمن أفلاطون، ثم يتداول ذلك، إلى أن يستقر الأمر على ما استقر عليه أيام أرسطو طاليس؛ فيتناهى النظر العلمي، وتتميز الطرق كلها، وتكمل الفلسفة النظرية، الفلسفة العلمية الكلية، ولا يبقى فيها موضع فحص؛ فتصير صناعة تتعلم، وتعلم فقط، ويكون تعليمها تعليمًا خاصًّا، وتعليمًا مشتركًا.

فالتعليم الخاص؛ يكون بالطرق البرهانية فقط. والتعليم المشترك؛ يكون بالطرق الجدلية، أو الخطابية، أو الشعرية”، ثم ينتقل الفارابي، عبر هذا التأويل الإيديولوجي، إلى هدفه الأساسي، فيقول: “ومن بعد هذه كلها، نحتاج إلى وضع النواميس، وتعليم الجمهور ما قد استنبط وفرغ منه، وصحّح بالبراهين من الأمور النظرية، وما استنبط بقوة التعقل من الأمور العملية؛ فإذا وضعت النواميس في هذين الصنفين، أو ضفنا إليهما الطرق التي يقنع بها الجمهور، ويعلّم، ويؤدّب؛ فقد حصلت الملّة، التي علم الجمهور بها، وأدّبوا، وأخذوا كل ما ينالون به السعادة”.

إذن؛ فالملة هدفها تعليم الجمهور بالإقناع، أو التخييل، أو بهما معًا، ما تنتجه الفلسفة برهانيًّا (الحروف 151).

ولأن الملة تخيل للجمهور الأشياء التي برهنت عليها الفلسفة؛ فلا يتردد الفارابي في إعلان؛ أن الأولى تتقدم على الثانية (الحروف 133)، وذلك؛ لأنها تابعة لها (الحروف 153)، تبعية مزدوجة؛ فهي تبعية زمنية، إذن؛ فالملة إذا جعلت إنسانية، تلت الفلسفة في الزمان، وكذلك، تبعية في المرتبة؛ إذ إنه إذا كانت الملة مستندة إلى فلسفة قديمة مظنونة أو مموهة (الحروف 151)، كانت ملة فاسدة (الحروف 154). أما عندما تكون الفلسفة التي تؤسس الملة فلسفة يقينية؛ فإن الملة، بدورها، تكون صحيحة

يمكن القول: إن معيار التمييز في كتاب الحروف، بين الدين الفاضل، والدين الفاسد؛ هو نوع الفلسفة التي يتبع لها الدين.

فالدين الصحيح: هو الذي يتبع فلسفة برهانية يقينية.

أما الدين الفاسد؛ فهو الذي يتبع فلسفة غير برهانية.

ولكن هناك مشكل يطرح بالقول: (إن الملة جاءت بعد الفلسفة)؛ لأن السؤال المطروح، هنا، هو: إذا كانت الملة قد جاءت بعد الفلسفة، ينبغي أن تكون أكثر تقدمًا منها؛ فكيف يجعل الفارابي الملة إنسانية وهي ليست إنسانية لأنها عبارة عن وحي أو سنة؟

والجواب: إن علم الكلام والفقه، يخضعان الملة لمقتضيات العقل، وبفضلهما يتحول هذا النبع؛ الذي هو الملة، إلى أمر إنساني يمكن الخوض فيه[24]، فالفارابي يقول: “إنه يمكن تأسيس الملة الإنسانية في أي وقت من مسار تطورها، ما دامت تتكون من المعتقدات والممارسات، التي يفرضها المشرّع الإنساني، ولكن كمالها سيعتمد على مدى تقدم الفكر الإنساني، والخبرة الإنسانية، في ذلك الوقت.

فالملة الإنسانية عالقة، أيضًا، في هذه الحركة الدائرية للتاريخ الإنساني، وهي تتشابه مع حركة النواتج الثقافية عبر حدود الأمم، وهي عرضة للانتحال من قبل مدَّعِي تأسيس الملل، الذين يبحثون عن الشهرة والمجد؛ لذلك تكون الملة الإنسانية الأفضل: هي تلك الملة التي تتأسس في ذروة تطور الصناعات الفكرية والعملية”.

ونحن نعتقد أن الملة، عندما تصبح إنسانية؛ فهي عبارة عن فقه، وعلم كلام

3– الملّة في تحصيل السعادة:

♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧

يعالج الفيلسوف (أبو نصر الفارابي) مسألة الملة في كتاب “تحصيل السعادة”، باعتبار الملّة محاكية للفلسفة، وليست هي نفسها الفلسفة؛ حيث إن الفلسفة معرفة بالموجودات والأفعال عن طريق البرهان الإقناعي؛ فإن هذه الموجودات “متى علمت أن تخيلات بمثالاتها التي تحاكيها، وحصول التصديق بما خيل منها عن الطرق الإقناعية، كان المشتمل على تلك المعلومات يسميه القدماء ملّة”

كما أن الفلسفة والملة، لا تنحصران في الموضوع؛ بل تشتركان كذلك في المقصدان، وهما: “تعطيان الغاية القصوى، التي لأجلها كوّن الإنسان، وهي؛ السعادة القصوى”.

ولكن السبل النظرية مختلفة؛ إذ إن كل ما تعطيه الفلسفة من مبادئ، وأسباب، وغايات، (معقولًا أو متصوّرًا)؛ فإن الملة تعطيه متخيلًا، وإن كانت الأولى تتوسل “براهين يقينية”

إيمانه بوحدة الحقيقة

♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧

” ”واجب الوجود عقل محض، يعقل ذاته بذاته، فهو عاقل ومعقول في آن واحد.“ “

إيمانه بوحدة الحقيقة كان يعتقد أن الحقيقة الطبيعية الفلسفية واحدة وليس هناك حقيقتان في موضوع واحد بل هناك حقيقة واحدة وهي التي كشف عنها أفلاطون وأرسطو، وبرأيه أن كل الفلسفات التي تقدم منظومة معرفية ينبغي أن تحذو حذو أفلاطون وأرسطو. ولكن بين أفلاطون وأرسطو تناقض أساسي وكان الفارابي يعتقد أن فلسفة أفلاطون هي عين فلسفة أرسطو ووضع كتاب (الجمع بين رأيي الحكيمين أفلاطون وأرسطو) أفلاطون وأرسطو كلاهما يبحثان في الوجود من جهة علله الأولى، وعند أفلاطون الوجود والعلل الأولى هي (المثل) وأرسطو (العلل الأربعة) ولكن الفارابي كان يعتقد في كتابه أنه لا فرق وحاول أن يوفق بين الفيلسوفين وقدم مجموعة من الأدلة ليقول أن هؤلاء كشفا الحقيقة وكل من جاء بعدهما يجب أن يحذو حذوهما.

نظريته الخاصة بالوجود

♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧

” ”فما الدار دار خـلـود لنا ولا المرء في الأرض بالمعجز“ “
—أبو نصر محمد الفارابي

ترجمه لاتينية لـ كتاب “إحصاء العلوم” ترجمة جيراردو الكريموني.
نظريته في الوجود، وهنا تبدو النظرية التي تسمى بالصدور والفيض وهي أبرز ما يميز الفارابي فهو يميز بين نوعين من الموجودات:

الموجود الممكن الوجود
الموجود الواجب الوجود
هنالك موجودات ممكنة الوجود كثيرة، لكن موجود واحد واجب الوجود. الموجود الممكن الوجود: الموجود الذي متى فُرِض موجودا أو غير موجود لم يعرض منه محال. يعني وجوده أو عدم وجوده ليس هناك ما يمنع ذلك. لكن إذا وجدت لابد لها من علة وكل الموجودات التي تحقق وجودها حوادث. الموجود الواجب الوجود: الموجود الذي متى فرضناه غير موجود عرض منه (الهاء تعود على الفرض) محال. يعني لا يمكن إلا أن يكون موجودا وهو في المصطلح الديني (الله) فنحن لا يمكن أن نقول الله ليس موجود؛ لأنه لا يمكن لنا أن نقول بعد أن قلنا الله ليس موجود كيف وجد العالم. (مؤيس الأيسات عن ليس) تعني موجود الموجودات من العدم (أليس أي أوجد). س/ لا نستطيع أن نفهم كيف وجدت الموجودات الممكنة عن واجب الوجود؟ وكان جواب الكندي هو (مؤيس…..) أما الفارابي يقول أن واجب الوجود طبيعته عقل محض واحد من كل الجهات جوهر عقل محض يعقل ذاته وموضوع تعقله هو ذاته، خلافا لنا نعقل ذاتنا ونعقل أيضا الموجودات الطبيعية ولكن واجب الوجود عند الفارابي يعقل ذاته فقط ويقول الفارابي أنه من تعقله لذاته يفيض عنه عقل أول، يكفي أن يعقل واجب الوجود ذاته حتى يصدر عنه عقل أول أي فعل التعقل فعل مبدع يصدر على سبيل الضرورة لا الإرادة والقصد. يصدر عقل من تعقله لما فوقه يصدر عقل آخر ومن تعقله لذاته يصدر فلك..إلخ العقل الأخير هو العقل الفعال والفلك الخاص به فلك القمر.

المصادر والمراجع

♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧

[1]– محمد آيت حمو، الدين والسياسة في فلسفة الفارابي، ص 27.

[2]– أحمد العلمي حمدان، الكلام كجنس، دراسة لذاتيات الكلام من زوايا ومباحث متعددة، منشورات ما بعد الحداثة، ط1، 2007م، ص 10.

[3]– عزمي طه، سيد أحمد الدين والإيديولوجيا في الفكر السياسي للفارابي، دار المسار، الأردن، 2002م، ص 15.

[4]– عبد الله الطني، معجم الفلسفة الفارابية، بحث لنيل شهادة الدكتوراه في الفلسفة، تحت إشراف الدكتور: طه عبد الرحمن، السنة الجامعية 2003م- 2002م، جامعة محمد الخامس، كلية الآداب والعلوم الإنسانية في الرباط، ص 180.

[5]– أبو نصر الفارابي، كتاب الملة، نصوص أخرى، تحقيق: محسن مهدي، دار المشرق، بيروت، ط2، 1991م، ص 43.

[6]– محسن مهدي، الفارابي وتأسيس الفلسفة الإسلامية السياسية، ترجمة: وداد حاج حسن، دار الفارابي، 2009م، ص 142.

[11]– صالح مصباح، مسألة الملة عند الفارابي، ضمن دراسات حول الفارابي، جامعة صفاقس تونس، 1995م، ص 190.

[15]– محمد آيت حمو، الدين والسياسة عند الفارابي، دار التنوير، بيروت، ط1، 2011م، ص 31.

[20]– محسن مهدي، الفارابي وتأسيس الفلسفة السياسية الإسلامية، ص 155.

[22]– محمد عابد الجابري، نحن والتراث مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2006م، ص ص 118-119.

[23]– صالح مصباح، مسألة الملة عند الفارابي، ص 199.

[24] – محمد آيت حمو، الدين والسياسة عند الفارابي، ص 75.

[25] – محسن مهدي، الفارابي وتأسيس الفلسفة السياسية الإسلامية، ص 107.

[26] – محمد آيت حمو، م س، ص 75.

[27] – أبو نصر الفارابي، تحصيل السعادة، ص 90.

الفيلسوفة هيباتيا شهيدة الفلسفة، الفيلسوفة التي رجمها التطرف المَسِيحِي الكَنَسِي

لا توجد معلومات مؤكدة عن تاريخ ميلادها لكن دراسات أجريت مؤخراً تشير إلى أنها قد ولدت عام 370م بالإسكندرية. أي أنها كانت تبلغ 45 عامًا عند وفاتها. يبدو أن هيياتيا كان تعرف باسمين مختلفين أو كان هناك طريقتان لكتابة نفس الاسم، الأولى هيباتيا والثانية هيباشيا. وقد كان هناك آنذاك امرأتان تحملان ذلك الاسم، هيباتيا ابنة ثيون السكندري، وهيباتيا ابنة اريتريوس. كان والد الأولى هو عالم الرياضيات والفلك الشهير ثيوس الذي عاصر ببس الرومي الذي عاش بالإسكندرية خلال فترة حكم الإمبراطور ثيوذوسيوس الأول. وقد اعتبر كُتّاب السيرة الذاتية لثيون، رئيس جامعة الإسكندرية، أنه كان فيلسوفًا.

كانت هيباتيا تتبع المدرسة الأفلاطونية المحدثة الفلسفية القديمة، لذا فكانت تتبع النهج الرياضي لأكاديمية أفلاطون في أثينا، التي مثّلها إيودوكيوس الكنيدوسي،تأثرت هيباتيا بفكر أفلوطين الذي عاش في القرن الثالث الميلادي، الذي كان يفضّل الدراسة المنطقية والرياضياتية بدلاً من المعرفة التجريبية، ويرى أن للقانون أفضلية على الطبيعة.حياة العقل لأتباع أفلوطين كان الهدف منها الاتحاد مع الصوفية الإلهية.

عاشت هيباتيا في مصر الرومانية، وماتت على يد حشد من المسيحيين بعد اتهامها بممارسة السحر والإلحاد والتسبب في اضطرابات دينية. ترى كاثلين وايلدر أن مقتل هيباتيا يُعدّ نهاية للعصر الكلاسيكي القديم،كما لاحظ ستيفن غرينبلات إن مقتلها “أثَّر بشدة في انحدار الحياة الفكرية السكندريَّة”، وعلى النقيض فيرى كريستيان فيلدبرغ وماريا زيليسكا أن الفلسفة الهلنستية ظلت في حالة متألقة خلال القرنين الخامس والسادس، وربما حتى إبَّان عهد الإمبراطور جستينيان الأول.

مركز الأخبار ـ أول شهيدة علم رجمها التطرف الديني بالحجارة، وعملوا على تقطيع جسدها وحرقها بتهمة التمسك بالوثنية، وممارسة السحر والإلحاد، والخروج عن مفاهيم الكنيسة بابتكار نظريات علمية تضلل البشر، سقطت هيباتيا ضحية للفكر المتعصب الذي لا يؤمن بحق الاختلاف ولا يعرف إلا خطاب العنف والكراهية.

ولدت هيباتيا في الإسكندرية عام 355م، والدها الفيلسوف وعالم الرياضيات الفيثاغوري ثيون ألكنسدروس الذي يعد من أفضل الفلاسفة الذين عاشوا في منتصف القرن الرابع وعاصر الرياضي اليوناني ببس الرومي، كان الأبناء يتلقون تعليمهم من الأسرة التي تؤهلهم للعمل العلمي الثقافي، ولقنها ثيون تربية علمية وجعلها تترعرع بين المخطوطات، وعمل على أن تكون فيلسوفة ورياضية مثقفة.

وكانت تعرف باسم “هيباشيا”، كان للاسم طريقتين مختلفتين في الكتابة، الأولى “هيباتيا” والثانية “هيباشيا”، سافرت إلى أثينا وإيطاليا للدراسة قبل أن تكون عميدة المدرسة الأفلاطونية عام 400 م، وقد عُرفت بدفاعها عن الفلسفة والتساؤل، وعارضت الإيمان المجرد.

حازت هيباتيا على شهرة علمية في مجال الرياضيات والفلسفة والفلك، بدرجة عالية من الذكاء والعلم الواسع، وبحسب الموسوعة البيزنطية “سودا” التي صدرت في القرن العاشر الميلادي، فإن هيباتيا عملت أستاذة للفلسفة، وكان من بين طلابها عدد من المسيحين وأجانب يهود ووثنيين، ورغم أنها لم تكن تؤمن بأي إله إلا أنها كانت رمزاً للفضيلة لأغلب المؤلفين المسيحين.

نشأتها

لم ينقل لنا كتاب السيرة الذاتية لهيباتيا سوى القليل عن حياتها الخاصة المبكرة. ونعلم أنها نشأتها على صلة وثيقة مع جامعة الإسكندرية وقد تلقت الجزء الأكبر من تعلمها على يد والدها.

إذا كنا سوف نحكم بناءًا على السجلات التي تركها المؤرخون يمكننا أن نستخلص أن حياتها المبكرة لم تكن مليئة بالأحداث وإنها قد قضت الجزء الأكبر من وقتها في الدراسة والقراءة مع والدها في الجامعة. وقد دفعنا سويداس وسقراط وآخرون إلى الاعتقاد بأن هيباتيا كانت رائعة الجمال ليس فقط من حيث الشكل بل أيضاً من حيث الشخصية.

ولدت هيباتيا في الإسكندرية حوالي عام 355م. والدها هو الفيلسوف وعالم الرياضيات ثيون. ومع أنه من أفضل الفلاسفة الذين عاشوا في منتصف القرن الرابع، إلا أن المصادر لم تذكر أي شيء بشأن زوجته والدة هيباتيا. لكنها ربما كانت تنتمي إلى أسرة من المفكرين حيث كانت تتم العديد من الزيجات التي جمعت بلاغيين وفلاسفة ببنات زملائهم خلال الفترة التي تزوج فيها والدي هيباتيا. على سبيل المثال تزوج الفيلسوف ثامسطيوس من ابنة فيلسوف آخر خلال أربعينات القرن الثاني (340م)، كما تزوج البلاغي هوميروس من فتاة تنتمي إلى أسرة عريقة من المفكرين بأثينا في نفس الفترة تقريبًا.

في العادة كان الأبناء الذين يولدون لمثل تلك الزيجات يتلقون تعليمًا يؤهلهم للعمل الثقافي الذي تمتهنه الأسرة. هذا الأمر ليس مفاجئًا، لكن الأبناء الإناث أيضًا كن بحاجة إلى التعليم. وقد كانت بعضهن تتدربن كذلك على التدريس، لكن حتى اللاتي لم ترغبن في التدريس كن بحاجة إلى تدريب كافٍ كي تتمكن من تعليم أبنائها. كانت الزوجات الرومانيات أصغر سنًا بكثير من أزواجهن وأدى الواقع الديموغرافي آنذاك إلى أن تتولى النساء تعليم الأبناء بعد وفاة الأزواج. إذا كان الأبناء سوف يرثون مهنة العائلة فلا بد أن يكون باستطاعة الأمهات تحديد ما إذا كان المعلم قادراً أم لا.

ليس بإمكاننا أن نحدد قدر التعليم التي تلقته والدة هيباتيا لكن من الواضح أن ثيون وزوجته أنشآها على أن تكون شابة فيلسوفة ورياضية مثقفة، وهو ما يعني أن التعليم الذي حظيت به هيباتيا اختلف تمامًا عن التدريب العملي الذي كانت تتلقاه المصريات. وعلى الرغم من تعلم نساء الطبقتين الفقيرة والمتوسطة اللاتي تعيشن في المناطق الريفية مبادئ الآداب إلا أنهن لم يحتجن إلى مستوى أكثر تقدمًا. قد يكون الحال أفضل قليلاً بالنسبة للفقيرات من سكان الحضر، فقد كانت لديهن فرصة أكبر في التعلم لكن ذلك لم يكن يتعدى مجرد التعرف على الحروف وكتابتها. أما نساء الطبقة العليا فقد كن يحظين بفرص أكثر، على الأقل نظريًا.

وقد كان التعليم لدى الصفوة في القرن الرابع عبارة عن عملية متعددة المراحل، تبدأ في المنزل بإعطاء مقدمة عن سبل الخطابة الملائمة ثم تحليل القصص التي تستخلص منها دروساً حول السلوك اللائق. وقد كان معظم هذا التدريب المبدأي يتم بواسطة مرضعات تعينهن الأسر للاعتناء بالطفل حتى سن السادسة أو السابعة. وفي سن السابعة تبدأ الفتاة في تعلم اللغة وقواعد السلوك الأساسية التي ستجعل منها أحد أفراد الصفوة.

بلغت هيباتيا مرحلة التدريب النحوي في بداية مراهقتها وهو يرتكز على تمارين تساعدها على تعلم كيفية تصحيح القواعد النحوية، وتطوير مهارات التعبير البلاغي، وإجادة المحتوى الرئيسي لبعض الأعمال الأدبية الشهيرة التي تنتمي للعصور الوسطى. كان هذا التدريب ذا إهمية مضاعفة نظرًا لاختلاف اللغة اليونانية التي يستخدمها صفوة المصريين في الكتابة، عن اللغة اليونانية المستخدمة التي يتحدث بها معظم الناس. فبعد مرور 700 عام على الفترة التي عاش فيها أفلاطون، وبينما ظلت اللغة اليونانية الأدبية إلى حد ما كما هي طوال تلك القرون، تطورت اللغة الشفهية بشكل ملحوظ. فقد كانت اللغة اليونانية في الفترة الكلاسيكية تنطق بلهجة مختلفة عما أصبحت عليه في القرن الرابع، مما جعل من الصعب على متحدثي اللغة اليونانية الرومانية الأواخر أن يستوعبوا الأوزان الشعرية اليونانية (وحتى بعض الكلمات المنفردة). لذلك فقد كان لا بد من تعلم اللغة اليونانية الأدبية لمن كانت اليونانية لغتهم الأم مثل هيباتيا.

كان التدريب النحوي بمثابة تمهيد لكيفية القراءة والكتابة وفهم اللغة، ولكن كان له أيضًا غرض خفي. فقد كان المعلمون يصممون دروسهم بحيث يتم قراءة مجموعة من النصوص والتوقف عند كل مرة يتم فيها الإشارة إلى حدث أو شخصية مهمة لشرحها للطلاب. ومع تقدم الفتاة في التدريب، بدأت تعمل على تمرينات تعرف باسم “بروجيمناسماتا”.

وقد دفعتها تلك التمارين إلى تناول تفاصيل بعض القصص شهيرة، والمقولات المؤثرة المنسوبة لشخصيات تاريخية مثل ديوجانس الكلبي وإيسقراط، بالإضافة إلى تحديد الموضوعات بإستخدام المهارات اللغوية التي كانت قد اكتسبتها مسبقًا. وقد ساعدها ذلك على تطوير مهاراتها في الكتابة والقراءة كما كان هذا التدريب أيضا بمثابة تربية أخلاقية فقد تم اختيار النصوص التي قرأت والقصص التي حللت والشخصيات التاريخية التي نوقشت لأنها تساعد أفراد الصفوة الصغار على فهم السلوكيات اللائقة

شخصية هيباتيا جزء من التسامح الإغريقي

كانت هيباتيا ذات مظهر جذاب وأمضت حياتها عذراء، وعند سؤالها عن سبب حبها لعلوم الرياضيات ورفضها للزواج كانت تجيبهم بأنها متزوجة بالحقيقة، ويحكى أنها رفضت إعجاب أحد طلابها عن طريق إعطائه منديل أبيض ملطخة ببقع من دمها موضحة له أنه لا يوجد شيء جميل في الرغبات الجنسية.

الشيء الذي يوحي رفضها لإعجاب طالبها، كان محكوم بالسياق التاريخي الذي عاشت فيه، إنه سياق ارتبط بنشأة المسيحية التي كانت تنبذ الجنس والجسد وتنظر إلى المرأة كعورة، ففي شخصية هيباتيا جزء من التسامح الإغريقي بدعوتها إلى التعايش بين المؤمنين والملحدين، لكن المسيح حاصروا مكتبة الإسكندرية لأنها في نظرهم تدرس علوماً شيطانية.

تبادلت هيباتيا المراسلات مع تلميذها سينوسيوس القورينائي، الذي أصبح عام 410م، أسقف بتلومياس في ليبيا، وتعتبر هذه الرسائل مع كتابات دامسكيوس عنها المصادر الوحيدة المتبقية عن هيباتيا.

يتحدث المؤرخ الكنسي سقراط عن هيباتيا في كتابه “تاريخ الكنيسة”، قائلاً “كانت هناك امرأة في الإسكندرية تدعى هيباتيا، وهي ابنه الفيلسوف ثيون، كانت بارعة في تحصيل كل العلوم المعاصرة، مما جعلها تتفوق على كل الفلاسفة المعاصرين لها، حيث كانت تقدم تفسيراتها وشروحها الفلسفية، خاصة فلسفة أفلاطون لمريديها الذين قدموا من كل المناطق، بالإضافة إلى تواضعها الشديد لم تكن تهوى الظهور أمام العامة، رغم ذلك كانت تقف أمام قضاة المدينة وحكامها دون أن تفقد مسلكها المتواضع المهيب، الذي كان يميزها عن سواها، والذي اكسبها احترامهم وتقدير الجميع لها، كان والي المدينة ارستوس في مقدمة الذين كانوا يكنون لها عظيم الاحترام”.

ارتباط هيباتيا بمدرسة الإسكندرية

استقطب بطليموس الأول إلى مدينة الإسكندرية المصرية عدداً من المفكرين، وطلب من رجل البلاغة والسياسة “ديمتريوس فاليرويوس” تأسيس مكتبة، التي أصبحت فخر الإسكندرية، ومركز نادراً للعلوم الإنسانية مع تأسيس الموزيوم “بور سعيد” حالياً.

وأصبحت هذه المكتبة مركزاً يجتمع فيه كبار رجال الفكر والفلسفة والعلم، وتحول إلى ملتقى لكل الشباب الراغبين بالتحصيل الثقافي والفني، وارتبط اسم هيباتيا باسم مكتبة الإسكندرية.

وبلغ هذا المركز إلى أوج ازدهاره خلال فترة 100 سنة من تأسيسه، وبعد أن احتل الرومان مدينة الإسكندرية سنة 31 قبل الميلاد، وعزلوا البطالمة عن الحكم، خاب ذكر هذه المدرسة وقلت شهرتها.

ومع العهد الروماني أصبحت مهمة التعليم محصورة بالسكان الأصليين، أي مواطني الإسكندرية، الأمر الذي خفف أكثر فأكثر من شهرتها.

وفي سنة 273 ميلادية أمر الإمبراطور الروماني أورليانوس بهدم الجزء الذي كان للحكام، وتم هدم الموزيوم أيضاً، ولم يبق من هذا الصرح سوى المكتبة، وانسحب رجال العلم وأخذوا معهم كنوزهم الفكرية، من كتب ومراجع ونقلوها إلى صرح المكتبة.

ومع دخول المسيحية إلى العالم الروماني زاد حجم التغيير الثقافي، وتشعب ليطال أنماط جديدة من الطروحات الفلسفية والفكرية. وبقيت الإسكندرية مركزاً طبياً كبيراً ومرموقاً، وعوضاً عن الفلسفة توجهت الأبحاث العلمية نحو الرياضيات والطب.

التخصص

تخصصت هيباتيا في مجال الفلسفة الأفلاطونية المحدثة وعلم الفلك، حيث كانت تتبع المنهج الرياضي لأكاديمية أفلاطون في أثينا، وترتكز الأفلاطونية المحدثة على “الجوانب الروحية والكونية في الفكر الأفلاطوني مع مزجها بالديانتين المصرية واليهودية”، والذي مثلها الفلكي اليوناني إيودوكيوس الكنيدوسي، كما تأثرت بفكر أفلوطين الملقب بـ “الشيخ اليوناني”، الذي عاش في القرن الثالث الميلادي، وكان يفضل الدراسة المنطقية والرياضياتية بدلاً من المعرفة التجريبية، ويرى أن للقانون أفضلية على الطبيعة، وحياة العقل لأتباع أفلوطين كان الهدف منها الاتحاد مع الصوفية الإلهية.

ويعود الفضل لهيباتيا في ابتكار طريقة جديدة في الرياضيات لحساب المدة الزمنية المعروفة بـ “القسمة الستينية” التي تعد هذه القسمة أقرب إلى طريقة البابليين من طريقة أبيها، كما نقحت شروح أبيها في علم الفلك كتاب “المجسطي”، لبطليموس الأشهر في الفلك.

ويرى المؤرخ اليوناني سويداس أنها كتبت شروحاً عن أعمال أبوللونيوس وقوانين بطليموس الفلكية، لكنها فقدت وحرقت بموتها.

التدريب النحوي والتمرينات

بلغت هيباتيا مرحلة التدريب النحوي في بداية مراهقتها، الذي يرتكز على تمارين تساعدها في كيفية تصحيح القواعد النحوية، وتطوير مهارات التعبير البلاغي، وإجادة المحتوى الرئيسي لبعض الأعمال الأدبية الشهيرة التي تنتمي للعصور الوسطى.

كان لهذا التدريب أهمية مضاعفة نظراً لاختلاف اللغة اليونانية التي يستخدمها صفوة المصريين في الكتابة، فضلاً عن اللغة اليونانية المستخدمة التي يتحدث بها معظم الناس، فبعد مرور 700 عام على الفترة التي عاش فيها أفلاطون، وبينما ظلت اللغة اليونانية الأدبية إلى حد ما كما هي طوال تلك القرون، تطورت اللغة الشفهية بشكل ملحوظ، وكانت اللغة اليونانية تنطلق بلهجة مختلفة عما أصبحت عليه في القرن الرابع، مما جعل من الصعب على متحدثي اللغة اليونانية الرومانية الأواخر أن يستوعبوا الأوزان الشعرية اليونانية، لذلك فقد كان لابد من تعلم اللغة اليونانية الأدبية لمن كانت اليونانية لغتهم الأم مثل هيباتيا.

وكان التدريب النحوي بمثابة تمهيد لكيفية القراءة والكتابة، بالإضافة لغرضه الخفي، فقد كان المعلمون يصممون دروسهم بحيث يتم قراءة مجموعة من النصوص والتوقف عند كل مرة يتم فيها الإشارة إلى حدث أو شخصية مهمة لشرحها للطلاب، ومع تقدم هيباتيا في التدريب بدأت تعمل في التمرينات التي عرفت باسم “بروجيمناسماتا”.

ودفعتها تلك التمارين إلى تناول تفاصيل بعض القصص الشهيرة، والمقولات المؤثرة المنسوبة لشخصيات تاريخية مثل الفيلسوف اليوناني “ديوجانس الكلبي”، الذي يعتبر من أبرز ممثلي المدرسة الكلبية الأوائل، والكاتب والمعلم اليوناني “إبسقراط”، بالإضافة إلى تحديد الموضوعات باستخدام المهارات اللغوية التي كانت قد اكتسبتها مسبقاً، وقد ساعدتها هذه التمارين على تطوير مهاراتها في القراءة والكتابة.

تعليمها

تعلمت هيباتيا العلوم الرياضية على يد والدها، ونتيجة الاطلاع والخبرات توسعت لدى فكرها صوراً أخرى من الفلسفة بالمعنى الواسع والشامل، كما برعت في مجال اللغة والقواعد النحوية، مما برز تفوقها على والدها في هذه المجالات.

ولم يذكر اسم أي معلم تلقت التعاليم على يده سوى والدها، وهذا ما يثير الغموض حول طرق تلقيها العلوم التي ترجح في الأغلب أنها تلقتها المنزل، ففي القرن الرابع، كانت الحواجز بين فروع النحو والبلاغة والفلسفة، قد بدأت تتلاشى مقارنة بالفلسفة والرياضيات التي نالت بشكل خاص اهتمام كبير.

قضت هيباتيا فترة قصيرة في دراسة البلاغة، وانتقلت بعدها إلى علوم الرياضيات بعد دراسة اتجاهات كتاب “بروجيمناسماتا” “Prgymnasmata”، واستعراض باقي المسائل العلمية الأساسية مثل الكتابة الفعالة للخطابات.

كانت مدرسة ثيون تركز على الرياضيات عندما كانت هيباتيا تتلقى التعاليم فيها، وكان الفلاسفة يقومون بتدريس الرياضيات كمنهج تمهيدي بحيث يتم تهيئة التلاميذ لدراسة فلسفة أرسطو وأفلاطون، وتضمن تدريبها قراءة منهجية لمجموعة من النصوص الرياضية التي تم إعدادها صورة خاصة بحيث تسمح لها باكتساب وتطوير المهارات الرياضية الأكثر تعقيداً.

وانتقلت هيباتيا من كونها طالبة تدرس العلوم الرياضية في مدرسة والدها، إلى أن أصبحت أحد زملائه.

أعمالها

كانت معظم أعمال هيباتيا مشتركة مع والدها الفيلسوف ثيون ألكنسدروس نتيجة ندرة وجود أعمال أنثوية منفردة للنساء في العصور القديمة، ومن مساهماتها في مجال العلوم أنها رسمت مواقع للأجرام السماوية، واخترعت مقياس ثقل السائل النوعي المستخدم في قياس كثافة ولزوجة السوائل، وقد قال تلميذها سنيوسيوس أنها صنعت أيضاً نوع من آلات الاسطرلاب.

وتضمنت أعمال هيباتيا تعليقات على كتاب “أريثميتيكا” من تأليف ديوفانتوس، وفي إحدى المسائل الرياضية التي طرحتها على طلابها طلبت منهم إيجاد حل وهو رقم صحيح للزوج التالي من المعادلات: س ـ ص = أ، س2 ـ ص2 =(س ـ ص) + ب، إذا كان أ و ب معروفين، أوجد قيمة س، و ص، و أ، و ب لجعل كلتي المعادلتين صحيحتان.

سبب تهديدها

كانت هيباتيا تمتاز بميزات تجعلها متفوقة وبارعة في مجالاتها، مما زاد محبتها بين الناس، وإقبال الطلبة عليها، هذه المحبة ونجاح منهجها سبباً لتحقير رئيس أساقفة الإسكندرية، مما اطلق عليها لقب “ساحرة”.

ولأن الكنيسة مرجع الدولة الرومانية التي تدين بالنصرانية، وتعمل على قطع كل مظاهر العلم والثقافة ومطاردة العلماء، حاولوا توقيف هيباتيا بعد نجاحها، كما بدأ التخطيط لإسكاتها.

رجمها حتى الموت

كانت هيباتيا تعتبر نفسها محدثة أفلاطونية، ووثنية من أتباع فيثاغورس، وكان التفاف المثقفين حولها يسبب حرجاً حول الكنيسة المسيحية وراعيها الأسقف كيرلس الأول الملقب بـ “عمود الدين”.

ويقول عالم المنطق والمؤرخ البريطاني برتراند رسل أن القديس كيرلس كان غيوراً على الدين غيرة فيها هوس التعصب، فاستخدم منصبه في إثارة المذابح ضد الجالية اليهودية في الإسكندرية، وأشهر ما كتب عنه هو محاكمته ومعاقبته لـ “هيباتيا” غير مستند إلى قانون.

واعتبر المسيحيون المنافسون لفلسفة هيباتيا أقوالها الأفلاطونية حول طبيعة الإله والحياة الأخرى كفراً، بالإضافة إلى عدم التزامها بمبادئ الدين المسيحي، وصداقتها المتينة للوالي أوريستوس الذي كان على خلاف سياسي مع أسقف الإسكندرية كيرلس الأول، حيث بدأت أعداد متلقي تعاليمها تزداد بصورة لافتة للأنظار، مما زاد من مخاوف كيرلس.

ودخل الأسقف في صراع مع اليهود الموجودين بمدينة الإسكندرية لإخراجهم منها، وشكلوا ما يمكن تسميته بـ “جيش الكنيسة”، ولم يكن باستطاعة الوالي التصدي لهذا الصراع، بل وتعرض للإهانة والقذف بالحجارة، تأزمت العلاقات بين المسيحين والوالي أوريستوس المسيحي بسبب علاقته وصداقته مع هيباتيا التي أثرت عليه، ولا سبيل للخلاص من هذه الصراعات إلا بالخلاص منها.

وفي شهر مارس/آذار عام 415، بعد خطبة نارية ألقاها كيرلس على جمع غفير من الناس في الكنيسة المرقسية، كان يحرضهم فيها على الفلاسفة ويصفهم بالكفار والمهرطقين، فشكلت جماعة متشددة قذفت الوالي الروماني ارستوس بالحجارة، وخرجت جموع الناس المسيحية بالركض نحو قاعة الدرس التي كانت هيباتيا تلقي فيها محاضراتها في الفلسفة، وعند خروجها من القاعة لبيتها بعد إحدى الندوات، قامت هذه الجموع بنزع هيباتيا لملابسها وجرها من شعرها عارية مكبلة اليدين بحبل، ليتسنى لهم سلخ جلدها والقيام بتعذيبها، كما قاموا برمي أصداف الحجارة عليها إلى أن غدت جثة دامية، وهم يرددون “باسم الرب سنسحق الكافرين، باسم الرب سنقتل المهرطقين أعداء الله والمسيح”.

وأشعلوا بها النار ملقين عليها تهمة الزندقة والكفر، وأحرقوها لإخفاء معالمها وجثمانها، وطمس مؤلفاتها ومخطوطاتها التي طالما سعت لتحقيق النظريات وبيان صحتها.

نهاية تاريخها

بعد أن قام المتطرفون بقتل هيباتيا وتقطيعها، جمعوا أعمالها ومخطوطاتها العلمية الخاصة بها، وقاموا بحرقها، كما حاولوا محو اسمها من التاريخ بالكامل دون ذكرها، كما كانت تُفرض عقوبة الموت بتهمة “الوثنية والإلحاد” على كل من يلفظ اسم هيباتيا.

وكان موت هيباتيا نهاية لقرون من التقدم اليوناني في مجال الرياضيات، والمعروف بعصر التنور الفكري والتقدم المعرفي الذي شهدته مدينة الإسكندرية لمدة 750 عاماً، حيث قام العديد من العلماء بترك المدينة والانتقال إلى أثينا.

ترى العالمة كاثلين وايلدر أن مقتل هيباتيا يُعدُّ نهاية للعصر الكلاسيكي القديم، كما لاحظ الناقد الإنكليزي ستيفن غرينبلات أن مقتلها أثر بشدة في انحدار الحياة الفكرية السكندرية، وعلى النقيض يرى المؤرخان الفرنسيان كريستيان فيلدبرغ وماريا زيليسكا أن الفلسفة الهلنستية ظلت في حالة متألقة خلال القرنين الخامس والسادس حتى عهد الإمبراطور الروماني البيزنطي جستينيان الأول.

أشهر أقوالها

وبحسب الدراسة التي أعدها الكاتب والباحث “مكاريوس جبور” من مكتبة الكتب المسيحية، حول التعاليم التي درستها هيباتيا، كان أشهر ما قالته هيباتيا عن الحقيقة أن “الحياة عبارة عن حالة من التكشف، وكلما سافرنا ازدادت الحقيقة التي يمكننا فهمها، من أجل فهم الأشياء الموجودة أمامنا، الأفضل أن نفهم تلك التي تكمن ورائها”.

وقد تحدثت عن الأساطير والخرافات والمعجزات بقولها “يجب أن تدرس الخرافات كخرافات والأساطير كأساطير والمعجزات كأوهام شعرية، أن تعلم الخرافات على أنها حقائق هو أمر فظيع، إن عقل الطفل سيقبل بها ويصدقها، ومن خلال الألم الشديد فقط وربما المأساة، سيتمكن بعد سنين من أن يعفي منها”.

ورفضت قبول الأديان للإنسان العاقل الذي يحترم نفسه بقولها “إن جميع الأديان العقائدية والرسمية خادعة ويجب عدم قبولها نهائياً من قبل الأشخاص الذين يحترمون أنفسهم”.

وفرقت هيباتيا بين الحقيقة والوهم “الخرافة” بقولها “في الواقع، سيقاتل الرجال من أجل الخرافات بنفس السرعة التي يقومون بها في القتال من أجل الحقائق الحية، وأحياناً أكثر لأن الخرافات غير ملموسة، ولا يمكنك الوصول إليها لدحضها أما الحقيقة فهي وجهة ويمكن تغييرها”.

دعت هيباتيا الإنسان بالتفكير دوماً بقولها “احفظ حقك في التفكير، حتى ولو كان التفكير بشكل خاطئ، فهو أفضل من عدم التفكير على الإطلاق”.

النسخ الخاصة بهيباتيا والأثر الذي خلفته

قام المسيحون المتمردون بمهاجمة مباني الجامعة العظيمة، وتخريب المكتبة، وحرق عدد كبير من الكتب التي كانت أغلب تلك النسخ خاصة بهيباتيا وثيون منها كتاب “الأصول” لإقليدس، وتعليقات هيباتيا على كل من كتاب “أريثميتيكا” لديوفانتوس، وكتاب “الجداول” “Handy Tables” لبطليموس، وكتاب بليناس “القطع المخروطي” “Conics”، لم يتم الحفاظ عليها إلا من خلال النسخ التي جلبها العلماء إلى مدن الشرق الأدنى حيث تمت ترجمتها إلى العربية، أما الكتابات الفلسفية فقد فقدت إلى الأبد.

ونتيجة فكر الفيلسوفة هيباتيا الأفلاطوني، ومصرعها بطريقة خارجة عن الأخلاق، نقل المؤرخون والكتاب قصتها على مدار القرون، حيث ذكرت النصوص التاريخية من القرن الخامس والسابع والعاشر قصة حياتها ومساهمتها في علوم الرياضيات والفلسفة، وطريقة موتها البشعة على يد المتطرفين في الديانة المسيحية.

وفي عام 1851م، قام الروائي الإنجليزي تشارلز كينجسلي بتحويل قصة حياة ومقتل هيباتيا إلى عمل درامي في كتابه “هيباتيا”، كما وصف ألبرت هابرت” في كتابه “رحلات إلى بيوت معلمين عظام” السيرة الذاتية لهيباتيا، الذي تم نشره عام 1908م.

وأسس علماء العصر الحديث مجلة “هيباتيا” للنشر، تم نشر الأوراق العلمية الخاصة بالنساء، كما تناولت الدراسات الفلسفية ودراسات المرأة.

5-المواقف الفلسفية لمجزوءة المعرفة/6-ملخص التصورات لمجزوءة المعرفة

1-مادة الفلسفة

2- المستوى الثانية باكالوريا شعبة العلوم والآداب

3-دروس الأسدس الأول

4- مجزوءة المعرفة

5- الموضوع المواقف الفلسفية لمجزوءة المعرفة

6- الأستاذ محمد بضاض

النظریة والتجربة

المحور الأول: التجربة والتجریب

مما لا مناص فیه، تعتبر المعرفة العلمیة نموذجا للموضوعیة والدقة في أبحاثها ونتائجها، لكن ما سبب قوتها ومصداقیتها ؟ ثم كیف تبني موضوعها ؟ هل بالاعتماد على الوقائع الحسیة أم باللجوء إلى الفكر العقلاني؟

1-موقف كلود برنار

یرى أن المنهج التجریبي الذي ینطلق من التجربة مرورا بالمقارنة وانتهاء بالحكم یشكل جوهر المعرفة العلمیة لكونه هو المصدر الوحید للمعرفة الإنسانیة، ولاسیما في إدراك العلاقات بین الظواهر، وفي اعتماد الاستدلال التجریبي لاستنباط الأحكام والقوانین من الظواهر الطبیعیة بغیة التحكم فیها.

2-موقف دافید هیوم

لا یرى ضرورة ابتداء المعرفة بالتجربة وحدها بل علیها أن تقوم كلیا على التجربة. فما یمكن ملاحظته هي الظواهر التي لایمكن تفسیرها، إذ لا شيء یمكن معرفته قبلیا دونما أي تجربة.

3-موقف رونیه طوم

یعتقد أن الواقعة التجریبیة لا یمكن أن تكون علمیة إلا إذا استوفت شرطین أساسین: قابلیة إعادة صنعها في مجالات زمكانیة مختلفة.

المحور الثاني: العقلانية العلمیة

في الوقت الذي یشكل فیه العقل مصدرا لبناء النظریة، یؤسس الواقع موضوعها. لكن ما الأساس الذي تبنى علیه العقلانیة العلمیة ؟ هل العقل أم التجربة، أم هما معا ؟

1-موقف دیكارت

يرى ضرورة بناء المعرفة العلمیة اعتمادا على العقل وحده دونما الاستعانة بالتجارب والمعارف النابعة من الحواس، لأن له جمیع الخاصیات والمؤهلات التي تتیح له إنتاج الحقیقة. فالعقل یعتمد على المبادئ التي تساعده على بلوغ أهدافه ببداهة ووضوح تامتین.

2-موقف كانط

له موقف یجمع فیه بین قدرات العقل ومعطیات التجربة، بمعنى التكامل بین المعرفة العقلیة القبلیة والمعرفة التجریبیة البعدیة. فالتجربة لیست إلا مجرد وسیلة یتم بموجبها الحكم على المبادئ العقلیة القبلیة لان بلوغ الأحكام الكونیة رهین بالتفكیر العقلي المنقح بالتجربة.

3-موقف ألبیر إنشتاین

یذهب إلى أن للعقل الدور الایجابي في المعرفة العلمیة. فالعقل هو الذي یمنح النسق الریاضي – الذي أصبح في ظل الفیزیاء المعاصرة المحدد الرئیسي – بنیته. أما التجربة فینبغي أن تتناسب مع نتائج النظریة تناسبا تاما. لأن البناء الریاضي الخالص یمكننا من اكتشاف المفاهیم والقوانین والتي تمنحنا مفتاح فهم ظواهر الطبیعة التي یرى اینشتاین أنها تتحدث لغة الأرقام.

المحور الثالث: معايير علمية النظريات العلمية

من المصادر عنه أن المعرفة العلمیة حققت نجاحا باهرا في كل مجالات اشتغالها، والفضل في ذلك یرجع إلى زخم كبیر من الأسباب التي جعلتها تحظى بالدقة والموضوعیة والصرامة، لكن ألا یحق لنا أن نتساءل عن ما هي معاییر علمیة المعرفة العلمیة ؟ وما هي مقاییس صلاحیتها ؟

1-موقف برتراند راسل

أن المعرفة العلمیة التي یحصلها الإنسان على وجهین: معرفة بالحقائق الخاصة، ومعرفة بالحقائق العلمیة. فالحقائق الخاصة هي وقائع تتضمن استنتاجات تتباین درجة صحتها وصلاحیتها، في حین تتخذ الحقائق العلمیة صورة استنتاجات یقینیة.  إلا أن هذه الحقائق العلمیة قد تقصر على استیفاء شرط العلمیة حینما لا تفي بمعاییر منهجیة ثلاثة تتلخص فيما يلي:

  • الشك في صحة الاستقراء.
  • صعوبة استنتاج ما لا یقع في تجربتنا، قیاسا على ما یقع فیها.
  • افتراض إمكانیة استنتاج ما لا یدخل في تجربتنا یكون ذا طابع مجرد لذلك یعطي قدرا من المعلومات أقل مما یبدو أنه معطیه لو استخدمت اللغة العادیة.
2-موقف بوانكاري

یذهب إلى أن معیار الموضوعیة في العلم فیتحدد في العلاقة الموجودة بین الظواهر، لهذا لم یعد ینظر إلیها بشكل معزول مما أتاح للباحثین إمكانیة تحقیق المسافة العلمیة الضروریة بینهم وبین الموضوع المدروس. والخاصیة التي تمیز النظریات العلمیة هي قابلیتها للتطور والمراجعة والتغییر، فالنظریة قد تصبح یوما ما متجاوزة لتفسح المجال لأخرى لتحل محلها. وتتخذ لاحقا النظریة حلة جدیدة.

مسألة العلمیة في العلوم الإنسانیة

المحور الأول: موضعة الظاهرة الإنسانية

هل یمكن اعتبار الإنسان موضوعا للدراسة العلمیة ؟ هل یمكن تطبیق منهج صارم على الإنسان قیاسا لما یتم في العلوم التجریبیة ؟

1-موقف أوجست كونت

من الممكن أن یصبح علم الاجتماع مثلا علما حقیقیا، ولذلك یمكن اعتباره “فیزیاء اجتماعیة”، ویدل هذا النعت على إمكانیة استعمال المنهج التجریبي كما هو الشأن في الفیزیاء والحصول على نتائج یقینیة…

2-موقف إمیل دوركایم

من الممكن دراسة الظاهرة الاجتماعیة دراسة علمیة وفق “قواعد منهجیة” خاصة بعلم الاجتماع مثلا، والحصول على نتائج جد مقنعة كما تم ذلك في دراسة ظاهرة الانتحار من طرف دوركایم نفسه. و یعبر هذا الموقف عن نزعة علمیة هي موضع جدال بین المتخصصین في هذا المجال وذلك لخصوصیة الظاهرة الاجتماعیة مقارنة بالظاهرة الطبیعیة.

3-موقف جان بیاجي

توجد عدة عوائق تعترض تحقیق العلمیة في العلوم الإنسانیة تتعلق بطبیعة موضوعاتها. فالعلوم الإنسانیة تتمیز بخصوصیة تتمثل في كون الذات الملاِحظة تلاحظ ذاتها (الذات الأخرى موضوع الدراسة)، مقارنة بانفصال الذات عن الموضوع (على الأقل بشكل عام) في العلوم التجریبیة. یتعلق الأمر بتداخل الذات والموضوع إضافة إلى التزام الباحث بمواقف فلسفیة وإیدیولوجیة. وهو الأمر الذي یشدد علیه أیضا

المحور الثاني: التفسير والفهم في العلوم الإنسانية

هل تتحدد وظیفة النظریة العلمیة في مجال العلوم الإنسانیة في الفهم أم في التفسیر ؟

1-موقف جیل غاستون غرانجي

یرى أن النظریات العلمیة في مجال العلوم الإنسانیة تتشكل في صورة أبنیة عقلیة یتراوح نشاط العقل فیها بین نموذجین معرفیین׃ التفسیر باعتباره كشفا موضوعیا للعلاقات السببیة القائمة بین الحوادث الإنسانیة، والفهم بوصفه نشاطا عقلیا تأویلیا یستخلص الدلالات و القیم.

2-موقف دلتاي

یرى أن الفرق البین بین موضوع العلوم الطبیعیة وموضوع العلوم الإنسانیة یفرض على العلوم الإنسانیة منهجا بلائم موضوعها، وهو المنهج القائم على الفهم.

3-موقف كلود ليفي ستروس

یبین انه إذا كانت العلوم الحقة حققت تقدما بفضل عملیتي التفسیر والتنبؤ، فان وضع العلوم الإنسانیة لا زال یتأرجح بین التفسیر والتنبؤ، بل إنها علوم محكوم علیها بان تظل في وسط الطریق׃ بین التفسیر والتنبؤ.

المحور الثالث: مسألة نموذجية العلوم الإنسانیة

أي نموذج للعلمیة في العلوم الإنسانیة ؟

1-موقف میرلوبونتي

یرى بأن المعرفة العلمیة الوضعیة تجاهلت أهمیة تجربة الذات في العالم. تلك التجربة المعیشیة التي تشكل أساس المعرفة بدواتنا وبالعالم. فالذات هي المصدر المطلق لكل معرفة. كما یشكك میرلوبونتي في قدرة المعرفة الموضوعیة على النفاذ إلى عمق الوجود الإنساني. فالمعرفة الموضوعیة تشیيء الإنسان وتجزؤه وتتجاهل تجربته الذاتیة التي هي أساس وجوده الموضوعي. ولهذه الأسباب یدعو میرلوبونتي إلى القطیعة التامة مع نموذج العلوم التجریبیة في میدان العلوم الإنسانیة.

2-موقف دوركهایم

یرى أن الظواهر الاجتماعیة یجب أن تدرس كأشیاء، وهو بذلك یدعو إلى محاكاة النموذج العلمي الموجود في میدان العلوم التجریبیة. ومن هنا قوله “یجب أن یضع عالم الاجتماع نفسه في وضع فكري شبیه بالوضع الذي یكون علیه الفیزیائیون والكیمیائیون والفیسیولوجیون حینما ینخرطون في استكشاف منطقة مجهولة عن میدانهم العلمي”.

3-موقف لادییر

یؤكد على ضرورة التفاعل مع نموذج العلوم التجریبیة بالشكل الذي یحقق الموضوعیة ولا یلغي فاعلیة الذات، لأنه إذا اخترنا تناول الوقائع الاجتماعیة بوصفها أشیاء فإننا بذلك سننفي من مجال المعرفة الإنسانیة كل ما یتصل بالقیم والغایات و المقاصد … وإذا ما اخترنا تناول الوقائع الإنسانیة بوصفها أشخاصا سقطنا في منظور ذاتي.

4-موقف إدغار موران

إن السوسیولوجیة الإنشائیة هو نمط من أنماط الخطاب السوسیولوجي المعاصر، لكنه لم یتحرر بعد من الثقل المیتافیزیقي والتأمل الأخلاقي، بل إنه لا زال محتفظا بالنظر التأملي في جوهر الموجودات، فهو یفترض وجود ذوات أو قوى فاعلة تساهم وتؤثر في الظاهرة الاجتماعیة، ومن هذا المنطلق فلا یمكن اعتماده على النموذج الفیزیائي وبالتالي على المنهج العلمي، مما یجعله یفتقر إلى الموضوعیة.

مفهوم الحقیقة

المحور الأول: الحقیقة والرأي

نتساءل في هذا المحور عن ماهیة الحقیقة. هل هي معطى جاهز لا یحتاج إلى تحقیق أو تنقیب ، أم أنها بناء یتأسس على الانفتاح على استكشاف الواقع دون ما حاجة إلى أفكار قبلیة جاهزة ؟

1-موقف دیكارت

یرفض تأسیس الحقیقة على الحواس، لأن الحواس في نظره تخدعنا وتقدم لنا حقائق ظنیة ینبغي تلافیها. رغم أنه لا ینكر وجود العالم الحسي إلا أنه لا یعتبره منطلقا مضمونا لاكتشاف الحقیقة، لأنها في نظره من شأن العقل وحده وهو ما یقبله العقل تلقائیا دونما حاجة إلى برهان، فالحقیقة في الأصل لیست واقعا بل أفكارا في العقل ولما كانت الحدود بین الصادق والكاذب من الأفكار لیست بینة منذ البدایة فإن الطریق إلى الحقیقة في نظر دیكارت هو الشك المنهجي.

2-موقف كانط

یعتبر أن الحقیقة لیست لا ذاتیة ولا موضوعیة، ولیست معطاة أو جاهزة خارج الفكر والواقع ولا داخله بل إنها منتوج (بناء)، إنها حاصل تفاعل الفكر والواقع، یبنیهما العقل انطلاقا من معطیات التجربة الحسیة مادة المعرفة التي یضفي علیها الفهم الصور والأشكال. فالحقیقة تستلزم الـــمادة والصورة، الواقع والفكر معا. وعلى هذا المضي أضحت الحقیقة متعددة ونسبیة وغیر معطاة، بل لم تعد مطابقة الفكر للواقع بل انتظام معطیات الواقع في أطر أو مقولات العقل.

3-موقف هایدجر

یذهب إلى أن الحقیقة تتخذ طعما آخر ومفهوما جدیدا، إنها في نظره توجد في الوجود. ما دام هذا الوجود لا یتمكن من التعبیر عن ذاته والكشف عن حقیقته فإنه یحتاج إلى من یقوم بذلك، والإنسان هو الكائن الوحید الذي تتجلى فیه حقیقة الوجود، لا لأنه یفكر وإنما لأنه ینطق ویتكلم ویعبر. فالإنسان في نظره نور الحقیقة في ظلمات الكینونة، فالحقیقة لیست فكرا ینضاف إلى الوجود من الخارج كما ادعى دیكارت وكانط، وإنما هي توجد في صمیم الوجود نفسه. ولیس الإنسان سوى لسان حال الوجود أو كلمة الوجود المنطوقة، الأمر الذي یدل على أن الحقیقة هي فكر یطابق لغة معینة تعبر عن وجود معین أي كشف للكائن وحریته، أي استعداد الفكر للانفتاح على الكائن المنكشف له، واستقباله إذا ما تحقق التوافق و الانسجام.

المحور الثاني: معايير الحقيقة

إذا كان هدف الحقیقة هو معانقة الیقین في إنتاجها لمختلف أصناف المعارف وفي مختلف الوسائل للإقناع وبسط سلطاتها المعرفیة، فإننا نكون أمام تعدد معاییر الحقیقة. فما هو معیار الحقیقة ؟ هل هو معیار منطقي أم مادي ؟

1-موقف دیكارت

یرى أننا لا نخطئ إلا حینما نحكم على شيء لا تتوفر لدینا معرفة دقیقة عنه، ویعتبر أن الحقیقة بسیطة ومتجانسة خالصة وبالتالي متمیزة وواضحة بذاتها. فالحقیقي بدیهي بالنسبة للعقل ولا یحتاج إلى دلیل ومتمیز عما لیس حقیقیا، إنه قائم بذاته كالنور یعرف بذاته دونما حاجة إلى سند كما قال اسبینوزا، واللاحقیقي كالظلام یوجد خارج النور، فالفكرة الصحیحة (الكل أكبر من الجزء) صادقة دوما ونقیضها خاطئ دوما.

2-موقف باشلار

یعتبر أن الحقیقة العلمیة خطأ تم تصحیحه، وأن كل معرفة علمیة تحمل في ذاتها عوائق ابستمولوجیة تؤدي إلى الخطأ، وأول هذه العوائق الظن أو بادئ الرأي. وهذا یعني أن الحقیقة لا تولد دفعة واحدة، فكل الاجتهادات الإنسانیة الأولى عبارة عن خطأ، واكتشاف الخطأ وتجاوزه هو الخطوة الأولى نحو الحقیقة.

3-موقف نیتشه

یرى أن الحقائق مجرد أوهام نسینا أنها أوهام وذلك بسبب نسیان منشأ اللغة وعملها، لأن اللغة ما هي إلا استعارات وتشبیهات زینت بالصورة الشعریة والبلاغیة مما یجعل من الصعب التوصل إلى الحقائق بواسطة الكلمات أو إلى تعبیر مطابق للواقع وللكیانات الأصلیة للأشیاء بالإضافة إلى نسیان الرغبات والأهواء والغرائز التي تحول دون السلوك الإنساني وتدفعه إلى الكذب والأخطاء ، بدل الكشف والإظهار وبذلك یصبح الطریق إلى الحقیقة لیس هو العقل أو اللغة بل النسیان واللاشعور.

المحور الثالث: الحقیقة كقیمة

إن اعتقاد الإنسان في الحقائق وسعیه وراءها أمر ضروري لاستمرار الحیاة الاجتماعیة والأخلاقیة كما تبین في المحور السابق، ولعل هذا ما یطرح مسألة الحقیقة كقیمة. فمن أین تستمد الحقیقة قیمتها ؟ وما الذي یجعل الحقیقة مرغوبا فیها وغایة وهدفا للجهد الإنساني؟

1-موقف كیركجارد

یرى أن الحقیقة لها قیمة أخلاقیة. إنها فضیلة على الطریقة السقراطیة، قبل أن تكون مجرد معرفة، فهي لا تنكشف في العقل ولا تدرك في الاستدلال وإنما تولد في الحیاة وتعاش بالمعاناة. الحقیقة لیست شيء ثابت، إنها حوار واختلاف وهي ذاتیة لأنها لا تتكرر في كل واحد منا، إنها أخلاق وفضیلة ولیست قضیة معرفیة وغایة مذهبیة بعیدة عن شروط وجود الإنسان.

2-موقف ولیام جیمس

فلسفته كانت ثورة على المطلق والتأملي والمجرد. فقیمة الحقیقة هي قدرتها على تحقیق نتائج وتأثیرات في الواقع، و بالنسبة لجیمس قد تكون تلك نتائج مباشرة كما هو في الواقع المادي، وقد تكون غیر مباشرة بمعنى غیر فعالة بشكل مباشر كحدیث ولیام جیمس عن تأثیر الإیمان في الفرد بحیث ینحت داخله مجموعة من القیم التي باكتسابها تسود قیم من قبیل الخیر والفضیلة.

6-ملخص التصورات لمجزوءة المعرفة

1-مادة الفلسفة

2- المستوى الثانية باكالوريا شعبة العلوم والآداب

3-دروس الأسدس الأول

4- مجزوءة المعرفة

5- الموضوع ملخص التصورات لمجزوءة المعرفة

6- الأستاذ محمد بضاض

النظرية والتجربة

التجربة والتجريب

  • كلود بيرنار: التجريب هو ذلك الحوار بين الفكر النظري، والواقع المادي، ويقوم على خطوات المنهج التجريبي: الملاحظة/الفرضية/التجربة.
  • رونيه طوم: التجربة تقوم على ضرورة توفر مختبر، ووسائل وأدوات، وإحداث خلل في المنظومة وتسجيل استجاباتها.

العقلانية العلمية

  • كلود بيرنار: العقلانية العلمية هي عقلانية تجريبية محضة، تقوم على التجربة في منطلقها ومنتهاها من خلال الملاحظة والتجربة ضمن المنهج التجريبي.
  • باشلار: العقلانية العلمية تقوم على الحوار الجدلي بين العقل والتجربة، وعدم الاستغناء عن أي طرف منهما.
  • آينشتين: تقوم العقلانية العلمية على إبداع العقل بالدرجة الأولى، أما التجربة فإن دورها ينحصر في التطابق مع البنية العقلية المنتجة للنظرية.

معايير علمية النظريات العلمية

  • تويليي: معيار علمية نظرية ما هو تعدد الاختبارات: تغير الفرضيات – لصدق الداخلي – عدم التناقض مع النظريات الأخرى.
  • كارل بوبر: معيار علمية نظرية ما هو قابيلتها للتكذيب والتزييف التجريبي في جزء من مكوناتها، وهو ما يسمح بالتطور العلمي.
  • آينشتين: معيار علمية نظرية ماهو قيامها على العقل وعلى المنهج الأكسيوماتيكي ذي القاعدة الرياضية.

مسألة العلمية في العلوم الإنسانية

موضعة الظاهرة الإنسانية

  • جون بياجي: تداخل الذات بالموضوع في العلوم الإنسانية، يصعب الفصل بينهما لأنهما من طبيعة متماثلة، وبالتالي تعذر تحقيق الموضوعية.
  • فرانسوا بستيان: صعوبة انفصال الباحث الاجتماعي عن المجتمع الذي يقوم بدراسته لأنه طرف في الصراعات الموجودة في المجتمع.
  • ستراوس: التداخل بين الذات والموضوع لا يقتصر على العلوم الإنسانية، بل يتجاوزها الى البيولوجيا والفيزياء المعاصرتين، وما هو مطلوب من العلوم الإنسانية هو إقصاء تدخل الوعي.

التفسير والفهم في العلوم الإنسانية

  • ستراوس: العلوم الإنسانية تتأرجح بين التفسير والتبؤ، الأمر الذي يفقد تفسيراتها وتنبؤاتها على السواء الدقة المطلوبة.
  • دولتاي: على العلوم الإنسانية التخلي عن مناهج العلوم الفيزيائية القائمة على التفسير، وإيجاد مناهج تلائم طبيعتها وتقوم على الفهم.
  • كارل بوبر: لا يمكن تعميم مناهج العلوم الطبيعية على العلوم الإنسانية لأن قوانين هذه الأخيرة تخضع لمنطق التاريخ.

نموذجية العلوم التجريبية

  • طولرا ووارنيي: لا يمكن آعتماد العلوم التجريبية كنموذج للعلوم الإنسانية لاختلاف مواضيعهما، فموضوع هذه الأخيرة غني وغير خاضع للحتمية والضرورة، وهو ما يقتضي قيامها على الفهم.
  • ميرلوبونتي: يدافع عن تدخل الذات في الموضوع لأن العلم يبنى على المعيش أو التجربة الخاصة باعتبارهما نوعا من القصدية.
  • ادريار: ينتقد كلا من التصور القائل بنموذجية العلوم التجريبية، والتوجه القائل بخلق مناهج خاصة بالعلوم الإنسانية لأن لكل واحد منهما سلبياته.

الحقيقة

الحقيقة والرأي

  • باشلار: الرأي يتعارض مع العلم لأنه لا يقوم على التفكير، لذلك ينبغي رفضه باعتباره عائقا أمام قيام المعرفة العلمية.
  • باسكال: حقائق القلب (المبادئ) لها نفس قيمة حقائق العقل (الاستنباط)، بل وتعتبر أساسا لقيامها.
  • ليبنتس: يمكن للرأي أن يرقى الى مستوى الحقيقة شريطة قيامه على أعلى درجات الاحتمال.

معايير الحقيقة

  • اسبينوزا: معيار الحقيقة هو ذاتها ويتمثل في عدم الشك فيها وقيامها على اليقين وعلى الوضوح والبداهة والاكتمال.
  • ديكارت: الحقيقة تقوم على معيارين أساسين هما الحدس العقلي البسيط والاستنباط باعتباره تلك الحركة المتصلة للاستنتاج.
  • ليبنتس: معيار الحقيقة هو قيامها على البرهنة السليمة سواء من حيث الشكل أو المضمون، المادة أو الصورة.

الحقيقة بوصفها قيمة

  • إريك فايل: الحقيقة تستمد قيمتها من كونها مضادة للعنف القائم على الخطاب المتفكك المعبر عن المشاعر الشخصية.
  • هيدجر: الحقيقة لا قيمة لها لكونها نوعا من التيه الذي يفتح الباب أمام الغلط.
  • نيتشه: قيمة الحقيقة تتمثل في كونها وهما يساهم في الحفاظ على بقاء الإنسان ويشكل أساس كل ماهو جميل وخير.

4-مفهوم الحقيقة

1-مادة الفلسفة

2- المستوى الثانية باكالوريا شعبة العلوم و الآداب

3-دروس الأسدس الأول

4- مجزوءة المعرفة

5- الموضوع المحور الثالث الحقيقة

6- الأستاذ محمد بضاض

تقديم

يرتبط مفهوم الحقيقة بالمعرفة كفاعلية إنسانية تتحدد من خلالها علاقة الإنسان بذاته وبغيره وبالعالم، ويتحدد مجالها الإشكالي بسعي الإنسان إلى اكتشاف ذاته والغير والعالم وفتح مغاليقها وإزاحة ما أشكل عليه فيها، من هنا يفتح مفهوم الحقيقة على مشكل طرقها ومعاييرها وغاياتها وقيمتها.

  • ما علاقة الحقيقة بالرأي؟
  • هل الحقيقة معطاة أم أنها بناء؟
  • ما هو سبيل بلوغها؟
  • ما علاقة الإنسان بالحقيقة؟
  • ما قيمة الحقيقة ولماذا نرغب فيها؟
  • وهل الحقيقة منفصلة عن أضدادها كاللاحقيقة والوهم؟

المحور الأول: الرأي والحقيقة

عادة ما تنادي الفلسفات ومنذ اليونان أن طريق الحقيقة مفارق لعالم الحس والرأي، فأفلاطون يرى أن عالم الحقيقة هو عالم المثل، وسقراط يوصي بعدم الاستكانة إلى العادة والتقليد والحس المشترك، فما تعتقد الجماعة أنه حقيقي لا يعني بالضرورة أنه كذلك، فالحكم إذن هو العقل، على خلاف ذلك، هناك من يرى أن الحقيقة ليست حكرا على العقل وحده، ف”بليز باسكال” يعتبر أن العقل لا يمكنه احتكار الحقيقة، لأن هناك طرقا أخرى لمعرفتها، منها القلب أو العاطفة أو الرأي، فإذا كان العقل أداة لمعرفة القضايا عن طريق البرهنة والاستدلال العقليين، فإن القلب أداة لإدراك المبادئ الأولى عن طريق الشعور والحدس، ويشير القلب عند “بليز باسكال” إلى قوة الإدراك المباشر للحقائق، فالمبادئ هي الحقائق الأولى التي يتعذر الوصول إليها بالاستدلال العقلي كالمكان والزمان والحركة والأعداد ،… وعليها يستند العقل لتأسيس قضاياه وخطابه بكامله، إننا نشعر بالمبادئ أما القضايا فنستخلص بعضها من بعض عن طريق الاستدلال العقلي، ولكل منهما نفس اليقين وإن اختلفت الطرق المؤدية إليه، في مقابل هذا الطرح يرى الإبستملوجي الفرنسي غاستون باشلار أن العلم يتعارض مع الرأي، فالحقيقة العلمية لا ينبغي أن تأسس على الرأي لأن الرأي تفكير سيئ بل إنه لا يفكر البتة، إنه يربط المعرفة بالمنفعة، ويترجم الحاجات إلى معارف، إن الرأي عائق ابستملوجي ينبغي هدمه وتخطيه وإحداث قطيعة إبستملوجية معه.

استنتاج

يمكن أن نستنتج أن هناك مفارقة بين الحقيقة والرأي، فقد يبدو الرأي هشا على اعتبار أنه حقيقة خاصة مرتبطة بشخص أو اعتقاد صادر عن الوجدان أو العاطفة أو القلب، وفي المقابل نعتقد أن الحقيقة تكون صلبة حينما تصدر عن العقل، لكن ألا يكون الرأي أكثر صلابة من الحقيقة؟ ألا نؤمن ونركن لما يصدر عن القلب والوجدان أكثر مما نرتاح لما يصدر عن العقل؟ ألا يكون العقل عاجزا عن معرفة كل شيء؟

المحور الثاني: معايير الحقيقة

  • على ماذا يمكن أن تتأسس الحقيقة؟
  • ما معيار صدقها وصلاحيتها؟
  • ومن أين تستمد الحقيقة قوتها؟

يعتبر روني ديكارت أن الأفعال العقلية التي تمكن من بلوغ الحقيقة هما الحدس والاستنباط، ويعني الحدس في نظره إدراكا عقليا بسيطا يصدر عن عقل خالص ويقض، لا يبقى معه أدنى شك، أما الاستنباط فهو مصدر غير مباشر لإدراك الحقائق يتم من خلاله استنتاج حقائق جديدة من حقائق أولى معلومة من قبل وإن لم تكن بديهية، فالاستنباط يضمن الترابط الضروري بين الحقائق الأولى والنتائج، لذا يربط ديكارت قواعد المنهج بالحدس والاستنباط، فالبداهة ترتبط بالحدس، أما التحليل والتركيب والمراجعة فترتبط بالاستنباط.

استنتاج

نستنتج أن إدراك الحقيقة يتم بواسطة الحدس أولا ثم الاستنباط ثانيا، لأنهما فعلان لفحص الحقائق وتمييزها عن الأخطاء، بل هما أساس المنهج المؤدي إلى الحقيقة.

أما الفيلسوف الهولندي باروخ اسبينوزا فيرى أن الحقيقة معيار ذاتها ولا تحتاج لأي شيء خارج عنها، إنها بديهية واضحة تفرض نفسها بوضوحها التام، على النظر ولا يمكن حجبها، إنها في نظر اسبينوزا كالنور بها ينقشع الظلام، وهي بذلك لا تحتاج إلى ما يكشفها أو يؤكدها، ومن ثمة فهي التي تكشف وتضيء جميع الأفكار.

إذا كانت الحقيقة تستهدف بلوغ اليقين والإقناع وفرض سلطتها المعرفية، فإن ذلك يطرح مشكل معاييرها وسبل تحقيقها لذلك، فهل تكون كذلك لكونها حدسية أم عقلية أم واقعية، ويتضح من خلال ما سبق أن معيار الحقيقة يتمثل في انسجام الفكر مع ذاته ومع مبادئه من منظور عقلاني، أما الاتجاهات التجريبية فيكون معيارها لديها مدى مطابقتها للواقع.

المحور الثالث: الحقيقة بوصفها قيمة

  • ما قيمة الحقيقة؟
  • هل تستمد قيمتها الفلسفية من ذاتها كحقيقة أم من خلال أضدادها كالتيه والخطأ والوهم؟
  • أليست للحقيقة قيمة نفعية؟

ينتقد هايدجر التصور التقليدي للحقيقة لأنه يتأسس على مفهوم المطابقة،إنها في نظره تتمثل في العلاقة الاشهادية بين الحكم والشيء، فالحكم يشهد ويحضر الشيء أمامنا باعتباره موضوعا، وتنبثق الحقيقة باعتبارها انكشافا للموجود أمام فكر منفتح عليه، ويدل الكشف من هذا المنظور عن نسيان ونفي للخفاء، وتكون الحقيقة كانكشاف مشروطة بالذات وحريتها، وإذا كان الأمر كذلك وبما أن الذات تتحدد من خلال وجودها مع الغير، أي من خلال الوجود الزائف الذي يخلقه “الوجود ـ مع ـ الغير”، وهذا الوجود هو نسيان للموجود وانصراف إلى ما هو أكثر رواجا، فإن الحقيقة تكون مشروطة باللاحقيقة والتيه، باعتبار التيه هو ميدان نسيان الوجود.

1-استنتاج

نستنتج أن الإنسان لا يقيم في الحقيقة فقط، بل يقيم في اللاحقيقة وفي التيه كذلك، من هنا لا يمكن للحقيقة أن تشتغل في معزل عن اللاحقيقة، أي أن الحقيقة ليست قيمة مطلقة وليست لها ماهية خاصة معزولة عن ضدها وهو التيه، من منطلقات فلسفية مغايرة يربط “إريك فايل” بين الحقيقة والخطاب، فمشكل الحقيقة لا يمكن اختزاله في مطابقة الفكر للواقع ليكون الخطأ، بالتالي تعبيرا عن عدم المطابقة بينهما إن مشكل الحقيقة في نظر فايل هو مطابقة الإنسان مع الفكر، ذلك من خلال بناء خطاب متماسك عقلاني يؤسس المعنى وينفي العنف، إن الوعي الصحيح إذن لا يتحدد في امتلاك الحقيقة بل في الفعل وفهم الفعل، وقيمة الحقيقة لا تتحدد في تجاوز الخطأ واللامعنى بل في إلغاء العنف لصالح المعنى.

2-خلاصة عامة

يتضح من خلال ما سبق أن الحقيقة مفهوم إشكالي يحيل على تفكير الإنسان في ذاته وفي العالم والغير، ومن جهة أخرى تحيل الحقيقة كغاية للمعرفة البشرية على مفاهيم محايدة لها كالرأي والقلب ،… كما يحيل التفكير في الحقيقة على مشكل معاييرها، فبقدر ما يطرح الحدس والاستنباط العقلي كأسس لها، بقدر ما يعتبر البعض أنها معيار ذاتها، وأخيرا تحيل الحقيقة كقيمة على التوتر الأنطلوجي بينها وبين أضدادها كاللاحقيقة والتيه والوهم والخطأ والعنف …

3-خلاصة المجزوءة

يتأسس الوجود البشري على نشاط عقلي منتج للمعرفة، وجود لا يتوقف عند وعيه بذاته وبالعالم وبالغير، بل يحاول فهم وتفسير ذاته وغيره والعالم، وغايته في ذلك بلوغ الحقيقة والمعرفة باعتبارها فعالية إنسانية تتميز من جهة بالموضوعية حين تحاول التعامل مع الواقع ومع الظواهر الإنسانية بمناهج اختبارية تتأسس على التجريب والصياغة الرياضية، ومن جهة ثانية تتميز بحضور الذات وتجاوز الموضوعية، بحيث لا ينصت العالم للطبيعة بل يسائلها ويستنطقها من خلال اعتماد فروض وكيانات من إنتاج الذات، وإذا كانت الحقيقة في الأولى موضوعية مستقلة عن تدخل الذات، تكون في الثانية ذاتية، من هنا يتضح أنه في مجال المعرفة الإنسانية يصعب وضع خط فاصل بين ما هو موضوعي وما هو ذاتي، ومن ثمة تفترض المعرفة البشرية مقاربة مفتوحة يتداخل فيها الذاتي والموضوعي، العقلي والواقعي، الحقيقي واللاحقيقي، النظري والتجريبي .

3-مسألة العلمية في العلوم الإنسانية

1-مادة الفلسفة

2- المستوى الثانية باكالوريا شعبة والآداب العلوم الإنسانية

  • 3-دروس الأسدس الأول

4- مجزوءة المعرفة

5- الموضوع المحور الثاني مسألة العلمية في العلوم الإنسانية

6- الأستاذ محمد بضاض

1-الطرح الإشكالي

إن كان العلم يستنبط قوانين ضرورية وحتمية في العلوم الدقيقة، فإن هذا الأمر يصبح متعذرا على مستوى العلوم الإنسانية. لأن الموضوع هذه المرة هو كائن يتميز بالوعي والإرادة والقدرة على الاختيار، مما يجعل العلمية تتميز في هذا المجال بالاحتمال والترجيح، نتيجة عدة قضايا تتمثل في العلاقة غير الواضحة بين الذات العارفة وموضوع المعرفة. إضافة إلى صعوبة التفسير والتنبؤ في العلوم الإنسانية. وأخيرا علاقة العلوم الإنسانية بالعلوم الحقة على مستوى المنهج. وهذا ما يمكن طرحه من خلال الإشكالات التالية:

  • ما طبيعة العلاقة التي تربط الذات بالموضوع في العلوم الإنسانية؟
  • هل العلوم الإنسانية قادرة على فهم وتفسير والتنبؤ بالظواهر؟
  • ما الدور الذي لعبته العلوم الحقة في العلوم الإنسانية؟

2-موضعة العلوم الإنسانية

أ-عوائق موضعة الظاهرة الإنسانية

إن العلوم الإنسانية – في نظر جان بياجي – لها وضعية أكثر تعقيدا مقارنة بالعلوم التجريبية، لأن الذات مُلاحِظة لذاتها ولغيرها، ومجربة على نفسها وعلى غيرها، لهذا تـُخْلَق وضعية التداخل بين الذات والموضوع في العلوم الإنسانية، مقارنة بالعلوم الطبيعية، حيث أصبح من المعتاد الفصل بين الذات والموضوع. إن عملية إزاحة تمركز الذات حول ذاتها، والتي هي عملية ضرورية لتحقيق الموضوعية، تكون أكثر صعوبة في الحالة التي يكون فيها الموضوع هو الذات، نظرا لسببين وهما:

إن الحد الفاصل بين الذات المتمركزة حول ذاتها، والذات العارفة يكون أقل وضوحا عندما تكون أنا الملاحظ جزء من الظاهرة التي يجب عليه أن يلاحظها ويدرسها من الخارج.
إن الملاحظ يكون أكثر ميلا للاعتقاد في معرفته الحدسية بالوقائع لانـخراطه في هذه الأخيرة.

هكذا فالعالِم – في نظر بياجي – لا يكون أبدا معزولا، بل هو ملتزم بشكل ما بموقف فلسفي وإيديولوجي.

ب-مفارقة علاقة الذات بالموضوع

إن كل باحث هو عضو ينتمي لجماعة كبيرة أو صغيرة (سواء كانت طبقة اجتماعية، أو مهنة، أو أمة…)، في نظر فرانسوا بستيان، وبالتالي يكون منخرطا بالضرورة في صراعات صريحة أو ضمنية من أجل الاعتراف، والحظوة، والسلطة، وهي صراعات تحرك المعتقدات والمثل…الخ. وتتمثل الصعوبة لدى الباحث الاجتماعي في كونه لا يستطيع الانفصال كلية عن مجتمعه الذي هو موضوع دراسته، في حين يعتبر هذا الانفصال مبدأ كل جهد علمي (الموضوعية). لذلك نجد كل مجهودات مؤسسي العلوم الاجتماعية قامت على مبدأ تباعد الباحث عن جماعته، حيث دعا “دوركايم” إلى اعتبار الوقائع الاجتماعية أشياء، وكذلك توصية “ماكس فيبر” باحترام مبدأ الحياد القيمي.

3-التفسير والفهم في العلوم الإنسانية

أ-التفسير والتنبؤ في العلوم الإنسانية

إن العلوم الدقيقة – حسب كلودء ليفي ستروس – تقدمت بفضل عمليتي التفسير والتنبؤ، حيث يمكن لهذه العلوم أن تفسر ظواهر لم تتنبأ بها، كما فعلت الداروينية، كما يمكنها أن تتنبأ بظواهر لا تكون قادرة على تفسيرها، كما يحدث في علم الأرصاد الجوية. أما العلوم الإنسانية، فتجد نفسها في وسط الطريق بين التفسير والتنبؤ، فهي لا تفسر الظواهر تفسيرا نهائيا، ولا تتنبأ بيقين تام، لقد أكتفت العلوم الإنسانية، حتى حدود اليوم، بتفسيرات فضفاضة وتقريبية تنقصها الدقة، ورغم أنها مهيأة، لأن تمارس التنبؤ وتطوره، فإن الخطأ كان دائما حليف تنبؤاتها.

ومع ذلك فإن العلوم الإنسانية – حسب ستروس – يمكن أن تقدم للذين يمارسونها انطلاقا من نتائجها، شيئا وسيطا بين المعرفة الخالصة والمعرفة النافعة، لكن من غير الفصل بين التفسير والفهم.

ب-الفهم في العلوم الإنسانية

إذا كنا نفسر الطبيعة، باعتبارها ظواهر معزولة وخارجية في العلوم الفيزيائية والطبيعية – في نظر دلتاي – فإننا نفهم الإنسان في علم النفس، من خلال فهم حياته النفسية، فعمليات الاكتساب، ومختلف الوظائف العقلية والنفسية وعناصرها تجتمع وتكون كلا يعطى لنا عن طريق التجربة الداخلية. فالكل المعيش هو الأساسي، ولا يتجزأ إلى أجزاء إلا بعد ذلك. وينتج عن هذا أن المناهج التي ندرس بها الحياة النفسية والتاريخ والمجتمع تختلف عن المناهج التي تقود إلى معرفة الطبيعة.

إن العلوم الإنسانية الحقيقية – حسب دلتاي – هي التي تبني منهجها بنفسها، انطلاقا من موضوعها

4-نموذجية العلوم التجريبية

أ-خصوصية المنهج في العلوم الإنسانية

تعتبر العلوم الإنسانية مقارنة بالعلوم الطبيعية – في نظر كل من طولرا/ وارنيي – حديثة النشأة، أما نتائجها فهي قليلة وغير أكيدة لأن الواقع الحي الذي تحاول الإحاطة به (المجتمعات، العقليات، السلوكيات…)، هو أكثر غنى وأقل انتظاما من الظواهر الطبيعية، وبالتالي فإن استخدام العقل في هذه العلوم مطالب بأن يكون حذرا، كما أن الروح العلمية مطالبة بأن تكون أكثر تطورا من مثيلتها في العلوم الطبيعية، حيث تكون التجربة محكا مباشرا وحاسما.

ويفترض إدراك الموضوع – حسب طولرا/ وارنيي – أن تكون الذات مستعدة لفهم ما يخالفها ويعتبر آخرها. وفي هذه الحالة، تتمثل الروح العلمية في القدرة على استيعاب التناقض والقدرة على مواجهة ما هو غريب ومزعج لكل تلقائية، أي اللقاء الدائم مع الواقع.

ب-خداع النظرة العلمية

إن كل ما أعرفه عن العالَم، ولو كان مصدره العلم – يقول موريس ميرلوبونتي – أعرفه انطلاقا من وجهة نظر خاصة بي، أو أعرفه من خلال تجربتي الخاصة التي بدونها لن تعني رموز العلم أي شيء، لأن العلم يُبنى بكامله على العالم المعيش (أي التجربة الذاتية للأنا) وانطلاقا منه. فأنا الذي أوجد من أجلي أنا، وأنا الوحيد الذي يوجد وجودا متفردا. لا يوجد أحد مكاني ولا أوجد في مكان أحد.

وهكذا فإن وجهة النظر العلمية التي أكون بمقتضاها مجرد لحظة من لحظات العالم هي دائما وجهة نظر خادعة، لأنها وجهة نظر يكون العالم حولي حسبها موضوعا، ولا يوجد لأجلي. إن الرجوع إلى الأشياء ذاتها هو الرجوع إلى العالم المعيش قبل أن يكون موضوع معرفة، وهكذا فكل معرفة للإنسان – حسب ميرلوبونتي – هي معرفة ذاتية، لأن العلم يفترض وجود نظرة موضوعية للذات تتعالى عن كل الذوات، هي في الواقع غير موجودة.

5-استنتاجات عامة

إن أكثر المعارف فائدة وأقلها تقدما، من كل المعارف الإنسانية، في الآن نفسه، هي تلك المتعلقة بالإنسان – حسب ج. ج. روسو – إنها أكثر فائدة لأنها تدرس الكائن الوحيد في هذا الكون الذي يملك عقلا ووعيا. وأقلها تقدما لأن زمن نشأتها جاء متأخرا جدا. وهي التي تشكل العلوم الإنسانية.

إن العلوم الإنسانية هي علوم مأزومة، لأنها ولدت بأزمتها التي تتمثل، من جهة، في تداخل الذات والموضوع، واضطراب العلاقة بينهما. كما تتمثل، من جهة أخرى، في استعارة مناهج العلوم التجريبية، بدل إبداع مناهج تتواءم وطبيعة موضوعها الذي يتميز بالتعقيد.

2-مفهوم النظرية والتجربة

1-مادة الفلسفة

2- المستوى الثانية باكالوريا شعب العلوم والآداب

  • دروس الأسدس الأول

4- مجزوءة المعرفة

5- الموضوع المحور الأول مفهوم  النظرية و التجربة

6- الأستاذ محمد بضاض

1-الطرح الإشكالي

من المباحث الأساسية في الفلسفة المعاصرة نجد مبحث الإبستمولوجيا (الدراسة النقدية للمعرفة العلمية)، لقد ارتكز هذا المبحث على مجموعة من المفاهيم الفلسفية المرتبطة بالمجال العلمي وعلى رأسها مفهومي النظرية والتجربة اللذان يطرحان عدة قضايا فلسفية سواء على مستوى النظرية أو على مستوى التجربة، أو على مستوى العلاقة بينهما، إضافة إلى تعدد المعايير لتمييز النظرية العلمية عن باقي أنواع النظريات الأخرى، وهي قضايا يمكن أن تتخذ شكل أسئلة فلسفية منها:

  • ما هي شروط التجربة؟ وما هي خصائص النظرية؟
  • ما طبيعة العلاقة بينهما؟ وأي منهما يؤكد صحة الآخر؟
  • ما هي المعايير التي يمكن اعتمادها لتمييز المعرفة العلمية؟

المحور الأول: التجربة والتجريب

1-خطوات المنهج التجريبي

إن المنهج التجريبي يفترض في العالم – حسب كلود بيرنار – الإحاطة بشرطين:

  • أن تكون لديه فكرة (فرضية) يخضعها للفحص في ضوء الوقائع.
  • أن يلاحظ بساطة الظاهرة الماثلة أمامه ملاحظة أكثر شمولية.

على الملاحظ أن يكون بمثابة آلة تصوير أثناء معاينته للظاهرة ينقل بالضبط ما هو موجود في الطبيعة، حيث يجب أن يلاحظ بدون فكرة مسبقة.

إن العالم المتكامل هو الذي يجمع بين الفكر النظري والممارسة التجريبية عبر الخطوات التالية:

  • يعاين واقعة، أي الملاحظة.
  • ميلاد فكرة (فرضية) في ذهنه تبعا للمعاينة.
  • الاستدلال على الفكرة بعد معاينتها ذهنيا، وذلك باللجوء إلى التجربة.
  • تنتج عن التجربة ظواهر جديدة عليه أن يلاحظها، وهكذا دواليك.

إن ذهن العالم – حسب بيرنار – يشتغل بين ملاحظتين تمثل الملاحظة الأولى منطلق الاستدلال العلمي، وتمثل الملاحظة الثانية خلاصة الاستدلال، أي التجربة.

2-التجريب العلمي

كثيرا ما تم الحديث عن التجربة التي شكلت إحدى السمات الأكثر تمييزا للعلم الكلاسيكي، غير أن في الأمر غموضا، بالنسبة لألكسندر كويري فالتجربة بمعناها الخام والملاحظة العامية لم تلعب أي دور في نشأة العلم الكلاسيكي، اللهم إلا دور العائق، أما التجريب وهو المساءلة المنهجية للطبيعة، فيفترض افتراضا مسبقا اللغة التي يطرح من خلالها العالم أسئلته، حيث يسائل الطبيعة بلغة رياضية، أو بتعبير أدق بلغة هندسية حسب كويري.

المحور الثاني: العقلانية العلمية أو النظرية

1-التجربة تـحدد النظرية

إن النظرية الفيزيائية يتم بناؤها – في تصور بيير دوهيم – من خلال أربع عمليات متتالية وهي:

  • اختيار الخصائص الفيزيائية البسيطة، والتعبير عنها برموز رياضية، وأعداد، ومقادير.
  • الربط بين هذه المقادير بواسطة عدد من القضايا التي تستخدم كمبادئ لاستنتاجاتنا، هذه المبادئ يطلق عليها اسم الفرضيات.
  • تركيب فرضيات النظرية حسب قواعد التحليل الرياضي، وأن نستنبط منها نتائج ضرورية.
  • إن النتائج التي استخرجناها من الفرضيات هي التي تشكل النظرية الفيزيائية الجديدة.

وهكذا فالنظرية الصحيحة – حسب دوهيم – هي التي تعبر بشكل مرضي عن مجموعة من القوانين التجريبية، أما النظرية الخاطئة فهي التي لا تتوافق مع القوانين التجريبية.

2-النظرية تـحدد التجربة

إن نسقا كاملا للفيزياء النظرية يتكون من مبادئ وقوانين تربط بين تلك المبادئ وقضايا مستنبطة منها بشكل ضروري بواسطة الاستنباط المنطقي، هذه النتائج هي التي يجب أن ترتبط بالتجربة، وهكذا حدد ألبير آينشتاين لكل من العقل والتجربة مكانتهما في نسق الفيزياء النظرية، فالعقل يمنح النسق بنيته، أما المعطيات التجريبية وعلاقاتها المتبادلة فيجب أن تطابق القضايا الناتجة عن النظرية، إن البناء الرياضي الخالص وليس التجربة هو الذي يمكننا من اكتشاف المبادئ والقوانين التي تسمح بفهم ظواهر الطبيعة، وإذا كانت الوقائع التجريبية لا تتطابق مع النظرية فينبغي تغيير الوقائع وليس النظرية حسب آينشتاين.

المحور الثالث: معايير علمية النظريات العلمية

1-معيار القابلية للتجريب

إن الواقعة التجريبية لا يمكن أن تكون علمية – في نظر رونيه طوم – إلا إذا استوفت شرطين هما:

  • أن تكون قابلة لإعادة الصنع، وهذا يتطلب أن تكون محاضر إعداد التجربة وإجرائها دقيقة بما يكفي للتمكن من إعادتها في أزمنة وأمكنة أخرى.
  • أن تثير اهتماما قد يكون تطبيقيا أو نظريا، يتمثل الاهتمام التطبيقي في الاستجابة لحاجيات بشرية، أما الاهتمام النظري فيعني أن البحث يدخل ضمن إشكالية علمية قائمة.

في هذه الحالة يكون الهدف من التجريب – حسب طوم – هو التحقق من صدق فرضية ما (نظرية) تتضمن قضايا عقلية يتم التسليم بوجودها، كالعلاقات السببية، أي الربط بين السبب والنتيجة.

2-معيار القابلية للتكذيب

إن القابلية للتكذيب (أوالتفنيد) – في نظر كارل بوبر – هو معيار التمييز بين النظريات التجريبية والنظريات اللاتـجريبية، لذلك يطلق عليه كذلك معيار القابلية للاختبار، إن اختبار نظرية ما يعني محاولة تبين العيب فيها، وبالتالي فإن النظرية التي نعرف مقدما أنه لا يمكن تبيان العيب فيها أو تفنيدها، لهي نظرية غير علمية لأنها نظرية غير قابلة للاختبار، إن نظرية نيوتن في الجاذبية قابلة الاختبار، لأنها تتنبأ بانحرافات معينة عن المدارات الكوكبية عند كبلر، وهذا التنبؤ يمكن تفنيده، ونظرية آينشتاين في الجاذبية قابلة للاختبار كذلك، لأنها تتنبأ بانحرافات معينة عن المدارات الكوكبية عند نيوتن، وهذا التنبؤ يمكن تفنيده مجددا.

3-استنتاجات عامة

إن العلاقة التي تربط النظرية بالتجربة علاقة جدلية (أي علاقة تأثير وتأثر)، فالنظرية تؤثر في التجربة من خلال تأطيرها وتوجيهها عندما تـحدد عناصر وتفاعلات التجربة، والتجربة تؤثر في النظرية من خلال تصحيحها، عندما تكتشف الأخطاء التي تتضمنها، وبذلك تتقدم النظرية، وهذا ما يجعل المعرفة العلمية معرفة متطورة، تتطور بفعل هذا الجدل بين النظرية والتجربة.

1-تأطير إشكالي عام لمجزوءة المعرفة

1-مادة الفلسفة

2- المستوى الثانية باكالوريا شعب العلوم والآداب

  • دروس الأسدس الأول

4- مجزوءة المعرفة

5- الموضوع تأطير إشكالي عام لمجزوءة المعرفة

6- الأستاذ محمد بضاض

-تأطير إشكالي عام لمجزوءة المعرفةعندما ينفتح الفكر، من خلال مجموعة من الأنشطة العقلية، على موضوع خارجي أو على الذات نفسها، مستهدفا الفهم أو الوصف أو التفسير أو التنبؤ…نسمي ما ينتج عن ذلك معرفة بصفة عامة. إلا أن هذا الانفتاح، عندما يستهدف موضوعا خارجياء دون تدخل للذات في ذلك الموضوعء نسمي ذلك معرفة علمية، تفضي بنا الى ما يعرف عادة بالعلوم “الحقة” أما عندما يكون موضوع المعرفة هو الذات نفسها، حيث يصعب القيام بعملية الفصل بين الذات الدارسة والموضوع المدروس، وما يترتب عن ذلك من صعوبات في مطلب الموضوعية، فإننا نتحدث عن علوم إنسانية، أو دراسات إنسانية، أو إنسانيات على حد تعبير لويس ألتوسير. وسواء تعلق الأمر بالشكل الأول، أو بالشكل الثاني، فإننا نجد أنفسنا دوما أمام ذات وموضوع، وما يمكن أن يترتب عن العلاقة التي ينبغي ان تكون بينهما، وهي العلاقة التي تتراوح بين الانفصال التام، وأي فصل الذات عن الموضوع (الموضوعية) وبين عدم القدرة على تحقيق هذا المطلب (الذاتية). إن طبيعة العلاقة بين الذات والموضوع هي الإشكال الأساسي للمعرفة عموما، وللمعرفة العلمية على وجه الخصوص، سواء كانت طبيعية أو إنسانية.

انطلاقا من ذلك يبدو أن جدلية الفكري (أو ما ينتمي الى الذات) والواقعي (أو ماهو مرتبط بالموضوع) هي جدلية تحتل مكانا أساسيا في صيرورة وبناء المعرفة العلمية، ومن ثمة يمكننا طرح التساؤل التالي: هل يمكن لهذه المعرفة أن تبنى بناء عقليا صرفا (أي بناء نظريا خالصا) أم أنها مطالية لكي تصبح نظرية علمية حقة، بأن تستحضر موضوع دراستها استحضارا واقعيا (تجريبيا) بالإصغاء أو الإنصات إليه؟ إن طبيعة هذا التساؤل تعكس الإشكالية الأساسية للنظرية والتجربة. فإذا كان العلم علم بواقع ما ءكما يرى البعضء (كلود بيرنار) فإن ذلك الواقع يقتضي منا استحضاره كمنطلق لبناء أية نظرية وكتمحيص لصدقها أو عدم صدقها. ولعل عملية الاستحضار هذه هي ما يقودنا الى إثارة مسألة التجريب والتجربة. فما المقصود بالتجريب ؟ وما المقصود بالتجربة ؟ هل يمكن اعتبار كل من التجريب والتجربة إسمين يحملان نفس الدلالة، أم أن لكل واحد منهما دلالته الخاصة، بالرغم مما يمكن أن يحصل من تداخل أو تقاطع بينهما ؟ يقودنا مفهوم التجربة أيضا الى طرح التساؤل التالي: هل المقصود دوما بالتجربة هو تلك الممارسة التي تتم داخل المختبر، ونكون خاضعة لشروط محددة، أم أن التجربة يمكن أن تحمل دلالة أخرى تجعل منها فكرية محضة (روني طوم).

وسواء كانت المعرفة العلمية مؤسسة وقائمة على تجارب مخبرية أو على تجارب عقلية نظرية صرفة فإن ذلك هو ما سيقودنا بالضرورة الى التساؤل عن طبيعة العقلانية العلمية: فهل تعتبر هذه العقلانية عقلانية مشروطة بالتجربة في مسار بنائها أم أنها قادرة على أن تكون مجرد أفكار تربط بينها قوانين وتشق منها قضايا بواسطة الاستنباط المنطقي أم أنها ليست لا هذا ولا ذاك، أو هذا وذاك في نفس الوقت بحيث يستلزم بناؤها اعتماد الحوار المتبادل بين ماهو عقلاني وماهو تجريبي، حتى يحصل ذلك اليقين المزدوج، الذي يجعل الواقع خاضعا لما هو عقلي، مثلما يجعل الحجج العقلية المرتبطة بالتجربة لا تخرج عن نطاقها (باشلار) ؟

انطلاقا من مجمل التساؤلات السابقة، يمكننا أن نثير إشكالا مرتبطا بسابقيه،و يتعلق الأمر بمعايير علمية النظريات العلمية. فما هي المعايير التي يمكن اعتمادها للحكم على علمية نظرية ما أو عدم علميتها؟ هل يكون لزاما علينا أن نعدد الاختبارات التجريبية وألا نكتفي بالاختبار الواحد، أو التجربة المعزولة حتى نقول عن تلك النظرية بأنها نظرية علمية (تويليي) أم أنه يلزم أن نركز على بنائها الداخلي الذي ينبغي أن يقوم على نسق من القضايا، يتم استنباطها من عدد قليل من المبادئ وفق قواعد التحليل الرياضي،و بعيدا عن أية وقائع محسوسة (أينشتين)، أم أنه ينبغي اعتبار القابلية للتكذيب، القائمة على القدرة على تفنيد نظرية ما باعتبارها نظرية غير تجريبية، من خلال تبيان العيب الممكن فيها، هو ما يمكن أن يمنح لتلك النظرية طابعها العلمي (كارل بوبر) ؟

وإذا كان هذا ينطبق على العلوم المسماة علوما حقة، فإن العلوم الإنسانية تطرح إشكالات من نوع آخر، ولعل أهمها هو صعوبة موضعة الظاهرة الإنسانية، فإلى أي مدى يمكن الفصل بين الذات والموضوع عندما يكون هذا الموضوع ذاتا أخرى ؟ (بياجيه) كيف يمكن للباحث الاجتماعي الانفصال الكلي عن المجتمع الذي يعيش فيه حتى يضمن الموضوعية المنشودة (بيستيان) ؟ وهل يمكن اعتبار صعوبة موضعة الظاهرة المدروسة مقرونا بالعلوم الإنسانية وحدها، أم أن العلوم الحقة المعاصرة تجد نفس الصعوبة (ستراوس) ؟ ما هو الهدف الذي تسعى إليه هذه العلوم، هل هو هدف يقوم على التفسير أم على التنبؤ، أم عليهما معا (ستراوس) ؟ وبصفة عامة ما طبيعة منهج العلوم الإنسانية؟ هل يمكنها اقتباس منهج العلوم التجريبية أم أنها مطالبة بالبحث عن مناهج تلائم طبيعتها (دولتاي – بوبر) ؟ هل يمكن أن تشكل العلوم التجريبية نموذجا يقتدى به من طرف العلوم الإنسانية (طولراوواريني) أم أن العلم ماهو إلا تعبير عن المعيش بنوع من القصدية (ميرلوبونتي) ؟ هل يعتبر كل من الاقتداء بالعلوم التجريبية أو عدم الاقتداء بها خالين مما يحول دون دراسة الظواهر الإنسانية دراسة علمية (لادريار) ؟

إن كل معرفة سواء كانت معرفة علمية أو غير علمية، إنما هي سعي الى امتلاك الحقيقة، حقيقة الأشياء حقيقة الذات، حقيقة الأفكار، حقيقة الأفعال… وليس الى الباطل أو اللاحقيقة، إلا أن هذا السعي يفضي بالضرورة الى حقائق متعددة ومختلفة ومتعارضة، الأمر الذي يجعل منها حقائق تجمع بين الحق والباطل، بين الحقيقة والرأي. انطلاقا من ذلك يمكننا أن نتساءل: ما علاقة الحقيقة بالرأي؟ هل يشكل الرأي نوعا من الحقائق أم أنه لا يعدو أن يكون مجرد انطباع ذاتي، لا يمكنه أن يرقى الى مستوى الحقيقة؟ هل بإمكاننا أن نعتبر الرأي قادرا على أن يمنحنا حقائق قائمة على القلب والغريزة، باعتبارهما مبدأين للاشتغال العقلي، أي للاستنباط (باسكال) ؟ أم أن الحقيقة – ومن ضمنها الحقيقة العلمية – لا يمكنها أن تقوم على الرأي، لأن هذا الأخير لا يفكر أو لنقل إنه يفكر بشكل سيء الأمر الذي يجعله عائقا أمام قيام المعرفة العلمية (باشلار) ؟ ألا يملك الرأي قيمة علمية عندما يكون مؤسسا على أعلى درجات الاحتمال، الأمر الذي يمكن أن يجعله قدوة لباقي المعارف (ليبنتس) ؟

إن مجمل تساؤلاتنا حول علاقة الحقيقة بالرأي، تقودنا بالضرورة الى طرح إشكال معايير الحقيقة. فما هي المعايير التي ينبغي أن تقوم عليها الحقيقة حتى تستحق أن تسمى بهذا الاسم ؟ هل ينبغي أن تقوم على الحدس والاستنباط، بحيث يكون الحدس تصورا صادرا عن ذهن خالص ويقظ، ويكون الاستنباط هو ما يمكن أن يتم استنتاجه بالضرورة من أشياء أخرى (ديكارت) ؟ وهل تكفي البساطة والوضوح والتمايز لجعل فكرة ما فكرة حقيقية، أم أن الأمر يقتضي قيام تلك الحقيقية على برهنة سليمة، سواء على المستوى المادي أو المستوى الصوري (لايبنتس) أم أن الأمر يتجاوز هذا وذاك، بحيث ينبغي البحث عن معيار الحقيقة في ذاتها بالاستناد الى يقينها وكمالها (اسبينوزا) ؟

إن مجمل تساؤلاتنا حول معيار الحقيقة، ترجع بالأساس الى كون هذه الأخيرة ذات قيمة لا يمكن لأحد أن ينتقص منها، لأنها ما يسعى إليه كل إنسان. لكن السؤال المطروح هو: من أين تستمد الحقيقة قيمتها؟ هل تستمدها من ذلك التيه الذي يحكم حياة الإنسان، وينتمي الى البنية الداخلية لكينونته ويجعله منفتحا على الغلط (هيدجر) ؟ هل تستمد الحقيقة قيمتها من اعتبارها نقيضا للخطإ أم من اعتبارها نقيضا للعنف، حيث يتم التحول من التطابق بين الفكر والواقع، الى التطابق بين الإنسان وبين الفكر أو الخطاب المتماسك الذي يعرف فيما يفكر ، ويفكر فيما يعرف (إريك فايل) ؟ ألا يمكن القول بأن الحقيقة تستمد قيمتها من كونها ما يسمح ببقائنا واستمرارنا، ولو منخلال تلك الأوهام التي نسينا أنها كذلك بفرط الاستعمال، وبتدخل اللغة القائمة على الاستعارات، والكنايات، والتشبيهات (نيتشه) ؟

يتضح أن ما كان يحكم مختلف تساؤلاتنا حول المعرفة (علمية كانت أو غير علمية)، وحول الحقيقة هو ثنائية ذات/ موضوع بالأساس، ذات عارفة، وموضوع للمعرفة، وكل ما يمكن أن يثيره ذلك من صعوبات إن على مستوى الذات، أو على مستوى الموضوع، أو على المستويين معا.

مجزوءة الوضع البشري ملخص دروس مفاهيم الشخص,الغير,والتاريخ

1-مادة الفلسفة

2- المستوى الثانية باكالوريا جميع الشعب والمسالك

  • دروس الأسدس الأول

4- مجزوءة الوضع البشري

5- الموضوع تقديم عام لمجزوءة الوضع البشري

6- الأستاذ محمد بضاض

تقديم

عندما نتحدث عن الوضع البشري، فإننا نقصد بذلك كل ما يحدد الذات البشرية ويشكلها في مختلف مستويات وجودها، تلك المستويات التي تتصف بالتداخل والتشابك، الأمر الذي يجعل من هذا الوضع وضعا معقدا يصعب النفاذ الى عمقه وكنهه. ولعل الصعوبات الأساسية التي تعترض سبيل كل من يحاول معرفة هذا الوضع، تتمثل في مكوناته التي يتداخل فيها ماهو مرتبط بالذات كذات، وماهو مرتبط بالذات في علاقتهما بالأخرين، وماهو مرتبط بالذات في علاقتها بالزمن… أي ما هو متعال عن الزمان والمكان، وماهو مرتبط بهما. إن هذا الوضع المتشابك يحيلنا من جهة الى مسألة الشخص وما يتعلق بهويته، باعتباره ذاتا قادرة على إدراك ذاتها، ومعرفة خصوصياتها، بفضل وعيها أو وعيها بذلك الوعي أو شعورها بإحساساتها…إلخ.

ومن هنا تطرح مسألة الهوية الشخصية، أي ما الذي يجعل كل شخص هو بالنظر الى ذاته؟

ما الذي يميز هذا الشخص عن ذاك، ويمنحه كينونته الخاصة؟

وهل تعتبر هذه الهوية الشخصية هي ما يمنح الشخص قيمته، مقارنة مع باقي الكائنات الأخرى، أم أنه يستمد تلك القيمة من بعد آخر غير وعيه الذي – وإن كان قادرا على الارتقاء به الى مستوى أعلى من مستوى الكائنات الأخرى – لا يمنحه غير قيمة مبتذلة ومنحطة؟

الى جانب هوية الشخص وقيمته، تطرح أيضا مسألة الوضع الإشكالي لوجوده، بين خضوعه لحتميات وضرورات لا يستطيع التخلص منها، باعتبارها ما يحدد ذلك الوجود. وبين قدرته على التعالي عن ذلك الوضع، باعتباره ذاتا واعية مفكرة…من هنا نستطيع أن نميز بين الوضع البشري، وبين الطبيعة البشرية، فإذا كان الوضع البشري يحيل الى ماهو كوني، ومشترك، ومتعالي في الإنسان، فإن الطبيعة البشرية تشير الى العناصر الموضوعية التي تحيط بهذا الإنسان أو ذاك، وهي العناصر المرتبطة بالتاريخ، والظروف الاجتماعية، والضرورات المتحكمة في الإنسان…

وعندما ننفتح على علاقة الذات بالآخر، تبرز مسألة الغير باعتباره ذلك المماثل والمخالف للذات. فإذا كان لكل شخص هويته الخاصة به،

فكيف يمكن للهوية الذاتية أن تثبت وجود هوية أخرى تتماثل معها، وتختلف عنها في آن واحد؟ كيف يمكننا إثبات وجود الغير انطلاقا من هذه الثنائية التي تجعل منه ذاتا وموضوعا في نفس الوقت؟ فإذا كانت موضعته قد تختزله الى مجرد موضوع أو شيء فكيف يتأتى لنا فهم طبيعة وجوده؟

و إذا نحن تجاوزنا ذلك و أثبتنا للغير وجوده، فهل تتأتى لنا معرفته انطلاقا من نفس الاعتبار؟

ألا تشكل ثنائية ذات/موضوع عائقا أمام تحقيق تلك المعرفة؟

وإذا تجاوزنا الصعوبات التي يثيرها وجود الغير مثلما تثيرها معرفته، فما هي طبيعة العلاقات الممكنة بين الذات والغير، هل هي علاقة داخلية أم خارجية؟ هل هي علاقة تعاطف، أو تواصل، أو غرابة، أم ماذا؟

أما البعد الثالث-خاص بالشعب الأدبية- المرتبط بالإنسان، فإنه يتمثل في علاقته بالزمن، فالإنسان هو الكائن الوحيد الذي يعي تاريخه الشخصي اعتمادا على ذاكرته، إلا أن السؤال المطروح هو: كيف يمكن أن نجعل من ذلك الوعي بالتاريخ، سواء تعلق الأمر بالتاريخ الشخصي أو بالتاريخ العام، معرفة تمتلك من الدقة ما يجعلها ترقى الى مستوى المعرفة العلمية؟

كيف يمكننا أن نستعيد أحداث ووقائع من الماضي بشكل يكون أقرب الى كيفية حدوثها، بالرغم من كوننا غير شاهدين على ذلك الحدوث؟

وإذا نحن استطعنا تحقيق تلك المعرفة المتعلقة بالماضي الإنساني، فماذا يمكن أن نستخلصه منها؟ هل هي مجرد أحداث ووقائع لا تخضع لأي نظام، ولا ترمي الى غاية أو هدف (أحداث اعتباطية) أم أن لها دلالة ومعنى معينين؟

ما طبيعة الصيرورة التاريخية، هل هي صيرورة تتقدم في اتجاه ما، أم أنها لا تعدو أن تكون مجرد أحداث متراصة زمنيا بحيث لا نستطيع معرفة مسارها وتوجهاتها؟

وأخيرا هل للإنسان دور في صناعة الأحداث التاريخية، أم ان هناك قوى خارج الإنسان، سواء كفرد أو كجماعة هي التي تحرك تلك الأحداث وتصنعها؟ أي دور للإنسان في التاريخ إذن هل هو كائن فاعل، محرك وصانع للتاريخ أم أنه ناتج ومفعول به من طرف قوى متعالية عليه وعلى تلك الأحداث؟

2-مفهوم الشخص

1-مادة الفلسفة

2- المستوى الثانية باكالوريا جميع الشعب والمسالك

  • دروس الأسدس الأول

4- مجزوءة الوضع البشري

5- الموضوع المحور الأول مفهوم  الشخص

 

6- الأستاذ محمد بضاض

1-الطرح الإشكالي

إن الحديث عن الشخص هو حديث عن الذات أو الأنا، والشخص هو مجموع السمات المميزة للفرد الذي هو في الأصل كيان نفسي واجتماعي متشابه مع الآخرين، ومتميز عنهم في نفس الوقت، لكن هويته ليست معطى جاهزا، بل هي خلاصة تفاعل عدة عناصر فيها ما هو بيولوجي، وما هو نفسي، وما هو اجتماعي …، وهذا ما يجعلنا نطرح إشكال الشخص على شكل أسئلة فلسفية وهي:

  • فيما تتمثل هوية الشخص؟
  • أين تكمن قيمته؟
  • هل الشخص في حر تصرفاته؟ أم يخضع لضرورات حتمية؟

2-المحور الأول: الشخص والهوية

أ-الهوية والشعور

تتمثل هوية الشخص في نظر “جون لوك” في كونه كائنا عاقلا قادرا على التفكير والتأمل بواسطة الشعور الذي يكون لديه عن أفعاله الخاصة، حيث لا يمكن الفصل بين الشعور والفكر، لأن الكائن البشري لا يمكن أن يعرف أنه يفكر إلا إذا شعر أنه يفكر، وكلما امتد هذا الشعور ليصل إلى الأفعال والأفكار الماضية، اتسعت وامتدت هوية الشخص لتشمل الذاكرة، لأن الفعل الماضي صدر عن الذات نفسها التي تدركه في الحاضر، إن هذا الشعور حسب لوك هو الذي يشكل الهوية الشخصية للفرد التي تجعله يشعر أنه هو هو لا يتغير، كما تجعله يشعر باختلافه عن الآخرين.

ب-الهوية والإرادة

يلاحظ آرثر شوبنهاور أن الفرد يكبر ويشيخ، لكنه يحس في أعماقه أنه لازال هو هو كما كان في شبابه وحتى في طفولته، هذا العنصر الثابت هو الذي يشكل هوية الشخص، إلا أن شوبنهاور لا يرجع أصل الهوية إلى الجسم، لأن هذا الأخير يتغير عبر السنين، سواء على مستوى مادته أو صورته، في حين أن الهوية ثابتة الشعور بالذاكرة والماضي، لأن الكثير من الأحداث الماضية للفرد يطويها النسيان، كما أن إصابة في المخ قد تحرمه من الذاكرة بشكل كلي، ومع ذلك فهو لا يفقد هويته العقل والتفكير، لأنه ليس إلا وظيفة بسيطة للمخ، إن هوية الشخص في تصور شوبنهاور تتمثل في الإرادة، أي في أن نريد أو لا نريد.

المحور الثاني: الشخص بوصفه قيمة

أ-قيمة الشخص في ذاته

إن الكائنات العاقلة (الأشخاص) في تصور إيمانويل كانط لها قيمة مطلقة باعتبارها غاية في حد ذاتها، وليست مجرد وسيلة لغايات أخرى، في مقابل الموضوعات غير العاقلة (الأشياء) التي ليست له اإلا قيمة نسبية، قيمة مشروطة بميولات وحاجات الإنسان لها، حيث لو لم تكن هذه الميولات والحاجات موجودة لكانت تلك الموضوعات بدون قيمة، إن لها قيمة الوسائل فقط وهذا ما يحتم على الشخص حسب كانط، الالتزام بمبدأ عقلي أخلاقي عملي إن: هو الطبيعة العاقلة (الشخص) توجد كغاية في ذاتها.

ب-قيمة الشخص والجماعة

إن فكرة استقلال الذات المفكرة والشخص الأخلاقي، وكما تمت صياغتها من طرف الفلاسفة (ديكارت، كانط…) لم تتحقق في الفكر الإنساني إلا في وقت متأخر في نظر جورج غوسدورف، لكن بالرجوع إلى بداية الوجود الإنساني وكما عاشها الناس فعليا، فإننا نجد الفرد كان يعيش ضمن الجماعة من خلال أشكال التضامن البسيطة والأساسية (الأسرة، العشيرة، القبيلة …) التي سمحت لهذه الجماعة بالبقاء، إن قيمة الشخص إذن لا تتحدد في مجال الوجود الفردي حسب غوسدورف، ولكن في مجال التعايش داخل المجموعة البشرية.

المحور الثالث: الشخص بين الضرورة والحرية

أ-الشخص والضرورة

لقد أقر سيغموند فرويد للأنا بوجود مستقل كأحد مكونات الجهاز النفسي للشخصية، وله نشاط شعوري يتمثل في الإدراك الحسي الخارجي والإدراك الحسي الداخلي، والعمليات الفكرية، ويضطر للخضوع لثلاث ضغوطات متناقضة، وهي الهو الذي يتمثل في الدوافع الفطرية والغريزية، والأنا الأعلى الذي يتجلى في الممنوعات الصادرة عن المثل الأخلاقية، والعقاب الذي تمارسه بواسطة تأنيب الضمير، إضافة إلى الحواجز التي يضعها العالم الخارجي والاجتماعي، إن الأنا يخضع حسب فرويد، لضرورات الهو، والأنا الأعلى، والعالم الخارجي.

ب-الشخص والحرية

إن الإنسان حسب سارتر يوجد أولا، أي ينبثق في هذا العالم ثم يتحدد بعد ذلك وفق ما سيصنع بنفسه، وكما يريد أن يكون في المستقبل، إن الإنسان مشروع يعاش بكيفية ذاتية، هذا الكائن المادي يتجاوز دائما الوضعية التي يوجد فيها، ويحددها، وذلك بالتعالي عليها لكي يتموضع بواسطة الشغل أو الفعل أو الحركة في إحدى الإمكانات المتاحة أمامه، وبما أن هذه الوثبة تتخذ أشكالا متنوعة بحسب الأفراد، فإننا نسميها كذلك اختيارا وحرية، إن الشخص في نظر سارتر يتمثل قي قدرته على الحرية في الاختيار.

ج-استنتاجات عامة

إن هوية الشخص ليست معطى بسيطا، بل هي عنصر مركب يتشكل من مجموع السمات التي تميز ذات الإنسان، والتي تتجلى في الخصائص الجوهرية والثابتة فيه كالعقل، والشعور، والإرادة.

إن قيمة الشخص ذات طبيعة مزدوجة، فهي قيمة تمسه كفرد يمتلك كرامة تلزمنا أن نتعامل معه كغاية في ذاته، كما تمسه كعنصر داخل الجماعة ما دامت الجماعة هي التي تمنح الفرد قيمته.

إن الشخص يخضع لمجموعة من الشروط التي تتحكم في أفعاله وتصرفاته، لكنه في نفس الوقت يمتلك هامشا من الحرية، يستطيع من خلاله أن يعدل إن لم نقل يغير تلك الشروط.

3-الغير

1-مادة الفلسفة

2- المستوى الثانية باكالوريا جميع الشعب والمسالك

  • دروس الأسدس الأول

4- مجزوءة الوضع البشري

5- الموضوع المحور الأول مفهوم  الغير

6- الأستاذ محمد بضاض

1-الطرح الإشكالي

إن مفهوم الغير من المفاهيم الفلسفية الحديثة التي لم تحتل مركز الصدارة إلا مع فلسفة هيغل، بعدما كان كل اهتمام التفكير الفلسفي يتمحور حول الذات، وبما أن الذات قد تنتج أفكارا خاطئة حول موضوعات خارجية نتيجة خداع الحواس، فإن هذا الأمر قد يدفع إلى الشك في الغير، ووضع وجوده بين قوسين، مما يترتب عن ذلك أن إنتاج معرفة حول الغير تتميز بالاختلاف، بل احتمال عدم إنتاجها أصلا، إضافة إلى تعدد وتنوع العلاقة التي تربطنا به، وهذا ما يمكن التعبير عنه بواسطة الأسئلة الآتية:

  • هل الغير موجود أم لا؟
  • هل معرفة الغير ممكنة؟ وإن كانت كذلك كيف يمكن أن نبني هذه المعرفة؟
  • ما طبيعة العلاقة التي تربط الذات بالغير؟

2-المحور الأول: وجود الغير

أ-وجود الغير والصراع

يكون وعي الذات وجودا بسيطا لذاته حسب فريدريك هيغل تقوم ماهيته في كونه أنا، غير أن الآخر هو أيضا وعي لذاته، باعتباره لا / أنا، هكذا تنبثق ذات أمام ذات، يكون كل واحد بالنسبة للآخر عبارة عن موضوع، كل منهما متيقن من وجود ذاته، وليس متيقنا من وجود الآخر، لكن مازال لم يقدم بعد أحدهما نفسه للآخر، تتمثل عملية تقديم الذات لنفسها أمام الآخر في إظهار أنها ليست متشبثة بالحياة، وهي نفس العملية التي يقوم بها الآخر حينما يسعى إلى موت الآخر، أي الأنا، إن وجود الغير بالنسبة للأنا في تصور هيغل يتم بواسطة الصراع من أجل الحياة والموت، لأن على كل منهما أن يسمو بيقين وجوده إلى مستوى الحقيقة بالنسبة لذاته، وبالنسبة للآخر.

ب-وجود الغير ووجود الذات

إن الموجود هنا باعتباره وجودا فرديا خاصا لا يكون مطابقا لذاته – في نظر مارتن هايدغر – عندما يوجد على نمط الوجود “مع / الغير”، فهذا الوجود المشترك يذيب كليا الموجود هنا، الذي هو وجودي الخاص في نمط وجود الغير، بحيث يجعل الآخرين يختفون ويفقدون ما يميزهم وما ينفردون به، مما يسمح بسيطرة الضمير المبني للمجهول، هذا المجهول ليس شخصا متعينا، إنه لا أحد، كما أن بإمكان أي كان أن يمثله، إن وجود الغير – في تصور هايدغر – يهدد وجود الذات من خلال إذابتها وسط الآخرين، ووسط المجهول.

المحور الثاني: معرفة الغير

أ-الغير والحميمية

إن حميميتي، أي حياتي الخاصة هي عائق أمام كل تواصل مع الغير، يقول غاستون بيرجي: “حيث تجعلني سجين ذاتي، فالتجربة الذاتية وحدها هي الوجود الحقيقي بالنسبة لي، وهي تجربة غير قابلة للنقل إلى الآخر، فأنا أعيش وحيدا وأشعر بالعزلة، كما أن عالم الغير منغلق أمامي بقدر انغلاق عالمي أمامه، فعندما يتألم الغير يمكنني مساعدته، ومواساته ومحاولة تخفيف الألم الذي يمزقه، غير أن ألمه يبقى رغم ذلك ألما خارجيا بالنسبة لذاتي، فتجربة الألم تظل تجربته الشخصية وليست تجربتي”، وهكذا تتعذر معرفة الغير – في نظر بيرجي – مادام الإنسان كائنا سجينا في آلامه، ومنعزلا في لذّاته، ووحيدا في موته، محكوما عليه بأن لا يشبع أبدا رغبته في التواصل.

ب-الغير بنية

إن الغير ليس فردا مشخصا بعينه – حسب جيل دولوز – بل هو بنية أو نظام العلاقات والتفاعلات بين الذوات والأشخاص، يتجلى هذا النظام في المجال الإدراكي الحسي، مثلا فأنا حين أدرك الأشياء المحيطة بي لا أدركها كلها ومن جميع جهاتها وجوانبها وباستمرار، وهذا يفترض أن يكون ثمة آخرون يدركون مالا أدركه من الأشياء، وفي الوقت الذي لا أدركه، وإلا بدت الأشياء وكأنها تنعدم حين لا أدركها وتعود إلى الوجود حين أدركها مجددا، وإذا كان هذا مستحيلا، فإن الغير إذن يشاركني إدراك الأشياء، ويكمل إدراكي لها، وهكذا يجرد دولوز الغير من معناه الفردي المشخص، ويضمنه معنى بنيويا.

المحور الثالث: العلاقة مع الغير

أ-علاقة الصداقة

إن الصداقة باعتبارها مثالا هي اتحاد شخصين يتبادلان نفس مشاعر الحب والاحترام، في نظر إيمانويل كانط وغاية هذا المثال هو تحقيق الخير للصديقين الذين جمعت بينهما إرادة طيبة، يتولد عن مشاعر الحب تجاذب بين الصديقين، في حين يتولد عن مشاعر الاحترام تباعد بينهما، إذا تناولنا الصداقة من جانبها الأخلاقي فواجب الصديق تنبيه صديقه إلى أخطائه متى ارتكابها، لأن الأول يقوم بهذا التنبيه لأجل خير الثاني، وهذا واجب حب الأول للثان، بينما تشكل أخطاء الثاني تجاه الصديق الأول إخلالا بمبدأ الاحترام بينهما، لا يجب إذن أن تقوم الصداقة – حسب كانط – على منافع مباشرة ومتبادلة، بل يجب أن تقوم على أساس أخلاقي خالص.

ب-علاقة الغرابة

لقد رفضت جوليا كريستيفا المعنى اليوناني القديم لمفهوم الغريب المرتبط بالآخر، الذي نكن له مشاعر الحقد باعتباره ذلك الدخيل المسؤول عن شرور المدينة، أو ذلك العدو الذي يتعين القضاء عليه لإعادة السلم إلى المجتمع، إن الغريب في نظرها يسكننا على نحو غريب، ونحن إذ نتعرف على الغريب فينا نستبعد أن نبغضه في ذاته، إن الغريب يبدأ عندما ينشأ لدي – تقول كريستيفا – الوعي باختلافي، وينتهي عندما نتعرف على أنفسنا جميعا وندرك أننا غرباء متمردون على الروابط والجماعات، كما انتقدت كريستيفا الدلالة الحقوقية المعاصرة للغريب التي تطلق على من لا يتمتع بمواطنة البلد الذي يقطنه، لأنها تسكت عن وضعية المختلف التي يتخذها الإنسان داخل جماعة بشرية تنغلق على نفسها مقصية المخالفين لها.

ج-استنتاجات عامة

هناك فرق بين الآخر والغير، فإذا كان الآخر هو ذلك الكائن المادي الذي يتميز بوجود واقعي إلى جانب أو في مقابل الذات، فإن الغير مفهوم فلسفي نظري يتضمن الخصائص المجردة للآخر.

إن مفهوم الغير مفهوم يتضمن معرفة متناقضة حول الآخر، فتارة يحدده كأنا آخر باعتباره متطابقا مع الذات، وطورا يحدده باعتباره لا – أنا مركزا على مظاهر التناقض مع الذات.

إن العلاقة مع الغير في الحقيقة هي علاقة بصيغة الجمع، تتميز بالتعدد والتنوع. تبدأ بعلاقة الحب والاحترام والصداقة، مرورا بعلاقة الغرابة والقرابة …، وتنتهي مع علاقة الصراع والتنافس والعداوة.

4-التاريخ

1-مادة الفلسفة

2- المستوى الثانية باكالوريا شعب الآداب والعلوم الإنسانية

  • دروس الأسدس الأول

4- مجزوءة الوضع البشري

5- الموضوع المحور الأول مفهوم  التاريخ

6- الأستاذ محمد بضاض

تقدیم

یقول عبد الله العروي: « قد یتساءل المؤرخ عن صناعته فیعني بالتاریخ تحقیق وسرد ما جرى فعلا في الماضي، ویتساءل الفیلسوف عن هدف الأحداث فیعني بالتاریخ مجموع القوانین التي تشیر إلى مقصد خفي یتحقق تدریجیا أو جدلیا، ویتساءل الفیلسوف أیضا عن ماهیة الإنسان، عما یمیزه عن سائر الكائنات، فیقول إنه التاریخ ».

نلاحظ أن التاریخ هو مجال اهتمام كل من المؤرخ والفیلسوف، فالأول یحقق الوثائق التاریخیة من أجل معرفة ما جرى في الماضي، أما الثاني فهو یعود إلى الأحداث التاریخیة من أجل الكشف عن منطقها ومعرفة القوانین المتحكمة فیها، وتحدید الغایة التي تسعى إلیها. یربط الفیلسوف بین التاریخ وماهیة الإنسان ویعتبر أن الإنسان كائن تاریخی، فإذا كانت الحیوانات غیر العاقلة تعیش أنماط عیش ثابتة تتحكم فیها قوانین غریزیة في الحاضر، فإن الإنسان على العكس من ذلك یطور أنماط عیشه ویستفید من خبرات الماضي، لأن له ذاكرة.

إذا كان المؤرخ یرید «سرد ما جرى فعلا في الماضي»، فهل بإمكانه ذلك ؟ هل یمكن للمؤرخ أن یقدم لنا أحداث الماضي بدقة وموضوعیة أم أن دراسة الماضي التاریخي تتم انطلاقا من ذاتیة المؤرخ وهواجسه في الحاضر ؟

إذا كان الفیلسوف یهتم بالكشف عن القوانین التي تحكم الأحداث التاریخیة وكذا الغایات التي تسعى نحوها، فهذا یدفعنا إلى التساؤل: هل هناك منطق تخضع له الأحداث التاریخیة ؟ هل هناك غایة نهائیة للصیرورة التاریخیة ؟ وهل التاریخ یتقدم بشكل حتمي وتراكمي ومتصل أم أن هناك قفزات وطفرات وصدف وأحداث عرضیة في التاریخ ؟

وحینما نقول إن الإنسان كائن تاریخي، یتبادر إلى ذهننا أن الإنسان هو الذي یحدث الأفعال التاریخیة. لكن ما حقیقة أن الإنسان هو محدث الأحداث التاریخیة ؟ هل هو الذي یصنع الأحداث التاریخیة أم أن هناك عوامل موضوعیة هي التي تتحكم في الصیرورة التاریخیة ؟

  1. المحور الأول: المعرفة التاریخیة
  2. طرح الإشكال

یقول ریمون آرون: « سیكون الموضوع في … إن الماضي حاضر على شكل آثار ما زلنا إلى حد الآن نراه ونفهم معناه، لكنها أحداث لا توجد الیوم ولا یمكنها. إن هذه الحالة مركبا من أحداث الوعي التي كانت موجودة آنذاك توجد أبدا. فما نرید معرفته لم یعد له وجود … إن موضوع التاریخ واقع لم یعد له وجود، وهذا الواقع هو واقع إنساني. فتصرفات المحاربین كانت ذات دلالة، والحرب لیست واقعة مادیة ».

إن دراسة التاریخ إذن لا تتعلق فقط بدراسة الأحداث والآثار المادیة، بل بدراسة أحداث الوعي أیضا، أي الدلالات والأفكار التي كان یحملها الفاعلون التاریخیون. وهذا ما یجعل دراسة التاریخ دراسة معقدة وصعبة، لأنها تتعلق بالظاهرة الإنسانیة في بعدها التاریخي. ثم إن موضوع هذه الدراسة هو موضوع لم یعد له وجود في الحاضر، هناك فقط آثار ووثائق تدل علیه، فهل یمكن إذن معرفة الماضي التاریخي انطلاقا من الوثائق والآثار المادیة ؟ وهل یمكن للمؤرخ أن یتناول المعرفة التاریخیة بشكل موضوعي أم أن ذاتیته تحضر أثناء هذه الدراسة ؟ ولماذا نرید معرفة الماضي ؟ هل من أجل معرفته كماضي أم من أجل الاستفادة منه في الحاضر ؟ كیف إذن یمكن معرفة التاریخ ؟ بأیة وسائل ومناهج ؟

أطروحة ابن خلدون: المنهج النقدي في دراسة التاریخ

یمیز ابن خلدون بین ظاهر التاریخ وباطنه، ویعتبر أن التاریخ في ظاهره هو مجرد سرد وحكي وإخبار عن وقائع حدثت أو یعتقد أنها قد حدثت في الماضي. أما باطن التاریخ فهو الكشف عن أسباب حدوث تلك الوقائع بعد أن تخضع للتمحیص والتحقیق والنقد العقلي. ویرى ابن خلدون أن هناك غایة أساسیة من دراسة التاریخ، هي تلك التي تتمثل في أخذ العبرة الأخلاقیة والفائدة السیاسیة من الأحداث والأحوال التي عاشتها الأمم السابقة. ولهذا فالهدف من دراسة التاریخ هو الاستفادة منه في الحاضر، ولتحقیق هذا المراد یدعو ابن خلدون إلى ضرورة أخذ الحیطة والحذر مما یروى عن الماضي من أحداث، إذ الكثیر منها قد یكون وهمیا وخاطئا. ولن یكون هذا الحذر ممكنا إلا بإخضاع الأخبار المنقولة إلى أصول وقواعد مستمدة مما درج على تداوله في مجال السیاسة ومما یمیز طبیعة الاجتماع البشري.

هكذا یوجه ابن خلدون نقده إلى مجموعة من المؤرخین الذین كانوا لا یتحرون الدقة في نقل الأحداث، مما یجعلهم یقعون الأوهام والمنزلقات ویقدمون أخبارا لا تاریخیة ولا واقعیة، هي من قبیل الحكایات الخیالیة المبالغ فیها. من هنا وجب حسب ابن خلدون تأسیس المعرفة التاریخیة على منهج نقدي یعتمد على تحقیق الأخبار وإخضاعها إلى قواعد ومبادئ واقعیة، مستمدة من أصول العادة وقواعد السیاسة وطبیعة العمران البشري، ویعتمد فیها على قیاس الغائب على الشاهد وسبرها بمعیار الحكمة والعقل.

  • ولكن السؤال الذي یطرح نفسه هنا هو: هل یكفي المنهج النقدي من تحقیق معرفة دقیقة وموضوعیة بالماضي التاریخي ؟ ألا تتطلب المعرفة التاریخیة نوعا من الذاتیة والتعاطف لسبر أعماق الوقائع وفهم أحداث الوعي ولیس فقط الأحداث الماضیة ؟
  • أطروحة هنري مارو: أهمیة منهج التعاطف في بناء المعرفة التاریخیة

إذا كان المنهج النقدي یوفر الشروط الموضوعیة للمعرفة التاریخیة، فإن هنري مارو یرى بأنه یلزم أیضا إضافة ما سماه بالشروط الذاتیة لفهم الماضي بشكل أفضل. هكذا یكون على المؤرخ أن یمارس نوعا من التعاطف، ویربط نوعا من الصداقة مع الموضوع التاریخي الذي یدرسه حتى یتمكن من النفوذ إلى أحداث الوعي، أي تلك الأفكار والمشاعر التي صاحبت الفاعلین التاریخیین وهم ینجزون أحداثهم.

هكذا یرى هنري مارو أنه یمكن إحداث نوع من التضافر والتكامل بین المنهج النقدي ومنهج التعاطف في بناء معرفة حقیقیة بالوقائع التاریخیة. غیر أن هذا الجمع بینهما لیس بالأمر السهل، ولذلك یجب تجنب التقصیر والإجحاف الذي قد یطال المعرفة التاریخیة من جراء تطبیق المنهج النقدي الصارم، كما یجب تجنب الغفلة والتواطئ الذي قد یأتي للمعرفة التاریخیة من منهج الذاتیة والتعاطف. ولذلك یبدو أن الرهان هو تحقیق نوع من الذاتیة الموضوعیة التي تناسب طبیعة المعرفة التاریخیة، وهي ذاتیة لا یمكن أن تتحقق إلا بالمزاوجة بین المنهج النقدي ومنهج التعاطف.

  • المحور الثاني: التاریخ وفكرة التقدم
  • طرح الإشكال

إن المتأمل في التاریخ یلاحظ ولا شك التقدم الذي حققه الإنسان في شتى المجالات والمیادین، لكن ما یمكن التساؤل حوله هنا هو: هل یتم التقدم بنفس الدرجة والمستوى في كل المجالات ؟ فهل تقدم الغرب مثلا في العلوم یوازیه تقدم في الأخلاق ؟ ثم ما الذي یتحكم في سیرورة الأحداث التاریخیة ؟ هل تخضع لمنطق ما ؟ هل یمكن تعقل السیرورة التاریخیة ؟ وهل یسیر التاریخ بشكل متصل ومتراكم أم على شكل طفرات وقطائع وقفزات ؟ وهل له غایة نهائیة یسعى إلیها؟

  • التاریخ یتقدم بشكل حتمي ومتصل نحو غایة نهائیة

یعتبر هیجل من الفلاسفة الذین یعبرون في فلسفتهم عن فكرة التقدم كما أفرزتها العقلانیة الأنواریة، التي آمنت بقدرة العقل البشري على تحقیق الأفضل والتحكم في الظواهر الطبیعیة والتاریخیة.

هكذا فالتاریخ الحقیقي وفق الفلسفة الهیجیلیة هو ذلك التاریخ الذي یهیمن على الوقائع ویصوغها ضمن منطقها الداخلي، من خلال تفاعل الشخصیات التاریخیة نفسها مع المقصد الخفي الذي یبلوره المنطق الباطني للتاریخ، حیث یقوم التاریخ وفقا لهذه الفلسفة بتفسیر الوقائع واستخراج القوانین والتنبؤات لما سیحدث. فالعقل كما یراه هیجل هو جوهر التاریخ، ومن ثم فهذا العقل هو الذي یتحكم في أحداث العالم عن طریق التاریخ نفسه، وبالتالي فكل حدث من أحداث التاریخ إنما جرى وفقا لمقتضیات العقل الذي یموضع الأحداث العالمیة لتخدم قصدا معینا أو هدفا محددا، وذلك من تحت مظلة التاریخ.

إن فلسفة التاریخ الهیجیلیة تعتبر العقل نفسه هو من یسیر التاریخ، بحیث یرتب أحداثه على نحو یجعلها سائرة نحو هدف أو غایة بعیدة المدى. على هذا النحو، فالتاریخ لدى هیجل هو عبارة عن منظومة تطور ونمو خاضعة لمنطق باطني كامن في الشخصیات التاریخیة التي لم تكن وفق هذه الفلسفة إلا أدوات لتحقیق هدف التاریخ السائر بشكل حتمي نحو تحقیق غایة نهائیة تتمثل في تجسید حریة العقل المطلقة.

  • لا یتقدم التاریخ بشكل متصل ولیس له غایة نهائیة
  • أطروحة إدوارد كار

ینتقد المؤرخ البریطاني المعاصر إدوارد هالیت كار فكرة التقدم التي عبر عنها فلاسفة أمثال هیجل وماركس، حیث رفض إمكانیة الحدیث عن نهایة أو غایة معینة تسعى نحوها الأحداث التاریخیة، واعتبر أن هذا النوع من التصور هو شبیه بالفكر اللاهوتي الذي یفترض بدایة ونهایة للتاریخ. كما ینتقد هذا المؤرخ فكرة التقدم الذي یسیر بشكل متصل ومتراكم، ویرى على العكس من ذلك أن السیرورة التاریخیة غالبا ما تعرف انقطاعات وانحرافات وتوقفات، كما أن درجة التقدم لیست واحدة في جمیع القطاعات والمجالات بل هناك اختلافات وتفاوتات فیما بینها على هذا المستوى بالذات. ولذلك فبذل الحدیث مع هیجل عن معقولیة كلیة للتاریخ، یمكن الحدیث عن عدة تواریخ ممكنة لكل منها منطق خاص یتناسب مع خصوصیتها الداخلیة من جهة ومع طبیعة المجتمعات التي تحدث داخلها من جهة أخرى.

  1. أطروحة كلود لیفي ستراوس
  2. لا یرفض كلود لیفي ستراوس فكرة التقدم في حد ذاتها بل إنه یثمن ما حققته الإنسانیة من إنجازات باهرة في جمیع المجالات، لكنه ینتقد فكرة أن التقدم یسیر بشكل منظم ومتصل، ویقول على العكس من ذلك إن هذا التقدم یتم على شكل قفزات وطفرات ویتحرك في اتجاهات مختلفة. فلیس هناك إذن انتظام وتساوي من حیث درجات التقدم في كل المجالات، فیمكن لدرجة التقدم أن تكون أعلى في المجال العلمي عنها في المجال الأخلاقي أو السیاسي ، كما أن التقدم الحاصل في الدول الغربیة لیس هو نفسه الموجود في باقي الدول الإفریقیة أو الآسیویة.

بالإضافة إلى هذا فزوایا النظر إلى مفهوم التقدم نفسه تختلف وتتعدد، وهذا یعني أن ما تراه جهة ما أو مجتمع ما على أنه تقدم انطلاقا من مرجعیتها الثقافیة والاجتماعیة قد یكون بالنسبة لجهة أخرى انتكاسا وتخلفا، فمن الصعب وجود معاییر كونیة نقیس من خلالها درجة التقدم لاسیما حینما یتعلق الأمر بالعلوم والمجالات التي تطغى فیها أحكام القیمة وتتغلب فیها المنظورات الذاتیة.

  1. المحور الثالث: دور الإنسان في التاریخ
  2. طرح الإشكال

إذا افترضنا أن الإنسان لم یوجد على وجه الأرض، هل كان من الممكن أن تظهر الأحداث والإنجازات التي عرفها التاریخ الإنساني ؟ بالطبع أن الجواب بالنفي. ویترتب عن ذلك أن الإنسان إذن هو الذي صنع التاریخ. لكن ما حقیقة أن الإنسان هو صانع تاریخه ؟ هل كل الناس یصنعون التاریخ أم فئات منهم فقط ؟ وإذا كان الأمر كذلك، هل یمكن القول إن الفئات الأخرى یصنعها التاریخ أو أنها تخضع لمحددات وعوامل لا دخل لها في صنعها ؟ فما درجة نسبة تدخل الإنسان في تحریك عجلة التاریخ نحو الأمام ؟ وهل وعي الإنسان وإرادته الحرة هي التي تصنع الأحداث التاریخیة أم أن هذه الأخیرة هي نتاج لعوامل موضوعیة تتجاوز الإرادة الإنسانیة نفسها ؟ وهل یمكن الحدیث عن حتمیة تخضع لها الصیرورة التاریخیة أم أن هذه الصیرورة نتاج لحریة الفاعل التاریخي ؟

  1. القول بالحتمیة التاریخیة
  2. أطروحة هیجل: التاریخ یخضع لحتمیة صادرة عن عقل كوني

یرى هیجل أن تاریخ العالم هو مجرد تمظهر لسعي الروح نحو معرفة ذاتها. هكذا یتمظهر العقل أو الروح الكوني عبر التاریخ متجها نحو تحقیق غایات معینة. ولذلك فالصیرورة التاریخیة تخضع لحتمیة صادرة عن هذه الروح التي تسیطر على جمیع مظاهر الحیاة البشریة. وفي هذا الإطار یرى هیجل أن أبطال التاریخ وعظمائه هم مجرد أدوات تحقق الروح من خلالهم أهدافها الخاصة، فلكل حقبة تاریخیة روحها الخاصة یسمیها هیجل بروح العصر، وهي التي تسیطر على الأفراد وتستعملهم لصالحها الخاص، ومن أجل تحقیق إنجازات حتمیة لا بد أن تظهر في زمانها الخاص ولو ضدا على الإرادات الفردیة.

إن العقل الكوني یسكن داخل الشخصیات التاریخیة ویتواجد داخل لا وعیها، وهو من خلال هذا التواجد یستخدمها لتحقیق غایاته. وما إن ینتهي دور تلك الشخصیات وكفاحها من أجل تحقیق الغایات الكونیة للعقل حتى تختفي من مسرح التاریخ دون أن تحقق سعادتها الخاصة.

  1. أطروحة ماركس: التاریخ یخضع لحتمیة مادیة

لقد استبدل ماركس الحتمیة المثالیة الهیجیلیة بحتمیة مادیة تنتقد الأولى وتقلبها. هكذا رفض ماركس أن یكون هناك عقل كوني أو روح مطلق هو الذي یتحكم في الصیرورة التاریخیة ویوجه أحداثها، ورأى على العكس من ذلك أن الممارسة المادیة المتمثلة في نمط الإنتاج السائد هي التي تتحكم في وعي الناس وتوجه الأحداث التاریخیة.

من هذا المنطلق اعتبر ماركس أن كل أشكال الوعي المختلفة، سواء كانت دینیة أو سیاسیة أو فنیة أو غیرها، هي نتاج لأسالیب العیش المادیة والاجتماعیة التي تتجلى في أنماط من علاقات الإنتاج السائدة بین الطبقات الاجتماعیة. فالصراع الطبقي حول المصالح الاقتصادیة یلعب دورا كبیرا في تحریك عجلة التاریخ، كما أن سیر الأحداث التاریخیة لا یتوقف على وعي الأفراد وإراداتهم الحرة بل إن المحرك الأساسي لها هي العوامل المادیة والاقتصادیة التي تتجاوز الإرادات الخاصة للأفراد وتشرط وعیهم. وما دام الوعي مشروطا بعوامل خارجیة، وما دام أن الوعي هو الذي یفترض أنه یجعل الإنسان صانعا لتاریخه، فإن ما یصنع التاریخ في هذه الحالة لیس هو وعي الأفراد بل عوامل مادیة واجتماعیة تتجاوز حریاتهم.

  1. القول بحریة الإنسان في صنع التاریخ

لقد تعرضت الماركسیة لتأویلات وقراأت مختلفة، من بینها القراءة الخاصة التي قدمها الفیلسوف الفرنسي الوجودي جان بول سارتر الذي بین أن الفلسفة الماركسیة هي فلسفة تدعو إلى التحرر والانعتاق، ورغبة الطبقة العاملة في السیطرة على وسائل الإنتاج وتوجیه أحداث التاریخ لصالحها.

وقد اعتبر سارتر أنه إذا كان الناس یتحركون ضمن شروط واقعیة سابقة على وجودهم، فإنهم مع ذلك هم الذین یصنعون تاریخهم ولا یمكن اعتبارهم مجرد أدوات فاقدة للوعي. وإذا كانت فئة من الناس في ظرفیة زمنیة معینة لا تصنع التاریخ، فإن فئة أخرى تصنعه. ومن هنا یظل الإنسان هو الفاعل الحقیقي للأحداث التاریخیة، بالرغم من أنه یقع أحیانا ضحیة الاستغلال الناتج عن الهیمنة الاقتصادیة والاجتماعیة.

إن التاریخ حسب سارتر هو نتاج للفاعلیة البشریة التي تحقق من خلاله مشروعها الخاص، لكن هذا التاریخ مع ذلك سیظل غریبا عن الإنسان ما لم یتحرر من الاستغلال والهیمنة ویستفید من كفاحه ومجهوده الذي سیمكنه من صنع التاریخ وتملكه، وإعطائه معنى یتماشى مع طموحاته وغایاته الخاصة.

5-ملخص التصورات لمجزوءة الوضع البشري

1-مادة الفلسفة

2- المستوى الثانية باكالوريا مسلك العلوم  و الآداب

  • دروس الأسدس الأول

4- مجزوءة الوضع البشري

5- الموضوع ملخص التصورات لمجزوءة الوضع البشري

6- الأستاذ محمد بضاض

الشخص

الشخص والهوية

  • ديكارت: هوية الشخص تقوم على القدرة على التفكير، والقدرة على التفكير في ذلك التفكير نفسه. واختلاف طريقة التفكير من شخص لآخر.
  • جون لوك: هوية الشخص تقوم على إدراك الإحساس عبر الزمان والمكان، الأمر الذي يستدعي عمل الذاكرة.
  • إيمانويل مونيي: هوية الشخص تكمن في الوحدة والكلية والشمولية التي تطبع  كينونته الداخلية، وهي الكينونة التي تختلف من هذا الشخص الى ذاك.

الشخص بين الضرورة والحرية

  • مونيي: العلوم الإنسانية تركز على تفسير السلوكات الصادرة عن الشخصية  وهي السلوكات الخاضعة للحتمية والضرورة.
  • سارتر: الإنسان مشروع قادر على موضعة نفسه في المستقبل، حيث تتعدد الاختيارات وتكون له الحرية في اختيار واحد منها، وتحمل مسؤولية اختياره.
  • الحبابي: حرية الشخص تكن في قدرته على التحرر من الكائن الى الشخص وبالتالي الى الإنسان.

الشخص بوصفه قيمة

  • كانط: يستمد الشخص قيمته من كونه ذاتا لعقل عملي أخلاقي، يقوم على مفهومي الواجب والفضيلة والكرامة الإنسانية.
  • هيجل: يستمد الشخص قيمته من كونه يمتثل لروح شعبه من خلال قيامه بالواجبات و امتثاله لها.
  • راولس: يستمد الشخص قيمته من كونه مواطنا له القدرة على التأثير و احترام الواجبات، وامتلاك حس العدالة والخير.

الغير

وجود الغير

  • هيدجر: وجود الغير يفرض على الذات الانخراط فيه، وبذلك يصبح غير متين أو ضميرا مبنيا للمجهول أو لا أحد.
  • ميرلوبونتي: من الصعب تحديد وجود الغير لأنه يجمع بين الوجود في ذاته (الجسد) والوجود من أجل ذاته (الوعي) وهذا الأخير هو ما يحول دون تحديد وجوده.
  • سارتر: وجود الغير هو وجود شيء أو موضوع نظرا للعدم أو المسافة الفاصلة بيني وبينه، وهو ما يجعله يشيئني بدوره.

معرفة الغير

  • شلر: معرفة الغير ممكنة إذا ما تناولناه باعتباره كلا لا يمكن الفصل بين مظاهره الخارجية وإحساساته الداخلية.
  • جيل دولوز: يمكن معرفة الغير باعتباره بنية للحقل الإدراكي، وتفسير ما يصدر عنه من سلوكات انطلاقا من تلك البنية الممكنة.
  • مالبرانش: من الصعب معرفة الغير انطلاقا من الاستدلال بالمماثلة، لأن الغير يشبهنا في جوانب،و يختلف في جوانب عنا في أخرى.

العلاقة مع الغير

  • أوغست كونت: ينبغي أن تقوم العلاقة مع الغير على التعاطف والعيش من أجله، كرد للدين الذي قدمته لنا الإنسانية (الغيرية).
  • ميرلوبونتي: من الصعب تحديد وجود الغير لأنه يجمع بين الوجود في ذاته (الجسد) والوجود من أجل ذاته (الوعي) وهذا الأخير هو ما يحول دون تحديد وجوده.
  • جوليا كريستيفا: الغير هو الغريب ، لكن الغريب ليس هو ذلك الدخيل أو البعيد، بل إنه يوجد بيننا ويسكننا على نحو غريب.

التاريخ

المعرفة التاريخية

  • بول ريكور: المعرفة التاريخية لا تتحقق إلا من خلال الآثار والوثائق التي يستنطقها المؤرخ بناء على فرضيات تعطي للوثيقة معنى دالا.
  • ريمون أرون: ينتقد ريكور، ويرى أن قراءة الوثائق والآثار تتم بعين الحاضر، وهو ما يفقدها دلالتها، لكون تلك الدلالة تختلف من زمن لآخر ومن مكان لآخر.
  • هنري مارو: التاريخ هو معرفة بالماضي الإنساني وليس مجرد بحث فيه أو دراسة له، لأن الفرق بين المعرفة وبين البحث والدراسة فرق بين الغايات والوسائل.

التاريخ وفكرة التقدم

  • كارل ماركس: التاريخ يتقدم بفعل التناقض، وهو تناقض بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج السائدة في المجتمع ما قبل الإشتراكي.
  • ميرلوبونتي: ينتقد المنطق الماركسي للتاريخ القتئم على الصراع والحتمية، ويرى أنه يقوم على العرضية والانفلات من الحتمية.
  • ابن خلدون: التغيرات التي تعرفها الصيرورة التاريخية راجعة الى مخالفة السلطان لبعض عادات من سبقوه ومحافظته على بعضها، وهو ما يؤدي الى التقدم.

دور الإنسان في التاريخ

  • هيجل: للناس العظماء دور في التاريخ لأنهم يدركون ماهو كوني فيه، ويعملون على تغييره.
  • سارتر: الناس يصنعون تاريخهم ولكن في وضع محدد يشرطهم، الأمرالذي يجعل منهم صانعي تاريخهم وخاضعين له في نفس الوقت.
  • ميكيافيلي: الأحداث التاريخية لا تخضع للقضاء والقدر بشكل كلي لكون الإنسان يتحكم في نصف أفعاله.

6-المواقف الفلسفية لمجزوءة الوضع البشري

1-مادة الفلسفة

2- المستوى الثانية باكالوريا مسلك العلوم  و الآداب

  • دروس الأسدس الأول

4- مجزوءة الوضع البشري

5- الموضوع المواقف الفلسفية لمجزوءة الوضع البشري

6- الأستاذ محمد بضاض

مفهوم الشخص

المحور الأول: الشخص والهوية

كیف یمكن تفسیر ثبات الأنا أي الهویة الشخصیة رغم مختلف التغیرات؟

موقف لاشولیي

المحدد الرئیسي للشخص هو هویته، أي تطابقه مع ذاته وبالتالي تمیزه عن غیره. أما وحدته النفسیة عبر جل مراحل حیاته فهي الضامن لهذه الهویة، لأنهما لیستا نتاجا تلقائیا، بقدر ما أنهما نتاج لآلیات ربط، وهي آلیات نفسیة تقوم بمهمة السهر على وحدة الشخص وتطابقه. أولها وحدة الطبع أو السمة العامة للشخصیة، في مواقفها وردود فعلها تجاه الآخرین. وعلى هذا النحو یرى لاشولیي، أن كل من وحدة الطبع أو السمة العامة للشخصیة، هي ضمان هویتها إلى جانب الذاكرة التي اعتبرها آلیة ضروریة لربط حاضر الشخص بماضیه القریب أو البعید.

موقف دیكارت

یذهب إلى تأكید أهمیة الفكر في بناء الشخصیة وفهم حقیقتها، فالفكر صفة تخص الذات الإنسانیة وهي وحدها لصیقة بها. والتفكیر هو الشرط الضروري للوجود. إذن أساس هویة الشخص هو التفكیر الذي یعتبر مناسبة لحضور الذات أمام نفسها وإدراكها إدراكا مباشرا لكل ما یصدر عنها من أفعال والتي تبقى رغم تعددها واحدة وثابتة.

موقف جون لوك

یعطي تعریفا للشخص باعتباره ذلك الكائن المفكر والعاقل، القادر على التعقل والتأمل حیثما كان وأنى كان ومهما تغیرت الظروف، وذلك عن طریق الشعور الذي یكون لدیه عن أفعاله الخاصة وبشكل مستمر دون حدوث أي تغیر في جوهر الذات، فاقتران الشعور بالفكر على نحو دائم هو ما یكسب الشخص هویته ویجعله یبقى دائما هو هو، باعتباره كائنا عاقلا یتذكر أفعاله وأفكاره التي صدرت عنه في الماضي وهو نفسه الذي یدركها في الحاضر.

المحور الثاني: الشخص بوصفه قيمة

انصب تفكیر الفلاسفة وعلماء الاجتماع على هذا البعد، فمنه من أرجعه لذات الإنسان، ومنهم من أرجعه لعلاقته مع الغیر

موقف كانط

الإنسان كائن عاقل وهو غایة في ذاته، ولیس مجرد وسیلة یستعملها الغیر أو وسیلة یستعملها هو نفسه لتحقیق هدف ما. الإنسان خلافا للأشیاء هو الكائن الوحید الذي له قیمة مطلقة لأنه غایة في ذاته. لهذا السبب یسمى الإنسان شخصا وتسمى الموجودات الأخرى أشیاء. فلا یمكن تقوین الإنسان بسعر كما نفعل بالأشیاء والحیوانات: الإنسان لیس قابلا للبیع. فهو كشخص یعتبر قیمة تتجاوز كل سعر. إنه شخص، غایة في ذاته، له كرامة ویتمتع بالاحترام واحترامه هذا یعني احترام الإنسانیة التي یمثلها.

موقف هیجل

الشخص یكتسب قیمته الأخلاقیة عندما یعي ذاته وحریته وینفتح على الواقع الذي ینتمي إلیه، بالدخول مع الجماعة في علاقة تعاون متبادلة امتثالا للواجب.

موقف غوسدورف

یعرف الشخص انطلاقا من كونه عنصرا مكونا للجماعة وهو ما یعني أن قیمة التضامن بین أفراد الجماعة مكون أساسي لقیمته بحث أن أنانیته ستضر بالغیر وبنفسه أیضا. التضامن والتعایش هو أساس قیمة الشخص وكماله، لأن الانعزالیة والأنانیة والفردانیة تجعل الشخص معادیا لنفسه ولإنسانیته وللغیر. بما أنه شخص ولیس بهیمة فإن وجوده لا یتحقق إلا بمشاركة الآخرین حیاتهم وبالتواجد داخل الجماعة وبقبول الغیر. وخلاصة هذا الموقف أن الشخص لیس هو ما یملك وإنما هو اخذ وعطاء.

المحور الثالث: الشخص بين الضرورة والحرية

اختلف الفلاسفة في تحدید موقف ووضع الإنسان داخل المجتمع، فمنهم من اعترف بعدم حریته لأن خضوعه للضرورة هو الشكل الوحید للحیاة مع الناس وفي الكون، ومنهم من رأى أن الوعي والاختیار یمكنان الإنسان كشخص من العیش حرا.

موقف سارتر

یمیز سارتر بین الوجود والماهیة. والإنسان هو الكائن الوحید الذي یبق وجوده ماهیته، ولهذا فهو یتجاوز وضعه إلى وضع آخر عبر الإرادة والفعل والشغل…

موقف مونیي

الشخص حر لأنه یقبل الظرف والوضع الذي یتواجد فیه لأن الحریة لا تتحقق إلا في مواجهة العوائق والحواجز، وعن طریق الاختیار بین عدة اختیارات والتضحیة، أي بذل جهد للتغلب على المعیقات الداخلیة والخارجیة. الحریة تتحقق داخل شروط تلزم الشخص بتأثیرها. لیست الحریة هي أن نفعل ما نرید وإنما أن نصارع ظروفا معیقة ونتغلب علیها.

موقف اسبینوزا

یذهب إلى اعتبار أن ما یمیز الشخص عن باقي الكائنات الأخرى، هو سعیه للحفاظ على بقائه واستمراره، وهو سعي یتأسس على الإرادة الحرة. ولیست الحریة هنا بمعنى الجواز، بل إنها تقترن بالفضیلة والكمال، ولیس بالعجز أو الضعف، وفق ما تقتضیه قوانین الطبیعة الإنسانیة من قدرة على استخدام العقل للتمییز بین الخیر والشر، وتفضیل الأول على الثاني.

مفهوم الغیر

كیف نستدل على وجود الغیر باعتباره وجودا خارج الذات، بالرغم من أنه وجود مختلف عن باقي الموضوعات الأخرى التي تشكل العالم الخارجي؟

المحور الأول: وجود الغیر

موقف دیكارت

كان أول فیلسوف حاول إقامة مفارقة بین الأنا الفردیة الواعیة وبین الغیر، حیث أراد دیكارت لنفسه أن یعیش عزلة إبستیمیة، رافضا كل استعانة بالغیر في أثناء عملیة الشك. فرفض الموروث من المعارف، واعتمد على إمكاناته الذاتیة، لأنه یرید أن یصل إلى ذلك الیقین العقلي الذي یتصف بالبداهة والوضوح والتمیز… فوجود الغیر في إدراك الحقیقة لیس وجودا ضروریا، ومن ثمة یمكن أن نقول: إن تجربة الشك التي عاشها دیكارت تمت من خلال إقصاء الغیر… والاعتراف بالغیر لا یأتي إلا من خلال قوة الحكم العقلي حیث یكون وجود الغیر وجودا استدلالیا.

موقف هیجل

تجاوز هذا الشعور السلبي بوجود الغیر، لأنه رأى أن الذات حینما تنغمس في الحیاة لا یكون وعیها وعیا للذات، وإنما نظرة إلى الذات باعتبارها عضویة. فوعي الذات لنفسها – في اعتقاد هیجل – یكون من خلال اعتراف الغیر بها. وهذه عملیة مزدوجة یقوم بها الغیر كما تقوم بها الذات. واعتراف أحد الطرفین بالآخر لابد أن ینتزع. هكذا تدخل الأنا في صراع حتى الموت مع الغیر، وتستمر العلاقة بینهما في إطار جدلیة العبد والسید. هكذا یكون وجود الغیر بالنسبة إلى الذات وجودا ضروریا.

موقف سارتر

یرى الغیر ما هو إلا أنا آخر، أي كأنا مماثل لأناي، إلا أنه مستقل عنه، لكن وجود الغیر هو كذلك نفي لأناي، من حیث هو مركز للعالم. ویترتب على وجود الغیر هذا نتائج هامة وحاسمة لا على مستوى أناي فحسب، بل على مستوى علاقتي مع العالم الخارجي.

إن ما سبق یظهر التناقض الحاصل بین التمثلین الدیكارتي والهیجلي، ففي الوقت الذي یقصي فیه دیكارت وجود الغیر، یعتبره هیجل وجودا ضروریا. وهذا یتولد عنه السؤال التالي:  هل معرفة الغیر ممكنة ؟ وكیف تتم معرفته؟

المحور الثاني: معرفة الغیر

إن معرفة الغیر تمثل علاقة “إبستیمیة ” بین طرفین، أحدهما یمثل الأنا العارفة والآخر یمثل موضوع المعرفة. الشيء الذي یدفعنا إلى طرح التساؤل التالي: هل نعرف الغیر بوصفه ذاتا أم موضوعا ؟ بمعنى آخر، هل معرفة الغیر ممكنة أم مستحیلة؟

موقف سارتر

یطرح العلاقة المعرفیة بین الأنا والغیر في إطار فینومینولوجي (ظاهراتي)، فالغیر في اعتقاده هو “ذلك الذي لیس هو أنا، ولست أنا هو”. وفي حالة وجود علاقة عدمیة بین الأنا والغیر، فإنه لا یمكنه “أن یؤثر في كینونتي بكینونته”، وفي هذه الحالة ستكون معرفة الغیر غیر ممكنة. لكن بمجرد الدخول في علاقة معرفیة مع الغیر معناه تحویله إلى موضوع (أي تشییئه):  أي أننا ننظر إلیه كشيء خارج عن دواتنا ونسلب منه جمیع معاني الوعي والحریة والإرادة والمسؤولیة. وهذه العلاقة متبادلة بین الأنا والغیر: فحین أدخل في مجال إدراك الآخر، فإن نظرته إلي تقیدني وتحد من حریتي وتلقائیتي، لأنني أنظر إلى نفسي نظرة الآخر إلي. إن نظرة الغیر إلي تشیئني، كما تشیئه نظرتي إلیه. هكذا تبدو كینونة الغیر متعالیة عن مجال إدراكنا ما دامت معرفتنا للغیر معرفة انطباعیة حسیة.

موقف میرلوبونتي

له موقف آخر إذ یرى أن “نظرة الغیر لا تحولني إلى موضوع، كما لا تحوله نظرتي إلى موضوع ” ؛ إلا في حالة واحدة وهي أن ینغلق كل واحد في ذاته وتأملاته الفردیة. مع العلم أن هذا الحاجز یمكن تكسیره بالتواصل، فبمجرد أن تدخل الذات في التواصل مع الغیر حتى تكف ذات الغیر عن التعالي عن الأنا، ویزول بذلك العائق الذي یعطي للغیر صورة عالم یستعصي بلوغه.

المحور الثالث: العلاقة مع الغیر

هل العلاقة مع الغیر هي علاقة تكامل أم تنافر

موقف كانط

یرى أن علاقة الصداقة هي أسمى وأنبل العلاقات الإنسانیة لأنها قائمة على الاحترام المتبادل. وأساسها الإرادة الأخلاقیة الخیرة. فالصداقة باعتبارها واجبا أخلاقیا، تشترط وجود المساواة وعلاقة التكافؤ، وهي أیضا نقطة تماس بین الحب والاحترام. وهذا ما یمنح الإنسان توازنه وعدم الإفراط سواء في الاحترام أو الحب.

موقف أفلاطـون

یعتبر أن علاقة الصداقة تنبثق من الحالة الوجودیة الوسط التي تطبع وجود الإنسان، وهي حالة وسط بین الكمال المطلق والنقص المطلق تدفع الإنسان إلى البحث الدائم عما یكمله في علاقته مع الآخرین… فالكمال الأقصى یجعل الإنسان في حالة اكتفاء ذاتي لا یحتاج فیها إلى الغیر، وفي حالة النقص المطلق تنعدم لدیه الرغبة في طلب الكمال والخیر. من هنا تقوم الصداقة كعلاقة محبة متبادلة یبحث فیها الأنا عما یكمله في الغیر، یتصف فیها كل طرف بقدر كاف من الخیر أو الكمال یدفعه إلى طلب كمال أسمى، وبقدر من النقص الذي لا یحول دون طلب الكمال.

مفهوم التاریخ

أین یتجلى الاختلاف بین المؤرخ و الفیلسوف في التعاطي مع المعرفة التاریخیة ؟ وكیف تبنى تلك المعرفة ؟ وهل التاریخ ثابت ومستقر أم تحكه دینامیة التقدم ؟ وهل للإنسان دور في التاریخ ؟ هل یمكن أن نعتبره صانعا للتاریخ ؟

المحور الأول: المعرفة التاریخیة

إن التطرق لموضوع المعرفة التاریخیة یثیر إشكالا منهجیا یتعلق بالماضي الذي انقضى وولى والتعامل معه في الوقت ذاته كموضوع للمعرفة، و من ثمة فكیف یمكن الحكم على المعرفة التاریخیة ؟

موقف ریمون أرون

یؤكد على أن المعرفة التاریخیة هي معرفة نسبیة. لأنها لا یمكن أن تدرك الماضي بصفة نهائیة مادام أنه لا وجود لماض خالص، فكل ماضي هو ماض مستحضر ومعرفته لا تتأتى إلا عبر البحث والتنقیب والتحقیق. كما أن المعرفة التلقائیة التي نعرفها بطریقة مباشرة هي سمة أساسیة لواقعنا الذي نعیش فیه، بحكم أننا نفهم جمیع دلالاته. في حین أن المجتمعات التي عاشت قبلنا لا یتسنى لنا أن نعرف دلالاتها دون توسط منهج المؤرخ، وبذلك تنعدم شروط المعرفة التلقائیة بها. بالإضافة إلى كون تجربتنا في الماضي لایمكن أن تكون هي تجربتنا في الحاضر. وانطلاقا من ذلك فالمعرفة هي إعادة بناء لما كان موجودا ولم یعد وهي عملیة تخص زمانا ومكانا محددین.

موقف ماكس فیبر

ینطلق من نقطة أساسیة تعتبر كمدخل من أجل التعاطي مع المعرفة التاریخیة كمؤشر لتصور مستقبل الإنسانیة. فالواقع الإمبریقي (التجریبي) یتمیز باللامحدودیة بحكم كثافته ولا نهائیته، فلذلك لا یمكن لأیة عدة منهجیة أن تشمل ذلك الواقع في كلیته. إن المؤرخ لا یمكن أن یتأتى له معرفة الماضي بصفة نهائیة، ذلك أن الأسباب التي یعتمدها لتفسیر الواقعة التاریخیة ستبقى منتقاة انطلاقا من علاقة المؤرخ بالقیم. كما أن السببیة التاریخیة بالنسبة لماكس فیبر هي سببیة تحلیلیة، متفردة وجزئیة احتمالیة، ویبقى العمل المنهجي للمؤرخ محددا لهذه المعرفة

المحور الثاني: التاریخ وفكرة التقدم

للتاریخ منطق. لكن هل یحكمه التقدم ؟ أم التكرار؟ أم الضرورة ؟ أم الصدفة ؟

موقف ابن خلدون

التاریخ لا یعرف التقدم وإنما هو دوري، تكراري، وفق نفس المراحل، وهذا ما تثبته نظریة العصبیة القائمة على الدم والقبیلة: فالبدایة هب الفتوة أو النشأة ثم القوة واكتساب السیادة وبعد الغنى والترف تحل الشیخوخة ثم الاندثار، لتبدأ في مكان آخر آثار عصبیة جدیدة وهذا ما یشهد علیه تاریخ إفریقیا الشمالیة (ألا یبدو هذا التوصیف مشابها لحیاة كائن طبیعي). هل یتعلق الأمر بإسقاط الطبیعة على المجتمع البشري، أم أن الأمر أعمق من ذلك ؟

موقف هیجل

ما یحكم تطور التاریخ هو الجدل القائم على النفي ونفي النفي، حیث یتجاوز الحدث اللاحق الحدث السابق وذلك في أفق تحقیق غایة قصوى هي وعي الروح المطلق لذاته عبر تحققه في التاریخ موضوعیا: فالتقدم صیرورة عقلیة وخاصیة للعقل المطلق أو الوعي، وهي أیضا خاصیة للتاریخ الكوني كمسرح یتمظهر فیه تجسم الروح المطلق ووعیه بذاته. أما الاختلال الطارئ المتمثل في الحروب والتوقفات الظاهریة للتطور فلیست إلا استثناأت جزئیة ضروریة للصیرورة العامة. وتخفي التقدم الحاصل فعلا

موقف ریمون آرون

فكرة التقدم متحیزة للغرب كمركز لأنها من إنتاجه وخصوصا في ارتباطها بعصر الأنوار الذي بني على التقدم كأساس للتطور في جمیع المجالات، ولا شك أن النموذج الأساسي هو العلوم. لكن هل یمكن تعمیم هذا النموذج على المجتمعات والفنون وجمیع أشكال الحیاة الأخرى؟

موقف كلود ليفي ستروس

فكرة التقدم تقود لنزعة التمركز حول الذات الأوروبیة، أي أن نموذج التقدم هو الغرب ونموذج التخلف هو ما عداه، وهذا یعني أن فكرة التقدم سوف تفرض خطاطة تاریخیة واحدة، وتذیب جمیع الاختلافات بین الشعوب والأمم والحضارات والمجتمعات، ويعاني فكر التقدم من خلل آخر ومن ضعف كبیر ألا وهو أنها تحتاج لغایة تشكل نهایة للتقدم (في الماركسیة هي الشیوعیة، وعند هیجل هي معرفة الروح المطلق لذاته، وعند فوكویاما هي نهایة التاریخ المتمثلة في انهیار الاشتراكیة). إن فكرة التقدم تقتضي فكرة الخلاص والتي هي فكرة دینیة بل میثولوجیة.

المحور الثالث: دور الإنسان في التاریخ

موقف هیجل

القوة المحركة للتاریخ كسیرورات متلاحقة هي الروح المطلق الذي یحقق وعیا بذاته ویجسد ذلك موضوعيا في التاریخ الكوني، متخذا الشعوب والمجتمعات والفنون والدیانات كوسائل… إذن لا أهمیة للأفراد على الإطلاق إلا باعتبارهم منفذین وأدوات یستعملها الوعي المطلق.

موقف سارتر

الإنسان حریة تتجسد في اختیاره بین اختیارات ممكنة وذلك لأن وجوده سابق على ماهیته التي لا تدرك كشيء منته أو ماهوي وإنما كسیرورة وكمشروع دائم، لا یمكن تصور الإنسان الذي هو وجود لذاته ومن أجل ذاته، أي یعي ذاته ویعي الضرورات المحدقة به لا یمكن تصوره إلا متخذا مواقف عبر تحمل مسؤولیة الاختیار حتى وإن كنت النتیجة قاسیة ألا وهي القلق الدائم مادام هو وحده المسئول عن اختیاراته.

14-الطبيعة والنشاط الإنساني

1- مادة الفلسفة

2- المستوى جذع مشترك, جميع الشعب والمسالك

3-دروس الأسدس الثاني

4- مجزوءة الطبيعة والثقافة

5- الموضوع التمييز بين الطبيعة والنشاط الإنساني

6- الأستاذ محمد بضاض

مدخل

لقد شكلت الطبيعة ولازلت بالنسبة للإنسان ذلك المجال الحيوي الذي استطاع من خلال ضمان بقاء وجوده، كما أنها هي ذلك المجال الذي برهن الإنسان من خلاله على ما لديه من أفكار وقدرات ومواهب، وإذا كان الإنسان هو ذلك الكائن الفاعل فإن الطبيعة تشكل مجالا لفعله، وعن طريق هذا الفعل يغير الإنسان الطبيعة ويحول أشياءها إلى منتوجات، وهو في نفس الوقت يغير من ذاته ومن وعيه أيضا، لقد شكلّت الطبيعة بالنسبة للإنسان دائما لغزا محيرا، فكلّما اعتقد أنه تمكّن من فهمها والتوصل إلى قوانينها إلا وباغتته بأسرار جديدة وبظواهر غريبة وكشفت له عن مدى قوتها، الشيء الذي دفع الإنسان إلى أن يكون دائما في حالة استنفار وهو يواجه الطبيعة، إلا أن هذه الأخيرة تمثل بالنسبة للإنسان تلك المعشوقة التي أحبها وأغرم بجمالها ومفاتنها، من هنا هذه العلاقة المركبة بين الطبيعة والإنسان.

  • فأية علاقة بين الإنسان والطبيعة؟
  • هل هي علاقة صراع ومواجهة وعداء أم هي علاقة محبة وتجانس وانسجام؟

2-الكفايات المستهدفة في المحور

بعد قراءتنا لمحور الطبيعة والنشاط الإنساني نكون قادرين على:

  • موضعة علاقة النشاط الإنساني بالطبيعة في إطار نقاش فلسفي.
  • رسم معالم التحولات الفلسفية التي عرفها أشكال علاقة الإنسان بالطبيعة.
  • فتح الإشكال الفلسفي على قضايا بيئة راهنة.

3-إشكالية المحور

  • ما هي العلاقة التي يقيمها الإنسان مع الطبيعة؟
  • ما هي خصائص النشاط الإنساني في الطبيعة؟

4-المواضيع الموجودة داخل المحور

  • الإنسان سيد وملاك الطبيعة.
  • من السيطرة على الطبيعة إلى الانسجام معها.

5-تحليل نص رونيه ديكارت: الإنسان سيد ومالك للطبيعة

6-التعريف بصاحب النص

رونيه ديكارت ) (1596 – 1650) فيلسوف وعالم رياضيات وفيزيائي ومثقف موسوعي فرنسي، يعتبر مؤسس الرياضيات الحديثة، إذ قام بتبسيط الكتابة الرياضية وأسس الهندسة الديكارتية التي تتم بها دراسةُ الأشكال الهندسية ضمن نظام إحداثيات يدمج بين الهندسة المستوية والجبر، وفي الفيزياء استخرج قوانين انتشار الضوء واكتشف مفهوم العمل، وقد وضع بفيزيائه الميكانيكية ونظريته في الحيوانات–الآلات أسس العلم الحديث، يعتبر كذلك من رواد العقلانية في الفلسفة الحديثة، فالكثير من الأفكار والفلسفات الغربية اللاحقة هي ثمرة التفاعل مع كتاباته التي درست وتدرس من أيامه حتى يومنا هذا، لذلك يعد ديكارت أحد المفكرين الغربيين الأساسيين وأحد مفاتيح فهمنا للثورة العلمية والحضارة الحديث، له عدة مؤلفات: “تأملات ميتافيزيقية”، و”رسالة في أهواء النفس”، و”تأملات في الفلسفة الأولى” …

7-البنية المفاهمية

8-الفلسفة التأملية

هي الفلسفة التي كانت تدرس في المدارس في عصره والتي كان يغلب عليها في نظره اللفظية والتلقين واعتبرها من ثم فلسفة عقيمة لأنها كانت تهتم في العلم فقط بمعرفة معاني الأشياء الطبيعية.

9-الفلسفة العملية

إنها فلسفة تهتم بخصائص الأجسام المادية والطبيعية واستعمال أدوات ووسائل لتحقيق ذلك، وليس اعتمادا على الوصف والكلام فقط، وعن طرقها سيتم الوصول في النهاية إلى السيادة على الطبيعة وتملكها.

10-علم الطبيعة

هو العلم الذي يدرس الطبيعة بهدف معرفتها معرفة دقيقة، وأساس الطبيعة المادية عند ديكارت هو “الامتداد”.

11-بنية النص وأفكاره

  • اعتماد ديكارت على تأملاته الخاصة أوصلته إلى إدراك قيمة العلم الطبيعي.
  • ضرورة استبدال الفلسفة النظرية القائمة على اللفظية والتلقين بالفلسفة العملية.
  • جعل الهدف من فهم الطبيعة هو السيطرة على الطبيعة والتحكم بها.

12-إشكالية النص

  • كيف تتم معرفة الطبيعة ؟
  • وما الهدف من معرفتها؟
  • كيف يستطيع الإنسان فرض سيادته وسيطرته على الطبيعة؟

13-البنية الحجاجية

  • حجة الدحض: نقد الفلسفة النظرية.
  • إيراد التجربة الشخصية للفيلسوف.
  • أسلوب المقارنة بين الفلسفة النظرية والفلسفة العملية.
  • حجة المثال: مثال للعلم الطبيعي الذي يمكن من معرفة ما للنار والماء والهواء …

14-أطروحة النص

دعوة ديكارت إلى اعتماد المبادئ العامة في علم الطبيعة ليس من أجل أن نكون سادة ومالكين للطبيعة، ولكن من أجل حفظ الصحة التي هي بلا ريب الخير الأول وأساس جميع الخيرات.

15-إشكالية النص

  • كيف تتم معرفة الطبيعة؟
  • وما الهدف من معرفتها؟
  • كيف يستطيع الإنسان فرض سيادته وسيطرته على الطبيعة؟

16-حجج النص

  • رغم إعجاب ديكارت بتأملاته إلا أنه أقر في المقابل بأن للآخرين تأملات هو كذلك أشد إعجابا بها.
  • إقرار ديكارت بعدم إلهامه ببعض المبادئ العامة في علم الطبيعة.
  • وقوف ديكارت عندما تستطيع أن تحققه المبادئ العامة في علم الطبيعة من منافع عامة في الطبيعة، ومع عدم إقراره كتمان ذلك حتى لا يخل بالقانون.
  • الإحاطة علما ببعض المبادئ العامة في علم الطبيعة لا يساعدنا فقط من أجل أن نكون سادة ومالكين للطبيعة، ولكن من أجل حفظ الصحة التي هي بلا ريب الخير الأول وأساس جميع الخيرات.

17-استنتاج

يرى ديكارت أن معرفة الطبيعة تتم عن طريق إعادة إنتاج الطبيعة وليس فقط معرفة أسبابها وعللها والقوى التي تحتويها، كما ينتقد الفلسفة المدرسة التأملية التي سيطرت على التعليم في أوربا إلى حدود العصر الحديث لكن تبقى الغاية التي جعلها ديكارت لهذه المعرفة الطبيعية (وهي السيطرة على الطبيعة وتملكها) مثار نقاش وجدال، لذلك انتقد العديد من الفلاسفة هذا الهدف ومن بينهم “ميشيل سير” الذي تساءل: “إذا كان الهدف من العلم الطبيعي هو التحكم في الطبيعة فهل يمكن التحكم في تحكمنا؟”، بمعنى هل نستطيع السيطرة على العنف البشري الذي دمر الطبيعة بدعوى السيطرة عليها؟، إنها فكرة خطيرة هيمنت على الحضارة الغربية منذ ديكارت وكانت لها أثار سلبية على الطبيعة وعلى الوجود.

18-أسئلة الفهم (ص 94)

  • موقف ديكارت من الفلسفة التأملية هو أنه يدعو إلى: البحث عن بديل لها، التعليل: “ومن أنه يمكننا أن نجد، بدلا…….التي تعلم في المدارس، فلسفة عملية”.
  • لقد كان لزاما على ديكارت الإفصاح عن مبادئ العلم الطبيعي لأنه يحقق فائدة للإنسان، فالتجارب أبانت عن مدى ما يمكن أن تجلبه مبادئ هذا العلم من منافع عظيمة للإنسان في الحياة.
  • يحدد النص العلم الطبيعي كعلم يقدم قوانين تفسيرية للطبيعة تسمح للإنسان بالسيطرة عليها، هكذا قال ديكارت بأن الفلسفة العملية الناتجة عن العلم الطبيعي تمكننا من معرفة الأجسام التي تحيط بنا كالنار والماء والهواء، كما تجعلنا سادة على الطبيعة ومالكين لها.
  • ما نفهمه من عبارة ديكارت هو أن العلم الطبيعي يمكن الإنسان من معرفة القوانين المتحكمة في الظواهر الطبيعية، وهو ما يمكنه من السيطرة عليها وتسخيرها لخدمة أغراضه ومصالحه في الحياة.