مفهوم النفس الإنسانية في الفلسفة الديكارتية، عند الفيلسوف الفرنسي،رينيه ديكارت(1596-1650)

كلنا يعرف أنّ التأملات يحمل عنوانا يتضمّن ضرورة التّميز بين النفس والجسد فهدف ديكارت منذ البداية هو التّمييز بينهما. لكن ديكارت الذي حاول في التأملات قدر الاستطاعة أن يميّز بين النفس والجسد أدرك أنّه ينبغي عليه أن يبيّن علاقتهما، أي تداخلهما في الإنسان. فهو في التأمّلات على الأقل يحاول التمييز و لكن في الانفعالات يضع هذه المسألة بصفة جديدة لإيجاد حلّ لعلاقة النفس بالجسد.
في التأمّلات يقرّ ديكارت أن الشيء الذي يبقى قارّا ولا يمكن للشك أن يضعه محل ريب هو الفكر كفكر أي بقطع النظر عن كونه صحيحا أو خاطئا، وهذا الفكر هو فكر محض أي مستقل ومتميّز عن الخيال وعن الإحساسات وعن كل ما قد يوجد في النفس من أشياء أخرى، فديكارت يميز الفكر في النفس عما هو مخالف لهذا الفكر. وعندما يتساءل عن أهميّة هذا الفكر يجد ديكارت أنّه جوهر مفكّر، وكلمة جوهر هنا تؤخذ بالمعنى الأرسطي، إذ نتبيّن أنّ الفكر عند ديكارت مستقلّ بذاته أي لا يحتاج إلى شيء آخر، أي لا يحتاج إلى جسد ليوجد هو كفكر بل على العكس إنّه الأوضح والأكثر تميز ووحدة وثبات من الجسد. ولهذا نكتشفه قبل الجسد ونميزه عنه.
هذا هو الجوهر الذي يعترف به ديكارت بالإضافة إلى الجوهر المادّي أي أنّ ديكارت الذي نقد السبب الغائي والصور الجوهرية لكونها أشياء غامضة و خاطئة و جب التخلي عنها موجّها نقده في ذات الحين إلى المدرسة التي يعيب عليها إثبات الصور الجوهرية، يقر بوجود جوهر الفكر. ذاك أن المثال الشهير الذي يورده ديكارت في التأمّل الثاني [مثال قطعة الشمع] هو مثال لا غير، أي عندما نقرأ التأملات يجب أن نعتبر أن هذا المثال خارج عن التأمل الثاني خاصّة و أن الفيلسوف يلح على نظام الأفكار، في حين أن قطعة الشمع تفترض وجود الجوهر المادي ونحن لا نعرف أو لا نستطيع أن نعرف منطقيّا الجوهر المادّي إلاّ في التأمّلين الخامس والسادس لذلك فهو مثال يقتلع اقتلاعا من العالم المادّي خارج التّسلسل المنطقي، وهذا بسبب خشية ديكارت من الاعتراض عليه، و هذا يعني أن غاية إيراد مثال قطعة الشمع، هي غاية جدالية لا برهانية منطقية. و هذا الاعتراض قد يتأتى عن الحسّيين الذين كما يتصوّرهم ديكارت يتشبثون بالقول أن الأفكار ناتجة عن الإحساس خاصّة حسب ما نعرفه منذ أرسطو وخاصة حسب ما بدأ يظهر في الفلسفة الانقليزية في ذلك الحين وهي فلسفة حسّية تجريبية.
الاعتراض يقول: إنّ الأفكار لا بدّ أن تكون ناتجة عن الإحساس فكيف تستطيع يا ديكارت أن تبرهن بأنّ الفكر مستقل عن الجسد و متعالي عليه.
عندما يحلّل ديكارت مثال قطعة الشّمع يستنتج في نهاية الأمر أنّ ما تبقّى من هذا الجسم عندما نحذف عن الصفات الحسّية المتعدّدة، هو الامتداد، و الامتداد مفهوم رياضي أي عقلي نجده في الفكر ولا حاجة لنا إلى استنتاجه خاصّة من الإحساس والتجربة بل هو مفهوم فكري محض يمكن للفكر أن يقرّه بمجرّد إثباته. و بهذا يتحصّل ديكارت على نتيجتين ضد الحسّيين:
لا يستطيع المذهب الحسّي أن يبيّن ظهور الأفكار الحسّية حسب ما يعتقده.
و كذلك فإنّه لا يستطيع أن يبرهن أنّ الأفكار المجرّدة مثل الأفكار الرياضية مستنتجة من الحسّ.
و عندما نقارن هاتين النتيجتين نحصل على ثالثة: إن الحسّيين ينهزمون في عقر دارهم لأنّ الحقل الحسّي نفسه يبرهن أن ما نجده في نهاية الأمر هو مجموعة أفكار. فالحسّ ينهزم على مستوى تفسير الأفكار الناتجة عن الأفكار وينهزم حتّى على مستوى الأفكار التي نعتقد أنّها ناتجة عن الإحساس. و يغلق ديكارت القوسين أي يبيّن أنّ مثال قطعة الشّمع لا يمكن أن يعطي أيّ قيمة للاعتراض الموجّه من طرف الحسيين. لكن التأمّل الخامس بعد البرهنة على وجود الفكر في التأمّل الأوّل، و ماهية الفكر في التأمل الثاني، و وجود الله في التأمّل الثالث و الرابع، [هذا التأمل الخامس] ينبغي أن يبرهن على وجود العالم المادّي لأنّ هذا العالم موجود والبرهنة عليه تكون برهنة من نوع خاصّ أي تحتاج إلى قنوات الإحساس التي تبين لديكارت أنه يشعر بوجود العالم المادّي، برهنة أكثر قيمة عقليا ونفسيا أي تلك التي نجدها في التأمّل السّادس عندما يفكر ديكارت في الفيزياء والرّياضيات. إذ نجد أن الفيزياء رياضية قبل كل شيء ولكنّها مرتبطة بالجوهر المادّي. و يبيّن صاحب كتاب التأملات الميتافيزيقية أنّ هذا الجوهر المادّي – هو أساسا – امتداد يتميّز عن جواهر مادّية مختلفة التعقّد و التي تعطينا مجموعة الأجسام المادّية المعروفة، إذن هناك جوهر فكري واحد ومجموعة لا متناهية من الجواهر المادّية التي تخضع كلّها إلى نفس المفهوم الرياضي وهو مفهوم الامتداد.
و لا يضع ديكارت مسألة علاقة النفس بالجسد في التأملات، بل إنّها [التأمّلات] تنتهي بعد أن اكتشف ديكارت أولا أنّه موجود كفكر، ثانيا أنّ ماهيته فكرية، ثالثا أنه جوهر مستقل، رابعا جوهر مستقل لكن متناهي، خامسا أنه متناهي لأنّه وجد من طرف فكر لا متناهي وسادسا أن هذا الجوهر المتناهي المستقل البسيط موجود في علاقة ما مع الجسد و ذلك عن طريق الشعور بالجسم، لكن ديكارت لا يضع بصفة مباشرة هذا المشكل على مستوى التأمّلات لذلك يمكن أن نعتبر أنّ التأمّلات هي كتاب التمييز بين الجسد و النفس في حين الانفعالات هو كتاب العلاقة والوحدة بينهما. و لكن لماذا لم تعتبر “التأمّلات” هذه العلاقة واكتفت بمسألة التمييز؟
إنّ هدف ديكارت في التأملات حسبما يعلن عنه في “التأمل الأول” هو هدف علمي إبستيمي، أي وضع أسس واضحة للعلم ترتكز على الفكر الذي يعني عند ديكارت دائما فكر واضح ومتميز أي الصحيح ويفرض نفسه على العقل. فديكارت إذن لا يريد تفسير الإنسان، فهو لا يهتمّ بالأخلاق ولا بالطبّ وإنّما بالمبادئ الأولى الواضحة لكلّ فكر علمي ممكن. وهذه المبادئ هي، أوّلا، التّمييز بين الأفكار حتّى نتحصّل في نهاية الأمر على أبسطها ولا نقر بصحتها إلاّ إذا أقررنا أنّها بسيطة وواضحة، ثانيا” ربط هذه الأفكار البسيطة مع بعضها ومحاولة التثبّت في كلّ مرة عن طريق الإرادة من صحة هذه الأفكار البسيطة وتسلسلها، “ثالثا” إرجاع كل الأشياء إلى مبدأ واحد (إرجاع كل الجواهر المادّية إلى مفهوم الامتداد) و بطبيعة الحال لا يمكن للتأمّلات إلا أن تؤدّي إلى التّمييز الكلي بين الفكر والجسم و في الفكر نفسه بين الأفكار البسيطة والأفكار المركبة لا إلى وجود علاقة بين الجسم و النفس. لكن ديكارت يعتقد أن أجزاء الفلسفة متكاملة وأنّها تشكل وحدة، و ينبغي أن تؤدّي إلى سلوك فردي واجتماعي معين و لذا ينبغي عليه أن يضع مسألة علاقة النفس بالجسد على مستوى آخر لا يكون متناقضا مع نتائج التأملات و لكنه يكون مكملا له. و هذا ما نجده أساسا لا في كتاب التأمّلات بل في كتاب الانفعالات.
عملية توحيد الجسد و النفس في كتاب “الانفعالات” متأتية من ضرورة فهم فردية الإنسان أي كيف يستطيع ديكارت انطلاقا من تمييز الجواهر وتعدّدها أن يفسّر فردية الإنسان، أي أن يبيّن تعامل الامتداد مع الفكر في الإنسان فقط. فديكارت إذن لا يبحث في وحدة علاقة الجسم بالنفس لفهم كائنات أخرى مثلما نجد ذلك عند أرسطو أو فيما بعد عند “سبينوزا” و “لايبسيز” و إنّما عند الإنسان فقط، فالإنسان من حيث هو جسد يخضع للتّحديد العام الذي يعطيه ديكارت للجسم كامتداد، ومن حيث هو روح يخضع لتحديد النّفس كفكر محض و خالص. كيف يتفاعل إذن، هذان النّوعان من الجواهر في الإنسان بالذات ؟

عند أرسطو و لتفسير كل الكائنات الحيّة هناك مبدأ عام يمكنه من بيان وحدة النفس بالجسم وهي علاقة المادّة بالصورة. فجوهر الكائن الحي بصفة خاصّة متكوّن من صورة و من مادّة و الصورة هي التي تعطي وحدة المادّة، حياة الكائن هي ما تتأتّى دائما عن طريق إضافة الصورة للمادّة. (نحن نعرف أنه بالنسبة لأرسطو كلمة جوهر تعني عدّة أشياء إمّا المادّة أو الصّورة أو المكوّن من مادّة وصورة ويبدو أنّ تحديدات أرسطو غير شافية دائما لأننا لا نستطيع من كتاب إلى آخر في بعض الأحيان أن نعرف بالضبط ما يعني أرسطو بكلمة جوهر فنكتفي فقط – إذن – بفهم سريع وعام للقول: إن المادّة عادة ما تقال كجوهر لكن كجوهر يرغب في صورة). فالصّورة إذن بهذا المعنى على الأقل جوهر بأتم معنى الكلمة. لكن هنالك صعوبة أخرى لأن أرسطو يعتبر أن الجوهر الحقيقي هو المكوّن من مادة وصورة و ذلك خاصّة عندما يريد أن يفسّر الجواهر الجسمية الملموسة وبصفة أخصّ منها جواهر الكائنات الحيّة فنحن نستطيع أن نقول مثلا أن الله جوهر بمعنى صورة فقط مستقلّة تماما عن المادّة بل و نقول أكثر من ذلك أن الله هو الجوهر الأول لأنه جوهر تخلص تماما من المادة فهو قد يعتبر من هذه الزاوية المحرك الذي لا يتحرك أو الفكر الذي يفكر في نفسه فقط لا يفكر في شيء خارج ذاته. و بهذا المعنى يعتبر الجوهر الأسمى هو الصورة رغم أنّ أرسطو يقول أن الجوهر الحقيقي هو المكوّن من الصورة والمادة. لكن ليس هنالك تناقض كليا لأنه عندما نقول أن الجوهر الكامل هو كامل خاصة بصورته بأتم معنى الكمال. إذن الجوهر الأسمى اكتمالا هو جوهر الإلاه وكل الجواهر المكوّنة من مادة وصورة موحدة على كل حال بالصورة. و هذا المبدأ العام مكن أرسطو ضمن نطاق نسقه من اعتبار أن الكائنات الحية موحدة بصورتها التي هي أسمى من صورة الكائنات غير الحية. و علاقة المادّة بالصورة يمكن أن تفهم من زاوية ثنائية مفهومي القوة والفعل. فالمادة موجودة بالقوة والصورة موجودة بالفعل و معنى الفعل هو إيجاد حقيقة موجودة. و لهذا فتكوين جوهر معين يفهم “بالفعل” (ضد القوة) وهنا يمكن أن نعادل بين الصورة والفعل.
و هذا التفسير الأرسطي لوحدة كائن ما لا يمكن لديكارت أن يأخذه بعين الاعتبار و ذلك لعدّة عوامل:
لأن ديكارت بحسب ما نستنتجه من فلسفته وحسبما يلح عليه في فهمه للطبيعة، يريد أن يلغي السبب الصوري وأن يقر فقط السبب المادي و السبب الفاعل.
لأنّ مفهوم النفس نفسه تغيّر منذ أرسطو وصولا إلى ديكارت حيث اكتسى هذا المفهوم صبغة دينية لا تعني فقط الوحدة والبساطة والسّمو وإنما البقاء والخلود و كذلك مفهوم المسؤولية أخلاقيا. و من هذه الزاوية لم تعد “الصورة تستطيع أن تفسر مفهوم المسؤولية. و عندما نعتبر مفهوم النفس حسب اللغة الفلسفية الديكارتية يضمحل التفسير الأرسطي العام و يعطي ضرورة تفسير وحدة النفس بالجسد في الإنسان فقط.
لأن ديكارت يريد أن يفسر لا علاقة النفس بالجسد فقط بل علاقة الجسد بالنفس. فعندما نعتبر الإنسان وحدة بين النفس والجسد يمكن أن ننظر إليه من زاويتين اثنتين: إما من زاوية تأثير النفس على الجسد و هذا يبيّن عند ديكارت فعل الإرادة التي يقول عنها في التأمل الرابع أنها الشيء الوحيد اللامتناهي في الإنسان وتجعلني أشبه الله. وإمّا من زاوية تأثير الجسد على النفس فيعطينا الانفعالات. و بالرغم من هذه الصبغة التي أوردنا بها هاتين الزاويتين فليس ثمة تناظر Symétrie بينهما رغم أن كل منهما يؤثر على الآخر لأن النفس تصل بصبغة أو بأخرى إلى التحكم في الجسد أي سيطرة العقل على الانفعالات إذ يعتقد ديكارت أنه من الواجب أن نسيطر على الانفعالات.

لهذه العوامل الثلاثة لا يمكن لديكارت أن يستعمل في “أي شكل” التفسير الأرسطي للصورة وعلاقة الصّورة بالمادة، ذلك أن ما يرمي إليه ديكارت أساسا في بحثه عن وحدة النفس بالجسد أو علاقتهما ببعض ليس الفهم العلمي للأنسان بل بيان قدرة النفس على السيطرة على الجسد. فكيف تتحدّد النفس في التأملات ؟

تظهر النفس في التأمّل الثاني على مستويات مختلفة : على مستوى الوجود، على نطاق الماهية، من حيث هي جوهر و على نطاق الذهن. و هذه المستويات الأربعة تدخل ضمن إطار ذاتي فقط، أي تظهر كاستثناء لفرضية الشّيطان الماكر. ذلك أن الشك الديكارتي (وهو شك منهجي لأنه افتراض منطقي فقط لا ينتج عن معاناة تجربة حقيقية، وهو شكّ كلّي لأنه يطبّق حتى على الرياضيات التي تبدو لديكارت و لأوّل وهلة النّمط الأسمى للوضوح والتمييز أي الحقيقة، وهو شك جذري لأنّه لا يطبّق على بعض الحالات الحسّية أو المعادلات الرياضية وإنّما على مبادئها برمتها). هذا الشك الذي يصعد عن طريق فرضية الإله الماكر و يبقى ساري المفعول إلى حدود البرهنة على وجود الله يترك مكانا شاغرا لاستثناء وحيد و هو “الكوجيتو”. يعني هذا أنّ الكوجيتو لا يمكن – في التأمل الأول و في التأمل الثاني– أن يكون حقيقة مطلقة بل يبدو حقيقة مؤقتة يمكن أن لا نجد لها صفات حقيقيّة إنّ لم نبرهن على وجود الله. لكن هذا الاستثناء يدخل في علاقة معقدّة مع الضمان الموضوعي للحقيقة وهو الله. إذ هو من ناحية استثناء ذاتي وحقيقة آنية فقط، و لكنّه من ناحية أخرى يصل إلى البرهنة على وجود الله، أي يصل إلى وضع هذه الحقيقة. و هذا يمثل نوعا من المفارقة “Paradoxe” لأنّ الحقيقة المطلقة تبدو ناتجة عن حقيقة ذاتية ومؤسّسة لها. لكن ديكارت يفرد تحليلا ضافيا لهذا الكوجيتو، إذن أنا موجود ككوجيتو بقي على أن أبحث عن ماهية هذا الوجود أي ماهية الفكر. و هذه العلاقة بين الوجود والماهية تبدو و كأنها لا تحترم منهجية ديكارت، ذلك أن هذا الأخير يلح منهجيّا على الانطلاق من الماهية لفهم الوجود لا العكس. فنحن نرى مثلا عندما يبرهن ديكارت على وجود الله يكتشف أولا ماهية الله و هي فكر لا متناه ثم يقرّ ثانيا أنّ الله موجود كما نرى ديكارت في التأمّل الخامس يكتشف ماهية الأجسام أي المادّة عن طريق الامتداد ثم يقرّ بوجود العالم المادّي فيما بعد.
نستنتج أنّ العلاقة الموجودة بين التأمل الأول و التأمل الثاني، أي بين اكتشاف وجود الكوجيتو واكتشاف ماهية الكوجيتو، تبدو كأنّها لا تحترم هذا المنهج الذي يتبعه ديكارت في بحثه. و لكن بالنسبة لهذه الحالة الأولى فليس هنالك في الحقيقة عدم احترام للمنهج الديكارتي، لأنّ المعني بالوجود هنا هو وجود الفكر لا وجود شيء خارج عن الفكر قبل الله أو العالم المادّي. و وجود الفكر كفكر يختلف تماما عن علاقة وجود الأشياء الأخرى بماهيتها، فلا غرابة إذن في أن ينطلق ديكارت من الوجود إلى الماهية بما أنّ الوجود هنا هو الفكر فقط. و ماهية الفكر هنا تتحدّد على مستويين: كجوهر و كذلك داخل هذا الجوهر عبر تمييز ضربي Modale، ذلك أنّ الفكر كجوهر يختلف عن المادّة كجوهر جوهريا أي حقيقيّا أي عبر تمييز حقيقي. بينما الفكر كجوهر يختلف عما يغاير الفكر في الرّوح ضربيّا فقط. بمعنى أنّ الفكر يختلف عن المخيلة والإرادة والإحساس اختلافا ضربيّا لأنّ هذه العناصر داخلة في الرّوح ولكنّها لا تدخل في تحديد الفكر. معنى هذا أن الكوجيتو يمكن أن يحدّد روحانيّا ذلك أنّه يختلف عن الإرادة والمخيلة. لكن ديكارت يشعر بأن هاتين الحقيقتين صعبتا الفهم ذلك أنّ الفلسفة اليونانية و خاصّة الأرسطية والفلسفة المعاصرة التجريبية والضّمير المشترك، كلّ هذه المواقف، تعتبر عادة أنّ المعرفة تبدأ مع الحس بينما ديكارت يريد أن يبيّن العكس تماما و لهذا يشعر بضرورة الوقوف عند هذا الاعتراض وأن يجيب عليه وذلك بتحليل قطعة الشّمع.
و تتمثل إشكالية هذا النّص في محاولة الإجابة على اعتراض ملح موجه من قبل الظن المشترك و التجربيين. يحلّل ديكارت إذن، قطعة الشّمع فيحذف عنها الشكل واللّون والطعم و الرائحة و الحجم فلا يبقى في النّهاية إلا الامتداد الذي هو مفهوم ذهني. إذن معرفة الجسم تكون عن طريق الذّهن. لكن لا ينبغي أن نفهم هذا النّص على أنّه يرمي إلى بيان أنّ العالم المادّي موجود ويرجع فهمه إلى الذهن لأنّ البرهنة على العالم المادّي لا توجد إلا في التأمّلين الخامس والسّادس. و النتيجة التي يصل إليها ديكارت تتجاوز ما أراد أن يصل إليه في البداية. فلقد أراد ديكارت أن يبيّن فقط أنّ المعرفة الذهنية لا تنتج عن الحسّ. لو وصل ديكارت إلى هذا الحدّ فقط لكان جوابه كافيا ومقنعا لكنه بيّن أكثر من ذلك لأنّه استنتج أن المعرفة الحسّية نفسها لا تأتي إلاّ عن طريق الذّهن أي أنّ هنالك قلب لاعتراض التجريبيين. هاتان النتيجتان تنتجان أربع نتائج أخرى إذ نرى أنّ المعرفة الحسّية ستطرد من ثلاث مجالات وتبقى مشروعة جزئيّا في مجال واحد :
1) الحواس لا تعطينا معرفة بالأشياء الذهنية.
2) وهي كذلك لا تعطينا معرفة الأشياء الحسّية أي تطرد في مجال الأشياء الحسّية.
3) إنّ الحواس تطرد من معرفة وجود الفكر وماهية الفكر. أي أن المعرفة الحسّية تطرد على مستوى وجود الفكر وعلى مستوى ماهيته كفكر.
4) الحواس تبقى مشروعة جزئيا في معرفة وجود الأشياء الحسّية فقط، لأن المعرفة الحسّية معرفة غامضة عن طريق الشعور.
أمّا كيف يتمثل الفكر بما هو أيسر معرفة، فذلك ما نلاحظه على مستوى التفكير فقط أي أنّه على عكس من يعتقد من أن الانطلاق من الحواس يمكننا من معرفة الفكر نفسه فإن هذا الانطلاق هو الذي يمثل عائقا في نظام الفكر، إذ أننا في حياتنا العادية نتشبث بالحسّ بل و نعتقد أنّه مصدر الأفكار مع أنّنا لا نستطيع بسهولة التخلّي عن هذا العقل. أي أن ديكارت يقلب الاعتراض التجريبي الحسّي الأرسطي فيقول هذا الذي يسّمى مصدرا من طرف هؤلاء ما هو إلاّ عائق ينبغي التخلّي عنه. و لذلك فكلمة “أيسر” تعني سهولة وصول الفكر إلى ذاته عندما يحترم نظام الفكر فقط. أمّا إذا لم نحترم هذا النظام فإنّ معرفة الفكر لذاته تكون أصعب.
ذلك “أن الفكر أسبق معرفة من الجسم” هو ما يتضح معناه على نطاق نظام الفكر دائما لأنّ الأسبقية العادية هي أسبقية الحسّ ولذا وجب علينا إن نحن أردنا معرفة الفكر معرفة حقيقية أن نتخلّى بكل ما لنا من إرادة عن كلّ ما يشوب الفكر الخالص ويتداخل ضمنه، لننتبه كذلك إلى سلسلة الأفكار و نحذف كلّ ما استطعنا من حسّ يشوّه هذه المعرفة.
بقي أن نبيّن ماهية هذا الفكر؟ لقد قلنا أنّه جوهر، إنّ هذه الكلمة تأخذ بمعناها القديم أي بمعناها الأرسطي “substra” أي كشيء مستقلّ بنفسه. لكن لا بالمعنى الذي أصبح دارجا عند شرّاح أرسطو، أي المعنى الذي يكون فيه الجوهر متكوّنا من الصّورة والمادة، ولا بمعنى سبينوزا “المسبب لذاته”. فعند أرسطو يكون الجوهر ذلك الشيء الذي تحمل عليه المحمولات أو توضع عليه أشياء أخرى. إن الجوهر مستقل بذاته، قائم بذاته. وعندما نقول أنّ الفكر كجوهر مستقل بذاته فذلك يعني بالنسبة لديكارت أنه مستقل متميز عن المادة لا بمعنى أرسطي. إن الجوهر المادي مركب أما الجوهر الفكري بسيط لا يقسّم، والذي لا يقسّم على مستوى المكان يكون بالنسبة لديكارت أزلي على مستوى الزّمان أي أنّ البسيط أزلي: النفس خالدة بينما الجسم فان (المادّة فاسدة).
و من هذا المنطلق فإن العلاقة التي نجدها بين الجسد و النفس عند ديكارت وإن كانت علاقة جوهرين مستقلّين متميّزين فإنّها ترمي في الحقيقة إلى نظرة أو موقف أخلاقي معيّن أي أنّ الدراسة الأنتربولوجية، و نعني بذلك دراسة تركيبة طبيعة الإنسان في حدّ ذاته، ليست دراسة علمية محايدة و إنّما تتضمّن منذ أساسها ما يرمي إليه ديكارت في نهاية المطاف، و هو بيان أن الجسد ينبغي أن يخضع للعقل باعتبار أنّ الجسد هو مصدر الانفعالات وباعتبار هذه الأخيرة عند ديكارت غير طبيعية وإن كانت تفهم بطريقة طبيعية أي طريقة علمية. و لكنّها تبيّن في الحقيقة ضعف الإنسان الذي يخضع لهذه الانفعالات. إذن النظرة الأخلاقية هي التي أدّت بديكارت إلى هذا “الموقف الانثربولوجي” ولا إلى العكس، حسب ما يريد ديكارت أن يعرض لنا ذلك، كما هو معروف مثلا في التأمّلات. فنحن عندما نتصفّح التأمّلات ونتتبّع خطى ديكارت في بيان أسبقية معرفة النفس عن الجسد و بساطة هذه النّفس و توحيدها للجسد لا نتنبّه في هذه القراءة إلى الخلفيات التي سوف تظهر فيما بعد في كتاب “الانفعالات” حيث نجد ديكارت يجعل الجسد يخضع للنّفس بينما هذا المبدأ غائب في التأملات التي تكتفي، فقط، بتبيان أن النفس أسبق و أيسر معرفة من الجسد. إذا ينبغي أن نقرأ هذين الأثرين في الحقيقة بصفة عكسية، أي أن نبدأ بكتاب “الانفعالات” لبيان الغاية الحقيقية التي يرمي إليها ديكارت ثم نتتبع الوسائل و جملة الأفكار التي يوردها في التأمّلات، لنفهم أن هذا التّمييز الذي يقره للنفس عن الجسد يمهّد شيئا فشيئا للغاية التي كنا وضعناها منذ البداية في قراءتنا لا لكتاب “التأمّلات” وإنما لكتاب “الانفعالات”.
إنّ النظرة الديكارتية للإنسان و التي ترى في مستويين اثنين: المستوى الأخلاقي والمستوى الأنتربولوجي تتميّز جذريّا عن النظرة التي سادت في الفلسفة. و هذه النظرة ترتكز أساسا على تثبيت تلك الثنائية في الإنسان، و عن هذه الثنائية يصدر الموقف الأخلاقي المثالي المعروف، فالإنسان انفعالات من جهة و عقل من جهة أخرى، و لكن لا العقل و لا الانفعالات يشكّلان بحقّ الطّبيعة البشرية، فما علّة هذا الموقف ؟
إذا كانت الانفعالات لا تشكل الطبيعة البشرية لأنها دليل الضعف في هذه الطبيعة و تبيّن كيف يؤدّي هذا الضعف إلى الرذيلة، فإن العقل كذلك لا يشكل جزءا طبيعيّا في الإنسان لأنّه وارد من أفق آخر، أفق متعالي رغم كون ديكارت ينزل العقل في النفس. الإنسان هو إذن، عقل متعال من جهة و انفعالات لصيقة بطبيعة الحيوان أي أنها تؤدي إلى الرّذيلة من جهة أخرى، و هذا يؤدّي إلى اعتبار الإنسان مجرد حيز نزاع بين هذين العاملين. و النظرة الأخلاقية تتمثل في محاولة تغليب العقل على الانفعالات باعتبار أنّ العقل و لو أنّه لا يكوّن الطبيعة البشرية فإنّه، على كل حال، أسمى من الانفعالات. أمّا إذا اعتبرنا أنّ العقل لا يكون بالضرورة ضد الانفعالات و لا الانفعالات تضاد العقل، أي أن العقل يصير مجرد انفعال طبيعي مثل غيره من الانفعالات، فإن النظرة الأخلاقية – (الأنتربولوجية) التي سادت الفلسفة ستتغيّر تماما، وهو ما لم يحصل مع ديكارت و حدث فعلا مع سبينوزا. لكن لكي يحصل ذلك ينبغي اعتبار أنّ الإنسان لا يتكوّن من جسد على حده و نفس على حدة، ثم لا من حيث اعتبار ربط النفس و الجسد مع بعضها، بل اعتبار أنّ النفس ليست إلاّ مجموعة الأفكار التي ليست خالدة، و إنّما مجموعة الأفكار التي تعبّر عن الإنسان تعبيرا خاصا و الجسد مجموعة حركات و انفعالات تعبّر تعبيرا معينا عن الجسد، و تعبير الجسد هو نفس تعبير الأفكار عند الإنسان أي لا فرق حقّا بين الفكرة والحركة، بين الجسد و الفكر.

نفي الفعل المتبسبب.
علاقة توازي : كل ما يقع في الجسم يقع في الرّوح بدون أي تأثير متبادل.
التّطابق : أن هذه العلاقة هي علاقة شبه بنفسه.
و يظهر هذا التطابق كذلك في علاقة الانفعالات بالعقل، و هذا لا يعني أن كلمة انفعالات تدل على أنها انفعالات الجسم و بالتّالي فإن علاقة الانفعالات بالعقل هي علاقة تعبّر عن الرّوح والجسم، بل هي علاقة أفعال غامضة (المخيلة) بأفعال واضحة، هذا على مستوى الفكر، أما على مستوى الجسم فهي علاقة حركات فاعلة بأخرى منفعلة. و بصفة أدق علاقة الانفعالات بالعقل لا يفهمها سبينوزا بطريقة متميزة حقا، ذلك أن العقل هو درجة من درجات الانفعالات، لأنّ التمييز بين الانفعالات الفاعلة و بين الانفعالات المنفعلة ( ليس له نفس المعنى عند سبينوزا و ديكارت، فعند ديكارت ” تختلف جوهريا عن ذلك لأن هي تابعة للروح و تابعة للجسم.

لعل أكبر حدث في تاريخ البحث الفلسفي المتعلق بسبر أغوار النفس الإنسانية منذ عهد سقراط الذي دعا الإنسان إلى معرفة نفسه هو اكتشاف مبدأ الكوجيطو على يد الفيلسوف الفرنسي روني ديكارت. يمثل هذا الحدث ثورة حقيقية في حقل الممارسة النظرية التي تجعل من التفكير موضوعا لها. ولفهم هذه الثورة لابد من إلقاء ولو نظرة خاطفة على تاريخ هذه الممارسة قبل مجيء ديكارت ليتسنى لنا إدراك وفهم مدى عمق التغير الذي أحدثه “أب العقلانية الحديثة” في النظرة إلى الذات المفكرة وطريقة التفكير فيها. ولتحقيق هذا الغرض نرى أنه من الضروري التذكير بالخطوط العريضة لنظريات المعرفة لدى أكثر الفلاسفة السابقين شهرة من أجل مقارنتها مع نظرية ديكارت. وسوف يتم التركيز على نظرية المعرفة لدى كل من أفلاطون وأرسطو الذين كان لهما تأثير كبير في تاريخ الفكر على امتداد قرون عديدة. ترتكز نظرية المعرفة الأفلاطونية على مصادرة أساسية مفادها أن المعرفة تتحقق من خلال الانتقال والارتقاء التدريجي من المعطى المحسوس إلى النموذج المعقول، حيث تميل الذات العارفة تدريجيا إلى التجرد من كل ما له علاقة بالعالم المحسوس من أجل الاتصال بالعالم المعقول والارتقاء في مراتب المعرفة إلى أن يصل العقل إلى غايته القصوى وهي المشاركة في انسجام العالم المعقول وتناسقه الرياضي. وإذا كان أفلاطون قد جعل من العدد والماهيات الرياضية المبدأ الذي يقوم عليه انسجام العالم المعقول، فلأن العلاقات الرياضية في نظره تظل على الدوام ثابتة لا تتغير، وهو ما يفسر خلود العالم. إن فعل المعرفة هنا لا يختلف عن فعل الوجود، إنه فعل المشاركة في الوجود؛ فقد أوضح أفلاطون في كتابه “الجمهورية” كيف ينبغي أن يكون النظام الاجتماعي لكي يتسنى للإنسان العيش في انسجام مع العالم المعقول كما يتصوره الحكماء. ومن هنا يمكن أن نفهم لماذا أصبح الأفلاطونيون يولون أهمية قصوى لدور الصورة في عملية المعرفة، وأصبحت معرفة الموجودات عندهم تعني مشاركتها في صورها أو نماذجها المثلى. ولما كانت الصورة هي التي تنقل الشيء من الوجود بالإمكان إلى الوجود بالفعل، ولما كانت تمثل حقيقة الشيء أو جوهره، أمكن القول بأن فعل المعرفة كفعل الوجود، وهو ما عبر عنه المفكر الأمريكي Pedro Amaral بقوله: To know something is just like being something ويعني ذلك، حسب قوله، أن المعرفة هي المشاركة في الوجود.، وتعني المشاركة أسلوبا في الحياة ينسجم مع مبادئ الوجود الحقيقي. يتمثل فعل المعرفة، إذن، في قدرة العقل على أن يصبح كموضوعه، أو أن يكون مطابقا لموضوعه ومتماثلا معه، هذا مع العلم أن موضوع الفلسفة اليونانية هو الوجود بما هو موجود حسب تعبير أرسطو. ينسجم هذا التصور للمعرفة إلى حد ما مع نظرية المعرفة الأرسطية. تتبلور المعرفة في نظر أرسطو من خلال تشكل صورة الشيء في العقل. فإذا كان العقل يدرك صور الأشياء، فإن تلك الصور تساهم بشكل أساسي في تشكل العقل. وهكذا يصبح العقل كموضوعه. ولذلك كان معيار الحقيقة في الفلسفة الأفلاطونية والفلسفة الأرسطية على حد سواء هو معيار التطابق أو التماثل بين الفكرة والموضوع. وما قام به ديكارت هو أنه غير هذا التصور للمعرفة وكيفية تحققها رأسا على عقب: أفرغ العقل والعالم من الصور، وألقى بمبدأ التماثل جانبا وعوضه بعملية التمثل الذهني représentation؛ لم تعد المعرفة تتحقق من خلال تماثل العقل مع موضوعه، بل من خلال التمثل الذهني للموضوع بطريقة لا مكان فيها للتماثل الطبيعي. وإذا كانت غاية المعرفة في النظرية الأفلاطونية-الأرسطية هي تحقيق التماثل بين العقل والموضوع، فإن ديكارت انتقل بالمعرفة إلى مستوى أرقى من مستوى الإحاطة بالموضوع: لم يقف عند حدود تمثل الموضوع، بل جعل من التمثلات الذهنية نفسها موضوعا للتأمل العقلي، وبذلك دفع بعملية المعرفية إلى مستوى الميتا méta وهو التفكير في التفكير، وقادته تجربته الوجودية إلى اكتشاف بعد جوهري جديد من أبعاد الوجود الإنساني، ألا وهو الوعي conscience. ولأول مرة في تاريخ الفلسفة، ربما بعد ابن سينا (أنظر مقالتنا: “تطور مفهوم النفس من المعلم الأول إلى الشيخ الرئيس”)، أصبحت لهذا المفهوم دلالة تتجاوز معنى الإدراك الباطني الفوري المباشر، إلا أن ديكارت لم يحدد دلالته بشكل صريح، وظل يركز على بيان أهمية الوعي ودوره في حياة الإنسان. الوعي باعتباره حجر الزاوية في بنية الشخص لدى ديكارت يمثل الوعي في نظر ديكارت الصفة المميزة للإنسان، والعنصر الحاسم في تصوره لمفهوم الشخص، وتكمن وظيفته في كونه يمكننا من الإدراك الفوري للذات المفكرة. يرى ديكارت بأن أكثر الأشياء وضوحا في هذا العالم هي الأفكار، وتنطوي تأملاته على مصادرة صريحة إلى هذا الحد أو ذاك مفادها أن هناك نوعا خاصا من النشاط المعرفي الذي يجعلنا على اتصال بتفكيرنا ويمكننا من التعرف عليه والإحاطة به والتحكم فيه، وبذلك تنكشف لنا طبيعة الفكر وطبيعة الذات المفكرة. وهذا مثال يوضح هذه الفكرة: يستطيع زيد أن يستوعب ويفهم عملية حسابية كعملية الجمع مثلا: 2+2=4 وهذه العملية الحسابية هي سلسلة من عمليات التفكير، وعندما نتأمل هذه السلسلة تنجلي طبيعة التفكير وطبيعة الذات المفكرة والموضوع المفكَّّر فيه، وهذه الأقانيم الثلاث هي مظاهر تجربتنا الذهنية. ولا يحتاج المرء إلى بذل أي مجهود لمعرفة أصل هذه التجربة المتمثل في الأنا المفكرة، أو الأنا الديكارتي، فهي تكشف عن نفسها بنفسها، ولا تستمد وجودها إلا من ذاتها باعتبارها ذاتا مفكرة، وهذه الذات مكتفية بذاتها، لا تحتاج في وجودها إلى شيء آخر. ولذلك لزم أن تكون السمة المميزة للشخصية هي الحرية. فالشخص الذي حصل له الوعي بذاته باعتباره ذاتا مفكرة، هو بالضرورة كائن حر. وهكذا أصبح مفهوم الوعي عند ديكارت مرادفا لمفهوم الحرية..ذلك لأن الوعي يوجد في استقلال عن الجسد ولا يتأثر بالعامل البيولوجي ولا بعوامل المحيط الخارجي. ولكي تتضح الفكرة أكثر لابد من استعراض تصور ديكارت للإنسان، وهو ما يستلزم تسليط بعض الأضواء على المبادئ أو المصادرات الأساسية التي تقوم عليها فلسفته(*). ذكرديكارت في رسالتين وجههما للملكة إليزابيت بتاريخ 21 مايو و28 يونيو من عام 1643- واللتان يمكن اعتبارهما بمثابة ملخص مركزلنتائج “التأملات”- أن فلسفته الميتافيزيقية تقوم على ثلاثة مفاهيم أولية، تمثل في نظره المرتكزات الأساسية لكل معرفة إنسانية، وهي المفاهيم التيلدينا عن الروح، والجسد، والعلاقة بين الروح والجسد: يتعلق المفهوم الأول بتصورناللروح، ويشمل العقل والإدراك الحسي والإرادة ومختلف النوازع الانفعالية؛ ويتعلق المفهوم الثاني بتصورنا للجسم، وهو مفهوم الامتداد الذي تُرَد إليه أشكال الأجسام وهيئاتها وحركاتها؛ ويتعلق المفهوم الثالث بالعلاقة بين الروح والبدن، وهو مفهوم الوحدة التي تتجلى من خلال قدرة الروح على تحريك البدن، وقدرة البدن على التأثير في الروح وإثارة انفعالاتها. يقوم تصور ديكارت للوجود بصفة عامة على ثنائية الروح والجسد: هناك، من جهة، عالم داخلي ذو طبيعة روحية ومن خصائصه التفكير وعدم الامتداد في المكان، ويشمل الأفكار والمعتقدات والانطباعات الحسية وكل التجارب الذاتية؛ وهناك، من جهة أخرى، عالم خارجي ذو طبيعة مادية، وما يميزه هو الامتداد وانتفاء القدرة على التفكير، ويشمل الأجسام الطبيعية والقوى الفيزيائية. وينطبق مبدأ ثنائية الوجود على الإنسان نفسه، وتتجلى من خلال ازدواجية الروح والبدن

لماذا الجحيم هو “الآخر”؟

نحن لا نتعامل مع الآخر كما أنّ الآخر لا يعاملنا على أساس أننا عقول أو ذوات مفكّرة، بل أننا نعامل الآخر ويعاملنا_ من خلال حالاتنا النفسية وتقلّباتنا المزاجية، وننظر إلى الآخر أبىيضاً بوصفه حالة مزاجية أو ظرف نفسي.

إننا لا نعقل الآخر، كما لا يعقلنا الآخر، لذلك علاقاتنا، نحن البشر، ببعضنا البعض أكثرها صدامية وعدائية، إن لم تكن سلوكياً بشكل واضح، فنفسياً على الأقل.

إننا لا نعقل الآخر لأنّ علاقتنا به علاقة فوقية-استعلائية، نحن نرى أنفسنا أفضل منه وأكثر رفعةً، لذلك ننظر إليه، وهو ينظر إلينا بالتالي، نظرة استعاائية تحجّم الطرف الطرف الآخر وتختزله ضمن مزاجٍ معيّن أو أحكام مسبقة سطحية، ومن هنا تنفتح حافة الجحيم الذي هو “الآخر” بوصفه حالة نفسية أو مزاجية معينة سنضطرّ، في أحسن الأحوال، التعامل معها مؤقتاً، ثم التخلّص منها بأسرع وقتٍ ممكن.

معم فعلاً، ربّما سنكون بألف خير لولا الآخرين، وهم كانوا سيكونون أفضل حالاً لولانا. لذلك قد يكون سارتر مخطئاً حول العديد من الأفكار، لكنه اصاب مبد الحقيقة عندما رأى أنّ الآخرين هم سبب سقوطنا وانحدارنا.

((الجحيم هو الآخر))هكذا قال سارتر

في مسألة المخير والسير، التساؤل عن حرية الإنسان تساؤل لا ينتهي..

ومازلت أجد من يستوقفني في الطريق ويسألني .. هل الإنسان مخير أم مسير ؟؟!!

والذين يقرءون أكثر تساؤلا من الذين لا يقرءون .

والقضية أزلية ولا ينتهي الكلام فيها ولا ينتهي الفضول إلى كشف أسرارها لأنها مرتبطة بحقيقة الإنسان ولغز القدر .

وعمدة الحكم في نظري هو ما يشعر به الإنسان في أعماقه .

فتلك الشهادة التي تأتي من الأعماق هي برهان لا يعدله برهان وحجة لا تقف أمامها حجة .

والإنسان يشعر بالفعل في أعماقه أنه يختار في كل لحظة بين عدة بدائل .. وأنه ينتقي ويرجح ويفاضل ويوازن ويتخير .. وهو يحاسب نفسه ويحاسب الآخرين .. ويفرح إذا أصاب، ويندم إذا أخطأ .. وكلها شواهد على أننا نتصرف انطلاقًا من بداهة مؤكدة بأننا أحرار مسئولون .

ونحن نرى يد السجان تمتد إلى سجينه فيضطهده في لقمته ويضربه ويعذبه ويعقله من قدميه ويقهره على الهتاف باسمه قسرًا ويرغمه على التوقيع على ما لم يرتكب .
ولكن هل نراه يستطيع مهما استخدم من وسائل الإرهاب أن يجعل هذا السجين يحبه من قلبه قهرا .. ؟!

لا ..

هنا تقف كل وسائل الإكراه عاجزة .

وسوف يظل هذا السجين حتى الموت حرًا فيما يحب ويكره ..

حرًا فيما ينوي ويضمر .. لا يستطيع أحد أن يقتحم عليه غرفة ضميره ..

حتى الشيطان لا يستطيع أن يدخل قلبك إلا إذا فتحت له الباب وصادف إغراؤه هوى قلبك، ولكنه لن يستطيع أن يحملك على ما تكره مهما بلغت رسائله .

وذلك شاهد آخر على أن الله أعتق القلب وأعتق الضمير من كل وسائل الضغط والإكراه .

الإختيار إذاًَ حقيقة .. وحرية القلب حقيقة .. وحرية النية حقيقة .

والسؤال هو عن مدى هذا الاختيار وحدوده ؟

وكيف نزداد حرية ؟

ومَنْ هو أكثرنا حرية ؟

ثم كيف تكون هناك حرية مع مشيئة الرب وكيف تتفق هذه الثنائية مع عقيدتنا في التوحيد ؟

تلك هي علامات الإستفهام .

ورغم قهر الظروف وكثرة الضوابط و الموانع التى تحد حرية الانسان هنا و هناك إلا أن الإنسان تبقى له مساحة يتحرك فيها و يختار .. و تتسع هذه المساحة كلما اتسع علمه .

و قد أجاب الغزالى على هذا التساؤل الأزلي بكلمات فقال :

إن الإنسان مخير فيما يعلم مسير فيما لا يعلم .. أى أنه يزداد حرية كلما ازداد علما .

و قد رأينا مصداق هذا الكلام فى حياتنا العصرية و شاهدنا الإنسان الذى تزود بعلوم البخار و الكهرباء و الذرة يتجول فى الفضاء بالطائرات و الأقمار و يهزم الحَر و البرد و يُسخر قوانين البيئة و رأينا مساحة حريته تزداد و مجال تأثيره يتضاعف .

و قرأنا فى القرآن عن الذى عنده علم من الكتاب و كيف نقل عرش بلقيس فى طرفة عين .

و قرأنا كيف أحيا عيسى الموتى بسلطان من ربه .

و قرأنا كيف عرج محمد عليه الصلاة و السلام بمدد من الله إلى السموات و كيف جاوز سدرة المنتهى و بلغ مقام قاب قوسين أو أدنى من ربه .

و ذلك هو مجال الحرية الذى يزداد كلما ازداد علم صاحبه و الذى يبلغ أعلى المقامات بالعلم الربانى اللدني و بالمدد الإلهي الإحساني .

فالحرية حقيقة .

والإختيار حقيقة .

والناس متفاوتون فى هذه الحرية بتفاوت علمهم و تفاوت مقاماتهم قربا و بعدا من الله لأن هذه الحرية لا تأتي إلا بالله و من الله .

فالعلم منه و السلطان منه و النفخة التى نقلتنا من جمادية الطين إلى إنسانية الإنسان هى نفخته الربانية و التطلع إلى الحرية فطرة ضمن الفِطَر التى فطرها الله فينا .

و كل إنسان مفطور على اختيار الأحسن من وجهة نظره .

فأما الواحد من عوام الناس فيختار نفسه و مصلحته و شهوته لأنه يرى بنظره القريب أن نفسه هى الأحسن بين جميع الاختيارات .

و أما العارف بالله فهو لا يختار إلا الله لأنه يرى بنظره البعيد أن الله هو الأحسن بين جميع الاختيارات و هو باختياره لربه يخرج عن نفسه و عن اختياراتها و يُسلم إرادته لاختيارات الله له و ذلك هو منهج الطاعة .

و هو بخروجه من نفسه يخرج من المخالفة إلى الموافقة و من الثنائية إلى التوحيد و من المعاندة إلى الانسياب مع الله فى كافة أحواله و تقلباته .

فإذا وقع فى المعصية فإنه لا يصلح أن يقول : إن الله قدرها عليه لأن الله لا يختار لنا إلا شريعته و لا يحب لنا إلا طاعته و هو العارف صاحب الدعوى الذى ادعى أنه خرج من إرادته إلى إرادة ربه .. فهو إن عصى فإن معصيته تشهد على كذب دعواه و أنه مازال عند نفسه لم يبرح .

بل إن العارف الحق بخروجه من نفسه يخرج من منطقة الاختيار كلها و يدخل منطقة الإسلام .. الإسلام لله و للمشيئة الإلهية .. فهو يجتهد فى عمله لأن الله أحب له الاجتهاد و لكنه لا يحزن لخسارة و لا يفرح لنجاح و لا ييأس على فشل لأنه فوض النتائج إلى الله و ارتضى أحكامه بلا جدل .

و بخروجه من منطقة الاختيار يخرج أيضا من المساءلة و ترفع عنه المحاسبة فيكون ممن يوفى لهم أجرهم بغير حساب .

و تلك هى سنة الفرقة الناجية .. خروج من اختيار النفس إلى اختيار الرب .. و تبرؤ من الحول و الطول .. و إسقاط للتدبير .

يقول الصوفى النفرى إلهاما عن ربه :

يا عبدى أَلق الاختيار أُلق المساءلة البتة .

فأهل التفويض و التوكل هم أهل الجنة بالتزكية لأنهم أسقطوا اختيارهم و عاشوا وفق الإرادة الإلهية .

أما أهل الإختيار فهم واقفون عند نفوسهم يتخيرون بين حظوظهم و قد وكلوا أمرهم إلى عقولهم التى تخطىء و تصيب .. فوضعوا أنفسهم مع أهل المساءلة .

فمن يختار يُسأل .

و من أسقط الاختيار و أسقط التدبير لا يعود هناك مجال لمساءلته فمثله لا تقع فى حقه معصية لأنه أسقط مشيئته ضمن ما أسقط من اختيارات .

و شاهد إسقاط التدبير فى حق العارف هو كماله فلا يكون مع الله إلا الكمل .. و لا يصح الإدعاء بأنك مع الله و شواهد أعمالك تدل على أنك مع هواك و شهواتك فتلك تكون حجة الله عليك بأنك كذّاب .

و لهذا لا يترك الله المؤمنين العارفين الذين يدّعون أنهم من أهله و خاصته دون أن يبتليهم و يفتنهم .. فتلك دعوى عريضة لا يصح أن تفوت دون امتحان .

” أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا و هم لا يفتنون .. و لقد فتنا الذين من قبلهم .. فليعلمن الله الذين صدقوا و ليعلمن الكاذبين ” ( 2 – العنكبوت )

و العجيب أن الملحدين و أهل الفكر المادى يقولون بالجبر و الحتمية ثم نرى جميع تصرفاتهم أبعد ما تكون عن هذا الاعتقاد و كان المفروض لو كانوا صادقين فى دعواهم بعدم جدوى الحرية الفردية أن يسلموا هذه الحرية لربهم المزعوم ( المادية الجدلية ) و لكن ما يحدث دائما هو العكس فنرى تاريخهم تاريخا دمويا لجبابرة الحكم الفردي .. ستالين .. لينين .. منجستو .. و ما منهم إلا و يقول : .. أنا ..
و ما منهم إلا مدّعٍ يتصور أنه يصنع التاريخ .. و ينسى الواحد منهم أنه قال منذ لحظات أن المادية التاريخية هى التى صنعت له وعيه و عقله و موقفه .

فإذا كانت المادية التاريخية هى التى أفرزت الفن و الفكر و الدين و الوعى فكيف بك يا صاحبى تعود فتدّعى لنفسك أنك تصنع التاريخ و أنت أحد مصنوعات هذا التاريخ .. إلا أن تكون قد عدت فناقضت نفسك و تصورت لإرادتك علوا على التاريخ المادى بما يشفع لها أن تعود فتصنع التاريخ من جديد .

و إذا كان للإرادة الإنسانية علو على التاريخ .. فذلك هو سبق الفكر على المادة الذى تنكرونه فى أ ب فلسفاتكم .

فهذا أنتم قد تصورتم أنكم وضعتم الهرم على قاعدته ثم عدتم فقلبتموه على سنامه .

و هؤلاء هم أهل الضلال البعيد .

أما الوجوديون و العبثيون من أهل الحياة مع الهوى و اللحظة فهؤلاء يقولون أنهم اختاروا نفوسهم فالحياة الحقة عندهم هى أن تكون نفسك .. لا تعبأ بعرف أو تقليد أو دين أو أخلاق و إنما تعيش لحظتك كما تحب و تهوى فأنت لا تملك غير لحظتك و اللحظة التى تمضى لا تعود .

و الحق أن كلا منهم قد اختار حيوانه و أطاع غريزته و أسلم لنزواته و استلهم فكرته .. فهو الآخر عبد و إن يتصور أنه حر .. عبد لآلهة كثيرة تتجاذبه و تتقاسمه .. ثم أنه هو و آلهته عبيد لله دون أن يدرى .. فالكل منه و إليه .

” قل كل من عند الله ” .

و الكون بنواميسه و ما فيه من جمال و فن و فكر و حب و قوانين مادية جدلية و نظريات عبثية ووجودية و أفكار فوضوية .. هو كون مخلوق لله .. و هو مظهر من مظاهر التجلى الإلهى و المشيئة الإلهية .. فلا شيء فى الكون يخرج عن مشيئة الله و إن خرجت بعض الأشياء عن رضاه .

و الكل مسلم لله طوعًا أو كرهًا .

و إنما كل الفارق هو فارق بين عارف و جاهل .

فالعارف أدرك الحقيقة فأسلم باختياره و خرج عن نفسه طوعا و حبا و كرامة و انضوى تحت المشيئة بكليته راضيا سعيدا .

و الجاهل تصور أنه ليس عبدا لأحد .. و أنه لا مشيئة لأحد عليه و أنه اختار نفسه ( و هو ما اختار إلا حيوانه ) .

و الحق أنه هو الآخر عبد خاضع دون أن يدرى .. و إنما هو خاضع بالكرباج منساق بالعصا يتصور أنه يسير إلى الأمام و هو يدور فى ساقية و على عينيه عصابة كالثور يكدح لبطنه و شهواته .

و قد أخرجه جهله و عناده من القرب إلى البعد .

و لأهل البعد النار و لأهل القرب الجنة .

و إنما تكون الجنة مكافأة لعارف عَرف .

و لا حرية إلا لعارف .

و لا حرية إلا بالله و من الله .

و لا تأتى الحرية إلا خلعة من الله .

إنما تأتى حرية العرف من أنه اختار ربه فخلع الله عليه حريته و صفاته فأصبح العبد الربانى الذى يرى ببصر الله و يسمع بسمع الله و يحيا بحياته و تلك هى الحرية القصوى التى يحرك بها العارف الجبال و التى أسرى بها محمد عليه الصلاة و السلام إلى المسجد الأقصى و عرج إلى السموات و جاوز المنتهى .. و التى أحيا بها عيسى الميت .

أما التحرر بمعنى التمرد على الشرائع و عصيان الأمر الإلهى و استباحة الأعراف الخلقية فهو مثل السباحة ضد التيار نهايتها الإنهاك و التعب ثم الغرق .

و كيف يكون الإضراب عن الطعام و الشراب و التنفس حرية .. و هل تكون إلا حرية الموت أو حرية القضاء على الحرية .

و كيف يكون اتباع الشهوات حرية و الشهوات ذاتها عبودية و قيد و كيف تزداد حرية بدخولك فى جاكتة جبس و خضوعك لحيوانك .. !

إنما التحرر لا يكون إلا خروجا من النفس و ضروراتها و استعلاء على هواها و شهواتها .

و العارف الذى خرج من نفسه و اختار ربه هو بالمعنى العميق قد اختار حقيقته فهو ما خرج إلا عن نفسه الحيوانية الأمارة و تلك نفس دونية طينية حكمها حكم الجسد .

أما حقيقة كل إنسان فهى نفسه العلوية الملكوتية التى هى على مثال النفخة الربانية التى أودعها الله فى الجسم .

و هى المثال الذى خلقه الله فى أحسن تقويم فى المبدأ الأول .

و العارف باختياره لربه قد اختار نفسه الحقيقية ( النفس المثال التى خلقها الله فى أحسن تقويم ) .

” لقد خلقنا الإنسان فى أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين ” ( 4 – التين )

و لقد ردنا الله إلى أسفل سافلين حينما أودع هذه النفس العلية فى الحشوة الطينية و ابتلاها بالشهوات و الحيوانية .. و تلك هى حياتنا الدون التى نحياها .. و لكن العارف بخروجه من هذه النفس الحيوانية يسترد الأولى و يعيش نفسه الحقيقية و يكتشف نسبة الروحانى باعتباره نفخة من الله و هو بهذا يختار أصله و حقيقته . يختار ربه .

إنه إذاً أعلى درجات الاختيار و إن كان فى الظاهر خروجا من الاختيار و إسقاطا للتدبير .


و حرية العبد بهذه الصورة لا تتنافى مع التوحيد .. فما أخذ العبد حريته إلا من الله و ما جاءت حريته فى أن يشاء إلا بمشيئة إلهية و دستور إلهى .. فقد أرادنا الله أحرارا .. و لم نغتصب نحن هذه الحرية من الله اختلاسا .

” و ما تشاءون إلا أن يشاء الله ” . ( 30 – الإنسان )

ثم إن الله حينما قضى علينا قضاءه المسجل فى كتابه فإنما قضى على كل إنسان قضاء من جنس قلبه و من جنس ضميره و من جنس نيته .. من أراد حرث الدنيا مهد له فيها و من أراد حرث الآخرة هداه إليها .

” من كان يريد حرث الآخرة نزد له فى حرثه و من كان يريد حرث الدنيا نؤته منها ” . ( 20 – الشورى )

” إن يعلم الله فى قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ” .

( 70 – الأنفال )

” فأما من أعطى و اتقى و صدق بالحسنى فسنيسره لليسرى و أما من بخل و استغنى و كذب بالحسنى فسنيسره للعسرى ” .

( من 4 إلى 10 – الليل )

” فى قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ” 10 – البقرة .

” و الذين اهتدوا زادهم هدى ” . 17 – محمد

تأتى التيسيرات دائما من جنس النية .. فلا ثنائية و لا تضاد بين اختيار الرب و اختيار العبد .. و إنما الإرادتان تلتقيان فى خط واحد و إرادة واحدة .. الله يسيرك إلى عين اختيارك و يختار لك من جنس نيتك .. لا تناقض و لا ضدية .

و مراد الله بهذا أن يخرج المكتوم فى القلوب .

” و الله مخرج ما كنتم تكتمون ” .. ( 72 – البقرة )

ليتم الغرض من الدنيا كدار ابتلاء و امتحان .

و يظل الله هو الحاكم الأحد بلا شبهة شريك .. فلا حرية إلا به و لا تيسير و لا تمكين إلا بإذنه .

أما خارجا عن الله .. فلا حرية و لا حياة و لا قدرة :

فما سوى الله نار

و ما سوى الله ظلمة

و ما سوى الله قيد

و سبحان الذى أسرى بعبده

فلا سريان لنا إلا على جناحه

و لا نفاذ من أقطار السموات و الأرض إلا بسلطانه .

و لا حرية إلا به

و لا نور إلا بنوره .

و هذا الاعتراف هو عين الإسلام .

و هو عين شهادة أن لا إله إلا الله .

أى لا حاكمية و لا سلطان إلا له .. تقدست أعتابه عن الند و الضد و الصاحبة و الولد و الشريك و الشبيه
د. مصطفى محمود رحمه الله
القرآن كائن حي

جينيالوجيا الأخلاق عند الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه(1844-1900)

في معالجته للمشكلة الأخلاقية، يكتشف نيتشه من خلال منهجه الجينيالوجي أن ظهور التقييم الكهنوتي في مجال الأخلاق هو ما أدى إلى قلب القيم التي كان قد وضعها في الأصل السادة النبلاء (أي الطبقة الأرستقراطية المهيمنة)، هذا التقييم الأرستقراطي وهو التقييم الأصلي كما كشف عنه نيتشه في أعمق الطبقات التاريخية، تكمن ميزته في أنه تقييم اجتماعي خالص وليس أخلاقيا أو حتى دينيا.

لقد كان التقييم الأرستقراطي وليد شعور طبيعي بالقوة والحيوية من لدن السادة الأقوياء تجاه العبيد الضعفاء، هذا الإحساس العارم بالفارق في القوة لدى السادة هو ما جعلهم يستأثرون بحق ابتكار القيم وتسميتها، أي تسمية صفاتهم (القوية والنشطة والحيوية) بأنها “حسنة” و “خيرة”، في مقابل صفات الشعب أو العامة، التي تتسم بالضعف والعجز والهوان، فهؤلاء العامة أو الضعفاء، لم يكونوا في نظر التقييم الأرستقراطي أشرارا ولا حتى مذنبين، إنهم يتصرفون فحسب وفقا لطبيعتهم الضعيفة التي تجعلهم عبيدا بالطبع، فنيتشه لا يعتقد أن الإنسان يمتلك حرية الاختيار في تحديد ما إذا كان بوسعه أن يكون سيدا أو عبدا، فالقوي (السيد) مجبول بطبيعته على ممارسة قوته، كما أن الضعيف (العبد) مجبول هو أيضا بطبيعته على التصرف بضعف، فحرية الإرادة ليست في نظر نيتشه سوى وهم توارثه الفلاسفة عبر التاريخ، وذلك سيرا على خطى التقليد اليهودي-المسيحي لجعل السادة-الأقوياء يشعرون بالذنب وتبكيت الضمير على سلوكهم الطبيعي المفعم بالقوة والقسوة أيضا.

يقول نيتشه في هذا الصدد :
“إن كراهية الحملان (العبيد الضعفاء) للطيور الجارحة (السادة الأقوياء) يبدو أنه لا يثير دهشة، لكنه لا يشكل سببا للحقد على الطيور الجارحة الكبيرة لترويعها الحملان الصغيرة، وإذا قالت الحملان فيما بينها إن تلك الطيور الجارحة شريرة، وأن الطير الجارح الذي تتوافر فيه أقل صفات الطيور الجارحة، أو حتى نقيضها، أي صفات تجعل منه حملا، أفلا يكون خيرا حينئذ ؟
فلن يكون ثمة ما يعترض به على هذه الطريقة في الاستنباط، اللهم ما ترد به الطيور الجارحة على نفسها، فتقول فيما بينها ساخرة؛ أما نحن فلسنا نحقد تماما على الحملان الخيرة، بل على العكس، نحبها، فلا شيء أشهى من لحومها.”

تبدأ المشكلة في نظر نيتشه عند بروز التقييم الكهنوتي على الساحة التاريخية من خلال قيام الكاهن بتغيير وجهة الحقد نحو الإنتقام من قيم السادة عن طريق قلبها رأسا على عقب، هذا التقييم الذي سيعتبر أن الأقوياء أشرارا ومذنبين لأنهم قساة، في حين أنهم يتصرفون وفق طبيعتهم القوية فقط، هكذا يوظف الكاهن اليهودي مبتكر التقييم الكهنوتي الماوراء، عن طريق وعد الأخيار الذين هم ليسوا سوى الضعفاء والمرضى والعاجزين والمنبوذين وفقا للتقييم الكهنوتي بالعالم الآخر، واصفا بالمقابل، الأقوياء والنبلاء والفرسان والشجعان والمتفوقين بأنهم أشرارا وطغاة، ليس لهم حظ في العالم الآخر، ذلك العالم الذي ابتكره بالضبط الكاهن اليهودي انطلاقا من شعوره المتنامي بالكراهية والحقد تجاه الأرستقراطيات المجاورة (الإغريق والرومان)، ذلك الشعور الذي ولد لديه غريزة انتقام فظيعة تجاه كل ما هو دنيوي عامر بالحياة ومثبت لها، وبالتالي القيام بانقلابه التاريخي الأعظم في مجال الأخلاق.

إذن مع اليهود، هذا الشعب الكهنوتي بامتياز، بدأت حسب نيتشه ثورة العبيد في الأخلاق، هذه الثورة التي تجر وراءها تاريخا يمتد عمره لأكثر من ألفي سنة، طبعا فقد نجحت الثورة وتم إسقاط النظام القيمي القديم (القيم الأرستقراطية) وسنت الدهماء قيمها الخاصة المتمثلة في الإحتفاء بأخلاق العبيد، لقد انتصرت القيم اليهودية ومن بعدها المسيحية في كل أنحاء أوروبا من خلال سيكولوجية الخطيئة الأصلية التي سممت صحة الإنسان الأوروربي سيكولوجيا وفيزيولوجيا، وجعلت الأقوياء ضعفاء يشعرون بالذنب وتبكيت الضمير، ما جعلهم يستسلمون نهائيا للسم الكهنوتي التي أعدته الكنيسة أو المؤسسة الكهنوتية الرسمية لهؤلاء الأقوياء والموهوبين والمتفوقين من كل نوع، وبذلك تم إضعاف وتدجين الحيوان الأشقر أو الفارس النبيل الذي كان من الممكن أن يصبح مثال نيتشه المنشود لو نشأ في بيئة صحية وقوية، حيث يتم صقل مواهبه ودعم قدراته، وهكذا تم القضاء على فصيلة النوع الأقوى الذي كان السوبرمان النيتشوي سينبثق منها.

وبالتالي فإن تاريخ الأخلاق في أوروبا -خلال الألفي سنة أو يزيد- كما حفر عنه نيتشه باستخدام مطرقته الجينيالوجية هو تاريخ مقلوب (أو محرف) مس -عن حقد- قلب القيم الأخلاقية(التي كان قد وضعها في الأصل السادة-النبلاء) رأسا على عقب، محركه الأساس “إرادة قوة كهنوتية” غذتها سيكولوجية الحقد اليهودية، نتيجة رد فعل كهنوتي ضد “إرادة قوة دنيوية” امتلكتها شعوب أخرى أكثر حضارة وتقدما (الشعوب المجاورة أساسا)، رد الفعل الكهنوتي هذا، تمثل في انتقام ميتافزيقي دبره الكهنة اليهود باسم القداسة الدينية ضد كل ما هو دنيوي، أي ضد الأرستقراطيات النبيلة المجاورة (لاسيما الإغريق والرومان). وهو صراع قيمي عظيم ظل مكتوبا بحروف بارزة على جبين التاريخ (لاسيما الأوروبي منه) شعاره الكبير “روما ضد يهودا” أو “روما ضد اليهودية”.

وهكذا كانت القيم الأخلاقية السائدة خلال الألفي سنة -حسب نيتشه- قيما عدمية ومنحطة لا تحتفي ب “الفارس النبيل” في صورته البطولية المثلى “الإنسان الأعلى”، كونها صدرت عن العبيد الذين حقدوا على السادة-النبلاء وقاموا بانقلابهم التاريخي الأعظم في مجال الأخلاق.

الرسومات الكاريكاتورية المسيئة لنبي الإسلام محمد صلوات ربي وسلامه عليه

الضربات الموقظة…
عندما يضرب الإسلام في أصوله الكبرى وعقائده الكلية، وشعائره المختلفة من طرف الملاحدة وأعداء الدين الإسلامي من جميع الطوائف والملل والنحل، ماذا يحدث؟ ، يحدث أمر عظيم لو تفطن له الناقمون على الإسلام لرضوا بالصمت والمداهنة من فعلهم ذلك، ذلك أن هذا الطعن في أصول الإسلام وشرائعه من أي وجهة كانت يوقظ الضمائر، ويحيي القلوب، ويرشد الغافلين من أبناء الإسلام إلى أقرب المسالك إلى الحق ، وذلك ببيان ما الواجب عمله؟، ومن هو العدو الحقيقي..؟ “إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا، فمهل الكافرين أمهلهم رويدا”. صدق الله العظيم.

بلاد الأنوار زعموا..!
أخبرونا أن العلمانية تقوم على احترام الآخر والتعايش معه.. لكن في فرنسا العلمانية تعني احترام كل الآخر إلا المسلم.. فيمكن احتقار دينه والسخرية من نبيه صلى الله عليه وسلم..!
فلسفة الأنوار.. هذي..!
ربما لا يعرف كثير من الغرب عقيدة المسلمين في نبيهم صلى الله عليه وسلم.. لا يعرفون أن محبته ركن أصيل من هذا الاعتقاد..!
ربما لا يعرفون أن التاريخ احتفظ في مزبلته بذكر سيء مقرون باللعنة لكل الذين شتموه وسبوه.. من عصابات المشركين في مكة والطائف ثم المنافقين واليهود في المدينة.. ولم تزده سخريتهم إلا علوا وسؤددا ومجدا وكثرة في التابعين والمؤمنين..!
حصلة هذي.. إن كففتم عن الإسلام انتشر وانساب في القلوب.. وإن هاجمتموه انتشر وتدفق في العقول..!
التعايش بين الملل والأديان يقوم على احترام ارادات الناس في الاعتقاد والإيمان.. والكف عن اهانتهم المستمرة وتمزيق مشاعرهم بندوب لا تندمل..!
اذا كان الغرب حريصا على احترام السود والهنود واليهود والشواذ والسحاقيات.. ولا يقبل اهانتهم.. فما باله يصر على إذاية المسلمين..؟
أتذكر أن دولة عربية غضبت غضبا شديدا لأن دولة عربية أخرى سخر جمهورها في مدرجات مباراة رياضية من أحد قادتها.. وتطور الأمر إلى أزمة بين البلدين..!
المهم:
أحد الأصدقاء كان ينوي شراء سيارة من نوع رونو.. فلما علم بسخرية فرنسا من النبي صلى الله عليه وسلم.. أقسم ألا يشتري سيارة من هذه العلامة الفرنسية.. سير ع الله!
الصورة:
نشرت مؤسسة حكومية صورة كاريكاتورية للسخرية من النبي صلى الله عليه وسلم.. إمعانا في حرية التعبير.. زعموا..!

✍ أقسى الألم..!
ليس أقسى على القلب في هذا الزمن الذي بلغنا فيه قاع المذلة والمهانة من أقوام منا يسخرون من ألمنا، ويسفهون غضبنا.. يروننا ضحايا نُجلد مرات ومرات، فيكممون أفواهنا ليمنعونا حتى من صرخة الألم.. يبررون كل الإهانات التي تصب فوق رؤوسنا، ويحملوننا وزرها، ويقمعوننا إذا أنّ لنا قلب أو سال دمع.. !
مجرد الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة أمر مدان عندهم.. مجرد الغيرة والحرقة لما يتعرض له مقامه الشريف أمر مستقبح لديهم.. وكل ما يفعله الآخر فينا من مظالم حرية تعبير مقدسة لا حق لنا في نقدها أو مواجهتها..
ليس أقسى على القلب من أقوام يغضبون لإهانة أناس من فصائلهم السياسية أو النقابية أو الفكرية أو العائلية.. ويقيمون الدنيا ولا يقعدونها.. وهم كألواح ثلج ميتة أمام السخرية من المقام النبوي الشريف..!
كبرت أصنامهم في قلوبهم.. يؤمنون بها اكثر من إيمانهم بالنبي صلى الله عليه وسلم.. ويغارون عليها أكثر من غيرتهم على رسولهم صلى الله عليه وسلم..
لو رأى أحدهم طيف إشارة، أو سمع ربع كلمة في إهانة أبيه أو ابنه.. لأرغى وأزبد.. ورفع عقيرته بالصراخ والعويل.. ولنهج نهج من يسعى لرد الاعتبار.. وهذا حقه.. لكن أين رائحة هذه الغيرة نحو النبي صلى الله عليه وسلم.. وهو احب إلينا من آبائنا وأمهاتنا وولدنا والخلق جميعا..!
📍يا هؤلاء:
أما سمعتم الحديث الصريح: ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين..).
📍يا هؤلاء:
إن محمدا صلى الله عليه وسلم ليس نبي طائفة أو جماعة أو تيار.. إنه نبيكم.. ونبي الناس أجمعين..عجبا.. هل ترون نصرته تفريطا في إيديولوجياتكم واختياراتكم الفكرية..؟ هل تخافون من تهمة الانتماء إلى الإسلام..؟
إن صدق الانتساب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسائل كل مسلم على وجه الأرض.. عن حركة قلبه هذه الأيام الصعبة.. إن لم تألم لما يقع، فاعلم أن لك قلبا أمرضته الدنيا وأهواؤها.. أمرضه التعلق بالخواء الفاني.. أمرضه سوء ترتيب الانتماءات.. أمرضه تقديس أصنام جديدة.. أمرضته الحسابات الضيقة التافهة..!
📍يا هؤلاء:
إن كل هذا الوخز المتتابع – على ما فيه من ألم وعناء- سيحرك الجثة الهامدة، وسيوقظ الهمم الراقدة.. فنحن أمة تمرض طويلا.. لكنها بإذن الله لا تموت.. وإن غدا لناظره قريب.. وليس بعد حلكة هذا الظلام إلا فجر يوشك على الانبلاج..!
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. ولا عزاء للشانئين وأتباعهم التافهين إلى يوم الدين..!

جلال اعويطا: مشحال خايبة تكون محلل ومافاهم تا وزة .. حجم الوعي الذي وصل إليه المغاربة ماغاديش تمر عليه مثل هذه التدوينات ديال الاستاذ يونس .. غادي نشرح بالخشيبات كالعادة حتى تعلموا حجم التضليل الذي يُمارسه هؤلاء:

أولاً: قضية الاساءة للنبي صلى الله عليه وسلم في فرنسا ليست اليوم قضية إساءة صادرة عن اشخاص أو جرائد أو مجلات بل هو فعل ترعاه الرئاسة الفرنسية وتدافع عنه بمبرر العلمانية.

ثانياً: المشكل ليس في حرية الافراد في انتقاد الاسلام بل في دفاع المؤسسات الحكومية الفرنسية عن الإساءة واستغلال حدث شاذ لتمرير هاذ كمية الحقد الكبيرة على شخص محمد عليه الصلاة والسلام.

ثالثاً: المقاطعة هي رد فعل شعبي ضد المؤسسات الفرنسية الرسمية .. دخل لتويتر وضرب طلة على تغريدات المغاربة بمختلف توجهاتهم حتى تعلم جيداً من تُخاطب.

رابعاً: الامر لايتعلق “بمصطي” بل برئيس الجمهورية الفرنسية الذي خرج في عدة خطابات مسجلة بالصوت والصورة ويُمكنك مراجعتها على اليوتوب يُدافع عن الاساءة للنبي محمد وللاسلام بل ويُشجع ويدعو إلى ممارسة الإساءة بلا أدنى مبررات غير الاسطوانات المشروخة !

خامساً: تركيا لا علاقة لها بموضوع المقاطعة اليوم .. وإن رجعت شويا للتاريخ فمثلاً: عندما تمت المقاطعة سنة 2007 للمنتجات الدنماركية بسبب استهزاء جرائد دنماركية بالنبي محمد عليه الصلاة والسلام وعندما خرج الملايين في الشوارع ضد الاساءة لم تكن حين ذلك تركيا هي من تدعو لذلك بل ردة فعل شعبية طبيعية ضد اهانة مقدسات المسلمين.

سادساً: لا أنت لا غيرك من يُحدد المصالح العليا للبلاد .. المملكة المغربية لها مؤسساتها وهي التي تعرف حقيقةً مصالحها العليا ولم تعطي لأحد الكلمة للتحدث نيابة عنها .. هاذ الهدة ديال الاسواق را مخداماش، المصالح العليا والاقتصاد والتخويف من المستقبل وكذا ..

سابعاً: للي زمر كاع هو الذي يريد تمرير مثل هذه المغالطات في 2020.

ثامنا: الدفاع عن رسول الله عليه الصلاة والسلام والانتصار له من أجلِّ العبادات وأعظمها .. وهي توفيق من الله ووسام عظيم لا تتشرف به كل الصدور.

تاسعاً: الاستاذ المحترم يونس نحن هنا نناقش تدوينتك بإحترام وأدب في إطار الحوار وكذا .. عاوتاني تبقاو تقولو هاجموني وكذا.

فلسفة الوجود عند الفيلسوف الفرنسي جون بول سارتر(1905-1980)

  • الكلمة المفتاح في فلسفة سارتر هي كلمة “وجود” ، لكن هذا المصطلح لا يعكس فقط فعل الوجود. فالنباتات و الحيوانات موجودة ، هي أيضاً تعيش ، مع فارق أنها لا تهتم بما يعنيه ذلك. أما الإنسان فهو الكائن الحي الوحيد الذي يعي وجوده. فأن تكون إنساناً ، لَشيء مختلف عن أن تكون شيئاً.
  • هذا معروف و حتمي.
  • وبالطريقة نفسها يرى سارتر أن الوجود يسبق كل تفسير نحاول إعطاءه له. فواقع أو فعل أنني موجود يسبق السؤال : ما أنا ؟. الوجود يسبق الجوهر. يقول سارتر.
  • أف هذه جملة معقَّدة.
  • نقصد بالجوهر : ماهية الشيء ، ما يتشكَّل منه ، أي طبيعته ، أو كيانه. لكن سارتر لا يعتقد بأن للإنسان طبيعة فطرية من هذا النوع ، لذلك عليه أن يخلق نفسه ، يخلق طبيعته ، جوهره ، لأنها لا تكون معطاة منذ البداية.
  • أعتقد أنني أفهم ما تقصد.
  • طوال تاريخ الفلسفة ، تساءل الفلاسفة عن جوهر الإنسان ، عن طبيعته. لكن سارتر يعتقد بأن الإنسان لا يملك طبيعة أبدية من هذا النوع. لذلك لا معنى لطرح أسئلة عن معنى الحياة بشكل عام. بعبارة أخرى : نحن محكومون بالارتجال ، فنحن أولئك الممثلون الذين دفع بهم المسرح ، دون إعطائهم دوراً محدداً ، دون مخطوطة في اليد ، ودون ملقِّن يهمس لهم بما عليهم أن يفعلوا. إن علينا وحدنا أن نختار كيف نعيش حياتنا.
  • في الواقع هذا صحيح. إذ سنكون خائفين لو اكتفينا بفتح الكتاب المقدَّس ، أو أحد كتب الفلسفة لنعرف كيف يتوجب علينا أن نعيش.
  • لقد فهمت كل شيء ، ولكن عندما يعي الإنسان وجوده ، و الموت الذي ينتظره يوماً ، وعندما لا يجد تفسيراً يتعلق به ، يتملَّكهُ القلق على حد قول سارتر.
  • نعم.
  • يضيف سارتر أن الإنسان يشعر بنفسه غريباً جداً في عالم يفتقر إلى المعنى ، وعندما يصف هذه الغربة عن العالم يلتقي مع طروحات هيغل و ماركس. فهذا الإحساس بالغربة على الأرض ، يخلق إحساساً باليأس ، بالضجر ، بالقرف ، بالعبثية.
  • لايزال هناك كثيرون ممن يعتقدون بأن كل شيء فاسد وبأن العالم تافه.
  • تذكرين أن عصر النهضة قد أبرز بطريقة احتفالية حرية الإنسان واستقلاليته ، في حين يرى سارتر أن الحرية ثقل مرعب.
  • الإنسان محكوم بأن يكون حراً. ذلك أنه ما إن يُرمى في العالم حتى يصبح مسؤولاً عن كل ما يفعل.

المصدر

▪ عالم صوفي،، جوستاين غاردر،،

وجود الله تعالى من خلال دليل العناية ودليل الاختراع

لا يخفى على كل باحث منصف أن الأدلة على وجود الله عز وجل كثيرة ومتنوعة، بل إن كل إنسان يشعر بهذه الحقيقة شعورا فطريا يلازمه في كل لحظة من لحظات حياته، وتزداد هذه المعرفة قوة وضعفا بحسب حالات الإنسان النفسية وأطوار حياته. لكن الذي أريد أن أقف عنده في هذا المقال هو دليل العناية ودليل الاختراع، لأن هذين النمطين من الأدلة نافعان جدا في مجال التدليل على وجود الخالق سبحانه، وهما ينتميان منهجيا لحقل الدراسات الفلسفية الإسلامية، بل إن اعتمادهما من لدن الفلاسفة المسلمين كان المقصود منه معارضة أدلة المتكلمين في إثبات وجود الله عز وجل، بما تنطوي عليه من صعوبات وتعقيدات أحيانا كثيرة. فما هو المقصود من دليل العناية ودليل الاختراع ؟ كيف طبق الفلاسفة المسلمون هذا النوع من الاستدلال في مجال الاشتغال العقدي الإسلامي؟

أولا: دليل العناية: يحدد ابن سينا طبيعة العناية التي تشكل مادة هذا الدليل بقوله: “إن العلل العالية لا يجوز أن تعمل ما تعمل من العناية لأجلنا، أو تكون بالجملة يهمها شيء، ويدعوها داع، ويعرض عليها إيثار، ولا لك سبيل إلى أن تنكر الآثار العجيبة في تكون العالم، وأجزاء السماويات ، وأجزاء النبات والحيوان، مما يصدر اتفاقا، بل يقتضي تدبيرا ما.
فيجب أن تعلم أن العناية، هي كون الأول عالما بما عليه الوجود من نظام الخير، وعلة لذاته للخير والكمال حسب الإمكان، وراضيا به على أتم تأدية إلى النظام بحسب الإمكان. فهذا هو منى العناية”.( ) وانطلاقا من هذا النص فإن مدلول العناية الإلهية في الفكر السنوي ترتبط ارتباطا وثيقا بموضوعات العلم الإلهي، كما تتصل اتصالا مباشرا بموضوع صفات الله تعالى وعلمه. وعلى هذا الأساس فالعناية الإلهية عند ابن سينا “هي علم الله الأزلي القديم السابق بترتب الموجودات على أحسن نظام، بدون أي اعتراض أو قصد أو غير ذلك، وهذه الإحاطة من أجل هذا النظام واجب عنه، وله علم به، حتى يكون الموجود وفق المعلوم”( ) وإذا كان ابن سينا يربط بين العناية الإلهية وبين التوحيد بين الذات والصفات، فهو كذلك يربط ” بين عناية الله بالعالم، وبين دليل العناية لإثبات وجود الله تعالى، وذلك لأن الناظر في هذا الكون وما فيه من آيات عجيبة، وحكم باهرة، وهذه كلها تدل دلالة عظيمة على أن هناك مدبرا ونظم لهذا العالم يرعاه ويحفظه، وهي لا يمكن أن تصدر اتفاقا وبمحض الصدفة، وإنما جاءت وليدة تدبير محكم ونظام دقيق، موافقة كل الموافقة لوجود الإنسان وغيره، وهذا مما يدخل موضوع العناية الإلهية التي هي علم اله الأزلي بنظام الخير والكمال.”( ) وهذه النظرة إلى العناية الإلهية تسير وفق المذهب الفلسفي السنوي العام في العلية، وفي التلازم الضروري بين السبب والمسبب. وإذا كان ابن سينا يعرض دليل العناية عرضا فلسفيا ينتهي إلى اعتبار العناية الإلهية مجرد علمه تعالى بما ينبغي أن يكون عليه الوجود، فإن هذا القول قد يؤدي إلى اعتبار الذات الإلهية متأثرة بالعلة الغائية ” والله تعالى أجل من أن يكون متأثرا بشيء من أنواع التأثير الناشئ من جهة الممكنات التي من جملتها الإعراض والمصالح أو مستكملا بشيء منها”. ومن هنا يظهر المقاصد العقدية العالية التي رامها بناة الخطاب الأشعري في رفضهم تعليل أفعال الله تعالى بالأغراض والعلل الغائية، وإن كانوا يقرون هم أيضا بما تنطوي عليه أفعاله تعالى من حكم، ولكن أفعاله تعالى ” لا تتصور أن تكون دافعيتَه إليه بل تابعة له، وهكذا كما نقول: إن الله تعالى لا تتخلف الحكمة عن أفعاله، ولا نقول: إن فعله لا يتخلف عن الحكمة تنزيها له عن شائبة الإيجاب والاضطرار … فتبين أن أفعاله لا تتبع الحكمة، بل الحكمة تتبع أفعاله، وكيف لا وهو خالق الحكمة والمصلحة، فكل ما يفعله تكون الحكمة والمصلحة فيه، وحسبه حكمة أن يكون مفعوله”.( ) ولعل ابن رشد كان أكثر وضوحا في التعامل مع دليل العناية والمقاصد العقدية التي يحققها، ومن ثم حاول أن يصبغه بصبغة شرعية، ويقابل بينه وبين دليل الحدوث الذي توسل به كثير من المتكلمين في مجال التدليل على إثبات وجوده تعالى، على الرغم من كونه من الطرق غير الشرعية. ويحدد ابن رشد طبيعة دليل العناية من خلال اعتبار جميع الموجودات تسير في اتجاه العناية بالإنسان. وهي موافقة لطبيعة وجوده الإنساني.( ) وينبني هذا النمط من الاستدلال عند ابن رشد على أصلين هما:

الأصل الأول: أن جميع الموجودات موافقة لوجود الإنسان، فإذا نظرنا إلى أنواع الموجودات كالليل والنهار والشمس والقمر وجدناها موافقة لوجود الإنسان، وكذلك الفصول الأربعة والمكان الذي يعيش فيه وهو الأرض، وكثير من أنواع الحيوانات والنباتات … كل ذلك موافقة لوجود الإنسان وحياته. وبالجملة فمعرفة هذه الأشياء والوقوف على منافع الموجودات داخلة في هذا النمط من الأدلة. ولذلك وجب على من أراد أن يعرف الله تعالى المعرفة التامة أن يفحص منافع الموجودات.( )
الأصل الثاني: أن موافقة الموجودات لوجود الإنسان وحياته ليست من قبل المصادفة بل هي مقصودة لفاعل قاصد لذلك ومريد له. ( ) وهذا الأصل يبين ثمرة الاشتغال بدليل العناية، في مجال إثبات وجود الخالق عز وجل إثباتا يقينيا. كما تصبح جميع الموجودات أدلة ينتفع بها في مجال تقرير مختلف قضايا الاعتقاد.
ثانيا: دليل الاختراع: ومعناه النظر في اختراع جواهر الأشياء الموجودة مثل: اختراع الحياة في الجماد والإدراكات الحسية والعقل. وينبني هذا النمط من الأدلة على أصلين موجودين بالقوة في فطر الناس وهما: أ – أن هذه الموجودات مخترعة: وهذه حقيقة مسلم بها. إذ ليس ثمة خالق غير الله تعالى، وتتقرر هذه الحقيقة من خلال النظر إلى الموجودات، سواء تعلق الأمر بحيوان أو نبات… كما قال تعالى: {يَأَ يُّهَا اَلنَّاسُ ضُرِبَ مَثَلُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ, إِنَّ اَلذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اِللَّهِ لَنْ يَخْلُقُواْ ذُبَاباً وَلَوِ اِجْتَمَعُواْ لَهُ, وَإِنْ يَّسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لاَّ يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ اَلطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} [سورة الحج الآية 71]. “فإننا نرى أجساما تحدث فيها الحياة فنعلم قطعا أن هاهنا مُوجِداً للحياة ومنعما بها، وهو الله تبارك وتعالى. وأما السموات فنعلم من قِبَلِ حركاتنا التي لا تفتر أنها مأمورة بالعناية بما هاهنا، ومسخرة لنا. والمسخر المأمور مختَرع من قبل غيره ضرورة”.
ب – أن كل مخترع فله مخترع: وينتج عن هذين الأصلين أن للموجود فاعلا مخترعا له. ويمكن أن يتولد عن هذين الأصلين أدلة طبيعية كثيرة، تقدر بعدد الأشياء المخترعة. ولذلك كان واجبا على من أراد معرفة الله تعالى حق المعرفة أن يعرف جواهر الأشياء ليقف على الاختراع الحقيقي في جميع الموجودات، لأن من لم يعرف حقيقة الشيء لم يعرف حقيقة الاختراع، وإلى هذا الإشارة بقول تعالى: {اَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ اِلسَّمَوَتِ وَالاَرْضِ وَمَا خَلَقَ اَللَّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَّكُونُواْ قَدِ اِقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُومِنُونَ} [الأعراف الآية 185].( ) ويلاحظ أن الخطاب الفلسفي يرجع كلا من دليل العناية ودليل الاختراع إلى أصول شرعية، ويحاول أن يكشف عن موادهما البرهانية استنادا إلى نصوص القرآن الكريم، الذي تقرر آياته هذين الدليلين أبدع تقرير، وهي تنتظم في ثلاثة أنواع: النوع الأول: آيات تتضمن دليل العناية فقط مثل قوله تعالى {أَلَمْ نَجْعَلِ اِلاَرْضَ مِهَداً وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً وَخَلَقْنَكُمُ, أَزْوَجاً وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمُ سُبَاتاً وَجَعَلْنَا اَلنَّهَارَ مَعَاشاً وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً وَأَنزَلْنَا مِنَ اَلْمُعْصِرَتِ مَآءً ثَجَّاجاً لّنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً وَجَنَّتٍ اَلْفَافاً} [سورة النبأ الآيتان 6 -16]. ومثل قوله تعالى: {تَبَرَكَ اَلذِي جَعَلَ فِي اِلسَّمآءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَجاً وَقَمَراً مُّنِيراً . وَهُوَ اَلذِي جَعَلَ اَليْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنَ اَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوَ اَرادَ شُكُوراً} [سورة الفرقان الآية 61-62] النوع الثاني: آيات تضمنت دليل الاختراع فقط: مثل قوله تعالى {فَلْيَنْظُرِ الاِنْسَنُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِن مَآءٍ دَافِقٍ} [سورة الطارق الآيتان 5-6]. ومثل قوله تعالى {اَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى اَلاِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى اَلسَّمَآءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى اَلْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى اَلاَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} [سورة الغاشية الآيات . النوع الثالث: آيات تضمنت الدليلين معا. وهي التي تشكل القسم الأكبر في القرآن الكريم مثل قوله تعالى: {يأََ يُّهَا اَلنَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الذِي خَلَقَكُمْ وَالذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ اَلذِي جَعَلَ لَكُمُ الاَرْضَ فِرشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ اَلسَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ اَلثَّمَرَتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [سورة البقرة الآيتان . وقوله تعالى: {الذِي خَلَقَكُمْ وَالذِينَ مِن قَبْلِكُمْ…} إشارة إلى دليل الاختراع وقوله جل شأنه: {اَلذِي جَعَلَ لَكُمُ الاَرْضَ فِرشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً} تنبيه على دليل العناية.( ) أما حدود الانتفاع بهذين الدليلين فهي تخضع لمقصود المستدل ومستواه المعرفي ويكون ذلك على مستويين: مستوى الجمهور: وهؤلاء يقتصرون في معرفة مضامين دليل العناية والاختراع على معطيات الحس التي تشكل المعرفة الأولية. مستوى العلماء: وهؤلاء يفضلون الجمهور بتوليد أدلة برهانية أخرى انطلاقا من تعمقهم في معرفة الشيء الواحد. فمثلا النظر في المصنوعات، بالنسبة للجمهور ينتهي بهم إلى الإقرار بشيئين اثنين هما:
أ – أنها مصنوعات فقط.
ب- أن لها صانعا موجودا. في حين تتسم معرفة العلماء بالعمق لأن أصحابها وقفوا على وجه الحكمة من خلقها. ( ) بقي أن نشير إلى أن هذه الأنماط من الأدلة التي تعتبر أدلة شرعية لاستنادها إلى القرآن الكريم تتسم من وجهة الخطاب السلفي ببعض القصور ذلك أن كلا من دليل العناية والاختراع اللذين يطلق عليهما أصحاب هذا الخطاب اسم دليل الإحداث والحكمة ينتهيان بالمستدل إلى الإقرار بحقيقتين:
الحقيقة الأولى: الإقرار بتوحيد الربوبية الذي يفيده دليل الاختراع والإحداث. الحقيقة الثانية: الإقرار بصفة الرحمة، ويحقق هذا المقصد دليل العناية والرحمة. وهذه الطرق وإن كانت أجود من طرق المتكلمين المبنية على مقولة الأعراض فإنها ليست هي الطرق الوحيدة لإثبات وجود الخالق تعالى، لأن طرق معرفة الخالق عز وجل تتم بواسطة النظر والاستدلال بنفس الذوات وصفاتها، وهذا باب واسع لا يمكن حصره في هذين النمطين.( ) ومن أوجه النقص التي ينطوي الخطاب الفلسفي في إقرار كل من دليل العناية والاختراع هو أنه يفرق كعادته بين ما يدركه الجمهور وما يدركه العلماء، مع أن الطرق الشرعية تجعل المخاطبين في مستوى واحد، خصوصا عندما يتعلق الأمر بقضية الإلوهية التي هي مطلب لا تفاضل في إدراكه، نشير في الأخير إلى أن استعمال مصطلح الاختراع لا ينتمي لحق الدراسات الشرعية. ومن ثم لا نقول عن الخالق عز وجل: إنه مخترع، بل نقول: إنه بديع، خالق … ولا ندري كيف غاب هذا الأمر عن ابن رشد، فهل مرد ذلك لفرط إعجاب ابن بالتراث الفلسفي اليوناني؟

ودليل الاختراع والعناية من الأدلة التي قررها المتكلمون في أصول الدين ، كابن رشد الحفيد ، رحمه الله ، وهو دليل عقلي صريح تشهد له كثرة متكاثرة من نصوص التنزيل فمن ذلك :
قوله تعالى : (قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ) ، فقوله تعالى : (فاطر السماوات والأرض) : دليل الاختراع والإيجاد من عدم والإبداع على غير مثال سابق ، على حد أثر ابن عباس رضي الله عنهما : “كنت لا أدري ما فاطر السماوات حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر ، فقال أحدهما : أنا فطرتها ، أي ابتدأتها” .

فهو ، جل وعلا ، بديع السماوات والأرض ، وتلك من أخص أوصاف ربوبيته ، عز وجل ، وإن لم تكن أخصها ، فتفرده بالخلق من العدم والإبداع على غير مثال سابق من أخص أوصاف ربوبيته ، وتفرده بالتدبير الكوني لخلقه من أخص أوصاف ربوبيته ، فلم يترك الخلق هملا ، وإنما قدر لهم ما يصلح أديانهم وأبدانهم ، كما تقدم ، وتفرده بمعاني الكمال المطلق من الغنى والقدرة النافذة والعلم المحيط ……… إلخ من أخص أوصاف ربوبيته .

يقول ابن تيمية رحمه الله :
“ومن أخص أوصاف الرب القدرة على الخلق والاختراع فليس ذلك لغيره أصلا …………. وأخص وصف الرب ليس هو صفة واحدة بل علمه بكل شيء من خصائصه وقدرته على كل شيء من خصائصه وخلقه لكل شيء من خصائصه” . اهـــ
بتصرف من : “الرد على البكري” ، ص126_130 .
وأما قوله : (وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ) : فهو دليل العناية : عناية الغني ، جل وعلا ، الذي لا يفتقر إلى سواه ، بالفقير الذي يحتاج من يطعمه ، فامتن الغني ، جل وعلا ، على الفقير ، بأسباب الحياة ، فقدر له ، كما تقدم في أكثر من موضع ، قوت الأبدان وقوت القلوب ، فذلك أمر يتكرر التنويه به بتكرار صور العناية الربانية بالعباد ، فثنائية الرب الغني والمربوب الفقير مظنة الإطناب في بيان صور ربوبية العناية في معرض بيان المنة الربانية السابغة ، وطباق السلب بين : “يُطْعِمُ” ، و : “وَلَا يُطْعَمُ” آكد في تقرير المعنى ، إذ الإثبات في معرض الوصف الفعلي المتعدي ، والنفي في معرض الوصف الذاتي اللازم ، فهو الذي يُطْعِم لكمال عنايته بخلقه ، ولا يُطْعَم لكمال غناه عنهم ، فلا يبلغ أحد نفعه ، تبارك وتعالى لينفعه ، فضلا عن دلالة الجناس الاشتقاقي بين صورتي الفعل : المبني لما سمي فاعله : “يُطْعِم” ، والمبني لما لم يسم فاعله “يُطْعَم” ، إمعانا في إثبات الوصف له على وجه التعيين والانفراد ، ففاعل الإطعام المثبت معلوم ، لا شريك له ، في أفعال ربوبيته : جلالا بمعاني العزة والقهر ، أو : جمالا بمعاني التدبير والرزق ، وفاعل الإطعام المنفي مجهول ، إرادة العموم ، فلا يطعمه أحد ، أيا كان ، ولا يمده أحد بأسباب البقاء والغنى والعزة ……… إلخ ، فغناه عن خلقه : مطلق ، فهو ذاتي لازم باعتبار الوصف ، بل فعلي متعد إليهم ، فهو المغني لغيره ، الممد له بأسباب البقاء ، فكل أوصاف الكمال في عباده منه على جهة الإيجاد والإمداد ، فأوجد الحياة فيهم وأمدهم بأسبابها ، وأوجد البقاء الأبدي فيهم في دار القرار وأمدهم بأسبابه ……….. إلخ ، وفي المقابل : كل أوصاف الكمال الثابتة له : ذاتية لا تفتقر إلى سبب يوجدها من العدم ، فهي أزلية بأزلية الذات القدسية ، ولا إلى سبب يمدها بمعاني الكمال فله منها منتهى الكمال الذي لا يعتريه النقص بأي حال من الأحوال .
وإنما خص الإطعام بالذكر لكونه من آكد صور الافتقار ، فنفيه من باب التنبيه بالأعلى على الأدنى ، فلا يفتقر إلى خلقه في شيء من وصف كماله الذاتي اللازم أو وصف كماله الفعلي المتعدي إلى غيره الذي به يدبر كونه على سبيل الانفراد فلا شريك له في وصف كماله ، ولا شريك له في أمره الكوني النافذ : (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ) : فنفى استقلالهم بملك مثقال ذرة من الكون ، ونفى شركتهم ، بل ومظاهرتهم ، ففي السياق تدرج من نفي الأعلى إلى نفي الأدنى . فكل مسخر بأمره الكوني : تسخير المربوب المقهور لربه القاه

ومن أدلة الاختراع والعناية :
قوله تعالى : (قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى)

فأعطى كل شيء من خلقه : الخلق الملائم له ، فالخلق هنا بمعنى المصدر .

وقد يخرج على معنى المخلوق إذا نظر إلى آحاد المخلوقات على جهة التناسب والملائمة فيؤول المعنى إلى : أعطى كل مخلوق المخلوق الملائم له ، وذلك ينصرف ابتداء إلى معنى الزوجية ، فأعطى كل زوج نظيره الملائم ، فلذكر الإنسان أنثاه ، ولذكر الفرس أنثاه …………… إلخ .
وقد يخرج على الصورة المخلوقة لكل شيء ، فأعطى كل شيء صورة مخلوقة تلائم ما خلق من أجله ، فأعطى العين صورتها الملائمة للإبصار ، وأعطى القدم صورتها الملائمة للمشي ………….. إلخ ، فلا تستعمل العين محل القدم ، ولا تستعمل القدم محل العين

المراجع: ( )

بيان تلبس الجهمية 1 /172. .

درء تعارض العقل والنقل، لابن تيمية 9 / 172

. (2) كتاب النجاة لابن سينا ص: 320.
(3) الجانب الإلهي عند ابن سينا، د. سالم مرشان، ص271 (4) موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين، للشيخ مصطفى صبري، 3/4
(6) الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة، لابن رشد، ص: 118.

مصطلحات فلسفية:


المثالية: idealisme
المثالية المتعالية: Transcendental idealism
المادية: matérialism
الواقعية: réalism
الواقعية النقدية: critical réalism
التجريبية: Empiricisme
البراجماتية: pragmatisme
الديكارتية: cartésianisme
البيرونية: pyrrhonism
التحليلات، انالوطيقا: analytiques
تحليل: anlyse
الديناميكا: dynamique
الابيقورية: Epicurien
الابستمولوجيا: Epistémologie
الاستقراء: induction
الديالكتيك: dialectique
السفسطة: Sophism
الالحاد: atheism
النظرية العلمية او المنهج العلمي: scientific method

  • علم الإنسان أوالأنثروبولوجيا: Anthropology من أصل يوناني “Anthropos”.
    الحداثة: modernité
    التفكيك: démantèlement
    الفينومينولوجيا:phénoménologie
    ~~_~~~~
    الاخلاق:Moral، تشير الى مجموع قواعد السلوك داخل مجتمع ما وبشكل خاص التفكير المعقلن حول غايات الفعل الانساني.
  • استطيقيEsthétique كل ما يتعلق بالإحساس الجمالي. ونستطيع ان نقول عنه انه تخصص مفكر في شروط الجمال في الفن خاصة.
    الاستنتاج:Déduction استدلال ينطلق من فكرة عامة ليستخلص منها نتيجة خاصة (كل انسان فان ،سقراط انسان ، سقراط فان )
    الأسطورة :Mythe تعني في الاستعمال الدارج تصوراً خيالياً وخاطئاً. قصة خيالية تصف اصل الكون. وتعني في الفلسفة عرضاً سردياً لنظرية (مثلاً أسطورة الكهف عند أفلاطون ترمز الى حلاة الجهل عند الانسان والى ولوجه عالم االحقيقة ).
    الأنطولوجيا :Ontologie اسم أطلق في القرن السابع عشر الميلادي على مبحث فلسفي متميز هو “علم الوجود بما هو موجود”. ويشمل هذا الاسم كل تناول فلسفي ينصب على مفاهيم عامة مثل : الوجود – الماهية – الجوهر …
    الازدواجية: وجود اكثر من معيار او معدل محدد في التعامل مع قضية ما.
    الإستقراء :Induction: هو الإنتقال من الجزئيات إلى الكليات .
    الإنعتاق : هو التحرر الكلي من اي قيد.
    الإلهيات :Theologie البحث الفلسفي المتعلّق بواجب الوجود وصفاته .
    الإنحطاط : حالات التخلف والجهل التي يمكن أن تصيب المجتمع.
    الامبريالية: الافكار المحدثة عن الامبريالية مدينة بالكثير للينين، الذي عرف الظاهرة بانها تشتمل توكيدًا على تصدير رأس المال، تصاعد مركزية الانتاج والتوزيع، دمج رؤوس الاموال المصرفية والصناعية، وتقسيم العالم الى مناطق نفوذ بين القوى الرأسمالية التي تتصارع بعد ذلك على نصيبها من السلب، كما حدث في الحرب العالمية الاولى. في عقود احدث، تعتبر الامبريالية العلاقة بين الدول النامية والمتقدمة وتجادل بان الصراع بين الدول المتقدمة سوف يتلاشى….تختلف تفسيرات الامبريالية باختلاف نظريات الطبيعة البشرية، كما ان العديد من صيغ الامبريالية، تجد صعوبة في تعليل ظواهر معاصرة من قبيل الدول الصناعية الجديدة. غير انها تظل المفهوم المركزي في التفكير في العلاقات الدولية.(اوكسفورد)
    أطروحة:Thèse دعوة أو مسألة عامة، أو نظرية تطرح للبحث والمناقشة، ويلتزم صاحبها إثباتها بالبرهان. ومن هنا سميت دعوة الطالب الذي يحضر للدكنوراه بأنها أطروحة لانها تطرح للنظر والبحث.
    الأرسـتـقــراطـيــة Aristocracy : الـطبـقـة الاجـتـمـاعـية ذات المـنـزلة العـالية والـتـي تعـرف عـادة بـأنهـا تـضـم (( أحسن العائلات )) وتـتـمـيـز بـكـونهـا مـوضـع اعـتـبـار الـمـجتـمع لسـلوكـهـا الـمهـذب وسيـادتـهـا في الـمسـائل الاجتـمـاعيـة والسيـاسيـة. وتتـكـون من الأعـيـان الـذين وصـلوا إلى مـرتـبـتـهـم ودورهـم في المـجتـمع عـن طـريق الـوراثـة ، ثـم استـقـرت هـذه المـراتب والأدوار فـوق مـراتب وأدوار الطـبقات الاجتـمـاعيـة الأخـرى.
    آحادي: اسم جامع للمذاهب الفلسفية التي ترد جميع الموجودات إلى مبدأ واحد سواء كان مادياً أو غير مادي.
    الاغـتــراب Aliénation : يـعـني حــالة انفـصـال واسـتـلاب ، وهـو إحسـاس الإنسـان بــأنـه ليس في بـيـتـه ومـوطنـه أو مـكــانـه . وفي الطب يعـني: الاضـطراب الـعـقلي الـذي يـجعـل الإنســان غـريبـا عـن ذاته ومـجتـمعـه. وفي الفلسفة يعني : غـربـة الإنـسـان عـن جــوهــره وتـنـزلـه عـن الـمـقـام الـذي يـنـبـغـي أن يـكون فيـه . أو عـدم التـوافق بـيـن الـمـاهـية والـوجـود .
    الاتجاه المادي في الفلسفة: الاتجاه الذي يؤكد على اسبقية العالم المادي، الوجود، الطبيعة، على الفكر، الروح، الوعي، باعتبار ان العالم المادي معطى اولي والفكر او الوعي معطى ثانٍ وهو في نهاية المطاف نتاج الدماغ وانعكاس العالم المادي الموضوعي.(الدفاتر الفلسفية).
    الايمان والايمانية: إدراك شيء ما على أنه صادق دون برهان. وهناك من الفلاسفة المثاليين من حاول التوفيق بين الإيمان والمعرفة على فرض أن الإيمان جزء من هذه المعرفة. نظرية تستعيض عن المعرفة بالايمان أو هي بوجه عام تعطي أهمية أكيدة للإيمان. والنزعة الإيمانية كامنة – إلى حد ما – في كل النظريات المثالية وتعبر عن اخضاع العلم للدين.(اوكسفورد)
    الايديولوجيا: نسق من الآراء والأفكار، يدعي القدرة على التفسير الشامل للحياة و الكون و الوجود من جميع الجوانب و النواحي : السياسية والقانونية والأخلاقية والجمالية والدينية والفلسفية. وقد تكون الايديولوجيا علمية، وقد تكون غير علمية: أي قد تكون انعكاساً صادقاً أو زائفاً للواقع. و للايديولوجيا استقلال نسبي عن الواقع. والتطور الايديولوجي يتأثر بطريقة غير مباشرة بعدد من العوامل التي تتجاوز النطاق الاقتصادي والمادي والاجتماعي
    البداهة : EVIDENCE ما لا يمكن عموماً ان يكون موضوع شك . هو ما يفرض نفسه على الذهن ويدفعه الى الأخذ به وقبوله بصورة مباشرة .
    البديهيات : هي الأفكار الواضحة التي لا تحتاج إلى دليل على صحتها .
    البراغماتية : PRAGMATISMEتشير هذه الكلمة بشكل شائع الى الموقف يقوم على التصرف وتغيير الفعل وفقاً للظروف وبدون افكار مسبقة . والبراغماتية هي مذهب فلسفي يرى بأن الحقيقة لا تكمن في المبادئ والنظريات بل في الفعل والممارسة وتقوم البراغماتية على نوع من التجريبية. و يذهب الى ان الحقيقة هي علاقة ملازمة كليًا للاختبار البشري؛ وان المعرفة اداة في خدمة الفعالية، وان للفكر طابعًا غائيًا في الاساس، فحقيقة قضية تكمن اذًا في كونها “مفيدة”، “ناجحة”، “مُرضية”.(لالاند)
    و البراغماتية هي اتـجـاه واسع الانـتشــار في الفلسفة الحـديثـة، و في أميركا على الخصوص، ويسـمى بـمـبدأ الـذرائعـية هـو محـور الفلسفـة الـذرائـعـية . وهـو يـحـدد قـيمـة الصـدق بـفـائـدتـه الـعـمليـة، وقـد أسسـه ( بيـرس ووليـم جيمس وديوي)، وصـيـغـت الـذرائـعـية كـمنـهـج لحـل الـمنـازعـات الفلسفية بـوساطة مقـارنة النتائج العملية، النـاتجـة عـن نـظريـة مــا، كنـظرية للصـدق: والصدق هـو ما يـنـفع عـلى أفضل وجـه بـحيث يـقودنا إلى قصدنا . وهـو مـا يلائـم كـل جـزء من الحيـاة عـلى أفضل نـحـو ، ويجمع محصل مطالب الخبرة.
    البنية: Structure هي كل متكون من ظواهر متضامنة، بحيث ان كلاً منها يتوقف على الاخرى، ولا يمكنه ان يكون ما هو عليه الا في علاقته معها، وبهذه العلاقة.(لالاند)
    البنيوية: Structuralisme حركة فكرية حظيت برواج كبير في الستينات والسبعينات و اكتسبت شعبية رائجة آنذاك. لكنها اثرت اكثر ما اثرت في حقول علم الدلالة والنظرية الادبية. ما يوحد البنيويين في هذه الحقول المختلفة هو المبدأ المشتق من فرديناند دي سوسير، الذي يقر ان الاشكال الثقافية، الأنساق و المعتقدات، و”خطابات” كل نوع يمكن فهمها افضل ما يكون الفهم عبر مناظرتها باللغة، او بالخصائص المتجلية في اللغة حيث تتناول من رؤية متزامنة تروم تحليل بناها المتأصلة خاصة بالصوت والمعنى.(أوكسفورد)
    بنيوية: اتجاه أدبي وفلسفي ولغوي شاع في نهاية القرن العشرين يعتبر أن الأشياء تتألف من بنى ثابتة تشكل الاساس الذي يتألف منه الكل.
    التجريد: عملية ذهنية تقوم على عزل فكري لبعض العناصر من تمثل ما .
    التجربة: معرفة الواقع مباشرة بواسطة الحواس
    التجريبي : نسبة الى المعرفة العلمية التي تتحقق من فرضياتها بواسطة التجريب والملاحظة (الفيزياء علم تجريبي مقابيل الرياضيات )
    النزعة التجريبية: مذهب فلسفي يمثله بشكل خاص كل من جون لوك و ديفيد هيوم ، ويرى ان كل معرفة تصدر عن التتجربة الحسية وحدها ، اي انها تصدر عن اتصال حواسنا بالعالم الخارجي.
    التقدم :Progrès تعني الكلمة في معنى اول كل تطور كمي سواء كان ايجابياً او سلبياً (تقدم الوباء مثلاً) وفي معنى ثانٍٍ ، تشير الى نمو في اتجاه الايجاب والتحسن (التقدم الاجتماعي). ومعزولة ، تعني الكلمة التطور الايجابي للإنسانية.
    التراث: هو كل ما تركه الابآء والاجداد من قيم مادية ومعنوية .( معارف وعلوم وعادات وتقاليد وفنون عيش…)
    تكافؤ:تتساوي الحدود أو القضايا منطقيا.
    التصوّر:representation حصول صورة الشيء في العقل.
    التصوف : هي تجربة خاصة يعيشها شخص يسمى الصوفي , تعتمد منهج المعرفة القلبية.
    التأريخ : إعادة دراسة التاريخ للتحقق منه أو تحليله ونقده .
    التحليل :Analyse هو تجزيئ المشكلة أو القضية إلى عناصرها البسيطة المكونة
    التبعية :وهي الارتباط بمنظومة سياسية او ثقافية او فكرية وهي عكس الإستقلالية .
    التقليد : هو الأخذ عن الآخرين بوعي أو بدونه.
    التفاعل : هو التبادل والمشاركة والتلاقح الفكري والعلمي والتكنولوجي.
    التاريخية: وجهة نظر تقوم على اعتبار موضوع معرفي بصفته نتيجة حالية لتطور يمكن تتبعه في التاريخ.(لالاند)
    الثقافة: Culture :مجموع المعارف الذهنية المكتسبة بواسطة التربية .
    مجموع الإنتاجات الثقافية الخاصة بحضارة ما في الفلسفة ، تشير الى كل ما ينتجه الانسان في مجتمع معين (التقنية ، الفن، المؤسسات ، العادات …) في مقابل كلمة الطبيعة التي تعني ما يوجد في استقلال عن التدخل الإنساني
    الحضارة:Civilization ضد البداوة وثقابل الهمجية والوحشية وهي مرحلة سامية من مراحل التطور الإنساني. هي جملة مظاهر الرقيّ العلمي والفني والأدبي التي تنتقل من جيل الى جيل في مجتمع أو مجتمعات متشابهة ، وهناك حضارات قديمة وأخرى حديثة، شرقية وأخرى غربية، والحضارات متفاوتة فيما بينها ، وكلّ حضارة لها نطاقها وطبقاتها ولغاتها.
    حكم:
    أ – نفسيا : قرار ذهني برأي معين وهو الحال الأساسية للتفكير، وعليه يبنى الإستدلال والبرهنة.
    ب – منطقيا: إقامة علاقة بين حدين أو أكثر. والعلاقات أنواع، ومن أخصّ خصائص الحكم المنطقيّ إحتماله للصدق والكذب.
    مذهب: مجموعة مبادىء وآراء متصلة ومنسقة لفكر أو لمدرسة ومنه المذاهب الفقهية والأدبية والعلمية والفلسفية.
    الحداثة: Modernité:
    النهوض بأسباب العقل والتقدم والتحرر ممارسة السيادات الثلاث عن طريق العلم والتقنية:السيادة على الطبيعة ، والسيادة على المجتمع ، والسيادة على الذات. قطع الصلة بالتراث او طلب الجديد او محو القدسية من العالم او العقلنة او الديمقراطية او حقوق الإنسان او قطع الصلة بالدين او العلمانية
    مشروع غير مكتمل (الفيلسوف الالماني يورغن هابرماس)
    الحتمية :Detrminisme: مبدأ علمي مفاده أن الظواهر الطبيعية مشروطة بأسباب ضرورية وثابتة ، ومن ثمة إمكان التنبؤ بها عند معرفة القوانين المتحكمة فيها . (ويتعارض هذا المبدأ عند الانسان مع فكرة الإرادة الحرة )
    الحدس:Intuition: رؤية مباشرة لموضوع حاضر أمام الذهن ، أي معرفة مباشرة بذلك الموضوع لا تتخللها وسائط .(ويأتي عادة في مقابل الإستدلال كمعرفة غير مباشرة ).
    الحق الطبيعي :Droit naturel: تشير هذه الكلمة عند بعض المفكرين (ق17) الى حق مستقل عن قوانين المجتمع الوضعية ، ومنتم الى طبيعة الكائن الإنساني ذاته .
    الأخلاق : هي نظام قيمي قائم على دين او فلسفة ما.
    الخطابLe Discours:جملة من المنطوقات او الملفوظات المتسلسلة والمترابطة ترابطاً عضوياً ، والتي ترتبط بحقل ثقافي معين
    ديموقراطية: نظام سياسي تكون فيه السيادة لجميع المواطنين، لا لفرد ولا لطبقة. ويقوم على ثلاثة أسس: الحرية والمساواة والعدل، وهي متكاملة ومتضامنة، والديموقراطية في الحقيقة نظام مثالي يتعذّدر تطبيقه تطبيقا تاما. هذه هي الديموقراطية السياسية أما الديموقراطية الإجتماعية فهي أسلوب حياة يقوم على حرية حرية الرأي والفكر وينشد العدالة الإجتماعية
    دين (الدين):مجموعة معتقدات وعبادات مقدسة تؤمن بها جماعة معينة يسد حاجة الفرد والمجتمع على السواء، أساسه الوجدان، وللعقل مجال فيه.
    دوغماطيقية: الدوغما او العقيدة هي مصطلح يطبّق بوجع عام على التعاليم الدينية التي تقبل بصرف النظر عن الاسباب او الشواهد، عادة بالركون الى سلطة كتاب مقدس او سلطة كهنوتية. اما الآن فانه يستخدم بطريقة ذمية لانه لا يقر فحسب معتقدات غير مبررة من قبل العقل، بل يقر ايضًا مبأ عدم التسامح، اي عقاب المعتقد الباطل.(موسوعة اوكسفورد الفلسفية).
    الديمقراطية:Democratie
    اولاً: هي طريق للعبور الى الحرية والمشاركة
    ثانياً: هي مطلب عدالة يقتضي الإعتراف بمساواة الجميع امام القانون
    ثالثاً: هي رقابة المجتمع على كافة القطاعات السياسية ولا سيما القطاع الإقتصادي ، بوسائل مختلفة
    الذاتية: هي الرؤية الخاصة والشخصية حول موضوع معين والتمسك بها وتغليبها على وجهات النظر الاخرى.
    الشمولية: الشمولية هي صفة تطلق على اتجاه في التفكير يقوم على اعتماد الفكر الرأئ الاحادي، ويناقض تفكير الاخرين ولا يتعرف به، كما يرفضه ايضا.
    الشخصانية: مذهب الفيلسوف الفرنسي رينوفييه القائم على جعل الشخصية هي المقولة العليا ومركز تصور للعالم. والشخصانية ايضًا هي مذهب اخلاقي واجتماعي قائم على القيمة المطلقة للشخص، معروض في كتاب عمانوئيل مونييه بيان لاجل الشخصانية.(لالاند)
    النزعة الشكية :Scepticisme :مذهب فلسفي اسسه بيرون (حوالي 365-275ق.م.)يقول بأنه لا يمكن بلوغ أي حقيقة وأنه يجب الشك بكل شيء ،وتؤكد إحدى الحجج الشكية ان بلوغ الحقيقة مستحيل لأن كل معرفة تستند الى منطلقات تحتاج الى منطلقات اخرى ، الشيء الذي يفرض الرجوع الى الوراء بشكل لا متناه ، وذلك مستحيل . (في مقابل الدوغماتية=الوثوقية
    الصوفية: تسمية تطلق على اشخاص يمضون حياتهم في عبادة الله ويتخلون عن مباهج الدنيا ومتاعها ويؤثرون الله على كل شيء.
    سيرورة: التحول والتبدل الشامل في الطبيعة وهي ضد السكون والجمود
    *العقل النظري:هو العقل الذي ينطلق من مقدمات تستند الى المنطق وقضاياه الكلية الخالصة.
    العقلانية:Rationalisme)أ-بالمعنى الميتافيزيقي، مذهب يقول بعدم وجود اي شيء بلا موجب، بحيث انه لا يوجد شيء لا يكون معقولاً، قانون ان لم يكن واقعًا. ب-مذهب يرى ان كل معرفة يقينية تصدر عن مبادىء لا تقبل الدحض، قبلية، بيّنة، تكون حصيلتها اللازمة، ولا يمكن للحواس ان تقدم عنها سوى نظرة ملتبسة وظرفية، نظرة عابرة الى الحقيقة.ج-من زاوية المنحى العقلي: ايمان بالعقل في البيّنة والبرهان، اعتقاد بفاعلية النور الطبيعي، بهذا المعنى يتعارض مع لاعقلانية، بكل صورها (صوفية-باطنية-فلسفة الشعور-سلفية)(لالاند) في الدين،العقلانية اتجاه يذهب إلى أن العقائد الدينية المقبولة هي تلك التي يعتبرها العقل متفقة مع المنطق ومع “النور الطبيعي” للعقل.
    العقلاني (Rationalité):سمة ما هو عقلي بالمعاني التقريظية لكلمة عقل. في اللاهوت،
    العلل الأولى : وهي الموجودات الاول التي صدرت عن واجب الوجود.
    العدالة : مفهوم اخلاقي يفترض الوسط بين حالتين متطرفتين , اما العدالة في القانون فهي اعطاء كل انسان ما يستحق , ام في المفهوم الديني فهي, المجازات حسب العمل .
    العرق : الانتماء الى اصل واحد من خلال اللغة او الجنس
    الـعـقــلانـيـة Rationalism: هــي مذهب فلسفي يؤمن بــأن العـقــل قـادر عـلى إدراك الحـقيقة بـمفـرده دون مسـاعـدة من عـاطفـة أو إلهـام أو وحـي وبــأن الـحـقيقة هـي الحقيقة المـادية الـمـحضـة التي يتـلقـاهـا العـقل من خـلال الحـواس وحـدهـا . وبــأن العـقل إن هـو إلا جـزء من هـذه الحـقـيقـة الـمـاديـة فهـو يـوجـد داخـل حيـز التـجـربـة الـمـادية مـحـدودا بـحـدودهـا ( لا يمـكنه تـجـاوزهـا ) ، وأنـه بـسـبب مـاديـتـه هـذه قـادر عـلى التـفـاعـل مـع ( الطـبيـعـة / المـادة ) ويـمكنـه انـطلاقـا منـهـا ( ومنها وحـدها ) أن يـؤسس منـظومـات مـعـرفيـة وأخـلاقية ودلاليـة وجـمـاليـة تـهـديه في حـيـاته ويـمـكنـه عـلى أسـاسـهـا أن يـفـهـم الـمـاضي والـحـاضـر ويـفـسـرهـمـا ويـرشـد حـاضـره وواقـعـه ويـخـطط مـستـقـبـلـه.
    الـعـدمـيـة Nihilism : مــذهـب ينـكـر القـيـم الأخـلاقـيـة ، ويـعـدهـا مـجـرد وهـم وخـيــال مع تحـرير الفـرد من كـل سـلطة مـهـمـا يـكـن نـوعـهـا . ويـقـول بــأنه لا يـمـكن تـحـقيق التـقدم إلا بتـحـطيـم الـنـظم السياسية والاجتـمـاعيـة التي تسلب الفرد حريتـه.
    علماني: اتجاه فلسفي وسياسي واجتماعي يرى ضرورة الفصل والتمييز بين كل ما هو ديني ودنيوي.
    الـعـنـصــريــة Racialism : نـظـريـة تبــرر التـفــاوت الاجـتـمـاعي والاسـتـغـلال والحـروب بـحـجـة انـتـمـاء الشـعـوب لأجـنـاس مـخـتـلفـة . وهـي تـرد الـطـبــائــع الاجتـمـاعيـة الإنسـانية إلى سـمـاتهـا البـيـولـوجيـة العـنصـرية ، وتـقسم الأجـناس بـطـريـقـة تـعـسفـية إلى أجـنـاس ( عـليـا ) و ( دنـيـا ) ، وقـد كـانت العـنـصرية النـظريـة الـرسـميـة في ألـمـانيـا الـنـازيـة. واستـخـدمـت لتـبريـر الـحـروب العـدوانيـة وعـمـليـات الإبـادة الـجـمـاعـيـة .
    العقد الإجتماعي :Contrat social: نظرية تقول بأن النظام الإجتماعي يقوم على اتفاق إرادي بين الأفراد المكونين له ، وهو اتفاق يخرجون بمقتضاه من حالة الطبيعة الى حلاة المدنية التي تحقق السلم والأمن للجميع .(نجد هذه النظرية روسو).
    العقلانية:Rationalisme:مذهب فلسفي يمثله ديكارت بالأساس (1596-1650) ، مفاده أن مصدر المعرفة هو نشاط العقل الذي يشكل ملكة كونية حاضرة في كل إنسان وغير قابلة لأن تجلب من التجربة (في مقابل التجريبية).
    العولمة :Mondialisation: هي إلغاء لكل الخصوصيات ، ولكل ثقافات الشعوب ، وجعل العالم كله قرية كونية واحدة
    اللغة: هي مجموعة من الاصوات يعبر بها كل قوم عن اغراضهم وتطلعاتهم. كما هي عبارة عن الفاظ الموضوعة للمعاني.
    الغائية: الهدف الارقى الذي يسعى اليه الانسان (لك لموضوع غاية).
    الفلسفة الوضعية: الفلسفة الوضعية هي الفلسفة المؤمنة بالعلم وحده، تعتبر ان العقل البشري بعد ان استحال عليه الوصول الى مفايم مطلقة،بات يتخلى عن البحث في اصل الكون وعن معرفة الاسباب الكامنة وراء الظواهر وعليه فقط ان يبحث في اكتشاف القوانين الفعلية التي تحكم هذه الظواهر.
    الفكر الاسطوري:اشبه ما يكون بالفكر الديني لا يستند الى وقائع مادية تحاكي موضوعات تتجاوز الواقع.
    الافلاطونية المحدثة:رائدها افلوطين، صاحب نظرية الفيض، وهي مذهب توليفي تتداخل فيه عناصر ثقافية يونانية (افلاطون)وشرقية (المسيحية واليهودية والغنوصية…) الفرضيات : هي تفسيرات اولية تحتاج الى تأكيد عبر البرهنة.
    الفلسفة العملية : تتعلق بالمواضيع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية .
    الفلسفة الوضعية:يطلق بالتوسع على المذاهب المتعلقة بعقيدة اوغست كونت او المشابهة لها، ولو بكيفية بعيدة جدًا، احيانًا، والتي تجمعها اطروحات مشتركة تقول ان معرفة الوقائع هي المثمرة وحدها؛ وان العلوم الاختبارية هي التي تمدنا بنموذج اليقين، وان العقل البشري لا يجانب، في الفلسفة كما في العلم، اللفظية او الضلال الا بشرط الاتصال الدائم بالاختبار، والاقلاع عن كل ما هو قبلي؛ وتقول اخيرًا ان مجال “الشيء بذاته” غير قابل للتناول، وان الفكرة لا يمكنها سوى بلوغ العلاقات والقوانين.(لالاند)
    الـفــاشـيــة Fascism : مــذهب سيـاسي اقتـصـادي نـشــأ بـإيـطـاليـا واشـتـق اسـم الـفـاشيـة وشـعـارهـا من حـزمـة العـصي والمـطرقـة وهـي شعـار الدولـة في رومـا الـقـديمـة. ونـظـرية الفـاشيـة السيـاسيـة تـقـوم عـلى سيـادة الـدولة الـمـطلقة ، فـالدولة أعـظم من الفـرد ، وحـقها يفوق حـقوق الأفـراد ويـسمـو عـلـيـهـا ، وواجـب الإفـراد مـعـاونـتهـا عـلى أداء تـلك الـغـايـة. ونـظرية الفـاشيـة الاقتـصـادية تـقـوم عـلى تـدخـل الـدولة في كـل مـظـاهـر النـشـاط الاقـتـصـادي دون إلغـاء رأس المـال أو الـمـلكية الشـخصيـة .
    الفرضية :Hypothese: تعني في الرياضيات قضية تؤخذ بوصفها نقطة انطلاق عملية البرهنة ، اما في العلوم التجريبية (كالفيزياء مثلاً) ، فتشير الى قضية مؤقتة تقترح لتفسير ظاهرة ما وتنتظر التحقق بواسطة التجريب .
    الفطري :l’inné:ما يوجد بيولوجياً منذ الولادة ،وما هو مودود بشكل طبيعي ، في مقابل المكتسب الذي تجلبه التربية والثقافة .
    الفوضوية:Anarchisme:مذهب سياسي يدعو الى إلغاء الدولة والتخلص من كل إكراه جماعي ، إما دفعة وإما خطوة خطوة بحسب تطور الشعوب وإشتراكية وسائل الإنتاج والحاجات الاستهلاكية (ونجد الفكرة العامة للفوضوية عند ابن باجة في “كتابه تدبير المتوحد”- حيث وصف فيه مجتمعاً من الحكماء “لا حاجة فيه لا قضاة ولا اطباء…
    القبلي :A priori: يشير الى معرفة مستقلة عن التجربة ، في مقابل المعرفة البعدية a posterioriالتي تستند على التجربة اي على واقعة ملاحظة.
    اللاهوتي(صفة): بنحو خاص عند اوغسطت كونت، الحالة اللاهوتية هي الحالة الاولية من تظوّر الفكر البشري الذي من خلاله “يتمثّل الظواهر بوصفها من نتاج الفعل المباشر والمتواصل لعوامل خارقة، كثيرة نسبيًا، يُـفسِّر تدخلها العشوائي كل شواذات العالم الظاهرة”.(لالاند)
    الماهيات:الاشياء القائمة في ذاتها التي تحدد طبيعة الشيء.
    الموضوعية:هي صفة تطلق على معالجة الشخص لامر ما بطريقة بعيدة عن الاهواء والرغبات الخاصة، بل معالجتها بطريقة عقلية ومنطقية تأخذ بعين الاعتبار مختلف المقاربات.
    ما بعد الطبيعة: التسمية من كتاب لارسطو، يتحدث فيه عن الله( المحرك الاول)، وهي كل ما يتجاوز الوسط الفيزيائي ويبحث في عالم المجردات.
    المنطق : الة سماها ارسطو بالاورجانون يعصم مراعاته الذهن من الخطأ، علم يستند إلى قواعد منهجية ويعتمد الاستدلال والبرهان.
    الميتافيزيقيا : وتعني دراسة كل قضايا ما بعد الطبيعة.
    المنهج العلمي : هو الخطوات التي يجب اتباعها للوصول إلى الحقائق.
  • منهج : بوجه عام ، وسيلة محددة توصل الى غاية معينة.
  • موقف: تهيّؤ عقلي لمعالجة تجربة أو موقف من المواقف تصحبه عادة إستجابة خاصة.
    مسلمة (مسلمات):قضية ليست بديهية ولايستطاع البرهنة عليها، ومع ذلك يسلم بها، ويمكن أن تستخلص منها نتائج لا يرفضها العقل.
    مطلق :أ – من الناحية الإصطلاحية : ما كان بلا قيد أو بلا وثاق.
    ب – في المنطق: م لا يتوقف إدراكه على غيره ويقابل المضاف.
    ج – في الأخلاق والسياسة: ما لا يحده حدّ ولا يقيده قيد ومنه الخير المطلق والسلطة المطلقة.
    مادية: أ – بوجه عام : مذهب يرد كل شيىء إلى المادة، فهي أصل ومبدأ أوّل وعرف من قديم وبدت آثاره من نزعات فلسفية وسياسية مختلفة، ويقابل الروحية والمثالية.
    ب – سيكولوجيا: مذهب يردّ أحوال الشعور الى الظواهر الفيزيولوجية.
    ج – أخلاقيا: نزعة إلى أن الخيرات المادية وحدها هي التي يجدر بالإنسان أن يسعى وراءها.
    – علم التاريخ: مصطلح وضعه إنجلز للدلالة على مذهب كارل ماركس ويتلخص في أن الوقائع الإقتصادية هب أساس كل الظواهر الإجتماعية وتقابل المثالية التاريخية.
  • الماركيوزية: نسبة الى هربرت ماركيوز هربرت ماركيوز (Herbert Marcuse) فيلسوف ألماني، فرّ من البطش النازي وعاش في أمريكا بعد عام 1934. كان ماركيوز عضواً في مدرسة فرانكفورت (Frankfurt School) وقد تبنى فكرة التغيير الاجتماعي ودافع عنها دفاعاً كبيرا،ً ولهذا كان في الستينات رمزاً لليسار الجديد، وللعديد من الثوريين في ألمانيا وأوروبا. لقد شكل كتابه “الأيروس والحضارة” (Eros and Civilization )، الذي نشر في عام 1955، محاولة واضحة من قبله للدمج بين أفكار فرويد وماركس. وقد أشتهر ماركيوز بشكل خاص بسبب تحليله لطبيعة طغيان المجتمع الحديث، حين يكون رأسماليا، كما هو ظاهر في كتابه “الرجل ذو البعد الواحد” (One-Dimensional Man)، الذي صدر في العام 1964، أو شيوعياً كما ظهر في كتابه “الماركسية السوفيتية ( Soviet .Marxism 1958 )
    الماهية :Essence:طبيعة الشيء الخاصة اي ما ينتمي لزوماً الى تعريف ذلك الشيء .(ضدها العرض اي ما لا يشكل جزءاً من ماهية او تعريفاً بشيء ما )
    مطلق:Absolu: ينعت به الشيء الذي لا يتعلق في وجوده بشيء آخر غير ذاته .(يقابله النسبي :الذي يشار به الى ما ليست له دلالة الا في علاقته بشيء آخر غيره ).
    المعيار :Norme:نموذج متحقق أو صياغة مجردة لما ينبغي ان يكون عليه الشيء .وقد يتخذ ذلك النموذج او تلك الصياغة كسند لاصدار حكم قيمة على ذلك الشيء.
    المفهوم :Concept: فكرة مجردة وعامة : مجردة لأنها تتجاوز واقعاً ملموساً وخاصاً، وعامة لأنها تغطي كل الوقائع التي تملك نفس الخصائص.(حين نفكر في مفهوم الحرية مثلاً لا يعني ذلك التفكير في فعل حر خاص ، وإنما نعني التساؤل حول مدلول فكرة تستعمل بالنسبة لوضعيات مختلفة ومتعددة )
    منطقي – منطق:Logique: ما يحترم قواعد الإستدلال . مجال معرفي يهتم بشروط صلاحية الإستدلال بشكل مستقل عن مضمون قضايا هذا الإستدلال .(مثال :اذا كانت أ=ب، فمن المستحيل منطقياً ان تكون أ # ب ).
    الميتافيزيقا:Metaphisique: النعت ميتافيزيقي يخص كل تفكير يتجاوز التجربة والمعرفة العلمية ، وبشكل أدق تعني مجالاً من مجالات الفلسفة ، يتساءل عن أسس الوجود او المعرفة وذلك في استقلال عن اي شيء موجود او عن اي معرفة خاصين .إنها تفكير بالعلل والمبادئ الاولى .
  • نسق:لغة، ما كان على نظام واحد في كلّ شيىء، في الفلسفة والعلوم النظرية، جملة أفكار متآرزة ومرتبطة بدعم بعضها بعضا مثل نسق أرسطو ونسق ديكارت والنسقيّ هو الذهين النسقيّ والذهن النسقاني هو التشبث بفكرة سابقة.وفي علم الإجتماع هو الطريقة التي تنتظم بها مجموعة من الخيارات.
    نشأة الكون cosmogonie : عرض لأصل العالم…واستمرت البحوث حتى نظرية الانفجار العظيم
    النظرية: نسق من المعرفة المعممة وتفسير للجوانب المختلفة للواقع . وللاصطلاح “نظرية” تضمينات مختلفة كنقيض للممارسة أو للغرض (أي المعرفة الافتراضية غير المحققة) تختلف عن الممارسة. ما دامت تعكس الواقع روحيا أو عقليا وتردده. وهى في الوقت نفسه ترتبط إرتباطا لا ينفصم بالممارسة الي تضع مشكلات ملحة أمام المعرفة وتتطلب أن نحلها. ولهذا السبب فإن الممارسة جزء لا يتجزأ من كل نظرية. وكل نظرية مركبة في بنائها. فمثلا يمكن التمييز في النظريات الفيزيقية بين جزأين: الحسابات الصورية والمعادلات الرياضية والرموز المنطقية والقواعد ، الخ. والتفسير الموضوعي (المقولات والقوانين والمبادئ). وبناء ومعالجة هذا الجزء “الموضوعي” من النظرية يرتبطان بفلسفة العلم وبمبادئ منهجية معينة في تناول الواقع. وتتحدد النظريات العلمية الطبيعية والاجتماعية على السواء بالظروف التاريخية الي تنشأ فيها، وبالمستوى المعين تاريخيا للانتاج والتكنولوجيا والتجربة والنظام الاجتماعي السائد الذي قد يحبذ – أو على العكس قد يعوق – خلق النظريات العلمية. ومن ثم فإنه بينما تظهر النظرية كتعميم للنشاط المعرفي ونتائج الممارسة، فإنها تفضي إلى تحويل الطبيعة والحياة الاجتماعية. ومعيار قيمة صدق النظرية هو الممارسة .
  • نهضة: انبعاث أدبي أو فني أو فكري يحمل طابع الأصالة والتجديد.
    النزعة النسبيةRelativisme:مذهب فلسفي يؤكد على نسبية المعرفة وعلى طابعها غير الإطلاقي في مقابل الوثوقية او الدوغمائية ، والنزعة الشكية .
    النفعية :Utilitarisme:مذهب فلسفي اقترحه الانكليزيان بنثام(1748-1832) وستيوارت مل (1806-1873)ومفاده ان القيمة الأساسية هي النافع ، اي ان الانسان لا يتصرف الا وفقاً لما هو الأكثر نفعاً بالنسبة له .
    الوثوقية :Dogmatisme: تشير بشكل شائع الى موقف يقوم على :
    – إثبات رأي دون تبرير
    – رفض كل نقاش
    – تأكيد إمكانية الحصول على معرفة مطلقة .
    – الوجودية :Existentialisme مذهب فلسفي يجعل من الوجود الانساني مركز تفكيره. تنطلق الوجودية من مسلمة حرية الانسان المطلقة ، وترفض القول بالحتمية .(بالنسبة لرائده الفرنسي جان بول سارتر (1905-1980)، ليست للإنسان طبيعة او ماهية خاصة، “فالإنسان ليس شيئاً آخر غير ما يصنعه بنفسه”.
    – الوضعية :Positivisme
    مذهب فلسفي مؤسس من قبل أوغست كونت (1798-1857) ، يقوم على اقتراح التخلي عن كل مقاربة ميتافيزيقية للواقع ، والإقتصار على الدراسة العلمية للظواهر وفق القوانين التي تتحكم بها.

الدلائل العقلية التي يقوم عليها الإيمان بالله

لِمَ قد نحتاج لأدلة عقلية على وجود الله
وأصل ذلك: أن الواقع يشهد بتلوث بعض الفطر؛ لذلك نحتاج الدلائل العقلية لرد الإنسان إلى فطرته، وترسيخ ما يتعلق بها، إذ أننا بحاجة إلى التذكير بهذه المعرفة الفطرية وإزاحة الغبار عنها، مع التأكيد على أننا لسنا بصدد إحداثها، إذ أنها أمور حاصلة في النفس-كما بيَّنا-ابتداءً. كما أنَّ البعض لا يكفيه فقط هذه الدلائل الفطرية على وجود الخالق، فمن أجل هذا أرسل الله الرُسل وأيَّدهم بالأدلة على صدق دعواهم.

«رُسُلا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا»[1]

الدلائل العقلية على وجود الله
وفي هذا السياق لا بد من التنبيه على خطورة الاستدلال بالأدلة الخاطئة أو الضعيفة أو غير المحررة؛ لأن هذا النوع من الأدلة لا ينفع الحق، وإنما يضعف من جانبه، فالمخالفون للحق، سيركزون أنظارهم على هذا النوع من الأدلة، ويعرضون عن الأدلة المستقيمة الصالحة، والحق لا يحتاج في انتصاره إلى كثرة الأدلة بقدر ما يحتاج إلى قوة الأدلة وتماسكها وانضباطها.[2]

«فدليل واحد صحيح المقدمات سليم عن المعارضة خير من عشرين دليلًا مقدماتها ضعيفة»[3]

وسنذكر هنا أهمَّ وأقوى دليلين يعتمدهما المسلمون للتدليل العقلي على وجود الله-دليل الخلق والإيجاد، ودليل الإحكام والإتقان-:

دليل الخلق والإيجاد
يقوم هذا الدليل على الاستدلال بحدوث الكون بعد أن لم يكن على ضرورة وجود خالق عليم أحدث هذا الكون، فالكون حَدَثٌ من الأحداث، فلا بد له مِن مُحدِث يقوم بإحداثه وفعله وإيجاده من العدم.

مقدامات هذا الدليل
الكون حادث من العدم ليس قديمًا.
كل حادِثٍ لا بد له مِن مُحدِث، أو كل ما له بداية فلا بد له من سبب.
إثبات المقدمة الأولى (الكون حادث من العدم ليس قديمًا)
تقول المقدمة الأولى «الكون حادث من العدم ليس قديمًا»، ومعنى تلك المقدمة أن هذا الكون الذي نراه بجميع مكوناته من بشر ونبات وحيوان وأنهار وجبال… ليس قديمًا أزليًّا، بل له بداية لوجوده، خُلق فيها وانتقل بموجبها من العدم إلى الوجود.

ولتدليل على صحة هذه المقدِّمة-والتي يُدركها الإنسان أصلًا-فنحن بحاجة إلى إثبات حدوث بعض مكونات الكون المعلومة بالمشاهدة الحسية، ومن ثمَّ الاستدلال على هذا الحدوث بحدوث الكون كاملًا، وحينها نستدل بهذا الحدوث على وجود خالق لهذا الكون.

يقول أبو سليمان الخطابي: «فمن أوضح الدلالة على معرفة الله سبحانه وتعالى-على أن للخلق صانعًا ومدبرًا-أن الإنسان إذا فكر في نفسه رآها مدبرة، وعلى أحوال شتى مصرفة، كان نطفة ثم علقة، ثم مضغة؛ ثم عظامًا، ولحمًا، فيعلم أنه لا ينقل نفسه من حال النقص إلى حال الكمال، لأنه لا يقدر أن يحدث في الحال الأفضل، التي هي حال كمال عقله، وبلوغ أشده عضوًا من الأعضاء، ولا يمكنه أن يزيد من جوارحه جارحة، فيدله ذلك على أنه في وقت نقصه، وأوان ضعفه عن فعل ذلك أعجز؛ وقد يرى نفسه شابًّا، ثم كهلًا ثم شيخًا، وهو لم ينقل نفسه من حال الشباب والقوة إلى حال الشيخوخة والهرم، ولا اختاره لنفسه، ولا في وسعه أن يزايل حال المشيب ويراجع قوة الشباب، فيعلم بذلك أنه ليس هو الذي فعل هذه الأفعال بنفسه؛ وأن له صانعًا صنعه، وناقلًا نقله من حال إلى حال، ولولا ذلك لم تتبدل أحواله بلا ناقل ولا مدبر.»[4]

Embed from Getty Images

ومع تطور العلوم التجريبية لم يزدد المسلمون إلَّا إيمانًا بصدق تصورهم ومعتقدهم، إذ أثبتت تلك العلوم في عدد من الاكتشافات الحديثة أن الكون حادِثٌ بعد أن لم يكن، وسنتناول باختصار بعض هذه النظريات ودلالتها القوية على حدوث الكون بعد أن كان عدمًا.

نظرية الانفجار الكبير
وأقوى هذه النظريات وأكثرها دلالة على حدوث الكون، وأكثرها حظوة وحضورًا في المجال العلمي هي نظرية الانفجار العظيم، والتي تثبت ضرورة وجود بداية للكون، يقول العالم الفلكي الشهير ستيف هاكنغ: «إن إدوين هابل أجرى سنة 1929م مشاهدة تعد علامة طريق هي أنك حيثما وجهت بصرك، تجد المجرات البعيدة تتحرك بسرعة بعيدا عنا. وبكلمات أخرى فإن الكون يتمدد. ويعني هذا أن الأشياء كانت في الأوقات السالفة أكثر اقترابا معًا. والحقيقة أنه يبدو أنه كان ثمة وقت منذ حوالي عشرة أو عشرين ألف مليون سنة، حيث كانت الأشياء كلها في نفس المكان بالضبط، وبالتالي فإن كثافة الكون وقتها كانت لا متناهية. وهذا الاكتشاف هو الذي أتى في النهاية بمسألة بداية الكون إلى دنيا العلم»[5]

Embed from Getty Images

والأقوال في هذا كثيرة والأدلة العلمية أكثر من أن تُحصى، ولكن سنشير إلى بعض المصادر لمن أراد أن يطلع على المزيد من الدلائل على هذه الحقيقة:

ستيفن هوكنج، موجز تاريخ الزمان.
كريسي موريسون، الله يتجلى في عصر العلم (العلم يدعو إلى الإيمان).
أدلة وجود الله عز وجل– دليل الحدوث – (1/4)
هارون يحيى، خلق الكون من العدم والانفجار الكوني الكبير.
م. عبد الله العجيري، شموع النهار.
د. سلطان العميري، ظاهرة نقد الدين في الفكر الغربي الحديث.
إثبات المقدمة الثانية (كل حادِثٍ لا بد له مِن مُحدِث، أو كل ما له بداية فلا بد له من سبب.)
تقول المقدمة الثانية: «كل حادِثٍ لا بد له مِن مُحدِث، أو كل ما له بداية فلا بد له من سبب»، وهذه المقدمة من المبادئ العقلية الضرورية، والتي لا يُفضَّلُ الخوض كثيرًا في إثباتها، إذْ أنها حاصلة في النفس من غير توسط نظر ولا استدلال. فمن ذا الذي يُنكر أنَّ هناك حدثًا يُمكن حدوثه بلا سبب، أو أنَّه يمكن ترجيح أمرٍ على أمرٍ دونما سبب للترجيح؟!

دليل النظم والإحكام
وهو دليل سهل قريب المأخذ، إذ يعتمد في إثباته على ما نشاهده في الكون من إحكام وإتقان، يمكننا وفقًا للمبادئ العقلية الضرورية إلى القول بضرورة وجود خالق أوجد هذا الإتقان وصمم الكون ليُلائم الحياة ويكون على هذا النحو، ولا بُدَّ لذلك الخالق أن يتصف بالعلم والحكمة والقدرة.

مقدمات الدليل:
الكون مُحكمٌ مُتقَن في خلقته.
الإتقان والإحكام لا بد له من فاعل. (وطريقة إثباتها هي ذات الطريقة التي اتبعنا في إثبات كل حادِثٍ لا بد له مِن مُحدِث)
إثبات المقدمة الأولى (الكون مُحكمٌ مُتقَن في خلقته.)
تقول المقدمة الأولى: «الكون مُحكمٌ مُتقَن في خلقته.»، وتعني أن الكون رُكِّب وعُدِّل في صورة معقدة يصعب اختزالها إلى مكونات أولية، فحتى أبسط مكونات الكون فهي تحمل في ذاتها قدرًا من الإتقان يستحيل اختزال إحداث هذا الإتقان ونسبته إلى الصدفة.

ويمكننا الاستدلال على ما في الكون من إحكام وإتقان من خلال اتجاهين: 1- ما نشاهده من صرامة وإتقان في الكون. 2- ما أثبتته العلوم الطبيعية من دقة الثوابت الكونية التي يؤدي أي تغير طفيف فيها إلى كوارث طبيعية.

دلائل المبادئ الحسية على الإتقان في الكون
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «إذا تأملت هيئة هذا العالم ببصرك، واعتبرتها بفكرك، وجدته كالبيت المبني المُعدّ فيه جميع ما يحتاج إليه ساكنه من آلة وعتاد، فالسماء مرفوعة كالسقف، والأرض مبسوطة كالبساط، والنجوم منضودة كالمصابيح، والجواهر مخزونة كالذخائر، وضروب النبات مهيأة للمطاعم والملابس والمآرب، وصنوف الحيوان مسخرة للمراكب، مستعملة في المرافق، والإنسان كالمُمَلّك البيت، المخول ما فيه. وفي هذا كله دلالة واضحة على أن العالم مخلوق بتدبير وتقدير ونظام وأن له صانعًا حكيمًا تام القدرة بالغ الحكمة»[6]

Embed from Getty Images

دلائل العلم التجريبي على ما في الكون من إحكام وإتقان
وليس أسهل من التدليل على هذا الباب، فالثوابت الكونية وما فيها من دقة متناهية تقف رادعة لكل من يحاول إن ينسب هذا الإحكام والإتقان إلى مجرد الصدفة، فلنبدأ أولًا بثابت الجاذبية (والذي يختلف عن عجلة الجاذبية)، والذي يبلغ G= 6.67408 × 10-11 m3 kg-1 s–2 فتغيير طفيف في هذه النسبة كفيل إلى أن يقلب حياتنا رأسًا على عقب.

فهو مسئول مع القوة الطاردة المركزية عن استمرار الكوكب في مداره لا يبعد ولا يقترب من الشمس، وكذلك سرعة دوران الكوكب حول الشمس، والتي تبلغ درجة حرارة سطحها-الفوتوسفير-حوالي 10000 فهرنهايت (أي ما يُعادل 5500 درجة سيليزيوس مئوية) فيما تبلغ درجة حرارة القلب حوالي 27 مليون درجة فهرنهايت (15 مليون درجة سيليزيوس مئوية)، وتِبعًا لهذا الإتقان تبعد الشمس عنَّا 149.6 مليون كيلومتر.[7]

فَلَكَ أن تتخيل ما سيُحدثه أي تغير طفيف في نسبة من هذه النسب! انتهيت من التخيل؟ اعلم أنَّ هناك من يعتقد بأن هذه الثوابت ما هي إلا مجرد أرقام نشأت نتيجة الصدفة!

«أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَءلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ»[8]

بعض المصادر لمن أراد أن يطلع على المزيد من الدلائل على هذه الحقيقة:

كريسي موريسون، العلم يدعو إلى الإيمان (الإنسان لا يقوم وحده).
بول ديفيز، الجائزة الكبرى لماذا الكون مناسبًا للحياة.
ومن ثَمَّ يمكننا التأكيد على أنَّ الإيمان بوجود الله ليس قضية عاطفية محضة، وليس إثباتنا لوجوده وكماله هو من باب سدِّ الفجوات كما يدعي الملحدون مُلوَّثي الفطرة، بل هو إيمانٌ قائم على أصولٍ وثوابتٍ ومقاصد.

استخلص المسلمون عددًا كبيرًا من البراهين والأدلة على وجود الله. نذكر منها باختصار هذه الأدلَّة:

♧♧♧♧◇♧◇◇◇◇◇♧♧♧♧♧♧♧♧

  1. أنَّ العالَم موجود بالفعل أمام حسِّنا ونظرنا، إذن لا بُدَّ من وجود إله له. فلكُلِّ حَدَثٍ مُحدِثٌ أحدثه؛ أيْ أنَّه إذا كان شيء موجودًا فلا بُدَّ له من مُوجِد. العقل الإنسانيّ لا يقبل إلا بهذا، فلا يرتكن إلى أنَّ شيئًا قد أُوجِدَ هكذا وحده. مثلًا: كلّ هذه المُدن والدول والعمران على الكرة الأرضية، هل وُجدتْ وحدها هكذا؟! أمْ أنَّ الإنسان قد بناها وعمَّرها؟.. بالقطع لا يصلح عقلًا تصوُّر أنَّها وُجدت هكذا وحدها بلا مُوجِد، لا يقبل العقل البشريّ هذا الفرض. لذلك كلُّ شيء حولنا هناك مَن أوجده. وبما أنَّ الكون موجود إذن فله خالق خلقه وأوجده.

ولعلَّ هذا الدليل هو نفسه الذي ورد في الأثر المشهور عندما سُئِلَ أعرابيٌّ لِمَ أنت مؤمن بالله؟ فقال: إنَّ البَعرة (مُخلَّفات الماشية) تدلّ على البعير، وإنَّ الأثر يدلّ على المَسير. وهنا نستخدم قياسًا منطقيًّا وأصوليًّا يُسمَّى “قياس الأعلى” أو “قياس الأَوْلَى”؛ فهو يقصد إذا كان مجرَّد رَوَث البهائم يدلُّنِي على أنَّها قد مرَّتْ، ومجرَّد الآثار على الأرض تدلُّني على أنَّ قافلة كانت هُنا؛ فلا بُدَّ لهذا الكون الهائل أنْ يدلَّني على وجود خالق بالأَوْلَى أيْ بالتصوُّر الأَوْلَى. ويُشبه هذا الدليل دليلًا يُسمَّى “برهان الحدوث” فإذا اعتبرنا أنَّ الكون حادث -أيْ ليس قديمًا- فلا بُدَّ له من مُحدِث.

  1. ولعلَّ سؤالًا يُراوِد العقل الآن؛ إذا كُنَّا نقول إنَّ “لكُلّ حدَثٍ مُحدِث”، و”لكُلّ وجود مُوجِد”؛ فمَن أوجد الله؟! ومَن خلقه؟! وبالقطع السؤال يُفسِد نفسَه بمُجرَّد قراءته: مَن خلق الله؟ لا إجابة عنه لسبب بسيط جدًّا هو أنَّ “الله” ليس مخلوقًا أصلًا لنبحث له عن خالق بل هو خالق كلّ شيء، و”الله” ليس موجودًا كبقيَّة الموجودات لنبحث له عن مُوجِد فالسؤال فاسد أصلاً وفرعًا..

وهذا يقودنا إلى الدليل الثاني الذي يعتمد على مبدأ “السببيَّة”؛ وهي أنَّ الكائنات وأفعالها التي على قيد الحياة -إنسانًا أو غيره- مُمكنة الحدوث. دعونا نشرح الأمر بمثال تبسيطيّ: مثلًا: أنتَ في يومك من المُمكن أنْ تذهب إلى العمل ومن المُمكن ألَّا تذهب، من المُمكن أنْ تشرب قهوة ومن المُمكن ألَّا تشرب، من المُمكن أنْ تُحادث صديقك ومن المُمكن ألَّا تُحادثه. كلُّ هذه تسمى “أحداثًا مُمكِنة الحدوث”.

والأحداث مُمكنة؛ بمعنى أنَّك مُمكن أنْ تفعلها، ومُمكن ألَّا تفعلها. فمَن أحدثها ومَن أمكَنَ حدوثَها؟ إنَّه قرارُك بإحداثها. فكذلك الكون نرى كلَّ ما فيه مُمكن الحدوث أيْ من المُمكن أنْ يقع ومن المُمكن ألَّا يقع، بدليل فنائه أمام أعيننا. وذلك يقودنا إلى أنَّ هناك مُرجِّحًا لهذا الكون هو مَن أحدث هذا المُمكن وجعله يحدث بإرادة مُنفردة منه وهو “الله”.

يجب أنْ تنتهي هذه المُمكنات إليه؛ حيث كانَ مُوجِدَها جميعًا، لكنَّه غير مُمكن الوجود، بل هو “واجب الوجود”؛ أيْ إنَّ وجوده ثابت له، غير آتٍ من أيّ سبب آخر، بل هو سبب في وجود كلّ هذه المُمكنات. وهو مُغايِر تمامًا لكلِّ المخلوقات؛ لذلك يستطيع أنْ يخلقها ويُحدثها، وأنْ يبثَّ فيها الحياة. لذا لا بُدَّ أنْ يكون قائمًا بذاته، لا يحتاج إلى مُوجِد، ووجوده لازمٌ وحتميٌّ، وهو مصدر كلّ هذه الموجودات المُمكنة. هذا الواجب هو “الله”. وهذا برهان يسمى بـ”برهان الواجب والممكن”.

  1. الكون بموجوداته يتحرَّك، بل هو في حركة دائمة. إنَّ كلَّ ما في الكون يتحرَّك، في حركة دائمة حتى الموت. الإنسان يُولَد -وهذه حركة- ويتحرَّك حتى الموت. وكذلك النبات والحيوان، والجمادات، والأفلاك. كلّ شيء في الكون يتحرَّك حتى يأتي وقتٌ فيقف عن الحركة. ثُمَّ يبدأ نظيرٌ له بالتحرُّك أيضًا. مليارات العناصر تُولَد وتتحرك وتموت في الكون كلَّ يوم.

ولا بُدَّ لهذه الحركة من مُحرِّك، لا بُدَّ لها من بدء، من قوة تحرِّكها ابتداءً وتُباشر هذه الحركة الدائبة. العقل لا يقبل فكرة أنَّ شيئًا يتحرَّك وحده دون مُحرِّك. هذا المُحرِّك هو “الله”. وهذا يُسمى “برهان الحركة”.

وجود الله وجود الله.. كيف أثبته المسلمون بالعقل؟! 3

  1. يتصل بالدليل السابق وجوب فعل “الموت” بكلّ الكائنات التي تحيط بنا، وبالقطع كلّ البشر. يكون هذا الموت في صورة ذهاب الرُّوح في الكائنات التي بها رُوح، ويكون في صورة البلاء والفناء -أيْ أنْ يبلى الشيء وتزول صفته وتتحلَّل مكوناته- في الجمادات التي تخلو من الرُّوح.

يدلّ هذا الموت الذي يلحق كلّ الكائنات عقلاً أنَّ هناك مُؤقِّتًا لهذا الموت يضع له ميقاته المُعيَّن المُحدَّد، وهناك واهب حياة هو الذي يقدر على سلبها كما وهبها. هذا المُدبِّر المُؤقِّت هو وحده الذي لا يموت ولا يفنى. فضلاً عن أنَّ وجود الموت نفسه يشير إلى أنَّ للإنسان مهمة ولكلّ مخلوق يدركه الموت مهمة خُلق من الأصل ليقوم بها.

  1. وهنا يتأمل المفكرون في الكون فيجدون أنَّه مُرتَّب مُنظَّم تمامًا. وأنَّ ترتيبه وتنظيمه لا بُدَّ يدلُّ على وجود مُرتِّب ومُنظِّم له، قام بهذا الترتيب والتنظيم. فلا يمكن تصوُّر التنظيم بلا مُنظِّم وضع هذا النظام، وهو يقوم على شئونه. فمثلًا: إذا دخلتَ غرفتك فوجدتها مُرتَّبةً مُنظَّمةً، وقد تركتَها على غير هذا الوضع. لا تتعجب ولا يثيرك هذا؛ لأنَّك تعرف أنَّ لك أمًّا أو زوجةً أو أخًا أو.. قد صنع هذا. لذلك عندما نرى الكون مُرتَّبًا مُنظَّمًا لا بُدَّ أنْ نعرف أنَّ هناك سببًا لترتيبه؛ هو “الله” .. وهذا “برهان الترتيب”.
  2. ولكنْ إذا أمعنَّا النظر إلى هذا الترتيب في الكون سنجد عنايةً خاصةً بالإنسان عن باقي الكائنات. فالإنسان خُلق وهو ضعيف هزيل. ولكن خُلقتْ له غريزة أمومة وأبوُّة في أبوَيْه يشدُّان -مدفوعَيْن بتلك الغريزة- من أزره حتى يقوى، وخُلق معه العقل الذي يستخدمه ليسخِّر العالَم ويفهمه. وخُلقت الكائنات في دوراتها المختلفة لتؤدي لهذا الإنسان أدوارًا عدةً في حياته تساعده على معيشته. فكلُّ ما يحتاجه في الكون موجود، بل الإنسان مُهيَّأ لاستغلاله في صالحه؛ وكأنَّ الكون يدور حوله وحول فكرة وجوده هنا على الأرض.

ولا بُدَّ أنْ يكون هناك مُدبِّر مُعتنٍ بالإنسان قد وضع هذا التصوُّر الذي يراه الإنسان بأمّ عينه صباح مساء. مُدبِّر جعل في الأرض خليفة هو “الإنسان”. هذا المُدبِّر هو “الله”. وهذا دليل يسمى “برهان العناية الإلهيَّة”. وهو من أكثر الأدلة التي اعتمد عليها المفكرون المسلمون.

وهناك براهين أخرى اعتمد عليها المفكرون ليثبتوا وجود “الله“؛ مثل: “الوحدة والكثرة”، “المادة والصورة”، “الاختراع”، “التناسل”. لكنها تفريعات على هذه البراهين السابقة.

ولعلَّنا نجد تلك الأدلَّة منطبقةً على تصوُّر “الله” -تعالى- في الكون، بل مجموعها يقود إلى الكلمات القرآنيَّة: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) يخلُفُهُ بمعرفته، وإيمانه به، وعبادته إيَّاه.. فسبحان مَن بيده المُلك.

الملامح الاخلاقية في سيرة الامام الفقيه الأصولي الأندلسي شافعي المذهب، الإمام أبو حامد الغزالي ت 505ه

صورة متخيلة لحياة أبي حامد الغزالي ت505ه

جمع الإمام الغزالي بين الريادة الفلسفية والموسوعية الفقهية والنزعة الصوفية الروحية، اتسم بالذكاء وسعة الأفق وقوة الحجة وإعمال العقل وشدة التبصر، مع شجاعة الرأي وحضور الذهن، كل ذلك أهّله ليكون رائدا في تلك العلوم المختلفة والفنون المتباينة؛ فكان الغزالي فيلسوفا وفقيها وصوفيا وأصوليا، يحكمه في كل تلك العلوم إطار محكم من العلم الوافر والعقل الناضج والبصيرة الواعية والفكر الراشد، فصارت له الريادة فيها جميعا، وأصبح واحدا من أعلام العرب الموسوعيين المعدودين.

الميلاد والنشأة

ولد أبو حامد الغزالي بن محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الغزالي بقرية “غزالة” القريبة من طوس من إقليم خراسان عام (450هـ = 1058م)، وإليها نسب الغزالي. ونشأ الغزالي في بيت فقير لأب صوفي لا يملك غير حرفته، ولكن كانت لديه رغبة شديدة في تعليم ولديه محمد وأحمد، وحينما حضرته الوفاة عهد إلى صديق له متصوف برعاية ولديه، وأعطاه ما لديه من مال يسير، وأوصاه بتعليمهما وتأديبهما.

اجتهد الرجل في تنفيذ وصية الأب على خير وجه حتى نفد ما تركه لهما أبوهما من المال، وتعذر عليه القيام برعايتهما والإنفاق عليهما، فألحقهما بإحدى المدارس التي كانت منتشرة في ذلك الوقت، والتي كانت تكفل طلاب العلم فيها.

ودرس الغزالي في صباه على عدد من العلماء والأعلام، أخذ الفقه على الإمام أحمد الرازكاني في طوس، ثم سافر إلى جرحان فأخذ عن الإمام أبي نصر الإسماعيلي، وعاد بعد ذلك إلى طوس حيث بقي بها ثلاث سنين، ثم انتقل إلى نيسابور والتحق بالمدرسة النظامية، حيث تلقى فيها علم أصول الفقه وعلم الكلام على أبي المعالي الجويني إمام الحرمين ولازمه فترة ينهل من علمه ويأخذ عنه حتى برع في الفقه وأصوله، وأصول الدين والمنطق والفلسفة وصار على علم واسع بالخلاف والجدل.

وكان الجويني لا يخفي إعجابه به، بل كان دائم الثناء عليه والمفاخرة به حتى إنه وصفه بأنه “بحر مغرق”.

بزوغ شمس الغزالي

استقر المقام بالغزالي في نيسابور فترة طويلة حيث تزوج وأنجب، وظل بها حتى توفي شيخه الإمام الجويني في عام (478هـ = 1085م) فغادرها وهو لم يتجاوز الثامنة والعشرين من عمره.

خرج الغزالي إلى “المعسكر” فقصد الوزير السلجوقي “نظام الملك” الذي كان معروفا بتقديره العلم ورعايته العلماء.

واستطاع الغزالي أن يحقق شهرة واسعة بعد أن ناظر عددا من الأئمة والعلماء وأفحم الخصوم والمنافسين حتى اعترفوا له بالعلم والفضل، فارتفع بذلك ذكره وذاع صيته، وطار اسمه في الآفاق.

واختاره نظام الملك للتدريس بالمدرسة النظامية في بغداد فقصدها في سنة (484هـ = 1091م) وكان قد بلغ الرابعة والثلاثين من عمره، وقد استُقبل فيها استقبالا حافلا، وكانت له مهابة وجلال في نفوس العامة والخاصة، حتى غلبت حشمته الأمراء والملوك والوزراء.

وصرف الغزالي همته إلى عقد المناظرات، ووجّه جهده إلى محاولة التماس الحقيقة التي اختلفت حولها الفرق الأربعة التي سيطرت على الحياة الفكرية في عصره وهي: “الفلاسفة” الذين يدّعون أنهم أهل النظر والمنطق والبرهان، و”المتكلمون” الذين يرون أنهم أهل الرأي والنظر، و”الباطنية” الذين يزعمون أنهم أصحاب التعليم والمخصوصون بالأخذ عن الإمام المعصوم، و”الصوفية” الذين يقولون بأنهم خواص الحضرة الإلهية، وأهل المشاهدة والمكاشفة.

رحلة البحث عن الحقيقة

غلاف كتاب إحياء علوم الدين

وسعى الغزالي جاهدا ليتقصى الحقيقة بين تلك الفرق الأربعة؛ فدرسها بعمق شديد حتى ألم بها وتعرف عليها عن قرب، واستطاع أن يستوعب كل آرائها، وراح يرد عليها الواحدة تلو الأخرى. وقد سجل ذلك بشكل مفصل في كتابه القيم “المنقذ من الضلال”، ولكنه خرج من تلك التجربة بجرعة كبيرة من الشك جعلته يشك في كل شيء حتى مهنة التدريس التي أعطاها حياته كلها، وحقق من خلالها ما بلغه من المجد والشهرة والجاه، فلم تعد لديه الرغبة في أي شيء من ذلك.

وظل الغزالي على تلك الحال من التردد نحو ستة أشهر حتى قرر مغادرة بغداد، وفرّق ما كان معه من مال ولم يدخر منه إلا قدر الكفاف وقوت الأبناء.

واتجه إلى الشام حيث أقام بها نحو عامين، فكان يقضي وقته معتكفا في مسجد دمشق، لا شغل له إلا العزلة والخلوة والرياضة الروحية ومجاهدة النفس والاشتغال بتزكيتها وتهذيب الأخلاق، وتصفية القلب لذكر الله تعالى.

ثم انتقل من دمشق إلى بيت المقدس فكان يدخل مسجد الصخرة كل يوم ويغلق الباب على نفسه وينصرف إلى عزلته وخلوته.

وهناك بدأ في تصنيف كتابه الشهير إحياء علوم الدين، ثم ما لبث أن عاد مرة أخرى إلى دمشق ليعتكف في المنارة الغربية من الجامع الأموي، حتى إذا ما دعاه داعي الحج اتجه إلى مكة ليؤدي فريضة الحج سنة (489هـ = 1096م) ثم زار المدينة المنورة.

وعاد الغزالي من الحج إلى دمشق مرة أخرى حيث عكف على إنجاز كتاب الإحياء، وفي العام التالي رحل إلى بغداد، لكنه لم يستأنف العمل بالتدريس بها، وما لبث أن ذهب إلى خراسان وظل حريصا على الخلوة، مواظبا على حياة الزهد والتأمل وتصفية القلب لذكر الله، واستمر على تلك الحال نحو عشر سنوات، يجمع بين التمتع بالخلوة والذكر والتأمل، والأخذ بأسباب الحياة والتغلب على عوائقها، واستطاع خلالها الوصول إلى تلك الحقيقة التي راح يبحث عنها، والاهتداء إلى ذلك اليقين الذي راح يبثه في تلاميذه ومريديه: يقين الصوفية الحقة الذي استمد دعائمه من مشكاة النبوة الصافية وجوهر الإسلام الخالص.

وعندما تولى “فخر الملك علي بن نظام الملك” الوزارة في نيسابور سنة (498هـ = 1104م) عقب اغتيال أبيه على يد بعض الباطنية، ألح على الغزالي في العودة إلى التدريس في نظامية نيسابور، واستجاب له الغزالي إلا أنه لم يستمر بها أكثر من عامين؛ إذ سرعان ما ترك التدريس ثانية بعد اغتيال فخر الملك على يد أحد الباطنية في المحرم (500هـ = 1106م).

وعاد الغزالي إلى مسقط رأسه في طوس فبنى بها مأوى للطلاب والصوفية ممن يقصدونه، وظل بها فلم يبرحها حتى توفي.

صاحب رسالة

كان الغزالي منذ حداثة سنه يشعر أنه صاحب رسالة، وقد أدرك منذ صباه ذلك الصراع الدائر بين الفرق الدينية المختلفة والتيارات الفكرية المتناحرة، وهو ما حظي بقدر كبير من الاهتمام والجدل في عصره؛ ولعل ذلك ما أغراه بدراسة تلك الفرق والطوائف والتصدي لها في العديد من مؤلفاته ومناظراته.

وبالرغم من النزعة الصوفية التي سيطرت عليه طوال حياته، والتي كان لنشأته وبيئته الأولى أثر كبير في ترسيخها في عقله ووجدانه، فإنه لم ينعزل عن قضايا مجتمعه ومشكلات أمته، وإنما اهتم برصد ما يدور حوله من تيارات فكرية ومذاهب دينية واتجاهات فلسفية، وتصدى لها بالنقد والتحليل، فجمع بين روحانية الصوفية في صفاء العبادة وشفافية الوجدان وعمق الإيمان والزهد في الدنيا، وبين النزعة العقلية العلمية في النظر إلى الأمور الدنيا والدين على حد سواء، وحرية الفكر وشجاعة الرأي.

وكان الغزالي معنيًا بأمر الدين، مهتمًا بالذبّ عن العقيدة الخالصة والإسلام الصحيح، وقد تجلى ذلك في العديد من مؤلفاته مثل: المنقذ من الضلال، وفضائح الباطنية، وتهافت الفلاسفة، بل إنه في كتابه الضخم وموسوعته الكبرى “إحياء علوم الدين” يستشعر هدفا أسمى ودورا أعظم ويضع نصب عينيه غاية أبعد بأنه مجدد الدين في القرن الخامس الهجري، ويتجلى ذلك بوضوح في العنوان الذي اختاره لدرته الرائعة وكتابه الفريد “الإحياء”.

من الشك إلى اليقين

تميز الغزالي الفيلسوف بالجرأة والشجاعة والذكاء؛ فقد واجه الاتجاهات الفكرية المختلفة التي سادت في عصره بذكاء وشجاعة نادرين، وكان نقده مركزا على نقد الفرق المتطرفة من منطلق إخلاصه للإسلام، وكان في نقده لها يتسم بالنزاهة والموضوعية، وأثبت الغزالي في رده على الفلاسفة مخالفتهم للإسلام في بعض الجوانب، وحذر الناس من اتباع طريقتهم من غير مناقشة أو تمحيص، كما كشف عن أباطيل الباطنية، وفضح ضلالاتهم بعد أن درس أسرار مذهبهم وعرف حقيقة أفكارهم، وكان أمر تلك الفرقة قد استشرى واستفحل خطرهم سياسيا ودينيا، وقد أراد الغزالي من رده عليهم تحجيم خطرهم والتقليل من نفوذهم الديني والسياسي بعد تعريتهم والكشف عن زيفهم وضلالهم وتوضيح أهدافهم.

وكان الغزالي في فلسفته يعبر عن شغفه بالعلم والبحث عن الحقيقة، وقد اتبع منهجا عقليا يقوم على فكرتين أساسيتين هما: الشك، والحدس الذهني.

وقد عبر عن ذلك بوضوح في قوله: “إن العلم اليقيني هو الذي يُكشف فيه المعلوم انكشافا لا يبقى معه ريب، ولا يقارنه إمكان الغلط والوهم”.

ويعبر عن تجربة البحث عن الحقيقة التي تبدأ عنده بالشك فيقول: “فأقبلت بجدٍّ بليغ أتأمل في المحسوسات والضروريات وأنظر: هل يمكنني أن أشكك نفسي فيها؟ فانتهى بي طول التشكيك إلى أن لم تسمح نفسي بتسليم الأمان في المحسوسات أيضا”.

وهو يفسر ذلك بأنه “من لم يشك لم ينظر، ومن لم ينظر لم يبصر، ومن لم يبصر يبقى في العمى والضلال”.

وهذا المنهج الذي اتبعه الغزالي منذ أكثر من تسعة قرون شديد التشابه بما قدمه الفيلسوف الفرنسي ديكارت وهو ما يؤكد تأثره بالفيلسوف الإسلامي الكبير وأخذه عنه؛ فقد عاش الفيلسوفان التجربة المعرفية ذاتها، وإن كان فضل السبق والأصالة يظل الغزالي، فعبارة الغزالي الشهير “الشك أول مراتب اليقين” التي أوردها في كتابه “المنقذ من الضلال” هي التي بنى عليها ديكارت مذهبه، وقد أثبت ذلك الباحث التونسي “العكاك” حينما عثر بين محتويات مكتبة ديكارت الخاصة بباريس على ترجمة كتاب المنقذ من الضلال، ووجد أن ديكارت قد وضع خطًا أحمر تحت تلك العبارة، ثم كتب في الهامش: “يضاف ذلك إلى منهجنا”.

موقفه من العقل

تحول الغزالي من الفلسفة إلى التصوف بعد أن استقر في وعيه ووجدانه أن الصوفية هم السابقون لطريق الله تعالى، خاصة أن سيرتهم أحسن السير، وطريقتهم أصوب الطرق، وأخلاقهم أزكى الأخلاق.

ورأى أن التصوف هو المنهج الأفضل في تلقي المعرفة اليقينية الملائمة، وهو في تصوفه لا يهمّش العقل، ولا يقلل من دوره، بل على العكس من ذلك؛ فإن للعقل عنده دورا أساسيا في سلوك طريق التصوف؛ إذ إن العلم اللدني عنده لا يتأتى إلا بعد استيفاء تحصيل جميع العلوم، وأخذ الحظ الأوفر منها والرياضة الصادقة للنفس والمراقبة الصحيحة لله مثل التفكر الذي يفتح للمتفكر أبواب العلم ويصير به من ذوي الألباب.

والغزالي يحتج بالعقل على غلاة الصوفية القائلين بالفناء والاتحاد، ويرى أنه قد ينكشف للصوفي ما لا يمكن للعقل إدراكه، ولكن ليس من الممكن أن ينكشف له شيء يحكم العقل باستحالته، فالعقل عنده هو الميزان الذي قيضه الله للإنسان لقياس مدى صدق معارفه ووضع الحدود لها، ومن ثم فإنه ليس ثمة تعارض بين مقتضيات التعقل، وشئون الإيمان الديني. ويرى أن من لم تكن بصيرته الباطنية ثاقبة فلن يعلق به من الدين إلا قشوره. أما في مسائل الإلهيات والغيب فيقرر أنه ليس للعقل دور أكثر من تقبلها والتسليم بصدقها.

ومما لا شك فيه أن الغزالي قد ساهم بتلك العقلية الواعية في تنقية التصوف من كثير من البدع والانحرافات، وأعطى التصوف والحياة الروحية بعدا عقليا جديدا، وإذا كان الإمام الأشعري قد خلّص علم الكلام من السفسطة الساذجة للمتكلمين القدامى المقتدين بالجدل اليوناني، فإن الإمام الغزالي قد أكد للإسلام قوة الحياة الدينية بتقرير الاعتراف بما نبت فيها من تصوف، وأسسه تأسيسا فلسفيا.

الغزالي والتربية الخلقية

تهدف التربية الخلقية عند الإمام الغزالي إلى تحقيق بعض الغايات والأهداف التي تؤدي إلى رفع المستوى الروحي والخلقي والفكري والاجتماعي والسياسي للفرد والمجتمع، ومن تلك الأهداف التي حرص الغزالي على تحقيقها.

1- الكمال الإنساني: وذلك بارتقاء النفس الإنسانية من مجال الحس إلى مجال التفكير، والارتقاء بالإنسان من مستوى الخضوع للأهواء والشهوات إلى مقام العبودية لله، حتى تصل إلى حالة تطل بها على عالم الغيب، فتطّلع على الحقيقة، وتصل إلى أقصى مراتب الكمال الإنساني باقترابها من الخالق سبحانه وتعالى.

2- تربية النفس على الفضيلة: فقد ركز الإمام الغزالي على أساسيات الفضائل، واعتبرها أربعة هي: الحكمة والشجاعة والعفة والعدل.

ويرى أن تحقيق الفضيلة إنما يكون من خلال تصفية القلب لذكر الله تعالى، والعمل على تزكية النفس وتهذيب الأخلاق.

ويؤكد الغزالي على أهمية الفضائل ودورها في ضبط قوى النفس الإنسانية، وتنمية الاستعدادات الفطرية الخيرة فيها.

3- تهذيب قوى النفس الإنسانية: وهو يرى أن ذلك لا يعني قمع نزعاتها وغرائزها واستئصالها تماما، فإن ذلك مخالف لفطرة الإنسان وطبيعته؛ لأن الشهوة إنما خلقت لفائدة، ولها وظيفة لا غنى للإنسان عنها، ولا بقاء له من دونها، فشهوة الطعام ضرورية لحياته ونموه، وشهوة الجنس تحفظ النسل وتساهم في بقاء النوع الإنساني، ولكنه يربط هذه الشهوات بالاعتدال والعفة والعقل.

4- حسن توجيه طاقات الأمة: فالغزالي يؤكد على أهمية حفظ طاقات النفس وتوجيهها للإفادة منها على النحو الأمثل، كما دعا إلى ضرورة تخليص الأمة من الشهوات المفسدة للروح الإسلامية، وأكد على الأثر التهذيبي للشريعة الإسلامية في كل من الفرد والمجتمع.

5- تكوين الشخصية المتوازنة: ويركز الغزالي في التربية الخلقية على المكونات الرئيسية للنفس الإنسانية وهي: العقل والروح والجسم، وينظر إليها باعتبارها كيانا واحدا متكاملا، ومن ثم جاء تأكيد الغزالي على بعض الأساليب والطرائق التربوية التي تتناول تلك المكونات بشكل متكامل ومتوازن، كالمجاهدة والرياضة لتزكية القلب والروح، والتفكر لتربية العقل، وترقية النفس الإنسانية في مجالات الإدراك، واللعب لتربية الجسم وتنشيط العقل والحواس.

6- إرضاء الله سبحانه وتعالى: دعا الغزالي إلى توخي إرضاء الله تعالى، وحذر من مطامع الدنيا الفانية، وحث على إحياء الشريعة الإسلامية والتماس رضوان الله تعالى، ولذلك فهو يرى أن من أهداف التربية الخلقية إعداد الإنسان في هذه الحياة الفانية للدار الآخرة الباقية؛ لأن الغاية المثلى للإنسان في هذه الدنيا هي حسن العبودية لله وتمام الطاعة والخضوع له.

الغزالي فقيها أصوليا

كان الغزالي فقيها أصوليا بارعا، وقد ترك تراثا فقهيا كبيرا يدل على مدى تمكنه من هذا العلم وعلو منزلته فيه، ومن أهم مؤلفاته في أصول الفقه:

-“المنحول في علم الأصول”، وكان قد صنفه في مطلع شبابه وكان شافعيا متحمسا، وتناول فيه الأحكام الشرعية والأحكام التكليفية، وبيّن الواجب والمندوب والمحظور والمكروه، كما تحدث عن الإجماع والقياس والترجيح، وتناول الفتوى والاجتهاد وأحكامه، والتقليد وأحكامه، ثم ذكر سبب تقديمه مذهب الشافعي على بقية المذاهب.

-“البسيط في الفروع”: وهو كتاب في الفقه الشافعي، وصفه ابن خلكان بقوله: “ما صُنّف في الإسلام مثله”، وقد تحدث فيه عن القصاص والجنايات التي تستوجب الحد، كما تناول السبق والرمي، والنذور والشهادات والدعاوى والعتق، واختصره الغزالي مرتين بعنوان: الوسيط والوجيز.

-“شفاء العليل في القياس والتعليل”: وتناول فيه مسائل القياس والعلة والدلالة، كما ذكر شروط القياس وكيفيته، وذكر بعض المسائل التي توضح ذلك.

-“إحياء علوم الدين”: وقد اشتمل على أبواب من العقائد والعبادات والمعاملات، وجمع فيه بين العقل والنقل، وبين الفقه والتصوف، وبين النص والاستدلال.

-“تهذيب الأصول”: وهو كتاب ضخم في علم الأصول، يميل إلى الاستقصاء، والاستكثار يفوق كتابيه: المستصفى والمنخول.

-“المستصفى من علم الأصول”: وهو اختصار لكتابه تهذيب الأصول الذي يميل إلى الاستقصاء، ويفوق كتاب المنخول الذي يميل إلى الاختصار.

وقد أفاد الغزالي كثيرا من دراسته للفقه وتمكنه منه في مناقشته أفكار ودعاوى الفرق المنحرفة وغلاة الصوفية، وإبطال عقائد الباطنية وغيرهم والرد على مزاعمهم وافتراءاتهم، وكان له أكبر الأثر في تشكيل عقله ووعيه، وتوجيه تصوفه ليقترب كثيرا من المنهج السلفي، ويبتعد عن الوقوع في دائرة الغلو والشطط والإغراق في المبالغة التي وقع فيها كثير من الصوفية.

الوفاة

وتوفي الإمام الغزالي في (14 من جمادى الآخرة 505هـ = 19 من ديسمبر 1111م) عن عمر بلغ خمسا وخمسين عاما، وترك تراثا صوفيا وفقهيا وفلسفيا كبيرا، بلغ 457 مصنفا ما بين كتاب ورسالة، كثير منها لا يزال مخطوطا، ومعظمها مفقود.

أهم مصادر الدراسة:

الإمام الغزالي وعلاقة اليقين بالعقل: د.محمد إبراهيم الفيومي-دار الفكر العربي-القاهرة 1406هـ = 1986م.

البداية والنهاية: عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي تحقيق: د.عبد الله بن عبد المحسن التركي-الهيئة المصرية العامة للكتاب- القاهرة 1417هـ = 1997م.

تاريخ الأدب العربي: كارل بروكلمان القسم الرابع 7-8، أشرف على الترجمة أ.د محمود فهمي حجازي- الهيئة المصرية العامة للكتاب- القاهرة 1413هـ = 1993م.

سير أعلام النبلاء شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي-أشرف على تحقيقه: شعيب الأرنؤوط- مؤسسة الرسالة- بيروت 1410هـ = 1990م.

الغزالي ولمحات عن الحياة الفكرية الإسلامية: د.بهي الدين زيان- مكتبة نهضة مصر- القاهرة 1378هـ = 1958م.

مؤلفات الغزالي: عبد الرحمن بدوي- المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب- القاهرة 1380هـ = 1961م.

نظرية التربية الخلقية عند الإمام الغزالي- عبد الحفيظ أحمد علاوي البريزات- منشورات دار الفرقان- عمان 1404هـ = 1984م.

الوافي بالوفيات: صلاح الدين جليل بن أيبك الصفدي- تحقيق: هلموت ديتر- دار النشر فرانز شتايز فيسبادن 1381هـ = 1962م.

وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان: أبو عباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان- تحقيق: د.إحسان عباس- دار الثقافة- بيروت د.ت