همسات إلى الزوجين

💡أيها الزوج :

  • ماذا تكلفك يا عبد الله البسمة في وجه زوجك عند دخولك على زوجتك كي تنال الأجر من الله؟
  • ماذا تكلفك طلاقة الوجه عند رؤيتك أهلك وأولادك؟
  • هل يضيرك ويرهقك يا عبد الله أن تقبل على زوجتك تقبلها وتلاعبها وأنت داخل عليها؟
  • وهل يشق عليك أن ترفع لقمة وتضعها في فيِّ امرأتك حتى تنال الثواب؟
  • هل من العسير أن تدخل البيت فتلقي السلام تامَّا كاملاً: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته حتى تنال ثلاثين حسنة؟
  • ماذا عليك إذا تكلمت كلمة طيبة ترضي بها زوجتك ولو تكلفت فيها, وإن كان فيها شيء من الكذب المباح؟ (فقد رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب في ثلاث: في الحرب, وفي الإصلاح بين الناس, وقول الرجل لامرأته)
  • لا أظن أنك ترهق وتتعب إذا قلت لزوجتك عند دخولك: يا حبيبتي منذ خروجي من عندك صباحاً إلى الآن وكأنه قد مرَّ عليَّ عام..
  • سل عن زوجتك عند دخولك عليها وسل عن أحوالها.
  • هل سترهق يا عبد الله إذا دعوت وقلت: اللهم أصلح لي زوجي وبارك لي فيها؟
  • الكلمة الطيبة صدقة.
  • طلاقة وجهٍ وتبسمٌ في وجهها صدقة.
  • إلقاء السلام فيه حسنات.
  • مصافحة يدها فيها وضع للخطايا.
  • جماعٌ فيه أجـر.

وأنت أيتها الزوجة: همسة في أذنكِ…

اليوم العالمي للمعلم&المدرس&الأستاذ&5اكتوبر

في اليوم العالمي للمدرس…5 اكتوبر
رحم الله سيدي وشيخي ومعلمي الأول على الإطلاق والدي مولاي علي بن رحال رحمه الله..
•✓ أول معلم في حياتي.
•✓ اول من علمني نطق الحروف وكتابة الكلمات.
•✓ أول من علمني وحفظني سور القرآن.
•✓ هو من سجلني وأدخلني المدرسة النظامية.
ويبقى المعلم_الأول صاحب الفضل علينا دائما وأبدا.
جزى الله عنا خيرا كل من علمنا سواء في المدرسة العتيقة أو النظامية.

تحية لكل معلم ومعلمة في كل مكان في العالم🙏

قُــم لِـلـمُـعَـلِّـمِ وَفِّـه الـتَـبجـيـلا…
كـادَ الـمُـعَـلِّمُ أَن يَكونَ رَسولا

أَعَـلِـمتَ أَشرَفَ أَو أَجَلَّ مِنَ الَّذي…
يَـبـنـي وَيُـنشِئُ أَنفُساً وَعُقولا

_أحمد شوقي

اساتذة مدرسة ابن الرشد، شرف لنا أن تتلمذنا على ايديكم

تحية عالية، لكل المدرسين الذين ساهموا في بناء تكويننا الأكاديمي، إبتداء من الوالد، الفقيه “مولاي علي بن رحال” ،والمربي “ميسكور” في مسيد الجامع الكبير ،بحي القدس، “محمد اوناصر” بحي الرحمة،
الى مدرسة ابن رشد بالسلك الابتدائي :
1-أستاذ اللغة العربية ذ. الشرقاوي المستوى الأول
2-أستاذ اللغة العربية ذ. لحسن لفكاك المستوى الثاني و أ. أعراب..
3-أستاذة اللغة الفرنسية ذة. فراج، أستاذ اللغة العربية كرام
4-المستوي الرابع اللغة العربية الأستاذ لموس، وأستاذ اللغة الفرنسية ذ. بادو
5-أستاذ المستوى الخامس، اللغة العربية ذ. قباج، واللغة الفرنسية ذ. الصادقي
6-أستاذ المستوى السادس، اللغة العربية ذ. حميد بيدان، واللغة الفرنسية ذ. موحى عودة..
(-خوتي، 2-حوات، 3-Lahcen Jrili-، Lmouss Abdelhaq Lahcen Akhtouch المرابطي، Hamid Bidane…)
واساتذة السلكين الاعدادي والثانوي بثانوية مولاي رشيد
السلك الثانوي الإعدادي
الأولى ثانوي إعدادي

الثانية ثانوي إعدادي

الثالثة ثانوي إعدادي
السلك الثانوي التأهيلي
جذع مشترك

-أستاذ اللغة العربية: ذ. زكرياء حما علي Zakaria Houmaali

الأولى باكالوريا

-أستاذ اللغة العربية: ذ. زكرياء حما علي

الثانية باكالوريا
-أستاذ اللغة العربية: ذ. زكرياء حما على…
وصولا الى كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة المولى إسماعيل، بمكناس، وكلية الآداب والعلوم الإنسانية، ظهر لمهراز، جامعة سيدي محمد بن عبدالله، بفاس،
كل من د. فريد الأنصاري (رحمه الله)
د. الوافي حميد، د. حسي(رئيس الشعبة بمكناس) ،

د. حنشي، د. لمراني العلوي باسيدي،د. لخضر عبدالله، د. لخضر مصطفى،د. محمد بن حدو(رئيس الشعبة بفاس) مجزوءة التحليل النفسي، د. رشيد الناجي رحمه الله، مجزوءة الهوية وتبلور الصراعات والمواقف، ، د. بنعيسى زغبوش، مدرس علم النفس المعرفي والإحصاء، د. علي افرفار، د. الغالى احرشاو، د. لمغاري،
وصولا إلى المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بجهة الشرق،
كل من السادة الأساتذة: الدكتور مصطفى الصادقي(رئيس الشعبة بوجدة)، الدكتور موسي التهامي، مدرس علوم التربية، الدكتور محمد غوردو، الدكتور الحسن قايدة، الدكتور عبد اللطيف البوعبدلاوي، الدكتورة كلثوم دخوش، الدكتور منار مدرس التخطيط..
اعتذر إن لم أذكر الجميع، أو أسقطت أحدهم سهوا…

متعكم الله بدوام الصحة والعافية ووحفظكم الله، وحقق كل أمانيكم، ورحم من فارقنا إلى دار البقاء..

تحية لكل معلم ومعلمة في كل مكان في العالم🙏

‏صغيرا..كنت أقف أمام المرآة..أحمل مسطرة وطبشورا وأحاول تقليد معلمي و معلماتي في المدرسة..كان للمعلم هيبة ووقار يحبسان النفس فينا ويحيلاننا إلى سلوك رصيف آخر فقط لأن المعلم يسير على هذا الرصيف..تحية لكل المعلمين في ⁧‫#اليوم العالمي للمعلمين‬

يوم المعلم العالمي نستذكره اليوم، وفي كل يوم. هو المعلم الذي أعطانا من جهده ومن معرفته، فبنيت الأوطان، وتقدمت في ركب الحضارة.

هنيئاً لنا بمعلمينا الذين ظلوا على الدوام في طليعة من نشر العلم والثقافة والمعرفة، وحولوا طلابهم إلى سفراء خير في جميع أرجاء العالم.

تحية عالية لنساء ورجال التعليم الذين علموا وبنوا الأجيال بكل تفاني
الذين وهبوا أنفسهم لهذه المهنة النبيلة
الذين زرعوا بذرة المستقبل في عقول المتعلمين
الذين استنفذوا مجهودهم العقلي والبدني والنفسي ليغرسوا في أنفس البراعم آفاق مستقبل زاهر ومشرق،
الذين لم ولن نجد ما يعوض ضرورة وجودهم في الحياة
شكرا لكن ولكم حتى يبلغ الشكر منتهاه
واتمنى لكن ولكم عيدا سعيدا

يبقى المعلمون هم الركيزة الأساسية في التعليم، وهم الجنود الذين يحمون المجتمع من الجهل والتطرف.

فلهم كل الشكر والتقدير.

Teachers remain the mainstay of education, and they are the soldiers who protect societies from illiteracy and extremism.

So, thank you teachers for all of your dedication and efforts.

أنا المعلمُ أعلى الله منزلتي
وزادني شرفاً في الناسِ معرفتي
الكلُّ أبصرني كم عشتُ مُحتضناً
جيلاً أُرَبّي بأقلامي ومحبرتي
فما سئمتُ ولا أبديتُ من جزعٍ
رغمَ الهمومِ التي ماجتْ بأروِقتي
أصحو معَ الطيرِ والآلامُ تعصفُ بي
مُوَجِّهاً في بحورِ العِلْمِ أشرعتي
قم للمعلم وفه التبجيلا
كاد المعلم ان يكون رسولا
كان الله في عونكم ايها المعلمون سنَوات على انقطاع رواتبكم وانتم جنود مجهولون في ساحات التعليم تنشرون النور وتطفئون الجهل والظلام🌺🌺🌺🌺
شكرا لكل معلم علمني ولازال بخيرا ومكافحا ومناضلا في هذه الحياه😍😍😍
ورحم الله من توفي منهم😭😭😭

ﺍﻟﺘﺤﻴﺔ ﻟﻜﻞ ﻣﻌﻠﻢ ﺍﻓﻨﻰ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﺷﺒﺎﺑﻮ
ﻭﻗﻠﺒﻮ ﺫﻱ ﻃﺒﺸﻴﺮﺗﻮ ﺍﺑﻴﺾ
ﻭﻓﻜﺮﻭ ﺍﻋﻤﻖ ﻣﻦ ﻛﺘﺎﺑﻮ
ﻳﺤﺘﺮﻕ ﻋﺸﺎﻥ ﻳﻬﺪﻱ ﻏﻴﺮﻭ
ﻭﻳﺴﻠﻢ ﺍﻟﺮﺣﻢ ﺍﻟﻠﺠﺎﺍﺑﻮ
ﻣﻔﺮﻭﺽ ﻳﻜﻮﻥ ﺭﻭﺡ ﺍﻟﺒﻠﺪ
ﻣﻔﺮﻭﺽ ﻳﻜﻮﻥ ﻋﺰ ﺍﻟﻮﻃﻦ
ﺍﺳﺘﺎﺫ ﻳﺼﺎﺭﻉ ﻓﻲ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﻭﺩﻱ
ﺍﻟﻌﻴﺸﻪ ﻗﺪﺍﻣﻮ ﻣﺤﻦ
ﻟﻜﻨﻮ ﻣﻦ ﻭﻳﻦ ﻳﺎ ﺻﺤﺎﺏ
ﺍﻗﺪﺍﻣﻮ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﺎﺳﺎﻕ ﺣﻔﻦ
ﻣﺎﻫﻴﺘﻮ ﻣﺎ ﺑﺘﻘﻀﻲ ﺍﻟﺪﻳﻮﻥ
ﺍﻟﺮﺍﻗﺪﻩ ﻓﻮﻗﻮ ﺍﺗﺮﺩﻣﻦ

‏لكل (معلم ومعلمة) تحية اعتزاز وتقدير، فأنتم نبراس حياتنا، ونور عقولنا، ومصدر علمنا وسعادتنا، بكم تشرق الحياة، وبكم نستشرف المستقبل.
المعلم إشعاع نور ، تسمو بعلمه ثقافتنا، وتنمو بسيرته أجيالنا، فلا علم بلا معلم.
لكن، متى يكون اليوم العالمي للمدرس عيدا..؟!💐
—————————————————-
📌الاحتفال الحقيقي بالمدرس ينبغي ألا يقتصر على رسالة تهنئة هي أقرب في معانيها إلى تعزية تربت على أكتاف المدرسين وتدعو لهم بالصبر والسلوان..كأن حربا ضروسا خلفتهم وراءها..
📌الاحتفال الحقيقي بالمدرس هو إيمان جازم بدوره الحاسم في بناء الوطن و صناعة الحضارة بكل مفرداتها البشرية والمادية..هو اعتراف أخلاقي معلن بمنزلته الاجتماعية والتربوية السامية..وتجريم لكل أشكال الاحتقار والسخرية والاعتداء الواقعة عليه..
📌الاحتفال الحقيقي بالمدرس هو اقتراب فعلي منه، وانصات صادق لمرثيات المعاناة التي يكابدها كل يوم من أجل فلذات الوطن في كل الربوع والأقاصي..
📌الاحتفال الحقيقي بالمدرس هو وضعه بقوة في صلب كل العمليات الإصلاحية للمنظومة من خلال استشارته وسماع تحليله وتنفيذ مقترحاته في خطوات ومجالات الإصلاح..
📌الاحتفال الحقيقي بالمدرس هو تقديم حوافز اجتماعية ومادية لا تقل عما يجده زملاؤه وتلامذته في الوظائف الأخرى، نفيا للشعور بالحكرة الذي يتسلل إلى عزيمته..واستنباتا للأمان على مستقبل أسرته التي لا يجد لها كفاية من وقت أو مال..!
📌الاحتفال الحقيقي بالمدرس هو توجيه النابغين والمتفوقين لولوج مهنة التدريس بعد إحاطتها بوضع اعتباري ومادي مريح كغيرها من المهن ذات الجذب.. بدل اقتلاع أبوابها واستباحة ساحتها..
📌الاحتفال الحقيقي بالمدرس هو دعمه علميا ومهاريا بمحطات تكوينية حقيقية تستجيب لحاجاته المعلن عنها.. وتقدم إجابات شافية لتساؤلاته البيداغوجية والديداكتيكية الآنية..
📌الاحتفال الحقيقي بالمدرس هو تنقية ميدانه من طفيليات الريع وشوائب الانتهازية التي استنبتها البعض في الفناء الخلفي لمهمته المقدسة، يأكلون منها مغانم سحت يتسرطن في أجوافهم يوما بعد يوم..
📌الاحتفال الحقيقي بالمدرس هو محاسبة صارمة لكل الغشاشين الذين أسقطوا عمدا وسط أسرة التعليم ليضربوا مصداقيتها بتهاونهم وألاعيبهم..!
📌أخيرا.. إن المنطقة الرمادية التي وضع فيها المدرس تحول بيننا وبين الحسم في موقفنا منه، وتؤخر عمليات كثيرة نحوه.. فهل هو ربان السفينة وضامن إبحارها بأمان… أم هو شر لابد منه، أقرب إلى ضرس مؤلم.. لا سبيل إلى علاجه، ولا طريق إلى اقتلاعه.. !!!
أول معالم الاحتفال إذن.. أن نصارح هذا الكائن المكابد مرتين.. بحقيقة كينونته، وملامح دوره، وحدود قيمته في لوحة الوطن.. بعدها سيخرج اليوم العالمي للمدرس من تحت تراب التجاهل والنسيان.. وسيتحول العام كله إلى احتفال صادق عنوانه الاعتراف والامتنان لجنود تذوب أعمارهم وأحلامهم وهم يقفون بمتاريس المعرفة وبنادق العلم في وجه كل المفترسات التي تتوعد الوطن وأجياله المتعاقبة..!
على كل حال.. من قاعة هذا الانتظار الطويل.. أهدي باقة حب إلى كل زملائي المدرسين..!!!💐

رسالة التحايل على الحزن والشعور بالسعادة للفيلسوف الكندي (805-873م)

أحد الأسماء التي ذاع صيتها في سجلات الفلسفة ومواثيق العلوم الطبيعية والتراثية المتنوعة، استطاع في أقل من خمسة عقود أن يحفر اسمه في قائمة الشرف التاريخية بجوار فلاسفة اليونان الأُول، ويعد وفق عدد من المفكرين “مؤسس الفلسفة العربية الإسلامية”، هذا بجانب كونه موسوعة شاملة في الرياضيات والفيزياء والفلك والموسيقى.

هو أبو يوسف يعقوب بن إسحق بن الصباح بن عمران بن إسماعيل بن محمد بن الأشعث بن قيس الكندي الملقب بـ”أبو يوسف الكندي” (805-873 ميلاديًا) الذي نهل علومه الأولية على يد والده الذي كان واليًا على الكوفة بالعراق، ثم انتقل منها إلى بغداد حيث حظي برعاية الخليفين المأمون والمعتصم، إذ كان مشرفًا على بيت الحكمة.يعتبره الفلاسفة ثمرة انتقال الفلسفة اليونانية إلى العالم العربي، وقد لُقب بـ”فيلسوف العرب”، وهو اللقب الذي ذكره بعض الفلاسفة في مؤلفاتهم القديمة، على رأسهم ابن النديم في “الفهرست”، وصاعد الأندلسي في “طبقات الأمم”، والقفطي في “أخبار العلماء بأخبار الحكماء”، وابن أبي أصيبعة في “عيون الأنباء في طبقات الأطباء”، والبيهقي في “تتمة صوان الحكمة”. له إسهامات متنوعة في العديد من المجالات، ونظريات لاقت ثناءً واستحسانًا لم يلقه فيلسوف آخر، غير أن الدور المهم الذي قام به كان جعله الفلسفة في متناول المثقفين المسلمين آنذاك، لكن هذا الدور تراجع رويدًا بعد ظهور علماء مثل الفارابي، ولم يبق إلا عدد قليل جدًا من أعماله للعلماء المعاصرين لدراستها، ومع ذلك ظل أحد الأسماء اللامعة في تاريخ الفلسفة اليونانية والعربية.

فيلسوف العرب المتجول

يعد الكندي أول الفلاسفة المسلمين والعرب المتجولين، حيث تنقل بعلمه ونظرياته من بلد إلى بلد، ومن حضارة إلى أخرى، فاستطاع الجمع بينها وتقريب الفكر الفلسفي بين عدة حضارات، حيث بذل جهدًا كبيرًا في تقريب الفكر الفلسفي اليوناني على وجه الخصوص وتحويله من مواد صعبة الفهم إلى وجبات سهلة التناول لدى العرب.

وقد ساعد عمله في بيت الحكمة ببغداد في تعزيز هذه الجهود من خلال ترجمته للعديد من النصوص الفلسفية المهمة، حيث أدخل الكثير من المفردات الفلسفية إلى اللغة العربية، ويمكن القول إنه لولا أعماله الفلسفية، لما تمكن الفلاسفة مثل الفارابي وابن سينا والغزالي من التوصل إلى ما توصلوا إليه.
نجح الكندي في إدخال الفكر الأرسطي والأفلاطوني المحدث إلى الفكر الفلسفي الإسلامي، رغم الانتقادات ووصفه بغير المقنع

تأثر فيلسوف العرب إلى حد كبير بالعديد من المدارس الفلسفية على رأسهم فلاسفة المدرسة الأفلاطونية المحدثة أمثال بروكليوس وأفلوطين وجون فيلوبونوس، هذا بجانب العديد من المدارس الأخرى، وفي أكثر من مناسبة استشهد الكندي في كتاباته بأرسطو، غير أنه حاول صياغتها بشكل مختلف، يغلب عليه الصبغة الأفلاطونية المحدثة، حتى بات المزج والتنسيق والجمع بين أكثر من فكر في المخطوط الواحد سمة تميز بها عن غيره من فلاسفة جيله.

جدير بالذكر أن التدليل على التوافق بين الفلسفة واللاهوت الطبيعي من جهة، وعلم الكلام من جهة أخرى، كان أحد أبرز الاهتمامات التي سيطرت على فكر وعقل الكندي، ورغم ذلك كان يعتقد أن الوحي مصدر المعرفة للعقل، لأن مسائل الإيمان المسلم بها لا يمكن استيعابها.العديد من الانتقادات وجهت لمنهج الكندي، حيث وصف بالبدائية، واعتبره البعض في وقت لاحق بأنه غير مقنع، كونه يكتب بالعربية، إلا أنه رغم ذلك نجح في إدخال الفكر الأرسطي والأفلاطوني المحدث إلى الفكر الفلسفي الإسلامي، وهو ما كان له أبلغ الأثر في انصهار الفلسفة اليونانية داخل بوتقة الفكر الفلسفي الإسلامي.

إسهامات علمية مميزة

نجح الكندي في إثراء المكتبة العربية بأمهات الكتب في مختلف العلوم، وقد وصل عدد مؤلفاته إلى 241 كتابًا موزعًا على 17 مجالًا من مجالات المعرفة، غير أن الكثير من هذه المؤلفات فُقدَت ولم يبقَ من أعماله إلا 50 كتابًا، ففي علم الفلك مثلًا له عشرات المؤلفات البارزة على رأسها كتاب “الحكم على النجوم” وهو من أربعين فصلاً في صورة أسئلة وأجوبة، وأطروحات عن “أشعة النجوم” و”تغيرات الطقس” و”الكسوف” و”روحانيات الكواكب”.

وقد اتبع الفيلسوف العربي نظرية بطليموس عن النظام الشمسي، التي تقول إن الأرض هي المركز لسلسلة من المجالات متحدة المركز، التي تدور فيها الكواكب والنجوم المعروفة حينها – القمر وعطارد والزهرة والشمس والمريخ والمشتري -، وقال عنها إنها كيانات عقلانية تدور في حركة دائرية ويقتصر دورها على طاعة الله وعبادته.وفي علوم الطب له أكثر من ثلاثين أطروحة أبرزها كتاب “رسالة في قدر منفعة صناعة الطب”، الذي أوضح فيه كيفية استخدام الرياضيات في الطب، لا سيما في مجال الصيدلة، كما وضع مقياس رياضي لتحديد فعالية الدواء، إضافة إلى نظام يعتمد على أطوار القمر، يسمح للطبيب بتحديد الأيام الحرجة لمرض المريض.أما في مجال الكيمياء فقد عارض أفكار الخيمياء، القائلة بإمكانية استخراج المعادن الكريمة أو الثمينة كالذهب من المعادن الخسيسة، في رسالة سماها “كتاب في إبطال دعوى من يدعي صنعة الذهب والفضة”، مؤسسًا مع الفيلسوف جابر بن حيان صناعة العطور، وأجرى أبحاثًا واسعة وتجارب في الجمع بين روائح النباتات عن طريق تحويلها إلى زيوت.
لم تكن العلوم وحدها ساحة الإبداع التي تفوق فيها فيلسوف الكوفة، بل كان له باع طويل كذلك في الفنون والموسيقى

وفي الرياضيات أثرى الكندي المكتبة بعشرات الرسائل في الفروع الرياضية المهمة، بما فيها الهندسة والحساب والأرقام الهندية وتوافق الأرقام والخطوط وضرب الأعداد والأعداد النسبية وحساب الوقت، ومن أبرز ما كتب في هذا المضمار أربعة مجلدات بعنوان “كتاب في استعمال الأعداد الهندية” الذي ساهم بشكل كبير في نشر النظام الهندي للترقيم في منطقة الشرق الأوسط وأوروبا.

لم تكن العلوم وحدها ساحة الإبداع التي تفوق فيها فيلسوف الكوفة، بل كان له باع طويل كذلك في الفنون والموسيقى، فهو أول من وضع قواعد للموسيقى في العالم العربي والإسلامي، إذ اقترح إضافة الوتر الخامس إلى العود، بجانب دوره في وضع سلم موسيقي ما زال يستخدم في الموسيقى العربية من 12 نغمة، وتفوق على الموسيقيين اليونانيين في هذا المجال، مدركًا التأثير العلاجي للموسيقى، وحاول علاج صبي مشلول شللاً رباعيًا بالموسيقى، وله ما يقرب من 15 أطروحة في نظرية الموسيقى، لم يبق منها إلا خمس فقط، وهو أول من أدخل كلمة “موسيقى” للغة العربية.

تأثره بالفكر اليوناني

رغم تعدد آبار الثقافة التي نهل الكندي منها، فإنه مدينًا بشكل كبير للثقافة اليونانية، والمتابع الجيد لكتاباته وإسهاماته، سواء كانت في الفلسفة أم العلوم الأخرى يشتم فيها عبير الحضارة اليونانية، حيث تأثر بشكل كبير بعلماء اليونان في هذا التوقيت، على رأسهم إقليدس الذي تأثر به في الرياضيات وأرسطو في الفلسفة، إلخ.

وفي التفصيل يلاحظ على سبيل المثال في شرحه لمفهومه عن الميتافيزيقيا، ففي كتابه “رسالة إلى المعتصم بالله في الفلسفة الأولى” تأثر الكندي كثيرًا بمنهجية أرسطو في الخلط بين الميتافيزيقيا واللاهوت، حيث جاء فيه “لأن كل ما له أنية له حقيقة، فالحق اضطرارًا موجود إذن الأنيات موجودة. وأشرف الفلسفة وأعلاها مرتبة الفلسفة الأولى: أعني علم الحق الأول الذي هو علة كل حق”.وتعد تلك الرسالة أكبر تجسيد للمزج الذي أحدثه الكندي في الاستفادة من الثقافة اليونانية، حيث جمع بين الأفكار الأفلاطونية والأرسطية في رؤيته لفلسفة متماسكة مستمدة من الإغريق، وهو في الوقت نفسه كان حريصًا على التقليل من حدة أي توترات بين الفلاسفة اليونانيين، أو أي إخفاقات من المفكرين اليونانيين، ومن الأمثلة على ذلك أنه لم يعط أي تلميح بشأن موقفه من الخلود في العالم حتى لا يصطدم أو يتعارض مع أرسطو.

اللافت للنظر في فكر الكندي كذلك أنه أطلق سيلاً من الإهانات ضد المعاصرين الذين لم يكشف هويتهم وينتقدون استخدام الأفكار اليونانية: “… وينبغي لنا أن لا نستحي من استحسان الحق، واقتناء الحق من أين أتى، وإن أتى من الأجناس القاصية عنا، والأمم المباينة، فإنه لا شيء أولى بطالب الحق من الحق. وليس يبخس الحق، ولا يصغر بقائله ولا بالآتي به. ولا أحد بخس الحق؛ بل كان يشرفه الحق. يحسن بنا، إذا كنا حراصًا على تتميم نوعنا – إذ الحق في ذلك – أن نلزم في كتابنا هذا عاداتنا في جميع موضوعاتنا من إحضار ما قال القدماء في ذلك قولًا تامًا على أقصد سبله وأسهلها سلوكًا على أبناء هذه السبيل، وتتميم ما لم يقولوا فيه قولًا تامًا على مجرى عادة اللسان وسنة الزمان، وبقدر طاقتنا، مع العلة العارضة لنا في ذلك…”.

حيله لدفع الأحزان بالفلسفة

لم يقف فيلسوف العرب المتجول عند حاجز التنظير الفلسفي وفقط، بل سعى لتسخير ما تعلمه في خدمة الحياة العامة، فكانت رسالته التي وجهها إلى صديق طلب منه أن يضع رسالة في دفع الأحزان، خير نموذج على هذا التوظيف العملي، حيث بدأها بتبيين أن كل ألم لا يُعرف سببه لا يُرجى شفاؤه، وينبغي بيان سبب الحزن، ومن هذا المنطلق عرف الحزن بأنه ألم نفسانيٌّ ناتجٌ من فقد أشياء محبوبة أو من عدم تحقيق رغبات مطلوبة. وتكشف رسالة الكندي تلك في أحد أبعادها عن مسألة جوهرية، تلك المتعلقة بالمقدرة الإنسانيّة على الاكتفاءِ بذاتهِ، بعيدًا عن المفارق، وهي مسـألة ترتبطُ بالجانب الأنثروبولوجيّ في الفلسفة الإسلامية، وما يمكنُ أن تحملهُ من آفاقٍ فلسفية وعملية في فهمِ وتمثل التراث العربي – الإسلامي في بعده الإنساني والإنسي.يرى الكندي بما أن متع الحياة عقلية وحسية، “فلا بد للمرءِ أن يناله حزنٌ لفقدِ المحبوب وانقطاعِ المطلوب، إلا أن المطلوبات الحسية بطبيعتها مقطوعة لأنها وقتية لا أكثر، فأكثر الأدواء ما كان متعلقًا بالمطلوبات الحسية، بل أشقى الناس من كان متعلقًا بالمطلوبات الحسية، وحتى إن دعت الحاجة إلى المحسوسات يجب أن تكون مما تهيئ لنا”.ووفق تعريفه للشَقي فهو “من اتّبعَ هواه وكانَ أمرهُ فُرطًا، فكثير منَ أحوالِ النّاسِ تصيرُ في النّفسِ مطبوعة بسببِ سلوكِ العادّة وكثرةِ الاستعمال، حتّى يتولّى المَطبوع على الطّبع، وتستأنسُ النّفس بهِ وتركن إليهِ. لكن وجبَ حملُ النّفسِ لدفعِ سلوك هذهِ العادّة، فإذا كانت النّفس تحزن لعلّةٍ جسمانيّة أصابتها، وبدّلت في ذلكَ كُلفةً عظيمة، حتّى تشفى من هذا العارض الجسمانيّ، فأولى بالمرءِ أن يهتمَّ بالنّفس، لأنّ فضل مصلحة النّفس وإشفائها من آلامها على مصلحة البدن وإشفائه من آلامهِ كفضل النّفس على البدن – إذ النّفس سائس والبدن مسوس، والنّفس باقية والبدن داثر، ومصلحة الباقي والعناية بتقويمه وتعديله أصلح وأفضل من إصلاح وتعديل الدّاثر لا محالة الفاسد بالطّبع- فإصلاح النّفس وإشفاؤها من أسقامها أوجبُ شديدًا علينا من إصلاح أجسامنا: فإنّا بأنفسنا نحنُ ما نحنُ، لا بأجسامنا، لأنّ الجسم مشترك لطل ذي جسم”.
رغم اندثار معظم الإرث الذي تركه أبو يوسف الكندي، فقد تربع على عرش الفلاسفة العرب والمسلمين الذين أبدعوا في المزج بين الثقافات المنتمية لحضارات متباينة

ومن أجل التشخيص الجيد للحزن يطرح فيلسوف الكوفة وجوب تقسيمه تدريجيًا حتّى يسهلَ معرفتهُ بدقّةٍ يقول: “ومن أدوية ذلك السّهلةِ: أن نفكر في الحزن ونقسمه إلى أقسامه فنقول: إنّ الحزن لا يخلو أن يكون ما عرض منه أمراً هو فعلنا، أو فعل غيرنا”، وعليه يقسم الحزن إلى صنفين، فأمّا الأوّل: فهوَ ذاتي أي تسبّبنا نحنُ فيهِ دونَ أن تكونَ هناكَ علّة لأحدٍ فيه، أو لأمر خارجي، وهو ما يسبّبه أحدٌ لنا، أي فعلُ غيرنا.ومن أجل التخلص من كل أنواع الحزن عند الكندي فقد “وجب مدافعتهما بل المجاهدة حتّى يرتفعُ الضّررُ عنّا، وإلاّ فالمستغرق نفسهُ في الحزن، فهو يجور على نفسهِ ويظلمها، وهي من أمارةِ الجهلِ والشّقاء، فلا ينبغي للعاقلِ أن يرضى الشّقاء والبلاء على نفسهِ”.أما عن الوسيلة التي يلجأ إليها كل من وقع في مستنقع الحزن فعليه “اللجوء إلى حيلة الاستعانة بخبرات الذّاكرة في مجاوزةِ حالات الحزن، فحيلةُ تذكّر المرءِ لأحزانهِ الفائتةِ وتمثّل حالة الحزن وما نجمَ عنها من سلوٍ ونسيان لأتراح كانت عارضة، بل عليهِ أيضًا ألّا ينسى أنّ ما فاته قد فاتَ خلقًا كثيرًا، كلُّهم قنعَ بفوتهِ وفقدانهِ وهو ظاهر البهجِ بعيدٌ منَ الحزنِ”.هذا بخلاف إستراتيجيات عدة للمقاومة النفسانية على رأسها رؤية الكون بطبيعته، كمالاً، “لأنّ الأحزان تجلب المصائب والمصائبُ تكون بفسادِ الفاسداتِ؛ فإن لم يكن فسادٌ لم يكن كائنٌ. فإذن إن أردنا أن لا تكون مصائب، فقد أردنا أن لا يكون الكون والفساد بالطّبعِ. وأيضاً فإن أردنا أن لا يكون ما في الطّبعِ فقد أردنا الممتنع؛ ومن أراد الممتنع حرم مراده؛ ومن حرم مراده فشقيٌّ”.ورغم اندثار معظم الإرث الذي تركه أبو يوسف الكندي وتجاوزه من قبل الجيل التالي له من المفكرين والفلاسفة، فقد استطاع أن يجد لنفسه مكانًا بارزًا في لوحة الفلاسفة المؤثرين في الحضارة الإنسانية، متربعًا على عرش الفلاسفة العرب والمسلمين الذين أبدعوا في المزج بين الثقافات المنتمية لحضارات متباينة.

الفيلسوف الالماني فريدريك نيتشة والإسلام

قراءة في كتاب روي جاكسون نيتشة والاسلام

صدر عن دار “جداول للنشر والترجمة”، في بيروت، وضمن مشروع النشر المشترك مع منظمة “مؤمنون بلا حدود” كتاب “نيتشه والإسلام” للمؤرخ الشهير روي جاكسون، وقد قام بترجمة الكتاب حمود حمود.
جاء على ظهر الغلاف: “تكتسي قضية الهوية الإسلامية أهمية حاسمة في ضوء الأحداث الجارية، وتحديدا: «ما بعد “جدالات” 11/ 9» المصحوبة بتركيز كبير على معالم أطروحة «صراع الحضارات».

وفي حين كان فريدريك نيتشه يتوجه إلى جمهور من ثقافة وعصر مختلفين، فإنّ رؤاه الأصيلة والإبداعية والنفسية والفلسفية والتاريخية تسمح بفهم جديد ومستنير للإسلام في سياق عصرنا الحديث.
يشرع روي جاكسون في كتابه الجديد، نيتشه والإسلام، ليحدّد قضايا: لماذا شعر نيتشه بميله لأن يكون سمحا تجاه التراث الإسلامي، رغم أنه كان نقديّا تجاه المسيحية الغربية؟
وكيف كان الدين مهمّا لرؤى نيتشه حول قضايا مثل الفلسفة الأخلاقية والسياسية، وكيف يمكن لهذا الأمر أن يساعدنا على فهم الردّ الإسلامي على الحداثة؟ وكيف يمكن لرؤية نيتشه المميزة ومنهجيته أنْ تساعدانا على فهم البارادايمات الإسلامية مثل: القرآن والنبي والخلفاء “الراشدين”؟
يقدّم كتاب “نيتشه والإسلام” نظرة أصيلة وجديدة في توجهات نيتشه الفكرية حول الدين، ويدلل على أنّ فلسفته يمكن أن تُقدّم مساهمةً مهمة لما اعتبر بارادايمات الإسلام الجوهرية. وعلى هذا النحو، فإنّ الكتاب سيكون ذا أهمية للقراءات المتنوعة وسيُقدّم مادة مفيدة للباحثين المهتمين بالتفكير في الدين والإسلام والمستقبل.
روي جاكسون، هو محاضر وكاتب وباحث مستقل في الفلسفة والدين. وهو مؤلف عدد من الكتب حول موضوعات مثل أفلاطون ونيتشه وفلسفة الدين، وهو مؤلف كتاب “خمسون شخصية مهمة في الإسلام”. من الشخصيات التي تناولها الباحث، الرسول عليه الصلاة والسلام وأبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالي ومعاوية بن أبي سفيان.
هذا، بالإضافة إلى أئمة المذاهب الإسلامية الأربعة، والإمام الأشعري والماوردي والغزالي والسيوطي وابن تيمية والفيلسوف الكندي والفارابي وابن سينا وابن رشد، وتحدث عن الطبري وابن خلدون، ومن أئمة التصوف تناول الباحث رابعة العدوية والسهروردي وابن عربي وجلال الدين الرومي وصدرالدين الشيرازي.
كما تحدّث عن الإسلاميين الإصلاحيين كمحمد عبده وجمال الدين الأفغاني ومحمد رشيد رضا ومحمد إقبال، كما تطرق إلى أبي الأعلى المودودي ومحمود أحمد طه، ومن المعاصرين تناول بالبحث حسن الترابي وحسن حنفي والمفكر الإيراني عبدالكريم سوروش

يشرع روي جاكسون في كتابه الجديد، نيتشه والإسلام، ليحدّد قضايا:

  • لماذا شعر نيتشه بميله لأنْ يكون سمحاً تجاه التراث الإسلامي، رغم أنه كان نقديّاً تجاه المسيحية الغربية؟
  • كيف كان الدين مهمًّا لرؤى نيتشه حول قضايا مثل الفلسفة الأخلاقية والسياسية، وكيف يمكن لهذا الأمر أن يساعدنا على فهم الرد الإسلامي على الحداثة ؟
  • كيف يمكن لرؤية نيتشه المميزة وميثودولوجيته أن تساعدنا على فهم البارادايمات الإسلامية مثل:القرآن والنبي والخلفاء “الراشدين ” ؟

يقدم كتاب نيتشه والإسلام نظرة أصيلة وجديدة في توجهات نيتشه الفكرية حول الدين، ويدلل على أن فلسفته يمكن أن تقدم مساهمة مهمة لما اعتبر بارادايمات الإسلام الجوهرية .

وعلى هذا النحو، فإن الكتاب سيكون ذا أهمية للقراءات المتنوعة وسيقدّم مادة مفيدة للباحثين المهتمين بالتفكير في الدين والإسلام والمستقبل .

روي جاكسون، هو محاضر وكاتب وباحث مستقل في الفلسفة والدين. وهو مؤلف عدد من الكتب حول موضوعات مثل أفلاطون ونيتشه وفلسفة الدين، وهو مؤلف كتاب “خمسون شخصية مهمة في الإسلام” .

ما الذي يجمع بين رجل متمرد مثل فريدريك نيتشه ودين سماوي عنوانه يدل على السلام والسكينة والهدوء؟! بل ما الذي يجمع بين رجل «قتل الإله»، وما بين دين موحى به من الإله؟!

الذي دفعني إلى طرح مثل هذه التساؤلات ليس هو كتاب «روي جاكسون» المعنون بنفس عنوان مقالتي هذه «نيتشه والإسلام»؛ فقد كفاني أستاذ الفلسفة الدكتور عادل حدجامي مؤونة السؤال، حينما أجاب عن عنوان الكتاب بقوله: لقاء لم يحصل؛ وهو بذلك يبعد أية علاقة لـ«نيتشه» بالإسلام، بكل بساطة لأن فيلسوف القوة والتمرد لا يمكن أن يحتويه أي إطار، بل هو مفجر الأطر، والثائر على كل القوالب والتصنيفات.

الحقيقة أن ما دفعني إلى طرح هذه التساؤلات هو محمد إقبال (1938) في كتابه تجديد التفكير الديني في الإسلام! لقد صدمني صاحب تجديد التفكير الديني وهو يُحلِّي «قاتل الإله» ببُرْدة الأنبياء!

كيف جاز لفيلسوف الإيمان، وشاعر الحضارة الإسلامية، ومؤسس باكستان الإسلامية أن يهدي هذا المديح لفيلسوف وشاعر آخر من حضارة مخالفة هو الألماني فريدريك نيتشه (1900)؟ وكيف يُمجد هذا الرجل الذي لا يمكن لأحد أن يستسيغ فلسفته لأسباب عديدة ربما كان أكثرها استفزازًا و«كفرًا» إعلانه موت الإله، وهو ما جعل الكنيسة -بكل طوائفها- تحاربه باعتباره عدوًا للرب والإله؟! ما الذي جذب رجلًا قضى حياته وهو يملأ هضاب نجد وصحراء الحجاز بدموعه اللاهبة، شوقًا إلى ضريح محمد وكعبة الله، إلى «عدو المسيح» و«قاتل الإله»؟!

لا شك أن صاحب «جناح جبريل» و«أسرار الذات» وجد عند صاحب «الإرادة الحرة والقدر» و«إرادة القوة» ما كان يبحث عنه؛ وأن ذلك الذي وجده عنده هو سبب احتفائه الكبير به في كتابه الأخير «تجديد التفكير الديني في الإسلام»، واصفًا إياه بالعبقرية، ومضفيًا عليه صفات الأنبياء.

لقد كان إقبال يتقاسم مع نيتشه غضبَه على الكهنوت، وكراهيته لأخلاق الخنوع والضعف التي يغرسها الكهنوت في صفوف المجتمع؛ وأكثر شيء وحَّد فيلسوف الشرق بفيلسوف الغرب هو غضبهما الشديد من فكرة «القدَر»؛ ففي حين يصيح الأول في وجه المسلم الذي كبَّلته عقيدة القضاء والقدر المحرفة: «ويلك!! أنت هو القضاء.. أنت هو القدر.. لا يستطيع القضاء ولا القدر أن يركب ظهرك، إلا إذا وجدك منحنيًا»، يعلن الثاني على لسان «زارا» العائد من الجبل: «الكون يتجدد كل يوم، والحقائق تعيد إنتاج ذاتها، إنه العود الأبدي.. الشعرى والعنكبوت وأفكارك التي تكررها بلا سأم، والسوبرمان نفسه.. حياتك كالساعة الرملية تمتلئ وتغور، ولن تنتهي إلى الأبد.. أنت حبة ستتلألأ إلى الأبد».

الواقع أن ما وحَّد الفيلسوفين الشاعرين هو المعاناة التي تعيشها الإنسانية عموما من مآسي مآلات الأديان، والتي انتهت إلى احتقار الإنسان وإذله، في الوقت الذي كان عليها أن تكرمه وترفع شأنه.

لقد عانى الشرق كما عانى الغرب من أخلاق الذلة والهوان التي تكرّسها المدارس الدينية المختلفة في كل شيء إلا في تركيع الناس للمترفين وأعوانهم من رجال الدين.

لذلك كان إقبال يرى في فيلسوف «السوبرمان» والإنسان الأعلى، مشروع ثورة حقيقية جارفة، تجتث في طريقها كل مظاهر الوهنٍ والضعفٍ؛ فتحرر النفوس من الأغلال التي كبَّلها بها الكهنوت، كي يتمكن الإنسان من السعي في الأرض والمشي في مناكبها إعمارًا و إصلاحًا كما أمره الله.

والحق أن نيتشه لم يقتل الإله؛ نيتشه بكى عليه فحسب، كما يقول الجبران؛ والذي «قتل الإله» هو الكنيسة كما يصرح بذلك الدكتور الطيب بوعزة؛ وبالتالي فنيتشه لم يقل شيئًا جديدًا بالمرة، وإنما الجديد هو أنه رفض ذلك الإله المصلوب العاجز عن حماية نفسه، قائلا: إن أمة هذه آلهتها لن تنهض أبدًا.

فالإله الحق هو من يحمي عِياله، لا من يستسلم أمام أعدائه؛ فإذا أصبح هو نفسه عاجزًا عن حماية نفسه، فعلى الأبناء أن يتحملوا مسؤولية أنفسهم، وأن ينسوا أمر أبيهم الذي صُلب، وأن يتخلَّوا فورًا عن وصايا الأب بالتواضع والسكينة والتسامح؛ فماذا عساها أن تفعل الحملان الصغيرة أمام الذئب الشديد، وهل يُطلب منها أن تكون متسامحة أو مسالمة تجاه عدوها!؟

والمخجل في القضية هو أن كل الحيوانات طورت أنفسها، وأنتجت شكلًا جديدًا من الحياة أكثر قوة وتلاؤمًا: الزرافة والحصان والأفعى والأسد، كلها تجاوزت مكانها الذي كانت فيه، حين حافظت على الأقوى من عناصرها وجيناتها، وداست بأرجلها على الواهن العاجز الضعيف، في حين بقي الإنسان أسير وهنه وعجزه، ولم ينجح قطّ في خلق نفسه من جديد.

متى يستفيق الإنسان من وهمه، ويركل في ربه كل تلك الأوهام السخيفة، ويستأنف انطلاقته العُلوية ومعراجه؛ فيسمو فوق سجَّانيه، ويعلو على مُكَبِّليه؟!

إنه لأمر مخجل حقًا، ألا تتمكن البشرية من الوثوب على تاريخها السيء، وتجاوز واقعها الأليم. والحق أنه ليس نحن من علينا أن نخجل من ماضينا كقرود، بل على القرود أن تخجل من مستقبلها كإنسان عاجز وضعيف، كما هو حالنا اليوم! ليس غريبًا أن يتأثر فيلسوف وشاعر شرقي مسلم بفيلسوف وشاعر غربي يوصم بكونه زنديقًا وكافرًا. وليس غريبًا أن يقتبس رجل مسلم فلسفة تبدو مناهضة لكل الأديان، وثائرة على كل المعتقدات.

ولكن العجيب في قصة الفيلسوفين الشاعرين، أن إقبال لم يكن راضيًا كفاية على تمرد نيتشه، ولم يقنع منه بأن يدمر كل الأطر والمرجعيات، ويمحو مِن على الأرض كل القوالب والتصنيفات، ثم «يقتل الإله» أخيرًا، ويدخل مستشفى المجانين.

ذلك أن إقبال -في كتاب تجديد الفكر الديني- لم يكن يرى غضبة نيتشه كافية لرسم ملامح الثورة الهادرة التي يريد، والتغيير الشامل الذي يطمح إليه! لقد كان يريد مزيدًا من غضبه، ولكن في الوقت نفسه لم يكن يريد جنونه وانتحاره!

وحسب إقبال فـ«نيتشه» عبقري عظيم لم يتمكن من إخراج كل طاقاته، ونبي من أنبياء العصر خانه حواريوه، ولم يكن له من سند يقوي ظهره، فكانت نهاية فيلسوف القوة في غاية الضعف ومنتهى الهوان. رحل وحيدًا غريبًا؛ كالتائه في غابة لم تطأها قدم حسب تعبيره؛ من دون أتباع ولا مريدين طائعين، ولا حتى أسياد وأئمة آمرين! حرموه ليس من نعمة الرفقة والصحبة في العلم، ونعمة الأتباع والمريدين، بل حرموه أيضًا حتى من أن يكون تابعًا مطيعًا! تركوه يصرخ سدى: أنا وحدي.. أنا في الحاجة إلى العون.. أنا في حاجة إلى أتباع ومريدين.. أنا في حاجة إلى سيد.. ما أحلى أن نطيع!

الاستاذ الجامعي والأجر الشهري…

معلومة
الاستاذ الجامعي عندما يلتحق بعمله كأستاذ جامعي مساعد يحصل على اجر شهري ما بين 12000 و12500 درهم. وبعد مرور اربع سنوات وبعد اجتياز مباراة التأهيل الجامعي ويتحول الى استاذ مؤهل يحصل ما بين 14 و 16 الف درهم، وبعد 6 سنوات يحصل على درجة استاذ التعليم العالي يحصل بموجبها على اجر يتراوح ما بين 18 و22 الف درهم بحسب الدرجات وبعد عمر مديد قد يصل الى 40 سنة داخل المدرجات والتأطير يصل اجره الى 30 الف درهم وهو اقل من تعويض برلماني شاب بالكوطة الذي يحصل على 35 الف درهم في دقيقة دون مجهود ودون مسار علمي او اكاديمي.

نظرية التأويل ومفهومها عند الفيلسوف ابن رشد

يهدف التأويل في معناه إلى فهم حقيقة النص وأن معانيه في الفلسفة تعددت وأصبحت تعني بما وراء منتج النص واختلطت مع التفسير في الفلسفة العربية خاصة في بحوث القرءان ومن بين فلاسفة الإسلام ابن رشد احتلت اشكالية التأويل عنده مكانة هامة اعتبرها من أهم المناهج الفلسفية، وأن التأويل لابد أن يعتمد على برهان عقلي ليكشف على معنى باطني اعتمادا على العقل والمنطق. من أهم النتائج التي توصلنا إليها هي : 1. الهدف من التأويل عند بن رشد هو بلوغ اليقين وعدم الشك أي المعنى الباطني مرتبط ارتباطا وطيدا بالكتاب والسنة . 2. اعتمد ابن رشد بفضل القياس البرهاني من شرح وتفسير نصوص أرسطية. 3. اكد ابن رشد انقسام الشرع إلى ضاهر وباطن وهو مراعات تفاوت مستويات الناس في قدراتهم على الفهم. 4. حدد ابن رشد قوانين للتأويل وذلك من أجل أن لا تتسرب الفوضى ومن أجل الحفاض على مقاصد الشرع.

    لقد كان الاهتمام بتحديد مفهوم التأويل في العديد من الحقول المعرفية. لذلك كان يجب علينا كباحثين في الحقل الفلسفي أن نستكشف حقيقته في هذا الحقل  من خلال فيلسوف بحث فيه في إطار الفكر الفلسفي الإسلامي، وهو ابن رشد، وهذا لا يعني أنه أول من تناول هذا المفهوم داخل العالم العربي الإسلامي حيث نجد أن  هناك العديد من المفكرين في مختلف الميادين الفكرية قد تداولوا هذا اللفظ، خاصة وأن لفظ التأويل موجود في القرآن الكريم: "ويؤكد حضور الدال تأويل في القرآن الكريم أقدم  نص عربي موثوق في صحته سبع عشر مرة٨ "[1]
   وابن رشد يعد من أشهر الفلاسفة المسلمين الذين عالجوا قضية التوفيق بين الشريعة والفلسفة، وقد بين أن الشريعة تدعو إلى النظر لذلك  فهو يقول: "وإذا كانت هذه الشريعة حقا وداعية إلى النظر المؤدي إلى معرفة الحق، فإنا معشر المسلمين، نعلم على القطع أنه يؤدي النظر البرهاني إلى مخالفة ما ورد فيه الشرع، فإن الحق لا يضاد الحق بل يوافقه ويشهد له"
   ثم يبين أن في الشرع المسكوت عنه يوازي المسكوت عنه من الأحكام إذ يقول:"  فلا يخلو ذلك الموجود أن يكون قد سكت عنه في الشرع أو عرف به فإن كان مما قد سكت عنه من الأحكام، فاستنبطها بالقياس الشرعي". فالمسكوت عنه في الشرع هو عند ابن رشد المحفز للتأويل خاصة عندما يخالف ظاهر النطق ما توصل إليه البرهان وإن كانت الشريعة نطقت به فلا يخلو ظاهر النطق أن يكون موافقا لما أدى إليه البرهان فيه أو مخالفا له، فإن كان موافقا، فلا قول هنالك، وإن كان مخالفا طلب هنالك تأويله".
   ونفهم من خلال هذا أن ابن رشد يعلن عن التأويل للفصل في قضية مخالفة  البرهان  بظاهر النطق في الشريعة، وهنا نتساءل هل غاية  ابن رشد كانت نصرة البرهان أم اكتشاف آلية التأويل والتي من شأنها أن لا تشوه الشريعة؟
    سنتقصى ذلك من خلال الكشف عن أسس التأويل عند ابن رشد انطلاقا من تعريفه للتأويل وهو يقول: "ومعنى التأويل هو إخراج دلالة اللفظ من الدلالة الحقيقة في الدلالة المجازة – من غير أن يخل ذلك بعادة لسان العرب في التجوز- من تسمية لشيء يشبهه أو سببه أو لاحقه أو مقارنة  أو غير ذلك من الأشياء التي عددت في تعريف أصناف الكلام المجازي" 
   إذا كان التأويل عند ابن رشد هو فعل الإخراج الذي يتم على مستوى التعامل مع الألفاظ القرآنية فهو  يشترط أن لا يخرج ذلك على نطاق قوانين اللغة العربية، وليس هذا فحسب بل هو يصر على أن لا يتم  ذلك إلا بالالتزام بهذا الأساس، حيث يقول: "ونحن نقطع قطعا أن كل ما أدى إليه البرهان خالفه ظاهر الشرع. أن ذلك الظاهر يقبل التأويل على قانون التأويل العربي"
من هنا يتبين أن ابن رشد في تعريفه للتأويل قد أكد على خصوصيته انطلاقا من أن القرآن الكريم ألفاظه عربية بحيث لا يجب على المتأول أن يتعامل مع النص القرآني بقوانين تخرج عن نطاق اللغة العربية وهذا إدراكا منه بخصوصية اللغة العربية من جهة  وللإعجاز القرآني في ورود اللفظ، يقول الجابري: "هذا القيد اللغوي ضروري حتى لا يجنح التأويل إلى أمور  بعيدة كل البعد عن مجال الخطاب القرآني"      
 لذلك يرى الجابري أن "الضابط الأساسي في هذه عملية هي القواعد  التي تحكم أساليب التعبير في اللغة العربية التي هي لغة القرآن، وبذلك يكون التأويل صناعة لغوية في جزء منه".

التأويل والمنهج العقلي:

♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧

   خصص ابن رشد فصل المقال والكشف عن مناهج الأدلة لفحص قضية التأويل وأصح تأويل في نظره هو ما ينتج عن القياس المنطقي، كما يبين أن التأمل في الوجود أساسه عقلي حيث يقول: "فواجب أن نجعل نظرنا في الموجودات بالقياس العقلي".            وليس هذا فحسب بل نجد ابن رشد يصر على أن  العقل هو مطلب شرعي فيقول: "أن هذا النحو من النظر الذي دعا إليه الشرع وحث عليه هو أتم أنواع النظر بأتم القياس وهو المسمى برهانا".
   لذلك يجعل ابن رشد المنهج العقلي الذي يعتمد البرهان في الأساس هو المنهج الوحيد الذي بإمكانه أن يستخدم في التأويل "فالعلم البرهاني في الأساس هو الذي يجعل الشريعة منسجمة مع العقل ومتسقة فيما بينها فما خالفه من النصوص يسلط عليه التأويل".

   لكن إذا كان التأويل لا يستخدمه إلا أهل العلم الذي يشترط فيهم امتلاك البرهان فبالضرورة سيكون أحد التأويلات إن لم نقل أهمها، فالتأويل هو جوهره ربط النتائج بالمقدمات، داخل القول الديني نفسه، هو البحث عن المعنى، المقصود وراء التعابير المجازية والأمثلة الحسية وذلك بشكل يجعل مدلول القول الديني على وفاق ما يقرره البرهان العقلي " 
 وحسب ابن رشد البرهان هو كاشف للحقيقة "إن كان البرهان فلا يكون إلا مع العلم بالتأويل، لأن الله تعالى قد أخبر أن لها تأويلا هو الحقيقة والبرهان لا يكون إلا على الحقيقة." ولقد استفاد ابن رشد من المنطق الأرسطي في تأسيسه لنظرية التأويل وذلك باستخدام البرهان العقلي واعتباره أهم شرط للحصول على تأويل صحيح، وقد وظف في ذلك نظرية التوسط  ونظرية الطرف المحايد الكونيتان باعتبارهما مشتقتين من البرهان العقلي ولذلك، فهما عامتان شاملتان يمكن توظيفهما في حل مشاكل فلسفية وكلامية وسياسية وتأويلية قد تكون مصدر فرقة الناس "               
 نجد أن ابن رشد في إطار استثماره المنطق الأرسطي في التعامل مع النص القرآني، يوظف التوسط والحياد مكونا اثنان من مكونات المربع السيمائي أو المسدس السيميائي وسيلة تأويلية وتوليدية في الوقت نفسه"  لذلك نجد العقل الذي هو "أداة التفكير والتأمل والتدبر وبعبارة  أخرى هو أداة التأويل".

المجاز والحقيقة:

◇◇◇◇◇◇♧◇◇◇◇◇◇♧◇◇◇◇

 إن ابن رشد من خلال تعريفه للتأويل يشير إلى المجاز والحقيقة ذلك "أنه مهما كانت أجناس النصوص وأنواعها وأصنافها فقد ترجع إلى القسمة المعروفة من كون الكلام ينقسم إلى حقيقة ومجاز فإذا كان الكلام حقيقة صرفة خالصة فإنه لا يجوز تأويله، وأما إذا كان الكلام فإنه يجب تأويله حتى تتلاءم دلالة تعابيره مع المعقولية ." 
نجد أن ابن رشد يؤكد على ثنائية الحقيقة والمجاز في النصوص وهناك من يقر أن ابن رشد لم يخرج في تعريفه للمجاز عن تعريف المتكلمين حيث يقول أبو زيد نصر حامد :"إن تعريف المجاز الذي يقدمه ابن رشد هو نفسه التعريف المتداول في دائرة المتكلمين المعتزلة أو الأشاعرة"
في حين أن ابن رشد في الأساس نظر إلى التأويل لدحض أفكار وتأويلات المتكلمين، خاصة التي لها علاقة بصفات الخالق،" وينتهي تأويل الصفات  المعتمد على البرهان والمؤسس على ما بعد الطبيعة إلى أن الله سبحانه عقل خالص لا  يعقل إلا ذاته، وذاته عقل بالضرورة " وقد بين ابن رشد من خلال العديد من نصوصه عدم مصداقية تأويلات المتكلمين، فهو يقول مثلا: "فالمتكلمين ليسوا في قولهم أيضا في العالم معتمدين على ظاهر الشرع، بل متأولون. فإنه ليس في الشرع أن الله كان موجودا من العدم المحض، ولا يوجد هذا فيه نصا أبدا، فكيف يتصور في تأويل المتكلمين في هذا الآيات أن الإجماع انعقد عليه."
   وقد أقر ابن رشد أن هذا النوع من التأويل قد أضر بالشرع، وهو بطريقة أو بأخرى معني بإيقافها وإعطاء البديل في هذا الإطار. حيث عمل على تقديم نظرية متكاملة في التأويل وهذا على الأقل حسب ابن رشد، وهو يستند في ذلك إلى آيات قرآنية من بينها قوله تعالى: ﴿ فَأمَّا اْلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ﴾

لذلك كان موقف ابن رشد من المتكلمين في مسألة التأويل موقف الناقد ” وأسند ما عرض الشريعة في هذا الصنف أنهم تأولوا كثيرا مما ظنوه ليس على ظاهره، قالوا إن هذا التأويل هو المقصود، وإنما أتى الله به”
هناك من ينتقد ابن رشد في هذا الإطار، فإنه إذا كان ابن رشد يؤسس لتأويل على البرهان وذلك إذا كان البرهان هو المعرفة اليقينية فمن الضروري أن يكون البرهان هو أساس التأويل ومعياره ” فإن هجوم ابن رشد على المتكلمين وعلى تأويلاتهم التي سببت الاضطراب والفساد وشوهت العقيدة، ليس مبررا ولا مفهوما إذا كان المجاز هو قانون التأويل لأن هذا بالضبط هو قانون التأويل، لأن هذا بالضبط هو القانون الذي حكم تأويلات علماء الكلام “
لكن هناك من يرى أن ابن رشد في نظريته للتأويل مازج بين البرهان والبيان فإننا نجد البيان عند ابن رشد ممتزجا بالبرهان، والبرهان مندمجا في البيان وهذا ما سوغ لنا أن ندعوه التأويل ” البرها – يان ” نحتا من كلمتي البرهان والبيان “
وإذا كان ابن رشد قد اهتم بالمجاز فلأنه لا يمكن لأي لغة أن تخلوا من المجاز خاصة اللغة العربية كما أن القرآن الكريم نص عربي “وللتأويل في خطاب ابن رشد جانبان: الأول ضرورة اعتماده على البرهان الذي يحدد مرجعية المعنى والدلالة، الثاني أن يوافق قوانين اللغة العربية ولا يتعارض معها” وبهذا المفهوم يكون التأويل عند ابن رشد قد استفاد من كل الأسس المعرفية التي من شأنها أن تقدم تأويل صحيح “فالتأويل هنا فك شفرة لنص من أجل فهم العالم الذي تمثل اللغة ظاهر النص القرآني تعبير المجازي “
ويتجلى الإبداع الرشدي في تأسيسه لنظرية التأويل في قدرته على استعانته على أسس برهانية وبيانية دون أن يخل بقواعد اللغة العربية ولا بالمبادئ العقلية.

التعددية وثنائية الظاهر والباطن:

♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧

   لقد قسم ابن رشد الناس  إلى ثلاثة أصناف حسب درجة الإدراك. هناك من يصفهم بأهل الخطاب، والصنف الثاني أهل الجدل أما الصنف الثالث، فهم أهل البرهان وحسب ابن رشد أن هذا التقييم  يظهر فيه اللطف الإلهي على البشرية.  كما أن هذا الاختلاف يعود في الأساس إلى الفطرة والاكتساب أو إليهما معا إذ يقول: "فقد تلطف الله فيها  لعباده الذين لا سبيل لهم إلى البرهان، إما من قبل فطرتهم، وإما من قبل عاداتهم، وإما من قبل عدمهم أسباب التعلم "
   وابن رشد  يقر بوجود التعددية، "فالتعددية، تلك القائمة في طباع البشر لاختلاف عاداتهم، ومرجعيا أمر حرصت الشرائع على التعامل معه وصفة حقيقة سابقة عليها، ولم تسعى الشرائع لإلغاء التعددية وللقضاء عليها بدليل أنها انطوت في بنية خطابها، الخطاب الإلهي على تعددية مماثلة تجعل الخطاب مفتوحا لأفاق التأويل والفهم".                              
   ولقد تضمن النص القرآني كل مستويات الخطاب  مراعيا في ذلك أصناف البشر الثلاثة، وحسب ابن رشد "بأن ضرب لهم أمثالها وأباحها ودعاهم إلى التصديق بتلك الأمثال، إذ كانت تلك الأمثال يمكن أن يقع التصديق بها بالأدلة المشتركة للجميع، أعنى الجدلية والخطابية "
   إن فكرة التعددية كانت سبب في انقسام الشرع إلى ظاهر وباطن فيقول "فإن الظاهر هو تلك الأمثال المضروبة لتلك المعاني التي لا تتجلى إلاَّ لأهل البرهان "               
   ولذلك فإن أهل البرهان هم المختصون بالباطن دون غيرهم، وعلى هذا النحو من التمييز بين الظاهر والباطن فإن الظاهر لا يحتاج إلى تأويل. بل ذهب ابن رشد في هذا الشأن إلى انه من اعتمد التأويل في الظاهر كفر، فيقول: " وكان على ظاهره لا يتطرق إليه تأويل، وهذا النحو من الظاهر إن كان في الأصول والمتأول له كافر".                              فابن رشد يحرص على أن هناك ظاهر من الشرع محظور التأويل :"فقد ظهر من قولنا أهمها ظاهر من الشرع لا يجوز تأويله، فان كان تأويله في المبادئ، فهو كفر وان كان فيما بعد المبادئ، فهو بدعة وهنا أيضا يجب على أهل البرهان تأويله، وحملهم إياه على ظاهره كفر وتأويل غير أهل البرهان له وإخراجه عن ظاهره كفر في حقهم بدعة".
   كما بين ابن رشد أن هناك صنف ثالث بين الظاهر والباطن حيث يقول: "ههنا صنف ثالث في الشرع متردد بين هذين الصنفين فيه شك فيلحقه قوم ممن يتعاطى النظر بالبرهان الذي لا يجوز تأويله ويلحقه آخرون بالباطن الذي يجوز حمله على الظاهر،  وذلك لعواصة هذا الصنف واشتباهه والمخطئ في هذا معذور، أعني من العلماء.
   ويمكن أن نقول أن هذا الصنف لا هو باطن يحمل معناه على الظاهر، ولا هو ظاهر يجوز تأويله إذن هذا الصنف يبقي بين ثنائية الباطن والظاهر، "فهذه التعددية المنعكسة في تعدد مستويات الخطاب الإلهي من شأنها أن تفضي إلى تعددية التأويلات ".
   وإذا كان التعدد صفة  بشرية، فهذا لا يتعارض مع الوصول إلى فكرة التوحيد، والتي يتأسس عليها النص القرآني، "وهكذا تقضي التعددية إلى التأويل من حيث جذورها واحدة في الحكمة الإلهية". وهذا يعود في الأساس إلى خصوصية النص القرآني "فالنص القرآني الذي يقبل التأويل، وينبه أهله إلى  وجوب استعماله في الأقاويل التي ينبغي أن يستعمل فيها، ينطوي بحسب مفهوم ابن رشد له، على جميع طرق  الحقيقة، إذ الحقيقة تختلف طرق تصورها والتصديق بها كما أوضح ذلك هو نفسه."
   ولما كانت فكرة التوحيد غاية المؤمن مهما كان الصنف الذي ينتمي إليه من حيث درجة التصديق، "فيبدو أن ابن رشد كان حريصا أشد الحرص على الضوابط المعرفية التي لا تلغي التعددية
   وحسب أبو زيد نصر حامد " أن ابن رشد إذا كان محور فلسفته هو إبراز عدم الاختلاف بين الحكمة والشريعة، وهو يؤكد عدم الاختلاف كان يؤصل للتعددية والاختلاف بين البشر".
   وقد كان ابن رشد مؤيدا للتعددية والاختلاف باعتماده على العقل وهي الآلية نفسها التي اعتمدها في التأويل، " فهو يؤكد أن رفع الاختلاف لا يتم إلا بآليات العقل الإنساني لاكتساب المعرفة البرهانية اليقينية من جانب، ولتأويل ما يتعارض مع هذه المعرفة تأويلا صحيحا من جانب آخر".
   وهكذا عمل ابن رشد على تأسيس نظرية التأويل بشكل لا يتنافى  مع الأسس العامة للمعرفة." و بهذا المعنى وحده يمكن اعتبار ابن رشد ممن أعادوا البناء والتأسيس للعلوم الدينية الفقهية والكلامية، أي انطلاقا من رؤيته للنص القرآني كفضاء دلالي متعدد الاحتمالات والدلالات، وباستعمال المنهج "التأويلي" لا "الظاهري"،في فهمه والتعامل معه" إن التعددية التي شملت البشر قد تعدت إلى التأويل، فإذا كان تعدد التأويلات في فهم  النصوص الدينية أمر مشروعا، فإن الاختلاف في شؤون الحياة والمجتمع تكتسب تعدد التأويلات المشروعة أعمق أصناف إلى مشروعيته العقلية الخالصة "                       
   وعليه فإنه سيكون لكل صنف من الأصناف البشرية نوع من التأويل وهذا ما يصرح به ابن رشد، " فإذا  الناس في الشريعة على ثلاث أصناف: صنف ليس هو من أهل التأويل أصلا وهم الخطابيون الذين هم الجمهور الغالب، وذلك أنه ليس يوجد أحد سليم العقل يعرف هذا النوع من التصديق"
   ونفهم من هذا أن هناك من هو محروم من امتلاك التأويل، وهذا دائما حسب ابن رشد لأن هذا الصنف قدراته العقلية في التعامل مع النصوص محدودة . وهو الصنف الذي يقف عند حدود الظاهر في التصديق، " والصنف هو من أهل التأويل الجدلي وهؤلاء هم  الجدليون بالطبع فقط أو بالطبع والعادة"
   هذا الصنف حسب ابن رشد لا يرقى لأن يكون تأويل صحيح في حين أن النوع الأخير من التأويل عند ابن رشد هو المطلوب، " والصنف هو من أهل التأويل اليقيني، وهؤلاء هم البرهانيون بالطبع والصناعة. أعني صناعة الحكمة." 

التأويل المحظور:

ذ♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧

   لقد حرص ابن رشد على عدم التصريح بالتأويل لعامة  الناس. حيث كان صارما في ذلك وهو يقصد التأويل اليقيني الذي يجب أن يبقى في دائرة خاصة، وهذا التأويل ليس ينبغي أن يصرح به لأهل الجدل فضلا عن الجمهور. متى صرح بشيء من هذه  التأويلات لمن هو غير أهلها وبخاصة تأويلات البرهانية  ليعدها عن المعارف المشتركة. افضي ذلك بالمصرح له والمصرح إلى الكفر"
   وقد اعتبر هذا التأويل محظور لما ينتج عن الإفصاح عنه، وهو انتشار الكفر بعدما كانت التأويل تحقيق التوحيد، وقد بلغ الإفصاح عن مفهوم الظاهر ولقد لحظنا فاعلية الظاهر، وليس لأي بشر الصلاحية لإلغاء ذلك. لأن النص القرآني خطاب إلهي وهو محفوظ بقوله تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلَنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾
   لذلك يقول ابن رشد: "والسبب في ذلك أن مقصوده إبطال الظاهر واثبات المؤول. فإذا بطل الظاهر عند من هو من أهل الظاهر، ولم يثبت المؤول عنده أداه ذلك إلى الكفر إذا كان في أصول الشريعة."
   ومن هذا المقام يستعين ابن رشد بما فعله الغزالي حيث يستدل بذلك حيث يقول: "بالتأويلات ليس ينبغي أن يصرح بها للجمهور، ولا أن تثبت في الكتب الخطابية أو الجدلية، أعني الكتب إلى الأقاويل الموضوعة فيها من هذين الصنفين كما صنع ذلك أبو حامد
   ولهذا لا بد أن يبقى مفهوم الظاهر ثابتا عند جميع البشر بمختلف أصنافهم "ولهذا يجب أن يصرح ويقال عن الظاهر بنفيه للجميع وكون معرفة  تأويله غير ممكن فهو ثابت لا يعلمه إلا الله [].....في قوله تعالى ﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَهُ﴾
   وابن رشد لا يمنع التصريح بالتأويلات الفاسدة فحسب بل حتى الصحيحة منها وذلك لعدم  توفر هؤلاء على آلية  الفهم "هذا أن أصرح لهم بتأويلات صحيحة في ذلك الأشياء بكونهم لا يفهمون ذلك التأويل، فضلا إن أصرح لهم بتأويلات فاسدة لأنه يؤول بهم الأمر إلى أن يروي أن هنا صحة يجب أن تحفظ ولأمر هنا يجب أن يزال، فضلا من أن يروي أنهما أشياء تحفظ الصحة وتزيل المرض."
     وهكذا فإن ابن رشد يمنع التصريح بالتأويل للجمهور، وهو في الوقت نفسه يريد لهم المحافظة على الشريعة بل المحافظة على سلامة عقيدتهم الدينية ككل "لهذا ينتقد ابن رشد المتكلمين من المعتزلة والأشعرية الذين صرحوا بتأويلهم للجمهور، وفرقوا بين الناس وقد سبق الحنابلة ابن رشد في هذه المسألة  وذموا الكلام". وهناك ردود متشابهة  في تاريخ الفكر الإسلامي " فقد كان لابن عباس موقف من الخوارج ومن تأويلهم، وهو موقف انعكس في الروايات  المأثورة عنه في كتب التفسير والتي يرد فيها على تأويلاتهم، بل يؤول بعض  آيات القرآن التي تهاجم المؤولة على أساس أن المقصود بها الخوارج."
   في حين نجد أن علي حرب يرى أن ابن رشد يلغي ميزة العقل عند عامة الجمهور، فيقول: "وهكذا نقرأ دعوة ابن رشد إلى عدم التصريح بالتأويلات أمام العامة، فنتأولها على أنها تعني أن الجمهور لا يعقل."
   نلاحظ أن هذا القول مبالغ فيه لأن ابن رشد قد وضع هذه المسألة خاصة وأنه استند في هذا النص القرآني نفسه " فالنص القرآني الذي يقبل التأويل، وينبه أهله إلى وجوب استعماله في الأقاويل التي ينبغي أن يستعمل فيها، ينطوي بحسب مفهوم ابن رشد له، على جميع طرق الحقيقة، إذ الحقيقة تختلف طرق تصورها والتصديق بها كما أوضح ذلك هو نفسجوهذا قد صرح به أيضا علي حرب نفسه لذلك لا يمكن الحكم على الموقف الرشدي. خاصة و "أن التأويل الذي اعد لإرشاد العوام... هو تأويل يؤكد على شرعية الدعوة ويحميها." 

قانون التأويل:

♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧

إن اهتمام ابن رشد الشديد بالتأويل جعله يضع له قانون، فهو يبين تصنيف المعاني في الشرع، فيقول: “إن المعاني الموجودة في الشرع توجد خمسة أصناف، وذلك أنها تنقسم أولا إلى صنفين وينقسم الآخر منهما إلى أربعة أصناف.”
وإذا اهتم ابن رشد بتصنيف المعاني في الشرع فلقد عنى ابن رشد بتحديد وظيفة اللفظ في النص وحدد الألفاظ ومصدرها في أربعة يقول: “وأصناف الألفاظ التي تتلقى منها الأحكام من السمع أربعة ثلاثة متفق عليها ورابع مختلف فيه.”
وذلك أن التأويل الرشدي غايته الكشف عن الحقيقة، وهذا من خلال اهتمام بالمعاني والعمل على تصنيفها، وفي الوقت نفسه الاهتمام بالألفاظ و تصنيفها هي الأخرى، “وللتأويل في خطاب ابن رشد جانبان الأول ضرورة اعتماده على البرهان الذي يحدد مرجعية المعنى والدلالة، والثاني وفق قوانين اللغة العربية ولا يتعارض معها.”
من هنا فإن ابن رشد قد استفاد من كل أنماط المعرفة التي درسها في حياته من معارف فلسفية ودينية، “وهو يؤسس مشروعية التأويل على أساس فقهي مكين كما يؤسس مشروعية النظر الفلسفي على الأوامر القرآنية بالنظر إلى التدبر والاعتبار في خلق السموات والأرض
وهكذا فإذا كانت غاية ابن رشد الوصول إلى حقيقة واحدة من خلال التوفيق بين الحكمة والشريعة، وينتج عن ذلك القرار بنظرية في التأويل، فإن هذا التأويل هو في حد ذاته يتأسس على أسس شرعية فلسفية. أما تأسيس التأويل على أساس شرعي، فيعتمد بدوره كذلك على مقارنته بقياس الفقهاء في الأمور التي سكت عنها الشرع.
حيث نجد ابن رشد يقول ويتساءل في نفس الوقت “وإذا كان الفقيه يفعل هذا في كثير من الأحكام الشرعية، فكم بالأحرى أن يفعل ذلك صاحب عمل البرهان ؟”
ومن هنا نتساءل نحن بدورنا عن حدود ممارسة ابن رشد للتأويل في نصوصه الخاصة، بمعنى هل استطاع أن يحافظ على ماهية صاحب علم البرهان؟

قائمة المصادر والمراجع:

♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧

1- ابن رشد ، أبو الوليد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، ج1، دار الشريفة، دون ط، سنة 1989.
2- ابن رشد، أبو الوليد، فصل المقال في تقرير ما بين الحكمة والشريعة من اتصال، سيراس للنشر. دون ط، سنة 1994.
3- ابن رشد، أبو الوليد، فصل المقال في تقرير مابين الحكمة والشريعة من اتصال، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع. الجزائر دون ط. سنة 1982 .
4- ابن رشد، أبو الوليد، مناهج الأدلة في عقائد الملة، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، لبنان، ط 1،سنة 1998.
5- أبو زيد نصر حامد،النص الحقيقة السلطة، ط2 المركز الثقافي العربي. الدار البيضاء، المغرب، ط2، سنة 1997.
6- أبو زيد، نصر حامد، التأويل والخطاب، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب.ط 1، سنة 2000.
7- الجابري، محمد عابد. نحن والتراث، المركز الثقافي العربي ، الدار البيضاء، المغرب، ط 6، سنة 1993.
8- حرب، علي، نقد النص، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، ط2، سنة 1995.
9- سالم عبد الجليل بن عبد الكريم، التأويل عند الغزالي، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، مصر،ط1، سنة 2004
10- مفتاح، محمد. التلقي والتأويل، المركز الثقافي، العربي الدار البيضاء، المغرب، ط2، سنة 2001.

[1] نصر حامد، أبو زيد.النص الحقيقة السلطة، ط2 المركز الثقافي العربي. الدار البيضاء، المغرب، ط2، سنة 1997، ص

التوفيق بين الفلسفة والدين عن الفيلسوف الكندي

يرى بعض الباحثين أن الحركة الفكرية لمدارس علم الكلام الأولى هي الأب الشرعي للفلسفة الإسلامية، التي استقت فيما بعد من ينابيع أخرى على رأسها فلسفة اليونان، بينما يرفض آخرون هذا الرأي لأن علم الكلام –بحسب رأيهم- قد يشحذ الذهن، ويطور مهارة الجدل، غير أنه لا يقود للتفكير العقلي المنظم، ويستشهد هذا الفريق بالصراع بين الفلسفة وعلم الكلام، بالرغم من تبني علم الكلام للكثير من المصطلحات والمفاهيم الفلسفية، حيث كان ذلك كنوع من تبادل الأسلحة بين المتعارضين.

وثمة رأي آخر يرى أن الفلسفة الإسلامية ماهي إلا فلسفة يونانية بلسان عربي، زينت بأفكار أخلاقية أملاها الإسلام، لكن هذه الإضافات لا تبدل جوهرها، ولعل هذا أقرب الآراء للاعتدال، فالفلسفة اليونانية استمرت في المحيط العربي، مع ملامح جديدة للفكر الإسلامي، بيد أن هذه الملامح غارقة وسط الاقتباسات الكثير لأفكار اليونانيين، على أنه لا بد من القول إن الفكر لا يمكن أن يحتفظ بطابعه الأصلي عند انتقاله إلى بيئة أخرى.

موقف المسلمين من الفلسفة اليونانية

♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧

لم يكن الفكر اليوناني الذي بدأ بالدخول في المجال الإسلامي في بدايته صريح التعارض مع الإسلام، فقد ترجمت في البداية العلوم الفلسفية الطبيعية، والمنطقية، والأخلاق، واستقبلت البيئة الإسلامية ذلك بالترحاب، ولم يشتد الصراع بين الفكر الإسلامي والفلسفة اليونانية إلا عند ترجمة الكتب التي تتعرض للمشاكل الميتافيزيقية كالألوهية، ولم يتقبل علماء الكلام أن يكون النبي في كفة، مقارنة مع الفيلسوف في الكفة الأخرى، وأكثر ما أثار ثائرة علماء الدين المحافظين، ما فهموه من إمكان الاستغناء عن الوحي للحصول على معرفة مؤسسة من العقل وحده، والحقيقة أن التدليل على أحقية ما جاء به الرسول، بالقول إنه يمكن الوصول إلى مثله من طريق العقل، يعد في ذاته عملاً محموداً في نظر عالم الدين المتفتح الذي يسره أن يجد مبادئ دينه لا تعارض العقل، ولا تقف في سبيل الفكر، لكن هذا العالم المتفتح يؤكد على خصوصية النبوة فهي منحة إلهية لمصطفًى مختار، أطلعه مباشرة على الحقيقية، بصورة لا تحتمل شكاً ولا ارتياباً، والرسول ناقل أمين للحقائق الإلهية، ولو أمكن الفيلسوف فعل ذلك، فما من حاجة لمبلغ عن الله، وهنا جوهر المشكلة، حيث تبرز الحاجة لمعرفة مصدر أساس المعرفة أهو الدين أم العقل، وهذا الإشكال يوهم أن الدين لا يساير العقل، بل يخالفه، وهذا قول باطل بشهادة الدين نفسه، إن المشكلة تكمن في:

1- مدى وثاقة ما يوحى إلى النبي.

2- مدى أحقية العقل في مناقشة التعاليم والأفكار الدينية، بعد فرض صحتها.

3- أيهما أولى بأن يكون له اليد الطولى؟ الدين؟ أم الفلسفة والفكر الحر؟

للبحث في النقطة الأولى يتطلب التعرض لحقيقة النبوة ووظيفتها وضرورتها، وطبيعة الوحي، وأدلة إمكانياته، وبراهين صدقه…

والبحث في النقطة الثانية يستوجب عرض الأفكار والمبادئ والتعاليم ومدى قدرة العقل على تعليلها أو نقدها أو شرحها شرحاً يرضي الفكر، ويريح النظر، وينتج عن ذلك مشكلة التأويل التي قد تنتج فرقاً كثيرة، ومشكلة التأويل هي التي مكنت الفلاسفة المسلمين من التفكير في التوفيق بين الدين والفلسفة.

وقد يبدو غريباً أن يعمل الفكر ضمن تعاليم أصبحت عقيدة، ويوصف مع ذلك فكرها بالحر، وهنا نقول إن الحرية الفكرية المطلقة وهم وخيال، فالفكر لا يأتي من لا شيء، وثورة الفكر على مذهب معين تنتهي بالوقوع ضحية لمذهب آخر، وأشد الملاحدة ثورة على مبدأ الألوهية يقع فريسة لإلهه هو الذي اتخذه من الطبيعة أو الإنسان أو الحيوان ويشمل ذلك ذاته نفسها، ولنا أن نتأمل أن شك ديكارت بكل ما سبقه من أفكار وعقائد جعلته حبيساً لفكر مذهبه، الذي هو خليط من مذاهب أخرى، وليس مبتكراً سبقه العدم.

حتى الموقف اللاأدري بالرغم من عدم تحيزه لفكرة معينة، لا يمكن وصفه بأنه ينم عن حركة فكرية طليقة، لأنه أحجم عن ممارسة إيجابية فعالة، وبالتالي فحرية الفكر نسبية، تكثر أو تقل، تبعاً لاستعداد الفكر لرؤية الحلول الممكنة لمشكلة ما، ووجود الحلول لا يمنع الفكر من مناقشتها وقبولها.

استيعاب ومقاومة الفكر اليوناني
وجدت الفلسفة اليونانية مقاومة في المحيط الإسلامي، لا باعتبارها تمثل فكراً حراً منزها، بل لأنها تباين الروح الإسلامية، ونجد هناك من تابعها وجعل لها اليد الطولى، ومن أعجب بها وسعى إلى التنسيق بينها وبين الدين، ولقد كتب أحدهم كتاباً جمع فيه أحاديث في مكانة العقل، ولا يفوتنا هنا أن نشير إلى أن الأحاديث التي تتحدث عن العقل ليست دعوة للفلسفة اليونانية، فهذا من الخلط.

وفي القرآن آيات تدعو إلى التفكير والتبصر والتأمل في صنع الله، وهذه من مواضع اعتزاز المسلمين بتبني الإسلام وتشجيعه للفكر البناء الهادف غير المتحيز، وللأسف فقد أصيب الإسلام من بعض أنصاره المتزمتين، وليتهم أدركوا أن محاربة الفكر المنحرف لا تكون بإخفائه بقدر ما تكون بإظهار عواره وكشف تهافته.

لقد كانت قضية العلاقة بين العقل والوحي، وبالتالي بين الحكمة والنبوة، أو الدين والفلسفة، أو العقل والنقل، قضية حاضرة في المحيط الإسلامي، وقد حاول المفكرون أن يظهروا التوافق بين المصدرين، لكن معظمهم أخطأ حينما ظن التوفيق بين الدين والعقل، يعني التوفيق بين الإسلام والفلسفة اليونانية.

وبالرغم من اتفاق فلاسفة الإسلام على وحدة الحقيقة الدينية والفلسفية إلا أنهم تباينوا من حيث تقديمهم لأحد الجانبين على الآخر، فقد قدم الكندي الوحي على الفلسفة، بينما سوّى الفارابي وابن سينا بينهما تقريباً، وكان لابن رشد رأي باستقلالهما من دون تعارض.

من هو الكِنْدِيُّ؟

♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧

هو أبو يوسف يعقوب بن إسحق الكِندي، وُلِدَ بمدينة الكوفة في أوائل القرن التاسع الميلادي، وهو من قبيلة كِنْدة، أي أنَّ أصلَه عربيّ، ولذلك لُقِّبَ بفيلسوف العرب، وكان أبوه أميرًا على الكوفة. وقد حصَّلَ الكِنديُّ علومه -فيما يظهر- في البصرة ثم في بغداد، واشتغل بترجمة كتب اليونان إلى العربية، وبتهذيب ما كان يقوم غيره بترجمته من تلك الكتب، وعمل في قصر الخلافة ببغداد مُنَجِّمًا أو طبيبًا، غير أنه أُقْصِي آخر أيامه من القصر. وقد كان مُلِمًّا بعلوم عصره، ينزع في آرائه الكلاميَّة نزعةَ المُعْتَزِلَة، ومن المسائل التي كتب فيها بصفة خاصَّة قُدْرَةُ الإنسان على أداء فعل ما، هل هي تُوجَد قبل الفعل أو تكون معه؟ وكان يقول بالعدل والتوحيد اللذَيْنِ هما أميز ما يميِّزُ المعتزلة، وحاول التوفيق بين النُّبُوَّة والعقل، وقارن بين المِلَلِ المُختلفة مقارنةً انتهتْ به إلى أنَّها مُجْمِعَةٌ على الاعتقاد بأنَّ العالَم صادِر عن عِلَّة واحدة أزليَّة؛ هي الله

فلسفتُه

♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧

حدَّدَ الكندي -بجهده المُبَكِّر- مسارَ الفلسفة الإسلامية، ورسم لها الطريق، ووضع المنهج، وكوَّن له تلاميذ، بَثَّ فيهم من روحه وفكره؛ ما ساعدهم على نشر الفلسفة وإقبال الناس على دراستها. ولقد تمَّ له ذلك كلُّه تحت لواء الإسلام؛ فاستحقَّ أنْ يُطْلَقَ عليه اسمُ فيلسوف العرب والإسلام[3].
لقد كان على الكندي قبل كل شيء أن يضع تعريفًا واضحًا للفلسفة؛ ذلك أنَّ بعض الطوائف قد أساءتْ فهمَ هذا اللفظ؛ لاعتقادِهم أنَّ الفلسفة تعني -من جملة ما تعني- الكفر والإلحاد. ولهذا حرص الكندي على بيان ماهيَّة الفلسفة؛ حتى يُزيل هذا الفهم السيء لها. يرى الكندي أنَّ الفلسفة هي البحث؛ النظر العقلي الخالص الذي يهدف إلى كشف الحقيقة والوصول إليها. والفلسفة في هذا شأنها شأن الدين؛ لأنَّ الدين يؤدِّي بالإنسان إلى الوقوف على حقائق الأشياء؛ فالكنديُّ يجادل بداية؛ أنَّه لا يوجد ثمة تعارُض بين الفلسفة وبين الدين في الأصل. ويحاول أن يحدَّ الفلسفة؛ فيقول:

“إنَّ أعلى الصِّنَاعَاتِ الإنسانيَّةِ مَنْزِلَةً، وأَشْرَفَهَا مَرْتَبَةً صِنَاعَةُ الفلسفة التي حدُّها: عِلْمُ الأشياءِ بحقائقِها بِقَدْرِ طَاقَةِ الإنسان؛ لأنَّ غَرَضَ الفيلسوف في عِلْمِه إصابةُ الحَقِّ، وفي عَمَلِه العملُ بالحقِّ.

ولنحاول الآن سريعا الوقوف على أصول فلسفتِه ورؤوس أفكاره. تدور فلسفة الكندي حول الرياضيَّات والفلسفة الطبيعية. وعنده أنَّ الإنسان لا يكون فيلسوفا حتى يدرس الرياضيات؛ وقد طبَّق الرياضيات في بحوثه الطِّبِّيَّة وفي دراسته للموسيقى؛ فالطِّبُّ والهندسة يقومانِ على التَّناسُب الهندسيِّ؛ فالأدوية قِوَامُها تَنَاسُب في الكيفيَّات الأربع: الحار والبارد والرطب واليابس

ذهب الكندي إلى أنَّ العالَم مخلوق لله، وفِعلُ الله في العالَم إنما يكون بوسائط كثيرة؛ فالأعلى يُؤثِّرُ فيما دونه، أمَّا المَعْلُول فلا يُؤَثِّرُ في العِلَّة؛ لأنَّها أرقَى منه في مرتبة الوجود، وكل ما يقع في الكون يرتبط بعضُه ببعضٍ ارتباط علَّةٍ بمَعلُول. ونستطيع من معرفتنا بالعلل أن نتنبَّأَ بالمُستَقْبل؛ هذا لأنَّ كلَّ موجود في الكون يعكس سائر الموجودات كأنه مرآة لها؛ فإذا عرفتَ موجودًا واحدًا عرفتَ بقيَّةَ العالَم. وهو ذو مذهب عقليٍّ؛ إذ يرى أنَّ وجودَ المادَّةِ مرهون بتصوُّرِها في العقل؛ فما لا يمكن تصوُّره عقليًّا يستحيل عليه الوجود الماديُّ. ويذهب إلى أنَّ النفس الإنسانية جوهر بسيط خالد، هبطَ من عالَم العقل مُزَوَّدًا بذكريات من حياته في ذلك العالَم؛ فالنَّفس الإنسانيَّة من حيث جوهرها مستقلَّة عن مادَّة الجسم، لكنها مقيدة بمادته من حيث أفعالها؛ لأنَّ الجسم هو وسيلة الأداء. واتصال النفس بالجسم مصدرُ ألم لا ينقضي؛ لأنه مصدر رغبات كثيرة لا سبيل إلى تحقيقها جميعًا؛ فمن شاء نعيما حقيقيًّا عليه أنْ يستغرق في تأملاته العقلية، وفي طلب العلم، وتقوى الله. أما عن نظرية المعرفة عنده، فهي ثنائية؛ فالجسم قادر على إدراك الجزئيات بالحواس، والعقل قادر على إدراك الكُلِّيَّات

التوفيق بين الفلسفة والدين

ذ♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧

يملك الكندي أصالة الفيلسوف، وقد وجدتِ الفلسفة في كينونته الثقافية مكانها الراسخ الفاعل، ومن هنا كانت نزعتُه الفلسفية تضعه أحيانا على المُفْتَرَق الذي كانت ظروف مجتمعه تقتضي أن يتجاوزه بالفعل. إننا نكاد نُحِسُّ المعاناة العميقة الخفية عند الكندي؛ نعني معاناة الصراع بين انتمائه اللاهوتي ونزعته الفلسفية التي كان عليها أن تستجيب لظروف المجتمع العربي الإسلامي في القرن الثالث الهجري، ويبدو أنَّها كانتْ مؤهَّلةً فعلا، من حيث الإعداد الذاتي، أن تستجيب لهذه الظروف، لولا سيطرة الانتماء القويَّة[6]. ولعلَّ محاولتَه الجمع بين الفلسفة والدين إحدى تعبيراته عن هذا القلق وتلك المعاناة الكامنة.
عُنِي الكندي بالتوفيق بين إيمانه وتفلسفه لا لدافع شخصي فحسب، ولكن ليُسَوِّغَ وجود الفلسفة، ويُكْسِبها حقَّ المواطنة في مجتمع يميل إلى رفضها، وربما كان مسلكُه في هذا التوفيق أكثر سدادًا من مسلك كلٍّ من الفارابي وابن سينا. والسؤال الآن: ما هي الدوافع والأُسُس التي أقام عليها الكندي محاولتَه في الجمع و التوفيق بين الفلسفة والدين؟
1- إنَّ الدين يلتقي مع الفلسفة في الغاية. فالفلسفة تهدف إلى عِلْمِ الأشياء بحقائقِها بقدر طاقة الإنسان، وتلك هي نفسها غاية الدين التي يعمل عليها، وجاء بها الرُّسُل الصَّادِقون عن الله في مجال العقيدة والعمل؛ فالغاية واحدة، أو على الأقلِّ مُتَقَارِبَة، والموضوع أيضا كذلك متقارب. يقول الكندي: “ينبغي لِمَن أراد عِلْمَ الفلسفة أن يُقَدِّمَ استعمال كتب الرياضيات والمنطقيات على مراتبها… ثم الكتب على الأشياء الطبيعية… ثم ما فوق الطبيعيات، ثم كتب الأخلاق وسياسة النفس بالأخلاق المحمودة، ثم ما بقي مما لم نُحَدِّد من العلوم مُرَكَّب من الذي حدَّدنا”. وتلك المباحث بجانبيها النظري والعملي تقابل أحكام العقيدة والعمل في المباحث الشرعيَّة.

2- إذا كان منهج الفلسفة يقوم على العقل، بينما يستَنِدُ الدين (الإسلام) إلى الوحي؛ فإنَّ كلَّ ما جاء به الوحي (القرآن) يُمكِن في نظرِ الكندي أنْ يُفْهَمَ بالمقاييس العقليَّة، التي لا يدفعها إلا من حُرِمَ صورة العقل، واتَّحَد بصورة الجهل كما يقول. فالمنهجان مختلفان، ولكنهما لا يتناقضان على أي حال، بل يتضافران ويتكاملان.
3- والفلسفة كذلك لا تُعَدُّ بديلا عن الدين، تُغْنِي عنه، كما قد يذهب إلى ذلك بعض الملاحِدَة؛ فالفلسفة تُوصِلُ بعد الجهد إلى بعضِ الحَقِّ، وربما قصرت عن البعض الآخر. لذلك يؤلِّف الكندي رسالة في (تثبيت الرسل عليهم السلام)؛ لأنَّ النبوة فعل إلهي في نفوس الأنبياء، ولأنَّ علومها لدى من تأمَّلَها وأَحْسَنَ فهمَها تبدو موجَزة، بيِّنَة، محيطة بالمطلوب، قريبة المسلك إلى العقول والقلوب.
4- ولأنَّ الحكمة ضالة المؤمن، فلا ينبغي إهمال الفلسفة مهما كان حظُّها من تحقيق الغاية. والحضارة في نظر الكنديِّ لا وطن لها، وهي عمل تراكمي تسهم فيها جميع الأمم؛ لذا يقول: “وينبغي ألا نستحيَ من استحسان الحقِّ، واقتناء الحقِّ من أين أتى، وإنْ أتى من الأجناس القاصيَة عنا، والأمم المُبَاينة لنا”. ويقول:

“ينبغي أن يعظم شُكْرُنا للآتين بيسيرِ الحَقِّ فضلا عمَّن أتي بكثير عن الحقِّ؛ إذ أشركونا في ثمار فكرهم، وسَهَّلُوا لنا المَطالِبَ الخَفِيَّة؛ بما أفادونا من المُقَدِّمات المُسَهِّلَة لنا سبيلَ الحق”.

5- وأخيرا، يلجأ الكندي إلى فكرة تَتَرَدَّدُ كثيرا في مجال الدفاع عن الفلسفة؛ هي أنه من الضروري لمن يعارض دراسة الفلسفة أن يدرسها هو أولا. والمعارض إما أن يقول أن اقتناءها يجب أو لا يجب؛ “فإن قالوا: إنه يجب، وجب طلبُها عليهم، وإن قالو: إنها لا تجب، وجب عليهم أن يحصروا عِلَّة ذلك، وأن يُعطوا على ذلك برهانا[7]“.
إن الناظر في فكر الكندي، يرى أنه لم يُحاوِل التوفيق بين الدين والفلسفة بمعناهما العام، ولكنَّه حاول أن يوفق ويجمع بين الإسلام المُتأثِّر بالفكر الاعتزاليِّ، وما ارتآه من الفلسفة اليونانيَّة؛ فهو أول من تبنَّى أرسطو من فلاسفة الإسلام، بل يعد المؤسس الأوَّل للفلسفة المشَّائية وواضع أصولها الأولى في السياق الإسلامي. لذا لم يكن غريبا أن يحاولِ الاستدلال على وجود الله، ووحدانيَّته، وحدوث العالَم عن طريق النَّظر الفلسفي وحده؛ ليوضِّح فكرتَه تلك؛ أنَّ إيمانه الخاص، وعقيدته الدينيَّة، يمكن الوصول إليها عن طريق النظر العقلي الخالص، دون اعتمادٍ على النصِّ وحده.

ولة الكندي (185 – 256هـ / 801-870مكان الكندي فيلسوف العرب الأول الذي واجه لأول مرة الفلسفة اليونانية في المحيط الإسلامي، حيث خالف أرسطو في نقطة الخلق والرعاية واتصال الله بالعالم وإحاطته علماً بذلك، فقد كان أرسطو يرى أن لا علاقة بين الله والعالم إلا في جانب العلة الأولى التي بدأ بها الحركة والحياة في العالم، وبعد ذلك لا يليق بالمحرك أن يتصل بالعالم، وكأنه لم يبق للإله إلا التأمل في ذاته.

فحيث قال أرسطو بقدم العالم، قال الكندي بحدوثه، وحيث يقطع أرسطو الصلة بالله والعالم بعد ذلك، يحتفظ الكندي بتأكيد دوام الصلة والرعاية، ويستند الكندي في كثير من آرائه للقرآن للترجيح.

مؤلفاته
يلاحظ أن أغلب مؤلفات الكندي متصلة بالعالم الطبيعي وظواهره، ولم تظفر المسائل الميتافيزيقية برسائل كثيرة من إنتاجه، ولعل ذلك راجع لعدم قناعة الكندي بمعالجات الفلسفة اليونانية لهذه القضايا، لا سيما وأن الإسلام قد حسم هذه المشكلات الميتافيزيقية كأصل الكون، وحقيقة الخلق المباشر، والعناية الإلهية، وغيرها.

كما كان الكندي عالم كلام على مذهب المعتزلة، وهو بذلك مقتنع بالأدلة العقلية بشقيها المأثور الموجود في الوحي، وما أنتجته قرائح المتكلمين اهتداء بإرشاد القرآن، لذلك فكان للدين وللوحي والنبوة مكانة ترجح ما يأتي عبرها، على ما يأتي من سواها من فلسفات.

مهد الكندي للفلسفة في المحيط الإسلامي، وجعل الاشتغال بها ضرورة، لكنه لم يرجح آراء الفيلسوف على ما يأتي به النبي، ولم يفضل ما يأتي عن طريق الفلسفة على ما يأتي به الدين.

موقف الكندي من النبوة
لم يقصر الكندي وسائل المعرفة على الحس والعقل، بل أضاف إليهما الإشراق الذي تمثل قمته النبوة، ويؤكد أن هذا العلم خاص بهؤلاء الذين اصطفاهم الله، وهذا الاصطفاء ينأى أن يكون ما يأتي به هؤلاء مكتسباً بالبحث والدراسة، فلو أراد الفيلسوف الإجابة عن ذات الأسئلة التي طرحت على الرسل؛ فلن يتمكن من الإجابة عليها بمثل الوضوح الذي أجاب به الأنبياء، ويمثل لذلك برد الوحي على سؤال (من يحيي العظام وهي رميم؟) فكانت خلاصة الآيات تبين أن العظام قد وجدت بالفعل، بعد أن لم تكن، وعليه فمن الممكن إذا صارت رميماً أن توجد من جديد، فجمع المتفرق أسهل من صنعه من العدم، وإن تساوى الأمران بالنسبة لله تعالى، فالقوة التي ابتدعت، يمكن أن تعيد ما أبادت، إن هذا من أعظم الأجوبة برأي الكندي، وهو ما حجبت عنه العقول الجزئية، ويوضح الكندي لرواد الفلسفة أن النبوة ليست إلا مظهراً من مظاهر العناية الإلهية بهذا الكون.

ويظهر لنا أن الكندي أعلى من صوت الدين، وعليه فلم يفكر بالتوفيق بين الطرفين إلا بعد أن تيقن أن الفلسفة الحقة كما عرفها: “علم الأشياء بحقائقها” (علم الربوبية، وعلم الوحدانية، وعلم الفضيلة…) لذلك فصلتها قوية بالدين، فعلم الأشياء بحقائقها هي خلاصة المهمة التي جاء بها الرسل، وبالتالي فقد جمع الكندي بين الدين والفلسفة الحقة على أهداف وحقائق واحدة، ويرفض الكندي من وسم اقتناء الفلسفة بمعنى علم الأشياء بحقائقها بالكفر، ويرى أن دراستها واجبة على أن تسير في ركاب الدين، وأن تخدمه بإخلاص، عبر إثباتها بالأدلة العقلية ما جاء به الرسل، لتنتهي بعد كفاحها إلى ما انتهى إليه الدين، في الحقائق الكبرى المتصلة بالإله والعالم، وبقية الغيبيات.

،المصادر والمراجع

التيار المشائي في الفلسفة الإسلامية، حسن الشافعي، ص 128، دار البصائر، الطبعة الأولى 2014. [2] الموسوعة الفلسفية المختصرة، نقلها عن الإنجليزية: فؤاد كامل – جلال العشري – عبد الرشيد الصادق، ص 262:263، مكتبة الأنجلو المصرية. [3] الفلسفة الإسلامية في المشرق، فيصل بدير، ص 111، مكتبة الأسرة 2016. [4] الفلسفة الإسلامية في المشرق، فيصل بدير، ص 115:116، مكتبة الأسرة 2016. [5] الموسوعة الفلسفية المختصرة، نقلها عن الإنجليزية: فؤاد كامل – جلال العشري – عبد الرشيد الصادق، ص 263، مكتبة الأنجلو المصرية. [6] النزعات المادية في الفلسفة العربية والإسلامية – الكندي – الفارابي – ابن سينا، حسين مروة، ص 79:80، المجلد الرابع، دار الفارابي، الطبعة الأولى 2002. [7] التيار المشائي في الفلسفة الإسلامية، حسن الشافعي، ص 18:21، دار البصائر، الطبعة الأولى 2014.

1-تقديم عام لمجزوءة الفلسفة

1-مادة الفلسفة

2- المستوى جذع مشترك, جميع الشعب والمسالك

3- دروس الأسدس الأول

4- مجزوءة ما الفلسفة

5- الموضوع تقديم عام لمجزوءة الفلسفة

6- الأستاذ محمد بضاض

تقديم إشكالي

إن كلمة «الفلسفة» ليست غريبة عن مسامعنا، فهي متداولة بشكل واسع في لغتنا اليومية، إلا أن استعمالها كثيرا ما يتميز بنوع من الاستهزاء والتهكم، حيث أنها توصف بالثرثرة والكلام الفارغ وغير المفيد، وتنعت بالتعقيد والغموض، والغريب هو أن الفلسفة تتوخى الوضوح والدقة حتى في الأمور التي يعتقد الناس عادة بوضوحها، كما أنها تتهم بكونها أفكارا غير مألوفة، والحقيقة أن في هذه التهمة نصيب من الصحة لأن التفلسف في أحد معانيه هو خروج عن المعتقدات السائدة، والأفكار المألوفة، ونحن ننطق كلمة «فلسفة» ندرك فجأة أننا نصدر كلمة يونانية الاشتقاق اللغوي، حيث يمكن تجزئة اللفظ اليوناني «فيلوسوفيا» إلى مفردتين وهما: «فيليا» وتعني المحبة، و«سوفيا» وتعني الحكمة، ومن ثمة تكون الفلسفة هي محبة الحكمة، والذي يمارس هذا التعلق بالحكمة يسمى «فيلوسوفوس» أي الفيلسوف، ولمعرفة الفلسفة معرفة وافية لا بد من الإجابة عن الأسئلة التالية:

  • كيف نشأت الفلسفة؟
  • ما أهم المراحل في تاريخها؟
  • ما هي مظاهر التفلسف؟
  • ما هي أدوات التفكير الفلسفي؟

نشأة الفلسفة

تقديم

عندما وعى الإنسان ذاته في هذا العالم تساءل حول حقيقة وجوده، ووجود هذا العالم من حوله، وبما أن تفكيره كان في مرحلته البدائية، فقد اكتفى ببعض الإجابات البسيطة، دينية وأسطورية، ترجع أصل العالم إلى صراع بين قوى غيبية (الآلهة)، لكن ظهر بعد ذلك رجال لم يقتنعوا بهذه الإجابات، فأعادوا طرح نفس الأسئلة، لكنهم قدموا هذه المرة إجابات تعتمد على العقل، هذه الإجابات هي التي تسمى “الفلسفة”.

  • فأين ظهرت الفلسفة؟ ومتى؟
  • لماذا ظهرت في هذا البلد دون ذاك؟
  • ما هي الظروف التي أدت إلى ظهور الفلسفة؟

إطار النشأة

الإطار المكاني

لقد ظهرت الفلسفة لأول مرة في بلاد اليونان التي تحدها جنوبا جزيرة «كريت» التي شهدت بداية الحضارة والمدنية، وشرقا آسيا الصغرى التي كانت تعرف ازدهارا صناعيا وتجاريا وفكريا، أما غربا فتحدها إيطاليا، وأخيرا تحدها من جهة الشمال مقدونيا، تتميز بلاد اليونان من الناحية التضاريسية بالحواجز الطبيعية كالمرتفعات (الجبال والهضاب) مما جعلها عبارة عن مناطق منعزلة، ومع صعوبة المواصلات فقد تطورت كل مدينة في استقلال عن المدن الأخرى، حيث اعتمدت كل مدينة على الاكتفاء الذاتي اقتصاديا، كما كان لكل مدينة نظامها السياسي الخاص وحكومتها المستقلة سياسيا، ودينها وحضارتها المتيزة ثقافيا، وأشهر مدنها مدينتي إسبرطة وأثينا، حيث تقع مدينة أثينا في شرق بلاد اليونان، مما جعل منها البوابة التي يدخل من خلالها ترف وحضارة مدن آسيا الصغرى إلى المدن الإغريقية الناشئة، وكانت تملك ميناء وأسطولا تجاريا بحريا كبيرا، بعد أن حولت أسطولها العسكري الذي ساهمت به إلى جانب إسبارطة لصد أطماع الفرس الاستعمارية زمن داريوس، فأصبحت من أعظم المدن التجارية في العالم القديم.

الإطار الزماني

لقد ظهرت البوادر الأولى للتفكير الفلسفي في بداية القرن 6 ق.م في مدينة ملطية على ضفاف آسيا الصغرى، حيث أقام الأيونيون مستعمرات غنية ومزدهرة، وقد كان ظهورها على يد طاليس، وأنكسمندر، وأنكسمانس، الذين أرجعوا أصل الكون إلى قوى طبيعية: الماء، الهواء…، لكن الفلسفة بشكلها المكتمل لم تظهر إلا في القرن 4 ق.م بأثينا مع فلاسفة اليونان الكبار سقراط، أفلاطون، أرسطو.

فعل النشأة

لقد نشأت الفلسفة بفعل توفر سلسلة كاملة من الشروط في بلاد اليونان، ما بين القرنين 8 و4 ق.م وهي:

  • على المستوى الاقتصادي: نظرا لارتباط الإغريق بالبحر فقد ازدهرت لديهم الملاحة والتجارة والصناعة، مما أدى إلى بروز تقسيم العمل والمبادرة الفردية الحرة، كما ظهر النقد في المبادلات التجارية بدل المقايضة.
  • على المستوى الاجتماعي: ظهور الطبقات الاجتماعية نتيجة تقسيم العمل (الأحرار/العبيد) إضافة إلى ظهور المدينة – الدولة، التي سمحت ببزوغ عقلية جديدة، وقد اتسمت بالانسجام والتناغم، سواء على صعيد الفضاء الهندسي أو الجماعة البشرية التي تقطنها.
  • على المستوى السياسي: لقد تميزت المدينة اليونانية بسيادة الديمقراطية التي تمثلت في المساواة بين المجال الحضري والمجال القروي الذي كانت تشمله، فللقرويين والحضريين نفس الحقوق ونفس الواجبات، حيث يحتكمون إلى نفس المحاكم، ينتخبون نفس النواب، ويجتمعون تحت قبة نفس البرلمان.
  • على المستوى الثقافي: لقد كانت الثقافة مشتركة ومشاعة بين اليونانيين، ولم تعد امتيازا لبعض العائلات أو بعض الأدباء والمثقفين، نتيجة انتشار الكتابة الأبجدية التي أتاحت للمواطنين جميعا تعلم القراءة والكتابة، كما أن المجال كان مفتوحا أمامهم للمشاركة في الحفلات والحضور إلى المسارح للاستمتاع بجميع الإبداعات الفنية والأدبية.
  • على المستوى الفكري: لقد كان للديمقراطية السياسية، وإشاعة الثقافة تأثير على تطور الأفكار عند اليونان، فبعد أن كانت الحقيقة تعد سرا غيبيا يوحى، محروسا من قبل أسر معينة، صارت المعارف والتقنيات الذهنية معروضة أمام الجميع وفي واضحة النهار، وأصبحت قواعد العمل السياسي المتمثلة في الإشهار والنقاش الحر والحجاج، قواعد للفكر كذلك، تتجلى في نشر المذاهب والنظريات، وإخضاعها للنقد والمناظرة، وإعطاءها صورة استدلالية برهانية، وهذه هي مظاهر التفكير الفلسفي.

استنتاج

إن الفلسفة ليست معجزة إغريقية خص بها آلله اليونان دون غيرهم من الشعوب والأمم، وإنما هي ظاهرة تاريخية جاءت نتيجة تفاعل عدة شروط تاريخية: اقتصادية، اجتماعية، سياسية، ثقافية.

لحظات أساسية في تطور الفلسفة

إن الفلسفة ليست استثناء يونانيا، بل إن هذا الشكل من التفكير الإنساني قد ظهر في حضارات ومجتمعات أخرى بعد أفول الحضارة اليونانية، كالحضارة العربية الإسلامية، والحضارة الأوربية.

  • فما هي خصائص الفلسفة الإسلامية؟
  • وبما تتميز الفلسفة الغربية الحديثة؟
  • وما هي القضايا التي اهتمت بها الفلسفة المعاصرة؟

الفلسفة الإسلامية

تمهيد

لقد أنشأ الخليفة العباسي المأمون “بيت الحكمة”، وأمر بترجمة كل العلوم والمعارف اليونانية وعلى رأسها الفلسفة، مما أتاح للكثير من المفكرين العرب والمسلمين التعرف على التفكير الفلسفي، فاستوعبوه وأبدعوا فيه، فتمخض عن ذلك ظهور الفلسفة الإسلامية.

  • فما هي الفلسفة الإسلامية؟
  • وما علاقتها بالدين الإسلامي؟
  • وما موقف الشرع من التفكير الفلسفي؟

ماهية الفلسفة الإسلامية

تعتبر الفلسفة من أسمى الإبداعات الفكرية البشرية، ويعرفها الكندي بكونها معرفة حقائق الأشياء حسب قدرة الإنسان، لأن غاية الفيلسوف هي توخي الحقيقة على مستوى علمه وعمله، وأعلى درجة من درجات التفلسف هي الفلسفة الأولى (الميتافيزيقا)، التي تعنى بمعرفة الحقيقة الأولى (آلله)، التي هي سبب كل الحقائق الأخرى، لأن علم العلة أي السبب، أهم من علم المعلول أي النتيجة.

العلاقة بين الفلسفة والدين

إن الأفكار الواردة في الملة الفاضلة (الدين) كلها حقائق، والحقيقة في نظر أبو نصر الفارابي هي ما تيقن منه الإنسان إما عن طريق البداهة أو ببرهان، والملة الفاضلة شبيهة بالفلسفة، وبما أن الفلسفة فيها جزء عملي وآخر نظري، فإن الجزء العملي من الفلسفة هو الذي يعطي براهين (أسباب، وشروط، وغايات) الأفعال الواردة في الملة، كما أن الجزء النظري من الفلسفة هو الذي يعطي براهين الأفكار الواردة في الملة الفاضلة، إذن فالفلسفة حسب الفارابي، هي التي تعطي براهين ما تحتوي عليه الملة الفاضلة.

موقف الشرع من الفلسفة

مدخل

لقد تم القضاء على الفلسفة في المشرق بسبب الحملة المعادية التي تعرضت لها على يد الكثير من الفقهاء والعلماء، وعلى رأسهم أبو حامد الغزالي الذي ذهب إلى حد تكفير الفلاسفة في كتابه «تهافت الفلاسفة»، لكنها انبعثت من جديد في المغرب ووصلت أوجها على يد ابن رشد الذي دافع عن ممارسة التفلسف، ورد على الغزالي فلسفيا في كتابه “تهافت التهافت”، وفقهيا في كتابه “فصل المقال”.

الفلسفة عند ابن رشد

إن التفلسف في تصور أبو الوليد بن رشد هو نظر عقلي وتأمل في الموجودات، لغاية معرفة صانعها (آلله)، وذلك بواسطة الاعتبار، أي استخراج المجهول من المعلوم، وهو المسمى برهانا، لأنه كلما كانت معرفتنا بالصنعة أتم، كانت معرفتنا بالصانع أكمل.

فتوى ابن رشد

إن التعاطي للفلسفة حسب ابن رشد هو أمر مأمور به من جهة الندب (مستحب) بالنسبة لعامة الناس، ودليله في ذلك الآية التالية ﴿ أَولَم ينظُروا في ملَكُوت السّماوات والأَرضِ وما خلَق آللهُ من شيءٍ ﴾، ومن جهة الوجوب (فرض) بالنسبة للعلماء، ودليله في ذلك الآية التالية ﴿ فاعتبِروا يا أُولي الأَبصارِ ﴾.

استنتاج

إن العلاقة التي ربطت الفلسفة الإسلامية بالدين الإسلامي هي علاقة توافق وتكامل، على عكس الفلسفة اليونانية التي كانت متناقضة ومتصارعة مع الأساطير والمعتقدات الدينية لدى اليونان.

الفلسفة الغربية الحديثة

تمهيد

شهدت أوربا انطلاقا من عصر النهضة تطورا شاملا تمثل في تطور الرأسمالية اقتصاديا، وصعود البورجوازية اجتماعيا، وظهور الدولة الوطنية، وانتشار الحرية والديمقراطية سياسيا، وتشجيع الإبداع والعلوم، وانتشار المذاهب الفكرية ثقافيا، في خضم هذه التطورات ظهرت الفلسفة الغربية الحديثة انطلاقا من رافدين فلسفيين وهما رافد يوناني يتمثل في الرجوع إلى التراث الفلسفي اليوناني قصد غربلته، وإعادة إحياءه، ورافد إسلامي يتمثل في الاستفادة من إضافات وإبداعات الفلسفة الإسلامية، وخاصة الرشدية منها.

  • بماذا تتميز الفلسفة الغربية الحديثة؟
  • ما هي الخطوات التي ينبغي إتباعها للوصول إلى الحقيقة؟

الفلسفة العقلانية الديكارتية

إذا كان عامة الناس يصلون إلى الحقيقة بواسطة بحوث مضطربة تعتمد على الصدفة، فإن الفيلسوف في نظر رونيه ديكارت يصل إليها بواسطة منهج يعتمد قواعد يقينية، يبدأ بدراسة الأمور البسيطة والمنظمة، لينتهي إلى معرفة الأشياء المعقدة والصعبة.

الفلسفة النقدية الكانطية

إن العقل في تصور إيمانويل كانط عبارة عن مبادئ وتخطيطات خاصة تصدر أحكاما وفق قوانين ثابتة وضرورية، وينبغي عليه أن يتجه نحو الطبيعة ماسكا بإحدى يديه مبادئه، وباليد الأخرى التجربة، وأن يرغمها على الإجابة عن أسئلته لكي يبني الحقيقة.

الفلسفة الجدلية الهيغلية

لقد أحدث فريدريك هيغل منهجا ثلاثي الأبعاد في المعرفة أطلق عليه اسم الديالكتيك (الجدل)، يتكون من ثلاث لحظات وهي: القضية، نقيض القضية، التركيب، ينطلق من القضية التي تدخل في صراع مع نقيض القضية، فيصدر عنهما تركيب، هذا التركيب يتحول بدوره إلى قضية تدخل في صراع مع نقيض القضية، فيصدر عنهما تركيب، وهكذا دواليك.

استنتاج

إذا كان مركز الاهتمام في الفلسفة الإسلامية يتمثل في معرفة آلله، فإن الفلسفة الغربية الحديثة قد اهتمت أكثر بالإنسان، وقدرة الذات على الوصول إلى الحقيقة.

الفلسفة المعاصرة

تمهيد

إن التاريخ المعاصر الذي يعيشه العالم الآن قد بدأ انطلاقا من منتصف القرن 19م مع الثورة الصناعية بإنجلترا، وسيادة ظاهرة الاستعمار، وقد وصل حاليا إلى مرحلة تسمى العولمة، وقد تميزت هذه الفترة بسيادة العلم وسيطرة التكنولوجيا، والاهتمام أكثر بحقوق الإنسان، في هذا السياق الدولي ظهرت الفلسفة المعاصرة التي اتخذت بعدا كونيا.

  • فما هي القضايا التي اهتمت بها الفلسفة المعاصرة؟

الفلسفة والعلم

إن المعرفة العلمية في تصور إدغار موران ليست انعكاسا للواقع، بل ترجمة له، تحوله إلى نظريات متغيرة قابلة للتكذيب، لأن النظريات العلمية فانية، إن المعرفة العلمية تتطور على المستوى التجريبي بمراكمة «الحقائق»، وعلى المستوى النظري بإلغاء الأخطاء، إن العلم إذن هو معركة من أجل بلوغ الحقيقة من خلال الصراع مع الخطأ.

الفلسفة والإنسان

إن الإنسان في نظر جان بول سارتر كائن يتميز بخاصية أساسية هي الحرية التي تتمثل في قدرته على أن يخلق من ذاته ما يشاء في المستقبل، وإرادته في الاختيار بين كل الإمكانات المتاحة أمامه، كون هذه الحرية مرتبطة بالمسؤولية، وهي ليست مسؤولية اتجاه ذاته فقط، بل مسؤولية تجاه الإنسانية جمعاء، لأن الإنسان لا يختار الشر، بل ما يختاره دائما هو الخير لذاته ولجميع الناس.

الفلسفة والحقيقة

إن الحقيقة في تصور فريديريك نيتشه هي مجموعة حية من الاستعارات والمجازات والتشبيهات بالإنسان، لكن مع طول استعمالها غدت تتميز بالشرعية والسلطة والإكراه، إن الحقائق أوهام نسينا أنها كذلك، إن الحقيقة تقتل، بل إنها تقتل نفسها كذلك عندما تكتشف أنها عبارة عن أوهام.

استنتاج

إن الفلسفة عندما ظهرت كانت غايتها هي البحث عن الحقيقة، لكن هذه القضية ظلت محور اهتمامها إلى حدود الفترة المعاصرة.

استنتاج حول المحور

إن الفلسفة منذ ظهورها قد عالجت قضايا متنوعة، لكن كانت تركز في كل فترة على قضية معينة أكثر من غيرها من القضايا، فالفلسفة اليونانية اهتمت بحقيقة الوجود، في حين ركزت الفلسفة الإسلامية على الأمور الدينية، أما الفلسفة الحديثة فقد كرست جهدا كبيرا لوضع منهج يوصل إلى الحقيقة، وأخيرا نجد الفلسفة المعاصرة اهتمت أكثر بنقد المعرفة العلمية.

مظاهر فعل التفلسف

تمهيد

إن كنا نقصد بالتفلسف طرح أسئلة حول حقيقة الذات والوجود، فإننا سنجده عند كل الناس، لأن كل فرد يطرح مثل هذه الأسئلة على ذاته، بل سنجده حتى عند الأطفال، أما إن كنا نقصد به طريقة خاصة في التفكير تختلف عن الطرق أخرى كالتفكير الخرافي – الأسطوري – الديني، والتفكير العلمي…، فإن للفلسفة معالم ومظاهر تميزها عن باقي الأشكال الأخرى من التفكير.

  • فما هي المظاهر الأساسية التي تميز التفكير الفلسفي؟

العقلانية في التفكير

إن التفكير الفلسفي يقدم ذاته كتفكير عقلاني، أي تفكير مبني على العقل، والعقل في تصور أرسطو ينبني على أربعة مبادئ أساسية وهي:

مبدأ الهوية

أ هي هي أ، ويقضي بأن الشيء يكون دائما مطابقا لذاته، فالجبل هو هو الجبل وليس نهرا، والوجود هو هو الوجود وليس عدما.

مبدأ عدم التناقض

لا يمكن ل: أ أن تكون في نفس الوقت لا – أ ، ويقضي بأن النقيضين لا يجتمعان، وأن القضية ونقيضها لا يكونان معا صادقتين، بل إذا كانت أحدهما صادقة كانت الأخرى كاذبة بالضرورة، إذا كانت القضية أ = ب قضية صادقة، فإن نقيضها أ ≠ ب تكون قضية كاذبة بالضرورة.

مبدأ الثالث المرفوع

بين أ و لا – أ لا وجود لطرف ثالث، ويقضي بأنه لا وسط بين الصدق والكذب، فإما أن تكون قضية ما صادقة، وإما أن تكون كاذبة، ولا يمكن أن تكون صادقة وكاذبة في آن واحد، ومن جهة واحدة.

مبدأ السبب الكافي

لا شيء من لا شيءـ ويقضي بأنه لا يمكن لأي قضية أن تكون صادقة، ولا لواقعة أن تكون موجودة، دون سبب كافي يبرر لماذا تكونان على هذا النحو وليس على نحو آخر، وهو الذي يسمى بمبدأ العلية (السببية)، أي أن كل شيء موجود، الكرسي مثلا، لابد له من أربع علل وهي:

  • العلة المادية: المادة التي صنع منها الكرسي، أي الخشب.
  • العلة الصورية: صورة الكرسي، أي شكله وهيئته.
  • العلة الفاعلة: الصانع الذي صنع الكرسي، أي النجار.
  • العلة الغائية: الغاية التي من أجلها صنع الكرسي، أي الجلوس.

الدهشة الفلسفية

إذا كان الإنسان العادي يندهش من الظواهر الغريبة، فإن الفيلسوف يندهش من الأمور المألوفة والعادية، مثل الاندهاش من وجوده الخاص، ووجود العالم من حوله، إن الاندهاش من الظواهر العادية هو الذي يدفع الإنسان إلى التفكير الفلسفي، حسب شوبنهاور، إن الدهشة الفلسفية هي نتيجة لعدة شروط وهي:

  • درجة عالية من استعمال العقل.
  • الأمور المتعلقة بالموت.
  • التفكير في الألم.
  • التفكير في بؤس الحياة.

منهج الشك

لقد قدم لنا رونيه ديكارت منهجا إذا ما التزمنا بخطواته وشروطه سنصل حتما إلى الحقيقة، وهذا المنهج هو منهج الشك، أي الشك في كل الأحكام المسبقة، سواء التي ورثناها أو تلقيناها من العالم الخارجي، وخاصة تلك التي تبدو معقدة وغامضة، والتي تتشبث بنفوسنا تشبثا كبيرا، وأن لا نقبل إلا الأفكار البسيطة والبديهية، أي الواضحة بذاتها والتي لا تحتاج إلى برهان، فهذه الأفكار وحدها يمكن اعتبارها أفكارا حقيقية.

البحث عن الحقيقة

إن الفلسفة على حد تعبير اليونانيين نوع من المغامرة الاستكشافية التي نقوم بها لذاتها، إن جوهر الفلسفة هو البحث عن الحقيقة لا في امتلاكها، إن الاشتغال بالفلسفة حسب ياسبرز معناه المضي في الطريق، والأسئلة في الفلسفة أكثر أهمية من الأجوبة، فكل جواب يصبح بدوره سؤالا جديدا.

استنتاج

إن التفكير الفلسفي ينبني على أساس العقل، ويتخذ الشك منهجا له، وإذا كان دافعه الاندهاش من الأمور العادية، فإن غايته هي البحث عن الحقيقة.

أدوات التفكير الفلسفي

تقديم

إذا كانت الفلسفة طريقة خاصة في التفكير كما ذهب إلى ذلك فريدريك هيغل، فإن هذا الشكل من التفكير له معالمه التي تميزه عن باقي الأشكال الأخرى من التفكير، وله نمط اشتغاله الذي يرتكز على مجموعة من الآليات والتقنيات الخاصة بالفلسفة.

  • فما هي الأدوات التي يستعملها التفكير الفلسفي؟

1-طرح السؤال

إن أهم أداة يقوم عليها التفكير الفلسفي هي السؤال، ويختلف السؤال الفلسفي مثل «ما هو الوجود؟»، عن السؤال العادي مثل «أين توجد المحطة؟»، بكون الأول يتجه نحو الأسس العميقة للموضوعات التي يعالجها، إن الأسئلة الفلسفية في نظر راسل تعمل على إغناء تصورنا للممكن، وإثراء خيالنا العقلي، كما تحارب نظرتنا الدوغمائية (المتحجرة) التي تؤدي إلى انغلاق فكرنا، وتعمل في المقابل على توسيع هذا الفكر ليصبح بشساعة الكون الذي يتأمله.

2-بناء المفهوم

يكمن موضوع الفلسفة حسب جيل دولوز في بناء وإبداع مفاهيم جديدة بواسطة الحدس، وتكون قادرة على حمل تصورات الفيلسوف الخاصة، إن المفهوم هو الأداة التي تنقل اللغة من مستواها العادي والطبيعي، إلى مستواها الفلسفي المجرد.

3-البرهنة والحجاج

تعتبر البرهنة والحجاج حسب كوسيطا من الأدوات المهمة في التفكير الفلسفي.

  • البرهنة: إن البرهنة هي إقامة علاقة ضرورية بين المقدمات والنتائج، ونبحث فيها عما إذا كان الاستدلال يأخذ صورة القياس ويستجيب لمقتضيات المنطق.
  • الحجاج: يبحث الحجاج عما إذا كانت قضية ما صادقة أو خاطئة بالنسبة للمتحاور، كما يهتم بكيفية تسلسل القضايا داخل النص.

4-النسقية

إن النسق في نظر إيمانويل كانط عبارة عن وحدة معارف مختلفة، خاضعة لفكرة تتمثل في المفهوم العقلي لصورة الكل، إلا أنه داخل هذا الكل تتحدد كل عناصره المختلفة، كما تتحدد مكانة كل عنصر على حدة، إذن فالنسق شكل عضوي، وليس مجموعة مبعثرة.

5-استنتاج

للتفكير الفلسفي أدوات خاصة به وهي: السؤال، المفهوم، النسق، البرهنة والحجاج…، وتشكل كلها سلسلة متكاملة تسهم في معرفة واستكشاف حقيقة الإنسان والوجود.

استنتاجات عامة حول مجزوءة الفلسفة

إن الفلسفة ظاهرة تاريخية نتجت بفعل تضافر مجموعة من العوامل الاقتصادية، الاجتماعية، السياسية، الثقافية، وقد شهدت في تاريخها عدة مراحل، حيث اهتمت في المرحلة اليونانية بالقضايا الأنطولوجية (الوجودية)، في حين ركزت في المرحلة الإسلامية على العلاقة بين الفلسفة والدين، أما في الفترة الحديثة فقد كرست مجهودها لصياغة منهج يوصل إلى الحقيقة، لتنتهي في العصر الحالي إلى دراسة العلم والتقنية.

إن الفلسفة باعتبارها معرفة إنسانية، تتميز عن باقي الأشكال الأخرى من المعرفة بمجموعة من المظاهر، وعلى رأسها: العقلانية، أي ارتكاز التفكير الفلسفي على مبادئ المنطق، واعتمادها على منهج الشك، أي مراجعة كل قناعاتنا السابقة، ووضعها موضع تساؤل، إن الدافع الأساسي للتفلسف هو الاندهاش من الظواهر المألوفة والاعتيادية، أما غاية الفلسفة فهي البحث عن الحقيقة.

إن الفلسفة طريقة خاصة في التفكير تعتمد على مجموعة من الأدوات وعلى رأسها السؤال الفلسفي، والمفهوم، وهو الأداة التي تنقل لغة الفيلسوف من مستواها العادي والطبيعي إلى مستواها النظري المجرد، والبرهنة والحجاج، وهي آليات يوظفها الفيلسوف للدفاع عن مواقفه وتصوراته، وأخيرا النسقية التي تضفي على الأفكار الفلسفية نوع من الوحدة والتكامل.

إن الفلسفة تسعى إلى إنتاج قيم إنسانية نبيلة ومثل عليا باعتبارها غايات قصوى للوجود الإنساني، مثل: الإيمان بالاختلاف، والحوار، والتسامح والتعايش، ونبذ التعصب، واحترام حقوق الإنسان، والمرأة، والطفل، وذي الاحتياجات الخاصة… وهذا ما يوضح أن الفلسفة ليست مجرد ترف فكري لا علاقة له بالواقع الإنساني، بل هي معرفة مرتبطة بحياة الإنسان وسلوكاته.

الارادة ومفهومها عند الفيلسوف ارثر شوبنهاور

آرثر شوبنهاور فيلسوف ألماني، يشتهر عادة بتشاؤمه تجاه الحياة بوصفها “بندولًا يتأرجح بين الألم والملل”، وقد عاش شوبنهاور بالفعل وحيدًا ومغمورًا في الجزء الأكبر من حياته، لكن وحدته أو معاناته الشخصية لم تكن كما يظن البعض سببًا أساسيًا في صياغة آرائه التشاؤمية عن الحياة، بل على العكس من ذلك، لم تكن حياة شوبنهاور -على الأقل في بدايتها- بذلك السوء الذي قد نتصوره، ويمكن القول بأن كثيرًا من الفرص كانت مُتاحة أمامه ليعيش حياةً أكاديمية وبرجوازية هادئة تُرضي جمهور الناس، فقد تلقى شوبنهاور تعليمًا راقيًا منذ صغره، وأتقن العديد من اللغات الحديثة والقديمة، كما ذهب إلى حفلات الرقص والمسرح في شبابه، ومارس الجنس مع الممثلات والخادمات وحتى العاهرات.

وأقامت أمه جوانا أيضًا صالونًا حضره كثير من المثقفين ومن بينهم الشاعر الألماني الكبير گوته، لكن آرثر كان على خلاف دائم مع والدته خصوصًا بعد وفاة والده.

حصل شوبنهاور فيما بعد على الدكتوراه من جامعة برلين، وكان مُقدرًا له أن يحظى بمسيرة تدريس هادئة لولا أنه اختار -بعناد وشجاعة وربما سذاجة- إلقاء محاضراته بنفس التوقيت الذي كان يُلقي خلاله فيلسوف ألمانيا الأبرز في ذلك الوقت جورج هيـگـل محاضراته، فلم يستمع أحد إلى شوبنهاور الذي قرر اعتزال التدريس والتفرغ للكتابة.

طرح شوبنهاور آراءه الثاقبة للغاية في العديد من المسائل، بدءًا بنظرية المعرفة وفلسفة العلم وصولًا إلى فلسفة الأخلاق والفن، وقد كان مُتأنيًا في تفكيره، مُقتديًا بالفيلسوف الألماني كانْت “العظيم” كما كان يحلو له وصفه، تحديدًا في ممارسة النقد الذاتي الصارم على أفكاره

كل شيء هو إرادة

¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤

يُميّز شوبنهاور بين نوعين من الحركة في الطبيعة: الناشئة عن دوافع، والناشئة عن مثيرات. تُشير الأولى إلى الحركات الناتجة عن فعل الإرادة الباطنية في الطبيعة، في حين تُشير الثانية إلى الحركات الناتجة عن تعرض حواسنا لمُثير طبيعي ما (مثل الضوء الذي يُثير نشاط العين) وتخضع لقانون طبيعي (فيزيائي).

لكن وفقًا له، فإن الحركات من النوع الثاني تحمل في باطنها النوع الأول، أي إنها إحدى تجليات الإرادة. ويُقدم دليلًا عميقًا على ذلك، فهو يرى على سبيل المثال أن انقباض عين الإنسان عند تعرضها لضوء زائد عن الحد يتخطى عتبة إحساسها يحدث بناء على مُثير لا شك أنه الضوء في هذه الحالة.

ولكن ذلك الانقباض يُعبر كذلك عن حركة مبنية على دافع للإرادة التي تريد حماية شبكية العين من الأثر المُؤذي والمُؤلم للضوء الشديد. ومن هنا تكون حركات وأفعال الجسد لدى شوبنهاور تجليات للإرادة، فما ندعوه لذة أو راحة ليس سوى ما يتوافق مع الإرادة، أما الألم فهو إحساس مضاد ومُؤرِق لها.

ولذا يُمكن وصف اللذة والألم بأنهما التمثلات الحسية المُباشرة للإرادة، أي أنهما بعبارة أخرى: انعكاس الإرادة على الجسم، واللغة التي تعبر بها الإرادة عن رضاها أو سخطها تجاه ما تتعرض له، أو بالأصح ما يتعرض له تجسدها المادي (جسد الكائن). ومن هنا يمكن فهم لِمَ يبدو الجسد البشري مُوافقًا وصالحًا لمجموعة من الغايات، فهي غايات الإرادة ذاتها، وهذا الجسد الذي يصفه شوبنهاور بأنه التحقق الموضوعي للإرادة. بعبارة أخرى، يُناظِر تركيب الجسم تمامًا الحاجات والرغبات الأساسية التي من خلالها تكشف الإرادة عن ذاتها.

فنحن -من وجهة نظر شوبنهاور- لا نجوع لأن لدينا معدة، وإنما لدينا معدة فقط لأنها تخدم غاية إحدى تمثّلات الإرادة العمياء أي الجوع. وهكذا، فإن “الأسنان والبلعوم والأمعاء هي جوع مُتجسد” كما أن “أعضاء التناسل هي دافعية جنسية مُتجسدة” وقد تمثلت في صورة أعضاء مادية.
تنشأ هذه الدافعية بشكل مُسبق بفعل الإرادة الباطنية التي تتخلل كل أجزاء الطبيعة، ويظهر ذلك بشكل خاص في “الوظائف الحيوية لأجسامنا التي لا تكون مُوجَهة بالمعرفة، وفي كل ما تقوم به من عمليات حيوية وإنمائية: كالهضم، والدورة الدموية، والإفرازات، والنمو والتكاثر” التي تُمارس بوصفها انفعالًا غريزيًا توليديًا للخلايا الحية، وليس للمعرفة أي شأن به.

تُوجَد إذًا غايات (إرادية) تسعى إليها الحيوانات (بل والجمادات أيضًا) عبر سلوكها بطرق معينة دون أخرى، وهي طُرق لاواعية في الغالب، كما لو كانت (الغاية) دافعًا معروفًا بشكل مُسبَق لديها، لكنها تظل في الحقيقة على جهل بها.لذا فإن سلوكها لا يتوجه تبعًا للمثيرات الطبيعية فقط، وإنما بفعل تلك الإرادة الباطنية في الطبيعة التي هي اندفاع أعمى غير عاقل نحو الحياة. وهي التي تجعل “الطائر الذي يبلغ من العمر عامًا واحدًا يبني عشًا” بينما لا يملك أي فكرة عن البيض الذي يبني له ذلك العش، كما تجعل العنكبوت الصغير ينسج خيوط شبكته لأول مرة، في حين لا يملك أي فكرة عن أنها ستضمن له طعامه (الحشرات).

لكن ذلك لا يعني أن تلك الإرادة تُناظِر إلهًا، أو أنها إرادة واعية أقرها هذا الإله، فهي عفوية وعمياء تمامًا، كما أنها بلا معنى في ذاتها وهي “في ذاتها بلا سبب”، ولا علة أنشأتها وحددت لها غاياتها كما يُؤكد شوبنهاور، وذلك مصدر عبثية وخواء ولا-معنى العالم الذي أحدثته.

فلا يُمكننا أن نطابقها بإله ما أو نصفها بأنها إرادته الفاعلة في الطبيعة، وذلك لأن الإله لا يتجلى أو يتجسد في الطبيعة (إلا لدى المؤمنين بالحُلول وهنا سيصبح الإله هو الإرادة وقد سميناها إلهًا لا أكثر)، كما أن عشوائية الإرادة وتجلياتها التي بلا حصر تجعل من المستحيل أن يكون لها مُنظِم، أو أن يستوعبها عقل واحد مهما بلغت قدرته، فهي لا تختار رغباتها وفقًا لخطة مُنظمة وإنما تفعل بغرض الفعل، وتتحرك بغرض الحركة دون وجهة مُحددة، وتخلق أثناء حركتها رغبات عديدة مُتجددة بعفوية وفوضى تامة.

بالطبع، لم يُعارض شوبنهاور قوانين الطبيعة، ولم يرفض العلاقة بين الأسباب والمُسببَات (بل إنه شدد عليها شارحًا نظريته في العلة الكافية ببراعة شديدة في كتاب مُنفصل)، لكنه حاول البحث منذ البداية عن الطبيعة الميتافيزيقية للعالم، “الشيء في ذاته” الذي نفى أستاذه كانْت قدرتنا على سبر أغواره، والحقيقة التي تقف وراء الوجود، والتي تجعل سلوك قوة مُعينة بهذه الطريقة دون غيرها، وليس مُجرد تنظيم الظواهر في قوانين وهو ما يقوم به العلم.
فالعلم لدى شوبنهاور هو ما يبحث فقط في عمل/سلوك الظاهرة، وليس عن “الطبيعة الباطنية لها”. فهو يُعرفنا على “الترتيب المُنظَم الذي وفقًا له تظهر حالات وشروط المادة” وما يُمكّننا من تفسير التغيرات الحادثة لها.

وهكذا، عندما يدرس العلم ظاهرة كالحركة، فإن كل ما يفعله هو ترتيب حالات وشروط حركة وسكون الأجسام في صورة قوانين تُمكنه في النهاية من تصميم شيء مُعقد كالطائرة النفاثة مثلًا، فقط لأنه قام بمراعاة نفس قواعد فعل وتنظيم الحركة التي استخلصها من مشاهداته وتجاربه على الأجسام المُتحركة، فعرف أنه عند فعل “أ” تحدث “ب”، أو عند ظهور “ج” فذلك لأن “س” حدث في وجود “ص”…إلخ.
لكن ليس عند العلم الاهتمام ولا القدرة على أن يخبرنا بطبيعة الحركة في ذاتها، فهو يفترض على سبيل المثال “المادة، والوزن، وعدم القابلية للنفاذ، وقابلية توصيل الحركة بصورة مُسبقة، ويسميها قوى الطبيعة”، وهو قادر بالفعل على أن يُفسر بدقة كيف ومتى تفعل كل مُنها أو متى يظهر أثر كل قوة منها.

إذًا فقد مكننا العلم من معرفة سلوك وفعل القوة في الطبيعة، أما القوة الطبيعية نفسها التي يستعملها في التفسير فهي ما تزال سرًا يُقدِم العلم وصفًا وتصنيفًا لتمثّلها (عملها) في الطبيعة، لكنه غير قادر على أن يُخبرنا ما هي القوة بالضبط، فهو يتوقف عند “حدود الظاهرة ونظامها”، بحيث يُوضح كيف يستمر الإلكترون في الدوران حول النواة دون أن يسقط ويصطدم بها، وذلك بفعل التوازن الذي تُحدثه القوة الجاذبة للمجال الكهربي بينهما ضد قوة الطرد المركزي النافرة الناتجة من حركة الإلكترون، لكن لماذا نشأت منذ البداية مجالات كهربية بين الشحنات المختلفة وليست مجالات من نوع آخر لا نعرفه؟ أو لماذا تعمل دومًا سرعة دوران الأجسام على إبعادها عن مسار دورانها (الطرد المركزي)؟

بالتأكيد وضع العلماء معادلات دقيقة تصف حدوث ذلك وتردّه إلى عمل القوى الطبيعية المُختلفة، لكنها لا تصف الطبيعة الباطنية لتلك القوى التي تفرض عليها (بصورة مُسبقة) أن تخلق مجالًا دون غيره أو تُحدث تأثيرًا كالطرد دون غيره، تلك هي الطبيعة التي يسميها شوبنهاور إرادة، وهي تتخلل الكون بموجوداته الواعية واللاواعية على السواء.
فحتى النباتات تتوجه بطرق لاواعية مُحددة دون غيرها بفعل الإرادة، تتيح لها إمكانيات النمو والتكاثر، كما أن المغناطيس يجذب المعدن بفعل الإرادة.

عزاء الموسيقا أو المادة الخام للإرادة

◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇♡♡♡♡♡♡

في رأي شوبنهاور، تظل الإرادة في ذاتها وكما هي، خفية وغامضة لا نستطيع إدراكها كما هي، وإنما نُدرك تجلياتها وآثارها الجزئية فقط حتى نستمع إلى الموسيقا، فالموسيقا حضورٌ نقي للإرادة يجعلنا نشعر بباطن العالم، بذلك الجوهر الخفي علينا الذي نفشل في التعبير عنه من خلال اللغة التي هي في النهاية أحد تجسدات الإرادة الجزئية. فالموسيقا هي ما يمكننا وصفه بالمادة الخام للإرادة.

إنها كلٌ لا يُمكن تفكيكه في أفضل الأحوال سوى إلى أعداد، هكذا كان العدد هو فقط ما يلائمها بصفته أكثر الموجودات تجريدًا. وقديمًا ربط فيثاگـورس الموسيقا بالأعداد، جاعلًا من الأخيرة جوهر الوجود.

وجاء شوبنهاور ليجعل من الموسيقى أقرب ما يكون إلى الإرادة كما هي، دون تعديل أو تجزيء أو تجسد، وهذا السبب في أنها تغزونا، إذ أنها تشابه الكل الذي جئنا منه والأصل الذي تُمثل أجسادنا وعقولنا أحد فروعه وتمثلاته. هكذا كان روكنتان بطل رواية سارتر “الغثيان” يجد راحة مؤقتة من شعوره الدائم بالغثيان والملل عندما يستمع إلى أغنية “بعض هذه الأيام”، فهي تتخطى الوجود الطبيعي (الفيزيائي).
وإذا عدنا إلى شوبنهاور فإنها تستبطنه وتزن أعماقه وتملأ فراغاته، فهي لا تشترط ذاتًا تُدركها، وإنما فقط تتحرك وتفعل وتدور بغرض الدوران وتسير بغرض السير، تمامًا كالإرادة.
إنها أحد الملاجىء التي يدعونا شوبنهاور إلى اتخاذها ضد المعاناة والانتحار، فعلى الرغم من إعادة اكتشافه الإرادة، إلا أن شوبنهاور كان أشبه بباندورا المرأة التي فتحت صندوق الإله زيوس الذي يختزن أصول معاناة البشر من أصناف الشرور.

فقد وجد شوبنهاور أن الإرادة دومًا نهمة وساخطة لا ترضى وتطلب المزيد، فكلما حققت غاية، ملّت منها سريعًا وتاقت إلى أخرى جديدة، ومن هنا تنبع معاناة الشوق والانتظار والتعلق. لذا امتدح شوبنهاور البوذية والرواقية، وبنى عليهما أساس فلسفته الأخلاقية التي عبر فيها عن احترام عميق لحالة النيرفانا أو الأباثيا، وهي حالة السلام الذي يتحقق عبر التحرر قدر الإمكان من الرغبات والعيش في الحاضر.
لقد كان شوبنهاور متشائمًا، لكن ليس بغرض الظهور أو ادّعاء الذكاء، وإنما لأنه أدرك أنه نادرًا ما تتحقق غايات الرغبة، وحتى إذا ما تحققت فإنها تبقى لأقل وقت ممكن وبعدها تزول، وما يبقى هو الروتين واللهث وراء الغايات دون طائل في معظم الأوقات.

من هنا وصف الحياة بأنها “بندول يتأرجح بين الألم والملل”، وقد اقترح الفن والزهد البوذي-الرواقي علاجًا لتلك المعاناة، وذلك لأن الإبداع الفني يشترط التحرر من الإرادة، أي التحرر من رغباتنا الجزئية أثناء تأمل العالم من حولنا دون غاية مادية نفعية، وإنما بغرض اكتشاف الجمال، وأيضًا لأن الزاهد البوذي-الرواقي يتحرر من عبودية الإرادة عبر تحرره من الرغبة وتكيفه مع تغير الأشياء والأشخاص وفقدانهم.
لقد كان شوبنهاور فيلسوفًا شجاعًا فجر في هدوء حقيقة الوجود فوق رؤوسنا، فتطايرت شظاياه كاشفة عن مُجرد إرادة عمياء بلا معنى أو هدف سوى الاستمرار في الحركة التي تُحرِك بها موجودات العالم، وفي حركتها تجلب الألم للكائنات الواعية ومنها البشر، وهو ألم الرغبة بغايات مُستقبلية ما إن تُدركها الإرادة حتى تملها وتبغضها، مستأنفة الحركة ومعها ألم الرغبة والشوق إلى غايات جديدة في دائرة مُغلقة لا يُنهيها سوى الموت.

فكانت لديه على حد تعبير عالم النفس كارل يونـگ “الشجاعة ليرى أنه لم يكن كل شيء في الكون قد أُسِسَ من أجل الأفضل”، وأن أفضل ما يُمكن التطلع إليه هو حياة الحكيم البوذي-الرواقي، أي حالة سكون الرغبة القادرة على تهدئة النفس التي قد نُعزّيها من حين لآخر بالفلسفة والفن، وخصوصًا الموسيقا، وذلك حتى نحقق السلام لذواتنا اللاهثة المُضطربة.

المراجع

العالم إرادة وتمثلًا، أرثر شوبنهاور، ترجمة د.سعيد توفيق، ص 38، و211

الوجود والعدم للفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر

ملخص وقراءة لكتاب الوجود والعدم

جان بول سارتر جان بول سارتر فيلسوف فرنسيٌّ يعتبر من أعظم فلاسفة المذهب الوجوديِّ والجدليَّة ومن أبرز الشخصيَّات الفرنسيَّة في القرن العشرين، ولدَ سارتر في باريس عام 1905م، كان سارتر كاتبًا مسرحيًّا وفيلسوفًا وناشطًا سياسيًّا فرنسيًّا مشهورًا، أثَّر في بعض المَجالات المعرفيَّة مثل علمِ الاجتماع والدراساتِ الأدبيَّة، وكان شخصيَّة بارزة في كلِّ من الفلسفةِ الوجوديَّة والفلسفةِ الظواهريَّة، ومن أشهر كتبه “الوجود والعدم”، فازَ بجائزة نوبل في الأدب عام 1964م لكنَّه رفضَها، لأنَّ الكاتب في رأيه لا يجِب أن يصبحَ مؤسَّسة، توفي عام 1980م بعد أن أصبحَ شبه أعمى وتعرَّض لوذمة رئوية،

الإنسان في الفلسفة وعن كتاب الوجود والعدم

الإنسان في الفلسفة وفق الكثير من الآراء الفلسفيَّة التي بُنيت على آراء الفلاسفة القدماء مثل أرسطو وأفلاطون فإنَّ الإنسان حيوان ناطق أو عاقل، فما يميِّز الإنسان هو العقل الذي يجعلُه مباشرةً ضمنَ إطار المسؤوليات والتكاليف. وقد تغيَّرت هذه النظرة كثيرًا في العصر الحديث فقامت الفلسفة الحديثة بعمل انقلابٍ هائلٍ في تعريف الإنسان، وتضمَّن هذا الانقلاب تقييم الأبعاد المعرفية والقدرات العقلية للإنسان. فلم تؤكد هذه الفلسفة على ما جاء به الفلاسفة القدماء من تصورات فلسفيَّة عن الإنسان كما أنَّها لم تعطِ الأبعاد العقلية أيَّ اعتبار وقامت بإهمال هذا الجانب العقلي واعتبرته مجرَّد قوى غريزيَّة لا شعوريَّة،

ومن أشهر الفلاسفة الذين قاموا بإخراج العقل من التصوُّرات الفلسفيَّة هو الفيلسوف الألماني الشهير نيتشه، الذي اعتبر العقل غريزة كباقي الغرائز التي تُبقي الإنسان على قيد الحياة وهذه وظيفته فقط وبذلك انتهى نيتشه إلى الدعوةِ بتغيير وظيفة العقل وتحويلها من معرفيَّة إلى وسيلةٍ لخدمة الغرائز. أمَّا في المذهب الوجودي فيؤمنُ الوجوديون بالوجودِ الإنسانيِّ قبل كلِّ شيء، ويتَّخذونه منطلقًا لكلِّ أفكارهم، ويعتقدون أنَّ الإنسانَ هو أقدمُ شيءٍ في الوجود، وكلُّ ما قبلَه كانَ عدمًا، ويعتقدون أنَّ وجود الإنسان سابِق لمَاهيَّته، ويقولونَ: “إنَّهم يعملونَ لإعادةِ الاعتبارِ الكليِّ للإنسان، ومراعاةِ تفكيرِه الشخصيِّ، وحريَّته، وغرائِزه، ومشاعِره”.

ويرى سارتر في كتاب الوجود والعدم أنَّ على الإنسان أن يخلقَ القيمة بنفسه وأن يرفضَ القيمة القديمة القائمة، فحياة الإنسان كما يعتقد مصنوعةٌ من المستقبل كما الأجسام مصنوعةٌ من الفراغ وفق تعبيره، لأنَّ وضع الإنسان في العالم يحدُّ من حرِّيته وعليه أن يقابل ذلك بمشروع، ومن اللا أخلاقي أن يرفض الإنسان هذا الخلق المستمر وأن يسترخي في ماضيه، وليس هناك جوهر متجمِّد عليه أن يحترمَه إنَّما هناك وجود جديد عليه أن يسوِّغه من دون انقطاع.

كتاب الوجود والعدم كتاب الوجود والعدم من أشهر كتب الفلسفة للفيلسوف الفرنسيِّ جان بول سارتر كتبه عام 1943م في الفلسفة الوجودية، فبعد أن كان سارتر أسيرَ حربٍ قرأ كتاب الوجود والزمان للفيلسوف هايدجر وقد ألهمه هذا الكتاب مساره الفكري وقد كتب الوجود والعدم بنفس الروح تقريبًا، هدف سارتر الرئيسي في الكتاب أن يؤكد على المعتقد الأساسي في الوجودية وهو أنَّ وجود الفرد -كما كان- قبل جوهر الفرد، وبمعنى آخر: الوجود يسبقُ الجوهر أو الماهيَّة، وكان اهتمامه مُنْصَبًّا أيضًا على إثبات وجود الإرادة الحرة.

وكان سارتر في كتاب الوجود والعدم يشكِّك دائمًا في أي مقياس يمكِّن الإنسان من الوصول إلى الاكتفاء، والإنسان في رأيه كائنٌ مدفوع برؤية الكمال وهذا ما يسمِّيه سارتر العلاقة الزوجيَّة وحرفيًّا الكائن الذي يسبب نفسَه، وذلك عند الولادة في الحقيقة المادية التي هي وجود المرء نفسه، فعند ذلك يجد المرءُ نفسه تلقائيًّا موضوعًا في الوجود، لأن الوعي لديه القدرة على تصوُّر الاحتمالات والإمكانيات وإظهارها أو القضاء عليها على حد تعبيره، ويدَّعي سارتر أنَّ الوجود البشري ما هو إلا لغزٌ يوجَدُ فيه كلُّ واحدٍ منَّا، طالما أنَّنا نعيش في ظلِّ حالةٍ عامَّة من العدم، ولذلك يعتبرُ كتاب الوجود والعدم من الكتب التأسيسيَّة في الفلسفة الوجوديَّة

الكينونة والعدم: بحث في الأنطولوجيا الفنومينولوجية (بالفرنسية: L’Être et le néant: Essai d’ontologie phénoménologique)، هو كتاب فلسفي للفيلسوف جان بول سارتر كتبه في عام 1943. يعتبر الكتاب من الكتب التأسيسية في الفلسفة الوجودية، حتى إنه يعرف بـ”إنجيل الوجوديّة”. ولذلك فإن هدف سارتر الرئيسي في الكتاب هو تأكيد المعتقد الرئيسي في الوجودية، وهو أن وجود المرء يسبق ماهيته (“الوجود يسبق الماهية”). اهتمام سارتر الأساسي في الكتاب كان إثبات وجود حرية الإرادة. بينما كان سجين حرب في عامي 1940 و1941، قرأ سارتر الوجود والزمان لهايدغر، وهو دراسة أونتولوجيّة من خلال نهج الفينموينولوجيا الهوسرلية (كان هوسرل معلّم هايدجر). قراءة “الوجود والزمان” ألهمت سارتر واستهلّت مساره الفكري، وقد كتب كتابه هذا على نفس المنوال كما يوحي العنوان.

لكن رغم تأثره بهايدجر، كان سارتر يشكّ بشدة في أي مقياس يمكّن الإنسان من الوصول إلى الاكتفاء، كما يحصل مع هايدجر عند الالتقاء المزعوم مع الوجود. في سرديّة سارتر، الإنسان كائن مدفوع برؤية للكمال، يسميه سارتر “كائنًا يسبب نفسه”. عند الولادة في الحقيقة الماديّة التي هي جسد المرء، يجد المرء نفسه موضوعًا في الوجود. للوعي القدرة على تصوير الإمكانيات، وإيجادها، أو إبادتها

الوجود عند سارتر هو العالم المادي المحسوس الذي يتحرك فيه الإنسان.

ولكن هناك عالم آخر وعالم العدم le neant وهو يقصد به ضمير الإنسان.

وتقول سيمون دي بوفوار أنها سمعت بكلمة الوجودية عندما سألها أحد الصحفيين قائلا (وأنت يا سيدتي هل أنتي أيضا وجودية

يرى. الفيلسوف سارتر أن المفهوم الرئيسي للوجودية هو أن وجود الشخص يسبق جوهره. العبارة “الوجود يسبق الجوهر” أصبحت لاحقًا شعارًا من شعارات التيار الوجودي. ببساطة، يعني هذا أنه ما من شيء يحدد شخصية المرء أو أهدافه إلخ، إنما الفرد وحده هو الذي يعرّف جوهره. حسب سارتر، فإن المرء “أولًا يوجد، يلقى نفسه، يندفع في العالم، ومن ثم يعرّف نفسه.”

إذًا، يرفض الفيلسوف سارتر الأعذار الحتمية، ويدّعي أنه على الكل تحمّل مسؤولية أفعالهم. يعرّف سارتر الجزع بأنه الشعور الذي يشعر به الشخص حينما يكتشف أنه مسؤول ليس عن نفسه فقط بل عن كل الإنسانية. الجزع يجعل الشخص يكتشف أن أفعاله تقود الإنسانية وتمكّنه من الحكم على الآخرين بناء على موقفهم من الحرية. الجزع يتعلّق أيضًا بمفهوم سارتر للأسى، والذي يعرّفه بأنه الاعتماد المتقفائل على مجموعة من الإمكانيات التي تجعل الأفعال ممكنة. يدّعي سارتر أنه “في تكويني نفسي، أكون الإنسان”، يعني أن فعل الفرد يؤثّر في ويكوّن الإنسانية.

يقوم أيضًا سارتر بالرد على ما يعتقد أنها تهم ضد الوجودية. فيردّ على من ينعت الوجوديّة بأنها فلسفة تشاؤمية، قائلًا: إن الفلسفة الوجودية فلسفة متفائلة لأنها في صميمها فلسفة تضع الإنسان مواجها لذاته، حرًا، يختار لنفسه مايشاء، وهذا أمر مزعج لا يعجب الناس.”

خلاصة

يمكن تلخيص رؤية سارتر للعلاقة بين الهوية والحرية بالطريقة التالية: للبشر هوية ولكنهم يتجاوزونها. نُعرّف بأفكارنا ومشاعرنا وقيمنا، ونُعرّف بظروفنا و مجمل تجربتنا. ومع ذلك، نحن في الوقت نفسه نعي هذه التجربة، وبالتالي نكون على مسافة عنها. لدينا أسئلة، ومعضلات، ولحظات من القلق الوجودي والأخلاقي التي تجعلنا ندرك نقصنا وقصورنا. هناك نقص جوهري داخل الحاضر يشل أفكارنا وأفعالنا. لا شيء يمكن أن يحدد لنا تمامًا معنى العالم أو اتجاه حياتنا. ومع ذلك، نحن قادرون على تجاوز كل ما نحن عليه وتصور المستقبل الذي سيمنح معنى للحاضر. من خلال الفعل الحر من أجل غاية غير موجودة بعد، نوجه أنفسنا إلى هذا الهدف ونجعله حقيقيًا بالنسبة لنا. بهذه الطريقة نفهم العالم ونعطي معنى لحياتنا من خلال التزاماتنا النشطة.
الإنسان ليس هوية حاضرة جامدة ولا هدف مستقبلي غير ملموس. نحن نتشكّل من خلال علاقة قمنا باختيارها بحرية بين هوية حالية و غاية. تتضمن الشخصية بالضرورة كل من الحقائق التي تحددنا والحركة وراء هذه الحقائق إلى ما نسعى إلى أن نصبح عليه. فهي تنطوي على الجوهر والوجود، وحيازة الذات والتجرّد منها، والإستبطان والنشوة، الحاضر والمستقبل، الحقيقي والمثالي، الدلالي والشرطي. أنها تنطوي على ما هو حقيقي، وما يمكن أن يكون. في فهم سارتر، نحن نشكل هويتنا الشخصية من خلال قبول من نحن وحرية التحرك وراء هذا.