تأنيب الضمير:

تأنيب الضمير أمر طبيعي يدل على أن الشخص يمتلك ضمير حي وقلب نقي، ولكن في بعض الحالات يصبح الأمر مرضي، فيشعر الشخص بالتأنيب للضمير بسبب أي تصرف يقوم به أو حتى كلمة يقولها فتضايق أشخاص آخرين، فيتسبب ذلك في عدم قدرة الشخص على‎ النوم‎، كما يتسبب بإرهاق شديد للعقل.‎

أسباب تأنيب الضمير‎
يوجد العديد من الأشياء التي من الممكن أن تتسبب في شعور الشخص بتأنيب ضميره، ويختلف السبب بإختلاف الشخص وبإختلاف الموقف الذي يمر به، ومن المواقف التي من الممكن أن تتسبب في شعور الشخص بتأنيب ضمير ما يلي:‎
– فهناك من يخاف أن يجرح مشاعر الأخرين فيعاتب نفسه على كل كلمة وكل فعل يفعله حتى ولو كان صحيح ومقتنع به لكن هذا الفعل تسبب في غضب شخص ما.‎
– وهناك من يعاتب نفسه على تقصيره في أي واجب من واجباته، وهذا التقصير تسبب في مروره بحالة من‎ الفشل‎ أو الإخفاق في أمر ما، مثل الطالب الذي يقصر في مذاكرة دروسه فتكون النتيجة رسوبه في المدرسة، وغيرها من المواقف.‎
– هناك أشخاص أخرون يعاتبون أنفسهم بسبب تقصيرهم في عبادتهم، وهذا الأمر جيد ويشير لخوف العبد من ربه، فيعاتب نفسه لو أجل صلاته لسبب ما، أو لتقصيره في أي أمر آخر له علاقة بالعبادة.‎
– هناك من يعاتب نفسه بسبب خطوة كان لابد من أن يقوم بها ولكنه تأخر فكان هذا سبب في ضياع فرصة هامة بالنسبة له.‎
على ماذا يدل تأنيب الضمير‎

الشخص الذي يؤنب نفسه دائما هو شخص ضميره حي، ويخاف الله، ويتمتع هذا الشخص بقلب نقي وفطرة حسنة، وفي بعض الحالات يكون التأنيب للضمير شعور نابع من الإحساس بالفشل و‎الهزيمة‎، ومرور الشخص بفترة نفسية صعبة، كأن يكون التأنيب بسبب التقصير في الواجبات مثلا.‎
كيفية التخلص من تأنيب الضمير‎
بالرغم من أن تأنيب‎ الضمير‎ أمر جيد ولكن في بعض الحالات يصل الأمر لحد المرض، فلا يستطيع الشخص النوم أو حتى إراحة عقله، فيصبح هذا الشخص يرهق عقله دائما بكلمة لو، لو كنت فعلت كذا لصار كذا، وبالطبع هذا التفكير لن يغير من الاأمر شئ، ولابد من التخلص من هذا النوع من التأنيب للضمير كالتالي:‎
مسامحة النفس‎
لابد من أن نتعلم جميعا مفهوم مسامحة الذات، فلابد من أن يسامح الشخص نفسه وأن يتسامح مع المحيطين به، فلا يؤنب الشخص نفسه على أمر فات ولا يمكن تغييره، ولابد أن يكون على يقين من أن كل البشر خطائين، ومن الممكن أن يقع الجميع في الخطأ، ولكن يجب أن نتعلم من أخطائنا ونقف مرة أخرى ونحاول التحسين من أنفسنا، حتى نستطيع الإستمرار في الحياة وحتى نكون قادرين على‎ النجاح‎ وتحقيق ما نريد.‎
الإهتمام بالأمور الإيجابية‎
الشخص الذي يؤنب نفسه دائما لا يهتم بأي إيجابيات وينظر فقط للسلبيات، فيجب أن يتعلم تقدير ذاته، وأن يصبح فخور بنفسه وبتصرفاته، فيجب أن يتذكر في نهاية اليوم الأمور الإيجابية التي قام بها والتي سوف تساعده حتى يحقق أحلامه ويصل لأهدافه، فالشخص الذي يقدر نفسه ويعرف قيمتها جيدا من السهل جدا أن يستفيد من قدراته للوصول للنجاح الذي يتمناه.‎
تجنب قول لو‎
كلمة لو لن تغير الماضي ولكنها تفتح الباب للشعور بالذنب وتأنيب النفس، فيجب تجنب جلد الذات والتفكير دائما في النتائج التي كان من الممكن أن نصل لها لو قمنا بكذا وكذا، فالماض أمر قد حدث بالفعل ولن يمكن تغييره أبدا، مهما فعلنا ولكن من الممكن التعلم من الأخطاء حتى لا نقع فيها مرة أخرى كما يمكن أن نطور من إمكانياتنا وإستغلال الأخطاء لتحويل الفشل إلى نجاح والوصول إلى ما نتمناه.‎
الأثار الناتجة من تأنيب الضمير بكثرة‎
الشخص الذي يؤنب نفسه وقت النوم ويرهق عقله في التفكير تظهر عليه الأعراض التالية:‎
– يصبح شخص دائم الهروب من المشاكل ولا يحاول أن يحل أي مشكلة يمر بها، ولكن يلجأ دائما للوم نفسه مع عدم محاولة الإصلاح.‎
– يصبح شخص سلبي وليس له أي دور في المجتمع.‎
– يصبح شخص متشائم مما يتسبب في بعده عن الناس وتجنب الناس له.‎
– يصاب بإضطراب في النوم فيصبح غير قادر على النوم بطريقة صحيحة كما يصاب بالأرق، وعدم القدرة على التركيز، كما تتغير عاداته فمن الممكن مثلا أن يلجأ لتناول الطعام بشراهة أو التوقف عن ‎تناول الطعام‎ حسب طبيعة الشخص.‎
– يصبح الشخص فاشل وغير قادر على فعل أي إصلاحات في حياته.‎
– من الممكن أن يلجأ هذا الشخص لبعض العادات الخاطئة مثل الإدمان أو غيرها من ‎العادات السلبية‎.

هرمون السعادة وأنواعه و9 طرق طبيعية لزيادته…‎

تعتبر هرمونات السعادة هي المسؤول الأول عن الشعور بحالة السعادة أو الحزن التى يشعر بها الإنسان، وهذا من خلال زيادتها أو نقصانها ومن أهم هرمونات السعادة السيروتونين والإندروفين والدوبامين والأوكسيتوسين، ويمكن تعزيز هذه الهرمونات وتقويتها من خلال اللجوء إلى العديد من الطرق والتي نتعرف عليها الآن من خلال ما يلي.‎

✔تعريف هرمون السعادة:‎
هرمون السعادة هو الهرمون الذي يساعد على التخلص من حالة الحزن واستبدالها بحالة من السعادة ومن بين هرمونات السعادة هرمون السيروتونين، وهذا يساعد على التقليل من التعرض إلى الإكتئاب وتعديل المزاج.‎
أنواع هرمونات السعادة وفقا للأبحاث العلمية:‎
💠 الأندروفين: يعد من الهرمونات التي تزيد السعادة، كما أن من أهم المحفزات له ممارسة الرياضة، وخاصة رياضة الجري التي تزيد من نسبة إفراز هرمون 💠الأندروفين.‎
💠السيروتونين: يساعد هرمون السيروتونين على التخلص من الإكتئاب ويزيد من الثقة بالنفس، فضلا على الشعور بالسعادة كما أنه من الهرمونات التي تساعد على علاج الوسواس القهري والهلع والشعور بالحزن.‎
💠الأوكسيتوسين: من الهرمونات التي تزيد من الشعور بالسعادة، كما أنه يسمى هرمون الحب وهذا لأنه يتم إفرازه عند الشعور بمشاعر إيجابية تجاه الآخرين.‎
💠الدوبامين: يسمى هرمون الدوبامين بهرمون التحفيز والنجاح، حيث أنه يحفز الشخص لآداء أعماله بنجاح وزيادة الشعور بالحماس والطاقة. ‎

✔طرق زيادة هرمونات السعادة:‎

  1. ممارسة الرياضة:‎
    من أفضل الطرق التي تقوي هرمونات السعادة وتزيد من فاعليتها هي ممارسة الرياضة بشكل يومي لمدة نصف ساعة على الأقل، ومن مميزات ممارسة الرياضة أنها تساعد على تنظيم النوم بشكل جيد وحماية المخ والحفاظ على القلب، بالإضافة إلى أنه يزيد من معدل هرمون الأندروفين والسيروتونين والتي تساعد على تحسين الحالة المزاجية بشكل كبير ورفع مستويات الطاقة لدى الإنسان، ولهذا يجب الحرص على ممارسة الرياضة باستمرار.‎
  2. تناول الشوكولاتة:‎
    لتعديل الحالة المزاجية يمكنك تناول الشوكولاتة وهذا وفقا للأبحاث العلمية التي أكدت أن الشوكولاتة لها تأثيرعلى تعزيز هرمونات السعادة وتقويتها، وهذا لأن الشوكولاتة لها تأثير على هرمون الأندروفين، فضلا على الفوائد الصحية لها مثل التقليل من الإلتهابات وتخفيف معدل ضغط الدم وحماية الشرايين ولهذا يجب أن يتم تناول الشوكولاتة.‎
  3. التعرض إلى أشعة الشمس:‎
    يجب تعريض الجسم يوميا إلى أشعة الشمس والتي تمدنا بفيتامين د، وهو من الفيتامينات الهامة التي تساعد على إنتاج المواد الكيميائية بالمخ، ومنها الدوبامين وهو من هرمونات السعادة بالإضافة إلى هرمون النورادرينالين، والأسيتيل كولين، والتي يتم تعزيزها ويمكن أيضا الحصول على فيتامين د من خلال تناول الأسماك الدهنية وصفار البيض ومنتجات الألبان، ولكن يعد التعرض إلى أشعة الشمس أهمها لتقوية هرمونات السعادة.‎
  4. الأطعمة التي تحتوي على الكربوهيدرات:‎
    بناءا على الأبحاث العلمية فإن الأطعمة التي تحتوي على نسبة عالية من الكربوهيدرات تساعد على زيادة مستويات السيروتونين والتي تساعد على تعزيز الحالة المزاجية، وبالتالي تساعد على الحصول على السعادة، ومن أفضل أنواع الكربوهيدرات التي يجب أن تتواجد في الأكلات الشوفان والأرز البني.‎
  5. تربية حيوان أليف:‎
    أكدت الدراسات أن تربية حيوان أليف والإهتمام به واللعب معه لمدة ربع ساعة فقط يزيد من هرمونات السيروتونين والبرولاكتين، بالإضافة إلى أنه يقلل من هرمون الكورتيزول مما يقلل من التوتر والشعور بالوحدة، والتقليل من الطاقة السلبية التي يشعر بها الإنسان.‎
  6. التأمل:‎
    يعتبر التأمل من الخطوات الجيدة التي تساعد على الحفاظ على الصحة النفسية والعقلية وتزيد من السعادة لدينا، وهذا لأن التأمل يساعد على تحفيز الغدة النخامية، مما يساعد على إطلاق هرمون الأندروفين مما يعزز من الاسترخاء والتقليل من أعراض القلق والإكتئاب والتخلص من التوتر، وكل ما عليك هو التأمل يوميا لمدة عشرة دقائق فقط مع تمارين التنفس.‎
  7. فيتامين ب:‎
    يعتبر فيتامين ب مهم لإنتاج الناقلات العصبية ومنها الدوبامين والسيروتونين، والتي تساعد على زيادة الإنتباه والتقليل من نسبة فقدان الذاكرة، بالإضافة إلى أن تناول أنواع فيتامين ب مثل فيتامين ب12 وب6 يساعد على تعزيز المخ وزيادة الشعور بالسعادة، ويمكنك تناول فيتامين ب في الأطعمة المختلفة مثل الأرز البني والحبوب الكاملة واللحوم والخضروات الورقية والبروكلي وغيرها.‎
  8. تدليك الجسم:‎
    حصولك على جلسة من التدليك يساعد على تحفيز هرمونات السعادة وخاصة هرمون السيروتونين، مما يساعد على التقليل من الأعراض الإكتئابية التي يتعرض إليها الإنسان بالإضافة إلى أنه يساعد على التخلص من الحالة المزاجية السيئة التي تتعرض إليها المرأة أثناء فترة الحمل.‎
  9. تناول الأطعمة التي تزيد من هرمون السعادة:‎
    يعد تناول أنواع مختلفة من الأطعمة يساعد على تعزيز الحالة المزاجية للإنسان وزيادة وتقوية هرمونات السعادة بالجسم، ومن خلال ما يلي إليكم أهم هذه الأطعمة:‎
    المكسرات:‎
    تعتبر المكسرات من أهم الأطعمة التي تحتوي على نسبة عالية من الأحماض الدهنية وخاصة الأوميجا 3، والتي لها دور في إفراز هرمون السيروتونين والذي يعتبر من هرمونات السعادة الهامة، ومن أنواع المكسسرات الصنوبر والكاجو والجوز واللوز.‎
    السالمون:‎
    يحتوي السالمون على الأحماض الدهنية الهامة لإنتاج هرمون السيروتونين، مما يساعد على تعديل الحالة المزاجية، والتخلص من التوتر والقلق الذي ينتاب الإنسان.‎
    البذور:‎
    تناول أنواع البذور المختلفة مثل السمسم وبذور الكتان والريحان والشيا التي تساعد على تعزيز هرمونات السعادة بالجسم وخاصة زيادة إنتاج هرمون السيروتونين، بالإضافة إلى أنه يحتوي على مادة التربتوفان والتي تساعد على حماية الدماغ من قلة التركيز والتذكر.‎
    الحليب:‎
    يحتوي الحليب على نسبة عالية من التربتوفان بالإضافة إلى إحتوائه على الألفا لاكتالبومين، والتي تساعد على تعزيز إنتاج هرمون السيروتونين، مما يزيد من السعادة ويساعدك على التخلص من الحزن والأعراض الإكتئابية.‎
    الخضروات الورقية :‎
    تعتبر الخضروات الورقية من الأطعمة المميزة التي تساعد على زيادة وتعزيز هرمون السعادة بالجسم بالإضافة إلى أنها تحتوي على نسبة عالية من الفيتامينات والمعادن، والألياف الصحية الهامة التي يحتاجها الجسم ومنها السبانخ واللفت.‎

هذا هو محمد البسيط المتواضع ..

و رأيته في بيته يغسل ثوبه و يرقع بردته و يحلب شاته و يخصف نعله ..

و رأيته يأكل مع الخادم و يعود المريض و يعطي المحتاج ..

و رأيته و هو يصلي و حفدته يتسلقون ظهره و هو ساجد فيتركهم حتى إذا وقف حملهم و استمر في صلاته .

كان الحنان و الحب مجسدا ..

أحب الإنسان و الحيوان .. حتى النبات حنا عليه فكان يوصي بالشجر ألا يقطع .
حتى الجماد شمله بالحب فكان يقول عن جبل أحد .. ” هذا جبل يحبنا و نحبه “

حتى تراب الأرض كان يمسح به وجهه متوضئا في حب و هو يقول “تمسحوا بالأرض فإنها بكم برة “

هذا هو العظيم الذي كان يكره التعظيم و كان يقول لأصحابه حينما يقفون له .. ” لا تقوموا لي كما تقوم الأعاجم يعظمون ملوكهم “

و كان الكريم الذي وصفه أصحابه بأنه ينفق في سخاء من لا يخشى الفقر أبدا ..
لم يحدث أنه أدخر درهما ..
و قد مات كما هو معلوم و درعه مرهونة عند يهودي .

و عاش لم يشبع قط .. و لم يذق خبز الشعير يومين متتالين .. و مع ذلك لم يكن يرفض الهدية تأتيه بالشهي من المأكل و الناعم من الملبس و لكنه يرفض أن يسعى لهذا العيش اللين أو يفكر فيه أو ينشغل به .. و لهذا كان يربي نفسه و يروضها على الفقر و الجوع و القصد في المطالب و الرغبات ، ليكون المثل و القدوة لما أراده الإسلام ..

دين الإعتدال و التوسط .. فلا رهبانية و قتل للنفس .. و لا تهالك و إطلاق للشهوات .. و إنما توسط و اعتدال .

د : مصطفى محمود رحمه الله
كتاب / الطريق إلى الكعبة

العلوم الاجتماعية وإشكالية البحث عن المنهج العلمي…

تقديـــــــــــــم

لقد جاءت العلوم الإنسانية متأخرة النشأة قياسا بالعلوم الدقيقة، كما جاءت تلك النشأة، كنتيجة لما بدأت المجتمعات الحديثة تعرفه من قضايا نفسية واجتماعية جديدة ارتبطت بتطورها السريع.. هكذا أصبحت هذه العلوم تسعى إلى تحويل الإنسان إلى ظاهرة قابلة للدراسة العلمية الموضوعية. إلا أن تميز الإنسان واختلافه عن الظواهر الطبيعة جعل العلوم الإنسانية تعرف مشاكل إبيستيمولوجية من نوع خاص، ومن ثم بدأ العلماء يتساءلون حول مدى قدرة هذه العلوم على بلوغ دقة العلوم الطبيعية.

يظهر أن العلوم الاجتماعية عرفت تطورا عميقا و متواصلا سواء في مضمونها المعرفي أو في مناهجها التي تبعها للإجابة عن اشكاليتها التي تطرحها للبحث و للسؤال. هكذا، نلاحظ توسعا لمجال التحليل و التطرق لمواضيع جديدة و بأدوات ووسائل منهجية حديثة، سواء نتيجة اجتهادات الباحثين فيها أو بفعل ما يقومون به من اقتباس من مكتسبات معرفية و منهجية من علوم أخرى قريبة. وقد طرح كثير من فلاسفة العلم مسالة علميتها ، بل تساءل جلنر عالم الانثربلوجبا عن إمكانية دخول العلوم الاجتماعية إلى حظيرة العلوم الطبيعية، كما ناقش البعض منهم حول خصوصيتها المعرفية و المنهجية.

لقد حققت العلوم الطبيعية نجاحا كبيرا بفضل استخدامها المنهج التجريبي و قوانين الحتمية، فهل يمكن أن يتحقق ذلك مع العلوم الإنسانيـــة؟ بمعنى هل يمكن دراسة الظواهر الإنسانية بطريقة تجريبية تماما كما يحدث في العلوم الفيزيائة و الكيميائية؟

صحيح أن العلوم الإنسانية كعلم الاجتماع أو علم النفس أو الانثربلوجيا أو علم الاقتصاد، حديثة النشأة في القرن التاسع عشر، بيد أن الدراسات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية قد وجدت دوما مبثوثة في ثنايا المصنفات الفلسفية؛ بل إننا إذا تأملنا علما إنسانيا خاصا هو علم التاريخ نجده علما قديما كقدم علم الرياضيات نفسه. ولكننا نلاحظ أيضا أن علم التاريخ نفسه ورغم عراقته لم يطرح وجوده أية إشكالية منهجية أو ابستملوجية إلا منذ القرن الثامن عشر. لماذا؟

لقد تزامن ذلك مع الميلاد الحديث للعلوم التجريبية التي قدمت نموذجا باهرا للعلمية سواء من حيث دقة المناهج والنتائج أو نجاعتها لما وفرته من قدرة على التحكم في الظواهر الطبيعية، ولن يكف هذا النموذج عن ممارسة تأثيره وجاذبيته منذ ذلك الوقت..

1-مسالة تحديد معنى العلوم الاجتماعية و أسباب تأخرها في تبني المنهج الوضعي

1-1-إشكالية التسمية

لقد اختلف الباحثون في توحيد إطلاق اسم موحد على كل المعارف المرتبطة بالإنسان و المجتمع.

+ إذ نجد تسميات متعددة منها علوم الإنسان Sciences de L’ Homme و العلوم الإنسانية Sci. Humaines و العلوم الاجتماعية. Sci. Sociales

+و تسمى أيضا بالعلوم المعنوية وهي تتخذ من أحوال الناس وسلوكاتهم موضوع الدراسة وفق منهج منظم ،إنها تدرس واقع الإنسان و كل ما يصدر عنه من سلوكات من مختلف أبعاده ، النفسية والاجتماعية و التاريخيــــــة

كما نجد فرقا بينها وبين العلوم المعيارية :

+أن العلوم الإنسانية S.Humaines تدرس الحالة الراهنة للسلوك أي ما هو كائن أما العلوم المعياريةAxiologie فهي تهتم بما يجب أن يكون أي بما تحمله الأماني كعلم االمنطق Logique الذي يبحث في قوانين التفكير الصحيح .وعلم الجمال Esthétique الذي يدرس الفرق بين القبيح و الجميل و أسس التعبير الجمالي وعلم الأخـــــــــلاق Ethique التي تبحث في القواعد و القيم التي ينشأ عليها السلوك الفاضل و على أساسها يتم التمييز بين الخير و الشر.

+ لقد حددها المعجم العربي الأساسي في ” أنها هي العلوم التي تختص بدراسة تصرفات الناس

و سلوكهم أفرادا أو جماعات و تقابلها” العلوم الطبيعية”. و هذا يعني أن العلوم الإنسانية و الاجتماعية شيء واحد.

كلود ليفي شتراوس اقترح التمييز التالي:

علوم الإنسان أو العلوم الإنسانية تهدف إلى تحليل واقع الإنسان فردا و مجتمعا كالانثربلوجيا و علم النفس و المنطق و اللسانيات و الابستملوجيا

العلوم الاجتماعية التي تهتم بقضايا المجتمع تحليلا و موضوعا كالاقتصاد و الاجتماع و الجغرافيا الاجتماعية

أما قاموس اوكسفورد فيميز بين العلوم الاجتماعية و الإنسانية:

أن العلوم الاجتماعية هي العلوم التي تهتم بالدراسة العلمية للمجتمع البشري و ما يتعلق به من علاقات و سياسة و اقتصاد و جغرافيا بشرية

أما الإنسانيات هي التي يقصد بها الآداب و الفنون و التاريخ و الفلسفة و ما يتعلق بفلسفة الإنسان.

بصفة عامة، العلوم الإنسانية أو علوم الإنسان أو العلوم الاجتماعية هي مجموعة علوم غير محددة من حيث العدد و هي التي تتطرق بشكل مباشر اوغير مباشر الى الإنسان و إلى ثقافته و انجازاته لتشمل علوم الانثربولوجيا و الاقتصاد و السوسيولوجيا و النفس و التاريخ و الجغرافيا والسياسة و الاركيلوجيا و الإدارة

ولضبط مفهوم العلوم الاجتماعية تطرح الملاحظات الآتية:

الاصل في ازدواجية الانتماء .سيكون وجود العلوم الإنسانية موسوما منذ البداية بالتوتر بين قطبين موجودين أصلا في الاسم نفسه “علوم / إنسانية

+”علوم” يحيل هذا المكون بشكل لا مفر منه على العلوم التجريبية التي تمثل كما أسلفنا- النموذج المثالي للعلمية؛

+ “إنسانية”: يحيل هذا النعت إلى الفلسفة من حيث أن هذه الأخيرة تتخذ بدورها الإنسان كموضوع لها

غموض و عدم دقة المفهوم. إذ أن وفرة ميادين الحقل المعرفي الخاص بهذه العلوم تفرض تحديد المعايير المستعملة لتحديد هذه العلوم فيما بينها و فيما بينها و بين العلوم الدقيقة الطبيعية الأخرى، و بالتالي ، نلاحظ أن مشكل علوم الإنسان أصبح يتحدد في طبيعة المعرفة المستعملة و قيمتها العلمية.

صعوبة تحديد و استخلاص مميزات مشتركة لكل العلوم الإنسانية. فهناك تخصصات في ميدان معرفي تتطرق لموضوع قريب قد ينتمي للعلوم الطبيعية. فالمناخ تخصص جغرافي له ارتباط بعلم الأرصاد الجوية ، و علم الاجتماع له علاقة بعلم الاجتماع الإحيائيSociobiologie المنتمي لعلم البيولوجيا

كما تطرح بنية المجال العقلاني لكل تخصص إنساني خصوصا بنيتها الداخلية و منطقها المعرفي.

بصفة عامة، لم يتفق أقطاب التفكير الابستمولوجي بعد حول اجتماع تام حول الهوية المعرفية للعلوم الإنسانية ، حيث لم يستطيعوا الحسم في مستوى الروح العلمية لفروعها.

1-2- السياق الفكري لمشكلة المنهجية في العلوم الاجتماعية وعوامل تأخرها

1-2-1 –السياق الفكري للمشكلة

الواقع أن الحديث عن إشكالية المنهج في العلوم الإنسانية له تاريخ طويل في الفكر الأوروبي حيث عاش المجتمع هذه الإشكالية منذ العصور المظلمة (عصر محاربة الكنيسة للعلم ) إلى أن تمكن العلم بمناهجه وتجاربه من إن يثبت جدارته وصدقه ويتغلب بذلك علي الأفكار اللاهوتية و الميتافيزيقية التي جعلت من أوروبا تعيش زمناً طويلاً من الجهل والظلام ،أن الإنسان له عقل وفكر قادر على التفكير بطريقة علمية مكنته من أن يصنع ويخترع ويخطط من خلال ما يستخدم من مناهج تساعده في ذلك (المنهج الكيفية المتمثلة في المنهج الهرمنوطيقي )والمنهج العلمي التجريبي ،وقد ظهرت المدرسة الوضعية(العلمية) على يد أوجست كونت الذي نادي بوحدانية المنهج بمعني دراسة الظواهر الإنسانية مثل دراسة الظواهر الطبيعية(ومن هنا ظهرت أول شرارة للحرب بين العلوم الإنسانية والعلوم الطبيعية وبين المناهج الوضعية التجريبية والمناهج الكيفية ) وقبل ذلك كانت الإشكالية المنهجية –عند المفكرين السابقين –حيث كان ديكارت يرى أن أسس المنهج تكون عقلية ،وعلى النقيض منه يرى بيكون أن أسس المنهج يجب أن تكون تجريبية ، وبعد ما طرح كونت إشكالية المناهج في العلوم الإنسانية وأصبح لدينا فريقين من العلماء والمفكرين فريق يرى أن العلوم الإنسانية يمكن دراستها بالمناهج التي تدرس بها العلوم الطبيعية (المناهج التجريبية ) وفريق على النقيض من ذلك يرون أن المناهج المستخدمة في العلوم الطبيعية غير صالحة لكي تستخدم مع الظواهر الإنسانية وذلك نظراً لاختلاف الظواهر الطبيعية عن الإنسانية-العلوم الطبيعية تدرس العالم الخارجي والعلوم الإنسانية تدرس العالم الداخلي – حيث ظهرت العديد من الاتجاهات التي نادت برفض الوضعية وتبني الاتجاهات العقلية في دراسة الظواهر الإنسانية وظهرت في كتابات العلماء (دلتاي –هوسرل –فندلباند –وريكرت ) وظهرت العديد من المناهج في هذا المجال مثل المنهج الظاهراتي والهرمنوطيقي والمنهج الابستمولوجي (منهج علم اجتماع المعرفة) والمنهج النقدي الذي ظهر على يد علماء مدرسة فرنكفورت ، وظهرت العديد من الانتقادات الموجهة للمدرسة الوضعية منها ما يلى (أنها اختزلت العلم إلي مجرد علم للوقائع –وإنها نفت الأسئلة المتعلقة بالإنسان من قاموسها فهي تشيء الإنسان و تموضعه وتجرده من إنسانيته –كما أنها تحاول تجريد الإنسان من إنسانيته ،). ومن أهم الانتقادات الموجهة للمدرسة الوضعية في ثلاثة نقاط رئيسه :

أولاً :موضوع تاريخ العلم :فهي تغيب البعد التاريخي وترفض الجدل فيه ، فهي تميل الى النظر سكونياً إلي النظرية العلمية ،بمعني أنها لا تراها بوصفها عضوية تاريخية متنامية كماً وكيفاً،فهي لاتسأل نفسها كيف تنشأ النظرية العلمية وتزدهر وربما كيف تضمر وتنتهي

ثانياً:: المفهوم النقدي للعلم :تغفل الوضعية نقد الفكر ونقد الواقع أي نقد للمجتمع الرأسمالي البرجوازي

1-أ2-2-أسباب تأخر العلوم الاجتماعية في اكتساب المنهج العلمي

يرى جون بياجي أن موضعة الظاهرة أكثر تعقيدا نظرا لتداخل الذات والموضوع على أكثر من صعيد.

فالذات الملاحظة بقدر ما تلاحظ غيرها وتجرب على غيرها، فإنها في نفس الوقت تلاحظ ذاتها وتجرب على ذاتها، وينتج عن ذلك أن تفاعل الذات والموضوع في فعل الدراسة يؤثر في سير الظاهرة المدروسة مثلما يؤثر في الذات الدارسة

غالبا ما تكون الذات الدارسة حاملة لمعرفة عفوية، مسبقة وحدسية حول الظاهرة المدروسة. لأن الدارس وقبل أن يكون عالم اجتماع مثلا فهو فاعل اجتماعي يتعرض لتأثير المعرفة الاجتماعية المتداولة. نقول إذن إن تحقيق القطيعة الابستملوجية بين المعرفة العفوية والمعرفة العلمية ليس بالأمر اليسير كما هو حال في علوم الطبيعة

يضاف إلى كل ما سبق الالتزام الفلسفي أو الايديلوجي لعالم الإنسانيات بحيث قد يميل إلى التبرير أو الإدانة ويجانب الحياد فيتجاوز الوصف إلى التقييم، وهو ما يسمى بمشكلة “أحكام القيمة

الحادثة التاريخية لها طبيعة معنوية كالحروب الصليبية أو الحرب الباردة ، لا تلاحظ بالعين المجردة أو بالأجهزة كما نلاحظ الظواهر الطبيعية ، و ما يمكن ملاحظته فقط آثارها غير المباشرة و هذا يعني أن الخطوة الأولى في المنهج التجريبي منعدمة.

انها حادثة من انتاج الإنسان و تخطيطه، لذلك يصعب تحديد أسبابها بدقة ، و نتائجها و أبعادها وقت حدوثها ، فالكثير من الحروب تقع بطريقة غير مفهومة ، يخفي مقرروها أسبابها الحقيقية .

انها ظاهرة بشرية ، من صنع الإنسان و ترتبط بحياته الخاصة و العامة ، و الإنسان كما نعلم يتصرف بحرية له القدرة على إبداع مظاهر سلوكية غير معهودة و غير متوقعة ، كما أنه لا يستقر على حالة واحدة و عليه لا يمكن اخضاعها لقوانين الحتمية ، مثلا اذا وقع الطلاق بين زوجين لأسباب معينة ، فان نفس الأسباب قد نجدها في عائلة أخرى دون ان يحدث الطلاق ، نفس الشيئ بالنسبة لظاهرة الانتحار و العنف و غيرها ، و هذا ما يضيق دائرة التنبؤ بشكل كبير

عائق الذاتيــــــــــة و هو من أكبر العوائق الابستيمولوجية في العلوم الإنسانية ، لأن المؤرخ لا يواجه في هذه الحالة ظواهر طبيعية مستقلة ، بل سيواجه حقائق تتعلق بكيانه الشخصي و الوطني و الاديولوجي ، فيكون هو الدارس و المدروس في نفس الوقت ، يتأثر حتما بانتمائه السياسي و الديني . إن المؤرخ بصفة عامة بدل أن يلتزم الحياد و الموضوعية و يفسر الحادثة كما وقعت يقوم بتأويلها و يصدر بشأنها أحكاما تقييمية ، فتراه يضخم الوقائع التي تخدم قضيته ، و يتغاضى عن الوقائع التي تسيئ اليها . و في جميع الحالات تزييف للحقيقة .

انها ظواهر خاصة تنطوي على عوامل و محركات ذاتية ، كعوامل الطلاق و الانتحار و الهجرة ،و ما هو ذاتي لا يكون قابلا للدراسات التجريبية لانعدام الملاحظة الخارجية ، و لايكون قابلا أيضا للتحليل الرياضي الدقيق .

1- انها ظواهر داخلية يدركها صاحبها ، ولا تدرك من الخارج ، فنحن لا نرى الشعور و اللاشعور ، أو الحب و الكراهية و الانانية و غيرها ، لا مكان لها ، و لا حجم . فعندما يتحول الحزن الى فرح لا ندري المكان الذي اختفى فيه الحزن ، و لا المصدر الذي جاء منه الفرح

إنها ظواهر خاصة تتعلق بمقومات الشخصية ، وما دامت هذه المقومات مختلفة من شخص لآخر يتعذرفيها التعميم ، كل واحد و انفعالاته ، و اهتماماته ، و قناعته ، و لذلك يستحيل تعميم النتائج ، و هذا يعني أن مبدأ الاستقراء المعروف في العلوم التجريبية غير قابل للتطبيق في الدراسات النفسية.

انها ظواهر كيفية ، تقبل الوصف لا تقبل التقدير الكمي ، فإذا كان العلم قادرا على قياس درجة حرارة الجسم أو ارتفاع ضغط الدم بالوسائل التقنية ،فان هذه الوسائل غير قادرة على قياس درجة القلق أو الحب الإيمان و غيرها..، يقول الكسيس كاريل ان تقنياتنا عاجزة عن تناول ما لا بعد له و لا وزن و عن قياس درجة الغرور و الأنانية ، و الحب و الكراهية .

إنها ظواهر شديدة التداخل و الاختلاط : أي أنها ظواهر معقدة، متعددة ومتداخلة الأبعاد يصعب عزلها بيسر أو تعيين دور كل منها في تحديد الظاهرة..

انها ظواهر متشعبة تتدخل فيها عوامل كثيرة ، اقتصادية و اجتماعية و سياسية و عقائدية و تاريخية ، فقد يقول البعض أن سبب الهجرة إلى الخارج اقتصادي محض ، لكن يمكن أن يكون سياسي أو اديولوجي و بذلك تنعدم الدقة النتائج المتوصل إليها

غياب وضوح المنهج الذي يقود السبب إلى نتيجة مما يسمح بتأويلات للسببية المقترحة و نفس الشيء يرتبط بتعقد المفاهيم و غموضها التي تدخل في اللعبة .

القيام بالتجارب المتكررة في ظروف مشابهة غير ممكنة . لهذا وجب تحديد طرق القيام بها لتكون مقبولة. إذ يصعب تطبيق التجريب في العلوم الإنسانية لعدم خضوع الإنسان و المجتمع للتجريب. فالتجريب يقتضي عزل مؤشرات محددة و إخضاعها للتجربة بالملاحظة، وهذا غير ممكن عموما ( عدا في علم النفس بقياس الذاكرة…)

إن الحادثة االبشرية فريدة من نوعها لا تتكرر فهي غير قابلة للتكرار وما يستخلص من دراسة ظاهرة واحدة يصعب تعميمه لندرة الظواهر المماثلة لأن الزمن او المكان الذي حدثت فيه لا يعود من جديد ، و الإطار الاجتماعي الذي اكتنفها يكون قد تغير و لذلك لا يمكن للمؤرخ إخضاعها للتجريب عن طريق اصطناع حرب تجريبية حتى يتحقق من صحة فرضياته ، ثم أنها ظواهر لا تمتثل لقوانين الحتمية ، إن أسباب وقوع حرب ماضية قد تجتمع حاليا ولا تقع الحرب قد تلجأ الأطراف المتنازعة إلى السلم بدل الحرب ، وما دام الإنسان يتصرف عادة بحرية فان التنبؤ بأحواله يكون شبه مستحيل

إنها ظواهر لا تتكرر بنفس الطريقة و نفس الشعور و نفس الأثر ، فلا يمكن للباحث أن يصطنع الحب و الكره أو التفاؤل و التشاؤم حتى يتحقق من صحة فرضياته ، فهي ظواهر تفلت من قبضة الإرادة و المنطق.

في ميدان الملاحظة، هنا لا يمكن ملاحظة الظواهر في شموليتها إما لان الظاهرة واسعة جدا( كالهجرة في العالم، العائلة…) أو أنها قد تكون خاصة و خفية( ما هي الدوافع التي تكون زوجا بين بني الإنسان) أو أنها غير محسوسة و غير ملموسة ( كيف يتم تدبير المقاولة في قطاع اقتصادي ما).

أمام هذه الصعوبات يمكن عزل بعض المتغيرات و تحديد ميدان البحث لن هذه العملية تقود إلى عدم فهم الظاهرة و إلى تدخل تأويلات موجهة ذات قصد ذاتي. و هنا نسقط في التحليل و ليس في الملاحظة.

في مسألة التحقق ودحض التجربة أحيانا و لأسباب أخلاقية لا يمكن إن نخضع الإنسان لتجارب في حدود قصوى ( التجريب في الطلاق أو الانتحار….)

إنها لا تقترح إلا قوانين تقريبية و أحيانا نجد أن التنبؤات غير دقيقة. فالتنبؤات الاقتصادية غير صحيحة دائما.

1-3- صعوبات الخطاب العلمي الاجتماعي

الموقف المعارض يؤكد انه لا يمكن إخضاع الظواهر الإنسانية للتجريب ، وبالتالي لا يمكن أن تكون موضوعا لمعرفة علمية نظرا للعوائق الابستيمولوجية .

إن الخطاب الذي يهم الأنشطة البشرية لا يدور حول تفسير و فهم الوقائع الاجتماعية، لكن يهدف إلى اقتراح قواعد و معايير normes. بمعنى أن هذه الأنشطة يجب أن تكون منظمة و مرتبة لصالح ولخير الفرد و الجماعة و الدولة. يبحث هذا الخطاب المعياري Discours normatif لاكتشاف ما يمكن أن تصله البشرية إلى مستوى الخير و القيم. ذلك أ ن الظاهرة الاجتماعية تعطى لها قيمة بل حكم قيمة Jugement de valeur، أي الواقعة الاجتماعية تتضمن اتخاذ موقف( الخير و الشر، القبيح و الجميل، الشيء المفيد و المضر…) .إذن ، هذه الواقعة معيارية تتخذ مكانتها ضمن المعايير و القيم.

إن المرور من الخطاب المعياري إلى الخطاب التفسيري المعروف عند العلوم الدقيقة يتميز بصعوبات منهجية كبيرة، إذ أن الطابع التقريبي للقوانين التي تقترحه العلوم الإنسانية مخالف لدقة القوانين التي تبنيها و تهيكلها العلوم الطبيعية و بالخصوص الفيزياء و كذا دقة التفسير التي تتجلى في مؤشر التنبؤ وهي جزء من المنهج العلمي.و في هذا الاتجاه لا يمكن أن تتقدم العلوم الاجتماعية بتفسيرات أدق عدا البعض منها كالديموغرافيا.

لقد تعرض المنهج لتشككات حول مدى قابليته بالنسبة للظواهر التي تهم البشر و سلوكه و تنظيمه.

في كل العلوم الاجتماعية، نرى أن كل مدرسة علمية أو باحث يعمل على أن يؤسس مشروعا علميا خاصا به اعتمادا على صدق و صلاحية النتائج العلمية التي توصل إليها. مع الرغبة في إبراز لاعلمية الاتجاهات الفكرية الأخرى المنافسة. من هنا نرى أ ن هناك مؤشرين أساسين يمكن استخلاصهما و هما مؤشرا السببية و الموضوعية:

+السببية و مشكل الصدفة:السبب كما قلنا سابقا ( انظر الفصل الأول)هو العلة أو الواقعة أو الحدث أو الفعل الذي يقود إلى إحداث تأثيرات تترجم من خلال تغيير و ضع بالإضافة فيه أو بالنقصان منه أو تغيير مساره.

إن العلوم الطبيعية تأخذ بمبدأ السببية المادية أو الواقعية التي تتجلى في أن كل حركة أو تغيير تنتج عنه حركة أو تغيير آخر. بينما تعتمد العلوم الاجتماعية على أسباب متعددة ( صورية وخفية…).

لهذا ، هذه السببية يجب أن ننظر إليها من زاوية النسبية التي تجعل كل الظواهر و تفسيراتها خاضعة لمحدودية الاجتهاد العقلي البشري.

+الموضوعية: إن البحث الاجتماعي يتميز بمرتبة مزدوجة لأنه إنسان و بالتالي يخضع إلى بعد ذاتي ( ثقافته سلوكه و تكوينه) و في نفس الوقت يرغب في القيام بدراسة موضوعية !

إن هذا المشكل هو من أسباب تأخر العلوم الاجتماعية في تبنيها للطابع العلمي. فالإنسان هو معطى و موضوع في نفس الوقت . إذ يصعب القيام بعملية التباعد عن ذاته و ذاتيته في البحث العلمي، ثم إن حدسه لا يسمح بان يوفر له حقائق الأشياء و إن ما يبدو له طبيعي عقلاني و عادي ليس إلا ما يلاحظه و يعيشه عادة فهو يبني المعايير و طرق العيش و التصرفات و التمثلات كأشياء مطلقة وهي فقط من إنتاج المجتمع الذي ينتمي إليه مما يقود إلى إمكانيات الفهم فحسب.

لقد أبدى ماكس فيبر Max Weber المؤرخ و السوسيولوجي شكوكه في الموضوعية العلمية للعلوم الاجتماعية. وأكد على أن معرفة الظواهر الاجتماعية تفرض الوقوف على معناها.و لبلوغ هذا المعنى، يجب محاولة معايشة الواقع بالطريقة التي يعيشها الأفراد، أي أن الباحث يضع نفسه في مكان العناصر التي تهمها الظاهرة مقترحا أن فهم تطور في وقت ما الرأسمالية يكون عوض تفسيرها واضعا السؤال لماذا نشأت الرأسمالية في وقت معين و بين وجود طبقات اجتماعية معينة ،و الإجابة يرى أن القيم البروتستانتية التي انتشرت في أوساط اجتماعية بورجوازية هي التي فرضت سلوكا معينا يرمي إلى محاولة بلوغ النجاة الروحي عن الطريق النجاح المادي. إذن هذا التفسير لا يقترح قانونا عاما صالحا للتعميم الشمولي و لكنه طريقة لفهم و واقع معين و في مكان معين هو أوروبا الشمالية.

يطرح لوسيان غولدمان إشكالية الفهم الموضوعي للواقع في العلوم الإنسانية، حيث يقر هذا الأخير بعجز العلوم الإنسانية عن التحرر من سيطرة الإرث الفلسفي التأملي نظرا لعدم استيفائها شرط الموضوعية ومرد هذا أن الباحث في مجال العلوم الإنسانية أثناء معالجته لظاهرة إنسانية يعجز عن التخلص من مواقفه المضمرة وأحكامه القبلية، أي المسبقة ثم نوازعه اللاواعية، أي استحالة تجرد الباحث في العلوم الإنسانية من املاءات اللاوعي، وقبليات الحس المشترك، كما يتطرق كولدمان إلى بعض العوائق التي تحول دون تأسيس معرفة موضوعية في العلوم الإنسانية، ولتدعيم أطروحته هاته يعزز كما يذيل موقفه بالاستناد إلى بعض الحجج التي تصبو إلى إثبات مذكرته، وذلك من خلال إبرازه لمناحي الاختلاف بين شروط عمل الفيزيائي أو الكيميائي يجد منطلقه في اتفاق فعلي أو ضمني بين سائر الطبقات التي تكون المجتمع المعاصر، حول قيمته وطبيعته ومقصده، كما يرى كولدمان أن المعرفة العلمية هي الأكثر مطابقة للواقع الفيزيائي والأكثر فعالية ونجاعة، وفي هذا السياق لا يمكن غزو الشخصية في قبيل غياب روح النسقية، ثم انعدام الرؤية النافذة، وكذا الغرور والانطباع الانفعالي، وفي أقصى الأحوال غياب النزاهة الفكرية، على النقيض من ذلك نجد بأن وضعية العلوم الإنسانية تختلف عن المعرفة التي تشكل أرضية أو أساس العلوم الفيزيائية – الكيميائية، فبدلا من الإجماع الضمني أو الصريح بين أحكام القيمة حول البحث العلمي فإننا نجد في العلوم الإنسانية اختلافات جذرية في المواقف .من هنا يبرز لنا لوسيان غولدمان انعدام الفهم الموضوعي في واقع العلوم الإنسانية ثم استحالة تجرد الباحث في العلوم الإنسانية مما هو قبلي أو تبني المواقف الذاتية، لان الباحث يتصدى في غالب الأحيان للوقائع مزودا بمفاهيم قبلية ومقولات مضمرة ولا واعية تسد عليه طريق الفهم الموضوعي بشكل قبلي، في هذا الإطار نجد بأن إيميل دوركايم يقر بأن الظواهر الاجتماعية في ذاتها هي ظواهر مستقلة عن الذوات الواعية التي تتمثلها وبالتالي يجب دراستها من الخارج، من هنا نستشف أن الإنسان ليس ذاتا للمعرفة وموضوعا لها في الآن نفسه، في هذا النطاق تبرز فكرة جوهرية مفادها أن العلوم الانسانية بالرغم من نشأتها، وإرساء أسسها، في القرن 19، في سياق ابيستمولوجي خاص يصغي إلى الارتقاء إلى مستوى تطبيق النموذج الفيزيائي التجريبي على دراسة الإنسان، فإنها عجزت أن تفي بشرط الموضوعية لأسباب مبدئية تتصل أو رهنية إن صح القول- بطبيعة الظواهر الإنسانية المبحوثة ذاتها، من هنا يتبين لنا جليا أن بعض الباحثين يطرح مشكلة الموضوعية في العلوم الإنسانية بين التصور الوضعي والتصور النقدي، حيث يرى أن المعرفة التي يكونها الإنسان عن نفسه تبقى دائما، وبعيدا عن أن تكون محايدة، مشبعة بالذاتية، كما أن النظرة التي تشكل علم النفس هي ظاهرة نفسانية، كذا علم الاجتماع هو ظاهرة سوسيولوجية تخص العالم الحديث، وبالتالي يستحيل مبدئيا أن تتمكن العلوم الإنسانية من الوصول أو بلوغ الموضوعية المطلقة، أو التخلي عن جزء من أهدافها وغاياتها ثم الاكتفاء بدراسة المظاهر الأولية من الحقيقة أو الواقعة الإنسانية.

في هذا الإطار نجد بأن ميشيل فوكو يلتقي مع لوسيان غولدمان، حين يقر بأن مسألة العلوم الإنسانية، في علاقتها بالعلوم الأخرى، سعيا وراء إبراز خصوصية الظاهرة الإنسانية- باعتبارها ظاهرة معقدة وبالتالي متعددة الأبعاد ونقطة لتقاطع مجموعة من العلوم، مما يجعل دراستها أمرا صعبا، كما يعالج ليڤي ستروس فكرة جوهرية في هذا السياق مفادها أن مسألة الظاهرة الإنسانية وكيفية موضعتها أمام الصعوبة التي تطرحها ثنائية الملاحظ والملاحظ،، وكذا كيفية الحفاظ على خصوصية هذه الظاهرة الإنسانية وكيفية تناولها من طرف علوم الإنسان من جهة، ومن طرف الفلسفة من جهة أخرى.

وفي نفس السياق ، يقدم جون پياجي في إبستمولوجية العلوم الإنسانية (1970) تصورا متكاملا عن الإشكالات الإبستمولوجية التي تواجهها العلوم الإنسانية وتحقيق العلمية في دراستها، حيث يرى بأن وضعية العلوم الإنسانية لهي أشد تعقيدا، وذلك لأن الذات هي التي تلاحظ أو تجرب على ذاتها أو على غيرها من الذوات قد تعترضها تحولات أخرى صادرة عن الظواهر الملاحظة يصعب ضبطها، بل وبشأن سياق هذه الظواهر، بل وبشأن طبيعتها تظهر صعوبات إضافية بالقياس إلى وضعية العلوم الطبيعية التي يمكن الفصل فيها، بوجه عام بين الذات والموضوع.

ويقدم “فرنسوا باستيان” تحليلا لرهانات العلوم الاجتماعية أو الإنسانية في ضوء تعقد الموضوع وتداخل المناهج (مفارقة علاقة الذات بالموضوع) حيث تتمثل المفارقة غير القابلة للاختزال لدى الباحث الاجتماعي في كونه لا يستطيع الانفصال كلية عن مجتمعه الذي هو موضوع دراسته، في حين يعتبر هذا الانفصال مبدأ كل علم موضوعي. غير أن هذا التوجه الوضعي الذي استلهم المنهج التجريبي، والذي أثبت نجاحه في العلوم التجريبية بإمكانية بناء الظاهرة الإنسانية، واجه انتقادات تصب كلها في إثارة إشكال التداخل بين الذات والموضوع. وهذا الإشكال هو الذي يجعل كل موضعة الموضوع الانساني، بالمعنى التجريبي، صعبة المنال، إن لم نقل مستحيلة، وفي هذا النطاق تنكشف طبيعة هذا التدخل وما يطرحه يتبين من خلال هذه العناصر أنه لا يمكن الحسم بخصوص موضعة الظاهرة الإنسانية، فالقول بذلك يفيد التماثل بين بنية الذات- الموضوع في العلوم الحقة وبنية علاقة الذات- الموضوع في العلوم الإنسانية، وهو تماثل لا يصمد أمام الانتقادات الموجهة له، وما ينتج عن ذلك من تأثير سلبي على مكانتي كل من التفسير والفهم، الشيء الذي يطرح إشكالية يمكن إدراجها على النحو الآتي: – كيف تتحدد وظيفة النظرية العلمية؟

1-4- العلوم الإنسانية أمام نموذج علوم الطبيعة: مشكلة الفهم والتفسير

بعد تعيين العلوم الإنسانية لموضوعها، كيف لها أن تقاربه؟ وهل تستوفي هذه المقاربة شرط العلمية وعن أي شرط نتحدث ؟ إذا كان النموذج الذي أتبث فائدته وجدواه لمقاربة الظواهر هو نموذج العلوم التجريبية، فهل للعلوم الإنسانية أن تقتبس هذا المنهج، أم أنها مطالبة بالتمرد ضد صلابة نموذج علوم الطبيعة لتشق لنفسها طريقها المنهجي الخاص بها والذي يلائم خصوصية الظواهر الإنسانية؟

العلوم الإنسانية ومنهج التفسير:

يقصد بالتفسير هنا كشف العلاقات الثابتة الموجودة بين حادثتين أو أكثر، وإقامة علاقات سببية بينها بموجب ذلك. وهذا هو التفسير السببي، أما التفسير الغائي فقد أهمله العلم. ولا يلائم التفسير السببي سوى الظواهر المتماثلة المطردة والقابلة للتكرار ليتم التعميم ( تفسير سقوط الأجسام بقانون الجاذبية)

وقد ارتبط منهج التفسير بالاتجاه الوضعي وخصوصا لدى المدرسة السوسيولوجية الفرنسية مع دوركايم ومارسيل موس. في محاولتها الرقي بعلم الاجتماع إلى مصاف العلم الدقيق بعيدا عن المناهج التأملية.

وبما أن التفسير يقوم – كما أسلفنا – على ربط ظاهرة بأخرى ربطا سببيا، فإننا نعثر في دراسة دوركايم لظاهرة “الانتحار” على حالة تكاد تكون نموذجية لمنهج التفسير في العلوم الإنسانية: فبناءا على إحصائيات الانتحار في عدد من الدول الأوروبية، خلص إلى أن معدلات الانتحار تتناسب عكسيا مع درجة التماسك الديني، لذلك ينتحر البروتستانت أكثر من الكاثوليك؛ و مع درجة التماسك الأسري، لذلك ينتحر العازبون أكثر من المتزوجين، والمتزوجون بدون أطفال أكثر من ذوي الأطفال؛ وأخيرا مع درجة التماسك السياسي، إذ ترتفع معدلات الانتحار في أوقات الهدوء السياسي والسلم الاجتماعي أكثر من فترات الحروب والأزمات الدبلوماسية .

مثال2: ينحصر موضوع علم النفس ، حسب المدرسة السلوكية، في دراسة السلوك الإنساني القابل للملاحظة، منظورا إليه كرد فعل على مثيرات قابلة للملاحظة بدورها، وكشف القوانين المتحكمة في علاقات المثيرات بالاستجابات، والامتناع عن صياغة فرضيات حول ما يقع داخل العلبة السوداء أي الوعي الإنساني

عوائق منهج التفسير وامكانيات منهج الفهم:

لقد لجأ دوركايم إلى المقاربة الإحصائية لظاهرة الانتحار من أجل غربلة المحددات الذاتية، والفردية للظاهرة والاحتفاظ فقط بالمكون الجمعي للظاهرة الذي يهم السوسيولوجيا، والذي يمكن الوصول بصدده إلى تفسير سببي قابل للتعميم.

ولكن ألا يؤدي تحليل الظواهر الإنسانية على غرار الظواهر الطبيعية إلى إفراغ الأولى من أهم مقوماتها، من مكونها الداخلي أي الدلالات والنوايا والمقاصد والاكتفاء بالمحددات الخارجية للفعل ؟

بهذه الأسئلة ننفتح على دعاة المنهج المقابل، منهج الفهم والذي صاغته عبارة ديلتاي الشهيرة: ” إننا نفسر الطبيعة، لكننا أيضا نفهم ظواهر الروح

ولكن ماذا نقصد أولا بالفهم؟

لأن الفاعل الإنساني يمنح دلالة لأفعاله وللعالم من حوله ويسلك وقف غاية من حيث هو كائن واع، فالمقصود بالفهم – في مناهج العلوم أو الميتودلوجيا – إدراك الدلالة التي يتخذها الفعل بالنسبة للفاعل، وتتكون هذه الدلالات من المقاصد والنوايا والغايات التي تصاحب الفعل وتتحدد بالقيم التي توجهه، وغالبا ما يتم النفاذ إلى هذه الدلالات بواسطة فعل “التأويل”، الذي اقترن ظهوره بالدراسات اللاهوتية في سعيها إلى استكناه مقاصد النصوص المقدسة ودلالاتها الخفية.

ويقدم لنا التحليل النفسي مثالا نموذجيا لعلم إنساني يكاد يعتمد كلية على الفهم بمعنى التأويل : إذ تُتناول مختلف الظواهر النفسية السوية منها والمرضية، بما في ذلك الأحلام كعلامات حاملة لدلالات يتعين تأويلها وذلك بتجاوز المعاني الظاهرة والمقاصد الواعية، لدرجة دفعت الكثيرين إلى التساؤل عما إذا كان التحليل النفسي علما أو فنا في نهاية المطاف !

أما في علم الاجتماع، فيقدم لنا ماكس فيبر في دراسته الرائدة حول “الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية” مثالا آخر لتطبيق منهج الفهم يتركيزه على القيم المشتركة بين كل من السلوك الرأسمالي والموقف الأخلاقي البروتستانتي. وليس غريبا أن يقع اختيار فيبر على ظاهرة فريدة هي نشأة الرأسمالية في أوروبا، لأن منهج الفهم لا يهدف أصلا إلى اكتشاف انتظامات أوعلاقات سببية قابلة للتعميم على نطاق واسع.

حدود منهج الفهم وعوائقه:

يستدعي منا منهج الفهم بدوره بعض الملاحظات النقدية، وأهمها لامبالاته تجاه ضرورة التمييز، الذي يحرص منهج التفسير على إقامته، بين الذات والموضوع، ومادام الفهم ينصب على الدلالات ويقوم على ضرب من التعاطف والمشاركة الوجدانية بين الدارس وموضوع دراسته، ألا يخشى أن يسقط الدارس قيمه ودلالاته الخاصة على الظاهرة ؟ وكيف لنا آنذاك أن نميز بين دلالات الفعل لدى الفاعل/موضوع الدراسة ودلالاتها لدى الدارس؟

لعل هذا هو ما حذا بغاستون غرانجي إلى تشبيه منهج الفهم بالتفكير الأسطوري السحري حيث تسقط الذات خصائصها على الموضوع، وتنصهر فيه.

2- البحث عن منهج علمي اجتماعي متميز

لقد حاولت العلوم لاجتماعية أن تتبنى مكتسبات المنهج العلمي المستوحى من العلوم الطبيعية بتوافرها على شروط نظرية مقبولة مما جنبها الوصف المبالغ فيه و غير العلمي. لهذا نجد اجتهادات في هذا الاتجاه.

يقصد بالموضعة مختلف الإجراءات المنهجية الهادفة إلى تعيين ظاهرة ما أو طائفة من الظواهر كموضوع علمي متمايز عن الذات الدارسة.

كيف يمكن للظاهرة الإنسانية أن تغدو موضوعا للعلم أي موضوعا لدراسة منهجية ؟ والحال أنها ظاهرة واعية والدارس والمدروس معا هو الإنسان.

2-1-في سبيل موضعة الظاهرة الإنسانية:

غالبا ما تطرح إشكالية الموضعة في مرحلة نشأة علم ما، عندما ينشغل رواده بتعريف موضوع علمهم ليتسنى لهم دراسته. في هذا الإطار نفهم تعريف إميل دوركايم لموضوع السوسيولوجيا بوصفه مرافعة من أجل موضعة الظاهرة الإنسانية. يرى دوركايم أن هذه الموضعة ممكنة لأن الظاهرة الاجتماعية شيء كباقي الأشياء. وتعريف الشيء عنده هو الموجود وجودا خارجيا بحيث يعطى للملاحظة؛ ولذلك تنص أولى قواعد المنهج السوسيولوجي على معاملة الظواهر الاجتماعية كأشياء مادامت تتميز بالخارجية والوجود المستقل عن وعي الأفراد الذين يعونها ويتمثلونها ويخضعون لقسرها ولا يسعهم اختراعها أو تغييرها. وبذلك تتحقق مسافة وانفصال منهجي بين الذات ( عالم الاجتماع) و الموضوع وهو هنا الظاهرة الاجتماعية: إن ظاهرة الزواج مثلا أو الظاهرة الدينية وغيرها من ضروب السلوك والتفكير والشعور الاجتماعي لا توجد فقط خارج وعي الفرد، بل إنها تمتاز أيضا بقوة آمرة قاهرة بحيث تفرض نفسها على الأفراد.

وبذلك يظهر ان دوركايم يراهن على تحييد الوعي أي إفراغ الظواهر الإنسانية من خاصية الوعي ليتسنى موضعتها، لأن الوعي “عدو العلم” كما يقول ليفي شتروس.

2-2- بناء عدة موضوعيات في الظاهرة الإنسانية

يمكن إبراز عدة عقلانيات و تصرفات بشرية بدون إن تكون متعارضة و لان تكون غير منسجمة فيما بينها الإيمان بتعددها ليس رفضا للتقدم العلمي الذي قاد إلى توحيد النظريات. الحال إذا برزت عقلانية العالم الفيزيائي فهذا على حساب واقعتين:

تطبيقات تنفيذية للعلم لفائدة الجميع باكتشاف العقلانية الكلية للعالم الفيزيائي. وهذا يعني ا ن هناك ظواهر غير مفسر التي يدرسها الفيزيائيون أنفسهم و الذين يعرفون أنهم أنفسهم يجهلون هذه العقلانية.إن كل ثورة علمية- و التي تقوم بتأكيد موضوعية النظريات- تقوم بتعويض عقلانية أخرى، و هذا يعني أن عقلانية الواقع الفيزيائي نسبية و غير مطلقة ووحيدة. و نفس الشيء يمكن قوله في عقلانيات العلوم الاجتماعية.

هذه العقلانيات هي متعددة تهتم بدراسة أنشطة الإنسان و بالتالي تهتم بمختلف المعارف الإنسانية

ويظهر منا إن هناك تعدد في التصرفات و العلاقات و الغايات و بالتالي في العقلانيات و تعددا بالتالي في الموضوعيات في عمالية التطرق إليها في الخطاب العلمي لهذه العلوم.

وهذا يعني أيضا عدم انسجام عقلاني و تمفصلهما غير موجود لتناقض الواقع مما يطرح مشكلة البحث عن توحيد نظري لهذه العقلانيات التي تتطور في كل الاتجاهات الخاصة بها دون إن تلتقي مع بعضها

إذ إن كل فرع علمي يشيد موضوعية و عقلانية خاصة به وهذا يعني تجزؤا للمعارف حول الواقع الإنساني نرى إن التوحيد العلمي للنظريات العلمية في العلوم الاجتماعية غير ممكن و الحل الممكن هو تفضيل احد العقلانيات و التي تقود إلى المعرفة العلمية.غير أن الاحتفاظ و الادعاء بتوحيد النظرية الاجتماعية و بعد احترام المقاربات الأخرى غير منطقي و هو اتجاه لاستبداد المعرفة الوحيدة فالعقلانية الفردية التي اعتبرت هي الصحيحة و الوحيدة مرتكزة على فلسفة ليبرالية و اغتنت بمكتسبات علمية لا تناقش لهذه العقلانية. أما العقلانية الجبرية التي ترتكز على فلسفة حتمية ميكانيكية ترى أنها أن الإنسان ليس إلا لعبة آليات لا يتحكم فيها احد. و بالمقابل، قوت الإسهامات العلمية لهذه المقاربة من نظرة العلم. بذلك ازدهرت فلسفات موت الإنسان. بالفعل تبحث الفلسفة الهادفة إلى شمولية الكون و الباحثة عن وحدة الظاهرة الإنسانية و انطلاقا من معارف متنوعة:

نوع ينبني على إحدى العقلانيات المذكورة اللبرالية و البنيويات و الماديات و بعض الفلسفات التبسيطية للتاريخ كلها تشترك في فهم الإنسان و الإحاطة بقضاياه المعقدة و لكنها في العمق بسيطة غير تفسيرية مدعية عقلانية تحاول أن تكون موضوعية.

+الجدلية تتطرق للشمولية و التناقضات وكلها تعتمد على الجدلية كمسلسل لفهم الحل الواقعي للتناقضات.

هناك من أكد على أن المنهج الامبريقي يطبق في عدة علوم اجتماعية كعلم النفس التجريبي و اللسانيات و الاقتصاد الانثربلوجيا و الجغرافيا الثقافية و السلوكية، وهي تدرس تصرفات فردية و اجتماعية. فعلم النفس التجريبي يهم بالمؤثر و بالجواب لكن بدون البحث عن معرفة لماذا يظهر هذا الجواب أو ذاك و الملائم لهذا المؤثر.فعلم الاقتصاد يبحث عن آليات النشاط الاقتصادي لكن لا يبحث عن معرفة إذا كانت هذه الآليات تحمل دلالات وقيما تؤطر هذه التصرفات.

من هنا يمكن البحث في هذه الدلالات إزاء هذه التصرفات الفردية و الجماعية،و كذا القيم التي تحملها و الأفعال و المؤسسات و المسلسلات الاجتماعية و الثقافية ، لكن بشرط قبول المعنى الذي أعطاه إياه الفاعل. فعلى سبيل المثال، نجد أن العامل الاقتصادي في المادية التاريخية يقود إلى تفسير الظواهر الواقعية بإبراز دلالاتها العميقة و المخفية من طرف دلالات أخرى و أسباب أخرى التي تظهر آنية. و يمكن أن نطلق على هذه المنهجية بالمنهجية التأويليةMéthode interprétative وهي تعتبر الآثار المرئية كنص يجب تفكيكه و الذي يقود إلى خطاب مستتر ذي نص مقفول codé ، ثم أنها تسمح بربط الظواهر المرئية بمسلسلات غير مرئية غير ملموسة و لكنها مفهومة و تقدم قراءة لها. و هنا يصل المنهج التأويلي درجة تشبع التأويل حينما ينجح في الاندماج في شمولية منسجمة مع النصوص المدروسة كحالة تفكيك تاريخ المجتمع على أساس العامل الاقتصادي. و لكن العيب فيه انه غير مبشر بالتنبؤ المستقبلي.

و من جهة أخرى أكد ماكس فيبر على مشكل القيم في العلوم الاجتماعية مبرزا أن القيم توجد في أصل المنهج العلمي و تحاول أن تهيء موضوعية علمية حقيقية. و بالتالي يمكن معالجة هذه القيم كوقائع بالشروط العلمية.

لقد عملت العلوم الاجتماعية على الاقتراب من العلوم الدقيقة من خلال استغلال تقنيات حديثة كالإعلاميات و الإحصائيات وأساسا الإحصائيات الاستنتاجية les Statistiques différentielles

خاتمة عامة

إن التسليم بعلمية العلوم الاجتماعية، لا يلغي عمليا الإشكالية التي تنتصب أمام الباحث ، ألا وهي إشكالية العلاقة بين الذات والموضوع، أو بتعبير آخر إشكالية الموضوعية في العلوم الاجتماعية والناجمة عن كون هو نفسه جزء من المشهد الاجتماعي الذي يقوم بدراسته، وبالتالي فإنه من الصعوبة بمكان، أن يكون المرء باحثا محايدا وبريئا، لأنه يمثل هنا كلا من موضوع و منهج في آن واحد وهو ما ترتب عليه:

انطباع العلوم الاجتماعية بالطابع الأيديولوجي،

تباين انعكاس الواقع في الوعي تبعا لتبدل الزمان والمكان،

التداخل البنيوي بين الذات والموضوع في الظاهرة الاجتماعية،

الحاجة إلى إجراءات منهجية معينة لمعالجة هذه الإشكالية، والاقتراب – إن لم يكن الوصول – إلى النتيجة العلمية المطلوبة.

لقد حاولت العلوم لاجتماعية أن تكتسب الصفات العلمية بتوافرها على شروط نظرية مقبولة مما جنبها الوصف المبالغ فيه و غير العلمي كدراسة واحة فجيج( بوب و بنشريفة) .

لكنها لم تذهب بعيدا في طابعا العلمي الصارم إسوة بالعلوم الدقيقة الأخرى .إذ أن طرق الوصف الدقيقة من الناحية الكمية لا تكون مصحوبة بنظرية مقنعة مساعدة على التنبؤ، أن النماذج المجردة غير قابلة للتجربة. أيضا نرى أن النماذج و النظريات ليست إجماعية و إنما تحدث في دائرة مجتمعات علمية صغيرة ولا يمكن التيقن من الاستمرار في تقدم البحث فيها و إنما قد يمكن الرجوع إلى الوراء إلى نموذج سابق( جلنر).

لا ينكر احد مدى تعقيد الظواهر الإنسانية سواء كانت تاريخية او اجتماعية أو نفسية و الناتج عن خصوصيتها كظواهر معنوية ، لكن يمكن دراستها بطريقة علمية موضوعية وفق مناهج خاصة تنسجم مع طبيعتها.ويكون التجريب المكيف أفضل طريقة للدراسات الإنسانية.

بأي معنى وضمن أية شروط يمكن الحديث عن “علوم إنسانية” ؟ يحاول بعض علماء الإنسانيات استلهام مناهج العلوم الطبيعية التي أثبتت فعاليتها، بينما يرافع آخرون من أجل ابتكار منهج أصيل بدعوى عدم وجود معيار أو نموذج وحيد للعلمية. وبعبارة أخرى، يسعى البعض إلى الاستفادة من المكتسبات المنهجية للعلوم الحقة، بينما يجتهد آخرون لتأسيس نموذج مغاير للعلمية. إن هذه الإشكالات الميتودولوجية التي تعترض العلوم الإنسانية نابعة أساسا من خصوصية الموضوع وهو الظاهرة الإنسانية.

إن السعي الحثيث لعلماء الإنسانيات من أجل تعريف موضوع علمهم وتحيييد الوعي وابتكار تقنيات لتحقيق القطيعة مع المعرفة العفوية و الذاتية لدليل على خصوصية الموضوع وما تطرحه موضعته من عوائق.

موسم دراسي جديد2020/2021في زمن الكرونا-كوفيد19

إن الذي ألجأ وزارة التربية الوطنية إلى تلك القرارات الغريبة أنها لا تفكر في الحلول التربوية الجذرية، بل بمنطق التسيير الإداري الآني، مع الارتهان إلى الضوابط التنظيمية والقوانين المدرسية على حساب مفهوم التربية ومقاصدها. المشكلة التربوية ليست ظرفية ولا جزئية، بل هي مشكلة بنيوية منهاجية أساسا، في حين أنك تجد الوزارة تعالج بعض تفاصيلها فقط، وكل الهاجس الذي يحكمها هو إنقاذ السنة الدراسية وتأمين ظروف الامتحانات والتقويم، ثم يستتبع ذلك تحصيل قدر لا بأس به من المقررات والبرامج… مثل هذا التفكير هو ما يعبر عنه بجعل العربة أمام الحصان.

ولنا أن نتساءل لماذا الامتحان مقدم في الاعتبار على مضمون التدريس؟ ولماذا المضمون مقدم على الغاية من التربية؟ وهل التربية معطى محدد سلفا أم هي تدبير سياقي بغرض العيش بأفضل حال ومآل؟
لو أن الوزارة فكرت بما يمليه النظر المنهاجي لأمكنها على أقل تقدير أن تعدل في البرامج وتخفف من المقررات بما يحفظ الكفايات الأساسية فقط، وتدخل مضامين تناسب ما تمليه الجائحة من ثقافة صحية وعلمية وقيمية ببعد عالمي، ثم يتبع ذلك تخفيف الزمن الدراسي، واعتماد أساليب تقويمية سلسة، وحينذاك يكون الحديث عن التعليم الحضوري أو عن بعد ضمن نطاقه التربوي المحدود، وليس بحسبانه الحل الأمثل لإنجاز البرنامج وإنقاذ السنة الدراسية وتأمين إجراء الامتحانات الإشهادية والتقويمات الملزمة.
إن المنطق الذي تفكر به وزارة التربية الوطنية (منطق المسجون باختياره ضمن الحدود التنظيمية) هو نفسه ما ألفينا المدارس الخاصة تنفذه بحذافيره،

فلسان حال هؤلاء يخاطب أولياء الأمور قائلا: لقد أنجزنا البرنامج من ألفه إلى يائه (ولا يهم كيف؟ ولماذا؟ وما الحصيلة؟) فليس لكم إلا أن تؤدوا الأجر كاملا. ومن غرائب ذلك أني كنت أنظر إلى ابنتي خلال أيام الحجر الصحي بعين الشفقة الممزوجة بالدهشة،

وهي تحاول تتبع الدروس عبر الواتساب في ارتباك وانزعاج، والأستاذة تصرخ أسرعوا لقد أنهينا درس الاجتماعيات أخرجوا كتاب التربية التشكيلية وأنجزوا الصفحة كذا…. وكذا الوزارة تخاطب التلاميذ لقد ضمننا لكم المقرر فأنجزوا الامتحان. ألا لقد حجرتم واسعا، وألجأتم أنفسكم إلى أضيق المسالك، وأرهقتم الناشئة. والتربية أرحم من أن تصير عقابا، فلا تظلموها.


من أجل دخول مدرسي آمن:حزمة اقتراحات تربوية

لأهمية الموضوع وحيويته الراهنة، وقياما بجزء من الواجب التربوي المنوط بنا نحو منظومتنا التربوية.. ( ولأن اللي فينا ماهنانا😂)
أعود من جديد لاقتراح جملة من الاقتراحات العملية تربويا وبيداغوجيا والمناسبة لدخول مدرسي أكثر أمنا للمتعلمين ولكافة الأطر و المتدخلين..
طبعا هذه الاقتراحات تنسجم والوضعية التربوية الطارئة بسبب جائحة كورونا.. وليست سوى صيغة للتعامل الاستثنائي معها:
✍اولا:

  • انطلاق الدخول المدرسي غير الحضوري بعمليات التقويم التشخيصي وحزمة الدعم والمعالجة لكافة المستويات.. مع التركيز على تلامذة الأولى باك المقبلين على الامتحان الجهوي
    وتمتد هذه العملية عن بعد طيلة شهر شتنبر..
    ✍ثانيا:
    انطلاق الدراسة الحضورية بداية أكتوبر( إن يسمح الوضع الوبائي في البلاد)، وتقتصر على المستويات الاشهادية فقط: السادس ابتدائي والثالثة إعدادي والأولى والثانية باكلوريا..
    هذا التأخير يسمح للجان العمل والإدارات أن تهيئ حزمة الاجراءات المزمع اتخاذها.. والمبينة أسفله..
    ✍ثالثا:
    الاقتصار في الدراسة الحضورية على المواد المقررة في الامتحانات الاشهادية.. تفاديا للحضور المكثف للمتعلمين إلى المدرسة.. واستفادة من بقية الحصص للتفويج..
    ✍رابعا:
    تفويج المتعلمين إلى أفواج من 10 متعلمين ضمانا للحد الأقصى من الاحترازات الصحية..
    ✍خامسا:
    انكباب لجنة خاصة على تعديل المقررات الدراسية من خلال عمليات مختلفة( الحذف.. الدمج.. التقديم والتأخير.. الاختصار..) لتحقيق الملاءمة مع صيغ الاشتغال..
    ✍سادسا:
    خلال فترة شتنبر يتم إعداد جداول الحصص المناسبة للصيغة الحضورية المقترحة بنفس تشاركي وتضامني يراعي المصلحة الفضلى للمتعلمين.
    ✍سابعا:
    يتم الاشتغال مع بقية المستويات غير الاشهادية بصيغة “التعليم عن بعد”.. وفق برنامج واضح وملزم ومقوم..
    ✍ثامنا:
    مع عودة منحنى الوباء إلى الانخفاض، يتم الإدماج التدريجي للمستويات غير الاشهادية في الدراسة الحضورية..
    ✍تاسعا:
    لا ضير في استثمار كل أيام الأسبوع، والعطل المقررة.. بل وتحريك مواعيد الامتحانات ونهاية السنة بما يضمن سيرا آمنا وكافيا لكل عمليات الموسم..
    ✍ عاشرا( ملاحظة مرنة):
    يمكن إطلاق الدراسة الحضورية في المناطق القروية
    في شتنبر وبكل المستويات( خاصة الابتدائي) مادام عدد المتعلمين يسمح بتدبير العمل وفق البروتوكول الصحي الآمن..
    ولصعوبة تدبير التعلم عن بعد فيها..
    هذه المقترحات، وغيرها مما سبق أن بينته في مقال سابق، تجعل القرار بيد أهل التربية أولا.. في استشارة وانسجام مع بقية المتدخلين في تدبير الشأن الصحي العام..
    وإني على يقين كامل أن الأطر الإدارية والتربوية لن تتوان في الانخراط التام والعمل الدؤوب لربح هذا التحدي الوطني الكبير..

فلسفة بوذا فلسفة حياة وليست فلسفة دين ولا تدعُ إلى الموت من أجل الإلاه!


وفقا للنصوص البوذية ففي وقت مبكر، وبعد أن أدرك بوذا أن التأمل هو الطريق الصحيح للصحوة، اكتشف ما يعرف بمسار الطريق الوسطى والاعتدال بعيدًا عن التطرف في الانغماس الذاتي وإهانة المصير.

صفاته
يصور علماء الهند بوذا أنه كان شديد الضبط، قوي الروح، ماضي العزيمة، واسع الصدر، عزوفا عن الشهوة، بالغ التأثير، بريئا من الحقد، بعيدا عن العدوان، جامدا لا ينبعث فيه حب ولا كراهية، ولا تحركه العواطف ولا تهيجه النوازل، بليغ العبارة، فصيح اللسان، مؤثرا بالعاطفة والمنطق، له منزلة كبيرة في أعين الملوك، ومجالسه ملتقى العلماء والعظماء كما رفض التعصب الديني والغضب والبطش .

من فلسفته

  • يأتي السلام من الداخل، فلا تبحث عنه في الخارج.
  • لا يعتبر الكلب كلبا جيدا لأنه يجيد النباح، وكذلك الإنسان لا يعتبر إنسانا جيدا لأنه يجيد الكلام.
    ————————

تزوج الحجاج بن يوسف الثقفي من امرأة اسمها هند رغما عنها وعن ابيها..

تزوج الحجاج بن يوسف الثقفي من امرأة اسمها هند رغما عنها وعن ابيها ،
وذات مرة وبعد مرور سنة على زواجهما جلست هند أمام المرآة تترنم بهذين البيتين:
وماهند إلا مهرة عربية … سليلة أفراس تحللها بغل
فإن ولدت مهر فلله درها…. و إن ولدت بغل فقد جاء به البغل …
فسمعها الحجاج فغضب ، فذهب إلى خادمه وقال له اذهب اليها وبلغها أني طلقتها في كلمتين فقط لو زدت ثالثة قطعت لسانك ،وأعطها هذه العشرين ألف دينار ،
فذهب اليها الخادم فقال لها:
كنتِ .. فبنتِ !!
كنتِ يعني كنتِ زوجته
فبنتِ يعني أصبحت طليقته
ولكنها كانت أفصح من الخادم فقالت:
كنا فما فرحنا … فبنا فما حزنا !!
وقالت : خذ هذه العشرين ألف دينار لك بالبشرى التي جئت بها !!
وقيل إنها بعد طلاقها من الحجاج لم يجرؤ أحد على خطبتها
وهي لم تقبل بمن هو أقل من الحجاج ،
فاغرت بعض الشعراء بالمال فامتدحوها
وامتدحوا جمالها عند عبد الملك بن مروان
فأعجب بها وطلب الزواج منها
وأرسل الى عامله على الحجاز ليخَبرها له.. أي يصفها له ، فأرسل له يقول إنها لاعيب فيها ،
فلما خطبها
كتبت له وقالت له ان الإناء قد ولغ فيه الكلب
فارسل لها اغسليه سبعآ احداهما بالتراب
ووافقت وبعثت إليه برسالة اخرى
تقول: أوافق بشرط ..
أن لا يسوق بعيرى من مكاني هذا إليك في بغداد إلا الحجاج نفسه !!
فوافق الخليفة ،
و أمر الحجاج بذلك .
فبينما الحجاج يسوق الراحلة إذا بها توقع من يدها ديناراً متعمدة ذلك ،
فقالت للحجاج يا غلام لقد وقع مني درهم فأعطنيه
فأخذه الحجاج فقال لها إنه دينار وليس درهما ً !!
فنظرت إليه وقالت: الحمد لله الذي أبدلني بدل الدرهم دينارا..
ففهمها الحجاج و أسرها في نفسه
أي أنها تزوجت خيرا منه ..
وعند وصولهم تاخر الحجاج في الأسطبل والناس يتجهزون للوليمة فأرسل إليه الخليفة ليطلب حضوره
فرد عليه :
ربتني أمي على ألا آكل فضلات الرجال !!
ففهم الخليفة و أمر أن تدخل زوجته بأحد القصور ولم يقربها إلا أنه كان يزورها كل يوم بعد صلاة العصر ،
فعلمت هي بسبب عدم دخوله عليها، فاحتالت لذلك وأمرت الجواري أن يخبروها بقدومه لأنها أرسلت إليه أنها بحاجة له في أمر .
فتعمدت قطع عقد اللؤلؤ عند دخوله ورفعت ثوبها لتجمع فيه اللآليء
فلما رآها عبد الملك… أثارته روعتها وحسن جمالها وتندم لعدم دخوله بها لكلمة الحجاج تلك ،
فقالت: وهي تنظم حبات اللؤلؤ… سبحان الله
فقال: عبد الملك مستفهما لم تسبحين الله ؟!!
فقالت: أن هذا اللؤلؤ خلقه الله لزينة الملوك
قال: نعم
قالت: ولكن شاءت حكمته ألا يستطيع ثقبه إلا الغجر
فقال متهللا: نعم والله صدقت وفهم قصدها
وقال قبح الله من لامني فيك ودخل بها من يومه هذا !!
فغلب كيدها كيد الحجاج .

هل تحمل صفات الأستاذ الناجح ؟


ها نحن نلتحق بمؤسساتنا التربوية لنستأنف عاما جديدا ، ويلتحق معنا أساتذة جدد عوضوا من خرج إلى التقاعد بعد سنوات طوال من التضحية والعطاء من الألم والأمل من الخوف والرجاء .
عزيزي الأستاذ المبتدئ المقبل على عالم جديد إليك هذه الصفات فتحل بها أو ببعضها لتكون ناجحا في رسالتك التعليمية والتربوية العظيمة .
فأول صفة للمعلم الناجح :
أنه دبولماسي : أي أنه يحسن التفاوض مع تلاميذه فلا يمارس معهم العنف ولا يفرض عليهم القرارات دون نقاش أو حوار فمن صفة الدبلوماسي أنه محاور ومفاوض ومتواصل بفعالية مع غيره ، أنه لبق يحسن فنون الكلام ، أنه مؤثر بسمته وفكره وهندامه .
الصفة الثانية : أنه معماري : أي هو الذي يصمم خطة البناء التربوي و النفسي والفكري للتلميذ وهو الذي ينفذها ويتابعها حتى يصل هذا البناء الفكري والتربوي إلى نهايته و أي خلل سيعرض البناء إلى الانهيار .
الصفة الثالثة : انه شاعر ومن سمات الشاعر أنه كتلة من عواطف الحب والجمال والخير فيعامل تلاميذته بهذا القلب الممتلئ بالحب والود والحنان فيشفق عليهم ويتعاطف معهم ويسمع لمشاكلهم ويحاول علاجها بلمسة فنية روحية.
الصفة الرابعة : أنه مايسترو مثل قائد أوركسترا يشكل من تنوع تلاميذته واختلافهم وتنوع ثقافتهم وبيئاتهم ومستوياتهم المعيشية قطعة موسيقية متناغمة فهذا الاختلاف هو قمة النجاح داخل القسم فلا عنصرية ولا طبقية كل واكد يكمل الآخر.
الصفة الخامسة أنه فيلسوف :أي أنه حكيم ، فنان في تعامله مع تلاميذته ، يثير فيهم حب السؤال لأنه بداية المعرفة والحكمة ، يشجعهم على القراءة والتأمل والنقد وحب النقاش .
هذه بعض الصفات عزيزي المعلم لو ملكتها لصرت معلما فنانا في التربية مربيا مؤثرا تبقى رسالتك راسخة في التلاميذ يذكرونك بها ولو بعد سنوات ، إنها صدقة جارية لك فلا تستهين بمهنتك واعرف قيمتك فأنت تمارس رسالة الأنبياء.

هل العدالة الإجتماعية تتأسس على مبدأ التفاوت؟

مقالة بطريقة إستقصاء بالوضع حول العدالة الإجتماعية تتأسس على مبدأ التفاوت.
شعبة أداب وفلسفة {بكالوريا 2014-2017}
بالتوفيق والنجاح
نص السؤال يقال ׃ إن العدالة الاجتماعية لا تتحقق إلا من خلال احترام التفاوت الموجود بين الأفراد
دافع عن هذه الأطروحة
طرح المشكلة ׃
العدالة الاجتماعية أخذت مكانة بين المفكرين والفلاسفة منذ سقراط حتى العصر الحديث أي أن المجتمعات البشرية حاولت تحقيق العدالة وتجسيدها في أرض الواقع ولكن بقيت هذه الفكرة من المفاهيم التي لم تؤدي إلى وجود اجتماع بين المفكرين ورجال القانون فقد كانت الفكرة الشائعة لديهم هي أن المساواة هي أساس تحقيق العدالة الاجتماعية لكن هناك فكرة تناقضها وهي أن العدالة تقوم على مبدأ التفاوت أي يجب احترام الفوارق الموجودة بين الناس من اجل تحقيق العد ل فكيف يتسنى لنا الدفاع عن هذه الأطروحة ؟
وما هي الحجج والأدلة التي تؤكد صحة ذلك ·؟
محاولة حل المشكلة
عرض منطق الأطروحة ׃ يرى أنصار نظرية التفاوت الذين يقرون بأن الناس ولدوا غير متساوين ويحكمهم التباين والاختلاف ولقد ظهر هذا الرأي منذ القدم في المجتمعات البدائية وعلى رأسهم المجتمع الإغريقي مجتمع أثينا بالخصوص أو ما يسمى بالمجتمع الهرمي وتجلى ذلك التفاوت خاصة في رأي الفيلسوف اليوناني أفلاطون،

بأن العدالة الاجتماعية تتحقق إلا عن طريق احترام التفاوت الموجود بين الأفراد لأنه قانون الطبيعة البشرية فإذا كانت الطبيعة لم تعدل بين الناس وفرقت بينهم وجعلتهم غير مساويين فانه يجب أن نؤسس العدالة على هذا المبدأ و قد استندوا إلى مسلمات ثم أكدواها بحجج منها ׃
هناك تفاوت بين الناس في قدراتهم ومختلف مجالات الحياة لهذا فالتفاوت نوعان ׃
التفاوت الطبيعي وهو راجع لفروق فردية بين الناس في قدراتهم العقلية كالذكي والضعيف عقليا الغبي القوي الذاكرة الضعيف الذاكرة ومواهبهم الجسمية القوي الضعيف والتفاوت الاجتماعي وهو راجع لفروق بين الناس في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الرئيس والمرؤوس العالم والجاهل رب العمل والعامل حيث يقول أرسطو التفاوت هو قانون الطبيعة ونجد الفيلسوف اليوناني أفلاطون الذي قسم الناس في كتابه الجمهورية إلى ثلاثة طبقات؛

وهي طبقة الحكام وطبقة الجند وطبقة العبيد لان هناك اختلاف وفوارق بين الأفراد في القدرات والمواهب وعلى العدالة أن تحترم هذا التفاوت في توزيع الحقوق على الطبقات أما في الفلسفة الحديثة خاصة الألمانية نجد نيتشه الذي يرى بأن العدالة الحقيقية هي التي تستند إلى التفاوت الطبيعي الموجود بين الناس فالأسياد لهم حق الملكية والحكم وللعبيد واجب الطاعة والاحترام وخدمة الأسياد وفقط ·
عرض منطق الخصوم ونقدهم ׃ يرى البعض من الفلاسفة والمفكرين أن العدالة لا يمكنها التحقق ولا باستطاعتها أن تطبق إلا على أساس المساواة المطلقة بين الأشخاص ذلك لان الناس خلقوا متساوين وغير مختلفين في شيء ولقد برزت هذه الفكرة منذ الأزل وذلك في المجتمع الروماني المعروف عليه بأنه ظالم مستبد إذ أن حكام هذا الشعب نادوا بفكرة العدل والمساواة وأشادوا بها في خطاباتهم وأقوالهم ومن بينهم الحكيم شيشرون:

الذي يقول في هذا وليس شيء أشبه بشيء من الإنسان بالإنسان لنا جميعا عقل ولنا جميعا حواس وان اختلفنا في العلم فنحن متساوون في القدرة على التعلم ضف إلى ذلك إن مساواة الإنسان بأخيه الإنسان إعلان أتت به جميع الديانات السماوية وجعلته شعار الإنسانية المثلى فالعدل إذن عند أنصار المساواة لا يتحقق إلا في ظل الكرامة الإنسانية المتمتعة بكامل حقوقها باعتبارها شعور يملا النفوس ·
نقدهم ׃ بالفعل إن نظرية المساواة ساهمت بدور فعال في إزاحة مظاهر الجور والظلم وطغيان الإنسان على أخيه الإنسان لكنها لم تسلم من انتقادات فلاسفة آخرين بموجب إن اعتماد المساواة أمر لا يخلو من الظلم في حالة ما إذا سوينا بين المتساوين وغير المتساوين في الطبع والذكاء والإرادة وبعض الفعاليات العقلية والنفسية والكثير من الصفات المكتسبة عن طريق الوراثة.

ولقد قال احد النقاد إن مبادئ نظرية المساواة يعشقها الجميع ولكن حقا إن اتفق الجميع على تطبيقها فهم لا يقدرون على ذلك فالمساواة في حد ذاتها تنشر الشحناء والبغضاء وهذا دليل على أن الناس مختلفين ولا يحكمهم مبدأ المساواة لوحده بل هناك مبدأ آخر وهو مبدأ التفاوت·
الدفاع عن منطق الأطروحة بحجج شخصية ׃ يمكن تدعيم الأطروحة القائلة إن العدالة الاجتماعية لا تتحقق إلا من خلال احترام التفاوت الموجود بين الأفراد بحجج وأدلة أهمها ׃
يعتبر التفاوت من الأسس المتينة التي تقوم عليها العدالة الاجتماعية لان الله سبحانه وتعالى اوجد فروقا بين الناس ليكون هناك تكامل بينهم في الخدمات فالطبيب يكمل الفلاح وهذا الأخير يكمل الأستاذ…
كذلك مبدأ التفاوت مهم في تحقيق العدالة داخل المجتمعات لأنه يؤدي إلى التناقض بين الأفراد وبالتالي تحقيق التقدم وهذا ما أكده أنصار الفلسفة الرأسمالية وخاصة الفيلسوف الانجليزي أدم سميث الذي وضع النظرية الاقتصادية القائمة على أساس الحرية وبالتالي فهو يقر بالتفاوت وذلك لوجود طبقتين في المجتمع وهما الطبقة البرجوازية والطبقة الكادحة.

أما الطبيب الفرنسي الكسيس كارليل فيقول بدل أن نعمل على إزالة هذا التفاوت محكوم علينا أن نشجعه ففي هذا التشجيع التطور والازدهار ونجد كذلك في هذا السياق هيغلالذي يؤمن بفكرة الاختلاف والتفاوت لأنه يعتقد بان التفوق يجب أن يكون للجنس الأبيض حتى يسود الأمن والاستقرار في العالم وهذا التفوق هو للأمم القوية على حساب الأمم الضعيفة وبهذا فان التفاوت أمر طبيعي لا بد منه·
حل المشكلة ׃ نستنتج في الأخير أن الأطروحة القائلة التفاوت هو أساس تحقيق العدالة الاجتماعية صحيحة وصادقة ويمكن الأخذ بها وتبنيها لان الاختلاف في قدرات وكفاءات الأفراد يساعد العدالة على توزيع الحقوق والواجبات حسب هذه الفوارق·لة العدالة بطريقة إستقصاء بالوضع حول مبدأ التفاوت أساس تحقيق العدالة .
شعبة أداب وفلسفة
بكالوريا 2014-2017
بالتوفيق والنجاح

ما هو موقف الغزالي من الميتافيزيقا ؟

ما هو موقف الغزالي من الميتافيزيقا ؟
كيف أستدل الغزالي علي كذب الفلاسفة في قضية الإلهيات ؟
هل كان كلام الفلاسفة سفسطة دون دليل حقيقي ؟
ماذا عن موقف ابن رشد من ذلك ؟
هل نجح ابن رشد في نقد الغزالي ؟

العقل قاصر علي إدراك ألذات ألإلهيه والكلام عنها وعن الأشياء الغيبية التي هي بعيدة عن أدراك العقل ألإنساني, وهو غير قادر علي الوصول إليها .

اهتمت الفلسفة اليونانية منذ بداية الفلسفة المالطية بوجود أصل واحد للأشياء في الكون سواء كان مادي أو روحي فتكلمت المذاهب الفلسفية في اليونان عن ذلك حتى تحدث الفلاسفة من بداية أرسطو عن الموجود ألأول أو العلة ألأولي .(ولما كانت الفلسفة ألأولي أي الميتافيزيقا هي العلم بالعلل الأولي للأشياء,فإنها تصبح العلم بالله وبذاتية من حيث أن الله هو العلة الأخيرة لكل ما هو موجود وهو الذي يؤسس كل وجود وكل معقولية ) (1) , وعندما تناول الفلاسفة المسلمين لمشكله الإلهيات من أمثال الفارابي وابن سينا وتحليلهم لبعض القضايا من جانب فلسفي وليس من جانب ديني يصعب علي العوام فهمه وتقبله دون المساس بالعقيدة الإسلامية . ومن الفلاسفة من قال بقدم العالم ومنهم من أذعن بحدوثه .وكذلك عني العرب في العصور الوسطي بمعرفة فلسفة اليونان ونقلوا الكثير من لغتهم العربية عن الترجمات السريانية آذ كان أكثر نقله الفلسفة في العالم العربي من السريان وعلي رأس هؤلاء المترجمين حنين بن إسحاق ومدر ستة غير أن أمانة هولاء النقلة ودقتهم لم تكن تصل في الغالب إلي المستوي اللائق فوقع علي فلاسفة العرب العبْ ألأكبر في تصحيح ما وصل إليهم ناقصا مشوها ,وأن استطاعوا علي الرغم من ذلك أن يخرجوا من هذا الركام المشوة بتفسيرات وشروح كان لها أبعد الأثر فيما بعد خاصة عند الأوربيين في العصور الوسطي .
-هاجم الغزالي موقف الفلاسفة المسلمين من الميتافيزيقا ,وهي أرائهم عن ألإلهيات وخاصة في مسائل قدم العالم ,العلم ألإلهي وقضية البعث بالأرواح دون ألأجسام وكفر الغزالي الفلاسفة في تلك القضايا التي هي بعيدة عن تعاليم الإسلام ,ولم ينزل بها الله من سلطان . وقام بتفنيد أرائه وتقديم الأدلة علي كذب ادعاءهم في كتاب (تهافت الفلاسفة) وهدف كتاب التهافت هو إظهار العقل بمظهر العاجز عن اقتناص الحقائق الإلهية ولهذا ,يحاول الغزالي فيه أن ينتزع ثقة الناس من العقل كمصدر تتعرف منه علي المسائل ألإلهيه .ولكن إذ يحاول تقيد سلطة العقل ,يتخذ من العقل نفسه مطية للوصول إلي هذه الغاية .فأذن عمله هذا هو محاولة
عقلية لإثبات قصور العقل في ميدان الإلهيات ,وشهادة عقلية بأن للعقل حدا يجب الوقوف عنده .
( فمن نظر إلي الغاية من كتاب التهافت تلك التي يصورها الغزالي نفسه بأنها انتزاع الثقة من الفلسفة .ورآه ,لهذا , بعيدا من نطاق الفلسفة ,فهو مضطر إلي اعتباره وسيلة .تلك التي تقوم علي استعراض مناهج الفلاسفة وأدلتهم .واستخدام العقل وحده للكشف عن قصورها وعجزها ,وضعفها وركنها – عملا داخلا في صميم الفلسفة إنه عمل يمكن
تصويره بأنه بحث في طاقه العقل .وهل يمكن أن يكون عمل كهذا بعيدا عن مجال الفلسفة ؟ ولقد قال أرسطو قديما ( أن من تنكر الميتافيزيقا يتفلسف ميتافيزيقا ) .)(2)

       مسالة قدم العالم

◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇

أن كان ابن سينا عول علي العقل واستلهم,فكذلك صنع الغزالي وإذا كان ابن سينا يسلك مسلكا عقليا صرفا يبين به مثلا وجوب أن يكون العالم قديم فيقول : وجود المعلول متعلق بالعلة من حيث هي علي الحال التي بها تكون من طبيعة أو إرادة أو غير ذلك من أمور تحتاج إلي أن تكون من خارج ,ولها مدخل في تتميم كون العلة علة بالفعل
وعدم المعلول متعلق بعدم كون العلة علي الحال التي هي بها علة بالفعل سواء كانت ذاتها موجودة أصلا فإذا لم يكن شيْ معوقا من خارج ,وكان الفاعل بذات موجودا ولكنه كانت طبيعة ,أو إرادة جازمة . أو غير ذلك . وجب وجود المعلول ,وإن لم توجد ,وجب عدمه .)وفي هذا يوضح ابن سينا ضرورة الوجود بالفعل أي القوة في تمام ألأشياء فأن كان العالم نشأ من مادة هي أزلية تنمو وتكبر من ذاتها دون وجود أسباب في خارج الطبيعة تقتضي حدوث الأشياء فيها ,أن لم توجد هذه العلة الخارجية فهي ليست موجودة .

               صدور العالم عن الله عند ابن سينا

◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇

وبذلك يحاول ابن سينا من خلال تسلسل الموجودات إلي الوصول للعقل الأول وهو الله لذلك جعل العالم في تكوينه عقولا تحاول كل منها السعي وراء العقل الأول , وهنا يقول ابن سينا بصدور ثلاثة موجودات عن هذا العقل ألأول حيث تبدأ أيضا فيما بعد الكثرة .والعقل الثاني له نفس وجرم وعقل وهكذا حتى نصل إلي العقل العاشر الذي ليس له القدرة علي الإبداع الموجودة في العقول السابقة عليه .وهذا العقل العاشر
هو العقل الفعال . وهو يتوسط العامين : المعقول والمحسوس . وهو يلعب دورا رئيسا , بالنسبة لعالمنا هذا من جهة أنه مصدر لوجودنا المادي ووجودنا الذهني . بعبارة أخري أن العناصر الأربع الرئيسية المكونة لهذا العالم المحسوس . حاصل عن العقل الفعال ,كما أن المعرفة البشرية تستمد صحتها وصدقها من العقل الفعال .وهذا يؤكد علي تأثر
الفلاسفة المسلمين بالفلسفة اليونانية وفي ذلك يسلك ابن سينا مسلك أفلوطين في كلامه عن الميتافيزيقا كما توضح ذلك د.أميرة حلمي مطر .الميتافيزيقا عند أفلوطين
(أن الواحد أو الأول عن أفلوطين يقترب كل الاقتراب من الإله الواحد اللامتناهي في عدم تحيزة المكاني أو تحدده الكيفي وهؤلاء يصفه بالفكر أو ألإرادة أو النشاط لأن كل صفه من هذه الصفات تفترض التميز بين ألذات وبين الموضوع ولا يجوز التميز في الواحد لأنه يمتاز بأنه وحدة تامة مطلقة ولذلك فكثيرا ما يلجأ أفلوطين إلي أسلوب السلب حين بصفة بصفات الألوهية والكمال فيقول :لا يجب أن نصف بأنه يريد وهو كله أرادة أو أنه نفس وهو كله وعي ,
أما عن علاقته بالوجود فان أفلوطين يفسرها بنظريته الهامة في الفيض وقد كان لهذه النظرية أكبر تأثير في الفلسفة ألإسلامية فيما بعد .يقول: لأنه كامل فهو ينتج بالضرورة كائنات كاملة خالدة تشبهه وإن لم تساوه في الكمال ,وهو يفيض بالوجود بغير أن يتأثر بإرادة أو بحركة , لأنه إذا كان التوالد يتم بحركة فسوف يكون الناتج في المرتبة الثالثة
بعد الواحد . يلجأ أفلوطين هنا إلي تشبيهات مختلفة فيقول : إن الفيض أشبه بالأشعة الصادرة عن الشمس أو الحرارة الصادرة عن النار أو البرودة الصادرة عن الثلج وأول ما يفيض عن الواحد هو الوجود ولأن الوجود الصادر يجتهد دائما بالقدر ألامكن أن يظل قريبا من مصدره الذي تلقي منه حقيقة فأنه بمجرد صدور عنه يلتفت إليه فيصير عقلا .فوقفته عند الواحد تجعله عقلا ,وهكذا ينشأ ألاقنوم الثاني عن ألأول فيكون العقل أو العالم المعقول

ألمسألة الرابعة من كتاب تهافت التهافت لابن رشد
   في بيان عجزهم عن الاستدلال علي وجود صانع         العالم0(4)

قال أبو حامد الغزالي مجيبا عن الفلاسفة :

◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇

(فأن قيل :نحن إذا قلنا للعالم صانع لم نعن به فاعلا مختار يفعل بعد أن لم يفعل كما نشاهد في أصناف الفاعلين من الخياط والنساج والبناء بل نعني به عله العالم ونسميه المبدأ الأول علي معني أنه لا عله لوجوده يقوم عليه البرهان القاطع علي قرب فأنا نقول العالم وموجودا ته أما أن يكون له عله أولا عله له فأن كان له عله فأن كل فتلك العلة لها عله إلي ما لا نهاية وهو محال وأما أن ينتهي إلي طرف فالأخير عله أولي لا عله لوجودها فنسميه المبدأ ألأول وإن العام وإن كان العام موجودا بنفسه لا عله له فقد ظهر المبدأ ألأول فإنا لم نعن به إلا موجودا لا عله له وهو ثابت بالضرورة .
قلت : هذا كلام مقنع غير صحيح ,فأن أسم العلة يقال باشتراك علي العلل ألأربعة ؛ أعني الفاعل ,والصورة
,والهيولي ,والغاية , ولذلك لو كان هذا جواب الفلاسفة لكان جوابا مختلا فإنهم كانوا يسألون عن أي عله أرادوا بقولهم : إن العالم له عله أولي , فلو قالوا أردنا بذلك السبب الفاعل الذي فعله لم يزل ولا يزال , ومفعولة هو فعله ,لكان الجواب صحيحا علي مذهبهم علي ما قلناه , غير معترض عليه , ولو قالوا أردنا به السبب المادي لكان قوله معترضا , وكذلك لو قالوا أردنا به السبب المادي لكان قوله معترضا , وكذلك لو قالوا أردنا به السبب الصوري لكان أيضا معترضا إن فرضوا صورة العالم قائمة به , وإن قالوا أردنا صورة مفارقة للمادة جري قولهم علي مذهبهم ،وإن فرضوا صورة هيولانية لم يكن المبدأ عندهم شيئا غير جسم من ألأجسام ,وهذا لا يقولون به , وكذلك إن قالوا هو سبب علي طريق الغاية كان جاريا أيضا علي أصولهم , وإذا كان هذا الكلام فيه من الاحتمال ما يري فكيف يصح أن يجعل جوابا للفلاسفة ).
فإن الغزالي يعول أيضا علي العقل وحده في إثبات حدوث العالم فيقول مخاطبا ابن سينا والفارابي [بم تتنكرون علي من (يقول : أن العالم حدث بإرادة قديمة اقتضت وجوده في الوقت الذي وجد فيه وأن يستمر العدم إلي الغاية التي استمر إليها … يبتديْ الوجود من حيث ابتدأ ,وأن الوجود قبلة لم يكن مرادا , فلم يحدث لذلك . وأنه في وقته الذي حدث فيه مراد بالإرادة القديمة ,فحدث لذلك . فما أصبح من هذا الاعتقاد وما المحيل له؟ فأن قيل هذا محال بين الإحالة ,لأن الحادث موجب ومسبب يستحيل حادث بغير سبب وموجب ,يستحيل وجود موجب قد تم بشرائط أيجاب وأركان ,حتى لم يبق شيْ منتظر ألبته ,ثم يتأخر الموجب بتمام شروطه ,ضروري , وتأخره محال حسب استحالة وجود الحادث الموجب بلا موجب ..
والجواب أن يقال : استحالة إرادة قديمة متعلقة بأحداث شيْ .أي شيْ كان . تعرفونه بضرورة العقل أو نظره ؟ وعلي لغتكم بين هذين الحدين ,بحد أوسط , أو من غير حدا أوسط؟ فأن أدعيتم حدا أوسط .وهو الطريق النظري – فلابد من إظهاره ,وإن ادعيتم معرفة ضرورة ,فكيف لم يشارككم في معرفته مخالفوكم , والفرقة المعتقدة لحدوث بإرادة قديمة لا يحصرها بلد ولا يحصيها عدد ,ولا شك في أنهم لا يكابرون العقول عنادا مع المعرفة – فلا بد من إقامة برهان – علي شرط المنطق –يدل علي استحالة ذلك .
فأن قيل نحن بضرورة العقل نعلم أنه لا يتصور موجب ,ومجوز ذلك مكابر لضرورة العقل .قلنا وما الفصل بينكم وبين خصومكم ,إذ قالوا لكم : إنا بالضرورة نعلم أحاله قول
من يقول :إن ذاتا واحدة عالمة بجميع الكليات من غير أن يوجب ذلك كثرة ,ومن غير أن يكون العلم زيادة علي ألذات ومن غير أن يتعدد العلم مع تعدد المعلوم وهذا مذهبكم في حق الله ,وهو بالنسبة إلينا وألي علومنا في غاية الإحالة , ولكن تقولون : لا يقاس العلم القديم بالحادث . وطائفة منكم استشعروا إحالة هذا فقالوا : إن الله لا يعلم إلا نفسه , فهو العاقل , وهو المعقول ,وهو العقل الكل واحد .
فلو قال قائل : اتحاد العاقل والعقل والمعقول ,معلوم الاستحالة بالضرورة إذ تقدير صانع للعالم لا يعلم صنعته .محال بالضرورة ،والقدم إذا لم يعلم إلا نفسه – تعالي عن قولكم . وعن قول جميع الزائفين علوا كبيرا – لم يكن يعلم صنعة البتة .فنقول :بم تتنكرون علي خصومكم إذا قالوا : قدم العالم محال , لأنه يؤدي إلي إثبات دورات للفلك لانهاية لأعدادها ولأحصر لأجادها ,مع أن لها سدسا ,وربعا ,ونصفا ,فأن فلك الشمس يدور في سنه , وفلك زحل في ثلاثين سنه , فتكون أدوار زحل ثلث عشر سنه .ثم كما أنه لا نهاية لأعداد دورات الشمس مع أنها ثلث عشرها . بل لا نهاية لأدوار ذلك الكواكب الذي يدور في سنه وثلاثين ألف سنة مرة واحدة كما لانهاية للحركة المشرقية التي للشمس في اليوم والليلة مرة.فإن قال قائل :هذا مما يعلم استحالة ضرورة .فماذا تنفصلون عن
شفع ووتر جميعا ؟ أو لا شفع ولا وتر ؟ فأن قلتم :شفع ووتر جميعا ,أولا شفع ولا وتر , فيعلم بطلانه ضرورة ,وإن قلتم :شفع ,فالشفع يصير وترا بواحد فكيف أعوزه ذلك الواحد …الخ )

         العلم الإلهي (6) 

◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇

عن العلم ألإلهي فيقول الغزالي أنه سبحانه عالم جميع المعلومات محيط بما يجري في تخوم (حدود) الأرضيين إلي أعلي السماوات ,لا يعزب عن عمله مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ,بل يعلم دبيب النملة السوداء علي الصخرة الصماء في الليلة الظلماء . إن الله تعالي عالم بجميع المعلومات من الموجودات والمعدومات فأن الموجودات منقسمة إلي قديم وحادث والقديم هو الله ,وكل ما عداه حادث . وهو عالم ذاته بذات .ومن هو كذلك فهو أعلم بغيره لان غيرة من صنعة فكيف لا يعلم ما خلق ,وكيف تعذب عن الصانع صناعته وعن الخالق خلقه ….. أن من رأي خطوطا منظومة تصدر علي الاتساق من كاتب ,ثم استراب في كونه عالما بصنعة الكتابة كان سفيها في استرا بته.
ولكن السؤال الآن : هل لمعلومات الله نهاية ؟ يجيب الغزالي بقوله : لا ,فأن الموجودات في الحال وان كانت متناهية فالممكنات في الاستقبال غير متناهية ,ويعلم أن الممكنات التي ليست بموجودة أنه سيوجدها أم لا يوجدها.فيعلم إذا ما لا نهاية له . بل لو أردنا أن نكثر علي شيْ واحد وجوها من النسب والتقديرات لخرج عن النهاية والله تعالي عالم بجميعها .والغزالي قد ركز علي صفة العلم الإلهي لأنها من جمله المسائل التي كفر فيها الفلاسفة قالوا بنظرية الفيض والصدور لم يحدث بإرادة الله وقدرته ,بل حدث حدوثا تلقائيا .فقد خاطب الغزالي الفلاسفة بقوله (..فأما أنتم فإذا نفيتم الإرادة والأحداث وزعمتم أن ما يصدر منه يصدر بلزوم علي سبيل الضرورة
والطبع ,فأي بعد في أن تكون ذاته ذاتا من شأنها أن يوجد منها المعلول الأول فقط ثم يلزم من المعلول الأول المعلول الثاني إلي تمام ترتيب الموجودات ولكنه مع ذلك لا يشعر بذاتية كالنار يلزم منها السخونة , والشمس يلزم منها النور ولا يعرف واحد كما لا يعرف غيره ,بل يعرف ذاته ويعرف ما يصدر منه. ولا يعرف غيره ,بل يعرف ذاته ويعرف ما يصدر منه .ولا يعرف غيرة ,بل يعرف ذاته ويعرف ما يصدر منه .وقد بينا من مذهبهم أنه 0(لا يعرف غيرة ..) .ونحن نعلم أن الفلاسفة يذهبون إلي أن الله يعلم الموجودات بعلم كلي لا بعلم جزئي لان من شأن العلم الجزئي ,في زعمهم أن يجعل علم الله مستفادا من المعلوم ومن ثم لا يكون علمه أزليا .ثم أن حدوث العلم لله يعني الانفعال والانتفاش ولا يصح ذلك بالنسبة إلي الله . لهذا فان العلم ألإلهي علم كلي فهو يعقل ذاته ومن خلال تعقله لذات يعقل أجناس الموجودات والتي تتضمن في زعمهم النوع والفرد … هنا يرفض الغزالي هذه النظرية .فهو يري أنه لا يصح أن يعلم المرء أو الله الشي قبل حدوثه وبعد حدوثه بعلم واحد ومن جهة واحدة ,لان إلا مكان غير موجود ,الذي يختلف بدوره عن الفساد فيما بعد . ولهذا عالج الغزالي مشكله العلم ألإلهي علي الوجه التالي : لو أن الله خلق لنا مادام علمنا سابقا عليه ,وليس ثمة تغيرا طرأ علي العالم هنا , لان ما حدث جاء مطابقا للعلم .ولهذا فان الله تعالي له علم واحد بوجود كسوف الشمس مثلا في وقت معين ,وذلك العلم قبل وجوده علم ب~أنه سيكون ,وهو بعينه عند الوجود علم بالكون ,وهو بعينه بعد الانجلاء علم بالانقضاء
,وأن هذه الاختلافات ترجع إلي إضافات لا توجب تبدلا في
ذات العلم ,فلا توجب تغيرا في ذات العالم ,وأن ذلك ينزل منزله الإضافة المحضة . فان الشخص الواحد يكون علي يمينك ثم يرجع إلي قدامك ثم إلي شمالك ,فتتعاقب عليك الإضافات ,والمتغير ذلك الشخص المنتقل دونك , وهكذا ينبغي أن تفهم الحال في علم الله تعالي . فانا نسلم أنه يعلم الأشياء بعلم واحد في الأزل والأبد , والحال لا يتغير ,وغرضهم نفي التغير, وهو متفق عليه .

 في إبطال إنكارهم لبعث الأجسام مع التلذذ التام  : 

◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇

مسألة في إبطال إنكارهم لبعث الأجساد ,ورد الأرواح إلي الأبدان ,ووجود النار الجسمانية ,ووجود الجنة والحور العين ,وسائر ما وعد به الناس , وقولهم : إن كل ذلك أمثلة ضربت لعوام الخلق , لتفهيم ثواب وعقاب روحانيين ,هما أعلي رتبة من الجسمانين .ثم يسوق الدليل التالي علي لسان الفلاسفة ,تبريرا لإنكارهم البعث الجسماني : وأما تقدير بقاء النفس وردها إلي تدبير البدن بعد مفارقته ؛لكنة محال ؛ آذ بدن الميت يستحيل ترابا , أو تأكله الديدان والطيور ,ويستحيل ماء , وبخارا ,وهواء ,ويمتزج بهواء العالم ,وبخاره ,ومائه , امتزاجا يبعد انتزاعه واستخلاصه .
ولكن إن فرض أمكان ذلك , اتكالا علي قدرة الله تعالي فلا يخلو : إما أن يجمع ألأجزاء التي مات عليها فقط ,فينبغي أن يعاد القطع ,ومجدوع الأنف والأذن , وناقص الأعضاء ومجدوع ألأنف و ألأذن وناقص ألأعضاء , كما كان ؛ وهذا
مستقبح , لاسيما في أهل الجنة , وهم خلقوا ناقصين في ابتداء الفطرة ,فإعادتهم إلي ما كانوا عليه من الهزال عند الموت , في غاية لنكال .هذا إن اقتصر علي جمع الأجزاء الموجودة عند الموت . وإن جمع جميع أجزائه التي كانت موجودة في جميع عمره , فهو محال من وجهين : بعض البلاد , ويكثر وقوعه في أوقات القحط – فيتعذر حشراهما جميعا ؛لأن مادة
واحدة , كانت بدنا للمأكول ,وصارت بالغذاء بدنا للأكل ,ولا يمكن رد نفسين إلي بدن واحد .
والثاني يجب أن يعاد جزء واحد .كبدا ,وقلبا , ويدا .ورجلا ؛فإنه ثبت بالصناعة الطبية أن ألأجزاء العضوية يتغذى بعضها بفضل غذاء البعض , فيتغذى الكبد بأجزاء معينة قد كانت مادة لجملة من الأعضاء ,فإلي أي عضو تعاد ؟
بل لا يحتاج في تقرير الاستحالة الأولي إلي أكل الناس للناس ؛فأنك إذا تأملت ظاهر التربة المعمرة , علمت بعد طول الزمان , أن ترابها جثت الموتى . قد تتربت وزرع فيها وغرس , وصارت ترابا ,ثم نباتا ,ثم لحما ثم حيوانا .
بل يلزم منه محال ثالث , وهو أن النفس المفارقة للأبدان غير متناهية والأبدان أجسام متناهية , فلا تفي المواد – التي كانت مواد الناس – بأنفس الناس كلهم , بل تضيق بهم .

               رد ابن رشد علي الغزالي

◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇

خصص ابن رشد كتابه (تهافت التهافت ) للرد علي ما ذكره الغزالي في كتاب تهافت الفلاسفة والذي أفدنا منه في موقف الغزالي من تكفير الفلاسفة في بعض أقوالهم . ولما كان ذلك
حاول ابن رشد تفنيد كتابه لبيان أدعاء الغزالي الكاذب علي الفلاسفة .وما يهمنا في البحث هو بيان رد ابن رشد علي
الغزالي في ألإلهيات وهي ما كفر فيها الغزالي الفلاسفة .

              المسالة الرابعة (من الطبيعيات ) المسألة العشرون في إبطال إنكارهم لبعث الأجسام مع التلذذ التام

◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇

قال ابن رشد : ولما فرغ من هذه المسألة اخذ يزعم أن الفلاسفة ينكرون حشر الأجسام . وهذا شي ما وجد لواحد مما تقدم فيه قول . والقول بحشر الأجساد هم أنبياء بني إسرائيل الذين أتوا بعد موسي عليه السلام وذلك بين من الزبور وكثير من الصحف المنسوبة لبني إسرائيل ,وثبت ذلك أيضا في الإنجيل وتواتر القول به عيسي عليه السلام وهو قول الصابئة .وهذه الشريعة قال محمد أبو حزم : إنها أقدم الشرائع .بل القوم يظهر من أمرهم أنهم أشد الناس تعظيما لها وإيمانا بها . والسبب في ذلك أنهم يرون أنها تنحو نحو تدبير الناس الذي به وجود الإنسان بما هو إنسان , وبلوغ سعادته .الخاصة به وذلك أنها ضرورية في وجود الفضائل الخلقية للإنسان ,والفضائل النظرية والصنائع العملية ولا حياة له في هذه الدار ولا في الدار الآخرة إلا بالفضائل النظرية ,وإنه ولا واحد من هذين يتم ولا يبلغ إليه إلا الفضائل الخلقية ,وأن الفضائل الخلقية لا تتمكن إلا بمعرفه الله تعالي وتعظيمه بالعبادات المشروعة لهم في مله مله , مثل القرابين والصلوات والأدعية وما يشبه ذلك من الأقاويل التي تقال في الثناء علي الله تعالي وعلي الملائكة والنبيين . ويرون بالجملة أن الشرائع هي
الصنائع الضرورية المدنية التي تأخذك مبادئها من العقل والشرع , ولا سيما ما كان منها عاما لجميع الشرائع وإن اختلفت في ذلك بالأقل والأكثر.

قائمة المصادر :

♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡
(1) الإمام أبو حامد الغزالي , تهافت الفلاسفة ,تحقيق سليمان دنيا , الطبعة السابعة ,دار المعارف
(2) ابن رشد , تهافت التهافت , محمد العريبي ,دار الفكر اللبناني ,بيروت
(3) ديكارت, مقال عن المنهج ,ترجمة محمود محمد الخضيري ,المصرية العامة للكتاب , 1985م
قائمة المراجع :
1) فيصل بدير عون , فلاسفة الإسلام في المشرق والمغرب , الطبعة الرابعة ,مكتبة الحرية الحديثة
2) أميرة حلمي مطر ,الفلسفة اليونانية تاريخها ومشكلاتها , دار قباء , 1998م
3) محمد علي أبو ريان , تاريخ الفكر الفلسفي أرسطو والمدارس المتأخرة , الطبعة ألأولي , دار الوفاء , 2007م