وكما كان مقررا، نظم المجلس العلمي المحلي لإقليم جرسيف ، بتنسيق مع المديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة. على مستوى داخلية بركين، التابعة للثانوية التأهيلية بركين. يومه الجمعة 21 رجب 1445هــ الموافق 02 فبراير 2024 على الساعة الثامنة والنصف ليلا ، ندوة علمية حضورية في موضوع: العنف المدرسي وآثاره السلبية على المسار التعليمي افتتحت الندوة بآيات بينات من الذكر الحكيم تلاها التلميذ زمزوم. أعقبتها كلمة للأستاذ : يونس الهادي(الحارس العام للداخلية). المداخلة الأولى :ذ. محمد العربي، مرشد ديني بجماعة بركين. عنوان المداخلة: المفاهيم الإجرائية للعنف المدرسي. المداخلة الثانية:ذ. محمد الهشمي، عضو المجلس العلمي المحلي لإقليم جرسيف. عنوان المداخلة: أسباب العنف المدرسي .
المداخلة الثالثة:ذ. محمد بــضــاض ، أستاذ التربية الإسلامية بالثانوية التأهيلية بركين. عنوان المداخلة: سبل الحد من ظاهرة العنف المدرسي. تسيير : ذ.محمد الهشمي. تنسيق : ذ. محمد ألعيز. مدير الثانوية التأهيلية بركين. لقد أجمع كل الحاضرين على ضرورة تعاون الجميع من أجل علاج هذه المشكلة، وخصوصا إذا ارتبطت هذه المشكلة بالإنسان ذلك المجهول، والشيء المهم الذي يجب الإشارة إليه هو أن علاج العدوانية والعنف أمر لا يقع على عاتق المدرسة فقط أو الأسرة فقط بل يجب أن تتكاثف فيه جهود المدرسة والأسرة والمجتمع حتى يمكن أن تظهر نتائج مرضية. وكان ختام هذه الندوة العلمية بمسابقة علمية، وتوزيع الجوائز على الفائزين. بالدعاء لمولانا أمير المؤمنين نصره الله ، تلاه ذ. محمد العربي.
يعتبر أحد المهتمين بمجال علم الإجتماع، السوسيولوجيا،حيث كرس كل جهوده من أجلها، منذ حصوله على شهادة الباكالوريا من الثانوية التأهيلية مولاي رشيد،بأجلموس سنة 2007,مرورا بالدراسة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، تخصص علم الإجتماع ،إجازة وماجستير، بجامعة مولاي إسماعيل، مكناس،
و إنتقاله إلى جامعة الحسن الثاني، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالمحمدية، وتهييئه لاطروحته الجامعية..
تأتى له ذلك، وحصل على درجة الدوكتوراه تخصص السوسيولوجيا في موضوع *العيش في أحياء الصفيح بين محنة الوقت وأمل الإسناد: حالة سكان أحياء الصفيح نزالا رداية بمكناس ودوار لعمور ببنسليمان. يوم… 11 دجنبر 2020 م، بميزة مشرف جدا، مع تنويه شفهوي بالعمل على إخراج أطروحته للوجود..
عين يوم السبت 23 يناير 2021م،أستاذا مساعدا، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، تخصص السوسيولوجيا – علم الإجتماع – بجامعة الحسن الأول بسطات..
Aujourd’hui, j’ai soutenu ma thèse de doctorat en sociologie à la FLSH de Mohammadia. Elle a porté sur l’expérience d’habiter le bidonville entre ‘épreuve de la temporalité et l’espoir de l’attribution. Je saisie cette occasion pour remercier chaleureusement les membres du jury, les professeur-e-s : SAA Abdelkrim (qui est aussi mon encadrant), AZIZI Souad, KARIBI Khadija et BELFAKIH Abdelbaki pour leurs lectures, commentaires, remarques et critiques. Je dédie ce travail à la mémoire de mon cher professeur le feu HARRAMI Noureddine. Je tiens également à remercier tous mes professeur-e-s de la sociologie à la FLSH de Meknès : MOUNA Khalid, BOUZIDI Zhour, JAHAH Mohamed, KOSTANI Ben Mohamed, MERIZAK Mustapha et OUARD Abdelmalek, etc. J’exprime mes sincères remerciements à mon épouse LAKHIOUR Halima de m’avoir partagé chaque moment de la thèse. Mes remerciements les plus sincères vont aussi à mes amis SADDIK Darai, HAMDOUNI Omar et CHAKI Simohamed pour leurs aides, lectures et commentaires.
ختاما أقول، هنيئا للصديق والزميل ورفيق الدراسة في الثانوية التأهيلية ، والدراسة الجامعية، بالعاصمة الإسماعيلية، الأخ جواد أكدال، حصوله على درجة الدكتوراه، تخصص علم الإجتماع ، وإلتحاقه بجامعة الحسن الأول كاستاذ مساعد تخصص سوسيولوجيا..
المحاور 1)- مدخل منهجي ابستيمولوجي حول الدين و علم الاجتماع 2)- علم الاجتماع و الظاهرة الدينية 3)- من علم الاجتماع الديني الى علم الاجتماع الاديان 4)- الظاهرة الدينية المعاصرة و بروز الحركات الدينية
ما سوسيولوجيا الأديان؟ تعد سوسيولوجيا الأديان فرعا من فروع علم الاجتماع العام و يهتم هذا التخصص بدراسة المعتقدات و الطقوس و الممارسات و الاحتفالات الدينية في ضوء المقاربة السوسيولوجية باستخدام المنهجية الكمية من جهة أو المنهجية الكيفية من جهة اخرى و يعني هذا أن الدين جزء من المجتمع أو هو بمثابة مؤسسة مجتمعية كباقي المؤسسات الاخرى التي لها دور هام داخل النسق الاجتماعي الوظيفي فالدين له تأثير كبير في المجتمع كما للمجتمع تأثيره الخاص في الدين
مفهوم الدين: يعتبر مفهوم الدين من بين المفاهيم البالغة التعقيد سواء في الحقل السوسيولوجي أو غيره وذلك أن هذا المفهوم لا يرتبط بشكل واضح بالمعنى الشائع الذي يلصق بالدين فالسلوك الديني لا يتحدد بحدود واضحة أو يرتبط بمعنى من المعاني و لا يجد تفسيره انطلاقا من فرد بعينه و لا يجتمع ما إلا بقدر ما يمتلك الباحث الاجتماعي لحس مرهف اتجاه الظاهرة الدينية و التي تتميز بانسيابية عالمية تشمل عدة عوالم
التحديد السوسيولوجي لمفهوم الدين: يمثل البراديغم السوسيولوجي رؤية معرفة تنظر للدين من زوايا مختلفة بحسب المقتربات التفسيرية التي اعتمدتها كل مدرسة على حدة فبينما نجد المدرسة الوظيفية أو الوظيفية البنائية ممثلة بروادها المؤسسين كدوركايم كونت بارسونز ينظرون للدين على أساس أن له وظيفة اجتماعية يقوم بها في الحفاظ على توازن المجتمع و ضمان استمراريته فبينما يخص الاتجاه الوظيفي و الذي يتجه مباشرة الى البحث عن الوظائف أو الأدوار التي يقوم بها الدين داخل المجتمع و أثره في بعض النظم و المؤسسات الاجتماعية القائمة أو في عمليات التغيير الاجتماعي سلبا و ايجابا و يستنتج دوركايم وظيفتين أساسيتين للدين أولا تجميع الناس و كأنه يشبه الصمغ الذي يخلق التضامن الاجتماعي و ثانيا اعطاء الناس و سيلة الادراك العالم و رؤيته أما بارسونز ينظر للدين في العالم الحديث من خلال طريقتين الاول من خلال الفاعلية التي نسبها للدين و الثاني من خلال الخير الذي ينسبه اليه و الى نتائجه كما يتدعم ذلك في الطبيعة المطردة الاعتدال للعالم الذي يشجع عليه الدين بعدما تعرفنا على أهم التعاريف ذات الصبغة الوظيفية للدين فإننا نعتقد أن الاتجاه الوظيفي لدراسة الدين يبقى قاصرا في ادراك كافة الأبعاد الشاملة و العميقة للمظاهر الدينية في حياة الفرد و المجتمع مفهوم التدين: من خلال الاشتغال على دلالة مفهوم التدين أمكننا أن نستخلص أن التدين هو الكيفية التي يعيش بها الأفراد أو الجماعات تجربتهم الدينية و قد سبق للعالم السوسيولوجي جورج سيمل أن يميز بين الدين و التدين حيث يمثل الدين الدافع الحيوي و التدين الشكل الاجتماعي الذي يسعى الى الاستحواذ و السيطرة على الأول و بالتالي فالتدين هو تجربة ذاتية عن علاقة بشرية غربية للحياة نفسها المنظرين و المؤسسين
دوركايم: كما رأينا شعر دوركايم بالحاجة للتركيز على التجليات المادية للحقائق الاجتماعية غير المادية. مثلا ً القانون في( تقسيم العمل) ومعدلات الانتحار في (الانتحار ) لكن في كتابه (الأشكال الأولية للحياة الدينية) شعر دوركايم بالراحة الكافية لمناقشة الحقائق الاجتماعية غير المادية، خاصة الدين، بصورة أكثر مباشرة. في الحقيقة الدين هو الحقيقة الاجتماعية غير المادية المطلقة ودراسته اتاحت له إلقاء المزيد من الضوء على كل نسقه النظرى. بالرغم من أن البحث الوارد في ( الأشكال الأولية…) ليس لدوركايم، لكنه شعر أنه من الضروري وضع تفكيره عن الدين في معلومات منشورة. المصدر الأساسي لتلك المعلومات دراسات عن قبيلة الارونتا الأسترالية البدائية. شعر دوركايم أنه من الأهمية دراسة الدين داخل ذلك الإطار البدائي لعدة أسباب. أولا ً، كان يرى أنه من السهل التعمق في الطبيعة الأساسية للدين في إطار بدائي وليس في مجتمع حديث. الأشكال الدينية في المجتمع البدائي يمكن ” توضيحها في كل صفائها وتحتاج فقط إلى مجهود بسيط لعرضها “. ثانياً، الأنساق الأيدلوجية للأديان البدائية أقل نمواً من الأديان الحديثة ويصاحب ذلك وجود تشويش أقل. وقد ذكر دوركايم ” أن ما هو ثانوي وليس أساسى لم يغط بعد المكونات الأساسية. كل شئ مختزل إلا ما لا يمكن الاستغناء عنه، إلى الذى بدونه لا يمكن أن يكون هنالك دين ” ثالثاً، في حين أن الدين في المجتمع الحديث يأخذ أشكالاً مختلفة ففي المجتمع البدائي نجد ” انسجاماً فكرياً وأخلاقياً” . لذلك يمكن دراسة الدين في المجتمع البدائي في أكثر صوره نقاء ً. أخيراً بالرغم من أن دوركايم درس الدين البدائي لكن ذلك ليس بسبب اهتمامه بالدين البدائي في نفسه، بل درسه من أجل أن “يصل إلى فهم للطبيعة الدينية للأديان وليوضح بذلك جزءًا مهماً وأساسياً من الإنسانية” أكثر تحديداً، درس دوركايم الدين البدائي ليلقى الضوء على الدين في المجتمع الحديث. بما أن الدين في المجتمع البدائي منسجم وشامل، يمكننا أن نقول أن ذ لك الدين يعادل الضمير الجمعي. أي أن الدين في المجتمع البدائي هو أخلاق جمعية شاملة لكن كلما تطور المجتمع وأصبح أكثر تخصصاً كلما احتل الدين نطاقاً أضيق. وبدل أن يكون ضميراً جمعياً في المجتمع الحديث أصبح الدين أحد التمثلات الجمعية. وفى حين أنه يعبر عن بعض المشاعر الجمعية فإن مؤسسات أخرى مثل (القانون والعلم) أخذت تعبر عن جوانب أخرى من الأخلاقية الجمعية. بالرغم من أن دوركايم يرى أن الدين أصبح يحتل نطاقاً ضيقاً ، لكنه أقر أن معظم إن لم يكن كل التمثلات الجمعية في المجتمع الحديث يرجع أصلها إلى الدين الشامل في المجتمع البدائي. المقدس والمدنس: السؤال الأساسي بالنسبة لدوركايم كان عن مصدر الدين الحديث. وبما أن التخصص والغطاء الايدولوجى يجعل من الصعب دراسة جذور الدين في المجتمع الحديث مباشرة، تناول دوركايم الموضوع في إطار المجتمع البدائي. السؤال هو من أين أتى الدين البدائي والحديث ؟. منطلقاً من موقفه المنهجي الأساسي أن الحقيقة الاجتماعية تسببها حقيقة اجتماعية أخرى، خلص دوركايم إلى أن المجتمع هو مصدر الدين. المجتمع من خلال أفراده يخلق الدين من خلال تعريفه لظواهر معينة بأنها مقدسة وأخرى بأنها مدنسة. تلك الجوانب من الواقع الاجتماعي التى تعرّف على أنها مقدسة، تلك التى تعزل وتعتبر من المحرمات تكَّون أساس الدين. ما تبقى يعتبر مدنساً، تلك هى جوانب الحياة اليومية، العامة، النفعية والدنيوية. المقدس يؤدى إلى سلوك يحتوى على التقديس، الاحترام، الغموض، الرهبة والشرف. الاحترام الذى ينسب لظواهر معينة ينقلها من المدنس إلى المقدس . التمييز بين المقدس والمدنس وارتفاع بعض ظواهر الحياة الاجتماعية إلى المستوى المقدس ضروري ولكن ليس كافيا ً لتطور الدين. ولابد من توفر ثلاثة ظروف أخرى. أولا ً ، يجب أن يتطور نسق من المعتقدات الدينية. والمعتقدات ” هى التمثلات التى تعبر عن طبيعة الأشياء المقدسة وعلاقاتها مع بعضها البعض أو مع الأشياء المدنسة ” . ثانيا ،ً من الضروري أيضا وجود نسق من الطقوس ” هذه هى قوانين السلوك التى تصف كيف يلائم الإنسان نفسه في وجود الأشياء المقدسة ” أخيراً يحتاج الدين إلى كنيسة، أو مجتمع أخلاقي. التداخل بين المقدس، المعتقدات، الطقوس والكنيسة قاد دور كايم إلى تعريف الدين كما يلي ” الدين نسق موحد من المعتقدات والممارسات تجاه الأشياء المقدسة، أي الأشياء التى تعتبر محرمة – المعتقدات والممارسات التى تتوحد في مجتمع أخلاقي واحد يعرف بالكنيسة وكل الذين يلتزمون بذلك
الطوطمية:
رؤية دوركايم أن المجتمع هو مصدر الدين شكلت دراسته للطوطمية وسط الأرونتا في أستراليا. الطوطمية هي نسق ديني تعتبر فيه بعض الأشياء خاصة الحيوانات والنباتات مقدسة، وترمز للعشيرة. واعتبر دوركايم أن الطوطمية هى الشكل الأكثر بدائية وبساطة للدين ويوازيها شكل بدائي من التنظيم الاجتماعي ذلكم هو العشيرة . إذا تمكن دوركايم من توضيح كيف أن العشيرة هى مصدر الطوطمية، يكون بإمكانه إثبات حجته أن المجتمع هو منبع الدين . فيما يلي عرض لحجة دوركايم ” الدين الذى يرتبط مباشرة بالنسق الاجتماعي ويتفوق على كل ما سواه في بساطته يمكن اعتباره أكثر الأديان التي نعرفها أولية. وإذا نجحنا في اكتشاف أصل المعتقدات التى حللناها سابقاً، سيكون بإمكاننا في نفس الوقت اكتشاف الأسباب التي تؤدى إلى نشوء المشاعر الدينية لدى الإنسان “. بالرغم من أنه يمكن أن يكون للعشيرة أكثر من طوطم واحد، فإن دوركايم لا يعتبر ذلك سلسلة من المعتقدات المنفصلة وغير المترابطة حول حيوانات أو نباتات محددة، وإنما أعتبرها نسقاً مترابطاً من الأفكار تعطى العشيرة تمثيلاً كاملاً عن العالم. ليس النبات أو الحيوان هو مصدر الطوطمية، إنه فقط يمثل ذلك المصدر. الطواطم هى التمثيل المادي للقوى غير المادية فيها. وتلك القوى غير المادية ليست أكثر من الضمير الجمعي للمجتمع ” الطوطمية دين، ليس بتلك الحيوانات أو بتصورات الناس، وإنما بتلك القوى المجهولة وغير الشخصية، موجودة في كل تلك الكيانات لكنها ليست ممتزجة بأي منهما. الأفراد يموتون والأجيال تذهب ويأتي غيرها لكن هذه القوى تبقى دائماً حية كما هى. إنها تنفخ الحياة في أجيال اليوم مثلما فعلت بأجيال الأمس وكما ستفعل بأجيال الغد “. الطوطمية خاصة والدين بشكل عام مشتقان من الأخلاق الجمعية، وهى في نفسها قوى غير شخصية. إنها ليست سلسلة من النباتات، الحيوانات والأرواح فقط .
الانفعال الجمعي:
الضمير الجمعي هو مصدر الدين كما يرى دوركايم، لكن من أين يأتي الضمير الجمعي نفسه ؟ في نظر دوركايم إنه يأتي من مصدر واحد هو المجتمع. في الحالة البدائية التى درسها دوركايم يعنى هذا أن العشيرة هى المصدر المطلق للدين. لقد كان دوركايم صريحاً حول هذه النقطة عندما ذكر ” إن القوى الدينية ليست أكثر من القوى الجمعية والمجهولة للعشيرة ” ففي حين أننا ربما نوافق على أن العشيرة هى مصدر الطوطمية يبقى السؤال كيف تخلق العشيرة الطوطمية. تقع الإجابة في مكون أساسي من مستودع مفاهيم دوركايم وإن كان لم يناقش بشكل كاف، ذلك هو الانفعال الجمعي . مفهوم الانفعال الجمعي لم يوضح جيداً في أي من أعمال دوركايم بما في ذلك (الأشكال الأولية للحياة الدينية ) ويبدو أنه كان في ذهنه وبشكل عام اللحظات الكبرى في التاريخ التى أمكن فيها للجماعة تحقيق مستويات عليا من الرقى والتي تقود بدورها إلى تغيرات كبرى في بنية المجتمع. الإصلاح الديني وعصر النهضة في أوروبا نماذج لفترات تاريخية كان فيها للانفعال الجمعي أثر مشهود على بنية المجتمع. ذكر دوركايم أن الدين ينشأ من الانفعال الجمعي ” إنه وسط هذه البيئات الاجتماعية المنفعلة ومن هذا الانفعال نفسه يبدو أن الدين يولد ” وخلال فترات الانفعال الجمعي يخلق أفراد العشيرة الطوطمية . باختصار، الطوطمية هى التمثيل الرمزي للضمير الجمعي والضمير الجمعي بدوره يأتي من المجتمع لذلك فإن المجتمع هو مصدر الضمير الجمعي والطوطمية ماكس فيبر: قاد ماكس فيبر مجموعة من الدراسات يمكن أن تدخل تحت علم الاجتماع الديني، لعل من أهمها تلك الدراسة التي حاول فيها أن يناهض الفكر الماركسي في أساسه وجوهره، والتي سبقت الإشارة إليه تحت عنوان ” الأخلاق البروتستانتية والروح الرأسمالية”.
ثم قام فيبر بعد ذلك بدراسة مقارنة تناولت الأديان الكبرى والعلاقة بين الظروف الاجتماعية والاقتصادية، من جهة والاتجاهات الدينية من جهة أخرى. وعن الدور الذي يلعبه من خلال دراسات فيبر، فإن ريمون آرون يقول: ” إن نقطة الانطلاق في دراسات فيبر علم الاجتماع الديني هما في اعتقاده بأن فهم أي اتجاه يحتاج من الباحث إلى إدراك تصور الفاعل الموجود بأكمله”. إذ في ضوء هذا الاعتقاد حدد فيبر التساؤل التالي لكي يجيب عنه في دراسته: إلى أي مدى تؤثر التصورات الدينية عن العالم والوجود في السلوك الاقتصادي لكافة المجتمعات؟ ويقول1970 (Arno) إن ماكس فيبر في دراسته لتأثير الأخلاق البروتستانتية على الرأسمالية ، كان يريد أن يؤكد قضيتين هما:
* أن سلوك الأفراد في مختلف المجتمعات يفهم في إطار تصورهم العام للوجود ، وتعتبر المعتقدات الدينية وتفسيرها إحدى هذه التصورات للعالم، والتي تؤثر في سلوك الأفراد والجماعات بما في ذلك السلوك الاقتصادي.
* إن التصورات الدينية هي بالفعل إحدى محددات السلوك الاقتصادي ومن ثم فهي تعد من أسباب تغير هذا السلوك.
ففيبر إذن، لم يعالج الجوانب المختلفة للدين بوصفه ظاهرة اجتماعية، بل اكتفى بالدراسة الأخلاقية الاقتصادية للدين، ويقصد منها ما يؤكد عليه الدين من قيم اقتصادية.
مؤلـف “الأخلاق البروتستانتيـة والروح الرأسماليـة” من أهم الأعمال عند فيبر:
كما هو معروف أن رائد علم الاجتماع ماكس فيبر، ألف أعمالا كثيرة، نذكر منها: العلم كمهنة، السياسة كمهنة، الاقتصاد العام… وفي مجالات عدة، الاقتصاد، السياسة، القانون… ولكن أبرز هذه الأعمال وأكثرها تأثيرا في الفكر الاجتماعي، كان كتاب ” الأخلاق البروتستانتية الذي سبقت الإشارة إليه. وبحسب المؤرخين، فإن هذا المؤلف كان قراءة لدور القيم الدينية في ظهور قيم وأخلاق العمل في المجتمعات الصناعية الجديدة، والتي كانت أساس ظهور النظام الرأسمالي.
وتأتي أهمية دراسات وأطروحات فيبر، من اهتمام منقطع النظير بفلسفة العلوم الاجتماعية ومناهجها. وفي هذا الخصوص استطاع العالم تطوير المفاهيم والجوانب التي أصبحت بعد وفاته ركائز علم الاجتماع الحديث، ومن أهم المصطلحات التي أثرى بها علم الاجتماع، وتعتبر جزءا منها ومرجعا كبيرا للمهتمين بهذا العلم الإنساني، هي ” العقلانية” و” الكاريزما” و” الفهم” و” أخلاق العمل”.
من بين المؤلفين الذين اهتموا في مؤلفاتهم بتحليل مؤلف ماكس فيبر:
يعد مؤلف الأخلاق البروتستانتية، من أشهر مؤلفات السوسيولوجيا الدينية عند ماكس فيبر. لذا نجد عدد لا يستهان به من المؤلفين، أثاروا حوله مجموعة من المناقشات والاعتراضات والمجادلات.
ويعد جوليان فروند في كتابه “سوسيولوجيا ماكس فيبر” من بين هؤلاء المؤلفين الذين اهتموا بتحليل أفكار ومواقف “الأخلاق البروتستانتية” الذي يوضح فيه فيبر أنه لا ينبغي إعطاء العلاقة السببية بين الرأسمالية والبروتستانتية معنى علاقة آلية. فالذهنية البروتستانتية كانت أحد مصادر عقلنة الحياة التي أسهمت في تكوين ما يسميه” الروح الرأسمالية”، إذ لم تكن السبب الوحيد أو حتى الكافي للرأسمالية نفسها.
ونخلص من هذا، إلى أن موقف فيبر يتمثل في أن البروتستانتية ليست سبب الرأسمالية، إنما أحد أسبابها، أو هي بالأحرى أحد أسباب بعض مظاهر الرأسمالية. وشرح لهذا ريمون آرون في كتابه”السوسيولوجيا الألمانية المعاصرة”.
وننتقل إلى خلفية الأفكار التي أسهمت في تكوين الروح الرأسمالية، إذ يجد فيبر هذه الخلفية عند بعض الطبقات البروتستانتية الكالفينية (الهولندية خاصة) والتقوية والميثودية والمعمدانية، التي يتميز نهجها الحياتي بتقشف يمكن التدليل عليه بكلمة ” التطهرية الغامضة”.
وما يهم فيبر هي الحوافز النفسية النابعة من المعتقدات والممارسات الدينية التي أثرت على الواقع لتكوين ” الروح الرأسمالية”. وعليه فعندما يتكلم فيبر عن الكالفينية فهو يفكر فقط في الأخلاق الخاصة ببعض الأوساط الكالفينية لنهاية القرن 17م، لا بمذهب كالفن لذاته.
وما يمكن أن نخلص إليه من هذا النتاج الفيبري، وهو أن فيبر لم يحصر السوسيولوجيا الدينية في تفسير ضيق للظاهرة الدينية من أجلها بالذات، وإنما حاول أن يوضح كيف يوجه السلوك الديني بقية النشاطات الإنسانية. اقتصادية، سياسية، قانونية… وكيف يحدد مواقف ذو أصول دينية سلوكا أخلاقيا يطبق بدوره في الشؤون الدنيوية.
وسننتقل بعون الله إلى المؤلف الثاني، الذي اهتم بدوره بـ ” الأخلاق البروتستانتية”، الذي ذهب فيه فيبر إلى أن العقيدة البروتستانتية – وبخاصة الكالفينية – هيأت الظروف الاجتماعية والنفسية، التي أدت إلى ازدهار الرأسمالية، والذي أثار التحليل الذي قدمه فيبر فيه اهتمام الباحثين بدراسة العلاقة بين الدين والاقتصاد على نطاق واسع.
ويعد الكتاب “ميادين علم الاجتماع” من جملة الكتب التي تناولت الدور الذي يلعبه كل من الدين والقيم في عملية التنمية الاقتصادية.
لقد كان ماكس فيبر أظهر من ناقش العلاقة بين القيم الدينية والنشاط الاقتصادي، فأكد الأهمية البالغة للدين باعتباره عاملا مدعما للنشاط الاقتصادي الرشيد ومشجعا. فقد أدت البروتستانتية بالإنسان إلى ممارسة سيطرة عقلية على جوانب الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وذلك على العكس من الديانات الشرقية الكبرى، وبخاصة الصينية القديمة والهندية، فهي لم تهيئ للإنسان بيئة صالحة لتدعيم النشاط الاقتصادي، في حين لم يحاول فيبر أن ينظر إلى العلاقة بين الدين والاقتصاد باعتبارها علاقة متميزة، إلا أن تحليله يقابل تحليل كارل ماكس الذي نظر إلى المعتقدات الدينية على أنها عنصر في البناء الفوقي، وبالتالي تعتمد إلى حد بعيد على القوى الاقتصادية في المجتمع.
ومن المؤلفين الذين اهتموا أيضا بعمل ماكس فيبر الشهير “الأخلاق البروتستانتية”، نجد دانيال هيرفيه في مؤلفه”سوسيولوجيا الدين” الذي ذهب فيه إلى أن دراسة فيبر عن “الأخلاق البروتستانتية والروح الرأسمالية”، قد غدت جدلا ثريا ونشيطا بدأ في حياة فيبر نفسه، إذ سعى بعض النقاد إلى إظهار أن وقائع مختلفة لا تتفق مع نظرية فيبر، وأنها لا تفسر بشكل تام، إذ أن المنطق الاقتصادي من حيث الأساس منطق معارض للأديان الأخلاقية، لأن عالم الاقتصاد الحديث عالم عقلاني ورأسمالي، بمنطقه الموضوعي الفردي والغريب عن الأخلاق الدينية المتعلقة بالإخاء لا يترك ” العالم الوظيفي للرأسمالية” مكانا لدواعي أو متطلبات تصدقية إحسانية تجاه الأشخاص المحددين.
وفي المقابل ثمة نقاد آخرون لم يعترضوا على وجود بعض الصلات البروتستانتية وتطور الرأسمالية وذلك بافتراضهم لتفسيرات مختلفة لهذا التطور. واستدلوا على وجهة نظرهم بوجود العديد من الأمثلة المعاصرة التي تظهر الزهد والتقشف الدنيوي ذا الأصل الديني يمكن بالفعل أن يكون على صلة مع الروح العامة للمقاول صاحب المشروع الرأسمالي.
إلا أننا نجد كاترين كوليوثيلين قد أظهرت بشكل مقنع أن التعارض الكبير بين عالم الماضي الذي كانت فيه التمثيلات، وكذلك المؤسسات بواسطة الدين، وبين اليوم الذي تحرر من مثل هذا الاعتقاد. لا ينصف التحليلات الفيبرية التي تقاوم التفسيرات التي تستخدم المصطلحات الدنيوية، إذ أن الأديان الأخلاقية، حتى ولو كانت قد ساهمت في هذه العملية، لم يعد لها تأثير على الرأسمالية، كما أنها قد فقدت فعاليتها الاجتماعية.
فمن خلال هذا التحليل، يتضح على أن ماكس فيبر يؤكد على أن تطور وخصوصية التقشف البروتستانتي، قد تأثرا من ناحيتهم بكل الظروف الثقافية الاجتماعية، وخصوصا الظروف الاقتصادية.
خــاتمــــة:
في الختام نخلص إلى استنتاج مفاده، أن ماكس فيبر يعتبر أحد العمالقة العظام، والذي اكتشف ذلك النظام بين (الأخلاق) و(العمل)، وهو في ثلاثيته المعروفة في الكتاب، يضع يده على أحد أهم الأسرار في نهضة الغرب، فحيث انتشرت البروتستانتية انفجرت الرأسمالية. ويقول إن مثلث أو شرارة الانبعاث تكمن في: روح المبادرة، وتقديس العمل، واعتماد مبدأ الربح، وهي ثلاث قيم أنهكت الغرب مع تسلط الكثلكة، ولم يكن الغرب حسب وجهة نظره لينهض لو أن البابا والكنيسة الكاثوليكية بقيمتها المعاكسة، بقيت تمسك بتلابيب أوربا، من تقديس الزهد والفقر، والتواكل في عقيدة فاسدة لفهم العمل الإلهي والبشري، والنظر إلى الربح على أنه عمل غير صالح.
وما يمكن أن نخلص إليه من خلال دراستنا السطحية والمتواضعة جدا لهذا الكتاب، يمكن أن نجمله في ما يلي:
أن ماكس فيبر من خلال مؤلفه هذا، حاول أن يوضح كيف يوجه السلوك الديني بقية النشاطات الإنسانية، الاجتماعية، الاقتصادية، ثم السياسية… وأن يبين أن دائرة انعكاسات المجال الديني متسعة جدا ولا تنحصر في إطار محدود، بل تكتسح كل الميادين، وقد خصص في كتابه هذا مجال الاقتصاد بالدراسة، القابل بدوره إلى التغير والتأثر بالمتغيرات والمؤثرات الدينية والثقافية في المجتمع.
كارل ماركس ان ماركس على الرغم من الأثر الكبير الذي تركه في هذا الميدان لم يدرس الدين بحد ذاته بصورة تفصيلية بل استقى أكثر أفكاره حول هذا الموضوع من كتابات عدة من الفلاسفة و المفكرين في القرن 19 و يتكون الدين في نظر فيورباخ من أفكار و قيم أنتجها البشر خلال تطورهم الثقافي و لكنهم أشبعوها على قوى سماوية أو الهية و يتفق ماركس مع الفكرة قائلا ان الدين يمثل حالة الاغتراب الانساني ويشبع الاعتقاد في أغلب الأحيان أن ماركس كان يطالب بنبذ الدين و استئصاله غير أن مثل هذا الاعتقاد بجانب الصواب فالدين في نظره هو بمثابة القلب في عالم لا قلب له و يرى ماركس أن الدين بشكله التقليدي سوف يختفي بل لا بد من أن يختفي نظرا الى أن القيم الايجابية التي يمثلها الدين قد تكون نموذجا في نظر ماركس أن لا تخشى الآلهة التي صنعنها بأنفسنا و أن لا نضفي عليها مثل القيم العليا التي يمكن للبشر أنفسهم أن يحققوها سوسيولوجيا الاديان و الجيل الثاني من المنظرين
بارسونز: كان بارسونز كما يحكي ذلك براين نورتر متأثر بنظرية كانط الأخلاقية و بوظيفية دوركايم و بالسوسيولوجية التفهمية عند فيبر حتى أنه عمل على ترجمة كتاب الخلاق البروتستانتية و الروح الرأسمالية و قدم له بمقدمة يشرح فيها علاقة الدين بالاقتصاد في ايجاد حياة اجتماعية مطابقة و أكثر من ذلك لم يذهب بارسونز في تأكيد فرضيات الجيل الأول من السوسيولوجيين الذين اعتبروا تراجع الدين في المجتمعات المعاصرة بل انه عمل على التأكيد على أهميته في الأنساق الاجتماعية و الفعل الاجتماعي فالدين موجه لكلا المجالين
بيير بورديو: لا يمكن فهم البراديغم الجديد الذي أبدعه بورديو في مقاربة الحقل الديني دونما الرجوع للخلفيات الابستيمولوجية التي تفاعلت في أعقاب الحرب العالمية الأولى و قبيل الحرب العالمية الثانية ذلك أن أزمة التفسير التي واجهت العلوم الاجتماعية جعلت البعض يشكك في علمية هذه العلوم و كان اسهام بورديو أساسيا اذ أنه عمل على ازالة التعارض بين الفينومينولوجيا الاجتماعية و الفيزياء و كان يعتبر أنه للكشف عن حقيقة الظواهر الاجتماعية لا بد من تجاوز النزعة الموضوعية و أيضا النزعة الذاتية كنظريات الفعل و علم الاجتماع التأويلي و التحليل اللغوي اذا ما بلغنا في تقدير أهمية هذا المقترب التفسيري الذي سماه بورديو الهابيتوس الفرد و لعلنا من خلال دراسة السلوك الديني ثم في المستوى الأول يقع هابيتوس الفرد و لعلنا من خلال دراسة السلوك الديني ثم في المستوى الثاني هابيتوس الجماعة المحلية المحيطة بالفرد بداية من الأسرة الجماعة و جماعة الأقارب و الجيران الأصدقاء و المستوى الثالث هو هابتوس المجال حيث يرى بورديو أن لكل مجال من المجالات القائمة (السياسي و الاقتصادي و الثقافي) في المجتمع الهابيتوس الخاص هو عبارة عن مجموعة المهارات و الأساليب الفنية و المرجعيات ونظم المعتقدات الواجب توافرها في عضو هذا المجال دون غيره من المجالات
خاتمة: لا يمكننا أن ندعي أننا قدمنا رؤية متكاملة ناجزه عن سوسيولوجيا الأديان بقدر ما حولنا أن نتلمس بعض المعالم الكبرى لهذا التخصص المعرفي و قد علمنا قدر المستطاع أن نلقي الضوء على أهم الأطروحات و النظريات التي ناقشت الظاهرة الدينية من وجهة نظر سوسيولوجية
الدكتور محمد عبابو أستاذ وباحث في علم الاجتماع بكلية الاداب ظهر المهراز – فاس. سوسيولوجي مغربي من موسسي سوسيولوجية الصحة بالمغرب . فهو مدير مختبر السوسيولوجيا والسكولوجيا . فهو رئيس شعبة علم الاجتماع بكلية الآداب والعلوم الانسانية ظهر المهراز فاس . كما انه ايضا منسق ماستر الهشاشة والسياسات الاجتماعية. Diplômes et postes
2016 : Professeur de L’enseignement Supérieur (PES), Faculté des Lettres et Sciences humaines, Dhar El Mahraz, Fès.(2016)
2007-2015 Professeur Habilité à Diriger les Recherches (HDR), Faculté des Lettres et Sciences humaines, Dhar El Mahraz, Fès.
Coordinateur de la filière de Sociologie, à la faculté des Lettres, Dhar El Mahraz, Fès, à partir septembre, 2008.
Coordinateur de l’Equipe santé et société du Laboratoire Sociologie de Développement Social.(2007)
Membre de l’Association Internationale des Sociologues Francophones (l’AISLF), à partir de Octobre,( 2007)
Chercheur Associé au GRIS à l’Université de Rouen (Groupe de Recherche Innovations et Sociétés), à partir de Juin 2007.
Professeur Invité à l’Université de Rouen, département de Sociologie, en Mai 2007.
Membre de la Société Internationale de Sociologies des Religions, (SISR), à partir de 2005 Matières enseignées
Sociologie de la santé, sociologie de la maladie chronique, sociologie du risque liée à la santé
Sociologie des religions, Sociologie de l’Islam, Sciences Sociales et religion dans le monde musulman.
Les méthodes quantitatives en Sciences sociales
La statistique appliquée à la sociologie Thèmes de recherche
La maladie chronique (Diabète, Sida, Cancer,…) représentations sociales de la maladie, plantes médicinales, famille et santé,
Croyances et pratiques religieuses en Islam, identité et religion, Islam et occident, Jeunes et acculturation religieuse, Génération et religion au Maroc, critique des théories classiques en sociologie des religions, intégration/exclusion et religion.
Spécialisations : Sociologie de la santé Sociologie des Religions Expérience
2018 : Directeur LABORATOIRE DE SOCIOLOGIE ET DE PSYCHOLOGIE ; USMBA FES
2016 : Coordinateur du Master Master “Vulnérabilité et politiques sociales’ Faculté des Lettres et Sciences Humaines Dhar El Mahraz 2016 : Chef de département de Sociologie(2016) Département de Sociologie. Faculté des Lettres Dhar El Mahraz 2008 :
Vice-directeur Laboratoire de Sociologie de Développement Social
Coordination de l’équipe santé, société et développement
Coordination de la Revue Horizons sociologiques 1996 :
Sociologue de la santé et des religions Université Sidi Mohammed Ben Abdellah , Université Sidi Mohammed Ben Abdellah Fès Actuellement HDR 2013 :
vice secrétaire général du bureau vice secrétaire général du bureau syndicat fac Dhar El mahraz Fès, Faculté des Lettres Dhar El Mahraz 2012 : Membre élu du conseil de la Faculté Faculté des Lettres Dhar El Mahraz. Commission “projets et recherches” 2010 : -Enseignement et formation en Master des risques naturels Faculté des sciences Dhar El Mahraz 2010 :
Chercheur Sociologue
Vice directeur Laboratoire de Sociologie de Développement Social Responsable équipe santé et société Formation
Equipe santé et société, Laboratoire de Sociologie de Développement Social (LASDES) : HDRS ociologie 2004 – 2012 Activités et associations :Recherche sur la sociologie de la maladie chronique (Diabète, VIH/Sida, Cancer, Tuberculose) Croyance religieuse et croyance de santé Vulnérabilité, risque, incertitude et santé Religiosité, génération et mondialisation
Doctor Université de Provence Aix Marseille I PHD SociologySociologie de développement Social 1989 – 1995 Publications
Islam et Générations au Maroc ( 2019)
كتاب بعنوان «سوسيولوجيا الصحة (مقاربات نظرية)2016
Dilemmes de la gestion de la santé des mères séropositives au Maroc Revue Sociologie Santé n° 38) ( 2015
Le jeûne du Ramadan un dilemme pour les diabétiques et les soignants Revue Sciences Sociales et Santé, 2008
Projets 1- Ressenti des patients atteints de Cancer et Ramed Maroc janv. 2017 – aujourd’hui 2- Mohammed Ababou août 2015 – août 2015 Représentations et croyances autour du vaccin contre la grippe saisonnière au Maroc 3- Participation au Projet Femhealth, qualité de prise en charge et -accessibilité à l’accouchement et la césarienne à l’hôpital au Maroc (avr. 2013 – mars 2014) 4- Politique étatique de la prise en charge des accouchements et des césariennes
Qualité de prise en charge des parturientes
Perceptions de la prise en charge du travail obstétrical par les soignants. La qualité de prise en charge des parturientes en hôpital au Maroc souffre de plusieurs maux liés au condition du travail obstétrical et des soins, l’effectif réduit du personnel, les payements informels, le mauvais accueil, la fausse référence des parturientes d’une structure à une autre pour des risques dits médicaux et parfois sociales…Repérer ces différents maux permet de mieux comprendre les raisons d’une mortalité maternelle qui demeure importante au Maroc. 5- Sociologie des discriminations et des stigmates (VIH/Sida) Visibilité/invisibilité sociale du VIH/Sida au Maroc 6- Sociology of chronic diseases, beliefs and Health Sociologie des maladies chroniques (diabète, VIH, Sida, Cancer, asthme,…) Santé et alimentation Santé et politiques sociales Qualité de prise en charge des patients Structures de santé et prise en charge Groupes
American Sociological Association
Cross Cultural Coaching & Counseling
Research, Methodology, and Statistics in the Social Sciences
Global Public Health – Social Determinants of Health
Global Public Health – Maternal and Reproductive Health
social scientists
socialisation et changement de lidentité islamique.
مسلك علم الاجتماع بكلية الآداب والعلوم الإنسانية التابعة لجامعة القاضي عياض مراكش، ويسألون عن ماذا يدرس داخل هذا التخصص وماذا يوجد فيه، إليكم هذه اللائحة التي حاولت من خلالها أن أعرض عليكم كل المواد التي تدرس داخل هذا التخصص من الفصل الأول إلى الفصل السادس بجامعة القاضي عياض. وهي كالآتي:
بالنسبة للفصل الأول تجدون المواد الآتية :
أسس علم الاجتماع ميادين علم الاجتماع مبادئ التفكير الفلسفي مفاهيم ونصوص فلسفية مدخل إلى علم النفس ميادين وتيارات علم النفس _لغة ومصطلحات1
أما في الفصل الثاني فستدرسون المواد الآتية :
النظريات السوسيولوجية المعاصرة المؤسسات الاجتماعية المؤسسات السياسية سوسيولوجيا التنظيمات الديموغرافيا علم النفس الاجتماعي _لغة ومصطلحات 2
وفيما يخص الفصل الثالث فهناك :
المناهج الكمية المناهج الكيفية الإحصاء الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية سوسيولوجيا الأديان سوسيولوجيا الثقافة
وفي الفصل الرابع ستدرسون ما يلي :
علم الاجتماع الحضري علم الاجتماع القروي سوسيولوجيا الفقر والهشاشة مدخل إلى الاقتصاد سوسيولوجيا التربية البيئة والتنمية
يليه في الفصل الخامس ما يلي :
الأبحاث الميدانية السوسيولوجيا المغاربية سوسيولوجيا المقاولات نظرية التنظيمات الأنثروبولوجيا الحضرية سوسيولوجيا الحراك الاجتماعي
وفي الفصل السادس والأخير من سلك الإجازة فيوجد ما يلي :
سوسيولوجيا المرض والصحة سوسيولوجيا العائلة سوسيولوجيا الشغل التغير الاجتماعي _ثم المشروع البحث المؤطر
تَخرج المنح دائمًا من رحم المحن، وكأن آلام الحاضر ما هي إلا مخاض لولادة المستقبل! هكذا كانت الثورة الصناعية في تاريخ أوروبا والعالم في أواخر القرن الثامن عشر .. تلك الثورة طغت على اهتمامات بطل قصتنا كارل ماركس
نحتاج إلى العودة قليلًا إلى تلك الفترة لنرى جانبًا مظلمًا من بداية الثورة الصناعية. إن نظرة عابرة في الظروف السائدة تلك الأيام الأولى من انتشار المصانع تكفيك لتعلم أنها كانت فترة مفزعة بدرجة كافية لتجعل رأسك يشيب رعبًا.
في تلك الفترة، كان يتم إرسال أبناء الفقراء إلى المصانع وأعمارهم لا تتجاوز العاشرة بكثير، فأطفال مصنع لودهام Lowdham (مصنع في مدينة إنجليزية) على سبيل المثال كانوا يُضربون بالسياط، لا عقابًا عن أخطاء ارتكبوها، بل كحافز لبذل المزيد من المجهود إذا بلغ منهم التعب مبلغه آخر النهار. أما في مصنع ليتون Litton فكان الأطفال يعملون شبه عراة في برد الشتاء القارس، ليُضطروا للزحف مع الخنازير على أربع لتنظيف النفايات العالقة في الأحواض. في هذا المصنع المرعب، كان الأطفال يتعرضون لكل ما يخطر ببالك من عنف جسدي واعتداء جنسي، من مدير المصنع وصاحب العمل، الذين كانا يتفننان في أساليب تعذيب الأطفال في مشاهد تقشعر لها الأبدان.
كانت الآثار الاجتماعية للثورة الصناعية واضحة للعيان، فالعمال (رجالًا ونساءً وأطفالًا) كانوا مكدسين في المصانع كالعبيد تحت تصرف مالك المصنع الرأسمالي الجشع. إنه عهد رِقٍ وعبودية جديد، لكن في ثوب صناعي بدل الثوب الإقطاعي.
في تلك الظروف بالغة السوء، لم يكن من المتصور أن يعترض أحد على الأجور أو ساعات العمل (كان الأطفال يعملون في بعض المصانع ثلاث عشرة ساعة يوميًا) فضلًا عن الاعتراض عن المساكن غير الآدمية والحياة الكئيبة التي يعيشونها في المدن الصناعية التي تعج بروائح المصانع النتنة.
كارل ماركس – الثورة الصناعية وعمالة الأطفال صورة تعبيرية: عمالة الأطفال في جورجيا، الولايات المتحدة الأمريكية، عام 1909 وسط تلك الظروف، ظهر المؤرخ والاقتصادي جون شارلز سيسموندي Jean Charles Sismondi ليكون أول الاقتصاديين الذي تحدثوا عن تقسيم طبقي للمجتمع، فمجتمع الثورة الصناعية كان مكونًا من طبقتين اجتماعيتين تعادي إحداهما الأخرى: الرأسماليين الأغنياء (مُلاك المصانع) والعمال الفقراء.
رغم هذه الصورة القاتمة للنظام الاجتماعي التي أفرزته الثورة الصناعية، فقد كان لهذه الأخيرة الفضل في أكبر تطورات الفكر الاقتصادي؛ فقد أفرزت الثورة الصناعية اثنين من أكثر الاقتصاديين شهرة على الإطلاق.
الأول: آدم سميث، حيث كان الاقتصادي المتنبئ بمنجزات تلك الثورة وفوائدها. الثاني: كارل ماركس، حيث كان المنذر بمساوئ تلك الثورة، منتقد السلطة التي أعطتها لملاك المصانع وما سببته تلك السلطة من فقر وقهر للعمال، فقد جاء كارل ماركس ليتلقى تلك الفكرة التي طرحها سيسموندي ويبلورها في إطار فلسفي له أبعاد مجتمعية واقتصادية وسياسية ما لا تعرفه عن كارل ماركس ! ولد كارل ماركس Karl Marx عام 1818 في مدينة ترير Trier بألمانيا، حيث كان الابن الثاني لأسرة يهودية غنية لم تلبث أن تحولت إلى المسيحية ليحتفظ الأب هينريتش Heinrich بشهرته الواسعة في المحاماة! وعلى الرغم من انحدار كلا الأبوين من نسل أحد أشهر الحاخامات اليهود إلا أن كارل ماركس كان دائم المعاداة لتلك الأصول. كان البارون الغني ويستفالين Von Westphalen أحد جيران ماركس، وكان هذا الأخير يعتبره بمثابة عمه، أدت هذه الجيرة والعلاقة القوية بين العائلتين لزواج ماركس من ابنة البارون: جيني Jenny!.
تشرب عقل كارل ماركس العقلانية (أي الاحتكام إلى العقل والمنطق كمصدر للمعرفة والتفسير) وكذلك الرومانسية (وهي حركة فكرية نشأت كرد فعل على الثورة الصناعية، تدعو للتحرر من قيود العقل والواقع) منذ صغره، فقد نهل، من جهة، من عقلانية والده المتأثرة بمفكري فرنسا وإنجلترا، ومن جهة أخرى عرَّف البارون المثقف ماركس على روايات شكسبير وكتب المدرسة الرومانسية، كما عرَّفه على الاشتراكية المثالية.
الاشتراكية المثالية (الخيالية) هي أول تجربة اشتراكية، نشأت على يد رجل الأعمال البريطاني روبرت أوين Robert Owen في مصانع نيو لانارك New Lanark، حيث لا عقاب للأطفال، مع توفير مدارس لتعليمهم والسماح لهم باللعب وسط ظروف عمل أكثر آدمية وساعات عمل أقل. ترى الاشتراكية المثالية مواجهة الرأسمالية والحصول على حقوق العمال ولكن باستخدام طرق سلمية كنقابات العمال، فهي اشتراكية خالية من الصراع الطبقي حيث تسعى لجعل الفقراء منتجين بطرق سلمية. سافر ماركس وهو ابن السابعة عشرة إلى جامعة بون University of Bonn لدراسة الفلسفة والأدب، لكن ضغوط والده ألزمته دراسة القانون، وخلال دراسته في الجامعة انضم ماركس إلى نادي الشعراء (وهي مجموعة تحتوي على الشباب المنشغلين بالسياسة) وكعادة التجمعات السياسية في تلك الفترة، فقد كانت الشرطة لهم بالمرصاد.
في هذه الفترة الزمنية، سبَّب ماركس لأبيه خسارة الكثير من الأموال بسبب طيشه، فقد كان كارل يشرب الخمروينفق الأموال بسفاهة، ما جعله يتعرض للسجن أكثر من مرة بسبب السُكر والثمالة في زنزانة خاصة بالجامعة. رغم ذلك أكسبت تلك المرحلة ماركس بعض الخبرات العملية والقانونية وحققت له أول انتصار سياسي خوله أن يكون رئيسًا لمجتمع الحانات في البلدة!
أما فيما يتعلق بالدراسة، فعلى الرغم من أن درجاته كانت جيدة في الفصل الأول من الدراسة الجامعية، إلا أنها سرعان ما تدهورت بعد ذلك، مما أجبر والده على نقله إلى جامعة برلين University of Berlin لأنها أكثر صرامة، ولكن محاولات الأب اليائسة لم تغير شيئا، بل على العكس فقد اضطر كارل للتنقل عشر مرات خلال الخمس سنوات التي قضاها في برلين هروبًا من القضايا المرفوعة ضده من الدائنين، وانحدر حال كارل لدرجة أنه كان مثالًا لطلاب الكلية غير المغتسلين القذرين، وانحرف عن دراسة القانون والفلسفة وأصبح طالبًا لا يرى في الجامعة سوى معسكر للتخييم!
تزامنت هذه الفترة الزمنية التي قضاها ماركس في جامعة برلين مع اكتساح جدل فلسفي كبير لجامعات ألمانيا المحافظة التي اختلفت في تقييمها لمذهب جديد كان نتيجة الإنتاج الفكري الغزير للفيلسوف الألماني فريديريك هيجل (Friedrich Hegel).
كارل ماركس – لوحة لفريديريك هيجل رسمها فنان مجهول – ويكيبيديا لوحة لفريديريك هيجل رسمها فنان مجهول – ويكيبيديا ماركس الفيلسوف! أطلق هيجل نظامًا فلسفيًا ثوريًا لا يؤمن بالثبات، حيث أن فكرته قائمة على اعتبار أن التغيير هو السنة الكونية التي تُسيرالحياة، كيف ذلك؟ عن طريق مبدأ فلسفي أطلق عليه المنطق الدياليكتيكي (المنطق الجدلي)، وهو ينبني على ثلاث مبادئ:
أن كل فكرة (thesis) لها نقيض (antithesis) يعارضها وينتقدها. أن هذا النقيض يتفاعل مع الفكرة عن طريق الحوار أو الصراع. أن تفاعل الفكرة مع نقيضها يؤدي إلى ظهور فكرة جديدة (synthesis) . على هذا الأساس، فكل الأفكار ستتغير عاجلًا أم آجلًا، وتُعدُّ الأفكار الاقتصادية أكبر دليل على ذلك، فكل مدرسة من الفكر الاقتصادي تؤدي إلى ظهور مدرسة معارضة لها، والحوار والصراع الفكري بين هاتين المدرستين يؤدي إلى ظهور مدارس اقتصادية جديدة تضم أفكارًا من كلا المدرستين المتصارعتين.
انقسم الفلاسفة الذين تأثروا بأفكار هيجل بعد وفاته سنة 1831 إلى قسمين:
اليساريون الراديكاليون: الذين انشغلوا بالسياسة والدين وأطلق عليهم حينها “شباب الهيجليين”، حيث انتقدوا تصورات هيجل المثالية وحرفوا فلسفته إلى منحى مادي تماما. اليمينيون المحافظون: والذين أبقوا على أغلب أفكار هيجل المثالية بدون تحريف. وعلى الرغم من أن هيجل توفي قبل أعوام قليلة من بدء ماركس لحياته الجامعية، إلا أن فكره أسر عقل ماركس ليصر على أن يصبح فيلسوفا، مما دفعه لتعلم الفلسفة بمفرده ليلتحق بعدها بشباب الهيجليين الذين كانت تدور بينهم نقاشات حادة حول الشيوعية النظرية باستخدام أسلوب هيجل الدياليكتيكي. وعلى الرغم من حصول كارل ماركس على شهادة جامعية من كلية الحقوق، إلا أنه كان قد فتن بالفلسفة !
ملاحظة: يجب علينا هنا أن نفرق بين مصطلحين يخلط بينهما العديد من الناس، الاشتراكية والشيوعية، فالشيوعية هي حالة مثالية يريد معتنقوها تحويل المجتمع لها، هذا المجتمع يجب أن تتوافر فيه الخصائص التالية: أولا: المجتمع الشيوعي هو مجتمع يتساوى فيه الجميع بشكل مطلق، فلا يفرق بينهم فكر أو دين أو حالة اجتماعية، المجتمع الشيوعي هو مجتمع مثالي بلا طبقات. ثانيا: بما أن الناس متساوون، فلا سلطة لأحد على أحد، ولا وجود لسلطة سياسية أو دولة تُسيِّر شؤون الناس. ثالثا: لا وجود لمفهوم الملكية الخاصة في المجتمع الشيوعي؛ فكل الموارد الاقتصادية ووسائل الإنتاج من مزارع ومصانع في المجتمع الشيوعي هي ملكية عامة. السؤال هنا: كيف يمكن الوصول إلى هذه المجتمع المثالي؟ كيف يتم الانتقال من مجتمع مكون من طبقين تملك إحداهما (البرجوازيين – الأغنياء) وسائل الإنتاج في حين تعمل الأخرى (البروليتارية – العمال) في المصانع كالعبيد في ظروف مأساوية إلى مجتمع شيوعي يتساوى فيه الجميع؟ كيف تنتقل الملكيات الخاصة (المصانع والمزارع والشركات) إلى ملكية عامة؟ كيف ننتقل من حالة الدولة إلى حالة اللا دولة؟ الجواب هو: عن طريق الثورة! ثورة يقودها العمال. ثورة تُسقط الدولة وتُؤمم (التأميم هو نقل الملكيات الخاصة إلى ملكية عامة) جميع أملاك البرجوازيين، ثم تضع على رأس السلطة نظامًا سياسيًا يقود الفترة الانتقالية التي تمتد بين المجتمع الرأسمالي الطبقي إلى مجتمع شيوعي مثالي، نظام نعرفه باسم: النظام الاشتراكي. الفرق بين الشيوعية والاشتراكية، هو أن الشيوعية هي الحالة المثالية التي يريد المفكرون الشيوعيون الوصول إليها، بينما الاشتراكية هو النظام السياسي الذي سيحول المجتمع إلى مجتمع شيوعي، ببساطة الشيوعية هي الهدف بينما الاشتراكية هي الوسيلة التي ستحققه. جاء عام 1838 بحدث غيَّر حياة ماركس بشكل كبير؛ حيث توفي والد ماركس الذي كان يدعمه ماليًا، وأدى ذلك إلى انخفاض حاد في دخل أسرته، فلجأ ماركس إلى كتابة الروايات لزيادة دخله، لكنه لم يُنشر له أي منها خلال حياته، مما أقنعه بإتمام دراسته والحصول على شهادة أعلى ومستقبل أفضل، فبدأ في عام 1840بالتعاون مع أستاذه السابق برونو باور Bruno Bauer في تحرير كتاب “فلسفة الدين” الذي جمع أفكار هيجل التي وضحها في محاضراته، وساعده ذلك في إتمام أطروحته التي كان يرغب في الحصول عن طريقها على الدرجة الأكاديمية الأعلى، وكان موضوع هذه الأطروحة هو “الفلسفة اليونانية”.
لم تلق هذه الأطروحة إعجاب الجميع، فقد كانت مثيرة للجدل، وخاصة بين الأساتذة المحافظين في جامعة برلين، لذا قرر ماركس بدل ذلك تقديم أطروحته إلى جامعة جينا University of Jena الأكثر ليبرالية، وبالفعل منحت هيئة التدريس له درجة الدكتوراه في أبريل 1841.
اتجه ماركس بعد حصوله على درجة الدكتوراه للعمل بالصحافة، فعمل لصحيفة راينيش زايتونج Rheinische Zeitung الليبيرالية الموجهة للطبقة الوسطى، لكن عمله بها كان نذير شؤم لتغلق الصحيفة بعد عمله بها هناك بخمسة أشهر فقط لانتقاده قيصر روسيا، ليتوجه بعدها ماركس لباريس ويختلط إثر ذلك بالشباب الشيوعيين، وليبدأ في مغازلة الشيوعية بكتاباته، ويلتقي بفريديريك إنجلز Friedrich Engels لتبدأ بعدها أكبر التحولات الفكرية في حياته.
كان فريدريك إنجلز أحد هؤلاء الشباب، وكان ابنًا لأحد الأثرياء ملاك مصانع النسيج. كانت حياة إنجلز مليئة بالتناقض، فهو في الصباح رأسمالي من طبقة الأثرياء يعمل مديرًا في مصنع والده ويتقاضى راتبًا كبيرًا، أما المساء فله شأن آخر، فقد كان يمضيه وهو يقرأ لهيجل والأدب الشيوعي، هذا التناقض لم يزعج إنجلز كثيرًا، فلم يكن يمانع أن يحتسي كأسًا من أجود أنواع الخمر في صحة الطبقة العاملة. وعندما لم يكن يطارد الثعالب في صيده كما يفعل بنو جلدته من الأثرياء، كان يطارد النساء!
كان تأثير إنجلز على ماركس كبيرًا، فقد بدأت فلسفة ماركس تتخذ شكلًا أكثر قوة ووضوحًا، حيث دمج ماركس المنهج الديالكتيكي المستمد من أفكار هيجل عن كيفية التغيير، مع المنهج المادي (والمبني على أن الأفكار تستمد قوتها من واقعيتها).
أطلق ماركس على هذا المزيج الجديد: مصطلح المادية التاريخية أو المادية الديالكتيكية ! ومن هنا قام ماركس وإنجلز، باعطاء البشرية فهما ماديًا للتاريخ، من خلال وضع مذهب وفلسفة شاملة عن التطور لتشمل الحياة الاجتماعية وتطبيقها على تاريخ وتطور المجتمعات، وكان أكبر تعبير عن هذا المذهب الجديد هو ما حدث بعدها.
كارل ماركس والبيان الشيوعي: ثورة بلا قائد أصدرت عصبة الشيوعيين Der Bund Kommunisten (حزب سياسي شيوعي أنشئ في لندن عام 1847) عام 1848 بيانًا بأهدافها وأطلقت عليه اسم “البيان الشيوعي” حيث كتبه اثنان من أبرز قادتها وهما ماركس وإنجلز وتزامن صدور هذا الكتيب مع اندلاع ثورات كبرى شملت أغلب القارة الأوروبية.
استهل البيان بكلمات حماسية تنذر بالخطر:
“إن شبحًا يطارد أوروبا، ذلك هو شبح الشيوعية، وقد عقدت الدول الكبرى حلفًا مقدسًا لإبعاد هذا الشبح: وهو حلف يشترك فيه البابا والقيصر“.
وقد كان عام 1848 فعلًا عامَ رعب بالنسبة للنظام القديم السائد في أوروبا (القائم على الملكية الخاصة والنظام الإقطاعي) حيث هب العمال في باريس في ثورة بلا قائد ولا تنسيق، وكذلك كان الأمر في في إيطاليا وبرلين وعدد من دول أوروبا التي انتفضت فيها الجماهير!
وانطلاقًا من تحليل مادي للتاريخ، يشرح البيان أن الطبقات الاجتماعية هي نتاج التطور الاقتصادي وأن مسار التاريخ كله يقوم على الصراع بين الطبقات، ففي مجتمعات الرقيق القديمة، كان هناك صراع بين العبيد وملاكهم، ثم انتقل الصراع في النظام الإقطاعي بين الفلاحين وملاكِ الأراضي، ثم أنتجت الثورة الصناعية صراعًا آخر، لكن هذه المرة كان صراعا بين العمال وملاك وسائل الإنتاج، هذا الصراع ضروري ولا يمكن تجنبه، أما نتائجه فتكون إما تغييرات ثورية لصالح طبقة ما أو خراب مشترك للجميع.
لذلك كانت ألفاظ البيان واضحة:
“إن الشيوعيين يحتقرون إخفاء آرائهم وأغراضهم، إنهم يعلنون في صراحة أنه لا يمكن تحقيق غاياتهم إلا بقلب جميع العلاقات الاجتماعية القائمة وبقوة، فلترتعش الطبقات الحاكمة من الثورة الشيوعية، إذ ليس لجماهير البروليتارية (العمال) ما تفقده سوى أغلالها“.
لكن شيئًا لم يتغير!
فلم يثمر هذا البيان ثورة شيوعية كما كان المتوقع، بل كانت نتيجته مجرد صيحة تولدت من خيبة الأمل واليأس! فكان النظام القديم القائم على حق الملوك المقدس هو المسيطر والمتغلل في أنحاء أوروبا بل وفي روسيا نفسها التي كانت تعتبر حجر الزاوية في الاستبداد الأوروبي!
كانت الثورات التي قادها العمال ثورات بلا قادة تفتقر إلى التنظيم والهدف؛ لذا فقد حققت انتصارات مبدئية ثم وقفت لا تدري ما الخطوات القادمة، فاستجمع النظام القديم قوته وعاد ليحتل مكانه بقوة لا تقهر. انتهت الثورات وضربت الجماهير بالمدافع، كانت أحداثًا دامية وعنيفة! فقد كان الفكر الماركسي تحديًا خطيرًا للطبقات الحاكمة لأنه يستهدف تغيير الواقع، خاصة مع الانتشار السريع له نتيجة التحرر من القيود الكنسية في الدول الصناعية المتقدمة كروسيا وألمانيا.
رأس المال : ملحمة لا كتاب في خمسينيات القرن التاسع عشر، أصاب الفقر ماركس وعائلته، حيث عاشت أسرته في شقة رخيصة بواحدة من أفقر مناطق لندن. نقل بؤس تلك المعيشة مخبر الشرطة المكلف بمراقبته قائلًا: “كل شيء قذر، كل شيء مليء بالتراب، أصبح الجلوس عملًا خطيرًا في ذلك المنزل، حيث أن الكراسي لها ثلاثة أرجل فقط!“، وعن ماركس نفسه قال: “مضياف للفقراء، يحيا حياة الغجر، الاغتسال وتغيير الملابس الداخلية من الأمور النادر القيام بها، دائم السُّكر والتسكع إلا إذا كان لديه عمل يقوم به فكان يصل الليل بالنهار”.
العجيب أن ماركس لام الطبقة البرجوازية على الحال المتردي الذي وصل إليه بالرغم أن الأموال التي كانت تأتيه من صديقه إنجلز ومن عائلة زوجته جيني وكذلك من مقالاته المنشورة كانت تكفيه لحياة رغيدة وسط الطبقة الوسطى! في تنصل كامل من المسؤولية.
كتاب الرأسمال لـ كارل ماركس كتاب الرأسمال لـ كارل ماركس على إثر ذلك، لم يجد ماركس مهربًا إلا دفن نفسه في أكوام من النصوص الاقتصادية بالمتحف البريطاني في لندن، فقرأ ماركس كل ما وقعت عليه يداه من كتب اقتصادية، وطوال ثمانية عشر عامًا (1850-1867) كان يكتب مسودات كتابه الذي أسماه: “رأس المال”Das Kapital .
كان ماركس دقيقًا وبطيئًا جدًا في الكتابة، فرغم تشجيع إنجلز له على تغييره لإيقاع كتابته البطيء إلا أن ذلك كان بلا جدوى، فقد استغرق ماركس عامين كاملين ليصدر المجلد الأول من كتابه، ليفارق الحياة عام 1883 قبل أن ينشر باقي أجزاء الكتاب، لكن لحسن الحظ، فقد جمع صديقه إنجلز الكثير المسودات التي لم ينشرها ماركس بعد، لينشر المجلد الثاني من كتاب صديقه الراحل عام 1885 والمجلد الثالث عام 1894، أما المجلد الرابع والأخير فلم ينشر إلا في عام 1910.
كتاب رأس المال ضخم عظيم يضم 2500 صفحة، استشهد فيها كارل ماركس بأكثر من 1500 كتاب، وتتنقل في صفحات كتابه بين أسلوب رياضي مليء بالدقة، وآخر عاطفي مليء بالغضب والضيق!
كان الكتاب ملحمة يقف فيها بطلا دراما الثورة الصناعية وجهًا لوجه: العامل والرأسمالي.
قسم الكتاب إلى ثلاث أقسام:
القسم الأول: مدخل إلى الرأسمالية يوضح فيها ماركس فكرته عن السُّخرة، في تحليل نقدي للاقتصاد السياسي، والصراع الطبقي المتجذر في العلاقات الاجتماعية الرأسمالية.
القسم الثاني: قواعد الحركة الرأسمالية التي ستؤدي حتمًا لانهيارها حيث شرح فيه هذه القواعد وكذلك الأفكار الرئيسية المؤسسة لاقتصاد السوق، حيث فسَّر كيفية تحقيق القيمة والفائض، وهو ما يُمثِّل أهمية كبيرة لفهم البناء النظري لحجة ماركس بأكملها.
القسم الثالث: التكاليف النفسية للرأسمالية حيث فسِّر فيها كيف يزداد بؤس الطبقات العاملة في النظام الرأسمالي
المصدر: أحمد عبدالعزيز /موقع abeqtisad.com
إسهاماته الفكرية مقال: فارس عبد الاله النعيمي / المصدر: الحوار المتمدن
كان كارل ماركس من الآباء المؤسسين لعلم الاجتماع وصاغ نظرياته في حقبة شهدت تطور السوسيولوجيا تطورا لم يُعهد له نظير من قبل. ونظريات ماركس متعددة الاهتمامات بقدر تعلق الأمر بمادة موضوعها ، وذات طابع مركَّب لكنها رُغم تنوعها فهي في مجملها نسيج متكامل ومتسق. وأنتج ماركس أعماله في فترة من التحولات الاقتصادية والاجتماعية العاصفة. ففي اواخر القرن التاسع عشر كانت الثورة الصناعية قوة الدفع الرئيسية في التغيرات التي امتدت آثارها الى الشطر الأعظم من القرن العشرين. وراح ماركس يمارس نشاطه النظري في غمرة هذه التحولات. وانطلقت بتأثير نظريته حركات اجتماعية واسعة في عموم اوروبا ، وباسمها دُشنت فترة من البناء الاجتماعي مع انتصار الشيوعية البلشفية في روسيا القيصرية وجيش التحرير الشعبي بقيادة ماو تسي تونغ في الصين. هذا المقال محاولة لتقييم واحدة من أهم نظريات ماركس ومساهمتها في السوسيولوجيا المعاصرة ، تلك هي نظرية الاغتراب (أو الاستلاب). ولقد صاغ ماركس نظريته بدراسة اغتراب الانسان في اطار عملية الانتاج. وتهدف هذه المحاولة الى ان تبين ان نظرية ماركس في الاغتراب ما زالت تحتفظ بصحتها في مجتمع اليوم حيث تسببت التطورات الاجتماعية والتكنولوجية في اتساع الاغتراب ليشمل نواحي اخرى من حياة الانسان والمجتمع الى جانب عالم العمل والانتاج.
لفهم النظرية الماركسية فان على عالم الاجتماع ان يتناول بالدرس والتقييم أوسع واهم ما كتبه ماركس في تحليله لقوانين التطور التاريخي لا سيما نظرية انقسام المجتمع انقساما تراتبيا الى طبقات وما يترتب على ذلك من لامساواة. ويشير عمل ماركس في هذا المجال الى المبادئ العامة التي انطلق منها لصوغ الجوانب الاخرى من نظريته. ولقد شخص ماركس طبقتين صاعدتين في زمنه لكنهما طبقتان مشتبكتان في صراع من خلال الدور الذي تتولاه كل منهما في عملية الانتاج. ويقول ماركس ان نمط الانتاج الرأسمالي نمط دينامي بما أثبته من قدرة على التجديد والابتكار واستخدام التكنولوجيا لحل ازماته ، ولكنه نمط انتاج مدمِّر في الوقت نفسه ، بما تسببه الرأسمالية ، بوصفها الطبقة المهيمنة في هذه العلاقة ، من فقر في نوعية الحياة الاجتماعية وانحطاط على المستوى الأخلاقي. ويؤكد ماركس ان ميدان الصراع بين الطبقتين الرئيسيتين في المجتمع الذي درس قوانينه ، هو علاقات الانتاج حيث العامل خالق الثروة والرأسمالي مَنْ يتصرف بها ويدفع للعامل الأجر الذي يحددِّه مقابل ما يبذله من عمل. وهذه العلاقة بين العامل والرأسمالي علاقة تناحرية وذات طبيعة استغلالية وهي الاساس الذي تنهض عليه نظرية وجود طبقات ذات مصالح متناقضة ، وأهم من ذلك أخطر ما يترتب على هذه العلاقة غير المتكافئة: الاغتراب. يميط ماركس اللثام عما يصفه بالآثار المدمِّرة لنمط الانتاج الرأسمالي على الانسان. وهي آثار تطاول قدرات الفرد الذهنية والعلاقات التي يدخل فيها مع الآخر. ويوضح ماركس ان الاغتراب هو انفصام كينونة الانسان عن ذاته ، وعن عملية الانتاج ، وعن الآخر وعن المنتوج الذي يخلقه بقوة عمله. فان حرية الانسان في الاختيار وطبيعته الانسانية الحقيقية تتعرضان الى التشوه ، وتُضفي الرأسمالية على نشاطه طابعا انسانيا كاذبا بما تعيد انتاجه من علاقات غير متكافئة. وما يبقى من الانسان بعد هذه العملية هو قشرة من ذاته الأصلية ولا يعود يمارس نشاطه الحياتي الطبيعي بل يصبح الانسان المغترب “تجريدا”. يغدو الانسان “تجريدا” عندما يفقد كل معنى واحساس بما هو حقيقي وملموس ، ويقع في خواء مطلق حيث يُختزَل نشاطه الطبيعي الى عمل من أجل لقمة العيش فيما يُحكِم الرأسمالي سيطرته على مصير مَنْ يبيعه قوة عمله. وفي موقع العمل يصبح الانسان العامل أسير عمليات رتيبة تجرده من انسانيته. وينطوي هذا عادة على انتاج جزء من كلٍ أكبر ، ليس له أي معنى عند العامل لأنه لن يملك الجزء ولا الكل ولن يكون قادرا على استخدام نتاج عمله وثمرة مجهوده. وهذا هو الاغتراب الاقتصادي وأحد العناصر الرئيسية في نظرية الاغتراب الماركسية.
الشكل الآخر من الاغتراب هو الاغتراب الناجم عن علاقة الانسان بالانسان. ويقول ماركس في “مخطوطات 1844″ ان موضوع العمل يصبح….تشييء حياة البشر”.
بفصم موضوع العمل عن تحكم الانسان به يُفصَم الانسان عمليا عن واقعه الذي لا غنى عن التعاطي معه ليطور الانسان نفسه في مجرى هذه العلاقة بوصفه كائنا بشريا. ولولا هذا الشكل من الاغتراب لكان بمقدور الانسان ان يصنع منتجاته في حال من الانسجام والتناغم معها ومع نشاطه المنتج لها لأن امكانات العقل البشري لا تتحرر وطاقاته الابداعية لا تتفتح إلا بخلق اشياء رائعة الجمال وبتنوع لا محدود ، كما يقول ماركس. ويمتد الاغتراب الى علاقة الانسان بالانسان نظرا الى ان ما يُنتَج من سلع في موقع تفاعلهما خلال عملية الانتاج ، يكون هو الصنم الذي لا يعلو عليه اعتبار آخر سوى الربح. وبانخراط الانسان في هذا العمل الرتيب المخدِّر لقواه الفكرية ، المُهين للعقل والجسد على السواء ، نظرا الى الاقدام عليه بدافع القسر وغياب الخيارات الاخرى ، لا بد ان يكون ناتج عمل الانسان غريبا عن العامل الذي خلقه ومُلك الرأسمالي الذي يشتري قوة عمله. وبذلك يُسهم العامل في اعادة انتاج العلاقات الاجتماعية ذاتها التي تظلمه. والرأسمالي نفسه ايضا يكون موضوع اغتراب في موقع العمل حيث صلته الوحيدة بالنشاط الانتاجي هي ما يحققه من ربح في الحصيلة النهائية. وبما ان العمال لا يستطيعون ان يقيموا علاقة انسانية طبيعية مع الرأسمالي فان الرأسمالي ايضا لا يستطيع ان يقيم علاقة كهذه معهم. وهذا الاغتراب ناجم عن حقيقة ان الرأسمالي هو الذي يدفع اجور العمال ويحدِّد ساعات عملهم.
من اسباب القوة في نظرية الاغتراب التي صاغها ماركس انها تسلح العالم السوسيولوجي بفهم للعمليات والعلاقات التي تشكل لحمة المجتمع وخاصة في موقع العمل. وماركس يُسلط الضوء على القيم الاجتماعية والاخلاقية التي تحدِّد كيف يُعامَل الانسان المنتِج وكيف يتصرف في موقع الانتاج. كما تشدد النظرية على ان انهاء هذا الاغتراب سيحرر امكانات الانسان وطاقاته ويتيح له ان يستعيد تلك العلاقات التي تجعله مخلوقا فريدا ، وينتشلها من انحطاطها في ظروف الرأسمالية الحالية. وفي الوقت الذي يحتفي فيه ماركس بمساهمة التصنيع في تطوير حياة الانسان المادية ومستواه الفكري فانه يلعن العلاقات الرأسمالية التي حولت العمل الى نشاط يجرد البشر من انسانيتهم ويهدد فرديتهم المتميزة وتقدم الانسانية عموما. ولكن محلليين ينتقدون هذا الجانب من نظرية الاغتراب بوصفه عنصرا متناقضا فيها منطلقين من الموضوعة القائلة ان فكرة التقدم والفردانية ذاتها ازدهرت تحديدا في حقبة التصنيع مع صعود الرأسمالية ، وان المجتمع المنتِج بات مجتمعا أكثر دينامية في انتاجه الذي يدلل عليه ما شهده العالم من ابتكارات واختراقات في اطار الثورة التكنولوجية منذ مطالع القرن الماضي. رغم الصورة القاتمة التي ترسمها نظرية ماركس عن اغتراب الانسان بجريرة العلاقات الرأسمالية فقد صاغها صاحبها ايمانا منه بأن الانسان الذي صنع اغترابه بنفسه قادر على اقصائه من حياته بتغيير العلاقات الكامنة في اساس الاغتراب. ولا أقل من ثورة اجتماعية عالمية ، بحسب ماركس ، قبل ان يبلغ الانسان مستوى من الوعي يقنعه بالغاء العلاقات اللامتكافئة والفوارق الاجتماعية ليعود الانسان الى حالته الطبيعية. وحينذاك سيبزغ نمط انتاج جديد ومعه حياة جديدة. وما شهده العالم في القرن العشرين من تجارب لم يُكتب لها النجاح ، لاسيما في الاتحاد السوفيتي السابق ، كان حالة من الجمود نشأت بعد تدمير العلاقات السابقة دون بناء العلاقات التي حدَّد ماركس معالمها لالغاء الاغتراب. فلم ينشأ مجتمع المساواة اللاطبقي وحرية الخيار والاشتغال على موضوع الانتاج بانسجام معه ومع الذات ، وبالتالي لم يتوفر العلاج المطلوب لاقصاء الاغتراب من حياة الانسان. من نقاط الاختلاف بين ماركس والقطبين الآخرين في مدرسة علم الاجتماع ، ماكس فيبر واميل دوركهايم ، العقلانية التي اعتمدها كل منهم ، وخاصة فيبر. فعقلانية ماركس تقوم على ما يفعله الانسان ليحقق هدفا ما في الحياة في حين ان عقلانية فيبر تقوم على الحساب البارد والتقنية الصرفة. يضاف الى ذلك ان إعلاء القيم الانسانية واضح التأثير في طرح ماركس لنظرية الاغتراب في حين يجادل فيبر بأن عملية الانتاج مباحة قانونا ما دامت هناك علاقة تعاقدية بين طرفين حرين هما العامل ورب العمل. كما ان النقد/رأس المال هو عند فيبر أداة شديدة الدقة للحساب الاقتصادي والتجارة ، وبالتالي ليس هناك اغتراب إذا كان العمل خيارا حرا وعملية العمل نشاطا يُمارَس بالتراضي.
تتمثل مساهمة نظرية الاغتراب في سوسيولوجيا العصر بتوفيرها اطارا منهجيا يمكِّن عالِم الاجتماع من ممارسة نشاطه البحثي بتطبيق هذه الفكرة على مجتمع القرن الحادي والعشرين ، ليبين بصفة خاصة كيف وَجَد الاغتراب طريقه الى نواحي عديدة من مجتمع اليوم ، وليس في موقع العمل وحده. فالمجتمع الرأسمالي محكوم بمواضعات ومعايير وهيمنة ايديولوجية تتعامى عما تخلقه علاقاته من مشاكل فيما تعمل قيمه على تمويه معضلات حقيقية بواجهات زائفة. وأحدى المعضلات المتأصلة في الرأسمالية ، الاغتراب الذي لا يقتصر في مجتمع اليوم على علاقات الانتاج بل يعمل على تعهير ثقافة المجتمع ذاتها. ومن الامثلة على ذلك الاغتراب الذي يتعرض له الشباب. فان قوى الثقافة السائدة من الفاعلية بحيث إذا تمرد الشباب والمتعلمون من افراد المجتمع على واقع مجتمعهم نتيجة لارتفاع درجة وعيهم ، تكون لدى الايديولوجيا المهيمنة القدرة على تحويل هذا السخط والتمرد الى سلعة تسوِّقها بدافع الربح. وهنا تبدأ اقتصاديات الاغتراب بالعمل من خلال استثمار هذه المادة الخام واستغلالها. ويصح هذا بصفة خاصة على صناعة الموسيقى الغربية حيث تظهر مجموعات وأنماط فنية وتمثيلات ذات اسماء تعبر دلالاتها عن التمرد والغضب ومشاعر الاحباط بسبب عجز الشباب واغترابهم عن الأجيال الاخرى وعن بعضهم بعضا تحت وطأة العلاقات اللاانسانية السائدة. وبهروب الشباب الى الموسيقى بحثا عن وسيلة تُنسيهم اغترابهم فانهم يصنعون صورة جديدة للواقع مادة بنائها الأسماء والعلامات والصرعات الموسمية التي تنتجها موسيقاهم. وبلغ اغتراب الشباب مبلغا باتت معه الموسيقى صاحبة الكلمة الحاسمة في إملاء سلوكهم وتكوين قيمهم وتحديد ملبسهم وحتى ارساء مبادئ اخلاقهم. وحصيلة هذا الاغتراب عند الشباب صورة عن الواقع والحياة تبدو هي الطبيعية على حساب الحقيقة التي ينزل عليها ستار الاغتراب فتغيب عن انظارهم. وسواء أكانت نقمتهم على العلاقات الاجتماعية السائدة جذرية او عابرة فان هذا لا يعود هو القضية بعد ان شفطتهم في فلكها دورة حياة لا تعمل إلا لتحقيق مزيد من الربح للشركات التي تسيطر على صناعة الثقافة. وأزمة الشباب في مجتمع اليوم تسلط الضوء على اتساع رقعة الاغتراب الذي تحدث عنه ماركس وتؤكد ان مساهمة نظريته تتيح لعالم السوسيولجيا دراسة نواحي من المجتمع كان يُعتَقَد انها افلتت من قبضة الاغتراب. ولكن هذا لا ينتقص من تركيز ماركس على شكل الاغتراب الذي عالجه في نظريته ، أي الاغتراب الناجم عن علاقات الانتاج. في دراسة ميدانية لأحد معامل الحديد والصلب أظهر البحث السوسيولوجي استمرار الاغتراب من خلال علاقة العمال مع بعضهم بعضا (Mollona, 2005). ففي هذه الحالة الملموسة كان العمال موزعين في مجموعات منفصلة حسب الوظائف المناطة بهم. فكانت مجموعة تمارس عملا متخصصا واخرى تؤدي عملا رتيبا على خط التجميع. ولا يتبدى التعارض بين طبيعة عمل المجموعتين في تقسيم العمل والاجور (أجور اعلى للعمال المتخصصين) فحسب بل وفي الامتيازات والصلاحيات الممنوحة للعمال المتخصصين تجاه اقرانهم غير المتخصصين وفي التعامل مع المتدربين. وتوصلت الدراسة الى ان هذا يخلق تراتبية واحساسا بالتنافر والتنافس غير الصحي بين العمال. وعمليا فان هذا الوضع يخلق شريحتين من العمال المغتربين عن بعضهم بعضا والمغتربين كلهم عن الحقيقة رغم اشتراكهم في بيع قوة عملهم وتشاطر البؤس الناجم عن حياة الكدح لحساب الرأسمالي دون مقابل يعادل مجهودهم. وبالتالي فان هذه الدراسة تبين ان الاغتراب شرط مقيم على امتداد تاريخ الرأسمالية بصرف النظر عن تغير الظروف التي يحدث فيها. ثمة سوسيولوجيون يرون ان الماركسية عاشت دهرها وعفا عليها الزمن وان التحولات الجذرية التي اقترنت بالثورة التكنولوجية واساليب الادارة دفعتها الى أزمة لم يفلح الماركسيون في حلها. ولكن سوسيولوجيين آخرين يؤكدون انه حتى على افتراض وجود أزمة في الماركسية فلابد ان يكون لها علاج وحل مثلها مثل نقيضها الرأسمالية التي اثبتت قدرة لافتة على ايجاد الحلول لأزماتها الواحدة تلو الاخرى. ويمكن القول ان نظرية الاغتراب والأشكال الحديثة التي يتبدى فيها تؤكد ان الماركسية ليست حية فحسب بل وان هذا الجانب من النظرية يواصل تطوره ويحقق اختراقات جديدة في ميادين السوسيولوجيا. ولعل السوسيولوجيين الذين يقولون بأزمة الماركسية ، أنفسهم يعانون من الاغتراب ازاء ما يظهر من نظريات جديدة تفكك فكرة الحقيقة ذاتها مثل ما بعد الحداثة وما بعد البنيوية ، الخ. ويتحمل هؤلاء السوسيولوجيون مسؤولية الانتقاص من الحقيقة وطبيعة الانسان بتشكيكهم في جدوى تطلعه الى حياة افضل وقدرته على بناء مجتمع يقرِّبه من هذا الهدف. وهم عوضا عن اداء رسالتهم بتشخيص العقبات التي تعترض طريق الانسان في مسعاه النبيل هذا ، ينظرون الى المجتمع على انه بلغ نهاية تاريخه والى التاريخ نفسه على انه وهم. وتذهب محاجَّة هذه المدرسة الى ان من العبث محاولة صوغ سرديات كبرى تطمح في فهم العالم وتفسيره ثم تغييره. ويؤكد سوسيولوجيون مثل غيدينز Giddens وهابرماس Habermas وكاستيلس Castells وبيك Beck على سبيل المثال لا الحصر ، ان نظريات مثل الماركسية تدفع عجلة التقدم وتحفز التغيير الايجابي في المجتمع. ثمة حقيقة لا مراء فيها بصرف النظر عما قاله ماركس وما آلت اليه محاولات ترجمة ما قاله في الواقع ، وهي ان لا وجود لمجتمع طوباوي مع الاغتراب أو من دونه. ولكن السؤال هو ما إذا كان اليأس والاغتراب قد باتا بلاء ملازما لحياة البشر بحيث لم يعد الانسان يؤمن بقدرته على تغيير العالم نحو الأحسن أو الحلم بمثل أعلى في اقل تقدير.
المصادر Ollman, B. 1971, Alienation: Marx’s conception of man in capitalist society, 2nd edition, Melbourne, Aus. Cambridge University. Johnson, F. 1973 Alienation: Concept, term and meaning. New York, USA, Seminar Press Ltd. Joachim, I. 1968. Alienation, from Marx to modern society. Boston, USA, Harvester Press. Ratansi, A. 1982. Marx and the division of labour. Hong Kong, China. Macmillan Press Ltd. Abercrombie, N. 2004. Sociology. Cambridge, UK. Polity Press Ltd. McLelan, D. 1977. Karl Marx selected writings. New York, Oxford University Press. Mandel, E. Novack, G. 1970. The Marxist theory of alienation. New York, Pathfinder Press Inc. Journals Tacussel, P. 1989 (spring). Criticism and understanding of everyday life. Current sociology, the sociology of everyday life. Vol 37 (1), pp. 61-70. Halnon, K. B. May 2005. F****the mainstream music, in mainstream. Current sociology. Vol 53 (3). P. 441-464. Mollona, M. Jun 2005. Steel production and technological imagination in an area of urban deprivation. Critique of anthropology. Vol 25 (2), pp. 177-198.
مقدمة: يعد مفهوم العنف الرمزي من أكثر اكتشافات بورديو الفكرية تألقا وأهمية، وقد شكل مفتاحا سوسيولوجيا لأكثر القضايا الفكرية أهمية وخطورة في العصر الحديث. ويمتلك هذا المفهوم سحره الفكري الخاص في قدرته على استكشاف أعمق مجاهل الحياة الفكرية تعقيدا، واستقصاء أبرز متاهاتها السياسية والاجتماعية تشابكا وغموضا. وقد وُّظف هذا المفهوم جيدا في إنارة الدهاليز المظلمة لقضايا اجتماعية كبرى مثل: الهوية، والطبقة، وإعادة الإنتاج، والصراع الطبقي، وسلطة الدولة. ويعود للمفكر الفرنسي بيير بورديو الفضل في بناء هذا لمفهوم وإكسابه المشروعية الفلسفية، إذ بذل جهودا مُضنية من أجل التّعريف بأبعاده وحدوده، وعمل على استكشاف دينامياته السوسيولوجية وملابساته الفكرية، كما استكشف الآثار والوظائف الأيديولوجية التي يؤديها العنف الرمزي الذي يتصف بذكائه ودهائه وقدرته على التخفي، ونصب الكمائن لضحاياه في مختلف المستويات الأيديولوجية، كما بيّن قدرة هذا النوع من العنف على المراوغة والمداهنة إلى درجة يستطيع فيها أن يتخفى على ممارسيه وضحاياه في آن واحد. تناول بورديو العلاقة الملتبسة بين العنف الرمزي واستلاب الهوية، ودرس أبعاد وحدود هذه العلاقة بمختلف تجلياتها مستكشفا مختلف الآثار التي يتركها هذا العنف في التكوينات الإنسانية للهويات الفردية والاجتماعية. وعمل في سياق ذلك على تقصي الآلام النفسية التي يولدها هذا العنف عند الجماعات المهمشة، مثل: الجروح النرجسية للهوية، وتبخيس الذات، والنكوص الثقافي وغير ذلك من الأعراض السيكولوجية الثقافية. في مفهوم العنف الرمزي غالبا ما يجري الخلط بين العنف الرمزي والعنف السيكولوجي، فهناك عدد كبير من الباحثين الذين يحيلون العنف الرمزي إلى العنف السيكولوجي، وهذا يتعارض مع الحقيقة السوسيولوجية للعنف الرمزي الذي يختلف كليا وجوهريا عن العنف النفسي كما عن أي شكل آخر من أشكال العنف. فالعنف الرمزي مقارنة بأي شكل آخر من أشكال العنف يكون غامضا مستترا خفيا ناعما، ولكن نتائجه قد تكون كارثية فيما يتعلق بتوجهات الحياة الاجتماعية بمساراتها الفكرية والأيديولوجية. ويضاف إلى ذلك أنه عنف إشكالي وظيفي، يحمل في ذاته طابعا أيديولوجيا، وهو يثير كثيرا من الجدل بين الباحثين والمفكرين. وقد دأب بيير بورديو على استخدام مفهوم العنف الرمزي، في أغلب كتاباته السوسيولوجية والتربوية، كما في أعماله الأدبية، ووظفه في استكشافه لأبعاد الهيمنة الذكورية، والسيطرة الأيديولوجية، ومعاودة الإنتاج، وفي دراسته ” للهابيتوس” أو التطبيع الطبقي والعائلي وغير ذلك من القضايا الفكرية والاجتماعية التي تناولها في مجمل نظرياته وأعماله العلمية ([1]). يعرف بورديو العنف الرمزي ” بأنه عنف ناعم خفي هاديء، وهو خفي مجهول من قبل ممارسيه وضحاياه في آن واحد”، ويقول عنه في سياق آخر: “إنه عنف هادئ لا مرئي لا محسوس حتى بالنسبة إلى ضحاياه”. ويتمثل في اشتراك الضحية وجلادها في التصورات والمسلمات نفسها عن العالم. ويتجلى هذا العنف في ممارسات قيمية ووجدانية وأخلاقية وثقافية تعتمد الرموز كأدوات في السيطرة والهيمنة، مثل: اللغة، والصورة، والإشارات، والدلالات، والمعاني، وكثيرا ما يتجلى هذا العنف في ظلال ممارسة رمزية أخلاقية ضد ضحاياه ([2]). والعنف الرمزي ينبثق عن سلطة رمزية، ويعبر في جوهر الأمر عن توجهاتها، وهذه السلطة تقوم على أسلوب التورية والتخفي، فهي سلطة لامرئية تنطلق من مبدأ تواطؤ أولئك الذين يأبون الاعتراف بأنهم يخضعون لها. لهذا يكون تأثير السلطة الرمزية أعمق و أخطر من أي سلطة أخرى لأنها في جوهرها تستهدف البنية النفسية و الذهنية لضحاياها، و بالتالي فهي – أي السلطة الرمزية تخطط لفرض أهدافها المرسومة وإنتاج الأدوات و الآليات و المعايير المناسبة لإخضاع من تستهدفهم، وذلك لتثبيت و خلق واقع وضع إنساني مرغوب فيه و مخطط له، و تمارس هذه السلطة الرمزية فعاليتها بطريقة منظمة و بنائية متكاملة تحت غطاء التخفي والاختفاء، أي وراء أقنعة المألوف العادي وأنظمة التقاليد والمقولات والخطابات المنغرسة في عقول الناس والثاوية في ضمائرهم. ويمكن القول في هذا السياق أن العنف الرمزي هو نوع من العنف الثقافي الذي يؤدي وظائف اجتماعية كبرى، ويمكن تلمسه في وضعية الهيمنة التي يمارسها أصحاب النفوذ على أتباعهم بصورة مقنّعة وخادعة، إذ يقومون بفرض مرجعياتهم الأخلاقية والفكرية على الآخرين من أتباعهم، ويولدون لديهم إحساسا عميقا بالدونية والعطالة والشعور بالنقص ويخضعونهم لنسق من المعايير والرموز التي تؤكد دونيتهم ووضعياتهم الثانوية عبر عمليات ومشاعر النقص والضعف والافتقار إلى الجدارة والموهبة والشرف والكرامة وضعف تقدير الذات. فالهيمنة الرمزية تمثل في جوهرها عملية تطبيع الآخر على الشعور بالدونية ، وضعف الإحساس بالقيمة الذاتية، وازدراء الأنا ، كما تمثل في جوهرها عملية تمويه وتورية واختفاء ومواربة في تحقيق أهدافها وغاياتها السلطوية. والعنف الرمزي، سواء أكان مقترنا بالعنف الفيزيائي أم لا، يولّد آلاما كبيرة تنال العمق الأساسي للهوية وتستلبها. وهذا يتشكل بتأثير التصورات الرمزية التي تأخذ صورة نسق من المعارف والمقولات والمفاهيم والتصورات التي تحدد هوية جماعة ما مقارنة مع الجماعات الأخرى. وبالتالي فإن هذه التصورات الرمزية حول الذات التي يستبطنها الفرد رمزيا تعمل على تشكيل هويته الفردية والاجتماعية. وهذه التصورات كما أشرنا تكون نتاجا للعنف الرمزي الذي يمارس بصورة مباشرة أو عبر فعاليات ثقافية. جروح الهوية: تتعرض وحدة الهوية للخطر بصورة دائمة تحت تأثير عوامل الانشطار والانكماش والتجزؤ والتفكك والإحساس بالدونية، وهذا ما يطلق عليه علماء النفس قلق التفكك والانشطار (Angoisse de morcellement) الذي يضع الفرد تحت تأثير نوبة من الشعور بالقلق والتوتر. فالفرد، رغم شعوره بوحدته وتماسكه وتفرده، ليس واحدا على مرّ الزمن، ومن ثم فإن أفعاله في وقت محدد ليست تعبيرا مؤكدا للشعور بالهوية وتأكيد الذات، وذلك عندما نأخذ بعين الاعتبار وضعيات المعاناة والإكراه التي يكابدها الفرد في التكيف مع كل حالة من حالات الوجود والاستمرار. فالفرد يكوّن جوهر هويته ويشكلها في مختلف مراحل التنشئة الاجتماعية تحت تأثير فعالية رمزية مكثفة تنطلق من تشكيلات ثقافية سائدة في الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه. وهنا في هذا الحقل الرمزي ترتسم أنماط التجاوب مع التحديات في سياق درامي في مختلف المستويات الحياتية عبر أسئلة تتعلق بالهوية، مثل: من أكون؟ أو من أنا بالتحديد؟ ما معتقداتي؟ ما ولاءاتي الأساسية؟ في هذا النسق من الأسئلة يرتسم الحقل الرمزي المشكل للهوية والأنا بمعنى تأخذ الرموز دورها في تشكيل هوية الفرد والجماعة. وهذه التحديدات الرمزية الخاصة بالهوية تنطوي على رؤية شمولية يمكنها أن تتجلى وفقا لتنوع الحالات والمواقف التي يواجهها الفرد في مسار حياته الإنسانية. لنأخذ مثالا على تأثير الحقل الرمزي في تكوين الهوية: يمارس اسم الفرد فعالية رمزية مؤثرة، لأن الاسم غالبا ما يحدد جنس الفرد وفقا لأغلب الثقافات، كما يرمز إلى صفات ومعاني يختزنها الفرد لاشعوريا في مختلف مراحل تكونه النفسي والاجتماعي. وهذا يعني أن الاسم الدال على الجنس يرسخ رمزيا في الوعي الفردي نواة الهوية ومركزيتها. ومن المهم في هذا السياق معرفة الدور الكبير الذي يمارسه النسق الرمزي في علاقته مع التحديات التي يواجهها الفرد عبر مسارات الحياة اليومية عبر الزمن. فالفرد يرسم نفسه عبر تجاربه الحية في الحياة وعبر علامات راسخة ونقاط علام أساسية توجه مسار حياته نفسيا ورمزيا، وهنا فإن كل المعايير والدلالات التي تثبت وتقاوم الظروف الزمنية تشكل محورا أساسيا للهوية حيث يرمز الثبات إلى انتصار الأنا والذات في مواجهة الموت والعدم. فالفرد، عندما يريد أن يعزز شعور الهوية والإحساس بالأنا، يعمل على تزكية قيم أخلاقية مرجعية لتشكل مصدرا للسلوك والفعل لديه. وهذه القيم تعطي سلوكه طابع المشروعية التي تؤكد وحدة الشخصية وتماسكها، ومن هنا يمكننا أن ندرك أن عملية اكتشاف الهوية وتنميتها ترتبط جوهريا بالعقائد الدينية والفلسفية؛ كأن يكون المرء مسلما أو مسيحيا أو عقلانيا أو ملحدا. فالإنسان كائن اجتماعي ينزع أن يكتشف نفسه بطريقة مميزة غالبا ما تكون رمزية، ووفقا لذلك فإن الفرد يحمل في ذاته هوية الجماعة التي ينتمي إليها عبر تدفق هائل من الرموز والإشارات والمعاني التي توجد في البيئة الثقافية للجماعة التي ينتمي إليها. لا يولد العنف الرمزي ضد الجماعات الهامشية بالضرورة من السلوك المتعمد والمقصود. وإذا كانت هناك أفعال ومقولات، تهدف بصورة متعمدة إلى ازدراء الآخر وإهانته، فهذه الأفعال والأعمال تكون من نمط آخر مختلف تماما. فالآلام التي تتعرض لها الهوية لا تقف عند حدود احتقار الذات، إذ يمكن أن تتجاوز ذلك إلى عملية تدمير المرجعيات الأخلاقية والقيمية التي تؤكد الهوية وترسم أبعادها. العنف الرمزي بالتبخيس: كل تأكيد للذات في الحياة – كما يعتقد جورج ميد George Mead – يتضمن أحكاما قيمية ضرورية، ومهما يكن الأمر، فإن الهوية تتشكل جوهريا عبر العلاقة بالآخر، وهذا بالضرورة يقتضي تصنيفا اجتماعيا للناس في طبقات ومراتب وفقا لمعايير الأعلى والأدنى. فبعض الجماعات تنزع إلى إظهار معايير ومؤشرات تفوُّقها، وهذا يشكل موقفا مكروها ومرفوضا من قبل الجماعات الأخرى. فالأيديولوجيات الطبقية التي تتعلق بالطبقات الارستقراطية العليا أو النخبة أو البرجوازية أو الطبقة المتوسطة التي تحمل رسالة حضارية تصنف جميعها في هذه الفئة الاستعلائية. فالتبخيس والازدراء وتهميش الهوية أمر صادم ومدمر، ويمثل عملية اغتصاب لقيمة إنسانية ضرورية لتوازن المجتمعات الديمقراطية القائمة على مبدأ المواطنة. ففي المجتمعات الأوروبية يوجد اليوم رفض صريح للخطاب العرقي والسلوك التعصبي والتمييز الذي يستهدف الجماعات وينال من قيمتها وشخصيتها وأركان هويتها المتعلقة بالأصل والعرق والدين والجنس. فالتبخيس والتهميش يتم عبر الإهانات والتحقير والتصغير والتشهير والتمييز وهي أفعال تمييزية تنتقص من قيمة الفرد وتدمر مرجعيات هويته الإنسانية. لقد دأبت السياسات الاستعمارية على توظيف هذا النوع من التبخيس والتدمير الثقافي للهوية ضد الشعوب المستعمرَة، وذلك تحت ذريعة التنوير والتبشير والديمقراطية. ويمكن تصنيف تسميات: بلدان العالم الثالث، البلدان النامية، بلدان الجنوب، البلدان المتخلفة، تحت هذا العنوان التبخيسي للهوية. ومما لا شك فيه أن هذه التسميات وغيرها، التي أطلقت على الشعوب المغلوبة، تمثل أحكاما قيمية غامضة تبخيسية بذاتها، وترمز إلى تقدم المجتمعات الغربية وتفوقها. في البلدان الغربية تتشبع السياسات الاجتماعية التي اتخذت لمساعدة الفئات المهمشة والضعيفة، مثل: العاطلين عن العمل، والمعوقين، والمهجرين، والفقراء، بأحكام قيمية مدمرة لمرتكزات الهوية الاجتماعية لهذه الفئات. فالحياة في الأحياء الفقيرة، في ظل غياب مريب للخدمات الاجتماعية، تشكل شاهدا على عملية تدمير مرتكزات الأنا والهوية ؛ حيث تهمل هذه الأحياء من قبل المؤسسات السياسية والإدارية عمدا، ويتعرض سكانها لعملية تبخيس دائم ومستمر، يؤدي في النهاية إلى استبطانهم الإحساس بالدونية، وفقدان القيمة الإنسانية، وعدم الأهلية. فالنزعات: القومية، والعلمانية، والاشتراكية الثورية، والليبرالية، تمثل تيارات وقوى سياسية، عملت على نشر أيديولوجيات شمولية، ترتكز في جوهرها إلى ثقافة تعصبية مهينة، ولكنها فعالة في مجال الحياة السياسية، إذ يجد الخطاب التبخيسي في تلك الثقافة السياسية الجديدة مصادره، ويأخذ مداه، ويمارس تأثيره بقوة واضحة المعالم. لقد أدت الحروب الأهلية في أوروبا، في القرن العشرين، إلى إيقاظ وعي عام جمعي مضاد لثقافة التبخيس والكراهية إزاء مختلف التكوينات العرقية والجماعات الهامشية والأقليات في تلك البلدان. وعلى خلاف ذلك فإن التصورات التي ترمز إلى دولة الرفاهية والتقدم والرفاه الاقتصادي قد عززت فكرة التصنيفات الغامضة التي تأخذ طابعا لا يخلو من التبخيس المبطن الذي تعاني منه الفئات الاجتماعية المهيضة والمهمشة. ووفقا لهذا المقياس يتم الحكم على دونية المهاجرين، الذين تدفقوا إلى أوروبا، في النصف الثاني من القرن العشرين؛ وبحكم الظروف السائدة آنذاك، وجد هؤلاء المهاجرون أنفسهم بالضرورة في وضعية تبخيس وازدراء، وشكلوا موضوعا للكراهية والتعصب من قبل السكان الأصليين، وهذا بدوره أثر كثيرا على تدمير مكونات الهوية الثقافية لديهم. تدمير المرجعيات الثقافية: تأخذ الثقافة وضعية رمزية وهي في حقيقة الأمر تشكيل رمزي. ومن هذا المنطلق يعرفها سلزنك ” بأنها، أي: الثقافة، كل شيء يتم إنتاجه عن طريق الخبرة الرمزية المشتركة وله القدرة على مساندتها “([3]). نعني بالمرجعيات الثقافية للهوية منظومة من المعايير والقيم والمشاعر الأساسية والتصورات التي تسمح للفرد بأن ينتمي إلى ذاته، ويشعر بتماسك هويته، ويأخذ وضعية محددة في العالم الذي يعيش فيه، وفق مخطط من التصورات والمشاعر والمعايير التي تتسم بالوضوح والوحدة والتكامل، وهذه التصورات، تشكل بدورها المحددات الثقافية والتربوية، التي تمكّن الفرد من أن يرسم نسقاً من الفعاليات التي تسمح له بعملية التكيف والاستمرار بوصفه وجودا وذاتا وهوية، في عملية تفاعله مع مختلف مثيرات وظروف الوسط البيئي الإنساني والاجتماعي والثقافي الذي يحتضنه. وهذه المرجعيات تسمح للفرد على سبيل المثال أن يقدم إجابات واضحة حول قضايا وجودية وحيوية لعلاقاته بالوسط والآخر، حيث يفرض المرء، بالاستناد إلى شروط وجوده، مخططا واضح المعالم للحياة والوجود يحدد من خلاله مختلف المعايير التي يعتمدها في وجوده واستمراره وتكيفه؛ وتكون هذه المعايير نقاط علام بارزة في مسار التكيف والاستمرار والوجود، من مثل: ما الأشياء التي تخصني؟ وما التي تخصك أنت؟ من خصومي؟ من أعدائي؟ كيف أفرض نوعا من الأمن الذي يتعلق بوجودي وكينونتي؟ مع من أتضامن وإلى من ألجأ ساعة الخطر؟ ما أنماط السلوك المشروعة وغير المشروعة التي يمكن أن أؤديها؟ ما الأمور المرغوبة التي يفضل أن أقوم بها؟ ما الأشياء المهمة وغير المهمة التي يجب الاهتمام بها؟ ما الأمور التي يمكن أن تثمن عاليا؟ وما تلك التي تكون هامشية؟ ما المقدس وما المدنس في الحياة؟ ما الغاية وما الوسيلة في الوجود؟ هذه الأسئلة وغيرها تشكل مسار وحدود المرجعيات الخاصة بالهوية التي تشكل نواة الوجود والهوية والإحساس بالأنا والتمايز الثقافي. وفي هذا الخصوص يمكن القول: إن أي خلل، أو ضرر، أو تدمير، يصيب هذه المرجعيات، سيؤدي بالضرورة إلى عملية هدم للهوية ذاتها، وهذا يتم تحت تأثير مجموعة من العوامل والتأثيرات المقصودة وغير المقصودة، التي تشكل نوعا من العنف الرمزي المدمر للهوية. فأي تبخيس واستصغار وإشعار بالدونية، وأي أحكام سلبية رمزية تباشر هذه المكونات الأساسية للهوية، يمكنها أن تشكل خطرا على مكونات الهوية ووحدتها. والأمثلة على هذا النوع من العنف الرمزي تتعدد وتتنوع بتعدد وتنوع الديناميات النفسية الاجتماعية. ويمكن القول هنا: إن الشكل الأول للعنف الرمزي يتجلى في الخلل الذي يعتري الوسط العاطفي والانفعالي المرجعي للفرد، وهذا هو الخلل الذي أفرزته الحداثة الغربية التي عملت على هدم المرتكزات الرمزية للأديان السماوية، وهذا بدوره شكل فوضى قيمية كبيرة في مجال الإحساس بالهوية الدينية. فالمؤمنون اليوم يعيشون في عالم انقلب فيه نسق الأسباب والمسببات فحلت السببية العلمية مكان السببية الإلهية، وحلت فكرة التقدم العلمي مكان العناية الإلهية، وتركت فكرة الكمال الإلهي مكانها للأخلاق العملية وأدى هذا كله في النهاية إلى التباس الهوية واضطرابها. فالجماعات المهمشة، ولاسيما الأقليات، تعلن رفضها لكل ضروب القهر الرمزي والأخلاقي حفاظاً على هويتها، وهي تعمل في الوقت نفسه على مهاجمة هؤلاء الذين ينتهكون قيمها وتصمهم بالخيانة والعار. وهذه الحالة الدفاعية لا تلغي مع ذلك قلق هذه الجماعات وخوفها، وقد تدفع هذه الوضعية بهذه الجماعات إلى الانغلاق العقائدي لتعزيز أفكارها وتصوراتها لدى أفرادها والمنتسبين إليها، وهي تفعل هذا وفق آلية التغذية الذاتية العفوية حفاظا على مكونات هويتها التي تتعرض للضغط والفوضى بتأثير عوامل الصدمة مع معتقدات الآخر وأنماط وجوده. والشكل الأكثر تطرفا لهذا النمط من العنف الرمزي يتمثل في عملية تدمير الرموز، ولاسيما الرموز الدينية تعبيرا عن رفض كل ما يتصل بالعقائد الدينية حيث يتم تدمير المقدس وانتهاكه ولاسيما في المعابد والمراكز الدينية. ويشهد العالم المعاصر تنامي أشكال مختلفة من العنف الرمزي الذي يستهدف مرجعيات الهوية وأسسها المركزية، وهذه الأشكال ليست نوعا من التبشير الكلاسيكي الموسوم بالعنف، الذي يفرض نفسه بقوة المؤسسات الكبرى، مثل هذا الذي مارسته الكنائس التبشيرية. وفي النهاية يمكن القول بأن النتائج السياسية لهذا العنف الرمزي تكون على درجة عالية من القوة والتأثير، حيث يؤدي هذا العنف إلى ثقافة المتاريس، أو إلى التمترس الثقافي، كما يؤدي إلى توليد التناقضات والتوترات في مكونات الهوية، أي إلى الفوضى الأخلاقية وفقا لمفهوم “الأنومي” عند دوركهايم، إذ تكمن خطورته في دفع الجماعات المهمشة إلى استبطان مشاعر الدونية، واستصغار الأنا، وازدراء الذات، وتبخيس الهوية، كما يؤدي أحيانا إلى توليد مشاعر النقمة واللجوء إلى العنف عبر التماهي بسلوك المتسلط أو الجلاد. ومن المؤكد أن العنف الرمزي يؤدي إلى تعزيز وتوليد العنف الفيزيائي، وهو عنف يؤدي إلى تجاوز الحصانة القانونية والمعايير الأخلاقية التي تعمل على حماية الجماعات القوية أو المهيمينة ([4]). الطاقة الاستلابية للعنف الرمزي: يشترك الضحايا والجلادين في التصورات الاستلابية نفسها عن العالم ويؤمنون معا بكل المقولات والمفاهيم والتصورات التي تضع الإنسان في أقفاص المذلة والمهانة والاستلاب. ونحن عندما نتأمل في الأفكار الاستلابية ضد الفئات المهمشة نجدها خرقاء عمياء جوفاء في جوهرها ومضمونها حيث لا تؤيدها الحجج العقلية ولا يرأبها المنطق الذكي. فالعنف الرمزي اشد أنواع العنف الاستلابي الموجه ضد الإنسان خطورة وفتكا وهو نوع من العنف الثقافي الذي تشكل عبر مئات السنين من تاريخ الإنسانية. وفي مجتمعاتنا العربية يشكل الإنسان موضوعا للعنف الرمزي في الممارسات الثقافية والتربوية السائدة في حياتنا الاجتماعية، ويتميز هذا العنف بقدرته الهائلة على التخفي وراء الرموز والدلالات والمعاني كما يتميز بقدرته على التغلغل العفوي في الوعي على صورة عدوانية مضمرة ضد المرأة والطفل والفئات الهامشية. ويتجلى العنف الرمزي ضد الفئات الاجتماعية المهمشة في نسق من متدفق الإشارات والدلالات والرموز السلبية التي تستلب الإنسان وتحاصره دون أن تأخذ هذه المعاني والرموز صورة واضحة صريحة بشحنتها العدوانية التي تضع الإنسان المهمش في قفص الاتهام الرمزي. ولو أخذنا الاستلاب الرمزي الموجه ضد المرأة على سبيل المثال لا الحصر لوجدنا نسقا رمزيا بفيض لا حدود له من الصفات والسمات السلبية التي تأخذ المرأة إلى مرابض التوحش والجريمة والغواية تحت عنوان الطبيعة الشريرة للمرأة. فالمرأة وفقا لهذا النسق تتصف بالخبث والكذب والسحر والفتنة والعار والغطرسة والخفة وضعف العقل والخيلاء والغواية والشيطنة حيث هي باختصار مصدر كل شر وفساد وبلية وشكوى تحلّ بالإنسان بالمجتمع. يتميز العنف الرمزي في ثقافتنا بقدرته على التخفي والانسياب في العقل دون أن يشعر ضحاياه بهذه القوة التي تخضعهم أو تستلبهم. فهو أشبه بالتيارات البحرية التي تأخذك إلى أعماق البحار وأنت ما زلت تعتقد أنك في المكان الذي كنت فيه لم تغادره. فالعنف الرمزي قوة تتغلغل فينا وتبرمجنا بصورة لاواعية فتجعلنا وكأننا نخضع لأنفسنا وليس لقوة خارجية اخترقت جدار وعينا واستقرت في عقولنا الباطنية. باختصار إننا نستبطن رموز هذا العنف بطريقة تبدوا لنا وكأنها قيما كبرى يجب أن نتبناها وندافع عنها، وخير مثال على ذلك دفاع العبد عن سيده ، والضحية عن مفترسها، والمرأة عن رجلها الذي يمتهن كرامتها، لأن العنف بطاقته الرمزية تغلغل في أعماقنا واستقر في عقلنا الباطن، فأخذ يبرمجنا من الداخل من العمق، مع أنه في الجوهر نابع من مصادر خارجية. باختصار إنه أشبه بالأفيون الذي يسيطر على ضحاياه ويدمرهم من الداخل دون يشعروا به، وصاحب العنف الرمزي أي من يروج له ويصنعه أشبه بمروج المخدرات الذي ما أن يدفع ضحاياه لتذوقه حتى يصبح قوة داخلية تسيطر عليهم وتدمرهم إلى حين. والمرأة من أكثر الفئات الاجتماعية تأثرا بالعنف الرمزي الذي تتشبع برموزه وسمومه في مراحل طفولتها ونشأتها وشبابها حتى تصبح أكثر الفئات الاجتماعية إحساسا بالدونية واقتناعا بها فهي أكثر من يؤمن بطبيعتها الشريرة المزعومة وأكثر إيمانا بأنها دون الرجل وأكثر اندفاعا في مهاجمة حقوقها ومهاجمة الرجل الذي يدعو إلى تحريرها. وهذه التصورات ليست حكرا على عالم الرجال بل تحتل مكانها في عقل المرأة ووعيها وهذا يمثل قمة الاغتراب وغابة الاستلاب الإنساني. فالمرأة بذاتها تدرك هذه التصورات وتتمثلها في كثير من الأوقات حتى أنها تجد مبررا لخطاياها وعيوبها تحت عنوان ضعف المرأة وغوايتها وقابليتها للإغواء. فالمرأة تخضع لنوع من الاستلاب الرمزي الذي يفرغها من مضمونها الإنساني ويحرمها من امتيازاتها الأخلاقية والاجتماعية، وما يجري على المرأة في تعرضها للاستلاب الرمزي يجري على الفئات الهامشية الدنيا في المجتمع، مثل الأطفال، والجماعات العرقية، والطبقات الاجتماعية الدنيا مقارنة بالطبقات العليا والوسطى. خلاصة: يقول المفكر الفرنسي بول ريكو Paul Ricœur إن ” العنف الرمزي يتجه في مساره، بوضوح أو بغموض، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، إلى السيطرة على الآخر والهيمنة على مقدرات وجوده ([5]). فكل عنف وفقا لتصور ريكو هو اعتداء على إنسانية الآخر، وبالتالي فإن أي عنف يشكل عملية ضرر وأذى موجه ضد الآخر، وهذا يتضمن رفض الاعتراف بوجود الآخر وإنسانيته أيضا. فالرغبة في إقصاء الخصم وإبعاده إلى دائرة الصمت، ومن ثم العمل على إلغائه تتحول إلى إرادة طاغية تتجاوز حدود الرغبة في المصالحة معه وبناء التوازن. وهنا تتعدد أشكال العنف وصيغه التي تبدأ بالإهانة والاحتقار والإذلال لتصل عبر التعذيب إلى الموت والإفناء. ووفقا لهذه الوضعية يمكن القول إن النيل من كرامة الإنسان والطعن في أهليته الإنسانية يشكل طعنا في وجوده وكينونته، ونيلا من حريته وكرامته. ولذا فإن فرض الصمت على الآخر هو صيغة من صيغ العنف، كما أن حرمان الإنسان من حرية الكلام، يعني حرمانه من حق الحياة نفسها. فالظلم الذي يحيق بالإنسان ضمن شروط اغترابية، تتمثل في الإقصاء والقهر، يشكل وضعية عنف مجسد ومجسم. فالعنف هنا لا يمثل كيانا ذاتيا قائما بذاته، بل يوجد في وسط اجتماعي محدد، حيث يتخذ هيئته وصورته بين الناس والبشر وخارجهم أيضا، ومع ذلك فإن الإنسان يبقى في النهاية المسؤول عن حضور العنف وممارساته المختلفة. والعنف الرمزي كما يرى سيمون وايل Simone Weil هو الفعل الذي يقوم به شخص ما لإخضاع الآخر وإفنائه، ولذا فإن ممارسة العنف حتى الحد الأقصى، تجعل من الإنسان مجرد شيء بالمعنى الدقيق للكلمة، ومثل هذا العنف القاتل يأخذ صيغا متنوعة فيما يتعلق بإجراءاته وأدواته ونتائجه. وإذ يقال اليوم إن العنف هو إساءة استخدام القوة والإفراط في توظيفها، فإنه لا غبار في القول: إن العنف يفوق ذلك ويتجاوزه؛ فالعنف بذاته أمر فظيع لأنه حالة اغتصاب لجسد الآخر وعقله ونفسه وكينونته الإنسانية. فكل عنف هو تعسف وفظاظة وتدمير وقهر، لأنه ينال من الإنسان ويستهدف كيانه الإنساني ويخترقه بالألم والمعاناة، كما يجرح ويدمي ويقتل الشخص الذي يقع ضحية له. ومن المفارقة بمكان أن الإنسان الذي يقع ضحية العنف يصبح هو نفسه قادرا على ممارسة العنف ضد الآخرين. والإنسان عندما يفكر في نفسه ويتأمل في ذاته غالبا ما يكتشف صورة العنف في أعماقه. والعنف لا يقتل الخصم فحسب بل يؤدي في نهاية الأمر إلى تدمير إنسانية الذي يمارسه في جوهر الأمر. أن يضرب المرء، أو أن يُضرب، أن يَعتدي أو يُعتدى عليه، فهذا يعني ارتكاب الخطيئة والخروج عن الصراط المستقيم. وفي أي حال من الأحوال فإن ممارسة العنف أو الخضوع له عملية تحول الإنسان إلى حالة التشيؤ وتدفعه إلى دائرة الاغتراب. وينزع العنف الرمزي إلى توليد حالة من الإذعان والخضوع عند الآخر بفرضه لنظام من الأفكار والمعتقدات الاجتماعية التي غالبا ما تصدر عن قوى اجتماعية وطبقية متمركزة في موقع الهيمنة والسيادة، ويهدف هذا النوع من العنف إلى توليد معتقدات وأيديولوجيات محددة وترسيخها في عقول وأذهان الذين يتعرضون لهذا النوع من العنف. فالعنف الرمزي ينطلق من نظرية إنتاج المعتقدات، وإنتاج الخطاب الثقافي، وإنتاج القيم، ومن ثم إنتاج هيئة من المؤهلين الذين يمتازون بقدرتهم على ممارسة التقييم والتطبيع الثقافي في وضعيات الخطاب التي تمكنهم من السيطرة ثقافيا وإيديولوجيا على الآخر وتطبيعه. والعنف الرمزي وفقا لذلك هو القدرة على بناء المعطيات الفكرية بالإعلان عنها وترسيخها، كما أنه القدرة على تغيير الأوضاع الاجتماعية والثقافية عبر عملية التأثير في المعتقدات وتغيير مقاصدها، وبناء تصورات أيديولوجية عن العالم تتوافق مع إرادة الهيمنة والسيطرة التي تقررها الحاجات السياسية لطبقة اجتماعية بعينها، فالعنف الرمزي تعبير عن حضور رأس مال رمزي يتجلى في صورة عناصر ثقافية (قيم، تصورات، أفكار، معتقدات، مقولات، إشارات، ورموز…الخ)، وبالتالي فإن رأس المال الثقافي ينزع إلى امتلاك السلطة الثقافية – أي المشروعية في الحضور والممارسة- وهذا يعني أن ممارسة العنف الرمزي مرهونة بوجود رأسمال رمزي، وبالتالي فإن هذا الرأسمال يُتوّج بسلطة رمزية تعبر عن مشروعيته، والمشروعية تعني هنا قبول هذه السلطة على أنها مشروعة وحقيقية من قبل هؤلاء الذين تمارس عليهم ([6]).
جامعة الكويت …………………… [1] – Pierre Bourdieu, Jean-Claude Passeron, Les héritiers. Les étudiants et la culture (1964), Paris, Minuit, 1985 ; La reproduction. Éléments pour une théorie du système d’enseignement (1970), Paris , Minuit, 1973 ; P. Bourdieu, La distinction. Critique sociale du jugement (1979), Paris, Minuit, 1996 ; La domination masculine, Paris , Le Seuil, 1998. [2] – P. Bourdieu, Le sens pratique, Paris, Minuit, 1980, p. 219. [3] – سعد جلال، علم النفس الاجتماعي، الاتجاهات التطبيقية المعاصرة، الإسكندرية، 1984. ص 29. [4] – Ph. Braud, « Violence symbolique, violence physique. Éléments de problématisation », dans Jean Hannoyer (dir.), Guerres civiles. Économies de la violence, dimensions de la civilité, Paris , Karthala-Cermoc, 1999, p. 33-45. [5] – Paul Ricœur, Histoire et vérité, Paris, Le Seuil, 1955, p. 227. [6]- Pierre Bourdieu Réponses. Pour une anthropologie réflexive, Seuil, Paris , 1992 , p.123.
مركز الشرق العربي المصدر : شبكة النبأ المعلوماتية- 8/5/2012م