الأتقياء الأنقياء الأخفياء..
أيها الأحبة الفضلاء: وصلني اليوم نعي الأستاذ الدكتور سيدي محمد السايسي رئيس المجلس العلمي بمكناس، والأستاذ السابق بكلية الآداب، شعبة الدراسات الإسلامية بمكناس..
فعظم الله أجرنا وأجركم، وغفر الله للفقيد وأسكنه فسيح جناته..
وهذا الرجل أحسبه والله حسيبه من الأتقياء الأنقياء الأخفياء، ذلك أنه اشتغل بالعمل الدعوي في سن مبكرة من حياته، ولازم العلامة الدكتور تقي الدين الهلالي رحمه الله ، واستفاد منه كثيرا، وخصوصا في الجرأة في بيان الحق إذا تعين بيانه، وكان الفقيد في بداية دعوته ذا حرارة شديدة، وعاطفة إيمانية جياشة، وحرص على هداية الناس غاية، فلا يترك مجلسا ولا مناسبة ولا مقاما إلا وتكلم مع الناس بما ينفعهم ، ورزقه الله قبولا في دعوته لصدقة وإخلاصه ، ثم لما جاءت الهجمة على الصحوة الإسلامية في الثمانينات، واختلط على أصحاب الشأن التمييز بين الدعاة الصادقين والدعاة المتكسبين، أو أصحاب النوايا السياسية المعوجة.. أوذي في الله مع من أوذي ظلما وعدوانا: سجنا أو تعذيبا، وإهانة، أو فصلا من وظيفة ، أو تضيقا في عمل..
ولما خرج من هذا البلاء، اشتغل بنفسه ، وبحدود المتاح في أمته، فكان أن أسس جمعية لبناء مسجد بحي المنصور الذي كان يسكن فيه، ويعتبر من المساجد الكبيرة بمكناس ، كما كان رئيس لجمعية أبي بكر المعافري لتحفيظ القرآن وتدريس علومه..
لكنه بقي منزويا، يحمل العاطفة الإيمانية في قلبه لم تخمد رغم البلاآت الكبيرة التي مر بها، وكان الأستاذ فريد الأنصاري- رحمه الله يحترمه ويقدره، ويثني عليه كثيرا، ويعلم له هذه السابقة في الدعوة والإصلاح..
ثم لما توفي الأستاذ فريد الأنصاري، اختار المجلسُ العلمي الأعلى ووزارةُ الأوقاف هذا الرجلَ ليكون رئيسا للمجلس العلمي بمكناس ، ولقد أحسنوا صنعا بهذا الاختيار، إذ الرجل تضرر ولم يطلب جبرَ ضررٍ ؛كما فعل أولئك القوم المتكسبون ببلائهم إن صح، أضف إلى ذلك أن المكانة العالية للدكتور فريد الأنصاري لا يستطيع أحد أن يسدها إلا رجل كالدكتور السايسي: شخصٌ معرضٌ عن الدنيا وعن المناصب، قلبه سليم لجميع الناس رغم اختلاف مشاربهم الإسلامية أو العامة، لا يتدخل إلا فيما يعنيه، والأهم أنه يعمل عقائدية صادقة لا يفتأ أن يفصح عنا كما دعت إلى ذلك ضرورة..
ولقد حضرت كلماتٍ له في مناسبات رسمية؛ فالرجل لا يعرف المخادعة في القول أو المداهنة؛ بل ينطق بالحق الصرف مع غاية الحكمة والبيان في القول..
كان رحم الله نعم الأستاذ، درسنا على يديده مجزوءة المذاهب الفقهية، شعبة الدراسات الإسلامية، على مستوى كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة المولى إسماعيل، بمدينة مكناس..
فرحم الله أستاذنا الدكتور محمد السايسي رحمة واسعة ، وأسكنه الله فسيح جناته، ورزق أهله وأحبته الصبر والسلوان …آمين آمين آمين..