محتويات المقال
1-في البدء كان البحث عن النموذج التنموي
. 2-وجاءت الجائحة
3-الجائحة بين الكشف عن أعراضها وكشفِها لأعراضنا
1.3-الجائحة والقطاعات غير المهيكلة
-الجائحة والإدراك الاجتماعي المعطوب2.3
الجائحة والتغير الانفعالي3.3
4.3 الجائحة وبزوغ دور الفاعل الاجتماعي 4.3
الجائحة والحاجة إلى العلم والمعرفة والاختراع 4.
الجائحة والحاجة إلى العلوم الإنسانية 1.4
الجائحة والحاجة إلى ثقافة رقمية فعالة 2.4
الجائحة والتعليم عن بعد في ظل الابتعاد3.4
-الجائحة وضرورة االجائحة والتعليم عن بعد في ظل الابتعاد3.4
الجائحة والكشف عن الهامش اللامفكر فيه 5.
الجائحة ووضعية المشردين بدون مأوى1.5
استمرار صندوق الدعم 2.5
-شيء ما ينقصُنا… خاتمة بصيغة البدء6
المصطفى شكدالي يكتب:
جائحة كورونا والبحث عن النموذج التنموي الجديد بالمغرب (1)
في الوقت الذي انطلقت فيه ورشة البحث عن نموذج تنموي جديد في المغرب، من أجل النهوض بعدد من القطاعات التي تحتاج إلى دعم وإصلاح، جاءت جائحة كورونا لتكشف عن أعراضها وأعراضنا، وأظهرت لنا جملة من النقائص والعيوب، التي رغم أننا كنا واعين ببعضها، فإننا لم نكن نوليها ما تستحق من عناية، ولم تكن قد توفرت لدينا بعد الشروط الناضجة لتداركها وإصلاحها، كما أبانت لنا هذه الجائحة عن عدد من الحاجيات الملحة، اقتصادية واجتماعية وعلمية ومعرفية وتربوية وتضامنية، يقتضي الحال أن تتم مراعاتها في سياق بحثنا عن النموذج التنموي الجديد.
في هذا المقال سنحاول إعطاء تشخيص لبعض من الأعطاب والحاجيات التي كشفت عنها جائحة كورونا، وسنقترح بعض الأفكار التي ربما قد تفيدنا لتقوية مناعتنا ضد كل الجائحات الكائنة والممكنة.
في البدء كان البحث عن النموذج التنموي
منذ الأشهر الأخيرة من سنة 2019، انخرط المغرب في البحث عن نموذج تنموي جديد ملائم للتطورات والتحولات التي عرفها المجتمع. ولعل الرغبة في البحث عن هذا النموذج التنموي يعود الى 13 أكتوبر 2017 في افتتاح الدورة البرلمانية، وذلك من خلال الخطاب الملكي السامي بهذه المناسبة. وبعد ذلك في 29 يوليوز من سنة 2018، جدد جلالة الملك من خلال خطاب العرش توجيهاته للسياسيين والمسؤولين للعمل على صياغة هذا النموذج التنموي المبحوث عنه.
بعدها بسنة، جدد جلالة الملك دعوته مرة أخرى في خطاب العرش لسنة 2019 لصياغة تصورات واقتراحات للعمل الفعلي، وتطبيق هذا النموذج التنموي الجديد، ولينتهي الأمر بتعيين هيأة استشارية مهمتها صياغة مقترحات وتصورات بشأن النموذج التنموي المبحوث عنه، وكان ذلك في شهر ديسمبر من سنة 2019.
وجاءت الجائحة…
في الوقت الذي كان البحث فيه جاريا في المغرب عن النموذج التنموي الجديد، كان العالم بأسره على أهبة استقبال ضيف غير مرغوب فيه. إنه فيروس كرونا المستجد، أو ما بات يعرف باسم كوفيد 19، والذي انطلق من الصين ليعم بقاع المعمور، مهددا السلامة الصحية للإنسان ، وفارضا عليه التباعد الاجتماعي كإجراء وقائي من الوباء، وتفاديا لنقل العدوى التي تحولت الى جائحة تهدد الوجود البشري.
هذه الجائحة، دفعت بمختلف الدول والمجتمعات إلى تغيير كل عاداتها الاجتماعية والاستهلاكية والتنظيمية والصحية. فقد أصبح أكثر من نصف سكان العالم يعيشون الحجر الصحي الإكراهي درءً واحترازا من انتشار الجائحة بين الحشود، خاصة في غياب لقاح بإمكانه الوقاية من هذا الفيروس غير المرئي. وبهذا الإجراء كان من الطبيعي أن تتعطل كل المصالح الخدماتية والاقتصادية والتواصلية المباشرة. انطوت كل الدول على نفسها وهي تبحث عن مخرج من مخلفات هذه الجائحة الوبائية، فتعطل التعاون الدولي بين الدول لتصبح كل واحدة منها تعطي الأسبقية لمجتمعها للخروج من الأزمة التي سرعان ما تحولت إلى أزمة اقتصادية، ألقت بظلالها على جوانب متعددة في مقدمتها الجانب النفسي-الاجتماعي.
وبالنسبة إلى المغرب، فإنه بادر مع حلول أول حالات العدوى بين ظهرانيه في منتصف شهر مارس من سنة 2020، إلى إغلاق الحدود وعزل البلد عن باقي العالم وفرض الحجر المنزلي وإقرار حالة الطوارئ الصحية، وكلها تدابير احترازية للحد من انتشار الجائحة والتخفيف من أضرارها. غير أن كل هذه الإجراءات، رغم انعكاساتها السلبية اقتصاديا ونفسيا واجتماعيا، كانت تحمل بين طياتها من الرسائل ما وجب التقاطها وتفكيك شفراتها وتفسيرها بالنسبة إلى النموذج التنموي الجديد المبحوث عنه. وكأن هذه الرسائل تقول: «لا يمكن لأي نموذج تنموي أن يتبلور إلا من خلال مواجهة الأزمات بطريقة إجرائية». فقد تكون الجائحة في شقها الوبائي (كوفيد 19) طارئة، استلزمت من المسؤولين السياسيين الكف عن البحث عن هذا النموذج التنموي الجديد، والمرور مباشرة لاتخاذ المبادرات الضرورية لمواجهة الجائحة بشكل استعجالي و”فعال”.
وعليه، هناك مجموعة من التساؤلات تطرح نفسها علينا بإلحاح، والتي يمكن صياغتها على الشكل التالي: ألم تكن الجائحة في شقها السياسي والاجتماعي واضحة للعيان قبل حلولها في شقها الوبائي؟ سؤال استنكاري يفيد؛ أن الجائحة الوبائية لم تقم بأكثر من تعرية الجائحة في شكلها الاجتماعي على مستويات متعددة، منها التعليم والصحة والهشاشة بمستوياتها المادية والفكرية. ألم نكن في أمس الحاجة، قبل حلول جائحة كورونا، إلى التضامن والتعبئة والانخراط الايجابي والإعلام التنويري والمرافق الصحية وتطوير الصناعة والتعليم وتقوية الروابط الأسرية والرفع من مستوى الادراك الاجتماعي واللائحة طويلة في هذا الصدد؟ أم أننا كنا مصابين بالعمى المنظم قبل حلول الجائحة الوبائية؟
لا شك أن في البحث عن النموذج التنموي الجديد، اقرارا ضمنيا بفشل النموذج ساري المفعول، والذي وجب الكشف عن نواقصه وقصوره بالبحث العلمي الميداني حتى نقوم بالقطيعة معه، تفاديا لإعادة إنتاجه في قوالب أخرى. ولقد أخرجتنا جائحة كورونا، نسبيا من العمى المنظم، لتعكس في مرآتنا سلوكاتنا التدبيرية السابقة بكل سلبياتها، وحتى نؤسس لأخرى لاحقة قوامها التعبئة المستمرة ترسيخا للفعل المستدام، وتفاديا لممارسة الاستعجال في التدبير والخروج من ديمومة المؤقت.
المصطفى شكدالي يكتب عن جائحة كورونا و البحث عن النموذج التنموي الجديد بالمغرب..
2- الكشف عن الأعراض
جاءت الجائحة، ليس فقط للفتك بالإنسان، وإنما كذلك للدفع بهذا الأخير، بطريقة غير مباشرة، إلى إعادة النظر في أسلوب حياته الموغل في الاستهلاك إلى درجة أصبح فيها معنى الوجود لديه مقرونا بمنتوجات استهلاكية.
إن إقرار الحجر المنزلي والطوارئ الصحية وإيقاف التنقل بين الدول والمدن كلها إجراءات إكراهية ملزمة، أخرجت الانسان من أسلوب حياته الاستهلاكي اليومي ودفعت به دفعا نحو العودة الى الذات والبحث في منعرجاتها عن أسلوب جديد للتكيف مع واقع الجائحة.
فإذا كانت هذه الأخيرة موضوعا للكشف الطبي الوبائي، فإنها في المقابل كشفت، بالموازاة مع ذلك، عن عيوب علاقاتنا الاجتماعية الموبوءة بفعل تشييئها للقيم الاجتماعية، وجعلها في المزاد العلني للبيع والشراء. وهو ما يعني أن الكشف عن كورونا في أجساد مصابين بهذا الفيروس جاء متزامنا مع الكشف الذي قامت بها هذه الأخيرة، ضمنيا، عن اختلالات متعددة في مقدمتها ادراكنا المعطوب لممارسة الحياة، والتهافت الدائم للظفر بالمقتنيات وحب المظاهر في غياب مظاهر الحب.
الجائحة والقطاعات غير المهيكلة
وبالرجوع إلى المغرب، فرغم التعبئة و التدابير الاحترازية والحجر الصحي وكل الجهود التي قامت بها الدولة لمحاربة الجائحة، فإن ذلك كله لم يمنع من الكشف عن اختلالات تخص بالأساس التراتبية الاجتماعية على مستوى الهشاشة والفقر وحجم القطاعات غير المهيكلة وعدم توفر التغطية الصحية وغياب الضمان الاجتماعي لفئات كبيرة من المجتمع.
إن إحداث صندوق كورونا لدعم الفئات الاجتماعية الهشة، بقدر ما هو عمل يحمل معاني التآزر والتضامن الاجتماعي، فإنه يِؤشر كذلك على وضعية اقتصادية هشة.
فبالرجوع إلى ما صرح به وزير الاقتصاد والمالية يوم 27 أبريل 2020 قائلا: “إن 4 ملايين و 300 ألف أسرة تعمل في القطاع غير المهيكل ستستفيد من دعم الصندوق الخاص بتدبير جائحة كورونا المستجد (كوفيد 19)” ، سنجد أن الأمر يتعلق باعتراف ضمني بحجم الجائحة في شقها الاجتماعي قبل حلولها الوبائي. فإذا افترضنا جدلا أن كل أسرة تتكون من ثلاثة أفراد، فإن الرقم سيتضاعف ليصبح 12 مليون و 900 ألف من المواطنين يعيشون من إيرادات اقتصادية غير مهيكلة، وهو ما يعادل ثلث سكان المجتمع المغربي،ناهيك عن الفئات الأخرى التي بدون عمل ولا أي مداخيل قارة.
هكذا، كشفت الجائحة المستور، لتدفع بنا إلى التساؤل من جديد: أين كانت سياساتنا الاقتصادية والاجتماعية من مسألة القطاعات غير المهيكلة؟ وهل بعد زوال الجائحة في شقها الوبائي ستستمر في شكلها الاجتماعي وكأن شيئا لم يقع؟ ألسنا الآن في موقع المُلزم بتصحيح هذا الوضع ونحن نبحث عن نموذج تنموي جديد؟
إن كشف جائحة كورونا لهذا الخلل الاقتصادي والاجتماعي المرتبط بالقطاعات غير المهيكلة أفضل من الاقتراحات التي تتم في هذا الصدد داخل غرف مكيفة وبعيدا عن ما جادت به جائحة كورونا من دروس سياسية- إجرائية وما تحمله من أبعاد نفسية-اجتماعية وثقافية ترفع من قيمة المواطن نحو العيش الكريم والمساهمة في إغناء المجتمع.
المصطفى شكدالي يكتب عن.. جائحة كورونا و البحث عن النموذج التنموي الجديد بالمغرب..
3- الإدراك الاجتماعي المعطوب
ارتبطت فترة الحجر الصحي خلال هذه الجائحة بالتباعد الاجتماعي وما رافق ذلك من تعبئة إعلامية وأمنية تحُث المواطنين على البقاء في البيت وعدم مغادرته إلا في الحالات الضرورية. ورغم كل الجهود المبذولة لبلوغ هذه الغاية، لاحظنا في مناسبات متعددة عدم الامتثال للبقاء في البيوت وخرق للحجر الصحي تحت مسببات تكاد أن تكون واهية.
وعدم الامتثال هذا يؤشر، من الناحية السيكولوجية، على غياب إدراك المخاطر والتعامل معها بمنطق التصورات النمطية المكتسبة، مما يحول دون عملية التكيف مع واقع الجائحة. هنا كذلك، يمكننا الوقوف على نوع من الهشاشة الفكرية التي ترسخت بفعل غياب سيادة الفكر النقدي الذي يتيح للأفراد التلاؤم والتوافق مع ما يمليه واقع الحال، والابتعاد عن السلوكات التنافرية التي تشوه الواقع، حتى يتوافق مع معتقداتها النمطية المكتسبة.
إن الهشاشة الفكرية-الإدراكية التي بدت واضحة للعيان من خلال الجائحة، تؤشر في العمق على إفلاس نظم التربية والتنشئة الاجتماعية على مستوى التعليم المدرسي، وكذلك على مستوى التنشئة الأسرية. وهو ما يعني أن البحث عن النموذج التنموي الجديد لابد أن يمر من خلال بناء شخصية الإنسان الأساسية، بعيدا عن التراتبية الاجتماعية التي تعرفها كل من المدرسة والأسرة.
فواقع الحال اليوم يُظهر لنا أن التعليم المدرسي الممارس بالمجتمع المغربي هو تعليم تراتبي بين المدرسة العمومية والخصوصية ومدرسة البعثات الأجنبية. والفوارق في الإمكانيات والمحتويات لهذه المدارس كفيلة بتنشئة معطوبة لا ترقى إلى مستوى تكوين الشخصية الأساسية لأبناء المجتمع الواحد رغم الفوارق الاجتماعية.
فإذا كانت الجائحة كحدث غير مسبوق، يتطلب من الأفراد مهارات نفسية- توازنية جديدة لم تكن في الحسبان، فإن إدراكهم المعطوب نتيجة لغياب تعليم وتنشئة اجتماعية يمتازان بالدينامية وفهم الواقع والوقائع في سياقاتها، لن يمكنهم من تحويل ما اكتسبوه على المستوى الذهني لمسايرة مخلفات الجائحة على المستوى النفسي-الاجتماعي. لذلك وجب الاستثمار في الإنسان وتكوينه معرفيا، وذلك بجعله في مركز الغايات الكبرى للمشروع المجتمعي المبحوث عنه من خلال النموذج التنموي الجديد. فلا فائدة من تنمية لا تجعل من الإنسان وتطوير إدراكه الوسيلة والمطلب.
الجائحة والتغير الانفعالي
مع انتشار الجائحة وتمديد فترات الحجر الصحي، تعالت أصوات عبر مواقع التواصل الرقمي تنادي بالتغير، والإقرار بأن هذا التغير قد حصل بالفعل، وأن الآتي لن يروم إعادة الماضي. وفي المقابل ظهرت سلوكات انتكاسية تشيد بالحياة الماضية والرغبة في العودة إلى الماضي. خطابات متنافرة لم تصدر فقط من عامة الناس ولكن كذلك من خلال تعاليق النخبة عبر برامج حوارية ومحاضرات افتراضية ورقمية.
إن الرغبة في التغير بالتعبير عنه سواء نحو الآتي أو بالرجوع إلى ما قبل الجائحة، هي في العمق رغبة تعبر عن الانفعال أكثر منها تعبيرا عن الفعل. ومن هنا، لا يمكن لأي نموذج تنموي جديد أن يبني تصوراته للتغير على الانفعالات مادام التغير المنشود يجب أن يخضع لعملية بنائية هدفها ترسيخ الفعل وليس الانفعال. والتغير بهذا المعنى يتحدد في عمليتين متصلتين، وهما التغير المؤسَس والتغير المؤسِس.
وهو ما يعني أن التأسيس للتغير يتطلب بناء النماذج التي تتحول إلى قدوة ومطلب لدى الأفراد، خاصة الشباب منهم، ليؤسِس لديهم النهج الذي يجب اتباعه نحو الخلق والإبداع والمساهمة في الرفع من الإنتاجية الاجتماعية، ليس فقط في المجال الاقتصادي، ولكن كذلك في تطوير المعرفة الاجتماعية التي تساعدهم على فهم الواقع والتفاعل الايجابي معه. وهذا العمل لن يتأتى إلا بإعادة النظر في النماذج التي يُروج لها في ميادين السياسة والفن والثقافة.
الجائحة وبزوغ دور الفاعل الاجتماعي
كما حصل في جميع الدول، عرف المغرب بحلول الجائحة ظهور فئات اجتماعية أصبحت في الصفوف الأمامية لمواجهة الوباء والعمل على مساعدة الآخرين وتوجيههم للوقاية من مخاطر العدوى. وبظهور هذه الفئات توارت إلى الخلف النماذج الفجة التي كانت تحتل الواجهة كنموذج مبتذل أخذ موقع الريادة دون قيمة مضافة للمجتمع، بل على النقيض كان يساهم في نشر ثقافة الإسفاف والاستخفاف.
إن الجائحة جعلت من الأطباء والممرضين والأطقم الطبية أبطالا في الصفوف الأمامية حيث أصبح دورهم بارزا لدى الجميع، لا يمكن تجاوزه أو القفز عليه. لقد كشفت لنا الجائحة الحاجة الماسة لوجود الأطباء كشرط أساسي من أجل ممارسة الحياة، وبالتالي تطوير قطاع الصحة والعناية به وجعله تاجا فوق رؤوسنا جميعا. ذلك أنه من المستحيل أن نبلور نموذجا تنمويا جديدا في غياب مواكبة صحية جيدة تليق بمقام المواطن المستهدف بالتنمية المبحوث عنها.
وكما هو الحال بالنسبة للأطقم الطبية، ظهر جليا دور رجال النظافة في تعقيم الأمكنة والمساحات التي تشهد تحركات مكثفة والتخلص من النفايات، فكان لدور هذه الفئات الأثر الايجابي في خدمة المجتمع ومحيطه الايكولوجي.
كما أن رجال السلطة وأعوانها والأجهزة الأمنية بكل فروعها، تحولت لمؤازرة المواطنين وتأطيرهم ومواكبتهم في عملية الحجر الصحي، حيث حولت الجائحة الدور المختزل لرجل السلطة في الحفاظ على النظام العام واستتباب الأمن إلى دور أرقى وأسمى وهو دور التعبئة والتأطير والإرشاد. مما جعل هذا الدور يتحول من شعار الى فعل. فكيف السبيل إلى ترسيخ الدور الجديد لرجل السلطة في نموذج تنموي جديد يتحول بموجبه الى فاعل اجتماعي مواكب للتعبئة في مواجهة الجائحة، ليس فقط في جانبها الوبائي، ولكن كذلك في جانبها الاجتماعي لما بعد جائحة كورونا؟
ومع الجائحة، توقفت المدرسة ولم يتوقف التدريس، فظل المدرس في محرابه يقدم دروسه عن بعد، عبر منصات التواصل الاجتماعي الرقمي ليعزز دوره كفاعل اجتماعي له الأثر الأوفر في بناء العقول، والمساهمة في عملية التعليم والتعلم. لقد أظهرت الجائحة الدور الريادي للمدرس كعنصر أساسي لا يمكن التخلي عنه في عملية بناء الإنسان،والتي تعتبر الرُكن الأساسي لكل نموذج تنموي غايته خدمة المصالح العليا للأفراد و للمجتمع على حد سواء.
ومع البدايات الأولى للجائحة، تحول الإعلام، في جزء كبير منه، إلى التعبئة ومحاربة الأخبار الزائفة التي تناسلت على مواقع التواصل الاجتماعي الرقمي، والتي كانت تسعى بسوء نية إلى نشر ثقافة الرهاب وفبركة معلومات للتأثير السلبي على المواطنين وهم في وضعية الحجر الصحي.
فالمتتبع للقنوات التلفزية والإذاعية، الرسمية وغير الرسمية، فُوجئ وهو يلاحظ استضافة المفكرين والعلماء والمتخصصين لأخذ الكلمة وتقديم شروحات وتعاليق لتنوير الناس، ليس فقط لتقديم معلومات حول طبيعة الجائحة الوبائية، وإنما كذلك لمرافقتهم بالفهم والتفسير لمضاعفاتها النفسية-الاجتماعية التي خلفتها وضعية الحجر الصحي.
وهنا، لابد من طرح السؤال؛ لماذا غاب دور الإعلام كفاعل اجتماعي ولم يتخذ مكانته كاملة، إلا جزئيا، في التعبئة الاجتماعية قبل حلول الجائحة الوبائية؟ ولماذا لم يساهم بالشكل اللائق في بناء معرفة اجتماعية تساهم في تنشئة الأفراد والرفع من مستوى إدراكهم المعرفي؟ قد تكون كل هذه الأسئلة من البكائيات على ما مضى وأن الأهم هو أن نتوجه نحو المستقبل. غير أن المنطق يقول؛ إن الذي لا يعرف من أين أتى سيجد نفسه في مكان مجهول أو بلغة الفيلسوف الألماني جورج فيلهلم فريدريش هيغل : “إن كل من لا يعي تاريخه، سيجد نفسه مجبرا على إعادة الماضي”. ويبقى سؤال المستقبل في مسألة الإعلام، هو كيف يمكن للنموذج التنموي المبحوث عنه أن يجعل من الإعلام رافعة لتحدي الجائحات القادمة وتجاوزها بإنتاج محتويات تساهم في إدراك المخاطر والدفع بأفراد المجتمع إلى التأقلم معها؟
مصطفى الشكدالي يكتب.. جائحة كورونا و البحث عن النموذج التنموي الجديد بالمغرب
4- الحاجة إلى العلم والمعرفة
الحاجة إلى العلم، من أهم الحاجيات التي كشفت عنها الجائحة، ليس فقط بالمغرب ولكن في كل بقاع العالم، حيث أصبح البحث عن علماء مختصين في علم الأوبئة مطلبا لكل الدول لإيجاد لقاح مضاد لجائحة كورونا.
وأصبح واضحا للعيان أن كل نجوم السينما وكرة القدم والغناء ليس بوسعهم تقديم أي شيء من أجل إنقاذ البشرية من هلاك وفتك الجائحة.
وبذلك اتجهت الأنظار نحو البحث عن العلماء لتطوير لقاح وأدوية للوقاية والعلاج من الفيروس المستجد. ولعل الحدث البارز على هذا المستوى، هو تعين رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب للعالم الأمريكي من أصول مغربية منصف السلاوي على رأس الفريق العلمي المكلف بالبحث عن لقاح للجائحة.
لقد اكتشف المغاربة بعد تعيين منصف السلاوي من طرف البيت الأبيض، أن العلماء على هذا المستوى من التميز ليس حكرا على الغرب، خاصة أن السلاوي قبل أن يصبح عالما مرموقا هو نتاج المدرسة العمومية المغربية التي نال داخلها شهادةالباكالوريا، لينتقل بعدها إلى بلجيكا ومنها صوب الولايات المتحدة الأمريكية.
وبذلك تناسلت الأسئلة في رؤوس الكثيرين من المغاربة لتعيد الاعتبار للذات ولو بشكل تعويضي مرددة سرا وعلانية،أن المجتمع الذي خرج من صلبه عالم بحجم منصف السلاوي وآخرين ككمال الودغيري ورشيد اليزمي بمقدوره إنتاج علماء آخرين والاحتفاظ بهم بين ظهرانيه لو وفر هذا الأخير الشروط المناسبة للحيلولة دون هجرة الأدمغة.
وكما برزت أسماء علماء بالخارج من أصل مغربي، اكتشف المغاربة أسماء باحثين وعلماء من داخل المغرب وعلى رأسهم البروفيسور الإبراهيمي وفريق بحثه الذي يشتغل على قدم وساق لإيجاد اللقاح المطلوب لوقف زحف الجائحة. وفي نفس الاتجاه صمّمت المؤسسة المغربية للعلوم المتقدمة والإبداع والبحث العلمي طقم تشخيص لفيروس “كوفيد-19” مغربيا مائة في المائة.
إن المغزى من عرض هذه المعلومات يتمثل أساسا في السؤال التالي: كيف للنموذج التنموي الجديد المبحوث عنه أن يجعل من تشجيع العلم والعلماء في كل الميادين، من أولوياته الأساسية لصياغة تنمية شاملة قوامها رأس المال البشري كمورد له الأسبقية على كل الموارد؟
وما يزكي هذا الطرح، انخراط الشباب الجامعي في ابتكار واختراع معدات للوقاية من الجائحة كالكمامات وآلاتالتعقيم وأجهزة التنفس وغيرها.
هكذا أخرجت الجائحة للعلن مهارات وإمكانيات الشباب المغربي في الابتكار والتصنيع، الشيء الذي يجب أخذه بعين الاعتبار في صياغة النموذج التنموي الجديد. فلا فائدة من أن يغيب هذا المجهود بغياب الجائحة في شقها الوبائي. فالمادة الخام موجودة ولا تنقصها سوى السياسة الملائمة لتصبح قائمة الذات. ولعل كل ما سبق ذكره، قد خلق على المستوى النفسي لدى العديد من المغاربة الشعور بالانتماء والخروج من فكرة احتقار الذات نحو الاعتزاز بها، ليظل السؤال مطروحا؛ ما السبيل لتعزيز هذا الشعور بالانتماء للمجتمع من خلال ما ينتجه أبناؤه؟
الجائحة والحاجة إلى العلوم الإنسانية
بانتشار الجائحة وفرض الحجر المنزلي، ظهرت المضاعفات النفسية-الاجتماعية لتصبح الحاجة ماسة إلى العلوم الإنسانية، وفي مقدمتها السيكولوجيا والسوسيولوجيا بكل فروعهما لتقديم الدعم النفسي والاجتماعي، وقراءة وتفسير السلوك المعرفي والوجداني للأفراد تحت طائلة الحجر، وما نتج عنه لدى الكثيرين من الأفراد من مظاهر القلق والتوتر والرهاب والاكتئاب وغيرها من الاضطرابات النفسية، وانعكاساتها العلائقية التي وصلت في حالات كثيرة إلى العنف الأسري
أمام هذا الوضع، انخرطت مجموعة من الباحثين الجامعين والممارسين في مجال السيكولوجيا وعلوم التربية والسوسيولوجيا في تقديم الدعم عبر منصات رقمية أو من خلال خلايا الاستماع التي انتشرت على امتداد البلد من شماله إلى جنوبه.
لقد كشفت الجائحة، مرة أخرى، الدور الهام للعلوم الإنسانية في قراءة وفهم وتفسير السلوك الإنساني العلائقي على المستويين المعرفي والوجداني.
غير أن الحاجة إلى العلوم الإنسانية كانت مُغيبة في اتخاذ القرارات وفي صياغة البرامج السياسة لتصبح كل تلك البرامج والقرارات مفصولة عن واقع الإنسان المستهدف، ولتكون النتيجة الحتمية هي الفشل وإنتاج التصورات النمطية والأحكام المسبقة التي تروم إلى اختزال الأفراد في أدوار أُعدَت مسبقا في قوالب إيديولوجية هدفها السيطرة والخنوع. فإذا كان النموذج التنموي المبحوث عنه يستهدف تنمية الإنسان ليصبح عنصرا فعالا في عملية التنمية الشاملة، فلا مناص من الاعتماد على مقاربات العلوم الإنسانية،بحثا وتأطيرا، لأنها الطريق الأمثل لفهم الإنسان في ديناميكياته المتعددة، وعدم اختزاله في الخطابات والشعارات، وإنما كذلك في أفعاله وممارساته.
إن الدرس الكبير الذي علمتنا إياه الجائحة؛ أنه بعد مرورها، لا مكان للإيدولوجيا لممارسة السياسة.فوحده العلم والمعرفة بما فيها العلوم الإنسانية، ما يستطيعان مقارعة ذلك “الليس- بعد” بتعبير الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر، وذلك لن يتم إلا بفهمٍ ووعيٍ استشرافي للإنسان، والذي يجب أن يُرسخ في تلاؤم خلاق بين القول والفعل…
المصطفى شكدالي يكتب عن.. جائحة كورونا و البحث عن النموذج التنموي الجديد بالمغرب..
5- الحاجة إلى ثقافة رقمية فعالة
بفرضها لقيود الحجر المنزلي، تكون الجائحة قد حكمت على الروابط الاجتماعية بالتباعد الاجتماعي. ومن حسن حظ البشرية أنها جاءت في عصر الرقمنة والتواصل عن بعد. فأكثر من 5 مليار ونصف من البشر يعيشون في المجتمع “المُرقمن” ومواقع التواصل الاجتماعي، فحصلت الهجرة الجماعية من الواقعي نحو الافتراضي. ليتحول هذا الأخير إلى فضاء عام مكن الأفراد والجماعات من نسج العلائقي عن بعد وليتحول البعيد إلى قريب والعكس بالعكس.
وفي المغرب، كغيره من باقي دول العالم، ارتفعت وثير ة المنشورات في مواقع التواصل الرقمي، كتابة وصورة وصوتا، وأصبحت جل المحتويات المنشورة تدور حول الجائحة بكل أبعادها الاقتصادية والسياسية والنفسية والاجتماعية.
وهكذا توارت إلى الوراء كل المحتويات الرقمية السابقة بمواضيعها الفجة والتي عملت طويلا على نشر المبتذل والزائف والمنحط من الأفكار. وفي هذا السياق ظهرت منصات للندوات والمحاضرات، وليخرج المثقف من برجه العاجي والأستاذ الجامعي من مدرجات الجامعة نحو التواصل مع الجمهور العريض، فتحققت فكرة انفتاح الجامعة على محيطها، بعد أن ظلت هذه الفكرة شعارا لسنوات،إلى أن جاءت الجائحة في عصر الرقمنة.
ومن المفارقات الغريبة أن يتسرب، في سياق هذا الزخم من التواصل الرقمي بالمغرب، نص لمشروع قانوني من وسط الحكومة تحت رقم 22.20هدفه تقنين وسائل التواصل ومنصات البث المفتوح في خطوة للتحكم في المحتويات الرقمية. غير أن الفهم العميق لحقيقة التواصل الرقمي، يجعلنا نقر أن التحكم في المنشورات الرقمية عن طريق سن قوانين هو إجراء من زمن ولى وانقضى. وأن الإجراء الوحيد الممكن في هذه الحالة هو التربية على استعمال الوسائط الرقمية وتوجيهها نحو إنتاج التفاعل الخلاق. ذلك أنه من المستحيل أن نتعلم السباحة خارج الماء.
وبالنظر لكل ما سبق، فإن النموذج التنموي المبحوث عنه لا يمكنه أن يتجاوز تشجيع التواصل الرقمي، ليس فقط بغرض تطوير محتوياته والمساهمة في بلورة مجتمع المعرفة، ولكن كذلك باعتبار الرقمنة وسيلة من وسائل الاشتغال عن بعد في ميادين متعددة كالتعليم والعدل والطب وغيرها. ولقد علمتنا الجائحة دروسا في هذا المجال، فتبديد الظلام لن يتحقق إلا بانتشار النور.
الجائحة والتعليم عن بعد في ظل الابتعاد
مع الجائحة، أصبح التعليم عن بعد ضرورة وليس اختيارا، ليتحول البعد إلى قرب بمقاييس الرقمنة وبمقاييس الأجيال التي ولدت بولادتها. وبهذا المعنى توسع مفهوم المدرسة وتحول من مكان فيزيقي يحتوي المدرسين و المتمدرسين إلى فضاء افتراضي-واقعي يؤسس لكفايات التعلم بطريقة تحترم التباعد لتحوله إلى قرب وتفاعل تشاركي لبناء المعرفة بطريقة قوامها الدينامية في اكتساب المعارف والمهارات.
وبفرض الجائحة للتباعد الاجتماعي في الأوساط المغربية، ظهرت بعض الاضطرابات في صفوف الآباء والمدرسين فيما يخص التعليم عن بعد . فإذا كانت الأجيال الحالية من المتمدرسين قد انخرطت في التواصل الرقمي منذ خطواتها الأولى في الحياة، فإن جيل المؤطرين من آباء وفاعلين تربويين وجدوا أنفسهم أمام الأمر الواقع في مسألة التعليم عن بعد.
هذه العملية التي لا تمارس بطريقة اعتباطية وإنما تكون مصحوبة بعملية سيكوبيداغوجية مرافقة للمدرس والمتمدرس. غير أن الجائحة فرضت الأمر الواقع، وكأن لسان حالها يقول : لقد آن الأوان للمدرسة أن تتأقلم مع خصوصية المجتمع المرقمن.
وهو ما يعني أن مسألة التعليم عن بعد يجب أن تكون حاضرة ضمن ركائز النموذج التنموي المبحوث عنه، ليلج بذلك الشباب مجتمع المعرفة من بابه الواسع حيث الحدود الجغرافية تتلاشى لصالح الانفتاح على المجتمع المرقمن، والنهل من موارده بما يقتضيه التحصيل العلمي الجاد والخلاق. إن تبني التعليم عن بعد بكل مقوماته التربوية والنفسية وترسيخه على مستوى الممارسة هو فعل، في العمق، يمتاز بموافقته لذهنية الأجيال الحالية واللاحقة من المتمدرسين، والتي خُلقت لتعيش زمن الرقمنة بكل تفاصيلها. ومن هنا وجب على المدرسة أن تتأقلم مع المتمدرسين وليس العكس، مادام الإنسان الذي نسعى إلى تكوينه، يصبو إلى أن يكون قادرا على مواجهة المستقبل وما تمليه شروط الزمن الرقمي الذي ينتمي إليه
المصطفى شكدالي يكتب..جائحة كورونا و البحث عن النموذج التنموي الجديد بالمغرب..
6- خاتمة بصيغة البدء
وكما كشفت الجائحة عن الكثير من القضايا التي لم يكن بوسع العمى المنظم الذي نعيشه أن يُدركها، أماطت اللثام عن عيوننا لرؤية حجم الهشاشة والفقر الذي تعيش فيه فئات عريضة من المجتمع، وهي الفئات التي يمكن أن نلقبها بالفئات الصامتة.
وكذاك الأمر بالنسبة إلى الفوارق بين الجهات وبين المدن والقرى. فغياب الضمان الاجتماعي للفئات المشتغلة في القطاعات غير المهيكلة ليست إلا الشجرة التي تخفي الغابة. ذلك أن مظاهر عديدة من البؤس الاجتماعي أصبحت في الواجهة بما لا يمكن نكرانه أو التخفيف من حدته والتطبيع معه.
صحيح أن هذه الوضعية لا تخص المغرب لوحده، فالجائحة كشفت عن مواطن الفوارق والاختلالات والهشاشة الاجتماعية في كل دول العالم بما فيها الدول التي كانت إلى وقت قريب تعتبر نفسها خالية من كل هذه المظاهر.
غير أن المغرب وبالنظر إلى الإجراءات الفعالة التي اتخذها في وقت قياسي للحد من أزمة الجائحة وهو في بحثه عن النموذج التنموي الجديد، يجد نفسه مطالبا بتثمين هذه الإجراءات والخروج بها من منطق ديمومة المؤقت إلى منطق التنمية المستدامة. فاللامفكر فيه سابقا أصبح مشخصا ولا مجال لتجاهله بعد اليوم.
الجائحة ووضعية المشردين بدون مأوى
فجأة، جعلتنا الجائحة ننظر بعين الرحمة للمشردين بدون مأوى، وكأن وجودهم لم يكن له وجود. فسارعت الجمعيات الخيرية إلى إيوائهم والعناية بهم وكأنه الاكتشاف العظيم لمزاولة العمل الاجتماعي التطوعي.
ورغم الإشادة بهذا العمل وما يحمله من معاني التآزر والتكافل الاجتماعي، إلا أن هذه البادرة قد تُفهم أنها جاءت خوفا من انتشار الوباء وليس بالضرورة رأفة ورحمة بالمشردين.
من هنا، وجب على النموذج التنموي المنتظر؛ أن يجعل من العمل الاجتماعي- التطوعي سياسة فعلية قوامها التأسيس لحماية اجتماعية للفئات المهمشة، تضمن لهم الحد الأدنى من العيش الكريم. الشيء الذي لن يتأتى إلا بتنمية شاملة في جوانبها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على حد سواء.
إن قيم المواطنة، التي طالما تشدقنا بممارستها من خلال شعاراتنا، تبدأ برعاية الحلقة الأضعف في المجتمع، وذلك ليس بمنطق المَن والتباهي، وإنما بمنطق الاستحقاق والواجب وروح المسؤولية الوطنية. ومن أجل بلوغ هذا الهدف، لابد من إعادة النظر في طرق اشتغال المؤسسات والجمعيات الخيرية التي تعمل في هذا المجال لتمكينها من القيام بمهامها بطرق احترافية.
الجائحة وضرورة استمرار صندوق الدعم
مع بداية انتشار الفيروس وتعميم الحجر المنزلي، بادرت الدولة المغربية إلى إنشاء صندوق للدعم المالي تحث اسم:”الصندوق الخاص لتدبير ومواجهة وباء فيروس كورونا”.
والذي الذي رصدت له من الميزانية العامة للدولة اعتمادات مالية بمبلغ 10 مليارات درهم بشكل رئيسي، بالإضافة إلى مساهمة العديد من الهيئات والمؤسسات والأشخاص.
ومهام هذا الصندوق تتلخص في تحمل تكاليف تأهيل القطاع الصحي ودعم الاقتصاد الوطني لمواجهة تداعيات وباء كورونا والتخفيف منها اقتصاديا واجتماعيا.
هذه البادرة جاءت لمواجهة الوباء، لكنها كانت نتيجة قطعية للجائحة في شكلها الاجتماعي والسياسي لما قبل كورونا. الشيء الذي يدفع بنا إلى التساؤل مجددا حول ما إذا كانت هذه البادرة ستنتهي بنهاية الوباء لنعيش مرة أخرى، على هذا المستوى، ديمومة المؤقت.
أليس من الأرجح أن يستمر هذا الصندوق في شكل آخر، تكون مهمته في إطار النموذج التنموي الجديد التخفيف من أثر الأزمات، ليلعب بذلك دور اليقظة الاقتصادية والمساهمة في التوازنات الاجتماعية؟
شيء ما ينقصُنا… خاتمة بصيغة البدء
في خطاب العرش لسنة 2018، قال جلالة الملك: “إذا كان ما أنجزه المغرب وما تحقق للمغاربة، على مدى عقدين من الزمن، يبعث على الارتياح والاعتزاز، فإنني في نفس الوقت، أحس أن شيئا ما ينقصنا، في المجال الاجتماعي …”. من خلال عبارة ” شيء ما ينقصنا” نستشف أنها كانت دعوة للعمل على تشخيص الواقع الاجتماعي بكل حمولاته السياسية والاقتصادية والثقافية، وتشريحه حتى يصبح بإمكاننا وضع الأصبع على الجرح والشروع في معالجته.
غير أن عبارة “شيْ ما ينقصنا” لم تُفهم على هذا النحو، فضاع مغزاها في خطابات ومزايدات السياسيين دون اللجوء إلى أهل الاختصاص من باحثين في العلوم الإنسانية والاجتماعية للقيام بعملية التشخيص وتحديد مظاهر النقص لتجاوزها بطرق ناجعة.
ومن حسن حظنا، أن جائحة كورونا جاءت لتقوم بعملية التشخيص لهذا الشيء الذي ينقصنا، فظهر جليا بأبعاده المتعددة والمتداخلة بين ما هو اقتصادي وسياسي ونفسي-اجتماعي. وكذلك كل ما يقتضيه العمل على تجاوزه بما هو علمي وعملي. إن الدرس المتعدد الذي علمتنا إياه الجائحة غير قابل للتجديد، ولن يكون بإمكاننا ممارسة سياسة العمى المنظم وتجاهل الشيء الذي ينقصنا. فإما أن نكون في القادم من الأيام أو لا نكون…
المصطفى شكدالي/ أستاذ التعليم العالي مؤهل في علم النفس الاجتماعي بالمعهد العالي الدولي للسياحة بطنجة