كلمات
.. إلى العالمين
من "أنرار" إلى "هرتسوغ" !
“السنة الأمازيغية ” .. أسطورة صهيونية
ظهرت في السنوات الأخيرة جملة من المظاهر الغريبة التي أثارت و ما تزال تثير أسئلة حول مراميها المريبة، خاصة و أنها تتوجه لأخطر عنصر في هوية المغاربة؛ بعدها الثقافي و الروحي، الذي شكل، على مدى قرون، ذلك الإسمنت المسلح لوحدتهم وتماسكهم الوطني و المجتمعي على حد سواء .
ومن هذه المظاهر المستجدة على بلادنا و مجتمعنا، بعض الرموز الملفوفة و المعبأة في قوالب لأساطير غريبة مغلفة
في سرديات تتبجح بالعلم، مع ان بعضها يصل إلى مستوى الفضائح من المنظور العلمي و يتدثر بعضها بأردية من خطابات حقوقية مزيفة تنطلي على بعض البسطاء في تفكيرهم .. و حتى بعض المفترض أنهم من نخبة الحقوقيين، مع أن بعض هذه الأساطير، فضلا عن لا عقلانيتها، تنبعث منها رائحة عطنة للعنصرية البغيضة !!
من هذه المظاهر و الأساطير ما انكبت عليه الدعاية الصهيونية في السنين الأخيرة في ورش صهينة المكون الأمازيغي عبر صهينة موروثه الثقافي بأسطرته و بربطه ب”الأساطير الجديدة” التي تحضر بها التأسيس ل ” إسرائيل الجديدة ” بالمغرب ( انظر مقالنا السابق حول ” اكتشاف ” أورشليم صغيرة جنوب المغرب ! ) .. من أهم هذه الأساطير ما يسمى؛ “السنة الأمازيغية “ !! التي أصبحت تقام لها الحفلات و الطقوس و تجند لها أرمادا من البروبغندا غير مسبوقة !
فما هي حقيقة هذه الفرية الكبيرة المستحدثة ؟ و لماذا قلنا عنها أنها ” أسطورة صهيونية ” ؟!
هذا ما سنحاول أن نجيب عنه من خلال عرض حقيقة هذه ” السنة الفلاحية ” كظاهرة ثقافية – اجتماعية بالوسط القروي الفلاحي، الأمازيغي و العربي على حد سواء، و كذا من خلال عرض الأساس الأسطوري الذي تحاول أدوات الدعاية الصهيونية من إمازيغن المرتبطين بهذه الأجندة الصهيونية و القيمين عليها بناؤه عليه .
1 – سبع خضار أو إيض سݣاس
أحبوب أم الرمان
أنغاد أم الحنا ! .
هذا واحد من الأبيات الشعرية الأمازيغية المغناة من قبل الفلاحين خلال عملية دراس المحصول الزراعي حيث يرددون خلف كوكبة من البغال و الحمير الموثقة بالحبال و المربوطة بعمود خشبي ( بوݣجدي) يتوسط أكوام الزرع المحصود المجفف لأيام تحت أشعة يوليوز المحرقة، و الجاهز لفرز حبه من قشه تحت حوافر البهائم و أقدام الفلاحين .. و كل ذلك تحت أهازيج الفلاحين و زغاريد نسائهم و ضحكات أطفالهم الذين يسعدون بهذا الموسم السنوي وطقوسه .
تبدأ الدورات الأولى وسط الزرع خلف البهائم بباسم الله و النبي عبر لازمة :
آ باسم الله الرحمن ( يصيح نصف الفلاحين الحاضرين )، فيرد عليه النصف الثاني :
نبدا س ربي د النبي
[ نبدأ متوكلين على الله و على نبي الله ] .
و بعد عدة دورات يتم، بالأمازيغية – العربية دائما، الانتقال إلى لازمة الصلاة على خير من خلق الله في الأنبياء والمرسلين : آ الصلاة على، يصيح أيت تفلليست ( نصف الفلاحين الأقرب إلى تفلليست = البغلة التي في أقصى الكوكبة ) ..
محمد المصطفى يرد أيت بوݣجدي( النصف الأقرب ل أغيول نبوݣجدي = الحمار المربوط للعمود الخشبي ) ..
أخير ن ما يخلق الله ، يقول أيت تفلليست ، فيرد أيت بوݣجدي؛ ݣ الانبيا و المرسلين …
… و هكذا تتوالى الأهازيج الأمازيغية أو الامازيغية العربية لغاية الدورات الأخيرة قبل إنهاء العملية التي قد تدوم لساعات حسب حجم المحصول . و هنا يردد الفلاحون لازمة أمازيغية هي :
أحبوب أم الرمان
أنغاد أم الحنا ! .
و معناها بالعربية : إننا نتمنى أن تكون حبوب محصولنا هذه السنة بحجم حبات الرمان .. و ليكن دراس سيقان الزرع موفق حتى نقترب، في سحقه، من سحق الحناء ( مستوى سحق النساء للحناء ) .. لأن القش، او التبن، بقدر ما يكون مسحوقا بقدر ما يساعد البهائم في الهضم و يكون علفا شهيا لها …
هذه اللازمة في عز الصيف، آخر السنة الفلاحية، خلال جمع المحصول الزراعي، تذكر بممارسة طقوسية عند الفلاحين الأمازيغ، و العرب على السواء، في بداية الحرث أواسط فصل الشتاء . ففي هذه الأثناء، يتم اللجوء إلى ما يتم خزنه من بعض الرمانات في الخريف لهذا الموسم حيث يتم تقشيرها و نثر حباتها خلف ” تݣوݣا ” = زوج من الأحصنة او البغال التي تجر المحراث الخشبي فتترك خلفها خطوطا مخروطية تدفن ما تم نثره من بذور القمح و في بداياتها كذلك حبوب الرمان .. أملا في ان تكون الحبوب المبذورة مكتنزة بحجم حبات الرمان ..
هذه هي بعض الطقوس المرتبطة بالسنة الفلاحية التي يحتفي بها فلاحو العالم القروي عموما و فلاحو الواحات وما جاورها في المغرب و الجزائر على وجه الخصوص، عربا و أمازيغ، سواء بسواء .. لا بل إنها تقليد و عرف من التقاليد و الأعراف التي يتميز بها موروث حوض البحر المتوسط ككل، مع اختلافات بسيطة هنا و هناك .. و لعل الأبحاث الأنتروبولوجية والإثنوغرافية أعطت في هذا المجال الشيء الكثير، و نحيل هنا إلى أبحاث الإثنوغرافية الفرنسية التي غادرتنا قبل فترة ، بعد عمر طويل في الأبحاث بمنطقتنا، تلميذة مارسيل موس؛ جيرمان تيون، خصوصاً في كتابها؛
“Il était une fois l’ethnographie” ..
فمثل هذه التمثلات و الاستبشار و حتى المعتقدات و الطقوس التي يختلط فيه الموروث الثقافي البدائي مع الدين الإسلامي، كان من سمات المجتمعات الزراعية و فهم و عقلية و نمط تفكير الفلاحين الأمازيغ و العرب على مستوى كل أقطار المغرب العربي الأمازيغي . لذلك فإن إسم السنة الفلاحية الجديدة لدى سكان هذا المجال الحضري المغاربي يحمل إسمين يستعملان بنفس المعنى؛ “سبع خضار” أو ” إيض سݣاس” الأول – كما هو مفهوم من الكلمتين اللتين يتكون منهما – مستمد من الاحتفال ليلة رأس السنة الجديدة التي توافق ليلة الثالث عشرة من شهر يناير الغريغواري ( فاتح يناير الفلاحي )؛ هذا الاحتفال الذي يتم باكلة الكسكس الجناعية، مهيأة في قصعة بست خضر مختلفة، و سابعها نواة تمرة من يعثر عليه خلال الأكل يكون الشخص المبارك في العائلة على مدى السنة الجديدة! . أما الإسم الثاني فترجمته الحرفية هي : ليلة السنة، (الجديدة يعني ) !
هذا هو أصل السنة الفلاحية الجديدة، و تهم المجتمعات الزراعية في *الجماعات القاعدية* ( بالتعبير الأنتربولوجي )؛ الأمازيغية و العربية على السواء .
فمجال القصة كلها إذن بين إݣر = الحقل و أنرار = البيدر .. و لا تتعداها !
لكن ..
لكن الأسطرة دخلت على الخط في السنوات الأخيرة، بإشراف من خبراء الكيان الصهيوني وأدواته بالمغرب، و ذلك في سياق أجندة خطيرة جداً على المغرب و المغاربة و المغاربيين بشكل عام .
2 – ” السنة الأمازيغية ” الأجندة الصهيونية و الفضيحة العلمية !
سنعرض هنا، و في المرفقات، ما يثبت صهيونية و فضائحية و أراجيف” الأسس العلمية ” !! التي أقيمت عليها أسطورة ” السنة الأمازيغية” !
أ – الأجندة الصهيونية
تبدأ الادبيات الصهيونية في أساطيرها المؤسسة التي تحاول بها اصطناع الهوية الجديدة للأمازيغ من الأصول حتى تحضر بذلك التربة الخصبة لاستنبات الفسائل اللازمة لمقومات و مرتكزات هذه الهوية الجديدة التي يجب ان تنتهي للتماهي مع الأطروحة الصهيونية .. و من منظري الصهاينة في هذا المجال نستعرض رأي ثلاثة منهم على سبيل المثال وتمثلهم لصهينة الأمازيغ ..
في مقال ل دافيد بن سوسان تحت عنوان : ” سر ضياع قبائل بني إسرائيل العشر : قبائل شمال إفريقيا البربرية “ ينتهي، بعد عرض مستفيض لبحث آرثر كوستلر عن مملكة الخزر كقبيلة اليهود الثالثة عشر، إلى تقديم بحث على منواله و يعتبر البربر ( الأمازيغ) بشمال المغرب القبيلة اليهودية الرابعة عشر .. و يختم بحثه بسؤال “إشكالي” من صميم الخبث الصهيوني :
” فهل يتعلق الأمر بقبائل بربرية تهودت أم بقبائل يهودية تبربرت ؟ ” .
و النتيجة في بحث بن سوسان إذن هي أن البربر في كلتا الحالتين “يهود” !
.. وبرابرة شمال إفريقيا يهود إذن، و لأنهم هم السكان الأصليون بهذا المجال الحضري ( شمال إفريقيا) فإن غيرهم من السكان، (أي العرب ) دخلاء و مجرد غزاة يجب يوما أن يغادروا .. و لذلك قال برنار هنري ليفي في محاضرة له في مرسيليا عن الجزائر :
الجزائر ليست لا عربية و لا مسلمة، و إنما يهودية و فرنسية !
” l’Algérie n’est ni arabe ni musulmane mais plutôt juive et Française” !
أما بروز ماديوايزمان*، الأنتربولوجي و كبير الباحثين في معهد موشي دايان، المتخصص في الأمازيغية، فأكد في محاضرته للخبراء، قبل سنوات، في أحد معاهد تل ابيب، على أهمية و حيوية أن تصبح *” الحركة الأمازيغية مشروع حليف استراتيجي ل ” إسرائيل ” !!* و هو المشروع الذي انكب عليه فنشر عدة أبحاث و مقالات قبيل و خلال حراك 20 فبراير و حراك الريف و غيرهما من الحراكات التي انصهر فيها رفقة مخبريه و مرشديه الذين جابوا به كل تضاريس المغرب .
بروز مادي وايزمان الذي نتابع خطواته و مشاريعه التلغيمية في المرصد المغربي لمناهضة التطبيع، هو الذي كان موضوع نقاش في إحدى الندوات فقال عنه الدكتور حسن أوريد، بعد أن تحدث عنه و عن عمله التخريبي ممثل المرصد في الندوة، …” … و له شبكة ! “!
ب -“شيشناق” و الفضيحة العلمية !
ليعطي ” منظرو” الهوية المزوغية المتصهينة الجديدة هالة لأساطيرهم، كان لابد أن يبحثوا لهم عن أمجاد و ملاحم في التاريخ. . لذلك عمدوا خلال بناء أسطورة “السنة الأمازيغية” إلى ربطها بعظيم من العظماء، فكان أن نزل اختيارهم على شيشناق الفرعون الذي ادعوا انه أمازيغ من الجزائر !
و للرفع من قدرهم، من خلاله، اقاموا ونسجوا له قصصا وحروبا و بطولات في مواجهة الفرعون رمسيس الثاني، ” الذي هزمه الفرعون الأمازيغي شيشناق العظيم في حرب ضروس! و اعتلى إثر انتصاره المظفر عليه عرش مصر …الخ” ..
منظرو المزوغية المتصهينة عند مواجهتهم باستحالة ذلك لاختلاف أزمنة كلا الأسرتين الفرعونيتين، حاول بعضهم أن يستدرك بالادعاء أن الأمر يتعلق برمسيس الثالث و ليس الثاني !!
مسخرة حقيقية !!
مسخرة لأنه، لا رمسيس الثاني و لا رمسيس الثالث عاشا في زمن شيشناق العظيم !!
فرمسيس الثاني مات سنة 1213 ق.م .. أما رمسيس الثالث فمات سنة 1155 ق.م، في حين تولى شيشانق الأول الحكم سنة 950 ق.م .. !!
فكيف يكون شيشناق المظفر قد حارب وهزم فراعنة ماتوا قبل ولادته بما يزيد عن قرنين ؟ !!!
***
هذا هو أساس “السنة الأمازيغية ” التي تحاول المزوغية أن تركبها على السنة الفلاحية بأسطرتها .. أما لماذا كل هذا؟! فجوابه عند بن سوسان و أطروحة “القبيلة الرابعة عشر ” لبني إسرائيل .. و عند برنار هنري ليفي و عند بروز مادي وايزمان .. و عند لحسن أو سي موح و اكتشافه ل ” أورشليم صغيرة” ولقبور أنبياء اليهود بجنوب المغرب … و عند كل الجند المجندين وراء وايزمان و ضابط جيش الحرب الصهيوني سكيرا في ” محبي إسرائيل في المغرب الكبير ” المعبئين لإدخال هذه ” السوسة” في أوساط الطبقات الشعبية ..
و لمن لم يفهم ولم يستوعب جيدا بعد، فليتأمل خبر الإعلان عن الاحتفال بمركز *حاييم هيرتسوغ* لدراسات الشرق الأوسط والدبلوماسية في الكيان الصهيوني بمناسبة السنة الأمازيغية الجديدة 2971 !
و لمن لم يستوعب، حتى بعد كل هذا، فما عليه إلا أن يعود للندوة الصحفية لكل من المرصد المغربي لمناهضة التطبيع و مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين ( متوفرة على اليوتوب) و سيفهم معنى تأطير ضباط و حاخامات في جيش الحرب الصهيوني تداريب على فنون القتل بضمير مرتاح، تحت راية الأكاديمية البربرية لمصممها اليهودي الصهيوني جاك بيني و بالتلمود !
عندهما .. (راية جاك بيني و التلمود) بيد الحاخام يهودا أفيكسير .. سيفهم من لم يفهم كل شيء .. حتى لو كان من الحجارة أو خشبا مسندة !
بقلم د. أحمد ويحمان