تستعين جحافل “خبراء” التنمية البشرية بممارسات بعض الأنظمة العربية للتأثير في الشباب (أ.ف.ب)
كيف تكسبين زوجاً صالحاً وجميلاً؟
كيف تجد زوجة صالحة، جميلة وطيعة؟
كيف تربين أولادك تربية دينية صالحة؟
كيف تبني مستقبلاً زاهراً في أقصر فترة؟
كيف تصبح غنياً بشركات وحسابات بنكية في بقاع الدنيا؟
كيف تصبح رئيساً أو مديراً عاماً ناجحاً؟
كيف تصبح قائداً ناجحاً في السياسة والعسكر والمؤسسات؟
كيف تصبح…؟
والصباح لن يطلع بتاتاً!
هذه الأسئلة وأخرى كثيرة لها أجوبة جاهزة عند ما يسمى ميليشيات خبراء “التنمية البشرية”. كل الحلول مقدمة على طبق من “خطاب” ذي “بلاغة” منفوخة ومثيرة.
أن تستمع إلى “خبراء” “التنمية البشرية”، فلن تصيب من الحياة إلا جميله، ولن تخطئ بتاتاً النجاح والمال والجاه والنساء والبنون والجنة! كل مفاتيح “النجاح” بين أيديهم، بما فيها مفاتيح الجنة!
حيثما كان الجهل مستفحلاً نَشِط دجلُ ميليشيات “التنمية البشرية” وترعرع، إن من يتابع واقع المجتمعات العربية والمغاربية، وبالأساس في العقدين الماضيين، يكتشف وجود هذه الظاهرة الغريبة الطاغية على المجتمع الثقافي والإعلامي، وهي ما اصطلح على تسميته دورات “تدريب في التنمية البشرية”. وهي عبارة عن “كذبة كبيرة” صدقتها العامة من المواطنين البسطاء وخصوصاً الشباب، وعلى وجه الخصوص الفتيات، وما أكثرهن، ومن مختلف الأعمار، وهي الفئات التي تعاني هشاشة اجتماعية أو فكرية أو سياسية أو نفسية، في مجتمعات تغيب فيها الصحة الفكرية والثقافية والفنية وتحارب فيها الأفكار والفلسفات الجديدة التي تفتح المواطن على سؤال العصر وعلى علاقة الأنا بالآخر.
للتأثير في الشباب الضائع، شباب من دون بوصلة فكرية، من دون أحلام إيجابية، تستعين جحافل “خبراء” التنمية البشرية بممارسات بعض الأنظمة السياسية العربية والمغاربية التي تريد تكريس الجهل و”الاتكال” و”المكتوب”، فكل طرف له مصلحة في الآخر. والنتيجة في النهاية الإبقاء على مواطن مسلوب الإرادة، غير قادر على المبادرة الفردية والجماعية لمواجهة وضعه بشكل نقدي عميق. بالتالي، التمكن من التحكم في مصيره بسهولة.
إذاً، هناك تحالف استراتيجي علني أو مستتر ما بين الأنظمة السياسية وقادة دجل “التنمية البشرية” من أجل سلب المواطن وعيه وتجفيف منابع الإبداع فيه والحجر عليه في دائرة الاستسلام و”الحاجة”.
ما يسمى بحلقات أو جمعيات أو نوادي أو دورات أو أوكار “التنمية البشرية” هي خطر على الفرد والمجتمع من حيث أن المشرفين عليها يمارسون، وبكثير من “المكر” الفكري والأخلاقي، عملية غسيل مخ للشباب الذي يعيش انكساراً اقتصادياً، في أوطان ما عادت تسمح بالحلم في التغيير، حيث الإحباط في كل مجالات الحياة في السياسة والتعليم والإعلام والأسرة والاقتصاد وسوق العمل.
بذكاء الدجل المحترف يدرك المشرفون على نوادي الدورات التدريبية لـ”التنمية البشرية” بأن المواطن العربي والمغاربي، أمام هذا الانهيار في قيمة الإنسان، يعيش حالة “انتحار” دائمة، ولكنها مؤجلة إلى حين. لذا تراه، أي المواطن الضائع، يبحث عن الإمساك بأي قشة قد تنقذه من الطوفان، وهي الفرصة السانحة لجحافل “دجالي التنمية البشرية”، ليمارسوا عليه ضغطاً جديداً من خلال فتح أفق من “الكذب” اللابس لبوساً “علمياً” تارة، و”دينياً” تارة أخرى، و”سحرياً” تارة ثالثة.
ويعتمد خطاب ميليشيات التنمية البشرية على ترسانة من المفاهيم الغامضة، والمقصودة في غموضها، كي يثير انتباه المواطن الضائع وإبهاره والإيحاء له بأن ما يتم قوله أو التصريح به هو من “باب العلم الكبير” الذي لا علم للمواطن البسيط بمغاليقه، مفاهيم مغلوطة ومخلوطة توحي للمستمع ذي الثقافة البسيطة، الذي يعيش حالة نفسية مهزوزة، بأن ما يملأ به عقله هو “عدة علمية” قادرة على “تطوير مهاراته”.
ولجذب انتباه المواطن البسيط الضائع عند مفارق طرق مجتمع عربي ومغاربي تتنازعه “السياسة” و”الدين السياسي” و”الدين الدجلي” و”القمع ومصادرة الحريات” و”قمع الاجتهاد” و”الفساد”، تتحرك عصابات التنمية البشرية بحسب استراتيجية “خطاب مُتَعَلْمِن” (يدعي العلم) يقوم على خليط غير متجانس من المصطلحات الموظفة خارج سياقها المفاهيمي، مصطلحات من علم النفس السريري لاستمالة المواطنين الذين يعانون من هشاشة نفسية، ببنية سيكولوجية منهارة.
يستثمرون أيضاً في “الخطاب الديني” الفقهي والتشريعي. فمن وجهة نظرهم، يعتبر الرسول هو مؤسس علم التنمية البشرية! وبما أن الإنسان العربي والمغاربي هو ديني في أساسه التكويني الفكري والسياسي والثقافي والاجتماعي، تعمد زمرة التنمية البشرية في دوراتهم التدريبية على حزمة من الأحاديث النبوية والآيات القرآنية وإخراجها عن سياقها الإبستيمي والتاريخي والعقدي كي يتم تكبيل السامع المتدرب بالمقدس.
ولمحاصرة المواطن الضحية، يستثمر عسكر “التنمية البشرية” في الخطاب التاريخي، فيسوقون بعض جزئيات مفصولة عن سياقها العام مقتبسة من حيوات بعض الشخصيات التاريخية، التي سجلت أسماءها في التاريخ بالقوة أو بالشر أو بالدم، من أمثال هتلر أو موسوليني أو فرانكو أو نابليون، ليربطوا الذكاء والنجاح بالعنف كقيمة يمكن الوصول عن طريقها إلى تحقيق النجاح والتفوق.
إلى ذلك، ولإحكام الدائرة على الضحية، يوظف أفراد عصابة التنمية البشرية في دوراتهم التدريبية فكرة استعمال بعض المصطلحات باللغة الأجنبية، لا سيما الإنجليزية، لغة العلم. ويسردون في سياق “خطبتهم” عناوين لكتب وهمية باللغة الإنجليزية، وبعضها لا علاقة لها بالموضوع المطروح. كل ذلك لإبهار الضحية ودفعها إلى الاستسلام وتسليم عقلها للاغتيال.
ولا تترك عصابة التنمية البشرية أي عامل يمكن أن يخدمها في التأثير في ضحاياها في دوراتها التدريبية، ومن بين هذه الوسائل يجيء “اللباس” و”الهيئة” و”الساعة” و”الماكياج” و”غرس الشعر” في المخابر التركية! ففي دورات التدريب هناك “مسرحة” كاملة لمثل هذا الدجل، ومدرب التنمية البشرية يعمل على ارتداء لباس متجاوب مع الموضوع المطروح ومع الثقافة الغالبة في الوسط الاجتماعي، الذي تنظم له وفيه هذه الدورة أو تلك، يرتدي المدرب لباساً تقليدياً اجتماعياً، ويرتدي لباساً دينياً سياسياً، ويرتدي بذلة مودة (آخر صرعة). كل ذلك، لتوفير شروط الخدعة الفكرية وتكريس الدجل والإكثار من عدد الضحايا.
ويلاحظ أيضاً أن ضحايا عصابات الدورات التدريبية للتنمية البشرية غالبيتهم من النساء، حيث في المجتمعات العربية والمغاربية تعيش المرأة حالة من الهشاشة الاجتماعية والنفسية والاقتصادية والثقافية، نظراً لما يلحقها من تهميش تكرسه ثقافة الذكورة وذم مفهوم العنوسة والعنصرية الجنسية التي تجد تفسيراً لها في بعض كتب التراث المعرفية وفي بعض التأويلات الفقهية للنصوص الدينية.