آرثر شوبنهور (1788 – 1860) فيلسوف ألماني،
معروف بفلسفته التشاؤمية يرى في الحياة شر مطلق فهو يبجل العدم، وقد كتب كتاب (العالم إرادة وتمثل) الذي سطر فيه فلسفته فلذلك تراه يربط بين العلاقة بين الإرادة والعقل فيرى أن العقل أداة بيد الإرادة وتابع لها. في كتاب (تاريخ الفلسفة الحديثة) للفيلسوف الأمريكي (ويليم كيلي رايت)، قام الأخير بسرد فصل يشرح فيه أفكار (شوبنهور) حول علم الجمال أو الاستطيقيا، مستندًا في شرحه على كتاب (شوبنهور) المذكور مسبقًا. يقول (ويليم كيلي رايت) مبتدئًا كلامه:
إن الأفكار، كما رأينا، أزلية، وتقف بين الإرادة من حيث إنها شيء في ذاته والأشياء الفردية المتغيرة التي تتمثل فيها الأفكار. وتظل المعرفة، عادة، خاضعة للإرادة ؛ فنحن لا نعرف إلا لكي ننفذ رغباتنا التي تنبثق من الإرادة. ومثل هذا الخضوع ثابت في حالة الحيوانات. ومع ذلك يستطيع الإنسان في خبرات استاطيقية مختصرة أن يلغي الخضوع للإرادة، ويركز تأمله مباشرة في الأفكار، بغض النظر عن إشباع الرغبات. وعندما يفعل ذلك، يخفي التمييز بالنسبة له بين الذات والموضوع، لأن هذا التمييز لا يوجد إلا في أفراد يتميز بعضهم عن بعض عن طريق مبدأ العلّة الكافية، ولا يتمسك بالأفكار التي تسبق هذا التمييز. ففي العالم فقط من حيث إنه تمثل، أي عالم الموضوعات المدركة، تكون الذات متميزة عن الموضوعات التي تدركها. ومن يصبح مستغرقًا في إدراك الطبيعة التي يفقدها كل إحساس بالفردية، ينتبه إلى معرفة أنه هو والطبيعة أصلًا شيئًا واحدًا.
ثم يقول عن معنى الفن وقيمة الفنان عند (شوبنهور):
إن أحداث العالم، بالنسبة لأي شخص يفهم تلك الحقيقة، ليس لها أهمية إلا من حيث إنها الحروف التي نقرأ بها الأفكار. وهذا النوع من المعرفة، الذي يهتم بالأفكار، التي تكون المضامين الثابتة لكل الأشياء المتغيرة، هو الفن. فهو ينتج من جديد الأفكار الأزلية في وسيط مادي، مثل النحت، والتصوير، والشعر، والموسيقى. والإنسان الذي ينتج الأفكار أو يدركها في عمل من أعمال الفن يكون عبقريًا ؛ لأن أعمال الفن الفعلية هي في الغالب الأعم نسخ غير كاملة من الأفكار، وهي تفتن عبقريًا ذا خيال لكي يقوم بتمييز الفكرة فيها. ويظهر العبقري غالبًا، للناس العاديين القاصرين في التخيل، ولا يدركون موضوعات عادية بينما يرى العبقري فكرة، إنسانًا مجنونًا، وذلك ما يبينه (أفلاطون) في أسطورة الكهف وفي أماكن أخرى، وأشار إليه شعراء كثيرون. وفي حين أن معظمنا ليسوا عباقرة، إلا أن كل إنسان لديه القدرة على المتعة الأستاطيقية يمتلك مقدرة قليلة لإدراك الأفكار التي تكون أساسًا لموضوعات الطبيعة والفن التي ينتجها من جديد.
ثم يتحدث بتفصيل عن عدد من أشكال الفنون، اخترنا لكم بعضًا منها، فنون العمارة مثلًا:
ويوضح فن العمارة، من حيث إنه فن جميل، بعضًا من الأفكار التي تؤلف الدرجات الدنيا من تموضع الإرادة في الثقا والتماسك، والصلابة، والصلادة – الصفات الكلية للحجر، وتجليات الإرادة الأكثر بساطة وإبهامًا. والموضوع الوحيد لجماليات العمارة هو الصراع بين الثقل والصلابة، الذي يكشف عنه الفن بتمييز تام بالنسبة إلى الضوء. واستطاع الفنان المعماري أن ينتج هذه الآثار بحُرّية أكثر في المناخ المعتدل في الهند، ومصر، واليونان، وروما. أما في أوروبا الشمالية فقد قيّد المناخ القاسي حريته، ولابد من تزيين عربات الذخيرة الحربية، والأسطح المحددة، وأبراج العمارة القوطية بزخرفات مستعارة من فن النحت.
يتطرق بعد ذلك إلى فن آخر، وهو الشِعر عند (شوبنهور). يقول:
الشعر هو أعلى الفنون التي تكشف عن الأفكار، الذي يصور الناس في سلسلة مترابطة من مجهوداتهم وأفعالهم. إن الشاعر يصور الخصائص التي لها مغزى ودلالة في أفعال لها مغزى، ويكون أكثر نجاحًا في الكشف الحقيقي عن الأفكار من المؤرخ، الذي يكون مجبرًا على اختيار أشخاص وظروف كما تأتي في علاقاتها المتشابكة والمؤقتة من علل ومعلولات. ولذلك لابد أن ننسب حقيقة داخلية حقيقية بالفعل إلى الشعر أكثر من التاريخ. ويدرك الشاعر في الشعر الغنائي، والأغاني، حالته الداخلية الخاصة ويصفها. […] ويتوارى الشاعر بصورة كبيرة أو قليلة وراء تمثلاته في أنواع أخرى من الشعر، إلى حد ما في القصيدة الروائية، وبصورة كلية في الدراما الشعرية، التي تكون الصورة الأكثر موضوعية، وكمالًا وصعوبة في الشعر. إن الشاعر هو مرآة البشرية، ويجلب إلى وعيها ما تشعر به، وما تفعله.
وبطبيعة (شوبنهور) المتشائمة، فقد تطرق بشكل أكبر إلى التراجيديا، وهي الأعمال الفنية الدرامية المائلة إلى التصوير المأساوي. فيقول عنها:
التراجيديا هي ذروة الفن الشعري، بسبب عظمة تأثيرها، وصعوبة إنجازها. فهي تصور الجانب المرعب من الحياة، تصور الألم الذي يتعذر التعبير عنه، وشكوى البشر، وانتصار الشر، وسقوط البريء العادل. إنها صراع الإرادة مع نفسها، والمعنى الحقيقي للتراجيديا هو أن البطل يُكفِّر، لا عن خطيئته الفردية الخاصة، وإنما عن جريمة الوجود الفردي، وتحطم الإرادة إلى أشخاص منفصلين.
وفي النهاية يذكر الموسيقى كأحد أنواع الفنون:
أما الموسيقى فهي تقف وحدها، مختلفة عن كل الفنون الأخرى. لأن الفنون الأخرى تكشف عن الأفكار، في حين أن الموسيقى تنفذ وراء الأفكار وتكشف عن الإرادة من حيث هي شيء في ذاته. وتصور النغمات المنخفضة، في انسجام الألحان، الدرجات الدنيا لتموضع الإرادة، أي الطبيعة غير العضوية، وضخامة كوكب الأرض، في حين أن النغمات العالية تصور عالم النباتات والحيوانات. وتسير فواصل السلم الموسيقي في موازاة مع درجات التموضع في الطبيعة، أي الأنواع المختلفة.
وأخيرًا يختتم كلماته بالحديث عن المتعة، وعلاقتها بالجمال:
وتمكننا المتعة التي نستقبلها من الجمال بأسره، والعزاء الذي يقدمه لنا الفنان من أن نستغرق لحظة فيما كتب وننسى أنفسنا من حيث أننا أفراد، وننسى كل همومنا الشخصية. وندرك أننا واحد مع الطبيعة بأسرها من حيث إنها تعبير عن الإرادة، وندرك أن كل حياة، وليست حياتنا الخاصة، معاناة تذهب سدى. ويقدم لنا نسيان أنفسنا بهذه الطريقة راحة مؤقتة من الآلام المضنية لرغبات فردية تعي ذاتها.
الفن بالنسبه لشوبنهاور تحرر من الواقع ليعيش حياه متساميه وهذه هي اول قضيه يقول بها شوبنهاور ( الهروب من الواقع)
الفكر الذى يضعها هنا شوبنهاور ان الواقع هو الفن ولكنه لايضعه كما هو بل يقوم بتهذيبه وتعزيزه والتركيز على العواطف والافكار، فهو يوجد واقع متساميا يوازي الواقع الحقيقي، ام ينفي شوبنهاور الواقع من الفن بل قد ارتفع به إلى مستوى أعلى.
يرى شوبنهاور أن سمو الفن يحرر الإنسان من عبوديته، في الفن نجد حريتنا لأن الانسان له مخاوف كثيره مثل الموت…. الخ
وهي تؤثر كفنان وكمتلقى من ناحيه، والأخلاق والتهذيب مثل البخل….
اي ان الفنان يحاول ان يعكس مشاكله بالفن.
*التأمل الجمالي بالنسبه لشوبنهاور حاله واحده لاتنفصل عن التأمل وعن الادراك، لأن الادراك هي عمليه التجربه او العمل الفنى ومن ثم ندخل التأمل الى العمل الفنى والجمالي.
الإدراك في الفن يؤدى الى التأمل والتأمل يؤدى الى حاله من السمو والتعالى عن الواقع.
تعتمد الاشياء الجميله ولكن بشكل متفاوت، الاشياء الجميله قياسا الى ادراكها بالادراك والنوع وبالإراده (الإنسان بلا إراده لاشي)
الجمال عند شوبنهاور
♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧
الجمال عنده مشروط بالإراده والنوع والفكر وليس مطلق.
الجمال نسبه صفه للعالم عندما نتأمل العالم لذاته وليس لأي سبب اخر.
اي التأمل في ذاته ليس لأي شئ اخر.
اي لانربطه بأسباب اخرى ولكن هذا لايعنى ان نجرد الجمال او التأمل بالإراده والنوع والفكره لأن الغير عاقل او عديم الإراده لايمكنه ان يدرك حتى وجود الله.
مثل: الله جميل لذاته
وليس جميل للعالم
يرى ان الانسان يحاول ان يكمل النقص الموجود في الطبيعه
يربط شوبنهاور بين الأخلاق والفن، مثل ان هناك فرق بين الطيب والشرير، فالشرير في وجهه نظر شوبنهاور هو الشخص الذي يقبع السجين في مقبره مملكه الاوهام اي ان الانسان يبتعد عن الحقيقه “الحق” اي يخلو من التسامى.
والفن من وجهه نظر شوبنهاور منطلق الى القداسه لكن الشعور بالشفقه والرحمه لايتسم بها الا الطيب.
الذي يدرك ماوراء الظواهر فهو متأمل يشفق على الناس الذين يعانون ويسببون المعاناه.
فالطيب فنان في الأساس، هنا شوبنهاور متأثر بإحاديه الكون وتناسخ الأرواح وبالأساطير الهنديه.
التحول من الشر الى الخير عند شوبنهاور مشروط بالتخلى عن الفرديه، الطيب يتسامى على الواقع الظاهري فيدرك ان المحبه والتعاطف فتقل معاناته عندما يتوحد مع العالم ولكي يتوحد مع العالم يخلص نفسه من كل الاشياء السلبيه كالرغبات والهموم الدنيويه ويصبح اقرب الى القديس والإراده هي الأداه لذلك اداه إلقاء رغبات الحياه والجسد.
كانت لشوبنهاور نظره سلبيه وهي انه شرع الإنتحار.
تجاوز الواقع وبنفس الوقت الاحتفاظ بالواقع فهذين الحالتين المتناقضتين لاتحدث الا بالفن.
التامل الخالص في الفن هو ارتفاع سمو فوق كل مانرغب فيه او نخاف منه.
جمال الفن عند شوبنهاور جمال عارض اي جزئى لأن المتأمل للفن لاينتصر كليا على طبيعته.
يجمع شوبنهاور مابين العبقري والمجنون، الشئ المشترك بينهما هو النسيان المؤقت للواقع بينما عند المجنون نسيان مطلق وعند المبدع مؤقت.
ويضع شوبنهاور الموسيقى في قائمه الفن لانها تخلص كامل الشعور لانها خياليه من كل مضمون ملموس او محسوس بعيده عن الواقع.
فأفكاره في الفن والفلسفه تشاؤميه لانه عاش مجموعه من الأزمات الشخصيه ولكنه وجد في عصر رومنسي.
كان شوبنهاور على خلاف مع جيله الذي في عصره وأهمل النظريات الفلسفيه من البعد الأجتماعي وركز على الأخلاق.
سر الجمال لدى أرثر شوبنهاور
♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧♧
الفن والفلسفة توأمان لدى شوبنهاور في وظيفتهما الإدراكية لماهية الوجود، إذا كان التفلسف يمارس الوعي بالحياة عن طريق التصورات فإن الفنّ يمارس الوعي بالحياة عن طريق المُثل، وإذا كانت إرادة الحياة ذات طبيعة باطنية عمياء لأنها تندفع بلا سبب وتتحرك دون هدف فإن الفن هو السبيل الوحيد للتحرر من عبثيتها، عالم الحياة هو محل اشتغال الإرادة التي تتجسّد في الصراع الشامل في الطبيعة وتتسبب بانتشار العذابات والآلام، لكن عالم المثل التي يُعيد الفنان اكتشافها عن طريق التأمل فخالٍ من الألم لخلوه من الإرادة، يقول شوبنهاور: “في التأمل الفني يصير الشيء الجزئي صورة نوعه دفعة واحدة، ويستحيل الفرد المتأمل إلى ذات عارفة خالصة”.
في العلم يتم الانطلاق من الكلي من أجل استتباع الجزئي لكن في الفن تكون البداية من الجزئي لمحاولة احتواء الكلي، العلم يتطلب البرهان ويصل لهدفه بالتجربة بينما الفن لا يتطلب سوى الموهبة وعادة ما يصل لمبتغاه بالبصيرة، نسيان الأنا هو شرط المتعة الجمالية إذْ لا تتحقق إلا بالتسامي الذي لا يخدش الإحساس بالجلال مع إجالة النظر في غضبة الطبيعة، ولا يكتمل إلا بالاتصال بين الذات والموضوع ليصبح التأمل في الحقيقة عملا لاإراديا، الجمال يتحقق في أتم صورة وأبهى حلة في النوع الإنساني لأنه يمثل أعلى مراتب تحقق الإرادة في هذا العالم، إعادة اكتشاف المثال الذي تتجسد أشكاله في الطبيعة عن طريق التأمل العميق هو ما يتيح للفنان التعبير عنه بصورة تفوق نظيرها الموجود في الطبيعة.
إذا كان الجمال لدى كانط ينصرف إلى ما تروق لنا صورته وليس إلى ما تروق لنا مادته فإن الشعور بالجمال لدى شوبنهاور “يأتي بواسطة عيان خالص تُدرك فيه الصور المتحققة في الموضوعات المحسوسة”، لذا كان الفن المعماري لدى شوبنهاور هو أدنى درجات الجمال لأنه لا يتجاوز مجرد الانسجام الهندسي، ثم يليه فن النحت والتصوير حيث يميل الأول لتوكيد إرادة الحياة وتحققها في الزمان والمكان بينما يميل الثاني لإنكارها لأنه ينحو لاستخلاص طابع إنساني عام من خلال الفرد باعتبار أن كل إنسان يساهم في مثال الإنسانية.
ثم يليه فن الشعر بوصفه إدراكا للذات من داخلها واستثارةً للخيال بواسطة الكلمات على حد تعبير شوبنهاور، الشعر يستوعب المُثل بكل درجاتها، لذا كانت القصيدة رمزا لتفوق الإنسان الروحي وأهم مظاهر التعبير الجمالي، الشاعر “مرآة الإنسانية” لقدرته على النفاذ إلى سر الوجود وملامسة الجوهر ومغالبة الخواء الداخلي، ثم يليه فن الموسيقى التي يراها شوبنهاور من أوضح تعبيرات الشيء في ذاته الذي لم يعد محجوبا بأشكال أخرى للتكييف المعرفي، وبخلاف حال الفنون الأخرى تبدو الموسيقى من أشد التعبيرات الفنية عن الوجود في وحدته المطلقة، للموسيقى كينونة مستقلة عن العالم وهذا يُكسبها أهمية ميتافيزيقية، خصوصا أن الطابع المتجدد للألحان يشبه الطابع المتجدد للطبيعة من خلال تنوع الأفراد، رؤية شوبنهاور للموسيقى تجسدت في الموسيقار ريتشارد فاغنر الذي وجد فيه نيتشه “فلسفة شوبنهاور وهي حية تسعى على قدمين”.
لقد وضع شوبنهاور قيمة الجمال في أعلى مرتبة ممكنة لأنه كان يتغيا بواسطتها الوصول إلى ما يشبه “الفناء التام” التي تحققه إرادة الفنان، يقول شوبنهاور:” لو استطاع الإنسان، مدفوعاً بقوة العقل أن يطلق الطريق المألوف في رؤية الأشياء… لو توقف عن اعتبار ما في الأشياء من متى وأين ولماذا، وتطلّع إليها ببساطة كما هي فقط، لو حال بين فكره المجرد وفكر التصورات… فترك وعيه في تأمل هادئ للموضوع المتمثل أمامه، منظراً كان أو شجرة أو جبلاً أو بناية … الخ . فلو كان له ذلك لتخلص الموضوع من كل رابط يشدّه إلى غيره، ولتخلصت الذات من كل رابط يشدها إلى الإرادة، وما سندركه حين ذلك لن يكون هذا الشيء الجزئي أو ذلك، وانما هي فكرة الصورة السرمدية، والتمثل المباشر للإرادة في درجة ما، وفي إدراك كهذا يتخلص الإنسان من كل فردية، فيغدو ذاتاً من المعرفة الخالصة وأعلى من الإرادة والألم والزمن